بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أهل الجنة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أخبرني جبرائيل الروح الامين عن الله تقدست أسماؤه وجل وجهه : إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله مخلصا بها أنه قد دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي ، قالوا يا ابن رسول الله وما إخلاص الشهادة لله قال عليه‌السلام : طاعة الله وطاعة رسول الله وولاية أهل بيته عليهم‌السلام.

٢ ـ ن : أبوواسع محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق النيسابوري قال : سمعت جدتي خديجة بنت حمدان بن بسندة قالت : لما دخل الرضا عليه‌السلام نيسابور نزل محلة الغربى ناحية تعرف «بلاش آباد» في دار جدتي بسنده وإنما سمي بسنده لان الرضا عليه‌السلام ارتضاه من بين الناس ، وبسنده هي كلمة فارسية معناها مرضي فلما نزل عليه‌السلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار ، فنبتت وصارت شجرة وأثمرت في سنة ، فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة ، فمن أصابته علة تبرك بالتناول من ذلك اللوز ، مستشفيا به فعوفي ، ومن أصابه رمد جعل ذلك اللوز على عينه فعوفي ، وكانت الحامل إذا عسر عليها ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة ، وتضع من ساعتها.

وكان إذا أخذ دابة من الدواب القولنج أخذ من قضبان تلك الشجرة فامر على بطنها ، فتعافى ، ويذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا عليه‌السلام فمضت الايام على تلك الشجرة ويبست فجاء جدي حمدان وقطع أغصانها فعمي ، وجاء ابن لحمدان يقال له : أبوعمرو ، فقطع تلك الشجرة من وجه الارض فذهب ماله كله بباب فارس ، وكان مبلغه سبعين ألف درهم إلى ثمانين ألف درهم ، ولم يبق له شئ.

وكان لابي عمرو هذا ابنان كاتبان وكانا يكتبان لابي الحسن محمد بن إبراهيم سمجور يقال لاحدهما أبوالقاسم وللآخر أبوصادق ، فأرادا عمارة تلك الدار وأنفقا عليها عشرين ألف درهم ، وقلعا الباقي من أصل تلك الشجرة ، وهما لا يعلمان ما يتولد

١٢١

عليهما من ذلك ، فولى أحدهما ضياعا لامير خراسان ، فرد إلى نيسابور في محمل قد اسودت رجله اليمنى فشرحت رجله ، فمات من تلك العلة بعد شهر.

وأما الآخر وهو الاكبر فانه كان في ديوان السلطان بنيسابور يكتب كتابا وعلى رأسه قوم من الكتاب وقوف ، فقال واحد منهم : دفع الله عين السوء عن كاتب هذا الخط فارتعشت يده من ساعته ، وسقط القلم من يده ، وخرجت بيده بثرة ورجع إلى منزله ، فدخل إليه أبوالعباس الكاتب مع جماعة فقالوا له : هذا الذي أصابك من الحرارة ، فيجب أن تفتصد فافتصد ذلك اليوم ، فعادوا إليه من الغد وقالوا له : يجب أن تفتصد اليوم أيضا ففعل فاسودت يده فشرحت ، ومات من ذلك وكان موتهما جميعا في أقل من سنة (١).

بيان : قال الفيروز آبادي : شرح كمنع كشف وقطع ، والشرحة القطعة من اللحم.

٣ ـ ن : محمد بن الفضل بن محمذ بن إسحاق المذكر ، عن الحسن بن علي الخزرجي ، عن الهروي قال : كنت مع علي ين موسى الرضا عليه‌السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء ، فاذا محمد بن رافع وأحمد بن الحارث ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته بالمربعة فقالوا : بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية ، وعليه مطرف خز ذوو وجهين ، قال : حدثني أبي العبد الصالح موسى ابن جعفر قال : حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد قال : أبي أبوجعفر محمد ابن علي باقر علم الانبياء ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين قال : حدثني أبي سيد شباب الجنة الحسين قال : حدثني علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول : قال الله جل جلاله : إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي (٢).

____________________

(١) عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٢ و ١٣٣.

(٢) المصدر ج ٢ ص ١٣٤.

١٢٢

٤ ـ ما : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن يوسف بن عقيل ، عن إسحاق بن راهويه قال : لما وافى أبوالحسن الرضا عليه‌السلام نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له : يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنيتفيد منك؟ وقد كان قعد في العمارية ، فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول : سمعت الله عزوجل يقول : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن [ من ] عذابي ، فلما مرت الراحلة نادانا : بشروطها وأنا من شروطها.

