غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

عباس شيئاًً ، ولعل الآفة من المجهول الذي سمعه الضحاك منه ، كما في قول ابن حبان (١).

جدير بالذكر ، أنه وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام جملة من الأخبار الصريحة بأن المراد بالمنصور في الروايات هو الإمام الحسين عليه‌السلام وبالسفاح هو امير المؤمنين على عليه‌السلام ، وذلك بعد الرجعة (٢).

ومهما يكن ، فإنّ بني العباس حاولوا خداع الأمة على أكثر من صعيد من آجل تمرير أهدافهم السياسية في القضاء على خصومهم من العلويين وغيرهم ، ومن ثم تحسين صورتهم في أعين الناس الذين كانوا يرونهم عصابة إغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضد الحكم الأموي الجائر ، ومن هنا كانوا بحاجة إلى تحسين تلك الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بكل ثمن ، وأخيراً وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضاعين والمتروكين فوضغوا لهم : « أُريت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلك ، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك » (٣).

والمقطع الأول من الحديث المذكور صحيح بلا إشكال ، وقد تقدم في اكذوبة مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني. ولكن المقطع الثاني منه : « ورأيت بني العباس ... » موضوع بلا شبهة ، والذي وضعه يزيد بن

__________________

١ ـ لسان الميزان ٦ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ / ٧٩٧٦ في ترجمة محمد بن الفرج الأزرق.

٢ ـ راجع : تفسير العياشي ٢ : ٣٢٦ / ٢٤ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ٣ باب ٢٦ ، ومختصر بصائر الدرجات : ٣٨ ، و ٣٩ ، و ٤٩ ، و ٢١٣ ، و ٢١٤ ، والاختصاص / الشيخ المفيد : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٨٦.

٣ ـ المعجم الكبير / الطبراني ٢ : ٩٦ / ١٤٢٥.

٢٦١

ربيعة ، المتروك (١).

هذا .. وقد رأينا كيف سخّر العباسيون جملة من الرعاع لنصرتهم بالإلتفاف على أحاديث الرايات السود التي صحّ الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الإمام المهدي عليه‌السلام وتوطيد سلطانه الشريف ، وهي أحاديث صحيحة رواها الفريقان وصحح الحاكم بعض طرقها على شرط البخاري ومسلم معاً (٢) ، ولهذا حاولوا صرف الأنظار إلى ما يوحي للأمّة بمن تلك الرايا السود ، هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لإنشاء دولتهم ، ولم يصعب عليهم إيجاد أن يضع لهم الحديث في ذلك. الأمر الذي يكشف لنا عن من اختيار العباسيين لبس السواد ـ كشعار لهم ـ لم يكن جزافاً ، وبلا هدف ، وإنّما جاء منسجماً مع وسائلهم في الوصول إلى السلطة وسبل تثبيتها ، بالغدر والقتل تارةً ، وبالكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله تارةً أخرى.

وقد تنبه ابن كثير إلى كذبهم هذا ، فقال معقباً حديث الرايات في سنن الترمذي (٣) : « وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني .. بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي » (٤).

٣ ـ الشعراء :

كما كان للشعراء دور كبير أيضاً في إفشاء مهدوية ( المهدي ) العباسي ،

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ قال : « وفيه يزيد بن ربيعة ، وهو متروك ».

٢ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٤٧ / ٨٥٣٢ ، والطبعة القديمة ٤ : ٥٠٢.

٣ ـ سنن الترمذي ٤ : ٥٣١ / ٢٢٦٩.

٤ ـ النهاية في الفتن والملاحم / ابن كثير ١ : ٥٥.

٢٦٢

وقد كان نصيبهم في هذا كبيراًً ، حيث تقرّبوا إلى العباسيين بمدائح مكذوبة ، ونعتوهم بصفات لا توجد فيهم ، طمعا في ما حازوه من أموال الأمة. من امثال : مروان بن أبي حفصة ، وسِلْم الخاسر وغيرهما من الشعراء.

