غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

وكل هذا يعزّز ما ذكرناه سابقا في حكم مَن أنكر الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري عليهما‌السلام.

٨١

الفصل الثالث

تشخيص الإمام الصادق عليه‌السلام لهوية الغائب

وكيفية الانتفاع به في غيبته

أولاًًً ـ منهج الإمام الصادق عليه‌السلام في تشخيص هوية الإمام الغائب عليه‌السلام :

يرجع الفضل في معرفتنا بذلك المنهج المحكم إلى محدّثي الإمامية الذين عاشوا في الغيبة الصغرى ( ٢٦٠ ـ ٣٢٩ هـ ) أو بعدها ، كالبرقي ( ت / ٢٧٤ وقيل سنة / ٢٨٠ هـ ) ، والصفّار ( ت ، ٢٩٠ هـ ) ، وثقة الإسلام الكليني ( ت ، ٣٢٩ هـ ) ، والصدوق الأول ( ت ، ٣٢٩ هـ ) ، و النعماني ( ت / بعد سنة ٣٤٢ هـ ) ، و الشيخ الصدوق ( ت / ٤٦٠ هـ ) ، والشيخ المفيد ( ت / ٤١٣ هـ ) ، والشيخ الطوسي ( ت / ٤٦٠ هـ ) ، وغيرهم من أعلام الإمامية المتقدمين الذين استفرغوا الوسع في جمع الحديث الشريف وتحقيقه وتدوينه ، بعتمادهم على مصّنفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولى ، لا سيمّا الكتب المعروفة بالأصول الأربعمّائة ، وغيرها من المصنّفات المعتمدة المؤلّفة في عصور الأئمة التي شاع اعتمادها ، حتى صار مرجعهم إليها ومعوّلهم عليها ، واودعوا ما جمعوا منها في مؤلّفاتهم المعروفة ، مع حسن تبويبها

٨٢

وتصنيفها ، الأمر الذي ساعد على استخراج المادّة المطلوبة منها بيسر وسهولة ، هذا فضلاًًً عن الكتب الأخرى المصنّفة في خصوص الإمام المهدي عليه‌السلام وغيبته. ولا شكّ بمن الرجوع إلى تلك الكتب ـ بصنفيها ـ سوف يكشف بالتأكيد عن غيبة الإمام المهدي عند جدّه الإمام الصادق عليهما‌السلام بكل وضوح ، ولا يضرّ وجود الإجمال في بعضها مع وجود التفصيل ، كما لا يقدح الإبهام في دلالاتها مع توفّر البسط والتوضيح ؛ إذ لم يقتصر إمامنا الصادق عليه‌السلام على إخبار شيعته بمجرّد غيبة إمام من أهل البيت عليهم‌السلام حتى يمكن القول بعدم دلالة ما أخبر به على غياب شخص أعين. وإنما أخبرهم كذلك بشخص من سيغيب ، وحدّد رقمه من بين الأئمة الاثني عشر ، وذكر اسمه وكنيته ، وسلّط الضوء على كامل هويّته ، وما يقوله المبطلون في ولادته ، وطول امد غيبته ، وما يجب على المؤمنين من انتظار فرجه ، مع تبيين واسع لعلامات ظهوره ، ومكان الظهور ، وعدد منصاره ، ومدّة حكمه بعد ظهوره ، وقوّة دولته ، وسعة العدل فيها ، والرخاء العميم في جنباتها ، وسيطرة دين الإسلام في ظلالها على سائر الأديان كلها في مشارق الأرض ومغاربها ، بما لا يبقى مع تلك الأخبار أدنى مجال للقول بمهدي مجهول يخلقه الله تعالى في آخر الزمان.

وهكذا حكم الإمام الصادق عليه‌السلام من خلال ما وصلنا من أحاديث الشريفة بزيف دعاوى المهدوية السابقة على عصره ، والمعاصرة له ، واللاحقه به ، وبيّن كذبها جميعاًً ؛ كمهدوية محمد بن الحنفية ( ت / ٧٣ هـ ، وقيل غيرها ) ومهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي ( ت / ١٠١ هـ ) ، ومهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الذي قتله المنصور الدوانيقي سنة /

٨٣

١٤٥ هـ ، ومهدوية الملقّب زوراً بالمهدي العباسي ( ت / ١٦٩ هـ ).