ن : ابن المتوكل ، عن الاسدي ، عن محمد بن الحسين الصوفي ، عن يوسف ابن عقيل مثله (١).

٥ ـ ن : يقال : إن الرضا عليه‌السلام لما دخل نيسابور نزل في محلة يقال له : الفرويني (٢) فيها حمام وهو الحمام المعروف اليوم بحمام الرضا ، وكانت هناك عين قد قل ماؤها ، فأقام عليها من أخرج ماءها حتى توفر وكثر ، واتخذ خارج الدرب حوضا ينزل إليه بالمراقي إلى هذه العين فدخله الرضا عليه‌السلام واغتسل فيه ثم خرج منه فصلى على ظهره والناس ينتابون (٣) ذلك الحوض ، ويغتسلون فيه ويشربون منه التماسا للبركة ، ويصلون على ظهره ، ويدعون الله عزوجل في حوائجهم ، فتقضى لهم ، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا (٤).

____________________

(١) نفس المصدر ج ٢ ص ١٣٥. (٢) الغربى فليتحرر خ ل.

(٣) في النسخ يتناوبون ، وهو تصحيف. والانتياب : الاتيان مرة بعد اخرى والتناوب : اتيان هذا ثم ذاك على التقاسم.

(٤) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٥ و ١٣٦.

١٢٣

٦ ـ ن : أحمد بن علي بن الحسين الثعالبي ، عن عبدالله بن عبدالرحمان المعروف بالصفواني قال : خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال ، فبقي في أيديهم مدة يعذبونه ليفتدي منهم نفسه ، وأقاموه في الثلج فشدوه وملاو افاه من ذلك الثلج ، فرحمته امرأة من نسائهم فأطلقته وهرب فانفسد فمه ولسانه ، حتى لم يقدر على الكلام.

ثم انصرف إلى خراسان وسمع بخبر علي بم موسى الرضا عليه‌السلام وأنه بنيسابور فرأى فيما رأى النائم كأن قائلا يقول له : إن ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ورد خراسان فسله عن علتك فربما يعلمك دواء ما تنتفع به ، قال : فرأيت كأني قد قصدته عليه‌السلام وشكوت إليه ما كنت دفعت إليه وأهبرته بعلتي فقال : خذ الكمون والسعتر والملح ودقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فانك تعافي ، فانتبه الرجل من منامه ولم يفكر فيما كان رأى في منامه ، ولا اعتد به حتى ورد باب نيسابور فقيل : إن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد.

فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ليصف له ما ينتفع به من الدواء فقصده إلى رباط سعد ، فدخل إليه فقال : يا ابن رسول الله كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام إلا بجهد فعلمني دواء أنتفع به ، فقال عليه‌السلام : ألم اعلمك؟ اذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك ، فقال له الرجل : يا ابن رسول الله إن رأيت أن تعيده علي فقال عليه‌السلام لي : خذ من الكمون والسعتر والملح فدقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فانك ستعافى قال الرجل فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت.

قال أبوحامد أحمد بن علي بن الحسين الثعالبي : سمعت أبا أحمد عبدالله بن عبدالرحمان المعروف بالصفواني يقول : رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكايات (١).

____________________

(١) عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ٢١١.

١٢٤

بيان : قال الفيروز آبادي : الكمون كتنور حب معروف مدر مجش هاضم طارد للرياح وابتلاع ممضوغة بالملح يقطع اللعاب ، والكمون الحلوا لانيسون والحبشي شبيه بالشونيز والارمني الكراويا والبرى الاسود.

(١٢)

* ( باب ) *

* ( [ خروجه عليه‌السلام من نيسابور إلى طوس ] ) *

* ( [ ومنها إلى مرو ] ) *

١ ـ ن : تميم القرشي ، عن أبيه عن أحمد الانصاري ، عن الهروي قال : لما خرج الرضا علي بن موسى عليه‌السلام من نيسابور إلى المأمون فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له يا ابن رسول الله قد زالت الشمس أفلا تصلي فنزل عليه‌السلام فقال : ائتوني بماء فقيل ما معنا ماء فبحث عليه‌السلام بيده الارض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه وأثره باق إلى اليوم ، فلما دخل سناباد أسند إلى الجبل الذي ينحت منه القدور فقال : اللهم انفع به وبارك فيما فيمايجعل فيما ينحت منه ثم أمر عليه‌السلام فنحت له قدور من الجبل ، وقال : لا يطبخ ما آكله إلا فيها ، وكان عليه‌السلام خفيف الاكل ، قليل الطعم ، فاهتدى الناس إليه من ذلك وظهرت بركة دعائه عليه‌السلام فيه.

ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد ثم خط بيده إلى جانبه ثم قال : هذه تربتي ، وفيها ادفن ، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي وأهل محبتي ، والله ما يزورني منهم زائر ولا يسلم علي منهم مسلم ، إلا وجب له غفران الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت.

ثم استقبل القبلة وصلى ركعات ودعا بدعوات فلما فرغ سجد سجدة طال مكثه فأحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة ثم انصرف (١).

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ١٣٦.

١٢٥

٢ ـ ن : أبونصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبي ، عن أبيه قال : سمعت جدتي يقول : سمعت أبي يقول : لما قدم علي بن موسى الرضا بنيسابور أيام المأمون قمت في حوائجه والتصرف في أمره مادام بها ، فلما خرج إلى مرو شيعته إلى سرخس ، فلما خرج من سرخس أردت أن اشيعه إلى مرو ، فلما سار مرحلة أخرج رأسه من العمارية وقال لي : يا با عبدالله انصرف راشدا فقد قمت بالواجب وليس للتشييع غاية.

قال قلت : بحق المصطفى والمرتصى والزهراء لما حدثتني بحديث تشفيني به حتى أرجع ، فقال : تسأبني الحديث ، وقد اخرجت من جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أدري إلي ما يصير أمري ، قال قلت : بحق المصطفى والمرتضى والزهراء لما حدثتني بحديث تشفيني به حتى أرجع ، فقال : حدثني أبي عن جدي أنه سمع أباه يذكر أنه سمع أباه يقول : سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يذكر أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : قال الله عزوجل : لا إله إلا الله اسمي ، من قاله مخلصا من قلبه دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي.

قال الصدوق رحمه‌الله : الاخلاص أن يحجزه هذا القول عما حرم الله عزوجل (١).

٣ ـ كشف : نقلت من كتاب لم يحضرني الآن اسمه ما صورته : حدث المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبدالكريم الوزان في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة قال : أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه أن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاض (٢) فيها بفضيلة الشهادة كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة ، فعرض له في السوق الامامان الحافظان للاحاديث النبوية أبوزرعة ومحمد ابن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد ابن السادة ، أيها الامام وابن الائمة

____________________

عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٧.

(٢) في الكمبانى ( خص ) وهو تصحيف.

١٢٦

أيها السلالة الطاهرة الرضية ، أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الاطهرين وأسلافك الاكرمين إلا أريتنا وجهك المبارك الميمون ، ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك ، نذكرك به.

فاستوقف البغلة ، ورفع المظلة ، وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة ، فكانت ذؤابتاه كذوابتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والناس على طبقاتهم قيام كلهم وكانوا بين صارخ وباك وممزق ثوبه ، ومتمرغ في التراب ، ومقبل حزام بغلته ومطول عنقه إلى مظلة المهد ، إلى أن انتصف النهار ، وجرت الدموع كالانهار وسكنت الاصوات ، وصاحت الائمة والقضاة :

معاشر الناس اسمعوا وعوا ، ولا تؤذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته ، وأنصتوا فأملى صلوات الله عليه هذا الحديث وعد من المحابر أربع وعشرون ألفا سوى الدوي ، والمستملي أبوزرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقال عليه‌السلام : حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلا قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة ، قال : حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : حدثني جبرئيل عليه‌السلام قال : سمعت رب العزه سبحانه وتعالى يقول : كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.

صدق الله سبحانه ، وصدق جبرئيل عليه‌السلام وصدق رسول الله والائمة عليهم‌السلام.

قال الاستاذ أبوالقاسم القشيري إن هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه فاما مات رئي في المنام فقيل : ما فعل الله بم؟ فقال : غفر الله لي بتلفظي بلا إل إلا الله وتصديقي محمدا رسول الله مخلصا وأني كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما واحتراما (١).

١٢٧

بيان : «الدواة» بالفتح ما يكتب منه ، والجمع دوى مثل نواة ونوى ودوي أيضا على فعول جمع الجمع مثل صفاة وصفا وصغي.

(١٣)

( باب )

* ( [ ولاية العهد والعلة في قبوله عليه‌السلام لها ] ) *

* [ وعدم رضاه عليه‌السلام بها وسائر ما يتعلق بذلك ] *

١ ـ كشف : في أول شهر رمضان سنة إحدى ومائتين كانت البيعة للرضا صلوات الله عليه (١).

