غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

وأبو هريرة (١) ، وأم سلمة (٢) ، والبراء بن عازب (٣) ، وحذيفة بن اليمان (٤) ، وعبد الله ابن عباس (٥) ، وعمر بن الخطاب (٦).

ثانياًً ـ من صحح الحديث من العلماء :

من الواضح أنّ اتفاق الصحابة ـ الذين سبق ذكرهم ـ على رواية حديث الثقلين الشريف بلفظ : « كتاب الله وعترتي ... » ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب تواتره ، وإذا ما أُضيف إلى ذلك موقف أهل البيت من هذا الحديث عُلم تواتره بأبهى صورة على منهم صرّحوا بحسن الكثير من طرقه تارة ، وصيتها اُخرى. ولو جُمعت طرق الحديث تلك لكانت وحدها دليلاً كافياً على تواتر الحديث. وإليك جملة يسيرة بأسماء من قال بحسن الحديث أو صحّته ، و هم :

محمد ابن إسحاق ( ت / ١٥٠ هـ ) (٧) ، ومحمد بن عيسى الترمذي

__________________

والشيخ الصدوق في إكمال الدين ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٩ / ٥٢ و ٥٩ و ٦٠ باب ٢٢ ، والخصال ٢ : ٤٥٧ / ٢ ، والأمالي : ٥٠٠ / ٦٨٦ ( ١٥ ) مجلس / ٦٤.

١ ـ أخرجه الخزاز القمّي في كفاية الأثر : ٨٧.

٢ ـ أخرجه الشيخ الطوسي في أماليه : ٤٧٨ / ١٠٤٥ ( ١٤ ) مجلس / ١٧.

٣ ـ أخرجه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى : ١٣٦.

٤ ـ أخرجه الخزاز في كفاية الأثر : ١٣٦ ، والسيد ابن طاوس في إقبال الأعمال : ٤٥٤.

٥ ـ أخرجه الشيخ الصدوق في أماليه : ٦٤ / ١١ مجلس / ١٥ ، والشيخ المفيد في أماليه : ٤٥ ـ ٤٧ / ٦ مجلس / ٦ ، وابن شاذان القمي في مائة منقبة : ١٤٣ / ٧٥.

٦ ـ أخرجه الخزاز في كفاية الأثر : ٩١.

٧ ـ لسان العرب / ابن منظور ٤ : ٥٣٨ ( عَتَرَ ).

٤١

( ت / ٢٩٧ هـ ) (١) ، ويحيى بن زكريا الحافظ النيسابوري ( ت / ٣٠٧ هـ ) (٢) ، ومحمد بن جرير بن رستم الطبري المفسّر العامي ( ت / ٣١٠ هـ ) (٣) ، وأبو بكر محمد بن إسحاق السلمي المعروف بابن خزيمة ( ت / ٣١١ هـ ) (٤) ، وأحمد بن محمد بن عقدة الزيدي الجارودي الحافظ ( ت / ٣٣٣ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتر الحديث ؛ إذ أخرجه عن أكثر من مائة من الصحابة وبطرق شتّى في كتاب الولاية كما صرّح بهذا السيد ابن طاوس (٥).

والأزهري اللغوي المشهور ( ت / ٣٧٠ هـ ) (٦) ، والحاكم النيسابوري ( ت / ٤٠٥ هـ ) (٧) ، وأبو سعيد السجزي ( ت / ٤٧٧ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتر الحديث ؛ إذ أخرجه من طرق شتّى (٨) ، والبغوي ( ت / ٥١٠ هـ ) (٩) ،

__________________

١ ـ سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ ـ ٦٦٣ / ٣٧٨٦ باب مناقب أهل البيت عليهم‌السلام.

٢ ـ الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان عن الشيوخ الكوفيين / محمد بن علي الصوري : ٧٣.

٣ ـ كنز العمّال ١ : ٣٧٩ / ١٦٥٠.

٤ ـ راجع : صحيح ابن خزيمة ١ : ٣ من المقدمة.

٥ ـ انظر : الاقبال / السيد ابن طاوس ٢ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

٦ ـ تهذيب اللغة / الأزهري ٢ : ١٥٧ ( عَتَرَ ).

٧ ـ مستدرك الحاكم ٣ : ١١٨ / ٤٥٦٧ كتاب معرفة الصحابة ـ ذكر مقتل عثمان ، و ٣ : ١٦٠ ـ ١٦١ / ٤٧١١ ، و ٣ : ٦١٣ / ٦٢٧٢.

٨ ـ الاقبال / السيد ابن طاوس ٢ : ٢٣٩ الفصل ٢.

