بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٧ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن أحمد بن محمد بن إسحاق ، عن أبيه قال : لما بويع الرضا عليه‌السلام بالعهد اجتمع الناس إليه يهنونه فأومأ إليهم فأنصتوا ثم قال بعد أن استمع كلامعم :

«بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وصلى الله على محمد في الاولين والآخرين وعلى آله الطيبين أقول : وأنا علي بن موسى بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، ووقفه للرشاد ، عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت ، و آمن أنفسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذا افتقرت ، مبتغيا رضى رب العالمين ، لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين.

وإنه جعل إلي عهده ، والامرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حل عقدة أمر الله تعالى بشدها ، وفصم عروة أحب الله إيثاقها ، فقد أباح حريمه ، وأحل حرمه ، إذ كان بذلك زاريا على الامام ، منهتكا حرمة الاسلام ، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات ، ولم يتعرض بعدها على العزمات ، خوفا من شتات الدين ، و اضطراب حمل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ورصد المنافقين ، فرصة تنتهز ، وبائقة تبتدر ، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين» (١).

بيان : قوله عليه‌السلام «زاريا» أي عاتبا ساخطا غير راض و «السالف» أبوبكر أي جرى بنقض العهد ويحتمل أمير المؤمنين عليه‌السلام أي عليه نقض بيعته وإنكار حقه «فصبر» أي أمير المؤمنين عليه‌السلام ويمكن أن يقرء على المجهول وقال الجزري ومنه حديث عمر إن بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله شرها ، أراد بالفلتة الفجأة ، و الفلتة كل شئ فعل من غير روية وإنما بودربها خوف انتشار الامر انتهى.

والضمير في «بعدها» راجع إلى الفلتات. و «العزمات» الحقوق الواجبة اللازمة له عليه‌السلام أو ما عزموا عليه بعد تلك الفلتة.

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ١٤٦ ١٤٧.

١٤١

١٨ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي قال : حدثني محمد بن أبي الموج (١) أبوالحسين الرازي قال : سمعت أبي يقول حدثني من سمع الرضا عليه‌السلام يقول الحمد لله الذي حفظ منا ما ضيع الناس ، ورفع منا ما وضعوه حتى قد لعنا على منابر الكفر ثمانين عاما وكتمت فضائلنا وبذلت الاموال في الكذب علينا والله عزوجل يأبى لنا إلا أن يعلي ذكرنا ، ويبين فضلنا ، والله ما هذا بنا وإنما هو برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتنا منه ، حتى صار أمرنا وما نروي عنه أنه سيكون بعدنا من أعظم آياته ودلالات نبوته (٢).

بيان : قوله عليه‌السلام «ما هذا بنا» أي استخفافهم أو رفعه تعالى أوهما معا.

١٩ ـ ن : قد ذكر قوم أن الفضل بن سهل أشار على المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ولي عهده منهم أبوعلي الحسين بن أحمد السلامي فانه ذكر ذلك في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان ، قال : فكان الفضل بن سهل ذو الرئاستين وزير المأمون ومدبر اموره ، وكان مجوسيا فأسلم على يدي يحيى بن خالد البرمكي وصحبه ، وقيل بل أسلم سهل والد الفضل على يدي المهدي وأن الفضل اختاره يحيى بن خالد البرمكي لخدمة المأمون ، وضمه إليه فتغلب عليه واستبد بالامر دونه.

وإنما لقب بذي الرئاستين لانه تقلد الوزارة ورئاسة الجند ، فقال الفضل حين استخلف المأمون يوما لبعض من كان يعاشره : أين يقع فعلي فيما أتيته من فعل أبي مسلم فيما أتاه ، فقال : إن أبا مسلم حولها من قبيلة إلى قبيلة ، وأنت حولتها من أخ إلى أخ ، وبين الحالتين ما تعلمه.

قال الفضل : فاني احولها من قبيلة إلى قبيلة ثم أشار على المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ولي عهده فبايعه وأسقط بيعة المؤتمن أخيه.

وكان على بن موسى الرضا عليه‌السلام ورد على المأمون وهو بخراسان سنة مائتين على طريق البصرة وفارس مع رجاء بن أبي الضحاك ، وكان الرضا عليه‌السلام متزوجا

____________________

(١) أبى الملوح ، خ ل. (٢) نفس المصدر ج ١٦٤ و ١٦٥.