فمن قول مروان بن أبي حفصة :

مهدي أمته الذي أمست به

للذلّ آمنةً وللإعدام (١)

وقال سلم الخاسر :

له شيمةٌ عند بذل العطا

ء لا يعرف الناس مقدارها

ومهدي أمّتنا والذي

حماها وأدرك أوتـارها

فامر له ( المهدي ) بخمسمائة ألف درهم! (٢).

ومدح سِلْم ـ ذات يوم ـ بعض العلويين : فبلّغ ذلك المهدي العباسي فتوعده وهمّ به ، فاعتذر له بقصيدة يقول فيها :

إني أتتنـي على المهدي معـتبةٌ

تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب (٣)

ومن سخافة شعر سِلْم الخاسر ، إنه وصف محمد بن عبد الله المنصور العباسي بالمهدوية ، وهو يراه جثّةً هامدة!! فقال يرثيه :

وباكية على المهدي عبرى

كأن بها ـ وما جُنّتْ ـ جنونا(٤)

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي ٢٢٠.

٢ ـ الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني ١٩ : ٢٧٩ في ترجمة سلم الخاسر.

٣ ـ الأغاني ١٩ : ٢٧٥.

٤ ـ تاريخ الخلفاء ٢٢٠.

٢٦٣

وقال ابو العتاهية في جارية المهدي العباسي ( عتبة ) وكان يحبّها :

نفسي بشيءٍ الدنيا معلّقةٌ

الله والقائم المهدي يكفيها

إنّي لآيس منها ثم يطمعني

فيها احتقارك للدنيا وما فيها (١)

وسيأتي في شخصية المهدي العباسي ما يدلُّ على انغماسه في ملذات الدنيا وزخارفها بلا زهدٍ في شيءٍ منها.

وقال أحد شعراء البلاط مهنئاً المهدي العباسي بولاية العهد :

يا ابن الخليفة أن أُمة أحمد

تاقت إليك بطاعة أهواؤها

ولتملأن الأرض عدلاً كالذي

كانت تحدّث أمة علماؤها

ختى تمنّى لو ترى أمواتها

من عدل حكمك ما ترى أحياؤها

فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها

وغدا عليك إزارها ورداؤها (٢)

وهذه الأبيات تكشف بكل وضوح عن دور المنصور في إشاعة تلك المهدوية الباطلة على الناس كذباً ودجلاً وجرأةً على الله تعالى ورسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثانياًً ـ شخصية المهدي العباسي في الميزان :

كان ( المهدي العباسي ) يحب الغناء ويستخفّه الطرب! ولا غرو في ذلك بعد نشأته في بيت الغناء والطرب ، فأخوه إبراهيم كان من أشهر المغنين في

__________________

١ ـ مروج الذهب / المسعودي ٣ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٢ ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٢٢ في حديثه عن المهدي العباسي.

٢٦٤

زمانه ، وأخته عُلَيّة ـ وما أدراك ما عُلَيّة؟ مطربة مغنية ، شغفت بخادمها ـ رشأ ـ حبّا!! (١).

وفي هذا يقول أبو الفراس الحمداني :

منكم «عُلَيّةُ» أم منهم؟ وكان لكم

شيخ المغين « ابراهيمُ » أم لهم (٢)

ومن أطرف ما يصوّر لنا قيمة شخصية المهدي العباسي ، ما ذكره السيوطي في ترجمته ، قال ـ بعدما أورد له حديثاً في البسملة ـ : « قال الذهبي : هذا إسناد متصل ، لكن ما علمت أحدا احتجّ بالمهدي ولا بأبيه ـ المنصور ـ في الأحكام » (٣). وليت شعري! ما تلك الإزدواجية وذلك النفاق في تسميته بعد كل هذا إذن بخليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين ، والمهدي؟

( أفَمن يَهدِى إلى الحَقِّ أحَقِّ أَن يُتَّبع أَم مَن لا يَهديِ إلاّ أن يُهدَى فما لكُم كيفَ تَحكُمُونَ ) (٤).

