غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

فيه الرواية » (١).

وأما عن انصاره ومؤيديه الذين لا حريجة لهم في الدين ، فقد ارتكبوا جريمة وضع الحديث في مهدويته! ولما كان محمد بن عبد الله الحسني تمتاما (٢) ، فقد وضعوا الحديث في اسمه واسم أبيه وصفته ، ورفعوه إلى أبي هريرة بأنه قال : « إن المهدي اسمه محمد بن عبد الله في لسانه رتَّةٌ » (٣).

كما كان للشعراء الدور البارز في إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني ، نظراً لدور الشعر الإعلامي البارز في ذلك الحين ، حيث اغتنموا الفرصة ، وأدلوا دلوهم ، وأشادوا بمهدويته وفي هذا الصدد قال مسلمة بن علي :

إن الذي يـروي الرواةُ لبيـِّنٌ

إذا ما ابن عبد الله فـيهم تجرّدا

له خاتـم لم يعطـه الله غـيره

وفيه علامات من البِرِّ والهُدى (٤)

يشير بهذا البيت إلى أن في كتف محمد بن عبد الله خالاً ، وقد جاءت الرواية في صفة المهدي بأن له خالاً ، فوافقت الصفة الموصوف!!

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٠٧ ، والمصابيح : ٤٢٧ / ٩.

٢ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٥٦٣ ، وعمدة الطالب في منساب آل أبي طالب / ابن عنبه : ١٠٣ ، في أخبار عبد الله المحض وعقبه.

٣ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٤.

٤ ـ المصابيح : ٤٣٧ / ١٣ ، وقد نسب أبو الفرج في المقاتل : ٢١٥ هذين البيتين إلى مسلمة بن أسلم الجهني.

٢٢١

وقال شاعر آخر :

إن كان في الناس لنا مهدّي

يـقيم فـينا سـيرة النبيّ

فإنّه محمد التقيّ (١)

والعجيب من أمر أولئك الشعراء المضلين أنهم حتّى بعد مصرع محمد ابن عبد الله بن الحسن ، وفصل رأسه عن جسده وحمله إلى العراق ، لم يتركوا القول بمهدويته ، كما نجده في قصيدة لعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثي فيها محمدا ، يقول فيها :

إلاّعلى المهدي وابني مصعب

أجريت دمعك ساكبا تهتانا (٢)

ونتيجة لهذه الدعاية الواسعة في شخص محمد بن عبد الله بن الحسن ، مع قربه القريب من أهل البيت عليهم‌السلام ، وتأكيد هذه الدعاية من قبل ابيه الذي كان ـ كما يقول ابن الأثير ـ : « لا يحدّث أحداً قط إلاّ قلبه عن رأيه » (٣) ، نتيجة لهذا وغيره كما مرّ فقد « لهجت العوام بمحمد تسميه المهدي ، حتى كان يقال : محمد بن عبد الله المهدي عليه ثياب يمنية وقبطية » (٤) ، وكان الناس إذا رأوه في أزقة المدينة صاحوا : « يا أهل المدينة! المهدي ، المهدي » (٥).

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٥.

٢ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٦٠١ ـ ٦٠٢ ومقاتل الطابيين : ٢٦٧.

٣ ـ الكامل في التاريخ ٥ : ١٤٤ في حوادث سنة / ١٤٤ هـ.

٤ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٢٩.

٥ ـ الكامل في التاريخ ٥ : ١٤١ في حوادث سنة / ١٤٤ هـ.

٢٢٢

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، إذ كان محمد بن عبد الله نفسه يدّعي بأنه المهدي « طمعاً أن يكون هو المذكور في الأحاديث » (١) ، ويغري الناس بالدعوة إلى نفسه على أنه المهدي الموعود ، قال ابن دأب : « لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن مذ كان صبيّاً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمّى المهدي » (٢).

وكان يخاطب الناس وهو على المنبر بقوله : « إنكم لا تشكّون إنّي أنا المهدي ، وأنا هو » (٣).