٣ ـ ن : ابن الوليد : عن محمد بن زياد القلزمي ، عن محمد بن أبي زياد الجدي ، عن أحمد بن عبدالله العلوي ، عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه‌السلام جمع بني هاشم فقال : إني اريد أن أستعمل الرضا عليه‌السلام على هذا الامر من بعدي فحسده بنو هاشم وقالوا : أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما نستدل به عليه.

فبعث إليه فأتاه ، فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه ، فصعد عليه‌السلام المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة واستوى قائما وحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ، ثم قال : أول عبادة الله معرفته إلى آخر ما أوردته في كتاب التوحيد (٢).

٣ ـ ع ، ن ، لى : الحسين بن إبراهيم بن تاتانه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهروي قال : إن المأمون قال للرضا علي بن موسى عليه‌السلام

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١٧١.

(٢) عيون اخبار الرضا ج ١ ص ١٤٩ ١٥٣.

١٢٨

يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة مني ، فقال الرضا عليه‌السلام بالعبودية لله عزوجل أفتحز وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزوجل.

فقال له المأمون : فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك وأبايعك ، فقال له الرضا عليه‌السلام : إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسا البسكه الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك فقال له المأمون : يا ابن رسول الله لابد لك من قبول هذا الامر ، فقال : لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله ، فقال له : فان لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال الرضا عليه‌السلام : والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي الملائكة السماء وملائكة الارض وادفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد فبكى المأمون ثم قال له : يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الاساءة إليك وأنا حي؟ فقال الرضا عليه‌السلام أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت فقال المأمون : يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ، ودفع هذا الامر عنك ، ليقول الناى إنك زاهد في الدنيا.

فقال الرضا عليه‌السلام : والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزوجل وما زهدت في الدنيا للدنيا وإني لاعلم ما تريد ، فقال المأمون : وما أريد؟ قال : الامان على الصدق؟ قال : لك الامان قال تريد بذلك أن يقول الناس : إن علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ، فغضب المأمون ثم قال : إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه. وقد آمنت سطوتي ، فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك فان فعلت وإلا ضربت عنقك.

١٢٩

فقال الرضا عليه‌السلام : قد نهاني الله عزوجل أن القي بيدي إلى التهلكة ، فان كان الامر على هذا ، فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك على أني لا اولي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنة ، وأكون في الامر من بعيد مشيرا ، فرضي منه بذلك ، وجعله ولي عهده كراهة منه عليه‌السلام لذلك (١).

٤ ـ ن ، لى : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله إن الناس يقولون إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟ فقال عليه‌السلام : قد علم الله كراهتي لذلك فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل ، ويحهم أما علموا أن يوسف عليه‌السلام كان نبيا رسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له «اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم» ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك ، على أني ما دخلت في هذا الامر إلا دخول خارج منه ، فالى الله المشتكى ، وهو المستعان (٢).

٥ ـ لى : علي ، عن أبيه ، عن ياسر قال لما ولي الرضا عليه‌السلام العهد سمعته وقد رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إنك تعلم أني مكره مضطر ، فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين وقع إلى ولاية مصر.

٦ ـ ن لى : الحسين بن أحمد البيهقي ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن الحسن ابن الجهم ، عن أبيه قال : صعد المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقال : أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام والله قرأت هذه الاسماء على الصم والبكم ، لبؤا باذن الله عزوجل (٣).

____________________

(١) علل الشرايع ج ١ ص ٢٢٦ ، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٩ امالى الصدوق ص ٦٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٩ ، أمالى الصدوق ص ٧٢ ، وهكذا أخرجه في علل الشرائع ج ٢ ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٧.

