بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال : فعلي عليه‌السلام كذلك؟ قلت : لا ، قال : فهارون نبي وليس علي كذاك ، فما المنزلة الثالثة إلا الخلافة ، وهذا كما قال المنافقون إنه استخلفه استثقالا له ، فأراد أن يطيب نفسه ، وهذا كما حكى الله عزوجل عن موسى حيث يقول لهارون : «اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين» (١).

فقلت : إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ثم مضى إلى ميقات ربه عزوجل وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلف عليا عليه‌السلام حين خرج إلى غزاته.

فقال : أخبرني عن موسى حين خلف هارون أكان معه حيث مصى إلى ميقات ربه عزوجل أحد من أصحابه؟ فقلت : نعم ، قال : أوليس قد استخلفه على جميعهم؟ قلت : بلى ، قال : فكذلك علي عليه‌السلام خلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين خرج في غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان إذ كان أكثر قومه معه ، وإن كان قد جعله خليفته على جميعهم والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله عليه‌السلام «علي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

وهو وزير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا بهذا القول لان موسى عليه‌السلام قد دعا الله عز وجل فقال فيما دعا : «واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري»» (٢) وإذا كان علي عليه‌السلام منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى عليه‌السلام ، وهو خليفته كما كان هارون خليفة موسى عليه‌السلام.

ثم أقبل على أصحاب النظر والكلام فقال : أسألكم أو تسألوني؟ قالوا : بل نسألك ، فقال : قولوا.

فقال قائل منهم : أليست إمامة علي عليه‌السلام من قبل الله عزوجل نقل ذلك عن رسول الله من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات وفي مائتين درهم خمسة دراهم والحج إلى مكة ، فقال : بلى قال : فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرض واختلفوا في خلافة علي عليه‌السلام وحدها؟.

____________________

(١) الاعراف : ١٤٢. (٢) طه : ٢٩ ٣٢.

٢٠١

قال المأمون : لان جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس والرغبة ما يقع في الخلافة.

فقال آخر : ما أنكرت أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم باختيار رجل يقوم مقامه رأفة ورقة عليهم أن يستخلف هو بنفسه فيعصى خليفته ، فينزل العذاب فقال : أنكرت ذلك من قبل أن الله عزوجل أرأف بخلقه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد بعث نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعلم أن فيهم العاصي والمطيع ، فلم يمنعه ذلك من إرساله.

وعلة اخرى لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم ، فلو أمر الكل من كان المختار؟ ولو أمر بعضنا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا البعض علامة ، فان قلت الفقهاء فلا بد من تحديد الفقيه وسمته.

قال آخر : فقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عزوجل حسن ، وما رأوه قبيحا فهو عند الله تبارك وتعالى قبيح ، فقال : هذا القول لا بد من أن يريد كل المؤمنين أو البعض ، فان أراد الكل فهو مفقود لان الكل لا يمكن اجتماعهم ، وإن كان البعض فقد روى كل في صاحبه حسنا مثل رواية الشيعة في علي عليه‌السلام ورواية الحشوية في غيره ، فمتى يثبت ما يريدون من الامامة.

قال آخر : فيجوز أن يزعم أن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أخطأوا؟ قال : كيف نزعم أنهم أخطؤا واجتمعوا على ضلالة وهم لا يعلمون فرضا ولا سنة ، لانك تزعم أن الامامة لا فرض من الله عزوجل ولا سنة من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض ولا سنة خطأ.

قال آخر : إن كنت تدعي لعلي عليه‌السلام من الامامة [ دون غيره ] فهات بينتك على ما تدعي فقال : ما أنا بمدع ولكني مقر ولا بينة على مقر ، والمدعي من يزعم أن إليه التولية والعزل. وأن إليه الاختيار ، والبينة لا تعرى من أن يكون من شركائه فهم خصماء أو يكون من غيرهم والغير معدوم ، فكيف يؤتى بالبينة على هذا.

٢٠٢

قال آخر : فما كان الواجب على علي عليه‌السلام بعد مضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال :ما فعله ، قال : أفما وجب أن يعلم الناس أنه إمام؟ فقال : إن الامامة لا تكون بفعل منه في نفسه ، ولا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك ، إنما يكون بفعل من الله عزوجل فيه ، كما قال لابراهيم عليه‌السلام : «إني جاعلك للناس إماما» (١) وكما قال عزوجل لداود عليه‌السلام : «يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض» (٢) وكما قال عزوجل للملائكة في آدم عليه‌السلام «إني جاعل في الارض خليفة» (٣).

فالامام إنما يكون إماما من قبل الله باختياره إياه في بدئ الصنيعة والتشريف في النسب ، والطهارة في المنشأ ، والعصمة في المستقبل ، ولو كانت بفعل منه في نفسه كان من فعل ذلك الفعل مستحقا للامامة وإذا عمل خلافها اعتزل فيكون خليفة قبل أفعاله.

وقال آخر : فلم أوجب الامامة لعلي عليه‌السلام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : لخروجه من الطفولية إلى الايمان كخروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطفولية إلى الايمان والبراءة من ضلالة قومه عن الحجة واجتنابه الشرك ، كبراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الضلالة واجتنابه الشرك لان الشرك ظلم عظيم.