٩ ـ مصابيح السنة / البغوي ٤ : ١٨٥ / ٤٨٠٠ ، و ٤ : ١٨٩ / ٤٨١٦ باب مناقب أهل البيت عليهم‌السلام ، وشرح السنة / البغوي ١٤ : ١١٧ / ٣٩١٣ و ١٤ : ١١٨ / ٣٩١٤.

٤٢

وسبط ابن الجوزي ( ت / ٦٩٤ هـ ) (١) ، وابن منظور ( ت / ٧١١ هـ ) (٢) ، والمزي ( ت / ٧٤٢ هـ ) (٣) ، والذهبي ( ت / ٧٤٨ هـ ) (٤) ، وابن كثير الدمشقي ( ت / ٧٧٤ هـ ) (٥) ، والمحاملى في أماليه على ما سيأتي عن السيوطي ، ونور الدين الهيثمي ( ت / ٨٠٧ هـ ) (٦) ، والبوصيري ( ت / ٨٤٠ هـ ) (٧) ، وابن حجر العسقلاني ( ت / ٨٥٢ هـ ) (٨) ، والسخاوي ( ت / ٩٠٢ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتر الحديث إذ أخرجه من طرق كثيرة صحح الكثير منها (٩) ، والسيوطي ( ت / ٩١١ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتره أيضاًًً كما يظهر من كثرة طرقه ، وقد صحح بعضها ، وأشار إلى تصحيح من سبقه لها كالمحالي وغيره (١٠) ، والسمهودي ( ت / ٩١١ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتره أيضاًًً كما

__________________

١ ـ تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي : ٢٩٠.

٢ ـ لسان العرب / ابن منظور ٤ : ٥٣٨ ( عَتَرَ ).

٣ ـ تحفة الأشراف / المزي ٣ : ١٩٣ / ٣٦٥٩.

٤ ـ تلخيص المستدرك / الذهبي ٣ : ٥٣٣ ( مطبوع بهامش مستدرك الحاكم ).

٥ ـ السيرة النبوية / ابن كثير ٤ : ١٦٨ ، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير ٧ : ١٨٥ في تفسير الآية ( ٢٣ ) من سورة الشورى المباركة ، والبداية والنهاية / ابن كثير أيضاًً ٥ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، و ٥ : ٢٣١.

٦ ـ مجمع الزوائد / الهيثمي ١ : ١٧٠ ، و ٩ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٧ ـ مختصر اتحاف السادة المهرة / البوصيري ٨ : ٤٦١ ، و ٩ : ١٩٤.

٨ ـ المطالب العالية / ابن حجر العسقلاني ٤ : ٦٥ / ٣٩٧٢.

٩ ـ استجلاب ارتقاء الغرف / السخاوي : ٨٨ ـ ١٢٢ بعنوان : « حديث الثقلين ».

١٠ ـ مسند الإمام علي عليه‌السلام / السيوطي : ١٩٢ / ٦٠٥ ، وجامع الآحاديث /

٤٣

يظهر بوضوح من طرقه لديه مع تصحيحة لكثير من تلك الطرق (١) ، ومحمد بن يوسف الشامي ( ت / ٩٤٢ هـ ) (٢) ، وابن حجر الهيتمي ( ت / ٩٧٤ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتر الحديث ، وله كلام طويل في تصحيح جملة وافرة من طرقه (٣) ، وعبد الرؤوف محمد بن على المناوي ( ت / ١٠٣١ هـ ) (٤) ، وعلى بن برهان الدين الحلبي ( ت / ١٠٤٤ هـ ) (٥) ، ومحمد بن معتد خان الحارثي المعروف بالبدخشاني ( ت / ١١٢٦ هـ ) (٦) ، ومحمد بن محمد بن معين المعروف بالسندي ( ت / ١١٦١ هـ ) (٧) ، والزبيدي الحنفي ( ت / ١٢٠٥ هـ ) (٨) ، والحسين بن أحمد الصنعناني ( ت / ١٢٢١ هـ ) (٩) ، والقندوزي الحنفي ( ت / ١٢٧٠ هـ ) وهو من المعتقدين بتواتر الحديث ؛ إذ

__________________

السيوطي ١٦ : ٢٥٥ / ٧٨٦٣ ، والخصائص الكبرى / السيوطي ٢ : ٤٦٦ ، والدر المنثور / السيوطي أيضاًً ٥ : ٧٠٢ في تفسير الآية ( ٢٣ ) من سورة الشورى المباركة.

١ ـ جواهر العقدين / السمهودي : ٢٣١ و ٢٣٢ و ٢٣٤ و ٢٣٦ و ٢٣٨ و ٢٤٦ وقال في هذا المورد الأخير : « وهو كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ».