١٣٠

٧ ـ ن : الطالقاني عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن محمد بن خليلان قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عتاب بن أسيد قال : سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون ولد الرضا علي بن موسى عليه‌السلام بالمدينة يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة من ربيع الاول سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة ، بعد وفاة أبي عبدالله عليه‌السلام بخمس سنين ، وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباد من رستاق نوقان ، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة ، وذلك في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين ، وقد تم عمره تسعا وأربعين سنة وستة أشهر : منها مع أبيه موسى بن جعفر عليه‌السلام تسعا وعشرين سنة وشهرين ، وبعد أبيه أيام إمامته عشرين سنة وأربعة أشهر ، وقام عليه‌السلام بالامر وله تسع وعشرون سنة و شهران ، وكان في أيام إمامته عليه‌السلام بقية ملك الرشيد ، ثم ملك بعد الرشيد محمد المعروف بالامين ، وهو ابن زبيدة ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما ، ثم خلع الامين واجلس عمه إبراهيم بن شكلة أربعة عشر يوما ، ثم أخرج محمد بن زبيدة من الحبس وبويع له ثانية ، وجلس في الملك سنة وستة أشهر وثلاث وعشرين ثم ملك عبدالله المأمون عشرين سنة ، وثلاثة وعشرين يوما فأخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام بعهد المسلمين من غير رضاه ، وذلك بعد أن تهدده بالقتل وألح عليه مرة بعد اخرى في كلها يأبى عليه حتى أشرف من تابيه على الهلاك ، فقال عليه‌السلام «اللهم قد نهيتني عن الالقاء بيدي إلى التهلكة ، وقد أشرف من قبل عبدالله المأمون على القتل متى لا اقبل ولاية عهدة وقد اكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال عليهما‌السلام إذ قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه اللهم لا عهد إلا عهدك ، ولا ولاية إلا من قبلك ، فمفقني لاقامة دينك ، وإحياء سنة نبيك ، فانك أنت المولى والنصير ، ونعم المولى أنت ونعم النصير».

ثم قبل عليه‌السلام ولاية العهد من المأمون ، وهو باك حزين على أن لا يولي أحدا ولا يعزل أحدا ولا يغير رسما ولا سنة وأن يكون في الامر مشيرا من بعيد ، فأخذ

١٣١

المأمون له البيعة على الناس الخاص منهم والعام ، فكان متى ما ظهر للمأمون من الرضا عليه‌السلام فضل وعلم وحسن تدبير حسده على ذلك ، وحقده عليه ، حتى ضاق صدره منه ، فغدر به فقتله بالسم ومضى إلى رضوان الله وكرامته (١).

٨ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن عبيد الله بن عبدالله بن طاهر قال : أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصلة رحمه بالبيعة لعلي بن موسى عليه‌السلام ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم ، وما كان يقدر على خلافة في شئ ، فوجه من خراسان برجاء بن أبي الضحاك وياسر الخادم ليشخصا إليه محمد بن جعفر بن محمد ، وعلي بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وذلك في سنة مائتين.

فلما وصل علي بن موسى عليه‌السلام إلى المأمون وهو بمرو ، ولاه العهد من بعده وأمر للجند برزق سنة ، وكتب إلى الآفاق بذلك ، وسماه الرضا عليه‌السلام وضرب الدراهم باسمه ، وأمر الناس بلبس الخضرة ، وترك السواد ، وزوجه ابنته ام حبيبه ، وزوج ابنه محمد بن علي عليه‌السلام ابنته ام الفضل بنت المأمون ، وتزوج هو بتوران بنت الحسن بن سهل زوجه بها عمه الفضل ، وكل هذا في يوم واحد ، وما كان يحب أن يتم العهد للرضا عليه‌السلام بعده.

قال الصولي وقد صح عندي ما حدثني به عبيد الله من جهات : منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن أبي سهل النوبختي أو عن أخ له قال : لما عزم المأمون على العقد للرضا عليه‌السلام بالعهد قلت والله لاعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الامر أيحب تمامه أو هو يتصنع به؟ فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده :

«قد عزم دو الرياستين على عقد العهد ، والطالع السرطان ، وفيه المشتري و السرطان ، وإن كان شرف المشتري فهو برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه ، ومع هذا

____________________

(١) عيون اخبار الرضا ج ١ ص ٨ ٢٠.

١٣٢

فان المريخ في الميزان (١) في بيت العاقبة وهذا يدل على نكبة المعقود له ، وعرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري».

فكتب إلي «إذا قرأت جوابي إليك فاردده إلي مع الخادم ونفسك أن يقف أحد على ماعر فتنيه وأن يرجع ذو الرياستين عن عزمه لانه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك ، وعلمت أنك سببه».

قال : فضاقت علي الدنيا وتمنيت أني ما كنت كتبت إليه ، ثم بلغني أن الفضل بن سهل ذا الرياستين قد تنبه على الامر ورجع عن عزمه ، وكان حسن العلم بالنجوم فخفت والله على نفسي وركبت إليه فقلت له أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري؟ قال لا ، قلت : أفتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها في شرفها؟ قال : لا ، فقلت : فامض العزم على رأيك إذ كنت تعقده ، وسعد الفلك في أسعد حالاته ، فأمضى الامر على ذلك فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من المأمون (٢).