وأما مكاتباته التي جرت بينه وبين عبد الله بن محمد المنصور العباسي ، فقد كان يبدوؤها بالبسملة ويكتب بعدها : « من عبد الله المهدي محمد بن عبد الله ، إلى عبد الله بن محمد .. » (٤).

وفي هذا إشارة ذكية إلى غدر المنصور بمحمد وتذكيره بما كان يقوله له في أواخر العصر الأموي ، حيث كان يقول أبو الدوانيق في محمد هذا : « هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت » (٥).

وقال عبد الله في سعيد الجهني : « بايع أبو جعفر ـ يعني المنصور ـ محمداً مرّتين ، أنا حاضر إحداهما بمكّة في المسجد الحرام ، فلما خرج أمسك له

__________________

١ ـ البداية والنهاية ١٠ : ٨٤ في حوادث سنة / ١٤٥ هـ.

٢ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٢ و ٢١٣.

٣ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٢.

٤ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٥٦٧.

٥ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٢.

٢٢٣

بالركاب ، ثم قال : أما أنه إن أفضى إليكم الأمر نسيب لي هذا الموقف » (١).

ويدلُّ على ذلك ، أن عثمان بن محمد بن خالد الذي خرج مع محمد قد أُتِيَ به إلى المنصور فقال له : « هيه يا عثمان ، منت الخارج عليّ مع محمد؟ قال : بايعته أنا وأنت بمكّة ، فوفيت ببيعتي ، وغَدَرْتَ بيعتك .. فأمر به فَقُتِل » (٢).

وكل هذا يشير إلى أن للعباسيين سهما في إشاعة مهدوية الحسني التي وصلت إلى أسماع الامويين منفسهم قبل سقوط دولتهم ، فقد روى أبو الفرج أن مروان الحمار آخر طغاة الأمويين قال لعبد الله ـ وقد دخل عليه ذات يوم ـ : « ما فعل مهديكم؟ قال : لا تقل ذاك .. فليس كما يبلغك. فقال : بلى ، ولكن يصلحه الله ويرشده » (٣).

هذا ، وأما ما ذكره النوبختي بشأن محمد هذا بقوله : « فلما توفّي أبو جعفر ـ يعني الإمام الباقر عليه‌السلام ـ افترقت أصحابه فرقتين ، فرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة المقتول بها ، وزعموا أنه القائم ، وأنه الإمام المهدي ، وأنه لم يُقتل ، وقالوا : إنّه حيّ لم يمت مقيم بجبل بقال له العلمية ، وهو الجبل الذي في طريق مكة ، وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ بزعمهم ـ القائم المهدي اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي. وكان المغيرة بن سعد قال بهذا القول لما توفّي أبو جعفر محمد

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ١٨٧ ـ ١٨٨ و : ٢٥٩.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٥ : ١٦٢ ، في ذكر بعض المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله الحسني.

٣ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٢٩.

٢٢٤

ابن على عليهم‌السلام ، وأظهر المقالة بذلك ، فبرئت منه الشيعة أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، ورفضوه » (١).

فهو غريب جداً ، فضلاً عمّا فيه من خلط وتهافت ؛ لأن القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن لم يُعْرَف إلاّ في زمان مروان الحمار آخر ملوك الأمويين ( ت / ١٣٢ هـ ) ولم يشتهر إلاّ في أواخر إمامة الإمام الصادق عليه‌السلام ، أي قبل خروج محمد ، وقتله سنة ( ١٤٥ / هـ ) بمدّة قصيرة ، نتيجة لما قدّمناه من موقف الفقهاء والشعراء ودور الإعلام الحسني في إشاعة مهدويته بين الناس ، في حين يدلّ كلام النوبختي على حصول هذه المقالة بعد وفاة الإمام الباقر عليه‌السلام سنة ( ١١٤ / هـ ) مباشرة ، ومحمد بن عبد الله لم يُعْرَف بما ذُكِر في ذلك الوقت ، ثم لا معنى لأن ينفي المغيرة قتله وادعاء غيبته وإمامته في حياته ، إذ لم يدع أحد اغتياله مثلاً في فترة اختفائه عن المنصور حتى ينفي المغيرة ذلك.