٢ ـ سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد / محمد بن يوسف الشامي ١١ : ٦.

٣ ـ الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : ٤٢ و ٤٣ و ٤٤ و ١٤٥ و ١٤٩ و ١٥٠ و ٢٢٨.

٤ ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي ٢ : ١٧٤ / ١٦٠٨.

٥ ـ السيرة الحلبية / الحلبي ٣ : ٣٨٤.

٦ ـ نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار / البدخشاني : ٣٣.

٧ ـ دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب / السندي : ٢٣٣.

٨ ـ اتحاف السادة المتقين / الزبيدي ١٤ : ٥٣٤.

٩ ـ الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير / الصنعاني ١ : ٣٩.

٤٤

أخرجه من طرق كثيرة جداًً صحح معظمها (١) ، والآلوسي المفسّر الوهابي ( ت / ١٢٧٠ هـ ) فقد صحح الحديث وقال معقّباً بعد التصحيح ، إنّه : « يقتضي أن النساء المطهّرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين » (٢).

وصححه جمال الدين القاسمي ( ت / ١٣٣٢ هـ ) (٣).

وصححه محمود شكري الآلوسي ( ت / ١٣٤٢ هـ ) مصرّحاً بأنّ من خالف الثقلين فهو ضالّ ، ومذهبه باطل وفاسد لا يُعبأ به ، ومن جحد بهما فقد غوى ، ووقع في مهاوى الردى (٤) ، ولله درّ القائل : والحقّ ينطق منصفاً وعنيدا.

وصححه ـ كذلك ـ الأمولوي حسن زمان ( من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ) (٥) ، والألباني الوهّابي ( ت / ١٤١٣ هـ ) (٦).

وإذا ما لوحظ بمن مسلم بن الحجاج النيسابوري ( ت / ٢٦١ هـ ) قد أخرج الحديث في صحيحة ، عن أبي سعيد الخدري كما تقدم ، وإنّ علماء

__________________

١ ـ ينابيع المودة ١ : ١٢٠ / ٤٤ و ٤٥ ، و ١ : ١٢١ / ٤٨ ، ٢ : ٤٣٢ / ١٩١ ، وغيرها.

٢ ـ روح المعاني / الآلوسي الوهّابي ١١ : ١٩٧ في تفسير الآية ( ٣٣ ) من سورة الأحزاب المباركة.

٣ ـ محاسن التأويل / القاسمي ١٤ : ٣٠٧.

٤ ـ مختصر التحفة الإثني عشرية / محمود شكري الآلوسي : ٥٢.

٥ ـ القول المستحسن في فخر الحسن / المولوي حسن زمان : ٥٩٤.

٦ ـ صحيح الجامع الصغير / الألباني الوهّابي ١ : ٢٨٦ / ١٣٥١ ، و ١ : ٤٨٢ / ٢٤٥٧ و ٢٤٥٨ ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني الوهّابي أيضاًً ، رقم الحديث ( ١٧٦١ ).

٤٥

العّامة مطبقون على صحّة هذا الكتاب ، فلا معنى إذن للاكثار من أسماء علماًئهم الذين صحّحوا الحديث.

ويدلّّ على ذلك أقوالهم الآتية :

١ ـ قال العينى في عمدة القاري : « اتفق علماًء الغرب والشرق على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم » (١).

٢ ـ وقال الكشميري الديوبندي في فيض الساري : « واعلم أنه انعقد الإجماع على صحة البخاري ومسلم » (٢).

٣ ـ وقال حاج خليفة في كشف الظنون : « إن السلف والخلف قد أطبقوا على من أصحّّ الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى ، صحيح البخاري ثم صحيح مسلم » (٣).

٤ ـ وكان أبو على النيسابوري يرى : « أنه ما من شيء تحت أديم السماء إلاّ وصحيح مسلم أصحّ أنه » (٤).

٥ ـ وذهب الذهبي ، والسرخسي ، وابن تيمية ، وعمر بن الصلاح الشهرزوري ، والحميدي ، ابن طاهر ، وأبو إسحاق الشيرازي ، القاضي عبدالوهّاب المالكي ، إلى القول بمن ما وُجد في الصحيحين يفيد القطع!! واحتجّوا بالإجماع على قبوله ، وجزم السيوطي بأن القطع هو

__________________

١ ـ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري / العيني ١ : ٥.

٢ ـ فيض الساري على صحيح البخاري / الكشميري الديوبندي ١ : ٥٧.

٣ ـ كشف الظنون / حاج خليفة ١ : ٦٤١.

٤ ـ وفيات الأعيان / ابن خلكان ٤ : ٢٠٨.