١٤٢

بابنة المأمون فلما بلغ خبره العباسيين ببغداد ساءهم ذلك فأخرجوا إبراهيم بن المهدي وبايعوه بالخلافة ففيه يقول دعبل الخزاعي :

يا معشر الاجناد لا تقنطوا

خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فسوف يعطيكم حنينية

يلذها الامور والاشمط

والمعبديات لقوادكم

لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق أصحابه

خليفة مصحفة البريط

وذلك أن إبراهيم المهدي كان مولعا بضرب العود ، منهمكا بالشراب ، فلما بلغ المأمون خبر إبراهيم علم أن الفضل بن سهل أخطأ عليه وأشار بغير الصواب فخرج من مرو منصرفا إلى العراق ، واحتال على الفضل به سهل حتى قتله غالب خال المأمون في الحمام بسرخس مغافصة في شعبان سنة ثلاث ومائتين ، واحتال على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام حتى سم في علة كانت أصابته ، فمات وأمر بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبر الرشيد ، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين وكان ابن اثنتين وخمسين سنة ، وقيل ابن خمس وخمسين سنة.

هذا ما حكاه أبوعلي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه والصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد وبايع له للنذر الذي قد تقدم ذكره وأن الفضل بن سهل لم يزل معاديا ومبغضا له وكارها لامره لانه كان من صنايع آل برمك ، ومبلغ سن الرضا عليه‌السلام تسع وأربعون سنة وستة أشهر وكانت وفاته في سنة ثلاث ومائتين كما قد أسندته في هذا الكتاب (١).

بيان : قوله «حنينية» أي حنينية من الحنين بمعنى الشوق والطرب وفي بعض النسخ «حبيبية» بالباءين الموحدتين ، وعلى التقديرين إشارة إلى نغمة من النغمات والاظهر أنه حسينية كما في بعض النسخ وهي نغمة معروفة و «الشمط» بياض الرأس يخالطه سواد.

والمعبديات نغمة معروفة ، وغافصه : فاجأه وأخذه على غرة.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٥ و ١٦٦.

١٤٣

٢٠ ـ ن : أبي ، عن أحمد بن أدريس ، عن الاشعري ، عن معاوية بن حكيم عن معمر بن خلاد قال : قال لي أبوالحسن الرضا عليه‌السلام : قال لي المأمون : يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به توليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا ، فقلت له : تفي لي وأفي لك فاني إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ، ولا أعزل ولا اولي ولا اسير حتى يقدمني الله قبلك ، فو الله إن الخلافة لشئ ما حدثت به نفسي ، ولقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي وإن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم ، فيصيرون كالاعمام لي وإن كتبي لنافذة في الامصار ، وما زدتني في نعمة هي علي من ربي فقال : أفي لك (١)

٢١ ـ ع ، ن : الحسين بن أحمد الرازي ، عن علي بن محمد ماجيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه قال : أخبرني الريان بن شبيب خال المعتصم أخو ماردة أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بامرة المؤمنين ، وللرضا عليه‌السلام بولاية العهد ، وللفضل ابن سهل بالوزارة ، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم ، فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الابهام إلى الخنصر ويخرجون ، حتى بايع في آخر الناس فتى من الانصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى أعلى الابهام ، فتبسم أبو الحسن الرضا عليه‌السلام ثم قال : كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فانه بايعنا بعقدها.

فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها؟ قال أبوالحسن عليه‌السلام : عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الابهام وفسخها من أعلى الابهام إلى أعلى الخنصر قال : فماح الناس فز ذلك وأمر المأمون باعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبوالحسن عليه‌السلام وقال الناس : كيف يستحق الامامة من لا يعرف عقد البيعة إن من علم لاولى بها ممن لا يعلم ، قال : فحمله ذلك على ما فعله من سمه (٢).

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ١٦٦ و ١٦٧.

(٢) علل الشرائع ج ١ ص ٢٢٨ ، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٨.