ولا يكون الظالم إماما ، ولا من عبدوثنا باجماع ومن أشرك فقد حل من الله عزوجل محل أعدائه فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الامة حتى يجيئ إجماع آخر مثله ، ولان من حكم عليه مرة فلا يجوز أن يكون حاكما فيكون الحاكم محكوما عليه فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم والمحكوم عليه.

قال آخر : فلم لم يقاتل علي عليه‌السلام أبا بكر وعمر وعثمان كما قاتل معاوية فقال : المسألة محال لان «لم» اقتضاء ولا يفعل نفي ، والنفي لا يكون له علة إنما العلة للاثبات ، وإنما يجب أن ينظر في أمر علي عليه‌السلام أمن قبل الله أم من قبل غيره فان صح أنه من قبل الله عزوجل فالشك في تدبيره كفر لقوله عزوجل «فلا

____________________

(١) البقرة : ١٢٤. (٢) ص : ٢٦. (٣) البقرة : ٣٠.

٢٠٣

وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما» (١).

فأفعال الفاعل تبع لاصله ، فان كان قيامه عن الله عزوجل فأفعاله عنه وعلى الناس الرضا والتسليم ، وقد ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القتال يوم الحديبية يوم صد المشركون هديه عن البيت ، فلما وجد الاعوان وقوي حارب ، كما قال عزوجل في الاول «فاصفح الصفح الجميل» (٢) ثم قال عزوجل : «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» (٣).

قال آخر : إذا زعمت أن إمامة علي عليه‌السلام من قبل الله عزوجل وأنه مفترض الطاعة ، فلم لم يجز إلا التبليغ والدعاء كما للانبياء عليهم‌السلام وجاز لعلي أن يترك ما امر به من دعوة الناس إلى طاعته.

فقال : من قبل أنا لم ندع أن عليا عليه‌السلام امر بالتبليغ فيكون رسولا ولكنه عليه‌السلام وضع علما بين الله تعالى وبين خلقه ، فمن تبعه كان مطيعا ، ومن خالفه كان عاصيا ، فان وجد أعوانا يتقوى بهم جاهد وإن لم يجد أعوانا فاللوم عليهم لا عليه ، لانهم امروا بطاعته على كل حال ، ولم يؤمر هو بمجاهدتهم إلا بقوة وهو بمنزلة البيت ، على الناس الحج إليه فاذا حجوا أدوا ما عليهم ، وإذا لم يفعلوا كانت للائمة عليهم ، لا على البيت.

وقال آخر : إذا وجب أنه لا بد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار ، فكيف يجب بالاضطرار أنه علي عليه‌السلام دون غيره ، فقال من قبل أن الله عز وجل لا يفرض مجهولا ، ولا يكون المفروض ممتنعا إذ المجهول ممتنع ولا بد من دلالة الرسول على الفرض ، ليقطع العذر بين الله عزوجل وبين عباده ، أرأيت لو فرض الله عزوجل على الناس صوم شهر ولم يعلم الناس أي شهر هو ولم يسم ، كان على الناس استخراج ذلك بعقولهم ، حتى يصيبوا ما أراد الله تبارك وتعالى ، فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول والمبين لهم ، وعن الامام الناقل خبر الرسول إليهم.

____________________

(١) النساء : ٦٥. (٢) الحجر : ٨٥. (٣) التوبة : ٥.

٢٠٤

وقال آخر : من أين أوجبت أن عليا عليه‌السلام كان بالغا حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس يزعمون أنه كان صبيا حين دعا ولم يكن جاز عليه الحكم ، ولا بلغ مبلغ الرجال ، فقال : من قبل أنه لا يعرى في ذلك الوقت من أن يكون ممن ارسل إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليدعوه ، فان كان كذلك فهو محتمل للتكليف ، قوي على أداء الفرائض ، وإن كان ممن لم يرسل إليه فقد لزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قول الله عزوجل «ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين» (١) وكان مع ذلك قد كلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عباد الله ما لا يطيقون عن الله تبارك وتعالى ، وهذا من المحال الذي يمتنع كونه ، ولا يأمر به حكيم ، ولا يدل عليه الرسول ، تعالى الله عن أن يأمر بالمحال ، وجل الرسول عن أن يأمر بخلاف ما يمكن كونه في حكمة الحكيم ، فسكت القوم عند ذلك جميعا.

فقال المأمون : قد سألتموني ونقضتم علي أفأسألكم؟ قالوا : نعم ، قال : أليس روت الامة باجماع منها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٢). قالوا : بلى ، [ قال : ] ورووا عنه عليه‌السلام أنه قال : من عصى الله بمعصية صغرت أؤ كبرت ثم اتخذها دينا ومضى مصرا عليها فهو مخلد بين أطباق الجحيم؟ قالوا : بلى قال : فخبروني عن رجل يختاره العامة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قبل الله عزوجل ولم يستخلفه الرسول؟ فان قلتم نعم كابرتم وإن قلتم لا ، وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا من الله عزوجل وأنكم تكذبون على نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنكم متعرضون لان تكونوا ممن وسمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدخول النار.