فكيف باظهارها بعد وفاة الإمام الباقر عليه‌السلام إذن؟

ولأجل تصحيح تلك المقالة وقبولها ، لابدّ من افتراض صدورها بعد قتل محمد بن عبد الله الحسني ، أو على الأقل في زمان اختفائه وخوفه من المنصور.

ولكن إذا ما علمنا من صاحبها ـ وهو المغيرة ـ قد قتل بسبب شعوذته وسحره وكفره سنة ( ١١٩ / هـ ) ، في زمان هشام بن عبدالملك (٢) ، ومحمد بن

__________________

١ ـ فرق الشيعة / النوبختي : ٧٤ ـ ٧٥.

٢ ـ تاريخ الطبري ٧ : ١٢٩ ، في حوادث سنة / ١١٩ هـ.

٢٢٥

عبد الله في ريعان شبابه! اتّضح ما في الكلام المذكور من خلط وتهافت.

والصحيح هو براءة سائر القواعد الشعبية الشيعية القائلة بإمامة الصادق عليه‌السلام من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ، أيّاً كان مرّوجها وقائلها ؛ أخذاً بما لديهم من أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام ، وتمسكاً بما كان يقوله الإمام الصادق عليه‌السلام للحسنيين وأنصارهم ، وما كان يحذّرهم به ، وينهاهم لا عن دعوى المهدوية فحسب ، بل عن الخروج على المنصور وهو في أوج قوة دولته ، استبقاءً على مهجهم ، لأنهم عضده وبنو عمومته. ومن هنا كان عليه‌السلام غزير الدمعة عليهم في حياتهم وبعد نكبتهم ؛ إذ كان يعلم بما لم يحيطوا به خبرا. وهو ما اعترف به سائر المؤرخين وصرّح به ابن خلدون وغيره فيما تقدم ، من أن الإمام الصادق عليه‌السلام كان يحذّر بني عمومته بأشياء تقع لهم في المستقبل ، وكانت تقع على طبق ما أخبر.

ثانياًً ـ موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من مهدوية الحسني :

إنّ ما يعنينا هنا هو موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من تلقيب محمد بن عبد الله بن الحسن بالمهدي ، وإشاعة ذلك بنحو أدّى إلى الالتفاف على إيمان الأمة بما بشّر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمهدي الموعود المنتظر عليه‌السلام ، وأما عن ثورتهم فلا يعنينا أمرها في بحثنا هذا بقدر ما يعنينا التركيز على موقف الإمام الصادق عليه‌السلام المؤيّد والمساند لكل الانتفاضات العلوية ضد الحكم الجائر المتمثّل بالسلطتين الأموية والعباسية ، ولكنه في ذا الوقت كان عليه‌السلام حريصًا على أن تتهيّأ الأجواء المناسبة لنجاح هذه الانتفاضة أو تلك ؛

٢٢٦

لكي تؤتي ثمارها في القضاء على الظلم والفساد وإفشاء العدل والمساواة بين الناس.

وهذا القدر لابدّ منه لكي لا يُفهم بأن الإمام الصادق عليه‌السلام كان يقف ـ وحاشاه من ذلك ـ أمام الرغبة الصادقة في نيل شرف الشهادة بكل غال ونفيس من أجل إعلاء كلمة الله في أرضه ، ومقارعة الباطل بكل قوة وصلابة.

وقد كان أبو جعفر المنصور يعلم هذا جيداً ، ولهذا كان يصف الإمام الصادق عليه‌السلام بأنه الشجى المعترض في حلقه (١).

نعم كان يعلم بأن الإمام الصادق عليه‌السلام سوف ينهى محمد النفس الزكية من ادعاء المهدوية ، ولكنه لا يمنعه من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ما استطاع إليه سبيلاً.