ولإهمال هذا المهدي المزيف شؤون الرعية ، وانغماسه في لهوه وملذاته ؛ تدخلت النساء في شؤون دولته ، لا سيما زوجته الخيزران الذي استفحل أمرها في عهده وبقيت هكذا حتى استولت على زمام الأمور في

__________________

١ ـ راجع : أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق / أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : ٦٢.

٢ ـ ديوان أبي فراس الحمداني : ٣٠٤. قصيدة رقم / ٣٠٣ البيت رقم / ٥٤.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٢٤.

٤ ـ سورة يونس : ١٠ / ٣٥.

٢٦٥

عهد ابنه الهادي العباسي ( ١٦٩ ـ ١٧٠ هـ ) (١) ، وإذا ما أضيف إلى هذا مجونه وفسقه كما مرّ في شخصيته ، فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضه؟!

والعجيب من ( المهدي العباسي ) إنّه لم تمنعه ( مهدويته ) ولا ( خلافته ) من الفسق والفجور وشرب الخمور علناً بلا حجاب عن ندمائه (٢).

وهو القائل في نديمه عمر بن بزيع :

ربّ تـمـم لي نعيمي

بأبي حفصٍ نـديـمي

إنّـما لـذّة عـيشي

في غِـنَـاءٍ وكُـرُومِ

وجـِوارٍ عـطـراتٍ

وسَـمَـاعٍ ونَـعِيمِ (٣)

هذا فضلاً عن تقريبه لأمثال مولى آل مروان اليهودي مروان بن أبي حفصة الشاعر ، وغيره من شعراء البلاط الماجنين. وما كان يطربه من شعرهم الماجن إلاّ ما ينشده مولى آل مروان ، لا سيما قصيدته الهائية في النيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولد الزهراء البتول عليها‌السلام ؛ ليهبه ( المهدي ) بعد ذلك ثمن كفره ، فيعطيه على كل بيت منها ألف درهم ، وكانت مائة بيت! (٤).

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٦٦

٢ ـ ذكر السيوطي من مجون هذا الرجل وفسقه أنه كان لا يحتجب عن ندمائه ( في الشراب ) خلافا لأبيه المنصور الذي كان يحتجب عنهم فأشير عليه من يحتجب فقال : « إنّما اللذة مع مشاهدتهم »!! راجع : تاريخ الخلفاء : ٢١٦ في ترجمة المنصور العباسي و : ٢٢٢ في ترجمة المهدي العباسي.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٢٢.

٤ ـ تاريخ بغداد ١٣ : ١٤٦ / ٧١٢٧ في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر

٢٦٦

ومروان هذا هو الذي أنشد هارون بعد هلاك ( المهدي العباسي ) قصيدته التي يقول فيها :

أنى يكـون وليس ذاك بكائنٍ

لبـني البنات وراثـة الأعـمامِ

ليقبض ـ بعد هذا ـ ثمن جرأته على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ( الخليفة ) مائة ألف درهم ؛ ثم لم يلبث أن زاده اللارشيد ـ بغضاً للحق وأهله ـ عشرة الآف أخرى!! (١).

أليس هذا من جملة البلاء المقصود في الصحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إن الله عزّوجلّ أعفى نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يلقى من أمّته ما لقيت الأنبياء من أممها ، وجعل ذلك علينا »؟ (٢).

بلى والله إنه لمن البلاء الذي صبّ على أهل البيت عليهم‌السلام صبّا ، وأعظم منه ادّعاء الخلافة نهباً وغصباً ، والمهدوية كذباً ونصباً.