وخبروني في أي قوليكم صدقتم أفي قولكم : مضى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يستخلف أو في قولكم لابي بكر : يا خليفة رسول الله ، فا كنتم صدقتم في القولين فهذا

____________________

(١) الحاقة : ٤٦.

(٢) هذا الحديث من المتواترات عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الخاصة والعامة تراه في كنز العمال ج ٣ ص ٣٥٥ ، صحيح البخارى ج ١ ص ٣١.

٢٠٥

ما لا يمكن كونه ، إذ كان متناقضا وإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر.

فاتقوا الله وانظروا لانفسكم ودعوا التقليد وتجنبوا الشبهات فو الله ما يقبل الله عزوجل إلا من عبد لا يأتي إلا بما يعقل ، ولا يدخل إلا فيما يعلم أنه حق والريب شك وإدمان الشك كفر بالله عزوجل وصاحبه في النار.

وخبروني هل يجوز ابتياع أحدكم عبدا فاذا ابتاعه صار مولاه ، وصار المشتري عبده ، قالوا : لا ، قال : كيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه لهواكم واستخلفتموه صار خليفة عليكم وأنتم وليتموه ألا كنتم أنتم الخلفاء عليه بل تولون خليفة وتقولون إنه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إذا سخطتم عليه قتلتموه كما فعل بعثمان بن عفان.

قال قائل منهم : لان الامام وكيل المسلمين إذا رضوا عنه ولوه ، وإذا سخطوا عليه عزلوه ، قال : فلمن المسلمون والعباد والبلاد؟ قالوا الله عزوجل ، قال : فالله أولى أن يوكل على عباده وبلاده من غيره ، لان من إجماع الامة أنه من أحدث في ملك غيره حدثا فهو ضامن ، وليس له أن يحدث ، فان فعل فآثم غارم.

ثم قال : خبروني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل استخلف حين مضى أم لا؟ فقالوا : لم يستخلف قال : فتركه ذلك هدى أم ضلال؟ قالوا : هدى ، قال : فعلى الناس أن يتبعوا الهدى ، ويتنكبوا الضلالة ، قالوا : قد فعلوا ذلك ، قال : فلم استخلف الناس بعده وقد تركه هو فترك فعله ضلال ، ومحال أن يكون خلاف الهدى هدى وإذا كان ترك الاستخلاف هدى فلم استخلف أبوبكر ولم يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم جعل عمر الامر بعده شورى بين المسلمين خلافا على صاحبه.

زعمتم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف وأن أبا بكر استخلف ، وعمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بزعمكم ، ولم يستخلف كما فعل أبوبكر وجاء بمعنى ثالث ، فخبروني أي ذلك ترونه صوابا ، فان رأيتم فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صوابا فقد خطأتم أبا بكر ، وكذلك القول في بقية الاقاويل.

٢٠٦

وخبروني أيهما أفضل ما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف؟.

وخبروني هل يجوز أن يكون من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هدى ، وفعله من غيره هدى ، فيكون هدى ضد هدى ، فأبن الضلال حينئذ؟.

وخبروني هل ولي أحد بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باختيار الصحابة منذ قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليوم ، فان قلتم لا ، فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن قلتم نعم ، كذبتم الامة وأبطل قولكم الوجود الذي لا يدفع.

وخبروني عن قول الله عزوجل «قل لمن ما في السموات والارض قل لله» (١) أصدق هذا أم كذب؟ قالوا : صدق : قال : أفليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه ومالكه؟ قالوا : نعم ، قال : ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته [ إذا اخترتموه ] وتسمونه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتم استخلفتموه وهو معزول عنكم إذا غضبتم عليه ، وعمل بخلاف محبتكم ، وهو مقتول إذا أبى الاعتزال ، ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ، فتلقوا وبال ذلك غدا إذا قمتم بين يدي الله عزوجل وإذا وردتم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كذبتم عليه متعمدين ، وقد قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم إني قد نصحت لهم اللهم إني قد أرشدتهم اللهم إني قد أخرجت ما وجب علي إخراجه من عنقي اللهم إني لم أدعهم في ريب ولا في شك اللهم إني أدين بالتقرب إليك بتقديم علي عليه‌السلام على الخلق بعد نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمرنا به رسولك صلواتك وسلامك عليه وآله.

قال : ثم أفترقنا فلم نجتمع بعد ذلك حتى قبض المأمون.

قال محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري : وفي حديث آخر قال : فسكت القوم فقال لهم : لم سكتم؟ قالوا : لا ندري ما نقول ، قال : يكفيني هذه الحجة عليكم ثم أمر باخراجهم.

____________________

(١) الانعام : ١٢ :

٢٠٧

قال : فخرجنا متحيرين خجلين ثم نظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال : هذا أقصى ما عند القوم فلا يظن ظان أن جلالتي منعتهم من النقض علي (١).