١٤٤

٢٢ ـ غط : روى محمد بن عبدالله الافطس قال : دخلت على المأمون فقربني وحياني ثم قال : رحم الله الرضا عليه‌السلام ما كان أعلمه لقد أخبرني بعجب : سألته ليلة وقد بايع له الناس ، فقلت : جعلت فداك أرى لك أن تمضي إلى العراق وأكون خليفتك بخراسان ، فتبسم ثم قال : لا لعمري ولكنه من دون خراسان تدرجات إن لنا هنا مكثا ولست ببارح حتى يأتيني الموت ، ومنها المحشر لا محالة.

فقلت له : جعلت فداك وما علمك بذلك؟ فقال علمي بمكاني كعلمي بمكانك قلت : وأين مكاني أصلحك الله؟ فقال : لقد بعدت الشقة بيني وبينك ، أموت في المشرق وتموت في المغرب ، فقلت : صدقت ، والله ورسوله أعلم وآل محمد ، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه (١).

بيان : لعل التدرجات من قولهم «أدرجه في أكفانه» وقد مضى في باب المعجزات (٢).

٢٣ ـ شا : ذكر جماعة من أصحاب الاخبار ورواة السير من أيام الخلفاء أن المأمون لما أراد العقد للرضا علي بن موسى عليه‌السلام وحدث نفسه بذلك ، أحضر الفضل بن سهل وأعلمه بما قد عزم عليه من ذلك ، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الامر من أهله عليه ، فقال له المأمون : إني عاهدت الله أنني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب ، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الارض.

فلما رأى الفضل والحسن عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته ، فأرسلهما إلى الرضا عليه‌السلام فعرضا عليه ذلك ، فامتنع منه ، فلم يزالا به حتى أجاب فرجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته ، فسر بذلك ، وجلس للخاصة في يوم خميس ، وخرج الفضل بن سهل وأعلم الناس ، برأي المأمون في علي بن موسى ، وأنه قد ولاه

____________________

(١) غيبة الشيخ ص ٥٢ و ٥٣.

(٢) راجع ص ٥٧ تحت الرقم ٧٤.

١٤٥

عهده ، وسماه الرضا ، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس على أن يأخذوا رزق سنة.

فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الحضرة ، وجلس المأمون ووضع الرضا عليه‌السلام وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه ، وأجلس الرضا عليه‌السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم ، فقال له المأمون : ابسط يدك للبيعة وقال له الرضا عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم ووضعت البدر ، وقامت الخطباء والشعراء ، فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه‌السلام وما كان مع المأمون في أمره.

ثم دعا أبوعباد بالعباس بن المأمون فوثب فدنا من أبيه فقبل يده ، وأمره بالجلوس ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد فقال له الفضل بن سهل : قم فقال ومشى حتى قرب من المأمون ووقف ولم يقبل يده ، فقيل له : امض فخذ جائزتك وناداه المأمون ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك ، فرجع ثم جعل أبوعباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهما حتى نفدت الاموال.

ثم قال المأمون للرضا عليه‌السلام : اخطب الناس وتكلم فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : «لنا عليكم حق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكم علينا حق به ، فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك ، وجب علينا الحق لكم» ولا يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس ، وأمر المأمون فضربت الدراهم فطبع عليها اسم الرضا ، وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا عليه‌السلام في بلده بولاية العهد.

وروى أحمد بن محمد بن سعيد ، عن يحيى بن الحسن العلوي قال : حدثني من سمع عبدالحميد بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة

١٤٦

فقال له في الدعاء له : ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

ستة آباؤهم من هم

أفضل من يشرب صوب الغمام

وذكر المدائني ، عن رجاله قال : لما جلس الرضا عليه‌السلام في الخلع بولاية العهد ، فأقام بين يديه الخطباء والشعراء وخففت الالوية على رأسه ، فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا عليه‌السلام أنه قال : كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وأنا مستبشر بما جرى ، فأومأ إلي أن ادن ، فدنوت منه ، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري : لا تشغل قلبك بهذا الامر ، ولا تستبشر له ، فانه شئ لا يتم.

وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي فلما دخل عليه قال : إني قد قلت قصيدة فجعلت على نفسي أن لا أنشدها على أحد قبلك ، فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له : هاتها ، قال : فأنشده قصيدته التي أولها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

حتى أتى آخرها ، فلما فرغ من إنشادها قام الرضا عليه‌السلام فدخل إلى حجرته ، وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ستمائة دينار ، وقال لخادمه : قل له : استعن بهذه في سفرك ، وأعذرنا ، فقال له دعبل : لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت ولكن قل له : اكسني ثوبا من أثوابك ، وردها عليه ، فردها الرضا عليه‌السلام فقال له : خذها وبعث إليه بجبة من ثيابه ، فخرج دعبل حتى ورد قم فلما رأوا الجبة معه أعطوه فيها ألف دينار فأبى عليهم فقال : لا والله ولا خرقة منها بألف دينار.