ترى! فكيف واجه الإمام الصادق عليه‌السلام هذا الادّعاء الكاذب والأفك المبين؟

ثالثاًً ـ موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من المهدوية العباسية :

إنّ أغلب الخطوط العامّة في منهج الإمام الصادق عليه‌السلام في رد دعاوى المهدوية السابقة على ظهور إكذوبه مهدوية بن العباس ، صالحة للردِّ على تلك الأكذوبة ، كما من توضيحه عليه‌السلام لمعالم المهدوية الحقّة ، إبتداء أو جواباً على سؤال ؛ يعتبر ردّا محكما على سائر الدعاوى المهدية الباطلة في التاريخ

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ١٣ : ١٤٥ / ٧١٢٧.

٢ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٠٩ / ٣٥٢ ، ورجاله ثقات كلهم.

٢٦٧

لا سيّما تلك التي عاصرها الإمام الصادق عليه‌السلام ومنها مهدوية المهدي العباسي. ممّا يعني هذا .. من معرفة موقفه عليه‌السلام من هذه المسألة يتطلب معرفة موقفه أن سابقاتها والوقوف على منهجه في توضيح هوية الإمام المهدي عليه‌السلام وهو ما سبق تفصيله.

على أن محمد بن عبد الله المنصور يكنى : أبا عبد الله ، وعلى هذا ، فهويته الشخصية مطابقة لهوية ( المهدي الحسني ) من جهة : الاسم ، والكنية ، واسم الأب ، واللقب ( المهدي ). وتختلف معها في النسب ، واسم الأمّ ؛ إذ ذاك ( حسني ) ، وهذا ( عباس ). وأمّ ذاك ( هند ) ، وأمّ هذا ( أمّ موسى بنت منصور الحميرية ) (١).

وقد مر عن الإمام الصادق عليه‌السلام منا يبيّن الفرق الكبير بين هوية الإمام المهدي عليه‌السلام وبين تلك الهويات الزائفة.

ولعل الشيء الذي لا بدّ من ذكره هنا ليعبّر لنا عن موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من مهدوية العباسي بصورة مباشرة هو رأية في بني العباس وسلطتهم ، وخير ما يوضح لنا ذلك أحاديثه الشريفة ، وهي على أصنافٍ كثيرة ، نشير إلى بعضها اختصاراً ، وهي :

١ ـ الأمر بالتقية من بني العباس :

ويدلُّ عليه أحاديث التقيّة الواردة عن الإمام الصادق عليه‌السلام وهي كثيرة ، وتظهر صلتها المباشرة بما نحن فيه إذا علمنا بتصريح الإمام الصادق عليه‌السلام ـ كما تقدم في فصول البحث ـ بارتفاع التقيّة في زمان ظهور

__________________

١ ـ مروج الذهب ٣ : ٣١٩ ، وتاريخ الخلفاء : ٢١٨.

٢٦٨

الإمام المهدي عليه‌السلام ، ومعنى هذا : أن الأمر بالتقيّة في زمانه دليل على إشعار الناس بزيف مهدوية المهدي العباسي وكذب مروّجيها له.

٢ ـ الأمر بكتمان أمر أهل البيت عليهم‌السلام عن العباسيين :

ويدلُّ عليه أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام في الكتمان ، وهي كثيرة أيضاً ، وصلتها بموضوعنا أوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأن معنى تلك الأحاديث : هو أن تصان أسرار آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تذاع على مسامع السلطة العباسية وجواسيسها واتباعها وأنصارها ؛ خشيةً على الآل عليهم‌السلام من القتل أو السجن أو النفي وغير ذلك من وسائل الإرهاب والبطش والتنكيل ؛ ولهذا كان إمامنا الصادق عليه‌السلام يحذّر أصحابه من خطر إذاعة أسرارهم ، ويقول لهم : « من أذاع علينا شيئاًً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطأً » (١).

وكان عليه‌السلام يأمرهم بمواساة أهل البيت عليهم‌السلام في ظلّ تلك السياسة الظالمة الرعناء ويحثهم على كتم الأسرار ، بقوله عليه‌السلام : « نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله » (٢).