بيان : قال الجوهري : قولهم «هم زهاء مائة» أي قدر مائة قوله «من كان المختار» هذا مبني على أن المأمور بالاختيار يجب أن يكون مغائرا للمختار للزوم المغايرة بين الفاعل والمحل ، وفيه نظر قوله «والبينة لا تعرى» حاصلة أنكم لما ادعيتم أن لكم الاختيار والعزل ، فالبينة عليكم ، ولا يمكنكم إقامة البينة إذ البينة إن كان ممن يوافقكم فهو مدع ، ولا يقبل قوله ، وإن كان من غيركم فالغير مفقود لدعواكم الاجماع ، أو لان الغير لا يشهد لكم ، قوله «ولا من عبدوثنا» باجماع حاصلة أن الظالم وعابد الوثن لا يستحق الامامة في تلك الحالة اتفاقا والاصل استصحاب هذا الحكم بعد زوال تلك الحالة أيضا.

٣ ـ يف : من الطرائف المشهورة ما بلغ إليه المأمون في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومدح أهل بيته عليهم‌السلام ذكره ابن مسكويه صاحب التاريخ [ المسمى ] ظ بحوادث الاسلام في كتاب سماه نديم الفريد يقول فيه حيث ذكر كتابا كتبه بنو هاشم يسألون جوابهم ما هذا لفظه :

فقال المأمون : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ; وصلى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين.

اما بعد عرف المأمون كتابكم ، وتدبير أمركم ، ومخض زبدتكم ، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم ، وعرفكم مقبلين ومدبرين ، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل ، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار ، وكلما جاءكم به الصادق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى كأنكم من الامم السالفة التي هلكت بالخسفة والغرق والريح والصيحة والصواعق والرجم.

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أفقالها ، والذي هو أقرب إلى المأمون

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٥ ٢٠٠.

٢٠٨

من حبل الوريد ، لو لا أن يقول قائل : إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم من سوء أخلاقكم ، وقلة أخطاركم ، وركاكة عقولكم ، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم ، فليستمع مستمع فليبلغ شاهد غائبا.

اما بعد : فان الله تعالى بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله على فترة من الرسل ، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحدا يساميهم ولا يباريهم ، فكان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أمينا من أوسطهم بيتا وأقلهم مالا ، وكان أول من آمنت به خديجة بنت خويلد فواسته بمالها ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سبع سنين لم يشرك بالله شيئا طرفة عين ، ولم يعبد وثنا ولم يأكل ربا ، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم ، وكانت عمومة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إما مسلم مهين أو كافر معاند إلا حمزة فانه لم يمتنع من الاسلام ، ولا يمتنع الاسلام منه ، فمضى لسبيله على بينة من ربه.

وأما أبوطالب فانه كفله ورباه ، ولم يزل مدافعا عنه ومانعا منه ، فلما قبض الله أبا طالب فهم القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون.

فلم يقم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فانه آزره ووقاه بنفسه ، ونام في مضجعه ، ثم لم يزل بعد متمسكا بأطراف الثغور وينازل الابطال ، ولا ينكل عن قرن ، ولا يولي عن جيش ، منيع القلب ، يؤمر على الجميع ولا يؤمر عليه أحد ، أشد الناس وطأة على المشركين ، وأعظمهم جهادا في الله ، وأوفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله ، وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم ، وصاحب قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وصاحب يوم الطائف (١).

____________________

(١) أى حين ناجاه من دون الناس ، ولما قالوا في ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا ناجيته بل الله ناجاه.

٢٠٩

وكان أحب الخلق إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحب الباب فتح له وسد أبواب المسجد ، وهو صاحب الراية يوم خيبر ، وصاحب عمرو بن عبدود في المبارزة ، وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين المسلمين.

وهو منيع جزيل ، وهو صاحب آية «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا» (١) وهو زوج فاطمة سيدة العالمين وسيدة نساء أهل الجنة وهو ختن خديجة عليها‌السلام وهو ابن عم الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رباه وكفله وهو ابن أبي طالب عليه‌السلام في نصرته وجهاده ، وهو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم المباهلة ، وهو الذي لم يكن أبوبكر وعمر ينفذان حكما حتى يسألانه عنه ، فما رأى إنفاذه أنفذاه ، وما لم يره رداه ، وهو دخل من بني هاشم في الشورى.

ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه عليه‌السلام كما دفع العباس رضوان الله عليه ووجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه.

فأما تقديمكم العباس عليه ، فان الله تعالى يقول : «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله» (٢) والله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل والاي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل واحد من رجالكم أو غيره ، لكان مستأهلا متأهلا للخلافة ، مقدما على أصحاب رسول الله بتلك الخلة ، ثم لم يزل الامور تتراقى به إلى أن ولي امور المسلمين ، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس تعظيما لحقه ، وصلة لرحمه وثقة به ، فكان من أمره الذي يغفر الله له ، ثم نحن وهم يد واحدة ، كما زعمتم ، حتى قضى الله تعالى بالامر إلينا فأخفناهم وضيقنا عليهم وقتلناهم أكثر من قتل بني امية إياهم.

ويحكم إن بني امية إنما قتلوا منهم من سل سيفا وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألن نفوس القيت

____________________

(١) الدهر : ٣. (٢) التوبة : ١٩.