٤٦

الصواب!! (١).

هذه هي رتبة حديث الثقلين الشريف بلفظ : « كتاب الله وعترتي ... » عند علماء العامّة ، وبهذا تُعلم قيمة إعراض البخاري في صحيحه عن رواية هذا الحديث ، وقيمة الشبهات التي أثارها ويثيرها بعض الجهلة من هنا وهناك بشأن صحة هذا الحديث تارة أو دلالته تارة اُخرى (٢).

ثالثاًً ـ علم الصحابة بالمعنيين بحديث الثقلين :

إنّ العودة السريعة إلى أزمان صدور الحديث (٣) تؤكد لنا أهمية حديث الثقلين ( القرآن والعترة ) ، وقيمة إرجاع الأمة فيه إلى العترة لأخذ الدين الحقّ عنهم ، وتزداد أهميته كثيراًً بالوقوف على أسباب ألتاكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرِّقة ؛ منها في يوم الغدير ، وآخرها في

__________________

١ ـ شرح الزرقاني على المنظومة البيقونية لأبي الفتوح البيقوني : ٥٧ ـ ٥٩ ، القسم الأول ( الحديث الصحيح ) ، وفيض الساري ١ : ٥٧.

٢ ـ راجع : حديث الثقلين / السيد على الحسيني الميلاني. ( كتبه ردّاً على بعض من تخرّص باطلاً بشأن حديث الثقلين الشريف ).

٣ ـ الثابت هو أن حديث الثقلين الشريف قد أكّده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّته في أكثر من مكان وزمان ؛ فمرّة في حجة الوداع كما في حديث جابر ، واُخرى عند منصرفه من الطائف كما في حديث عبدالرحمن بن عوف ، وثالثة في الجحفة قرب غدير خم كما في حديث زيد بن أرقم وغيره ، ورابعة في مرض موته صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في حديث اُم سلمة وقد امتلأت الحجرة من أصحابه ، وخامسة في المسجد النبوي الشريف قبل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله بيومين أو ثلاثة ، وغيرها كما يتضح من مراجعة مصادر الحديث السابقة.

٤٧

مرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله الأخير.

هذا فضلاًًً عن تأكيده صلى‌الله‌عليه‌وآله المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم ، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم : تارة كسفن للنجاة ، واُخرى أماناً للأُمّة ، وثالثة كباب حطّة.

وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سوال واستفسار من النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمبالهة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : « اللّهم هؤلاء أهلى » وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر واختصاص.

خصوصاًً وقد علموا كيف جذب صلى‌الله‌عليه‌وآله طرف الكساء من يد اُم سلمة ومنعها من الدخول مع أهل بيته قائلاًً لها « إنك إلى خير » (١).

وشاهدوه أيضاًًً وهو يقف صلى‌الله‌عليه‌وآله على باب فاطمة عليه‌السلام صباح كل يوم ولمدة وتسعة أشهر وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٢). (٣)

__________________

١ ـ تفسير الطبري ٢٢ : ٥ ـ ٧ ، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي ١٤ : ١٨٢ ، وتفسير ابن كثير ٣ : ٤٩٢ ، والدر المنثور / السيوطي ٣ : ٦٠٣ ـ ٦٠٤ ، وفتح الغدير / الشوكاني ٤ : ٢٧٩ كلهم في تفسير آية التطهير ، واُنظر : سنن الترمذي ٥ : ٦٩٩ / ٣٨٧١ ومستدرك الحاكم ٢ : ٤٢٦.

٢ ـ سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

٣ ـ راجع : الأحاديث الواردة في وقوف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على باب فاطمة عليها‌السلام وهو يقرأ آية التطهير في تفسير الطبري ٢٢ : ٦.

٤٨

وکلّ هذا يکفي لمن شاهد ذلك أو سمع به من الصحابة لأن يعرف من هم أهل البيت عليه‌السلام ، وأما ما يقال بأن معرفة الصحابة بأهل البيت كانت مقتصرة على أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، في حين أشار الحديث إلى استمرار وجودهم مع القرآن ليكونا لأن تمسّك بهما عاصمين من الضلالة إلى يوم القيامة ، وهذا يبرر لهم السؤال عمّن سيأتي بعد أصحاب الكساء عليهم‌السلام من أهل البيت لكي تعرف الأمة أسماءهم ولا يشتبه أحد بهم.

والجواب : إن حاجة الصحابة والأجيال اللاحقة فيما بعد ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمَّته بعد النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأخذ دوره في عصمة الأُمّة من الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمَّة ، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحوض.

