غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

ولما لم نكن بصدد دراسة هذه الفرقة ، لذا سنهمل سائر الأدلّة القاطعة في بطلان مدعياتهم ، ونكتفي بموقف الإمام الصادق عليه‌السلام مراعاة أنا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهم ، فنقول :

إن ممّا يوضح ذلك الموقف منهجه عليه‌السلام تجاه العقيدة المهدوية مِن جهة ، والإمامة من جهة أخرى ؛ إذ بيّن ـ كما مرّ ـ من هو المهدي الحق الذي تنتظره الأمة بياناً شافياً كافياً ، كان بيّن في أحاديث الإمامة من هم أئمة المسلمين على الحقيقة ، مع بيان عددهم ، وأسمائهم ، وأن آخرهم المهدي عليه‌السلام ، وله في هذا أحاديث كثيرة وفيما يأتي نموذج منها :

١ ـ ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمُّ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى عليه‌السلام ، قلت : فإن حدث بموسى حـدث فبمن أئتمُّ؟ قال : بولده ... الحديث » (١).

ولو كان الإمام الكاظم عليه‌السلام كما تزعم الواقفية هو المهدي ، لنبّه الإمام الصادق عليه‌السلام السائل على ذلك ، لا أن يأمره بالإئتمام بعد موسى بولده الإمام الرضا عليهما‌السلام

٢ ـ وأخرج الصدوق عن إبراهيم الكرخي قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهو غلام ، فقمت إليه ، فقبلته وجلست ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٣٠٩ / ٧ باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، من كتاب الحجة.

٢٨١

يا إبراهيم أما أنه صاحبك بعدي ، أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله ، وضاعف على روحه العذاب ، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سمي جدّه ، ووارث علمه ، وأحكامه ، وفضائله ، معدن الإمامة ، ورأس الحكمة » (١).

وهذا الحديث صريح بهلاك الواقفية ، وفساد مقولتهم ، إذ تضمّن الإخبار عن ثلاثة أشياء كلها في الردّ على مقولتهم.

الأول : الإشارة إلى الواقفية انفسهم بقوله : ( ليهلكن فيه أقوام ) ؛ إذ ادّعوا حياته بعد وفاته وأنكروا إمامة الرضا عليه‌السلام.

الثاني : الإخبار بشهادته قتلاً في سبيل الله مع لعن قاتله ، وهو هارون الرشيد لعنه الله تعالى.

الثالث : إن المهدي الموعود ليس هو الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وإنّما هو من صلبه.

٣ ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا ، وأومأ بيده إلى ولده موسى عليه‌السلام فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتصفوا له الدنيا » (٢).

وهذا صريح بعدم مهدوية الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وإن المهدي الموعود من ولده عليهم‌السلام.

٤ ـ وسئل الإمام الصادق عليه‌السلام كما في حديث عبد الله بن أبي يعفور :

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ٣٣٤ / ٥ باب ٣٣.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ / ا و ٥ باب ٤٤.

٢٨٢

يا ابن رسو الله فمن المهدي من ولدك؟ قال عليه‌السلام : الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ... الحديث » (١).

وفي هذا الحديث تعريض بالواقفية التي ادّعت مهدويّة الإمام السابع من أئمة الاثني عشر عليهم‌السلام وهو الإمام الكاظم عليه‌السلام ، في حين منه الخامس من ولد السابع ، أي الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليهما‌السلام.

ثالثاً : دوره عليه‌السلام في تشخيص المهدويّات الباطلة كلها :

ليس من العسير على الأمة أن تدرك زيف دعاوى المهدوية الباطلة ، لا سيّما إذا كان الموصوف بها من غير ولد الزهراء البتول عليها‌السلام ، لعلم الأمة بمن المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لا بدّ وأن يكون ـ على طبق ما أخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من ولد فاطمة عليها‌السلام.