ولم يكتف الإمام الصادق عليه‌السلام بهذا كله ، وإنّما حاول تنبيه الشيعة إلى ما سيحصل بعده من قول الناووسيّة بمهدويتّه عليه‌السلام ، وقول الواقفية بمهدوية ابنه الإمام الكاظم بعد وفاته عليه‌السلام.

ومن هنا نفى الإمام الصادق عليه‌السلام المهدوية عن نفسه ، وعن ولده الإمام الكاظم عليه‌السلام بوضوح وصراحة تامّين ؛ لكي لا يغتر أحد بمقولة الناووسية ، ولا يعبأ بمقولة الواقفية ، ولا يصغي لغيرهما كالفطحية وأمثالها ، ممّا نتج عن ذلك التنبيه الواعي المدورس من تبخّرت تلك المزاعم الباطلة وذهبت أدراج الرياح ، واضمحلّت فرقها الفاسدة بعد ظهورها على مسرح الأحداث ، وزالت بأسرها عن صفحة الوجود كلمح في البصر ، وعاد مثلها كمثل الفقاعات التي تظهرعلى سطح الماء الساخن فجأة ثم سرعان ما تنفجر و تتلاشى ، بحيث لا ترى لها رسما ولا طللا ، وهكذا كانت تلك الفرق! محا الله تعالى آثارها ودثر أخبارها ، حتى صارت أثرا بعد عين ، وذهبت جفاء كالزبد الذي لا يمكث في الأرض إلاّ قليلا.

وفي مقام بيان منهج الإمام الصادق عليه‌السلام في تشخيص هوية المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان عليه‌السلام ، نقف على اسلوبين في هذا المهنج الشريف وهما :

الأسلوب الأول ـ اسلوب التمثيل والتشبيه لتقريب الهوية :

وخير ما يدلّ على هذا الأسلوب أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام التي بينت أوجه الشبه بين الإمام المهدي عليه‌السلام وبين بعض الأنبياء عليه‌السلام ، ومن

٨٤

مراجعة ما حكاه القرآن الكريم في قصصهم عليهم‌السلام ، وما بيّنته الأحاديث النبويّة الشريفة في هذا المجال ؛ يعلم بأن هدف الإمام الصادق عليه‌السلام في تبيان أوجه الشبه تلك إنّما هو بهدف التوعية المطلوبة وذلك على مستويين :

المستوى الأول :

مستوى من لم يعاصر الإمام المهدي عليه‌السلام ، ويضم هذا المستوى جميع من ما توا قبل ولادته عليه‌السلام من أصحاب الإمام الصادق وأصحاب ولده عليهم‌السلام وصولاً إلى الإمام العسكري عليه‌السلام ؛ إذ بإمكان هذه الطبقة أن تستحضر هذا الأسلوب لكي تعرف قيمة ما يظهر بزمانها من دعاوى المهدوية ، ويتأكّد لها ـ حينئذ ـ بطلان تلك الدعاوى لعدم انطباق التشبيه والتمثيل الواردين في الإمام المهدي عليه‌السلام عليها.

وما قد يقال بمن هذه الطبقة من الأصحاب لا تحتاج في الواقع إلى كل ذلك ؛ إذ يكفيها معرفة إمام زمانها فحسب ، وعلى أبعد تقدير معرفة من سيليه على أمر الإمامة ، وأما معرفة هوية من سيأتي بعد ذلك من الائمة عليه‌السلام فهي غير مسؤولة عنها ولا ملزمة بها ، وأما عن دعاوى المهدوية التي عاصرتها ، فبإمكانها السؤال من إمام زمانها نفسه عن مدى مصداقيتها ، وحينئذ ستنتفي حاجتها إلى هذا الاسلوب ، خصوصاً وإن في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ما يدلّ على ذلك. ويكفي في هذا ما ذكره ثقة الإسلام الكليني في باب ( إنّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدم هذا الأمر أو تأخّر ) ، حيث ضمّ سبعة أحاديث بهذا المعنى ، وهذا نموذج منها :

١ ـ عن زرارة ، قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اعرف إمامك ، فإنّك إذا

٨٥

عرفت لم يضرّك ، تقدم هذا الأمر أو تأخّر » (١).