واذا علمت أنَّ عليَّاً عليه‌السلام قد تعيّن بنصوص لاتُحصى ، ومنها : في حديث الثقلين نفسه ، فليس من الضروري اذن أنْ يتولّى النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه تعيين من يلي أمر الأُمّة بأسمه في كل عصر وجيل ، أنْ لم نقل إنَّه غير طبيعي لولا أنْ تقتضيه بعض الاعتبارات (١).

فالمقياس إذنْ في معرفة امام كلِ عصر وجيل : إمَّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنصّ السابق على إمامة الالحق وهو المقاس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصيّاء عليهم‌السلام ، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.

__________________

١ ـ راجع : الأصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم : ١٧٥.

٤٩

ومع هذا فإن الصحابة لم يكونوا على جهل تام بهوية من سيأتي بعد أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، إذ علموا مسبقاً بعدد الأئمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم اثنا عشر على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي في القاعدة الرابعة ، وفيهم من علم أسماءهم عليهم‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة كجابر بن عبد الله الأنصاري (١) ، وابن عباس (٢) وسلمان الفارسي رضي الله عنه (٣) ، هذا فضلاًً عمن علم منهم بانحدار بقية أهل البيت من صلب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وإن عددهم لا يزيد ولا ينقص عن تسعة ، وإن تاسعهم هو المهدي الموعود ، ومن جملة من علم ذلك ، أبو سعيد الخدري ، وأبو أيوب الأنصاري ، وعلى الهلالى ، وغير هم كثير (٤).

وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم‌السلام نجد النصّ قد توفَّر على إمامتهم بكلا طريقيه : النص المستطيل الشامل ، وتعيين السابق للاحق ، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بمنهم ادّعوا لأنفسهم

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٥٣٢ / ٩ باب ١٢٦ ، وإكمال الدين ١ : ٣١٣ / ٤ باب ٢٨ ، وينابيع المودة ٣ : ١٧٠ باب ٩٤.

٢ ـ ينابيع المودة ٣ : ١٦٢ باب ٩٤ و ٢ : ٨٣ المودة العاشرة ( في عدد الأئمة ، وإنّ المهدي منهم عليهم‌السلام ).

٣ ـ أُصول الكافي ١ : ٥٢٥ / ١ باب ١٢٦.

٤ ـ اُنظر : البيان في أخبار صاحب الزمان / الكنجي الشافعي : ٥٠١ ـ ٥٠٢ ، والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ فصل ١٢٠ ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ١٤٩ باب ٩٤ ، وفي كفاية الأثر للخزاز جمع غفير من الصحابة الذين وَعوا هذه الحقيقة ورووها لمن بعدهم.

٥٠

الإمامة في عرض السلطة الزمنية ، واتّخذوا من أنفسهم كما اتّخذهم الملايين من أتباعهم أئمَّةً وقادةً للمعأرضة السلمية للحكم القائم في زمانهم ، مع إرشاد كلِ إمام أتباعه على مَنْ يقوم بأمر الإمامة من بعده ، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة اُُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم (١).

ثم لو فرض من أحدهم لم يعيّن لأتباعه مَنْ يقوم بأمر الإمامة من بعده ، مع فرض توقّف النصّ عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الإمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لمن دلالة « لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض » على استمرار وجود امام من العترة في كل عصر كإستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر الى القول : « وفي احاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به الى يوم القايمة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض ، ويشهد لذلك الخبر : « في كل خَلَفٍ من أمتي عدول مِنْ أهل بيتي » (٢).

رابعاًً ـ تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على حديث الثقلين :

لم يتولّ الإمام الصادق عليه‌السلام مهمّة الدفاع عن حديث الثقلين بنسبته إلى

__________________

١ ـ راجع : الأصول العامة للفقه المقارن : ١١٨.

٢ ـ الصواعق المحرقة : ١٤٩.

٥١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب ، بل أكد على صلته المباشرة بالحديث باعتباره واحداً من أهل البيت ، واعتبره نصّاً في خلافتهم عليه‌السلام ، كما بيّن صلة هذا الحديث بمعرفة المؤمنين وتمييزهم عن غيرهم ، ومنه أمر صريح بوجوب اقتداء الأمة بالمعنيين به ، وبيان من هم المعنيون بالحديث الشريف ، كما سيأتي.

١ ـ عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل ، ذكر فيه الإمام الصادق عليه‌السلام ما يدلّّ على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ، من القرآن والسنة ، وكان من جملة الأحاديث التي بيّنها عليه‌السلام في مقام بيان النصّ هو حديث الثقلين الشريف (١).