بيان : قوله «على خلافه» أي خلاف الفضل ، قوله : «ونفسك» أي احذر نفسك واحفظها.

٩ ـ ن : الهمداني والمكتب والوراق جميعا عن علي بن إبراهيم قال : حدثني ياسر الخادم لما رجع من خراسان بعد وفاة أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بطوس بأخباره كلها قال علي بن إبراهيم : وحدثني الريان بن الصلت وكان من رجال الحسن بن سهل وحدثني أبي عن محمد بن عرفة وصالح بن سعيد الراشديين كل هؤلاء حدثوا بأخبار أبي الحسن عليه‌السلام وقالوا : لما انقضى أمر المخلوع ، واستوى أمر المأمون ، كتب إلى الرضا عليه‌السلام يستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه الرضا عليه‌السلام بعلل كثيرة فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتى علم الرضا عليه‌السلام أنه لا يكف عنه

____________________

(١) زاد في بعض نسخ المصدر [ الذى هو الرابع ، ووتد الارض ].

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٧ و ١٤٨.

١٣٣

فخرج وأبوجعفر عليه‌السلام له سبع سنين فكتب إليه المأمون : لا تأخذ على طريق الكوفة وقم ، فحمل على طريق البصرة ، والاهواز ، وفارس حتى وافى مرو.

فلما وافى مرو عرض عليه المأمون أن يتقلد الامرة والخلافة ، فأبى الرضا عليه‌السلام في ذلك ، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة ، وبقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى عليه أبوالحسن علي بن موسى عليه‌السلام أن يقبل ما يعرض عليه.

فلما أكثر الكلام والخطاب في هذا قال المأمون : فولاية العهد؟ فأجابه إلى ذلك وقال له : على شروط أسألكها ، فقال المأمون : سل ما شئت ، قالوا : فكتب الرضا عليه‌السلام : إني أدخل في ولاية العهد على أن أمر ولا أنهى ولا أقضي ولا اغير شيئا مما هو قائم ، وتعفيني عن ذلك كله. فأجابه المأمون إلى ذلك ، وقبلها على كل هذه الشروط ، ودعا المأمون القواد والقضاة والشاكرية (١) وولد العباس إلى ذلك ، فاضطربوا عليه فأخرج أموالا كثيرة وأعطى القواد وأرضاهم إلا ثلاثة نفر من قواده أبوا ذلك : أحدهم الجلودي ، وعلي بن عمران ، وابن مويس (٢) فانهم أبوا أن يدخلوا في بيعة الرضا عليه‌السلام فحبسهم وبويع للرضا عليه‌السلام وكتب بذلك إلى البلدان ، وضربت الدنانير والدراهم باسمه ، وخطب له على المنابر وأنفق المأمون على ذلك أموالا كثيرة.

فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه‌السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويخطب لتطمئن قلوب الناس ، ويعرفوا فضله ، وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة ، فبعث إليه الرضا عليه‌السلام وقال : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذه الامر ، فقال المأمون : إنما اريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الامر فتطمئن قلوبهم ويقروا بما فضلك الله تعالى به فلم يزل يراده الكلام في ذلك.

____________________

(١) الشاكرية جمع الشاكرى معرب ( جاكر ) بالفارسية ، وهو الاجير والمستخدم.

(٢) ابويونس خ ، أبومونس خ.

١٣٤

فلما ألح عليه قال : يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال المأمون : اخرج كما تحب. وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى أبي الحسن عليه‌السلام فقعد الناس لابي الحسن عليه‌السلام في الطرقات والسطوح من الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد على باب الرضا عليه‌السلام.

فلما طلعت الشمس قام الرضا عليه‌السلام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن وألقى طرفا منها على صدره ، وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه : افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازة وخرج ونحن بين يديه ، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة.

فلما قام ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن الهواء والحيطان تجاوبه ، والقواد والناس على الباب قد تزينوا ولبسوا السلاح وتهيؤا بأحسن هيئة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا وطلع الرضا وقف وقفة على الباب وقال : «الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الانعام والحمد لله على ما أبلانا» ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا.

فتزعزعت مرو من البكاء والصياح ، فقالها : ثلاث مرات فسقط القواد عن دوابهم ، ورموا بخفافهم ، لما نظروا إلى أبي الحسن عليه‌السلام وصارت مروضجة واحدة ولم يتمالك الناس من البكاء والضجة.