ثم خرج من قم فاتبعوه فقطعوا عليه الطريق وأخذوا الجبة ورجع إلى قم فكلمهم فيها فقالوا : ليس إليها سبيل ، ولكن إن شئت فهذه ألف دينار ، وقال لهم : وخرقة منها فأعطوه ألف دينار وخرقة منها (١).

بيان : «الخلع» بكسر الخاء وفتح اللام جمع الخلعة ، وخفق الالوية تحركها واضطرابها.

____________________

(١) ارشاد المفيد ص ٢٩١ ٢٩٣.

١٤٧

٢٤ ـ قب : ذكر أخبار البيعة نحوا مما مر وذكر صورة خط الرضا عليه‌السلام على كتاب العهد نحوا مما سيأتي ثم قال : وقال ابن المعتز :

وأعطاكم المأمون حق خلافة

لنا حقها لكنه جاد بالدنيا

فمات الرضا من بعد ما قد علمتم ، ولاذت بنا من بعده مرة اخرى وكان دخل عليه الشعراء فأنشد دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

وأنشد إبراهيم بن العباس :

أزالت عزاء القلب بعد التجلد

مصارع أولاد النبي محمد

وأنشد أبو نواس :

مطهرون نقيات جيوبهم

تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

والله لما برا خلقا فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملا الاعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا عليه‌السلام : قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها يا غلام هل معك من نفقتنا شئ؟ فقال : ثلاثمائة دينار ، فقال : أعطها إياه ، ثم قال : يا غلام سق إليه البغلة (١).

٢٥ ـ كشف : قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله : وفي سنة سبعين وستمائة ، وصل من مشهده الشريف أحد قوامه ومعه العهد الذي كتبه له المأمون بخط يده وبين سطوره وفي ظهره بخط الامام عليه‌السلام ما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه ، وسرحت طرفي في رياض كلامه ، وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه ونقلته حرفا فحرفا وهو بخط المأمون :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبدالله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد فان الله عزوجل اصطفى الاسلام

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٣٦٢ ٣٦٦.

١٤٨

دينا ، واصطفى له من عباده رسلا دالين وهادين إليه ، يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم ، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على فترة من الرسل ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، بما أحل وحرم ، ووعد وأوعد ، وحذر وأنذر ، وأمر به ونهى عنه ، ليكون له الحجة البالغة على خلقه ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، وإن الله لسميع عليم.

فبلغ عن الله رسالته ، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ثم بالجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده ، فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها والقيام بحق الله تعالى فيها بالطاعة ، التي بها يقام فرائض الله وحدوده ، وشرائع الاسلام وسننه ويجاهد لها عدوه.

فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين ، وجمع الالفة ، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوهم ، وتفرق الكلمة ، وخسران الدنيا والآخرة.

فحق على من استخلفه الله في أرضه ، وائتمنه على خلقه ، أن يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته ، ويعتد لما الله موافقه عليه ومسائله عنه ، ويحكم بالحق ، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده ، فان الله عز وجل يقول : لنبيه داود عليه‌السلام «يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا

١٤٩

يوم الحساب» (١) وقال الله عزوجل : «فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون» (٢).

وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال : لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها ، وأيم الله إن المسؤل عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بين الله وبينه ، ليعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم فكيف بالمسؤل عن رعلية الامة وبالله الثقة ، وإليه المفزع والرغبة ، في التوفيق والعصمة ، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة ، والفوز من الله بالرضوان والرحمة.