٢١٠

في دجلة والفرات ، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء ، وهيهات إنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

وأما ما وصفتم في أمر المخلوع ، وما كان فيه من لبس ، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم إذ هويتم عليه النكث ، وزينتم له الغدر ، وقلتم له ما عسى أن يكون من أمر أخيك ، وهو رجل مغرب ، ومعك الاموال والرجال نبعث إليه فيؤتي به فكذبتم ودبرتم ونسيتم قول الله تعالى «ومن بغي عليه لينصرنه الله» (١).

وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لابي الحسن الرضا عليه‌السلام فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا ولا أظهر عفة ، ولا أورع ورعا ولا أزهد في الدنيا ، ولا أطلق نفسا ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشد في ذات الله منه ، وإن البيعة له لموافقته رضى الرب عزوجل ، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم ، ولعمري أن لو كانت بيعتي بيعة محاباة ، لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي ، وأجلى في عيني ، ولكن أردت أمرا وأراد الله أمرا ، فلم يسبق أمري أمر الله.

وأما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه ، وممايلتكم إياه ، فلما قتلته وتفرقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد ، وطورا أتباعا لاعرابي ، وطورا أتباعا لابن شكلة ، ثم لكل من سل سيفا علي ، ولو لا أن شيمتي العفو ، وطبيعتي التجاوز ، ما تركت على وجهها منكم أحدا ، فكلكم حلال الدم محل بنفسه.

وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني ، أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ويلكم إن العباس غلام حدث السن ، ولم يونس رشده ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب ، تدبره النساء وتكفله الاماء ، ثم لم يتفقه في الدين ، ولم يعرف

____________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى في الحج : ٦٠ ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله ).

٢١١

حلالا من حرام ، إلا معرفة لا تأتي به رعية ، ولا يقوم به حجة ، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب ، وتفقه في الدين ، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ما كان له عندي في الخلافة إلا ما كان لرجل من عك وحمير (١) فلا تكثروا في هذا المقال ، فان لساني لم يزل مخزونا عن امور وأنباء ، كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف ، وعلما بأن الله بالغ أمره ، ومظهر قضاه يوما.

فاذا أبيتم إلا كشف الغطاء ، وقشر العظاء ، فالرشيد عن آبائه وعما وجد في كتاب الدولة وغيرها أن السابع من ولد العباس لا تقوم لبني العباس بعده قائمة ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته ، فإذا أودعت فودعها ، فإذا أودع فودعاها ، وإذا فقدتم شخصي فاطلبوا لانفسكم معقلا وهيهات ، ما لكم إلا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر ، فيحصدكم حصدا ، أو السفياني المرغم والقائم المهدي يحقن دمائكم إلا بحقها.

____________________

(١) عك وحمير قبيلتان معروفتان من القحطانية من ساكنى اليمن أبعدهم من الفضل والتقدم والمكارم ، فعك : بطن اختلف في نسبه فقال بعضهم : بنوعك بن عدثان بن عبدالله ابن الازد ، من كهلان من القحطانية ، وذهب آخرون إلى أنهم من العدنانية وعك أصغر من معد بن عدنان أبوالعدنانية : وقال آخرون : انه عك بن الديث بن عدنان بن أدد أخو معد بن عدنان.

وكيف كان فقد ارتدوا بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاعلاب فخرج اليهم بأمر أبى بكر الطاهر بن أبى هالة فوافعهم بالاعلاب فقتلهم شر قتلة ، وحاربوا سنة ٣٧ ه مع معاوية بن أبى سفيان أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه‌السلام.

وأما حمير وزان منبر ينتسب إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان واسم الحمير العرنج ، وهو أيضا حاربوا مع معاوية بن أبى سفيان أمير المؤمنين بصفين مع قائدهم ذى الكلاع الحميرى.

والمراد أن العباس بن المأمون ولو بلغ من العلم والفقه والزهد ما بلغ لم يستحق ولم يستأهل للخلافة ووزانه وزان رجل من عك أو حمير حيث لا نصيب لهم في الامامة لان الامامة في قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم وهم آل أبى طالب على وبنوه عليهم الصلاة والسلام.

٢١٢

وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق منه لها في نفسه واختيار مني له ، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم ، والذائد عنكم باستدامة المودة بيننا وبينهم ، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب ، و مواساتهم في الفيئ ما يصيبهم منه.

وإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فاني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم ، وأنتم ساهون لاهون تائهون ، في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم ، وما أظللتم عليه من النقمة ، وابتزاز النعمة ، همة أحدكم أن يمسي مركوبا ويصبح مخمورا تباهون بالمعاصي ، وتبتهجون بها وآلهتكم البرابط مخنثون مؤنثون ، لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة ولا استدامة نعمة ولا اصطناع مكرمة ، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم.

أصنعتم الصلاة ، واتبعتم الشهوات ، وأكببتم على اللذات عن النغمات ، فسوف تلقون غيا.