٢ ـ وعن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي قد تركت فيكم الثقلين : كتاب الله ، وأهل بيتي ). فنحن أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

٣ ـ وسأل أبو بصير الإمام الصادق عن أهل البيت عليه‌السلام قائلاًً : « ومن أهل بيته؟ قال عليه‌السلام : الأئمة الأوصياء ».

ثم سأله قائلاًً : « من أمته صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال عليه‌السلام : « المؤمنون الذين صدّقوا بما جاء من عند الله ، المتمسّكون بالثقلين. اللذين أمروا بالتمسّك بهما : كتاب الله ، وعترته أهل بيته ، اللذَيْنِ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٢٩٣ / ٣ باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢ ـ بصائر الدرجات ١ : ٤١٤ / ٤ باب ١٧.

٥٢

تطهيرا. وهم الخليفتان على الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

٤ ـ وعن مسعدة بن صدقة ، قال : قال أبو عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن ، وقطب جميع الكتب ، عليها يستدير محكم القرآن ، وبها نوّهت الكتب ، ويستبين الإيمان. وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقتدى بالقرآن وآل محمد ، وذلك حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر خطبة خطبها : إنّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأكبر ، والثقل الأصغر. فأما الأكبر فكتاب ربّي ، وأما الأصغر فعترتي اهل بيتي ، فاحفظوني فيهما ، فلن تضلوا ما تمسّكتم بهما » (٢).

٥ ـ وعن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل جاء فيه : « ... ومن أراد الله تعالى به الخير ، جعله من المصدّقين المسلّمين للأئمة الهادين بما منحهم الله تعالى من كرامته ، وخصّهم به من خيرته ، وحباهم به من خلافته على جميع بريّته دون غيرهم من خلقه ؛ إذ جعل طاعتهم طاعته ، يقول عزّوجلّ : ( اطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولى الأمر منكم ) (٣) ، وقوله : ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله ) (٤). فندب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الخلق إلى الأئمة من ذريته ، الذين أمرهم الله تعالى بطاعتهم ، ودلهم عليهم ، وأرشدهم إليهم ، بقوله عليه‌السلام : إنّي

__________________

١ ـ روضة الواعظين / الفتال النيسابوري : ٢٩٤ مجلس من مناقب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ تفسير العياشي ١ : ٥ / ٩ في فضل القرآن الكريم.

٣ ـ سورة النساء : ٤ / ٥٩.

٤ ـ سورة النساء : ٤ / ٨٠.

٥٣

مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، حبل ممدود بينكم وبين الله ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ) (١).

ومن الواضح من عناية إمامنا الصادق عليه‌السلام بحديث الثقلين ، وبيان أغراضه ، وتحديد المعنيّين به ، وهم الأئمة الاثنا عشر ، ومنهم أوصياء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفاؤه ، وأولهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وآخرهم المهدي عليه‌السلام ، وأنهم مطهرون ، وطاعتهم مفروضة ، ومرجعيتهم ثابتة ، كل ذلك لم ينطلق من فراغ ، وإنما جاء كرد فعل معاكس للتيارات الفكرية والمذهبية المختلفة التي أوجدها النظام السياسي المضاد ، بغية تمكنها من جرف الحقيقة وتعميتها ، ويكفي أنها ـ على صعيد حديث الثقلين ـ قد وسّعت دائرة ( اهل البيت ) لتشمل بني العباس وغيرهم ممن ليس لهم في هذا الأمر نصيب.

ولهذا اضطر الإمام الصادق عليه‌السلام إلى تأكيد اختصاصهم بهذا الحديث الدالّ على عصمتهم ومرجعيتهم عليه‌السلام بكل قوة.

خامساًً ـ دلّالة حديث الثقلين :

دلّّ حديث الثقلين الشريف على أمور كثيرة ، سنشير إلى أهمها بالنقاط الآتية :

١ ـ إنه دلّ على أن أهل البيت عليهم‌السلام أفضل الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاطبة ؛ لأنهم قُرِنوا بالكتاب العزيز ، فكان فضلهم على سائر الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضلهم القرآن الكريم على سائر الكتب.

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني ١ : ٥٤ / ٣ باب ما جاء في الإمامة.

٥٤

٢ ـ إنّهم عليهم‌السلام أنفس شيء تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع القرآن ، كما يفهم من وصفهما بالثقلين ، والثقل في اللغة هو الشيء النفيس الخطير.