وأنظر الامة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه ، من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مدة أيامه وبعدها وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ، ويختاره لامامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينثبه علما لهم ومفزعا في جميع الفتهم ، ولم شعثهم ، وحقن دمائهم ، والامن باذن الله من فرقتهم ، وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم ، فان الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الاسلام وكماله ، وعزه وصلاح أهله ، وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة ، وشملت فيه العافية ، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي في الفرقة ، والتربص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، فاختبر بشاعة مذاقها ، وثقل محملها ، وشدة مؤنتها ، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ، ومراقبته فيما حمله منها فأنصب بدنه ، وأسهر عينه ، وأطال فكره ، فيما فيه عز الدين ، وقمع المشركين ، وصلاح الامة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه ذلك من الخفض والدعة ، ومهنؤ العيش ، علما بما الله سائله عنه ، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعبادة ، ومختارا لولاية عهده ، ورعاية الامة من بعده أفضل من

____________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) الحجر : ٩٢.

١٥٠

يقدر عليه في دينه وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه ماجيا الله بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليلة ونهاره معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبدالله بن العباس وعلي بن أبي طالب فيكره ونظره ، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.

حتى استقصى امورهم معرفة ، وابتلى أخبارهم مشاهدة ، واستبرآ أحوالهم معاينة ، وكشف ما عندهم مسألة ، فكانت خيرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع ، وعلمه النافع ، وورعه الظاهر ، وزهده الخالص ، وتخلية من الدنيا ، وتسلمه من الناس.

وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة ، والالسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا ، وحدثا ومكتهلا فعقد له بالعقد والخلافة من بعده ، واثقا بخيرة الله في ذلك إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين ، ونظرا للاسلام والمسلمين ، وطلبا للسلامة وثبات الحجة ، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسارعين مسرورين عالمين بايثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده ، وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة ، وسماه الرضا إذ كان رضى عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ، ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لامير المؤمنين ، وللرضا من بعده علي بن موسى ، على اسم الله وبركته ، وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة إليها أيديكم ، منشرحة لها صدوركم ، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها ، وآثر طاعة الله ، والنظر لنفسه ، ولكم فيها شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم ، وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائدة ذلك في جمع الفتكم ، وحقن دمائكم ، ولم

١٥١

شعثكم ، وسد ثغوركم ، وقوة دينكم ، ووقم عدوكم ، واستقامة اموركم ، وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين فانه الامن إن سارعتم إليه ، وحمدتم الله عليه وعرفتم الحظ فيه إنشاء الله.

وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.

صورة ما كان على ظهر العهد بخط الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، وصلى الله على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووقفه للرشاد ، عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت ، وآمن نفوسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين.

وإنه جعل إلي عهده ، والامرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حل عقدة أمر الله بشدها وقصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه ، وأحل محرمه ، إذ كان بذلك زاريا على الامام ، منتهكا حرمة الاسلام ، بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض بعدها على العزمات خوفا على شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبائقة تبتدر.

وقد جعلت لله على نفسي إن استرعاني أمر المسلمين ، وقلدني خلافته ، العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبدالمطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن لا أسفك دما حراما ولا ابيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده ، وأباحته فرائضه وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسئلني الله عنه عزوجل يقول : «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا» (١).

____________________

(١) الاسراء : ٣٤.

١٥٢

وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا ، وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين.

والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك ، وما أدري ما يفعل بي ، ولا بكم إن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين.

لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاه ، والله يعصمني وإياه ، و أشهدت الله على نفسي بذلك ، وكفى بالله شهيدا.

وكتب بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، والفضل بن سهل وسهل بن الفضل ، ويحيى بن أكثم ، وعبدالله بن طاهر ، وثمامة بن أشرس ، وبشر بن المعتمر ، وحماد بن النعمان في شهر رمضان سنة أحدى ومائتين.

الشهود على الجانب الايمن : شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه ، وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق ، وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه.

عبدالله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه.

شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه وكتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.

الشهود على الجانب الايسر : رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن نجوز بها الصراط ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الروضة والمنبر على رؤس الاشهاد بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الاولياء والاحفاد ، بعد استيفاء شروط البيعة عليه بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين ، ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين ، وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه (١).

____________________

كشف الغمة ج ٣ ص ١٧٢ ١٧٩.