وأما لو ادّعيت المهدوية لواحد منهم ، كالإمام الصادق عليه‌السلام كما في قول الناوويسة ، والكاظم عليه‌السلام في قول الواقفية ، فالأمر مختلف هنا ؛ لأن من لا يؤمن بالنصّّ قد ينخدع بتلك الدعاوى ، كما رأينا انخداع فقهاء العامّة بدعوى مهدوية ( النفس الزكيّة ) لأنه من ّولد فاطمة عليها‌السلام إذ جدّه لابيه الإمام الحسن السبط عليه‌السلام ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنّ القواعد الشيعية لم تكن كلها عالمة بالمنصوص عليهم وإن كان متيقنة من وجود النصّ ، إذ ليس بمقدور الإمام عليه‌السلام إيصال صوته إلى تلك القواعد العريضة في ظلّ التطورات السياسية السريعة التي

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٣ / ١ و ١٢ باب ٣٣.

٢٨٣

كانت تجري في الخطّ المعاكس لتيار أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن هنا جاء التمسّك بمبدأ التقيّة والكتمان كما رأينا في الردّ على مهدوية المهدي العباسي.

وإنّما كان النصّ معروفاً عند ثقات أصحاب الأئمة عليهم‌السلام وعند من أُخْبِرُوا بواسطتهم ، كما يظهر ذلك بوضوح من خلال متابعة النصوص الكثيرة الواصلة الينا.

وأما من لم يصله من ذلك شيئاًً فلا شكّ أنه عُرضَة للتصديق بمثل هذه الأقوال ، ولهذا نرى جملة من الشيعة قد صادقت على القول بمهدوية هذا الإمام أو ذاك ، حتى إذا ما تبيّن لها الصواب تراجعت بسرعة والتحقت بالحق وأهله ، الأمر الذي يفسّر لنا تلاشي تلك الفرق واندثارها بسرعة بعد نشأتها. في حين نرى الكثرة الكاثرة تقف ـ وبكلّ صلابة ـ موقف الرافض العنيد حيال تلك المهدويات ، مصرحة بوجود النص بالإمامة والمهدوية على شخص مسمى بعينه.

ولا شكّ أن الإمام الصادق عليه‌السلام كان يدرك هذا كله ، ومن هنا أراد عليه‌السلام تنبيه الأمة كلها على معرفة صدق دعوى هذه المهدوية أو تلك من كذبها ، وذلك من خلال تأكيد بعض الحقائق الإسلامية التي لا صلة لها بالنصّ ، ولكنها بذات الوقت ضوابط شرعية دقيقة لمعرفة الحقيقة المهدوية ، وهذا الاسلوب كفيل بأن يجعله في مأمن من مراقبة السلطة وملاحقتها مع تحقيق الغرض المطلوب ، بخلاف مالو نادى بالنصّ على كل من هبّ ودبّ.

ومن تلك الحقائق الإسلامية : علائم ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام

٢٨٤

وأوصاف دولته الكريمة ، وحال الإسلام في زمان ظهوره.

وإذا كانت قيادة تلك الدعاوى وقواعدها قد نسيت أو تناست تلك الحقائق بإشاعة دعاوى المهدوية الباطلة ، فما على الإمام إلاّ أن ينبّه على مثل ذلك الغلط الفاحش ؛ لأن تصدي الشريعة إلى بيان تلك الأمور ليس اعتباطاً ، وإنّما عن حكمة بالغة ، وإذا ما عرفها المسلمون فلا شكّ أنهم سيكونون في مأمن من الإنزلاق وراء كل مهدوية باطلة في التاريخ.

ومن هنا رأى الإمام الصادق عليه‌السلام ـ وهو يعيش في خضم هذه المسألةـ من يعيد للذاكرة الإسلامية ما أغفلته من علائم ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ؛ مضيفاً إليها شيئاًً من صفات دولته الكريمة وحال الإسلام يومئذٍ ، بحيث لا يمكن لأحد رؤية شيءٍ منها في زمان أيّة مهدوية باطلة لا أصل لها ولا رصيد.