ولا شكّ أنه يتذكّر كلام الإمام الصادق عليه‌السلام يوم كتب المنصور نفسه إليه عليه‌السلام قائلاً : « لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه عليه‌السلام : ليس لنا ـ من أمر الدنيا ـ ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها ، ولا نراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك؟ قال فكتب له : تصحبنا لتنصحنا ، فأجابه عليه‌السلام : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك » (٢).

__________________

١ ـ دلائل الإمامة / الطبري : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ / ٢٥٣ ( ٨٩ ) ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي ٢ : ٦٤٠ ـ ٦٤١ / ٤٧.

٢ ـ التذكرة الحمدونية / ابن حمدون ١ : ١١٣ ـ ١١٤ / ٢٣٠ ، وعنه الإربلي في كشف الغمّة ٢ : ٣٩٥ ، في مواعظ الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢٢٧

ولهذا نجد أول عمل قام به المنصور بعد قتله محمد بن عبد الله أنه استدعى الإمام الصادق عليه‌السلام وغلظ عليه الكلام ثم قال : « يا جعفر! قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي يسمونه النفس الزكية ، وما نزل به ، وإنما انتظر الآن أن يتحرّك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير » (١).

إن علم الإمام الصادق عليه‌السلام بعد تحقّق الحدّ الأدنى المطلوب من ثورة محمد النفس الزكية قبل إعلانها ، وفشل حركته المحتم ، وما سيلحق ذلك من نتائج سياسية خطيرة على البيت العلوي عموماً ، وعلى الإمام الصادق عليه‌السلام خاصة ، كان محفّزاً للإمام عليه‌السلام أن يبين ما بينه لقادة الثورة وللمجتمع المدني يومذاك ، لعلّهم يتريثوا إلى حين تهيئة المستلزمات المطلوبة لنجاح الثورة.

ونكتفي بهذا القدر لنعود إلى معالجة القضية الأكبر التي لا زالت عند بعض المتخرّصين مادة للهجوم على الحقيقة المهدوية بحجة وجود أدعيائها الكثيرين في التاريخ الشيعي كما هو الحال في مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن ؛ لنرى كيف عالج إمامنا الصادق عليه‌السلام تلك الدعوى وبين زيفها ، فنقول :

عبّر موقف الإمام الصادق عليه‌السلام في ردوده على دعوى مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن تعبيراًً رائعاًً عن إمامته هو عليه‌السلام أولاًًً ، وعن زيف تلك الدعوى ثانياًًً ، وعلى أكثر من صعيد ، كالآتي :

__________________

١ ـ الفصول المهمّة / ابن الصباغ المالكي : ٢٢٤.

٢٢٨

إخباره عليه‌السلام القيادة الحسنية بنتائج تلك الدعوى وقتل صاحبها :

١ ـ فقد روى أبو الفرج الأصبهاني ، والشيخ المفيد ، وابن شهرآشوب ، أنه اجتمع العباسيون والحسنيون بالابواء وذلك في أواخر زمان الحكم الأموي ، فقام صالح بن على يحضّهم على أن يعقدوا البيعة لرجل منهم ، فعندها حمدالله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال : قد علمتم من ابني هذا هو المهدي ، فهلموا فلنبايعة ، فبايعوه جميعاً ، وفيهم أبو جعفر المنصور ، ولما علم الإمام الصادق عليه‌السلام باجتماعهم هذا أرسل محمد ابن عبد الله الأرقط بن على بن الحسين عليه‌السلام ، فسألهم : لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبد الله : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله ، ثم جاء الإمام الصادق عليه‌السلام ، « فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه ، فتكلم بمثل كلامه ، فقال الإمام : لا تفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد إن كنت ترى من ابنك هذا هو المهدي! فليس به ، ولا هذا أوانه فغضب عبد الله وقال لقد علمت خلاف ما تقول ، والله ما اطلعك الله على غيبه ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني. فقال عليه‌السلام : والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وأخوته وأبناؤهم دونكم ، وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال : إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهم ، وإن ابنيك لمقتولان ثم نهض وتوكّأ على يد عبدالعزيز بن عمران الزهري ، فقال : أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ ـ يعني أبا جعفر المنصور ـ قال : نعم ، قال : فإنّا ـ والله نجده يقتله. قال له عبدالعزيز : أيَقْتُل محمداً؟ قال : نعم. قال : فقلت في نفسي : حسده ورب الكعبة.

قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.

٢٢٩

قال : لما قال جعفر ذلك ، نفض القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها ، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر المنصور ، فقالا : يا أبا عبد الله! أتقول هذا؟

قال : نعم ، أقوله والله ، وأعلمه » (١).

٢ ـ وفي المناقب لابن شهر آشوب : « أنه لما بويع محمد بن عبد الله بن الحسن على أنه مهدي هذه الأمة جاء أبوه عبد الله إلى الصادق عليه‌السلام ، وقد كان ينهاه ، وزعم أنه يحسده ، فضرب الصادق يده على كتف عبد الله ، وقال : إيهاً والله! ما هي اليك ولا إلى ابنك ، وإنما هي لهذا ـ يعني : السفاح ـ ثم لهذا ـ يعني المنصور ـ يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء ، فتبعه المنصور ، فقال : ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال : ما سمعته وإنه لكائن. قال : فحدثني من سمع المنصور أنه قال : انصرفت من وقتي فهيأت أمري ، فكان كما قال » (٢).

٣ ـ وفي رواية المسعودي ، قال : « .. فجمع عبد الله ـ أي ابن الحسن ـ أهل بيته ، وهمَّ بالأمر ، ودعا أبا عبد الله عليه‌السلام للمشاورة ، فحضر ، فجلس بين المنصور وبين السفاح وعبد الله ابني محمد بن على بن عبد الله بن العباس ، ووقعت المشاورة ، فضرب أبو عبد الله عليه‌السلام يده على منكب أبي العباس عبد الله السفاح ، فقال : لا والله! إمّا أن يملكها هذا أولاًً ، ثم ضرب

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ١٨٥ ـ ١٨٧ ، و ٢٢٥ ـ ٢٢٧ ، والارشاد / الشيخ المفيد ٢ / ١٩٠ ـ ١٩٣ ، والمناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٢٤٩ ، في معرفته عليه‌السلام باللغات وإخباراته بالغيب.

٢ ـ المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٢٤٩.

٢٣٠

بيده الأخرى على منكب أبي جعفر عبد الله المنصور ، وقال : وتتلاعب بها الصبيان من ولد هذا .. » (١).

٤ ـ وأخرج ثقة الإسلام عن موسى بن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه في حديث طويل جاء فيه قوله عليه‌السلام لعبد الله : « يا ابن عم اني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر أمسيت فيه ، وإنّي لخائف عليك أن يكسبك شرّاً ».

وقوله عليه‌السلام في ابنه أنه « المقتول بسده اشجع ، عند بطن مسيلها .. لا والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة .. فاتق الله وارحم نفسك وبني أبيك .. والله لكأنني به صريعاً مسلوباً بزّته بين رجليه لبنة ».

وخرج عبد الله مغضباً فلحقة أبو عبد الله عليه‌السلام ، وأخبره بأنه وبني أبيه سيقتلون ثم قال : « فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ، فو الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه لوددت أني فديتك بوُلْدي وبأحبّهم إليّ وبأحبّ أهل بيتي إليّ ، وما يعدلك عندي شيء فلا ترى أني غششتك.

قال موسى بن عبد الله بن الحسن : فما أقمنا بعد ذلك إلاّ قليلاً عشرين ليلة أو نحوها حتى قدمت رسل أبي جعفر المنصور فأخذوا أبي وعمومتي ، سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن حسن ، وداود بن حسن ، وعلى بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلى بن إبراهيم بن

__________________

١ ـ إثبات الوصية / المسعودي : ١٥٨.