وعن إسماعيل بن محمد الخزاعي ، قال : « سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع ، فقال : تراني أدرك القائم عليه‌السلام؟ فقال : يا أبا بصير الست تعرف امامك؟ فقال : اي والله وأنت هو ، وتناول يده. فقال : « والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبيا بسيفك في ظلال رواق القائم صلوات الله عليه » (٢).

٣ ـ وعن فضيل بن يسار ، قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه ، تقدم هذا الأمر أو تاخّر ، ومن مات وهو عارف لامامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه » (٣).

وكل هذا يدلّ على انتفاء حاجة الاصحاب إلى التوعية المطلوبة على المستوى الاول في تبيان اوجه الشبه بين المهدي الموعود عليه‌السلام وبين الانبياء السابقين عليهم‌السلام.

فكيف تكون تلك التوعية اذن هدفاً من اهداف الإمام الصادق عليه‌السلام مع انتفاء حاجة الاصحاب اليها؟

والجواب باختصار .. هو أن أحاديث الاكتفاء بمعرفة إمام الزمان إنما

__________________

١ ـ اصول الكافي ١ : ٣٧١ / ١ باب انه من عرف إمامه لم يضرّه ، تقدم هذا الأمر أو تأخّر.

٢ ـ اصول الكافي ١ : ٣٧١ / ٤ ، من الباب السابق.

٣ ـ اصول الكافي ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / ٥ ، من الباب السابق.

٨٦

جاء التأكيد عليها في مقابل استعجال بعض أصحاب الأئمة عليهم‌السلام في مسألة ظهور الفرج على يد الإمام المهدي عليه‌السلام ، إذ سبق إلى أذهانهم دوره الشريف في انشاء دولة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دولة الحق الشامل وذلك من خلال ما بشّر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الأطهار عليهم‌السلام ، والمعروف من انتظار الفرج في ظلّ الاستبداد والعنف السياسي المقيت المتواصل ، عادة ما يكون مدعاة للسام والضجر ، وقد ينتج عنه اليأس من الظهور ، والشكّ في أصل القضية ، ولهذا حاول الإمام الصادق عليه‌السلام تنبيه هذه الشريحة على القاعدة القرآنية القائلة : ( يوم ندعو كلَ أناسٍ بإمامهم ) (١) وذلك من خلال أحاديث الشريفة المصرّحة بوجوب معرفة إمام الزمان الحقّ ، واذا ما أضيف هذا الى تنبيهه عليه‌السلام على مسالة عدم التوقيت ، مع ضرورة البقاء في حالة تاهّب وانتظار مع بيان فضل الانتظار بانه من أنواع العبادة ، علم انّ الهدف أن وراء ذلك إنّما هو لاجل تثبيت القلوب والقضاء على عوامل الياس التي قد تنشأ نتيجة الانتظار الطويل ، وها لا يعأرض اية خطوة من خطوات كشف الطريق ، كبيان مستقبل الأمة على يد الإمام المهدي ، وتشخيص هويته عليه‌السلام بالتلميح تارة وبالتصريح تارة اخرى.

واما عن حاجتهم إلى هذا على الرغم أن معرفتهم إمام زمانهم ، فهي حاجة كل إنسان إلى معرفة ما في المستقبل ، اذ المطلوب أن لا يعيش الانسان يومه فحسب ، بل لابدّ وان تكون عنده نبوءات عن مستقبله ، والا كان فاشلاً ، ولهذا نجد في عالمنا المعاصر مؤسسات علمية وثقافية

__________________

١ ـ سورة الإسراء : ١٧ / ٧١.

٨٧

كثيرة تعنى بشؤون المستقبل ، فضلاًً عن وجود مجلات علمية متخصصة بالدراسات المستقبلية.

ومن هنا صار التنبؤ بالشيء قبل وقوعه من الأمور الاحترازية المهمّة لكلّ مجتمع ، وعلى هذا جرى أسلوب الإمام الصادق عليه‌السلام في خصوص مسألة الإمام المهدي عليه‌السلام ، فأخبر عنه وفصّل هويته الشريفة قبل ولادته بعشرات السنين.