ولما كانت علائم ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام وصفات دولته الشريفة كثيرة جداً في آحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام ، لذا سنكتفي منها بالإشارة الى المحتّم من تلك العلامات ، مع الاقتصار على اهم تلك الصفات ، وذلك في ثلاثة عناوين ، كالآتي :

بيان علامات ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام :

تقع علامات الظهور في قسمين : محتوم لابدّ من وقوعه ، وغير محتوم ؛ وسنكتفي بالأول ، كدليل صحيح على سبق دعوى المهدوية لكل تلك العلامات التي لم تقع إلى الآن ، ولابدّ من وقوعها في المستقبل إن عاجلاً أو آجلاً ، وفيما يأتي جملة من أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام الناطقة بتلك العلامات :

٢٨٥

١ ـ عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من المحتوم الذي لابدّ منه أن يكون قبل قبام القائم : خروج السفياني ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية ، والمنادي من السماء » (١).

ونحوه ما رواه : أبو حمزة الثمالى (٢) ، ومحمد بن علي الحلبي (٣) ، ومحمد ابن الصامت (٤) ؛ كلهم ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢ ـ وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « النداء من المحتوم ، والسفياني من المحتوم واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ، وكفّ تطلع من السماء من المحتوم. قال : وفزعة تطلع في شهر رمضان ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج الفتاة من خدرها » (٥)

ومثله ماروا ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٦).

٣ ـ وعن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف وقتل النفس الزكية ، واليماني » (٧).

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٦٤ / ٢٦ باب ١٤.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٥٦ / ١٤ باب ٥٧.

٣ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٥٨ / ٤٨٤.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٦٢ / ١١ باب ١٤.

٥ ـ كتاب غيبة / النعماني : ٢٥٢ / ١١ باب ١٤.

٦ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ / ١٦ باب ١٤.

٧ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٥٨ / ٤٨٣ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ٢٥٢ / ٩ باب ١٤ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٣٦ / ٤٢٧ ، ودلائل الإمامة / الطبري : ٢٦١.

٢٨٦

ورواه ميمون البان ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً (١).

وقد روى آخرون بعض هذه العلامات وغيرها ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، كما في رواية الحسن بن زياد الصيقل (٢) ، ورواية فضيل بن محمد بن راشد البجلي (٣) ، وأبراهيم (٤) ، والطيار (٥) ، وابي بصير (٦) ، ومحمد ابن مسلم (٧) ، وأبي حمزة الثمالى (٨) ، وبكر بن محمد الأزدي (٩) ، وصالح بن ميثم التمّار (١٠) ، وغيرهم (١١).

المراد بقتل النفس الزكيّة كعلامة من علامات الظهور :

إنّ قتل النفس الزكيّة ـ كعلامة من علامات ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ـ لا إشكال في صحته أصلاً ؛ إذ ورد في روايات كثيرة على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام ، لاسيمّا الإمام الصادق عليه‌السلام ، بحيث يُستغنى بكثرتها عن فحص أساتيدها ، فضلاً عمّا فيها من الصحيح

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٤٩ / ١ باب ٥٧ ، والخصال : ٣٠٣ / ٨٤ باب ٥.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٧٧ ـ ١٣٤.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٦٣ / ٢٣ باب ١٤.

٤ ـ تأويل الآيات / الأسترآبادي ٢ : ٥٤١ / ١٧.

٥ ـ روضة الكافي ٨ : ١٤٦ / ١٨١.

٦ ـ روضة الكافي ٨ : ٣١٢ / ٥٧٥ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٢ / ٤٥٨

٧ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي ٤٤٩ / ٤٥٢.

٨ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٣٥ / ٤٢٥.

٩ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٤٦ / ٤٤٣.

١٠ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٤٥ / ٤٤٠.

١١ ـ راجع : كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٠ / ٤٥٣ ، و : ٤٥٤ / ٤٦١.

٢٨٧

وهو كثير. ولكن المهمّ هنا هو أن المراد بالنفس الزكيّة في هذه الرواية وغيرها ، ليس محمد بن عبد الله بن الحسن ، وإن تلقّب بهذا واشتهر به.