٢٣١

حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن ، وعبد الله بن داود ، فصفدوا في الحديد ».

واطلع عليهم أبو عبد الله عليه‌السلام وهم في تلك الحال ، وكان عامة ردائه مطروح بالأرض ، وحمّ عشرين ليلة لم يزل باكياً فيها الليل والنهار حتى خيف عليه.

ثم ظهر بعد هذا محمد بن عبد الله ودعا الناس لبيعته ، واحضروا الإمام الصادق عليه‌السلام لمبايعتهم بالقوة ، وامتنع قائلاً لمحمد : « أما والله لكمني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي ، وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة نصفها أبيض ونصفها أسود ، على فرس كميت أقرح ، فطعنك فلم يصنع فيك شيئاًًً ، وضربت خيشوم فرسه فطرحته ، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدُئليين ، عليه غديرتان مضفورتان ، وقد خرجتا من تحت بيضة ، كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك فلا رحم الله رمته » (١).

ثم شهد بعد ذلك موسى بن عبد الله بن الحسن ـ راوي الخبر ـ على حصول كل ما أخبر به الإمام الصادق عليه‌السلام ، حتى لكأنه عليه‌السلام كان يُخبر عن

__________________

١ ـ واسم هذا الرجل لعنه الله حميد بن قحطبه ، فهو الذي احتزّ رأس رأس محمد عد أحجار الزيت المكان الذي ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام ، وذلك بعد عصر يوم الأثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة / ١٤٥ هـ ، كما في تاريخ الطبري ٧ : ٥٨٩ و ٥٩٤ ، والكامل في التاريخ ٥ : ١٦٣ ، والبداية والنهاية ١٠ : ٨٩ ، كلهم في حوادث سنة / ١٤٥ هـ ، وعمدة الطالب : ١٠٥.

٢٣٢

معاينة. (١).

تفهيم الناس بمصير المهدي الحسيني ومهدويته :

بعد فراغ الإمام الصادق عليه‌السلام من مواجهة بني الحسن وبالحقيقة المرّة ، والمصير المحتوم الذي ينتظرهم على يد الجلاّد العباسي أبي الدوانيق ، اتجه كلامه ـ هذه المرّة ـ إلى الناس ، لا سيما أصحابه ، ليكونوا دعاة خير لمن لهج بمهدوية ابن عبد الله ولم يصله موقف الإمام المعلن أمام القيادة الحسنية وجهاً لوجه ، وفي أكثر من مكان.

١ ـ عن عنبسة العابد ، قال : « كان جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، إذا رأى محمد ابن عبد الله بن حسن ، تغرغرت عيناه ، قم يقول : بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون إنّه المهدي!! وإنه لمقتول ، وليس هذا في كتاب أبيه علي عليه‌السلام من خلفاء هذه الأمة » (٢).

٢ ـ وعن المعلّى بن خُنَيس ، قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ أقبل محمد بن عبد الله ، فسلّم ، ثم ذهب ، فَرَقّ له أبو عبد الله عليه‌السلام ، ودمعت عيناه.

فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع؟

فقال عليه‌السلام : رققت له : لأنه ينسب إلى أمر ليس له ، لم أجده في كتاب

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٣٥٨ ـ ٣٦٦ / ١٧ ، باب ما يفصَل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ، من كتاب الحجة ، وبعضه في الكامل في التاريخ ٥ : ١٤٤ في حوادث سنة / ١٤٤ هـ.

٢ ـ الإرشاد ٢ : ١٩٣.

٢٣٣

على عليه‌السلام من خلفاء هذه الأمة ، ولا من ملوكها » (١).