٣ ـ الأمر بالابتعاد عن العباسيين وقضاتهم في المرافعات ووصفهم بالطاغوت :

ويدلّ عليه الأحاديث الصريحة الآمِرة بعدم الرجوع إلى العباسين ولا إلى أحد من ولاتهم أو قضاتهم بشيءٍ من المرافعات القضائية.

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ : ٢٧٥ / ٩ باب الإذاعة ، من كتاب الإيمان والكفر.

٢ ـ أمالي الشيخ المفيد : ٣٣٨ / ٣ المجلس رقم / ٤٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ١١٥ / ١٧٨ المجلس رقم / ٤.

٢٦٩

فقد جاء في مقبلوله عمر بن حنظلة ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ قال عليه‌السلام : من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقاً ثابتاً له ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : ( يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) (١).

قلت فكيف يصنعان؟ قال : « ينظرون إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً .. الحديث » (٢).

أو ليس في سلب الشرعية عن أيّة مرافعة إلى العباسيين أو إلى قصاتهم ؛ لأنها مرافعة بين يدي الطاغوت ، ما يدلّ على فساد تلك الدولة ، ووضوح موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من مهدوية أخى مطربها إبراهيم ومغنيتها عُليّة؟

٤ ـ أحاديثه عليه‌السلام الواردة في ذمّ بني العباس صراحةً :

كحديثه عليه‌السلام في وصفهم بأنهم أولاد نثيلة لا يستحقّون من الملك فتيلاً (٣).

__________________

١ ـ سورة النساء : ٤ / ٦٠.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١٠ باب اختلاف الحديث ، من كتاب فضل العلم.

٣ ـ روضة الكافي ٨ : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ٣٧٢ ، ونثيلة : أَمةُ لأمّ الزبير وأبي طالب ،

٢٧٠

وحديث أبي بصير ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اتّقوا الله وعليكم بالطاعة لأئمتكم .. فإنّكم في سلطان من قال الله تعالى : ( وإن كانَ مكرهم لتزولَ منهُ الجبالُ ) (١) ، يعني بذلك : ولد العباس » (٢).

وحديث جميل بن درّاج قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ( وإن كان مكرهم لتزولَ منه الجبالُ ) وإن كان مكر لد العباس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال » (٣).

وسئل عليه‌السلام في قوله تعالى : ( فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) (٤) قال عليه‌السلام : « أخذ بني أميه بغتةً ، ويؤخذ بني العباس جهرةً » (٥).

وجرى ـ ذات يوم ـ في مجلس الإمام الصادق عليه‌السلام ذِكْرُ دور بني العباس ، كدار صالح ، ودار عيسى بن على ، فقال رجل ممّن حضر :

__________________

وعبد الله بن المطلّب. وهي أمّ العباسيين. ولم يعتقها أحد من هؤلاء الثلاثة ، مما يعني هذا : أن العباسيين عبيد لأولاد الثلاثة ، فكيف يكون المهدي منهم؟! بل كيف تصحّ خلافة العبيد؟!

١ ـ سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٦.

٢ ـ أمالي الشيخ الطوسي : ٦٦٧ / ١٣٩٨ ( ٥ ) المجلس رقم / ٣٦.

٣ ـ تفسير العياشي ٢ : ٤٢٠ / ٤٨ في تفسير سورة إبراهيم.

٤ ـ سورة الأنعام : ٦ / ٤٤.

٥ ـ تفسير العياشي ٢ : ٩٨ / ٢٤ في تفسير سورة الأنعام.

٢٧١

« أراناها الله خراباً ، أو : أخربها بأيدينا » فنهاه الإمام الصادق عليه‌السلام ؛ لإمكان أن تكون منازل للمؤمنين ، قائلاً : « أما سمعت الله تعالى يقول : ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا منفسهم ) (١) » (٢).

وحديثه عليه‌السلام في تشبيه المهدي ببني الله موسى عليهما‌السلام ، قال : « أما مولد موسى عليه‌السلام فإنّ فرعون لمّا وقف على من زوال ملكه على يده ، أمر بإحضار الكهنة ، فدلّوا على نسبه ومنه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه‌السلام بحفظ الله تعالى إيّاه.