كما لا يمكن اغفال دور هذا المستوى من التوعية في حمل الأمانة ونقلها إلى الاجيال اللاحقة ، خصوصاً أجيال الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان عليه‌السلام التي لم تشاهد الإمام ولم تره ، ولكنها آمنت به واستيقنت منفسهم وجوده ، ولولا تلك الأخبار وغيرها لشكت حتى في أخبار ولادته عليه‌السلام ، نظرا لما أحاطها من سرية وتكتم كانا مقصودين من أبيه الإمام العسكري عليه‌السلام مباشرة إلاّ للخاصّة فالخاصّة كوكلاء الإمام ، وأعمدة التشيّع يوم ذاك من الثقات الأجلاّء المعروفين ، ومن لابدّ من اطلاعه كالخدم والجواري ونحوهم.

المستوى الثاني :

مستوى من عاش حدث الولادة المباركة للإمام المهدي عليه‌السلام ورآه في زمان أبيه أو في زمان غيبته الصغرى أو سمع بذلك ممن علم بالحدث أو شاهد الإمام مباشرة ، وهم جلّ الشيعة في ذلك الوقت.

وبإمكان هذه الطبقة أن تلاحظ قوّة انطباق تلك الاخبار على الواقع التاريخي بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام وحينئذ تزداد يقيناً على يقين ولن

٨٨

تضعّف من بصيرتها كثرة المهرجّين والمشعوذين.

ويدلّ على هذا الأسلوب الشريف :

١ ـ عن أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء عليهم‌السلام : سنة من موسى بن عمران ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم. فأما سنة من موسى بن عمران ، فخائف يترقب ، وأما سنة من عيسى ، فيقال فيه ما قيل في عيسى ، وأما سنة من يوسف ، فالسِّتْر ، يجعل الله بينه وبين الخلق حجابا ، يرونه ولا يعرفونه ، وأما سنة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيهتدي بهداه ، ويسير بسيرته » (١).

٢ ـ وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في القائم عليه‌السلام سنة من موسى بن عمران عليه‌السلام ، فقلت : وما سنتّه من موسى بن عمران؟ قال عليه‌السلام : خفاء مولده ، وغيبته عن قومه ... » (٢).

٣ ـ وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام ، إنّ في المهدي الغائب عليه‌السلام : « سنةً من أربعة أنبياء : سنة من موسى خائف يترقب ، وسنة من يوسف يعرفهم وهم له منكرون ، وسنة من عيسى وما قتلوه وما صلبوه ، وسنة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم بالسيف » (٣).

٤ ـ وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام ، إنّ فيه : « سنةً من نوح وهو طول

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ / ٤٦ باب ٣٣.

٢ ـ إكمال الدين ١ : ١٥٢ / ١٤ باب ٦.

٣ ـ دلائل الإمامة : ٢٥١.

٨٩

عمره ، وظهور دولته ، وبسط يده في هلاك أعدائه ، يخرج بالسيف كما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنةً من داود وهو حكمه بالإلهام » (١).

وعن زيد الشحّام ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث طويل جاء فيه : « إن صالحاً عليه‌السلام غاب عن قومه زماناً ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ وإنّما مَثَلُ القائم عليه‌السلام مَثَلُ صالح » (٢).

٦ ـ وفي الصحيح عن سدير الصير في قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف عليه‌السلام قال : فقلت له : كمنك تذكر حياته أو غيبته؟ قال : فقال لي عليه‌السلام : وما ينكر من ذلك هذه الأمة أشباه الخنازير؟ إن إخوة يوسف عليه‌السلام كانوا أسباطاً أولاًًد ألانبياء ، تاجروا بيوسف وبايعوه وخاطبوه ، وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتى قال : أنا يوسف وهذا أخي. فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عزّوجلّ بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف؟ إن يوسف عليه‌السلام كان إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك ، لقد سار يعقوب عليه‌السلام وولده ـ عند البشارة ـ تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر. فما تنكر هذه الأمة من يفعل الله جلّ وعزّ بحجّته كما فعل بيوسف ، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك له كما أذن ليوسف؟ قال : « أئنك لأنت يوسف؟ قال : أنا يوسف » (٣).

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٩٣٦ باب ١٧.