٣ ـ وعن عيسى بن عبد الله ، قال : حدثتني أمّ الحسين بنت عبد الله بن محمد بن على بن الحسين عليهم‌السلام ، قالت : « قلت لعمي جعفر بن محمد عليهما‌السلام : إنّي ـ فديتك ـ ما أمر محمد هذا؟ قال : فتنة ، يُقتل فيها محمد عند بيت رومة ، ويقتل أخوه لأبيه وأمّه بالعراق وحوافر فرسه في الماء » (٢).

٤ ـ وفي الصحيح عن عبدالملك بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الزيديّة والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله ، فهل له من سلطان؟ فقال : عليه‌السلام : والله إنّ عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي ، وكل ملك يملك الأرض ، لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما » (٣).

٥ ـ وفي رواية للطبري ، قال : « خرج مع محمد ، حمزة بن عبد الله بن محمد بن على ، وكان ـ أي : حمزة ـ من أشد الناس مع محمد ، قال : فكان جعفر [ عليه‌السلام ] يقول له : هو والله مقتول » (٤).

٦ ـ وفي الصحيح عن فُضَيل بن سُكَّرة ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : يا فُضَيْل! أتدري في أيِّ شيءٍ كنت أنظر قُبَيل؟ قال ،

__________________

١ ـ روضة الكافي ٨ : ٣٢٣ / ٥٩٤.

٢ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٦٠٠ ـ ٦٠١ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٢٠ ، والكامل في التاريخ ٥ : ١٦٣ في حوادث سنة / ١٤٥ هـ.

٣ ـ أصول الكافي ١ : ٢٤٢ / ٧ ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة وأصحّف فاطمة عليها‌السلام ، من كتاب الحجة.

٤ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٦٠١ ، في حوادث سنة / ١٤٥ هـ.

٢٣٤

قلت : لا. قال : كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها‌السلام ، ليس من ملك يملك الأرض إلاّ وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه ، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاًً » (١).

جدير بالذكر من آباء الإمام الصادق عليه‌السلام قد أخبروا بهذا أيضاًًً. ففي الصحيح عن عبدالرحيم بن روح القصير ، عن أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام ، في قول الله عزّوجلّ : ( النبيُّ أولى بالمؤمنينَ من أنفسهم وأزواجهُ أمّهاتهم وأولوا الارحامِ بعضهم أولى ببعضٍ في كتابِ الله ) (٢) فيمن نزلت؟

فقال عليه‌السلام : « نزلت في الإمرة ، إنّ هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه‌السلام من بعده ، فنحن أولى بالأمر ، وبرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المؤمنين والمهاجرين والانصار. قلت : فولد جعفر [ ابن أبي طالب ] لهم فيها نصيب؟ قال : لا. قلت فلولد العباس فيها نصيب؟ فقال : لا. فعددت عليه بطون بني عبدالمطلب ، كل ذلك يقول : لا. قال : ونسيت ولد الحسن عليه‌السلام ، فدخلت بعد ذلك عليه ، فقلت له : هل لولد الحسن عليه‌السلام فيها نصيب؟ فقال : لا والله يا عبد الرحيم ، ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا » (٣).

كما أخبر أمير المؤمنين على عليه‌السلام بمصير محمد بن عبد الله الحسني ، فقد اورد الثقفي ، وابن أبي الحديد المعتزلي ، جملة من إخباراته عليه‌السلام الغيبيّة ،

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٢٤٢ / ٨ ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر ... ، من كتاب الحجة.

٢ ـ سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦.

٣ ـ أصول الكافي ١ : ٢٨٨ / ٢ ، باب ما نص الله عزّوجلّ ورسوله صلّى الله عليهم وآله على الأئمة عليه‌السلام واحداً فواحداً ، من كتاب الحجة.

٢٣٥

ومنها قوله في محمد هذا : « إنه يقتل عند أحجار الزيت » وكقوله عليه‌السلام فيه أيضاًً : « يأتيه سهم غرب يكون فيه منيّته ، فيا بؤساً للرامي ، شلّت يده ، ووهن عضده » (١).