كذلك بنو أميه وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على من زوال مملكة الامراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا ، ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه‌السلام ، فأبى الله من يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون » (٣).

كما من الإمام الباقر عليه‌السلام قد أنبأ عن دولة العباسيين قبل نشأتها ووصف سيرة ملوكها بقوله عليه‌السلام : « خبيثة سيرتهم » (٤).

____________

١ ـ سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٥.

٢ ـ تفسير العياشي ٢ : ٤٢٠ / ٤٧ في تفسير سورة إبراهيم.

٣ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ١٢٩.

٤ ـ تفسير العياشي ٢ : ١٣٦ / ٣ في تفسير سورة الأعراف.

٢٧٢

ووصفهم الإمام الكاظم عليه‌السلام بالطواغيت وأولياء الظلمة ؛ إذ قال لعلى ابن يقطين ـ الذي كان وزيراً للمهدي العباسي ، وبعده للهادي ، وأخيراً لهارون (١) ـ : « إن لله مع كل طاغية وزيراً من أوليائه ، يدفع به عنهم » (٢).

وقال على بن يقطين للإمام الكاظم عليه‌السلام لمّا قدم الى العراق : « أما ترى حالى وما أنا فيه؟ فقال عليه‌السلام : يا على إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ، ليدفع بهم عن أوليائه ، وأنت منهم يا على » (٣).

٥ ـ تذكير الإمام الصادق عليه‌السلام الأمة بهوية المهدي عليه‌السلام :

نعم ، رفض الإمام الصادق عليه‌السلام القول بمهدوية العباسي ، كما رفض بشدّة سائر المهدويات الزائفة ، مصرّحاً بأن القائم المهدي عليه‌السلام الموعود بظهوره في آخر الزمان لا يكون إلاّ من أهل البيت عليهم‌السلام ؛ ولهذا تكررت عبارة : « قائمنا أهل البيت » في كثير من أحاديثه الشريفة التي رواها عنه عليه‌السلام : أبان بن تغلب (٤) ، وإبراهيم الكرخي (٥) ، وأبو شعبة

__________________

١ ـ راجع : ذيل تاريخ بغداد / ابن النجار ١٩ : ٢٠٢ / ١٠٥٤ في ترجمة علي بن يقطين ( والكتاب مطبوع مع ذيول تاريخ بغداد ).

٢ ـ رجال الكشي : ٤٣٥ / ٨٢٠.

٣ ـ رجال الكشي : ٤٣٣ / ٨١٧.

٤ ـ المحاسن ١ : ١٦٩ / ٢٥٣ باب عقاب من منع الزكاة من كتاب عقاب الأعمال ، جاء في مانع الزكاة ، من أبواب الزكاة.

٥ ـ تفسير القمي ٢ : ٢٩٢ في تفسير الآية : ٢٥ من سورة الفتح ، وعلل الشرائع ١ : ١٤٧ / ٣ باب ١٢٢.

٢٧٣

الحلبي (١) ، وحمّاد بن عثمان (٢) ، وداود بن كثير الرقّي (٣) ، والمعلّى بن خنيس (٤) ، وغيرهم (٥).

ومنها : أحاديثه في هوية الإمام المهدي عليه‌السلام ، وقد مضى أكثرها ، ونشير هنا إلى واحد منها :

عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا. فقيل له : يا ابن رسول الله! ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، عليهم‌السلام ، والائمة من ولد الحسين عليهم‌السلام ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجال ، ويطهّر الأرض من كل جَوْرٍ وظلم » (٦).

ونكتفي بهذا القدر ؛ لنرى موقف الإمام الصادق عليه‌السلام ـ وهو يخبر عن

__________________

١ ـ مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان : ٢٠٦ / ٢.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٤١١ / ٤ باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا وُلي الأمر.