ولو قيل لمحمد نفسه : هل أنت النفس الزكيّة المشار له في الروايات؟ لما أجاب بغير ( لا ) قطعاً ، وإلاّ لتنازل عن دعوى المهدوية لنفسه وحكم ببطلانها ؛ لوضوح أن النفس الزكيّة غير الإمام المهدي عليه‌السلام.

ومن ثم فإن النفس الزكيّة في لسان جميع الروايات يُقتل في المسجد الحرام بين الركن والمقام وفي بعضها تحديد لزمان استشهاده في الخامس والعشرين من ذي الحجة الحرام ، قبل ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام بخمس عشرة ليلة (١) ، وفي بعض الروايات أن اسمه محمد بن الحسن (٢) ، وأين هذا من محمد بن عبد الله الحسني المقتول في المدينة المنورة في الرابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة / ١٤٥ هـ بلا خلاف؟ فكيف يشتبه به أنه النفس الزكيّة واقعاً إذن؟! على أنه لا مانع من توصيفه بهذا مع الالتفات إلى ما قدمناه.

وبهذا يتبين اشتباه أبي الفرج الأصبهاني بقوله في محمد بن عبد الله الحسني : « وكان أهل بيته يسمونه المهدي ، ويقدرون انه الذي جاءت فيه الرواية ، وكان علماء آل ابي طالب يرون فيه أنه النفس الزكيّة ، وأنّه المقتول بأحجار الزيت » (٣).

ومورد اشتباهه في قوله : « وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه منه

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٤٥ / ٤٤٠.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٦٤ / ٤٨٠.

٣ ـ مقاتل الطالبين : ٢٠٧.

٢٨٨

النفس الزكيّة »! يشير بهذا إلى الإمام الصادق عليه‌السلام الذي لم يرَ فيه ما قال ، وإنما ورد توصيفه بذلك في روايات الشيعة جرياً على المتعارف المشهور ، كما هو الحال في وصفه بالمهدي الحسني الذي لايعبر عن إعتقاد بمهدويته.

بيان التطور العلمي في زمان الظهور :

ولعل أروع الأدلّة التي ساقها الإمام الصادق عليه‌السلام في باب تأكيده على كذب جميع دعاوى المهدوية السابقة ، إشاراته عليه‌السلام إلى التطوّر العلمي الهائل ، والتقنيات العلمية التي ستكون في زمان ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، والتي كانت مفقودة في عصره وجلّ العصور اللاحقة تماماً ، لدرجة كانت الإشارة لها في ذلك الحين مدعاة للتعجب ، ولولا الاعتقاد الراسخ بصدق قائلها ، لأعرض عنها المحدثون ولم يذكروا شيئاً منها ؛ لعدم استيعاب عقلية ذلك العصر لها وتصورها ، ومن هذه الإشارات :

١ ـ عن عبد الله بن مسكان ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إن المؤمن في زمان القائم ، وهو بالمشرق ، ليرى أخاه الذي في المغرب ، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق » (١).

٢ ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر ، رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض ، وخفض له كل مرتفع منها ، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟ » (٢).

__________________

١ ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي ٥٢ : ٣٩١ / ٢١٣ باب ٢٧ ، نقله من كتاب الغيبة للسيد على بن عبد الحميد.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٧٤ / ٢٩ باب ٥٨.

٢٨٩

٣ ـ وعن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن قائمنا إذا قام مدّ الله عزّوجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم ، [ لا ] يكون بيتهم وبين القائم بريد ، يكلمهم فيسمعون ، وينظرون اليه وهو في مكانه » (١).

بيان سيادة الإسلام في زمان الظهور على كلِّ الأديان :

وهذا الدليل الذي أشار له القرآن الكريم ـ كما سيأتي ـ وصرح به الإمام الصادق عليه‌السلام ، هو الآخر من الأدلّة العظيمة على زيف دعاوى المهدوية الباطلة في التاريخ كادّعاء المنصور مهدوية ابنه ( المهدي العباسي ) ، وغيره ممن ادعوا لأنفسهم ، أو ادّعي لهم ذلك زوراً وبطلاناً.