٢ ـ إكمال الدين ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧ / ٦ باب ٣.

٣ ـ أصول الكافي ١ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ٤ باب في الغيبة ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤١ / ٢١ باب ٣٣.

٩٠

وفيه إشارة واضحة إلى غيبة الإمام عليه‌السلام ، وما فعله جعفر الكذّاب ـ وهو عمّ الإمام المهدي عليه‌السلام ـ شبيه بما فعله أولاًًد يعقوب عليه‌السلام بأخيهم يوسف!

وفي حديث سدير هذا ما يدلّ على شيوع مفهوم غيبة الإمام المهدي بين أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام بفضل ما وصل إليهم من أحاديث آبائه الأطهار عليهم‌السلام ، فضلاًً عمّا قام به الإمام الصادق عليه‌السلام من ايضاح كل ما يحيط بالإمام المهدي عليه‌السلام تفصيلاً ، وخير ما يدلُّ على سبق مفهوم الغيبة إلى علم الأصحاب ، هو استفسار سدير الصيرفي ـ في هذا الحديث ـ من الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : كأنّك تذكر حياته أو غيبته!

ويدلّ عليه أيضاًً ما رواه المفضل بن عمر ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده في البيت اُناس ، فظننت أنه إنّما اراد بذلك غيري ، فقال : « أما والله! ليغيبنّ عنكم صاحب هذا الأمر ... الحديث » (١).

فقول المفضّل : ( فظننت منه إنّما أراد بذلك غيري ) يدلّ بوضوح على علم المفضّل بالغيبة ، لسماعه أخبارها قبل زمان صدور هذا الحديث.

٧ ـ وعن عبدالرحمن بن الحجاج عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن الإمام الحسين عليه‌السلام قال : « في التاسع من ولدي سنة من يوسف ، وسنة من موسى بن عمران عليهما‌السلام ، وهو قائمنا أهل البيت ، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة » (٢).

__________________

١ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٨ / ١١ ، باب في الغيبة.

٢ ـ إكمال الدين ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ / ١ باب ٣٠.

٩١

٨ ـ وعن أبي بصير ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ سنن الأنبياء عليهم‌السلام بما وقع بهم في الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ».

قال أبو بصير ، فقلت : يا ابن رسول الله! ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال : « يا أبا بصير هو الخامس من وُلْد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبةً يرتاب فيها المبطلون ، ثم يظهره الله عزّوجلّ ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ولاتبقى في الأرض بقعهٌ عبد فيها غير الله عزّوجلّ إلاّ عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون » (١).

الاسلوب الثاني ـ أسلوب التصريح في بين الهوية :

لقد مرّت شذرات متفرقة تشير إلى هذا الأسلوب أيضاًًً ، والمراد به : التصريح يالهوية بحسب ما يقتضيه مقام السائل وعقلية المستمع يومذاك ، وما يحيط بالإمام من ظروف يترك تقديرها للإمام نفسه عليه‌السلام ، فضلاًًً عمّا تقتضيه المصلحة التي ينظرها الإمام ، او يتو خّاها من خلال هذا الأُسلوب.

ولهذه الاعتبارات المتعدّدة لم يجر التصريح بهوية الإمام المهدي عليه‌السلام على نسق واحد ، إذ تارة يكون بتحديد الهوية من طرفها البعيد ، وتارة اُخرى يقرّب التحديد ، وثالثة يشتدّ قربا والتصاقا بالهوية الشخصية للإمام

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ / ٣١ باب ٣٣.

٩٢

الموعود عليه‌السلام.

وبعبارة اُخرى إن هناك جملة وافرة من احاديث الإمام الصادق عليه‌السلام الواردة في مقام التصريح بالهوية ، ومع هذا فلم ينفك عن بعضها الاجمال ، بل انحصرت في دائرته ؛ إذ لم تشخّص غائبا بالتحديد وإن صرّحت بشيء من هويته. ومع هذا فإنّ الإجمال المذكور لا يضرّ حتى مع فرض عدم وجود التفصيل ، لأنّه إجمال منحصر بعصور الأئمة قبل اكتمال تسلسلهم التاريخي ، أو بعبارة أخرى : إن الإجمال المذكور قد اختزن في داخله نوعاً من التفصيل ، ولكنّه لم يتّضح إلاّ بعد حين ، حتى عاد الإجمال نفسه في غنى عمّا يوضّحه من خارجه. خصوصاًً إذا ما لوحظ الأسلوب الاول من التشخيص ، وضُمّ إلى هذا الاجمال.