٣ ـ عيون المعجزات / الشيخ حسين بن عبدالوهاب : ٩٥ ـ ٩٧.

٤ ـ إثبات الهداة / الحر العاملي ٧ : ١٤٢ باب ٣٢ ، نقله من كتاب المهذب من فهد الحلي.

٥ ـ راجع : الاعتقادات للشيخ الصدوق / الشيخ المفيد ٥ : ٤٨ باب الاعتقاد في النفوس والأرواح ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ، المجلد الخامس ) ، ودعائم الإسلام / القاضي النعمان ١ : ٢٨٤ كتاب الصوم والاعتكاف.

٦ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٧ باب ٣٣.

٢٧٤

المهدي عليه‌السلام قبل ولادته ـ من الدعاوى المهدوية التي ظهرت بعد انتقاله عليه‌السلام إلى الرفيق الأعلى ( سنة / ١٤٨ هـ ).

٢٧٥

الفصل الخامس

موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من المهدويات الاخرى

أولاًً ـ موقفه عليه‌السلام من قول الناووسية بمهدويته :

ادّعت الناووسية بعد وفاة الإمام الصادق عليه‌السلام أنه « حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وأنه هو المهدي وسميت بذلكـ يعني الناووسيةـ لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له : فلان بن فلان الناووس » (١) وقيل أن اسمه عجلان بن ناووس.

ولا داعي للإطالة في رد هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر ، فاندثرت فجأة ولم يبق لا أثر ، وعادت مقولتهم مجرّد حكاية في كتب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوى المهرجين والمشعوذين من هنا وهناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسّك بامثال دعوى الناووسية وغريها من دعاوى المهدية الأخرى ؛ لأنها كالقشّة في مهب الريح ، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضرّه شيئاًً. إذ لو قيل : من اعلم الناس بحياة أبي حنيفة ، ونشأته ، وتربيته ، وفقهه ، وعقائده ، وسيرته ، وعطائه ، وأصحابه ، ووفاته ، وكيفية تشييعه ، ودفنه ، ومكان قبره ،

__________________

١ ـ الفرق / النوبختي : ٧٨.

٢٧٦

وتجديده ، وزيارته ، ومن هو خليفته من بعده؟

لما اختلف العقلاء في الإجابة على أن الاحناف لا سيّما كبرائهم ووجوههم وعلمائهم هم أولى الناس بمعرفة مثل هذه الأمور.

وإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فَلِمَ لا يكون الشيعة الإمامية الاثني عشرية من أعرف الناس بأئمتهم الأثني عشر عليهم‌السلام ، بل لِمَ لا يكونون من أعرف الخلق بإمامهم الصادق عليه‌السلام الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف ، إذ عرف مذهب الإمامية الاثني عشرية باسم المذهب الجعفري.

أليس من المضحك حقاً أن نرد على إجماع الشافعية على قول للشافعي ، لإنكاره من قبل أحد مغموري المعتزلة مثلاً؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسّك بعضهم بقول الناووسية وغيرهم وترك إجماع الإمامية! وهو ما حصل فعلاً من لدن بعض المشعوذين أخيراً!!.

وإذا اتضح هذا ، نقول :

كان إمامنا الصادق عليه‌السلام حريصاً على رسم معالم الطريق المهدوي الحق لا للجيل الذي عاصره فحسب ، بل لأجيال الأمة كلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن هنا نجا موقفه الصريح من القول بمهدويته ، ينطلق أولاًً من النصّ الصريح الواضح على إمامة ولده موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام من بعده. مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة بكلّ قوّة وصراحة.

فقد سأله بعضهم ، هل أنت الإمام المهدي ، وكان الإمام الصادق عليه‌السلام قد تجاوز الأربعين ، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلاً : « وليس صاحب

٢٧٧

هذا الأمر من جاز الأربعين » (١).

وأصرح منه قوله عليه‌السلام : « يزعمون إني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى إلى ما يدّعون » (٢) وهذا الحديث يعرب عن علمه عليه‌السلام بما سيقوله سفهاء الناووسية بعد وفاته ؛ إذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.