وعدم تحقق هذا الدليل في سائر العصور الإسلامية أوضح من أن يحتاج إلى إثبات ، في حين وَعَدَ الله تبارك وتعالى بتحقّقه ، وجاءت الروايات على أنه لايكون ذلك إلاّ عند ظهور مهدي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١ ـ عن أبي بصير ، قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ : ( هُوَ الّذي أرسلَ رسولهُ بالهدَى وَدِينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرهَ المشركونَ ) (٢) ؛ والله ما نزل تأويلها بعد ، ولاينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه‌السلام ، فإذا خرج القائم لم يبقَ كافر بالله العظيم ، ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه ، حتى أن لو كان كافرٌ أو مشركٌ في بطن صخرة ، لقالت : يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله » (٣).

__________________

١ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ / ٣٢٩.

٢ ـ سورة الصف : ٦١ / ٩.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٧٠ / ١٦ باب ٥٨ ، وأخرجه في تأويل الآيات ٢ : ٦٨٨ / بطريق آخر عن أبي بصير ، عنه عليه‌السلام.

٢٩٠

وروى محمد بن الفضيل ، عن الإمام الكاظم عليه‌السلام نحوه (١).

٢ ـ وعن رفاعة بن موسى قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قوله تعالى : ( وله أسلمَ من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً ) (٢) : « إذا قام القائم عليه‌السلام لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها بشهادة أن لا إله الا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

وروى ابن بكير ، عن الإمام الكاظم عليه‌السلام نحوه (٤).

٣ ـ وعن على بن عقبة ، عن أبيه ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا قام القائم عليه‌السلام حكم بالعدل ، وارتفع في أيامه الجور ، وآمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركتها ، وردّ كل حقًّ إلى اهله ، ولم يبقَ أهل دين حتى يظهروا الإسلام ، ويعترفوا بالإيمان .. » (٥).

٤ ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « سُئل أبي عن قول الله تعالى : ( وقاتلوا المشركيِنَ كافّةَ كما يقاتلونكم كافّةً ... ) (٦) ، فقال : أنه لم يجيء تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعد ، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الليل حتى

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٤٣٢ / ٩١ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ، من كتاب الحجة.

٢ ـ سورة آل عمران : ٣ / ٨٣.

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ١٨٣ / ٨١.

٤ ـ تفسير العياشي ١ : ١٨٣ / ٨٢.

٥ ـ الإرشاد : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، وكشف الغمة ٣ : ٢٥٥.

٦ ـ سورة التوبة : ٩ / ٣٦.

٢٩١

لا يكون شرك على وجه الأرض كما قال الله تعالى : ( يعبدوننِي لاَ يشركونَ بِي شيئاً ) (١) » (٢).

٥ ـ وعن محمد بن حمران ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام. وكذلك : محمد ابن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قالا : « إن القائم منّا ، منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز كلها ، ويظهر الله به دينه على الدين كله ولوكره المشركون ، ـ ثم ذكرا عليهما‌السلام جملة من علامات الظهور وقالا : ـ فعند ذلك خروج قائمنا » (٣).

٦ ـ وسأل المفضل بن عمر الإمام الصادق عليه‌السلام عن قول الله تعالى : ( ليظهرهُ على الدّينِ كلِّهِ ) (٤) قائلاً : ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدين؟

فقال عليه‌السلام : « يا مفضل! لو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدين كله ما كان مجوسية ، ولا نصرانية ، ولا يهودية ، ولا صابئة ، ولا فرقة ، ولا خلاف ، ولاشك ، ولاشرك ، ولا عبدة أصنام ، ولا أوثان ، ولا اللّات ، ولا العزّى ، ولا عبدة الشمس ، ولاعبدة القمر ، ولا النجوم ، ولا النار ، ولا الحجارة. وإنّما قوله : ( ليظهره على الدّين كلّه ) في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة ، وهو قوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ و يكونَ الدينُ ُكُلّهُ

__________________

١ ـ سورة النور : ٢٤ / ٥٥

٢ ـ مجمع البيان / الطبرسي ٢ : ٥٤٣ ، وتفسير العياشي ٢ : ٥٦ / ٤٨.