فكان أبوالحسن عليه‌السلام يمشي ويقف في كل عشرة خطوات وقفة يكبر الله أربع مرات فيتخيل إلينا أن السمآء والارض والحيطان تجاوبه ، وبلغ المأمون ذلك ، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين : يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله أن يرجع ، فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبوالحسن عليه‌السلام بخفه فلبسه ورجع (١).

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ ١٥١.

١٣٥

شا : علي بن إبراهيم ، عن ياسر والريان قال : لما حضر العيد وساق الحديث إلى آخره (١).

بيان : «العكازة» بضم العين وتشديد الكاف عصا في أسفلها حديدة «والتزعزع» التحرك الشديد.

١٠ ـ ن : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير عن الحسن بن موسى قال : روى أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام أنه قال له رجل : أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ وكأنه أنكر ذلك عليه ، فقال له أبوالحسن الرضا عليه‌السلام : يا هذا أيهما أفضل النبي أو الوصي؟ قال : لا ، بل النبي قال : فأيهما أفضل مسلم أو مشرك؟ قال : لا ، بل مسلم ، قال : فان العزيز عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف نبيا وإن المأمون مسلم ، وأنا وصي ، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال : «اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليهم» وأنا اجبرت على ذلك (٢).

شى : عن الحسن بن موسى مثله (٣).

١١ ـ شا ، ن : الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، عن جده يحيى بن الحسن عن موسى بن سلمة قال : كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا الرئاستين الفضل بن سهل خرج ذات يوم وهو يقول : واعجبا لقد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا : ما رأيت أصلحك الله؟ قال : رأيت أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى عليه‌السلام : قد رأيت أن اقلدك أمر المسلمين ، وأفسخ ما في رقبتي ، وأجعله في رقبتك ، ورأيت علي بن موسى عليه‌السلام يقول له : الله الله لا طاقة لي بذلك ولا قوة ، فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منها ، أمير المؤمنين يتفصي منها ويعرضها على علي بن موسى ، وعلي ابن موسى يرفضها ويأبى (٤).

____________________

(١) ارشاد المفيد ص ٢٩٣ و ٢٩٤. (٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٣٨.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٨٠ ، والاية في سورة يوسف : ٥٥.

(٤) الارشاد ص ٢٩٠ ، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤١.

١٣٦

١٢ ـ ن : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن الريان بن الصلت قال : أكثر الناس في بيعة الرضا عليه‌السلام من القواد والعامة ، ومن لا يحب ذلك ، وقالوا : إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين ، فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال : يا ريان بلغني أن الناس يقولون : إن بيعة الرضا عليه‌السلام كانت من تدبير الفضل بن سهل؟ فقلت : يا أمير المؤمنين يقولون هذا قال : ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجيئ إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقواد ، واستوت له الخلافة فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أيجوز هذا في العقل؟ قلت له : لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد ، قال : لا والله ما كان كما يقولون ولكن ساخبرك بسبب ذلك.

إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه ، فأبيت عليه عقد لعلي ابن عيسى بن ماهان وأمره أن يقيدني بقيد ويجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر ، وبعث هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاهما فأفسد علي أمري ، وانهزم هرثمة وخرج صاحب السرير ، وغلب على كورخراسان ، من ناحته ، فورد علي هذا كله في اسبوع.

فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة بذلك ولا كان لي مال أتقوى به ، ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن ، أردت أن ألحق بملك كابل ، فقلت في نفسي : ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الاموال فيدفعني إلى يده ، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله عزوجل من ذنوبي وأستعين به على هذه الامور وأستجير بالله عزوجل فأمرت بهذا البيت وأشار إلى بيت تكنس ، وصببت علي الماء ، ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات قرأت فيها من القرآن ما حضرني ودعوت الله عزوجل واستجرت به ، وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الامر إلي وكفاني عاديته ، وهذه الامور الغليظة ، أن أصنع هذا الامر في موضعه الذي وضعه الله عزوجل فيه.

١٣٧

ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن هامان فكان من أمره ما كان ، ورددت هرثمة إلى رافع [ بن أعين ] فظفر به وقتله ، وبعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئا حتى رجع فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان ، وأفضى الله إلي بهذا الامر ، واستوى لي.

فلما وافى الله عزوجل لي بما عاهدته عليه ، أحببت أن أفي لله تعالى بما عاهدته ، فلم أر أحدا بهذا الامر من أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت ، فهذا كان سببها.