فتشبيه ظرف الغائب بظرف يوسف عليه‌السلام ، كما مرّ في الأسلوب الأول وإن لم يشخّص لنا من هو الغائب بالتحديد ، إلاّ أنّه بيّن لنا بعد حين مراد الإمام بهذا لتشبيه ؛ إذ كما فعل إخوة يوسف باخيهم ، فعل جعفر الكذّاب بابن اخيه العسكري عليه‌السلام ، خصوصاً مع تاكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على من سنن الانبياء حاصلة في الغائب المنتظر حذو القذّة ، وفيها الكثير ممّا يعيّن لنا الغائب بدقّة.

وهكذا الحال في المكوّنات الاُخرى للوحدة الموضوعية للغيبة ، كذكر الغيبتين ونحو ذلك ممّا سياتي في الباب الثاني ، وإذا ما حصل الربط بين اجزاء تلك المكوّنات ، من قبيل كون الغائب هو الثاني عشر ، ومنه التاسع من ولد الحسين عليه‌السلام ، تبدّد الإجمال المذكور كليا ؛ لوجود المصداق الواقعي الذي انطبقت عليه جميع تلك الأخبار ، ولم يتخلّف عنها خبر واحد.

٩٣

ومع هذا فلم يكتف إمامنا الصادق عليه‌السلام بحدود هذه الامور ، وانّما ذهب الى أبعد من ذلك بكثير في تشخيص هوية الإمام المهدي الغائب عليه‌السلام ، متدرّجاً في بيانه انطلاقاً من كون الغائب المنتظر هو من ولد الحسين عليه‌السلام ، مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة ، وعن ولده الكاظم عليهما‌السلام ؛ لئلا يدّع مدع بانظباقها على غير المراد ، مرورا بكون من سيغيب هو الثاني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام وآخرهم ، وأنّه السادس من ولده ، ومن ذريّة الإمام الكاظم عليه‌السلام وتحديدا : أنّه الخامس من ولد السابع ، وأنّه خفي الولادة ، مع تسمية أمّه عليه‌السلام ، وهكذا إلى أن يصل إلى القمة في البيان ، بذكر اسمه ، واسم أبيه ، وكامل نسبه الشريف ، كما سنرى وعلى النحو الآتي :

١ ـ عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث قدسي شريف جاء فيه : « ... ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله تعالى إلى الأرض ، من ذريّة علي وفاطمة ، من وُلْد لحسين » (١).

٢ ـ عن عبيد الله بن العلاء ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام جاء فيه قوله للإمام الحسين عليه‌السلام : « ثم يقوم القائم المأصول والإمام المجهول ، له الشرف والفضل ، وهو من ولدك يا حسين ... طوبى لمن أدرك زمانه ، ولحق أوانه ، وشهد أيّامه » (٢).

__________________

١ ـ روضة الكافي ٨ : ٤٩ / ١٠ ، وانظر : أمالي الشيخ الطوسي : ٢٨٧ ـ ٢٨٩ / ٤ مجلس رقم / ٣٩.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٧٤ ـ ٢٧٦ / ٥٥ باب ١١.

٩٤

٣ ـ وقال أبو بصير للإمام الصادق عليه‌السلام وقد دخل عليه : «...إنّي أريد أن ألمس صدرك ، فقال : افعل ، قال : فمسست صدره ومناكبه ، فقال : ولم يا أبا محمد؟ فقلت : جعلت فداك إنّي سمعت أباك وهو يقول : إن القائم واسع الصدر ، مسترسل المنكبين ، عريض ما بينهما. فقال : يا أبا محمد! إنّ ابي لبس درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت تستخب على الأرض ، وإنّي لبستها فكانت وكانت ، وإنّها تكون من القائم كما كانت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشمِّرة ، كمنه ترفع نطاقها ، وليس صاحب هذا الأمر من جاز الأربعين » (١). يعني نفسه الشريفة.