١٥٣

بيان : أقول : أخذنا أخبار كشف الغمة من نسخة قديمة مصححة كانت عليها إجازات العلماء الكرام ، وكان مكتوبا عليها في هذا الموضع على الهامش أشياء نذكرها وهي هذه : وكتب بقلمه الشريف تحت قوله والخلافة من بعده «جعلت فداك» وكتب تحت ذكر اسمه عليه‌السلام «وصلتك رحم وجزيت خيرا» وكتب عند تسميته بالرضا «رضي الله عنك وأرضاك وأحسن في الدارين جزاك» وكتب بقلمه الشريف تحت الثناء عليه «أثنى الله عليك فأجمل وأجزل لديك الثواب فأكمل» ثم كان على الهامش بعد ذلك «العبد الفقير إلى الله تعالى الفضل بن يحيى عفى الله عنه ، قابلت المكتوب الذي كتبه الامام على بن موسى الرضا صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين مقابلة بالذي كتبه الامام المذكور عليه‌السلام حرفا فحرفا وألحقت ما فات منه وذكرت أنه من خطه عليه‌السلام وذلك في يوم الثلثاء مستهل المحرح من سنة تسع وتسعين وست مائة الهلالية بواسط ، والحمد لله على ذلك وله المنة» انتهى.

قوله عليه‌السلام «أن أتخير الكفاة» أي أختار لكفاية امور الخلق وإمارتهم من يصلح لذلك ، قوله «للغير» هو بكسر الغين وفتح الياء اسم للتغيير ، قوله «رسم» أي كتب وأمر أن يقرأ هذه الصحيفة في حرم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٦ ـ كشف : رأيت خطه عليه‌السلام في واسط سنة سبع وسبعين وستمائة جوابا عما كتبه إليه المأمون وهو :

«بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتاب أمير المؤمنين أطال بقاءه يذكر ما ثبت من الروايات ورسم أن أكتب له ما صح عندي من حال هذه الشعرة الواحدة والخشبة التي لرخا اليد (١) لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليها وعلى أبيها وزوجها وبنيها ، فهذه الشعرة الواحدة شعرة من شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شبهة ولا شك وهذه الخشبة المذكورة لفاطمة عليها‌السلام لا ريب ولا شبهة ، وأنا قد تفحصت وتحديت وكتبت إليك فاقبل قولي فقد أعظم الله لك في هذا الفحص أجرا عظيما ، وبالله التوفيق ، وكتب

____________________

(١) وهى الطاحونة التى تدحرج باليد ، وقد صحفت الكلمة في النسخة الكمبانى ( المد ) وفى نسخة المصدر المطبوع ج ٣ ص ١٧٩ ( المسد ).

١٥٤

علي بن موسى بن جعفر وعلي سنة إحدى ومائتين من هجرة صاحب التنزيل جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٢٧ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن معمر بن خلاد قال : قال لي أبوالحسن الرضا عليه‌السلام : قال لي المأمون : يا أبا الحسن لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي قد فسدت علينا قال قلت له : يا أمير المؤمنين إن وفيت لي وفيت لك إنما دخلت في هذا الامر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى ولا اولي ولا أعزل ، وما زادني هذا الامر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب ، ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني ، وما كان بها أحد يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له ، فقال لي : أفي بذلك (٢).

٢٨ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن المغيرة بن محمد ، عن هارون القزويني قال : لما جاءتنا بيعة المأمون للرضا عليه‌السلام بالعهد إلى المدينة خطب بها الناس عبدالجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي فقال في آخر خطبته : أتدرون من ولي عهدكم هذا؟ علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي يالب عليهم‌السلام.

سبعة آباؤهم من هم

أخير من يشزب صوب الغمام (٣)

تذييل : قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب تنزيه الانبياء : فان قيل : كيف تولى عليه‌السلام العهد للمأمون ، وتلك جهة لا يستحق الامامة منها أو ليس هذا إيهاما فيما يتعلق بالدين؟.

قلنا : قد مضى من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الشورى ما هو أصل لهذا الباب وجملته أن ذا الحق له أن يتوصل إليه من كل

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١٧٩ و ١٨٠.

(٢) الكافى ج ٨ ص ١٥١.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٥

١٥٥

جهة وسبب لاسيما إذا كان يتعلق بذلك الحق تكليف عليه ، فانه يصير واجبا عليه التوصل والتمحل بالتصرف فالامامة يستحقه الرضا عليه‌السلام بالنص من آبائه عليهم‌السلام عليه ، فاذا دفع عن ذلك وجعل إليه من وجه آخر أن يتصرف وجب عليه أن يجيب إلى ذلك الوجه ، ليصل منه إلى حقه.