٣ ـ اثبات الهداة / الحر العاملي ٣ : ٥٧٠ / ٦٨٦ باب ٣٢ فصل ٤٤ ، نقله من كتاب اثبات الرجعة للفضل بن شاذان.

٤ ـ سورة التوبة : ٩ / ٣٣.

٢٩٢

لله ) (١) » (٢).

ومن الواضح أن الدين الإسلامي في زمان تلك الدعاوى العريضة في التاريخ لم يتمكن من الظهور على عاصمة الدولة الإسلامية ؛ لفساد ( الخلفاء ) أنفسهم ، وفسقهم ، وشربهم الخمور علناً.

__________________

١ ـ سورة الانفال : ٨ / ٣٩.

٢ ـ الهداية الكبرى / الخصيبي : ٧٤ ـ ٨٢ ، ومختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي / اختصره الشيخ حسن بن سليمان الحلي : ١٧٨ ـ ١٧٩.

٢٩٣

الفصل السادس

دور الإمام الصادق عليه‌السلام

في رد الشبهات الأخرى

ذكرنا في بداية دور الإمام الصادق عليه‌السلام في رد الشبهات ، أنه كان يتعمد أحياناً إلى إثارة ما سيقوله الناس بعد ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام وغيبته من شبهات ، ثم يتعرّض بذات الوقت إلى إجابتها ، وغالباً ما تكون إجابته عليه‌السلام ببيان نظير الحالة المشتبه بها من القرآن الكريم.

صحيح أن الإمام الصادق عليه‌السلام لم يكن بحاجة إلى إثارة مثل هذه الأمور ، خصوصاً وأنها لم تحصل في زمانه ، والذي دفعه إلى ذلك ، حرصه على مستقبل هذه العقيدة ، وعلى خط الإيمان الثابت بها ، وزرع الثقة العالية في النفوس من خلال الوقوف على إجابة تلك الأقوال قبل نشأتها.

وما هنا كان دوره عليه‌السلام في رد تلك الشبهات سابقاً لزمانه بعشرات السنين ، وفي هذا السياق سنقتبس عنوان الشبهة وجوابها معاً من كلام الإمام الصادق عليه‌السلام سواء كان في حديث او مقطع من حديث ، مع التذكير بثلاثه أمور :

أحدها : إن الإمام الصادق عليه‌السلام لم يكن بصدد مناقشة تلك الشبهات ، إذ لا يعرف لها قائل بزمانه ، وإنّما كان عليه‌السلام بصدد ما سيقال مستقبلاً ،

٢٩٤

وتزييفه قبل حصوله على أرض الواقع ؛ لكي تعى الأمة ـ من جهة ـ صدق كل ما أخبر به أهل البيت عليهم‌السلام بشأن ولدهم المهدي عليه‌السلام ، مع تنبيه القواعد الشيعية اللاحقة على سخافة تلك الشبهات تجاه عقيدتهم في المهدي عليه‌السلام من جهة أخرى.

والآخر : اشتراك اهل البيت عليهم‌السلام جميعاً في التنبيه على ما سيكون بعد ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام من أحداث وأقوال وشبهات ، وأن هنا لا تكاد تجد ـ في الوقت الراهن ـ مناقشة أية شبهة بهذا الخصوص لم تعتمد على ما ورد في ردّها من قبل أهل البيت عليهم‌السلام ، إلاّ نادراً.

والثالث : إن قوّة ما وصل إلينا من أدلّة وبراهين على صدق عقيدتنا بالإمام المهدي عليه‌السلام ، أضحت كقوّة مشاهدته عليه‌السلام عياناً ، وعاد إنكارها كإنكار الواقع المادي المحسوس!