٣ ـ دلّ الحديث على إمامتهم وخلافتهم ووجوب تسليم الحكم وإدارة شؤون الدولة إليهم بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ؛ لأن وظيفة الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية في المنظور القرآني والنبوي من يقود الرعية إلى شاطيء الأمان لا أن يضلها ويحرفها عن دين الله وشرعه القويم أما بتقصير أو قصور ، ويكاد لفظ الحديث من يكون صريحا بهذا ؛ لان معنى نجاة الرعية في الدولة الإسلامية أن لا تضل عن الطريق المستقيم ، وقد حصر الحديث النجاة من الضلالة بالتمسّك بالثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤ ـ دلّ أيضاًً على أن مقولة ( حسبنا كتاب الله ) مقولة شيطانية ، لا يراد بها إلاّ إضلال الأمة وهلاكها ، لمن الحديث حصر النجاة بالتمسّك بالثقلين ( كتاب الله والعترة ). وأين هذا من تلك المقولة؟

٥ ـ دلّ على أن من تمسّك بغير هما يكون من الهالكين ولابدّ ، ومن باب أولى أن يكون ذلك الغير ( المتمسَّك به ) من الهالكين ، لأنه سيكون من أئمة الضلال ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون خليفة أو حاكماً أو قاضياً أو رئيساً أو أميراً أو سلطان ؛ إذ خدع الناس بأخذ معالم دينهم منه ، فتمسّكوا به لا بالثقلين.

وقد صرح محمود شكري الآلوسي بهذا ، فقال عمن خالفهما وتمسّك بغيرهما : ( فهو ضالّ ، ومذهبه باطل ، وفاسد لايعبأبه ، ومن جحد بهما فقد

٥٥

غوى ، ووقع في مهأوي الردى ) (١).

٦ ـ دلّ على مرجعية أهل البيت عليهم‌السلام العلميّة ، وأنهم أعلم الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما في الكتاب والسنة المطهرة ، إذ لا يعقل مطلقاً أن يكونوا أمانا للأُمة من الضلالة في حال تمسّكها بهم وهناك من هو أعلم منهم بالكتاب والسنة ، ولو وُجِد فرضا لعدّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكان أهل البيت عليه‌السلام أو لجعله ثقلاً ثالثاًً مع الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ، وأما أن يتركه ـ على تقدير وجوده ـ فهو محال. الأمر الذي يدلُّ على عدمه ، ويؤيّده من الله عزّوجلّ لم يُذْهِب الرجس عن أحدٍ من الصحابة ويطهّره تطهيراً وإنّما انحصر ذلك بأهل البيت عليهم‌السلام دون غير هم.

٧ ـ دلّ الحديث على وجوب الآخذ منهم مباشرة أو بالواسطة ، وعلى محبتهم وتوقيرهم ، وطاعتهم المطلقة وعدم الرد عليهم في شيءٍ البتة لأنهم عليهم‌السلام مع القرآن صنوان لا يفترقان ، كل منهما يشهد للآخر ، فيكون الراد عليهم كالجاحد بكتاب الله ، وكالراد على الله تعالى ورسوله.

٨ ـ دلّ الحديث على حجية سنتهم عليهم‌السلام ، وان سنة كل واحد منهم عليه‌السلام هي سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن حديثهم حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء رُفِع منهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لم يُرفع ، ومن الحكم على حديثهم عليهم‌السلام بالإرسال لا يكون إلاّ من جاهل بحديث الثقلين أو من معاند متعصب أو ناصب.

__________________

١ ـ مختصر التحفة الاثني عشرية / الآلوسي : ٥٢.

٥٦

٩ ـ دلّ الحديث الشريف على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام من جهتين :

الاُولى : أنهم عليهم‌السلام مع القرآن والقرآن معهم لا يفترقان عمر الدنيا ، فعصمتهم كعصمة الكتاب من هذه الجهة.

الثانية : أن من لا يدلّ على ضلالة أبداً ولو مرّة واحدة في حياته عن سهو أو اشتباه لا يكون إلاّ معصوماً ، وقد صرّح الحديث بأن من يتمسك بهما لا يضلّ أبداً إلى يوم القيامة.

جدير بالذكر من الإمام الصادق عليه‌السلام قد صرّح بعصمة الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام جميعاًًً فقال : « الأنبياء وأوصيائهم لا ذنوب لهم ؛ لأنهم معصومون مطهرون » (١).

وقال عليه‌السلام « عشر خصال في صفات الإمام » ثم عدّ عليه‌السلام العصمة في أول تلك الخصال (٢).

وقد مرّ عنه عليه‌السلام ما يشير إلى عصمتهم ومرجعيتهم عليهم‌السلام باُسلوب المزاوجة بين الآيات الدالة على العصمة كآية التطهير ، والطاعة كآية أولي الأمر من جهة ، وبين حديث الثقلين من جهة اُخرى ، ليلتفت السامع والمتلقي إلى وحده الموضوع والهدف والنتيجة.