فقلت : وفق الله أمير المؤمنين فقال : يا ريان إذا كان غدا وحضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد وحدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقلت : يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك ، فقال : سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الامر ، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري.

فقلت يا أمير المؤمنين : أنا احدث عنك بما سمعته منك من الاخبار؟ فقال : نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل فلما كان من الغد ، قعدت بين القواد في الدار فقلت : حدثني أمير المؤمنين ، عن أبيه ، عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، حدثني أمير المؤمنين ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي مني بمنزلة هارون من موسى ، وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه.

وحدثت بحديث خبير ، وبهذه الاحاديث المشهورة ، فقال لي عبدالله بن مالك الخزاعي : رحم الله عليا كان رجلا صالحا. وكان المأمون قد بعث غلاما إلى المجلس يسمع الكلام فيؤديه إليه قال الريان : فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال : يا ريان ما أرواك للاحاديث وأحفظك لها؟ ثم قال : قد بلغني ما قال اليهودي عبدالله بن مالك في قوله «رحم الله عليا كان صالحا» والله لاقتلنه إن شاء الله.

١٣٨

وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا عليه‌السلام من قبل أن يحمل وكان عالما أديبا لبيبا وكانت امور الرضا عليه‌السلام تجري من عنده وعلى يده ، ويصير الاموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن عليه‌السلام فلما حمل أبوالحسن عليه‌السلام اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين فقربه ذو الرئاستين وأدناه ، فكان ينقل أخبار الرضا عليه‌السلام إلى ذي الرئاستين والمأمون فحظي بذلك عندهما وكان لا يخفي عليهما من أخباره شيئا.

فولاه المأمون حجابة الرضا عليه‌السلام وكان لا يصل إلى الرضا عليه‌السلام إلا من أحب ، وضيق على الرضا عليه‌السلام فكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه ، وكان لا يتكلم الرضا عليه‌السلام في داره بشئ إلا أورده هشام على المأمون وذي الرئاستين وجعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام ، وقال : أدبه ، فسمي هشام العباسي لذلك ، قال :

وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لابي الحسن عليه‌السلام وحسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرئاستين من أبي الحسن عليه‌السلام أن ابنة عم المأمون كانت تحبه ، وكان يحبها ، وكان مفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون وكانت تميل إلى أبي الحسن عليه‌السلام وتحبه وتذكر ذا الرئاستين وتقع فيه ، فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له : لا ينبغي أن يكون باب النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده.

وكان المأمون يأتي الرضا عليه‌السلام يوما والرضا عليه‌السلام يأتي المأمون يوما وكان منزل أبي الحسن عليه‌السلام بجنب منزل المأمون ، فلما دخل أبوالحسن عليه‌السلام إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدودا قال يا أمير المؤمنين : ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال : رأى الفضل ذلك وكرهه ، فقال الرضا عليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال : فما ترى قال : فتحه والدخول على ابنة عمك ، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل و [ لا ] يسع فأمر

١٣٩

المأمون بهدمه ، ودخل على ابنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه (١).

١٣ ـ ن : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن ياسر الخادم قال : كان الرضا عليه‌السلام إذا رجع يوم الجمعة من الجامع ، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه ، وقال : اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت ، فعجل لي الساعة ولم يزل مغموما مكروبا إلى أن قبض صلوات الله عليه.

١٤ ـ ن : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن محمد بن عرفة قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال : ما حمل جدي أمير المؤمنين عليه‌السلام على الدخول في الشورى (٢).

بيان : أي لئلا ييأس الناس من خلافتنا ، ويعلموا باقرار المخالف أن لنا في هذا الامر نصيبا ، ويحتمل أن يكون التشبيه في أصل الاشتمال على المصالح الخفية.

١٥ ـ ن : الوراق ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : والله ما دخل الرضا عليه‌السلام في هذا الامر طائعا ، وقد حمل إلى الكوفة مكرها ثم اشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو (٣).

١٦ ـ ن : البيهقي ، عن الصولي ، عن محمد بن يزيد النحوي ، عن ابن أبي عبدون ، عن أبيه قال : لما بايع المأمون الرضا عليه‌السلام بالعهد أجلسه إلى جانبه ، فقام العباس الخطيب فتكلم فأحسن ثم ختم ذلك بأن أنشد :

لابد للناس من شمس ومن قمر

فأنت شمس وهذا ذلك القمر (٤)

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥١ ١٥٤.

(٢) المصدر ج ٢ ص ١٤٠.

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ١٤١.

(٤) ج ٢ ص ١٤٦.

١٤٠