ولايخفى بأن ، من جملة الواصل إلينا في ذلك هو أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام التي أخبرت عمّا سيقوله السفهاء في المهدي عليه‌السلام مستقيلاً ، وقدتحقّق إخباره على طبق ما أخبر به عليه‌السلام ، ترى فكيف يصدّق العاقل بقول السفيه ، ويعرض عن قول الصادق المؤتمن؟! الأمر الذي يبرّر لنا اختصار الكلام في تلك الشبهات ما أمكن كالآتي :

أولاًً ـ شبهة طول العمر :

وجوابها في قول الإمام الصادق عليه‌السلام :

١ ـ إن في الإمام المهدي عليه‌السلام : « سنة من نوح وهو طول عمره » (١).

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٩٣٦ باب ١٧.

٢٩٥

٢ ـ وقوله عليه‌السلام : « والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ ، الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئمت ظلماً وجوراً » (١).

٣ ـ وقوله عليه‌السلام : « .. يمدّ الله لصاحب هذا الأمر كما مدّ لنوح عليه‌السلام في العمر » (٢).

٤ ـ وقوله عليه‌السلام : « .. نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم .. وتأولت فيه مولد قائمنا وغيبته ، وابطاءه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته » (٣).

٥ ـ وقوله عليه‌السلام « وما ينكرون لصاحب هذا الأمر؟ فان لصاحب الزمان شبهاً من موسى و رجوعه من غيبته بشرخ الشباب » (٤).

٦ ـ وقوله عليه‌السلام : « لو قد قام قائمنا لأنكره الناس ـ يعني : معظمهم ـ لأنه يرجع إليهم شاباًً ، موفّقاً لا يثبت عليه إلاّ من قد أخذ الله ميثاقه في الذرِّ الاوّل » (٥).

لأنهم يحسبون أنه عليه‌السلام لو بقي حيّاً في تلك الفترة الطوية لكان شيخاًً هرماً كبيراًً ، ويؤيّد هذا.

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٢ / ٢٣ باب ٣٣.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٢١ / ٤٠٠.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٧ / ٥٠ باب ٣٣.

٤ ـ منتخب الأنوار المضيئة : ١٨٨ فصل ١٢ ، وصححه.

٥ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٨٨ / ٤٣ باب ١٠ ، و : ٢١١ / ٢٠ باب ١٢.

٢٩٦

٧ ـ قوله عليه‌السلام : « وإن أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً » (١) أي : أن طول العمر.

٨ ـ وقوله عليه‌السلام في بيان وجه الشبه بين الإمام المهدي عليه‌السلام ونبي الله نوح والخضر عليهم‌السلام :

« وأما إبطاء نوح عليه‌السلام فإنّه لما استنزل العقوبة ( من السماء ) بعث الله إليه جبرئيل عليه‌السلام معه سبع نويات فقال : يا نبيِّ الله إنّ الله جلّ اسمه يقول لك : إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأكيد الدعوة ، وإلزام الحجة ، فعاود إجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مثيبك عليه ، واغرس هذا النوى ، فانّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا اثمرت الفرج والخلاص ، وبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلما نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت واغصنت وزها الثمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله العدة فأمره الله تعالى أن يغرس من نوى تلك الاشجار ، ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقاًً لما وقع في عدته خلف.

ثم إنّ الله تعالى لم يزل يأمره عند إدراكها كل مرَّة أن يغرس تارة بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات ، وما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدَّ منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عادوا إلى نيّف وسبعين رجلاً ،

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٨٩ / ذيل ح ٤٣ باب ١٠.

٢٩٧

فأوحى الله عزَّوجلَّ عند ذلك إليه وقال : الآن أسفر الصبح عن اللّيل لعينك حين صرّح الحق عن محضه وصفا الأمر للإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة ... وكذلك القائم عليه‌السلام فإنّه تمتدُّ غيبته ليصرِّح الحق عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلِّ من كانت طينته خيبثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم عليه‌السلام ... وأما العبد الصالح ـ أعني الخضر عليه‌السلام ـ فإنّ الله تعالى ما طوّل عمره لنبوَّة قرَّرها له ولا لكتاب نزّل عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء عليهم‌السلام ، ولا لإمامة يلزم عبادة الاقتداء بها ، و لا لطاعة يفرضها ، بلى إن الله تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه‌السلام في أيّام غيبته منا يقدّره ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليه‌السلام ، ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلّا يكون للنّاس على الله حجة » (١).