__________________

١ ـ الخصال / الشيخ الصدوق ٢ : ٦٠٨ / ٩.

٢ ـ الخصال ٢ : ٤٢٨ / ٥.

٥٧

القاعدة الثانية :

قاعدة حصر الأئمة باثني عشر أوصياءً كلهم من عترة النبي أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله

وهذه القاعدة تكشف للعيان بأن الثقل الذي أوصى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مع القرآن ليكونا للمتمسك بهما عاصما من الضلالة ، إنما هو الثقل المتمثّل بهذا العدد من الأئمة لا غير ، وأنه ليس للأُمة أن تزيد عليهم أوصياءً ولا تنقص منهم واحداً ، وهذه القاعدة مستفادة من الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : « سمعت النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم من قريش » (١).

وفي صحيح مسلم : « ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (٢).

وفي مسند أحمد بسنده ، عن مسروق قال : « كنّا جلوساً عند عبد الله ابن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبدالرحمن! هل سألتم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم كَمْ يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ١٦٤ كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف ، وأخرجه الصدوق ، عن جابر بن سمرة أيضاًً في إكمال الدين ١ : ٢٧٢ / ١٩ ، والخصال ٢ : ٤٦٩ و ٤٧٥.

٢ ـ صحيح مسلم ٢ : ١١٩ ـ كتاب الأمارة ، باب الناس تبع لقريش ، أخرجه من تسعة طرق.

٥٨

عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] ، فقال : « اثني عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل » (١).

وقد جاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال : « سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته وفاته ، فقلت : يا رسول الله! إذا كان ما نعوذ بالله منه ، فإلى من؟ فأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : إلى هذا ، فإنه مع الحق ، والحق معه ، ثم يكون من بعده أحد عشر أوصياء ، مفترضة طاعتهم كطاعته » (٢).

وعن ابن عباس أيضاًً ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « .. معاشر الناس من أراد أن يتولّى الله ورسوله فليقتد بعلي بن أبي طالب بعدي ، والأئمة من ذريتي ، فإنهم خزّان علمي. فقام جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقال : يا رسول الله! وما عِدّة الأئمة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ياجابر سألتني ـ رحمك الله عن الإسلام باجمعه. عِدّتهم عِدة الشهور ، وهي عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، وعِدّتهم عِدّة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران عليه‌السلام حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت

__________________

١ ـ مسند أحمد ٥ : ٩٠ و ٩٣ و ٩٧ و ١٠٠ و ١٠٦ و ١٠٧ ، وأخرجه الصدوق ، عن ابن مسعود في إكمال الدين ١ : ٢٧٠ / ١٦.

٢ ـ إعلام الورى ٢ : ١٦٣ ـ ١٦٤ الركن الرابع. أخرجه عن الدوريستي ، عن أبيه ، عن الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، وهؤلاء كلهم من مشاهير الرواة ولم يتهم أحدهم بكذب وكلهم ما بين ثقة مشهور ، أو حسن معتمد.

٥٩

أنه اثنتا عشرة عينا ، وعدّتهم عدّة نقباء بني إسرائيل ( وبعثنا منهمْ اثني عَشَرَ نقيبا ) (١) فالأئمة يا جابر اثنا عشر أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم : القائم المهدي صلوات الله عليهم » (٢).

وقد جاء إمامنا الإمام الصادق عليه‌السلام ليؤكّد هذه القاعدة بكل قوة :

١ ـ فعن عبد العزيز القراطيسي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الأئمة بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر نجباء مفهمون ، من نقّص منهم واحداً ، أو زاد فيهم واحداً ، خرج من دين الله ، ولم يكن من ولايتنا على شيء » (٣)

٢ ـ وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن الحسن السبط عليهم‌السلام قال : « سألت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الأئمة بعده فقال : الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل ، اثنا عشر ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، وأنت منهم ياحسن » (٤).

٣ ـ وعن إبراهيم بن مهزم ، عن أبيه ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمة اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمي ، وخَلَقهم من طينتي ، فويل

__________________

١ ـ سورة المائدة : ٥ / ١٢.

٢ ـ مائة منقبة / ابن شاذان : ٧١ المنقبة رقم / ٤١.

٣ ـ الاختصاص / الشيخ المفيد : ٢٣٣.

٤ ـ اثبات الرجعة / الفضل بن شاذان ، كما في اثبات الهداة / الحر العاملي ٣ : ٩٣ ـ ٩٤ / ٨٠٩ باب ٩ فصل / ٦٠.

٦٠