وليس في هذا إيهاما لان الادلة الدالة على استحقاقه عليه‌السلام للامامة بنفسه يمنع من دخول الشبهة بذلك ، وإن كان فيه بعض الايهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته وآباءه عليهم‌السلام على إظهار مبايعة الظالمين ، والقول بامامتهم ، ولعله عليه‌السلام أجاب إلى ولاية العهد للتقية والخوف ، لانه لم يؤثر الامتناع على من ألزمه ذلك وحمله عليه ، فيفضي الامر إلى المجاهرة والمباينة ، والحال لا يقتضيها وهذا بين.

١٥٦

(١٤)

* ( باب ) *

* ( [ سائر ما جرى بينه عليه‌السلام وبين المأمون وامرائه ] ) *

١ ـ ن : وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء والشرط من الرضا علي بن موسى عليه‌السلام إلى العمال في شأن الفضل بن سهل وأخيه ، ولم أرو ذلك عن أحد.

أما بعد فالحمد لله البدئ البديع ، القادر القاهر ، الرقيب على عباده ، المقيت على خلقه ، الذي خضع كل شئ لملكه ، وذل كل شئ لعزته ، واستسلم كل شئ لقدرته ، وتواضع كل شئ لسلطانه وعظمته ، وأحاط بكل شئ علمه ، وأحصاه عدده ، فلا يؤوده كبير ، ولا يعزب عنه صغير ، الذي لا تدركه أبصار الناظرين ، ولا تحيط به صفة الواصفين ، له الخلق والامر ، والمثل الاعلى في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم.

والحمد لله الذي شرع الاسلام دينا ، ففضله وعظمه وشرفه وكرمه ، و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره ، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه ولا يهتدي من صدف عنه.

وجعل فيه النور والبرهان ، والشفا والبيان ، وبعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله ، في الامم الخالية ، والقرون الماضية ، حتى انتهت رسالته إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فختم به النبيين ، وقفى به على آثار المرسلين ، وبعثه رحمة للعالمين وبشيرا للمؤمنين المصدقين ، ونذيرا للكافرين المكذبين ، لتكون له الحجة البالغة وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.

والحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة ، واستودعهم العلم والحكمة

١٥٧

وجعلهم معدن الامامة والخلافة ، وأوجب ولايتهم ، وشرف منزلتهم ، فأمر رسوله ب مسألة إمته مودتهم إذ يقول : «قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» (١) وما وصفهم به من إذهاب الرجس عنهم ، وتطهيره إياهم في قوله «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (٢).

ثم إن المأمون بررسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد الفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم ، وأذهب الله به الضغائن و الاجن بينهم ، وأسكن التناصر والتواصل والمحبة والمودة قلوبهم ، فأصبحت بيمنه وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة ورعى الحقوق لاهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، و حفظ بلاء المبلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا ، و بحقه قائما ، وبحجته ناطقا ، ولنقبائه نقيبا ولخيوله قائدا ، ولحروبه مدبرا ، و لرعيته سائسا ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب إلى طاعته مكافئا ، ولمن عند (٣) عنها مبائنا وبنصرته منفردا ، ولمرض القلوب والنيات مداويا.

لم ينهه عن ذلك قلة مال ، ولا عوز رجال ، ولم يمل به طمع ، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل ، بل عندما يهوله المهولون ، ويرعد ويبرق به المبرقون المرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين من المجاهدين والمخاتلين ، أثبت ما يكون عزيمة وأجرا جنانا ، وأنفذ مكيدة ، وأحسن تدبيرا ، وأقوى تثبتا في حق المأمون والدعاء إليه ، جتى قصم أنياب الضلالة ، وفل حدهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم وصرعهم مصارع الملحدين في دينه ، الناكثين لعهده ، الوانين في أمره ، المستخفين بحقه ، الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه ، مع آثار ذي الرئاستين في صفوف الامم

____________________

(١) الشورى : ٢٣ ،

(٢) الاحزاب : ٣٣.

(٣) في المصدر : ولمن عدل.

١٥٨

من المشركين ، وما زاد الله به في حدود دار المسلمين ، مما قد وردت أنباؤه عليكم وقرئت به الكتب على منابركم ، وحملت أهل الآفاق عنكم ، إلى غيركم.