ثانياً ـ شبهة القول بعدم الولادة ، أو الوفاة بعد حصولها :

وأساس هذه الشبهة ما ذكره النوبختي والأشعري والشيخ المفيد وغيرهم من وجود بعض الإختلاف بين الناس بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام فمنهم من قال إن الإمام العسكري عليه‌السلام مات بلا عقب ، ومنهم من قال مات

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٧٠ ـ ١٧٣ / ١٢٩ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٥٢ / ٥٠ باب ٣٣.

٢٩٨

بعد ولادته ، ومنهم من قال ولد قبل وفاة أبيه بسنتين ، والجواب :

١ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « أما والله ليغيبن إمامكم سنين من دهركم ، ولَتُمَحِّصُنَّ حتى يُقال : مات ، أو هلك ، بأي وادٍ سلك » (١).

٢ ـ وفي الصحيح عنه عليه‌السلام قوله لزرارة في الإمام المهدي عليه‌السلام : « يا زرارة وهو الذي يُشكّك في ولادته ، فمنهم من يقول : مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول : حمل ، ومنهم من يقول : غائب ، ومنهم من يقول : وُلِدَ قبل وفاة أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير أن الله يحبّ أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة » (٢).

٣ ـ وقال عليه‌السلام : « أما إنّه لو قد قام ، لقال الناس : أنى يكون ذلك ، وقد بُليت عظامه منذ كذا وكذا!! » (٣).

ويصب في الجواب أيضاً أحاديث شك الناس بسبب خفاء الولادة ، وأحاديث التمحيص والاختبار وكثير غيرها أما ذكرناه في محله من هذا البحث.

٤ ـ وقوله عليه‌السلام في تشبيه غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام بغيبة النبي عيسى عليه‌السلام قال : « وأما غيبة عيسى عليه‌السلام فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل فكذّبهم الله عزّوجلّ بقوله : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٠٤ / ٦ باب ١٢.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ٦ باب ١٠ أخرجه من ثلاث طرق ، عن زرارة.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٥٥ / ١٣ و ١٤ باب ١٠.

٢٩٩

لهم ) (١).

كذلك غيبة القائم فإنّ الأمة ستنكرها لطولها فمن قائل يقول : إنه لم يولد ، وقائل يفتري بقوله : إنّه ولد ومات ، وقائل يكفر بقوله : إنَّ حادي عشرنا كانت عقيماً ، وقائل يمرق بقوله : إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعداً ، وقائل يعصي الله بدعواه : إنّ روح القائم عليه‌السلام ينطق في هيكل غيره » (٢).

ثالثاً ـ شبهةحول استمرار وجوده الشريف :

وقد نبّه الإمام الصادق عليه‌السلام على هذه الشبهة ، وأكدّ حياة الإمام المهدي واستمرار وجوده الشريف ، بقوله : « .. وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه .. وذلك بعد غيبة طويلة » (٣).

وهذا يتضمّن استمرار وجوده الشريف في غيبته وإلاّ كيف يصلّي عيسى عليه‌السلام خلفه؟

وقوله عليه‌السلام : في الصحيح لحازم بن حبيب : « يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية ، فمن جاءك يقول أنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه » (٤) وفي هذا تأكيد على استمرار وجوده الشريف في غيبته

__________________

١ ـ سورة النساء : ٤ / ١٥٧.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٧٠ / ١٢٩ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٥٢ / ٥٠ باب ٣٣.

٣ ـ مختصر اثبات الرجعة / الفضل بن شاذان : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ١٨.

٤ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٥٤ / ٤٦.

٣٠٠