وفي هذا الحديث نفي صريح للمهدوية عن نفسه الشريفة ، حيث تو هّمت شرذمة قليلة بمنه عليه‌السلام هو المهدي ، وهو قول يُنسب إلى الناووسية.

ويؤيده أيضاًًً ما أورده المتقي الهندي في البرهان ، قائلاً : « وأخرج المحاملي في أمالية ، عن جعفر بن محمد بن على بن حسين [ عليهم‌السلام ] قال : « يزعمون أنّي أنا المهدي! وإنّي إلى أجلي أدنى منّي إلى ما يدّعون » (٢).

وما رواه خلّاد الصفّار ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام : هل ولد القائم عليه‌السلام؟ فقال : « لا ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي » (٣).

__________________

١ ـ بصائر الدرجات / الصفّار : ١٨٨ ـ ١٨٩ / ٥٦ ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي ٢ : ٦٩١ باب ١٤.

٢ ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : ١٧٤ / ١٢ باب ١٢.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤٥ / ٤٦ باب ١٣.

٩٥

وفي هذا الحديث نفي صريح لمهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه ، ومهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي ، ومهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الحسني ، ومهدوية محمد بن عبد الله العباسي الملقّب كذباً على الله ورسوله بالمهدي!

وفيه أيضاًً ما يكشف عن عظمة ومقام الإمام المهدي عليه‌السلام ِ ، بحيث تمنّى إمام الخلق في زمانه ، وحجة الله البالغة على عباده أن يقوم بخدمته لو أدركه عليهما‌السلام.

٤ ـ وعن أبي حمرة الثمالى قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : لا ، فقلت : فولدك؟ فقال : لا ، فقلت : فولد ولدك هو؟ فقال : لا ، قلت : فولد ولد ولدك؟ قال : لا ، قلت : فَمن هو؟ قال : الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماًًً وجوراًًً على فترة من الأئمة ، كما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث على فترة من الرسل » (١). ولواسترسل أبو حمزة رضي‌الله‌عنه في سواله لحدّد الإمام الصادق عليه‌السلام من هو المهدي بالضبط ؛ نظراً لما سيأتي في تشخيص الإمام الصادق عليه‌السلام لاسم المهدي وحسبه بدّقة.

٥ ـ وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « سمعته عليه‌السلام يقول : منّا اثنا عشر مهدّياً مضى ستة و بقي ستة ، يصنع الله بالسادس ما أحبّ » (٢).

٦ ـ وقال السيد الحميري بعد توبته ورجوعه إلى الحقّ إلى الإمام

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٣٤١ / ٢١ باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٨٦ ـ ١٨٧ / ٣٨ باب ١٠ ، وعقد الدرر / المقدسي : ٢١٠ ـ ٢١١ باب ٧.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٨ / ١٣ باب ٣٣.

٩٦

الصادق عليه‌السلام : « يا بن رسول الله! قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم‌السلام في الغيبة وصية كونها ، فاخبرني بمن تقع؟

فقال عليه‌السلام : إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله تعالى في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبه ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاًً وعدلاً كما ملئت جوراًً وظلماًً » (١).

وهذا الخبر يؤكّد إسهام جميع أهل البيت عليهم‌السلام في تنبيه الشيعة إلى غيبة قائمهم المنتظر عليه‌السلام ، وفيه تفسير للعدد المذكور في الحديث الخامس المتقدم ، زيادة على ما فيه من تأكيد بقاء الإمام المهدي عليه‌السلام حيّاً في غيبته.

ويؤيده قول الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث آخر : « ما تنكرون أن يمدّ الله لصاحب هذا الأمر في العمر كما مدّ لنوحٍ عليه‌السلام في العمر » (٢).

٧ ـ وفي حديث طويل عن الصادق عليه‌السلام جاء فيه : « يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراًً وظلماًً ، وتصفو له الدنيا » (٣).

٨ ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « صاحب هذا الأمر

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٢ / ٢٣ باب ٣٣.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٢١ / ٤٠٠.

٣ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٢ / ٢٣.

٩٧

تعمى ولادته على الخلق ؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » (١).

ولا يعرف التاريخ أحداً من أهل البيت عليهم‌السلام قد خفيت ولادته على الخلق سوى إمامنا ابن العسكري عليهما‌السلام.