وأيم الله لربما افكر في أمركم ، فلا أجد امة من الامم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال ، إلا اصيب تلك الخلة بعينها فيكم ، مع خلال كثيرة ، لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها ، ولا أمر بالعمل عليها ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح إنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الارض قد اتخذتموهم شعارا ودثارا ، استخفافا بالمعاد ، وقلة يقين بالحساب ، وأيكم له رأي يتبع ، أوروية تنفع ، فشاهت الوجوه وعفرت الخدود.

وأما ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن عليه‌السلام نور الله وجهه ، فلعمري إنها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط ، والامن والنجاة ، من الخوف يوم الفزع الاكبر ، ولا أظن عملت عملا هو عندي أفضل من ذلك إلا أن أعود بمثلها إلى مثله وأين لي بذلك وأنى لكم بتلك السعادة.

٢١٣

وأما قولكم إني سفهت آراء آبائكم ، وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال مشركو قريش «إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون» (١) ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلا من الانبياء ، فافقهوا ، وما أراكم تعقلون.

وأما تعييركم إياي بسياسة المجوس إياكم فما أذهبكم الانفة من ذلك ولو ساستكم القردة والخنازير ما أردتم إلا أمير المؤمنين ، ولعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا وامهاتنا في القديم ، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا ، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ، و يأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ويتباعدون من الشر ، ويذبون عن حرم المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر ، ويتباشرون بما نال الاسلام وأهله من الخير ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

وليس منكم إلا لاعب بنفسه ، مأفون في عقله وتدبيره ، إما مغن أو ضارب دف أو زامر ، والله لو أن بني امية الذين قتلتموهم بالامس نشروا فقيل لهم لا تأنفوا في معائب تنالونهم بها ، لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا ، وصناعة وأخلاقا.

ليس فيكم إلا من إذا مسه الشر جزع ، وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ولا ترجعون إلا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوبا ، ويصبح بإثمه معجبا كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل ، أو ملك مقرب ، أحب الناس إليه من زين له معصية ، أو أعانه في فاحشة تنظفه المخمورة وتريد المطمورة ، فشتت الاحوال فان ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم ، وإلا فدونكم تعلوا بالحديد ولا قوة إلا بالله وعليه توكلي وهو حسبي.

بيان : «المخض» تحريك السقاء حتى يخرج منه الزبد ، وهو كناية عن مكرهم وسعيهم في استعلام ما في بطن المأمون ، ويقال : «فلان يراوض فلانا على

____________________

الزخرف : ٤٣.

٢١٤

أمر كذا» أي يداريه ليداخله فيه ، و «ساماه» فاخره وباراه ، و «المباراة» المجاراة والمسابقة ، وفلان يباري فلانا أي يعارضه ويفعل مثل فعله ، قوله «فلتسئلن» إشارة إلى قوله تعالى «وإذا الموؤدة سئلت» وأعظم الهاشمية أي عظام الفرقة الهاشمية بعدما نشرت ، والمغرب بتشديد الراء المفتوحة والمكسورة البعيد ، والضمير في قتلته راجع إلى المخلوع ، والعباديد : الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه قوله «محل بنفسه» أي يحل للناس قتل نفسه ، أحكمت العقدة قويتها وشددتها قوله من «عل» هو بالفتح القراد المهزول ، وفي أكثر النسخ بالكاف و «العكة» الاناء الذي يجعل فيه السمن و «الحمير» في بعض النسخ بالخاء المعجمة وهو الخبز البائت والذي يجعل في العجبين (١).

قوله «إن تخنث» خنث كفرح تكسر وتثنى ، أي كراهية انكسار بعض النفوس وحزنها ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة من الحنث بالكسر ، وهو الاثم والخلف في اليمين والميل من حق إلى باطل أي كراهية أن ينقض بعضهم عهدنا وبيعتنا و «العظاء» بالكسر والمد جمع العظاية ، وهي دويبة كسام. أبرص ، قوله «فاذا اودعت» على بناء المجهول ، والضمير راجع إلى الحياة أي إذا أودع السابع الحياة وفارقها فودع النعمة ، والخطاب عام لكل منهم ، وقوله «فاذا اودع» أول كلام المأمون أي فأنا. السابع وأمضي عن قريب فودعوا العافية.

والثائر : من لا يبقى على شئ حتى يدرك ثأره و «البائر» الهالك لانه يقتل ويحتمل الباتر أي السيف القاطع ، والافن بالتحريك ضعف الرأي ، وقد أفن الرجل بالكسر وافن فهو مأفون وأفين ذكره الجوهري وقال : ربد بالمكان أقام به ، قال ابن الاعرابي : ربده حبسه (٢) والمطمورة حفرة يطمر فيها الطعام أي يخبأ.

أقول : كان هذا الخبر في بعض نسخ الطرائف ولم يكن في أكثرها وكانت النسخ سقيمة.

____________________

(١) قد عرفت أن المراد بعك وحمير القبيلتان من القحطانية.

(٢) راجع الصحاح ، ص ٢٠٧١ و ٤٦٩.