فانتهى شكر ذي الرئاستين بلاء أمير المؤمنين عنده ، وقيامه بحقه وابتذاله مهجته ، ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة المحمود السياسة ، إلى غاية تجاوز فيها الماضين ، وفاق بها الفائزين ، وانتهت مكافأة أمير المؤمنين إياه إلى ما جعل له من الاموال والقطائع والجواهر ، وإن كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه ، ولا مقام من مقاماته ، فتركه زهدا فيه ، وارتفاعا من همته عنه ، وتوفيرا له على المسلمين ، وإطراحا للدنيا ، واستصغارا لها ، وإيثارا الآخرة ، و منافسة فيها.

وسأل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلا ، وإليه راغبا ، من التخلي والتزهد فعظم ذلك عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله عزوجل في مكانه الذي هو به من العز للدين ، والسلطان والقوة على صلاح المسلمين ، وجهاد المشركين ، وما أرى الله به من تصديق نيته ، ويمن نقيبته ، وصحة تدبيره ، وقوة رأيه ، ونجح طلبته ومعاونته على الحق والهدى ، والبر والتقوى.

فلما وثق أمير المؤمنين ، وثقنا منه بالنظر للدين وإيثار ما فيه صلاحه وأعطيناه سؤله الذي يشبه قدره ، وكتبنا له كتاب حباء وشرط قد نسخ أسفل كتابي هذا وأشهدنا الله عليه ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد والصحابة والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة ، ورأى أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ليذيع ويشيع في أهلها ، ويقرأ على منابرها ، ويثبت عند ولاتها وقضاتها ، فسألني أن أكتب بذلك وأشرح معانيه ، وهي على ثلاثة أبواب :

ففي الباب الاول البيان عن كل آثاره التي أوجب الله بها حقه علينا وعلى المسلمين.

والباب الثاني البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر ودخل فيه ولا سبيل عليه فيما ترك وكره ، وذلك ما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة إلا له وحده

١٥٩

ولاخيه ومن إزاحة العلة تحكيمهما في كل من بغى عليهما ، وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى أوليائنا ، لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما ، ولا معصية لهما ، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينهما.

والباب الثالث البيان في إعطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد وحجة التحقيق ، لما سعى فيه من ثواب الآخرة ، بما يتقرر في قلب من كان في ذلك منه ، وما يلزمنا له من الكرامة والعز والحباء الذي بذلناه له ولاخيه ، من منعهما ما نمنع منه أنفسنا ، وذلك محيط بكل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا.

وهذه نسخة الكتاب : «بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب وشرط من عبدالله المأمون أمير المؤمنين وولي عهده علي بن موسى لذي الرئاستين الفضل بن سهل في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان ، من سنة إحدى ومائتين ، وهو اليوم الذي تمم الله فيه دولة أمير المؤمنين وعقد لولي عهده ، وألبس الناس اللباس الاخضر ، وبلغ أمله في صلاح وليه ، والظفر بعدوه.

إنا دعوناك إلى ما فيه بعض مكافأتك على ما قمت به من حق الله تبارك و تعالى وحق رسوله وحق أمير المؤمنين وولي عهده علي بن موسى وحق هاشم التي بهل يرجى صلاح الدين ، وسلامة ذات البين بين المسلمين ، إلى أن ثبتت النعمة علينا وعلى العامة بذلك ، وبما عاونت عليه أمير المؤمنين من إقامة الدين والسنة وإظهار الدعوة الثانية ، وإيثار الاولى مع قمع الشرك ، وكسر الاصنام ، وقتل العتاة ، و سائر آثارك الممثلة للامصار في المخلوع.

وفي المتسمي بالاصفر المكنى بأبي السرايا وفي المتسمي بالمهدي محمد بن جعفر الطالبي والترك الخزلجية ، وفي طبرستان وملوكها إلى بندار هرمز بن شروين وفي الديلم وملكها وفي كابل وملكها المهوزين ثم ملكها الاصفهد وفي ابن المبرم وجبال بدار بنده وغرشستان والغور وأصنافها وفي خراسان خاقان وملون صاحب جبل التبت وفي كيمان والتغرغر وفي أرمينية والحجاز وصاحب السرير وصاحب

١٦٠