وسأله آخر ـ كما في رواية خلّاد الصفار ـ قائلاً : هل وُلِدَ الإمام المهديّ الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً؟ فأجابه عليه‌السلام بقوله : « لا ، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي » (٣).

وأما عن النص الوارد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في إمامة ابنه الكاظم عليه‌السلام من بعده ، فهو كثير ، إذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطباً لهم بقوله عليه‌السلام : « الإمام من بعدي ابني موسى » (٤).

هذا فضلاً عن العلم اليقيني بوفاة الإمام الصادق عليه‌السلام في المدينة المنورة ( سنة / ١٤٨ هـ ) ، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأمة بأسرها ، فكيف يكون بعد كل هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان؟.

وإذا ما أضيف إلى هذا دوره عليه‌السلام في تشخيص من هو الإمام المهدي عليه‌السلام ، كما مرّ مفصلاً ، اتضح فساد مقولة الناووسية وغيرها من

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٨٨ ـ ١٨٩ / ٥٦.

٢ ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : ١٧٤ / ١٢ باب ١٢ أخرجه عن المحاملى في أماليه.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤٥ / ٤٦ باب ١٣.

٤ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٤ / ٤ باب ٣٣ ، وانظر : أصول الكافي ١ : ٣٠٧ ـ ٣١١ / ١ ـ ١٦ باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، من كتاب الحجّة.

٢٧٨

المقولات الزائفة على أحسن الوجوه وأتمّها.

ثانياًً ـ موقفه عليه‌السلام من قول الواقفية بمهدوية الإمام الكاظم عليه‌السلام :

زعمت الواقفية بعد شهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام سنة ( ١٨٣ / هـ ) في حبس السندي بن شاهك ببغداد وبأمر هارون الرشيد العباسي لعنه الله ؛ أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جَوراً ، وأنه القائم المهدي!.

وزعموا أنه خرج من الحبس ـ ولم يره أحد ـ نهاراً ، ولم يعلموا به ، وأن السطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنه غاب عن الناس واختفى!

وقال بعضهم : إنه القائم وقد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر ، وزعموا أنه رجع بعد موته إلاّ أنه مختفٍ في موضع من المواضع ، حيّ ، يأمر وينهى ، وأن أصحابه يلقونه ويرونه!.

وقال بعضهم : إنه مات ولكن هو القائم ، وسيرجع في وقت قيامه ؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً!

وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه الله إليه ، وأنه يردّه عند قيامه.

وهذه الأقوال كلها تنسب إلى الواقفية المعروفة باسم ( الكلاب الممطورة ) (١) والسبب الذي دعاهم إلى انكار وفاة الإمام الكاظم عليه‌السلام

__________________

١ ـ راجع : الفرق / النوبختي : ٩٠ ـ ٩١.

٢٧٩

والقول بمهدويته ، هو الطمع فيما بأيديهم من أمواله عليه‌السلام ، قال الشيخ الطوسي رضي‌الله‌عنه : « فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد : على بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ؛ طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاًً ممّا اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم » (١) وقد شهد على ذلك يونس بن عبدالرحمن الفقيه الثقة المشهور فقال : « مات أبو إبراهيم ـ يعني الإمام الكاظم ـ عليه‌السلام ، وليس من قوّامه أحد إلاّ عنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ؛ طمعاً في الأموال.

كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.

فلمّا رأيت ذلك ، وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ما علمت ؛ تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إلىّ وقالا : ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة الآف دينار ، وقالا لي : كفّ ، فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادِقينَ عليهما‌السلام أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سُلِبَ نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كلِّ حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة » (٢).

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٦٣ ـ ٦٤ / ٦٥.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٦٤ / ٦٦ ، وعلل الشرائع : ٢٣٥ / ١ ، وعيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١١٢ / ٢.

٢٨٠