٢١٥

(١٦)

* ( باب ) *

* ( [ احوال ازواجه واولاده واخوانه عليه‌السلام ] ) *

* ( [ وعشائره وما جرى بينه وبينهم صلوات الله عليه ] ) *

١ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن محمد بن يزيد النحوي ، عن ابن أبي عبدون ، عن أبيه ، قال : لما جيئ بزيد بن موسى أخي الرضا عليه‌السلام إلى المأمون وقد خرج إلى البصرة وأحرق دور العباسيين ، وذلك في سنة تسع وتسعين ومائة فسمى زيد النار ، قال له المأمون : يا زيد خرجت بالبصرة ، وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من امية ، وثقيف وغني وباهلة وآل زياد ، وقصدت دور بني عمك فقال وكان مزاحا أخطأت يا أمير المؤمنين من كا جهة وإن عدت بدأت بأعدائنا فضحك المأمون وبعث به إلى أخيه الرضا عليه‌السلام وقال له : قد وهبت جرمه لك فلما جاؤا به عنفه وخلى سبيله وحلف أن لا يكلمه أبدا ما عاش.

وحدثني أبوالخير علي بن أحمد النسابة ، عن مشايخه أن زيد بن موسى عليه‌السلام كان ينادم المنتصر ، وكان في لسانه فضل وكان زيديا ، وكان زيد هذا ينزل بغداد على نهر كرخايا (١) وهو الذي كان بالكوفة أيام أبي السرايا فولاه فلما قتل أبوالسرايا تفرق الطالبيون فتوارى بعضهم ببغداد ، وبعضهم بالكوفة ، وصار بعضهم إلى المدينة.

____________________

(١) كرخايا : شرب يفيض الماء من عمود نهر عيسى ، قاله الفيروز آبادى في القاموس ج ١ ص ٢٦٨.

٢١٦

وكان ممن توارى زيد بن موسى هذا ، فطلبه الحسن بن سهل حتى دل عليه فاتي به فحبسه ثم أحضره على أن يضرب عنقه ، وجرد السياف السيف ، فلما دنا منه ليضرب عنقه ، وكان حضر هناك الحجاج بن خيثمة ، فقال : أيها الامير إن رأيت أن لا تجعل وتدعوني ، فان عندي نصيحة ، ففعل وأمسك السياف فلما دنا منه قال : أيها الامير أتاك بما تريد أن تفعله أمر من أمير المؤمنين؟ قال : لا قال : فعلام تقتل ابن عم أمير المؤمنين من غير إذنه وأمره واستطلاع رأيه فيه؟ ثم حدثه بحديث أبي عبدالله بن الافطس وأن الرشيد حبسه عند جعفر بن يحيى فأقدم عليه جعفر فقتله من غير أمره ، وبعث برأسه إليه في طبقمع هدايا النيروز وإن الرشيد لما أمر مسرور الكبير بقتل جعفر بن يحيى قال له : إذا سألك جعفر عن ذنبه الذي تقتله به فقل له : إنما أقتلك بابن عمي ابن الافطس الذي قتلته من غير أمري.

ثم قال الحجاج بن خيثمة للحسن بن سهل : أفتأمن أيها الامير حادثة تحدث بينك وبين أمير المؤمنين ، وقد قتلت هذا الرجل فيحتج عليك بمثل ما احتج به الرشيد على جعفر بن يحيى؟ فقال الحسن للحجاج : جزاك الله خيرا ، ثم أمر برفع زيد ، وأن يرد إلى محبسه ، فلم يزل محبوسا إلى أن أظهر أمر إبراهيم بن المهدي فجسر أهل بغداد بالحسن بن سهل فأخرجوه عنها ، فلم يزل محبوسا حتى حمل إلى المأمون فبعث به إلى أخيه الرضا عليه‌السلام فأطلقه ، وعاش زيد بن موسى أبي الحسن عليه‌السلام إلى آخر خلافة المتوكل ومات بسر من رأى (١).

٢ ـ ن : ماجيلويه وابن المتوكل والهمداني جميعا ، عن علي ، عن أبيه قال : حدثني ياسر أنه خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن عليه‌السلام بالمدينة ، وأحرق وقتل وكان يسمى زيد النار فبعث إليه المأمون فاسر وحمل إلى المأمون ، فقال المأمون : اذهبوا به إلى أبي الحسن.

قال ياسر : فلما ادخل إليه قال له أبوالحسن عليه‌السلام : يا زيد أعزك قول

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٢ و ٢٣٣.

٢١٧

سفلة أهل الكوفه : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار؟ ذاك للحسن والحسين عليهما‌السلام خاصة إن كنت ترى أنك تعصي الله وتدخل الجنة ، وموسى ابن جعفر عليهما‌السلام أطاع الله ودخل الجنة فأنت إذا أكرم على الله عزوجل من موسى ابن جعفر عليهما‌السلام والله ما ينال أحد ما عند الله عزوجل إلا بطاعته ، وزعمت أنك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت.

فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك ، فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : أنت أخي ما أطعت الله عزوجل إن نوحا عليه‌السلام قال : «رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين» فقال الله عزوجل : «يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح» (١) فأخرجه الله عزوجل من أن يكون من أهله بمعصيته (٢).