هذا ، وفي الصحيح عن ابن فضّال ، عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي [ أي : الإمام العسكري عليه‌السلام ] كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال : لأنّ امامهم يغيب عنهم ، فقلت : ولم؟ قال : لئلا يكون لأحد في عنقه بيعةإذا قام بالسيف » (٢).

٩ ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث جاء فيه : « ... فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب منها المبطلون ، ثم يظهره الله عزّوجلّ ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربها ، ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ / ١ باب ٤٤ ، وأخرجه الصدوق من طريق آخر عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في إكمال الدين ٢ : ٤٨٠ / ٥ باب ٤٤ ، وقد ورد نحوه من طرق أخرى عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، كرواية هشام بن سالم في اصول الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٧ باب في الغيبة ، ورواية إبراهيم بن عمر اليماني في كتاب الغيبة للنعماني : ١٩١ / ٤٥ باب ١٠ ، ورواية جميل بن صالح في إكمال الدين ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ / ٢ باب ٤٤.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٤٨٠ / ٤ باب ٤٤.

٩٨

الله عزوجلّ إلاّ عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون » (١).

١٠ ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث جاء فيه : « .. والأئمة من ولد الحسن آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجّال ، ويطهّر الأرض من كل جور وظلم » (٢).

١١ ـ وعن هارون بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام قال : « قال سيدي جعفر بن محمد عليه‌السلام : الخلف الصالح من ولدي ، وهو المهدي ، اسمه محمد ، وكنيته أبو القاسم/ يخرج في آخر الزمان ، يقال لأمّه صقيل » (٣).

أقول : « صقيل ، ونرجس ، وسوسن كلها أسماء لمسمّى واحد وهو أُمّ الإمام المهدي عليه‌السلام وقد ورد الأثر الصحيح في ذلك ، وهذا الحديث نقله الإربلي من كتاب ابن الخشّاب المسمّى تاريخ مواليد ووفيّات أهل البيت عليه‌السلام وابن الخشّاب من معاصري الإمام العسكري عليه‌السلام ويروي الكليني عنه بالواسطة ، وهو من ّمشايخ علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي المتوفّى في الغيبة الصغرى.

١٢ ـ وعن صفوان بن مهران ، وعبد الله بن أبي يعفور ؛ عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « أنّ أقرّ بجميع الأنبياء وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وحجد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبوّته ، فقيل له : يا ابن رسول الله : فمن

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ / ٣١ باب ٣١.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٧ باب ٣٣.

٣ ـ كشف الغمّة / الاربلي ٣ : ٣٧٩ في ذكر الإمام الحجة عليه‌السلام.

٩٩

المهدي من ولدك؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ، ولايحلّ لكم تسمية » (١).

والنهي عن التسمية معلل بالخوف من الطلب ، فيكون مقيّدا بزمان مخصوص كما يعلم من أخبار أُخر.

وفي هذا الحديث وغيره مّما مرّ ويأتي إبطال لقول الواقفية بمهدوية الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وقوله عليه‌السلام : « الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ... » تعريض بقول الواقفية بأن المهدي صاحب الغيبة هو الإمام السابع أي : الكاظم عليه‌السلام! في حين منه الخامس من ولد السابع عليهم‌السلام.

١٣ ـ وسمع الحسين بن علوان الكلبي ـ وهو من رواة العامة ـ حديثاً من طرقهم في خصوص علم النبي موسى عليه‌السلام بأوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الاثني عشر من بعده ، قال : فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليه‌السلام ، فقال : « حق ذلك ، هم اثنا عشر من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ومن شاء الله.

قلت : جعلت فداك ، إنّما أسألك لتفتيني بالحق.

فقال عليه‌السلام : أنا ، وابني هذا ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه‌السلام ـ والخامس من ولده يغيب شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه » (٢).

١٤ ـ وعن المفضل بن عمر قال : « دخلت على سيدي جعفر بن

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٣ / ١ باب ٣٣ وأخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن أبي يعفور ٢ : ٣٣٨ / ١٢ من الباب السابق.

٢ ـ مقتضب الأثر : ٤١.

١٠٠