٣ ـ ن : السناني ، عن الاسدي ، عن صالح بن أحمد ، عن سهل ، عن صالح ابن أبي حماد ، عن الحسن بن موسى الوشاء البغدادي قال : كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في مجلسه وزيد بن موسى حاضر ، قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول : نحن ونحن وأبوالحسن عليه‌السلام مقبل على قوم يحدثهم ، فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال : يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة إن فاطمة عليها‌السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار؟ فو الله ما ذلك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة وأما أن يكون موسى بن جعفر عليه‌السلام يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليلة وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء لانت أعز على الله عزوجل منه ، إن علي بن الحسين كان يقول : لمحسننا كفلان من الاجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب.

قال الحسن الوشاء : ثم التفت إلي فقال لي : يا حسن كيف تقرؤن هذه الآية : «قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح»؟ فقلت من الناس من

____________________

(١) هود : ٤٥ و ٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٤.

٢١٨

يقرأ : [ «إنه عمل غير صالح» ، ومنهم من يقرأ ] (١) «إنه عمل غير صالح» فمن قرأ «إنه عمل غير صالح» نفاه عن أبيه ، فقال عليه‌السلام : كلا لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله عزوجل نفاه عن أبيه ، كذا من كان منا لم يطع الله عزوجل فليس منا وأنت إذا أطعت الله عزوجل فأنت منا أهل البيت (٢).

٤ ـ ن : الدقاق ، عن الاسدي ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسن بن الجهم قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام وعنده زيد بن موسى أخوه وهو يقول : يا زيد اتق الله فانا ما بلغنا بالتقوى ، فمن لم يتق ولم يراقبه فليس منا ولسنا منه يا زيد إياك أن تهين من به تصول من شيعتنا فيذهب نورك ، يا زيد إن شيعتنا إنما أبغضهم الناس وعادوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم لمحبتهم لنا واعتقادهم لولايتنا فان أنت أسأت إليهم ظلمت نفسك ، وأبطلت حقك.

قال الحسن بن الجهم : ثم التفت عليه‌السلام إلي فقال لي : يا ابن الجهم من خالف دين الله فابرأ منه كائنا من كان من أي قبيلة كان ، ومن عادى الله فلا تواله كائنا من كان ، من أي قبيلة كان ، فقلت له : يا ابن رسول الله ومن ذا الذي يعادي الله؟ قال : من يعصيه (٣).

٥ ـ ب : ابن عيسى عن البزنطي قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام وكان كثيرا ما يقول استخرج منه الكلام يعني أبا جعفر فقلت له يوما : أي عمومتك أبر بك؟ قال : الحسين فقال أبوه عليه‌السلام : صدق والله هو والله أبرهم به وأخيرهم له صلى الله عليهم جميعا (٤).

٦ ـ ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن عمير بن بريد قال : كنت عند أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فذكر محمد بن جعفر بن محمد فقال : إني جعلت على نفسي أن

____________________

(١) هود : ٤٥ و ٤٦ ، وما جعلناه بين العلامتين ساقط عن نسخة الكمبانى.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٢ ، وقد أخرج الصدوق في معانى الاخبار ص ١٠٧ و ١٠٨ بسند آخر مثله.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٥.

(٤) قرب الاسناد ص ٢٢٣.

٢١٩

لا يظلني وإياه سقف بيت ، فقلت في نفسي : هذا يأمرنا بالبر والصلة ، ويقول هذا لعمه!؟ فنظر إلي فقال : هذا من البر والصلة ، إنه متى يأتيني ويدخل علي فيقول في فيصدقه الناس ، وإذا لم يدخل علي ولم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال (١).

٧ ـ ن : العطار ، عن أبيه وسعد معا ، عن ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي عن عبدالصمد بن عبيد الله ، عن محمد بن الاثرم وكان على شرطة محمد بن سليمان العلوي بالمدينة أيام أبي السرايا ، قال : اجتمع إليه أهل بيته وغيرهم من قريش فبايعوه ، وقالوا له : لو بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام كان معنا وكان أمرنا واحدا قال : فقال محمد بن سليمان : اذهب إليه فاقرأه السلام وقل له : إن أهل بيتك اجتمعوا وأحبوا أن تكون معهم ، فان رأيت أن تأتينا فافعل.

قال فأتيته وهو بالحمراء فأديت ما أرسلني به إليه ، فقال : اقرأه مني السلام وقل له : إذا مضى عشرون يوما أتيتك ، قال : فجئت فأبلغته ما أرسلني به إليه فمكثنا أياما ، فلما كان يوم ثمانية عشر جاءنا ورقاء قائد الجلودي فقاتلنا فهزمنا فخرجت هاربا نحو الصورين فاذا هاتف يهتف بي : يا أثرم فالتفت إليه فاذا أبوالحسن الرضا عليه‌السلام وهو يقول : مضت العشرون أم لا؟.

وهو محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

٨ ـ ن : علي بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رحمه‌الله قال : حدثني أبي ومحمد بن علي بن ماجيلويه جميعا ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن الحسين بن موسى بن جعفر بن محمد قال : كنا حول أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ونحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهئية ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئة جعفر بن عمر ، فقال الرضا عليه‌السلام :

____________________

(١) عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ٢٠٤.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٠٨.

٢٢٠