تأكيده عليه‌السلام على سبق دعوى المهدوية لزمان المهدي عليه‌السلام :

أراد الإمام الصادق عليه‌السلام ـ بعد أن أخذ دوره المطلوب في نصح وتحذير القيادة الحسنية وقاعدتها بوجوب الكف عن أشاعة مهدوية ابن عبد الله ـ أن يكون تطلّع الأمة إلى الله تعالى من خلال عقيدتها بالإمام المهدي عليه‌السلام المبشر بظهوره في آخر الزمان ، تطلعاً صحيحاً وموجهاً ، الأمر الذي يقتضى تزويدها بما يمكن معه أن تقيّم كل دعوى من هذا القبيل ؛ ولهذا جاء التأكيد على سبق دعوى المهدوية لزمان ظهور المهدي عليه‌السلام.

ويدل عليه ما مرّ بنا من قوله ـ في اجتماع الابواء ـ لعبد الله بن الحسن : « .. إن كنت ترى أن أبنك هذا هو المهدي! فليس به ، ولا هذا أوانه ».

فقوله عليه‌السلام : « فليس به » صريح بأن المهدي الموعود عليه‌السلام ليس هو محمد ابن عبد الله الحسني ، إذ لم يولد الإمام المهدي عليه‌السلام بعد ، ولا أقلّ من حديث كون الأئمة أثنا عشر آخرهم المهدي ، وهو الحديث الذي عرفته الأمة كلها ، فأين الأحد عشر الذين سبقوا ابن عبد الله حتى يكون هو خاتمتهم؟

وقوله عليه‌السلام : « ولا هذا أوانه » ناظر إلى الامور التي تسبق الظهور وجاء

__________________

١ ـ الغارات / الثقفي : ٦٨٠ ، وشرح نهج البلاغة ٧ : ٤٨ في شرح الخطبة رقم / ٩٢.

٢٣٦

بها الحديث الشريف على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام ، وهو ما سنوضحه في رد مهدوية ( المهدي العباسي ).

بيان الاختلاف بين هوية الإمام المهدي عليه‌السلام وهوية ( المهدي الحسني ) :

بين الإمام الصادق عليه‌السلام الاختلاف الحاصل بين هوية الإمام المهدي عليه‌السلام وهوية ( المهدي الحسني ) ، في اسم الأب ، والكنية ، والنسب ، مع الاختلاف في اسم الأم ، وأصلها.

والمعروف في اسم الحسني مدّعي المهدوية ، أنه محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ، بن الإمام الحسن السبط ، بن أمير المؤمنين الإمام على بن أبي طالب عليهما‌السلام.

ويكنى : أبا عبد الله.

وأمّه : هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب (١).

وبناءً على ذلك :

فإن اسم أبيه : ( عبد الله ).

وكنيته : ( أبو عبد الله ).

وأصله : ( حسني ).

__________________

١ ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ١٠٣ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٠٦ ، وذكر في نسب الأم ، مكان ( ربيعة ) : زمعة.

٢٣٧

واسم أمه : هند ، وهي إمرأة عربية ، قرشية ، حرة.

وقد بيّن الإمام الصادق عليه‌السلام إن هذه الأمور الأربعة في هوية ( المهدي الحسني ) ، تخالف تماماً هوية الإمام المهدي عليه‌السلام ، كالآتي :

١ ـ الاختلاف في اسم الأب ، والكنية :

وقد كانت حجة الحسنيين في مهدوية محمد النفس الزكية حديث ( اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ) وقد وافق اسمه اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واسم أبيه لاسم أبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا الحديث على فرض صحته ليس بدليل ، وإلاّ لاقتضى أن يكون في الأمة آلاف المهديين ، ـ بقطع النظر عن غيره من أحاديث المهدي ـ إذ ما أكثر من تسمى بـ ( محمد بن عبد الله ) في هذه الأمة. فكيف الحال لو كان الحديث موضوعاً لا اصل له؟

وقد مرّ عليك دور أنصار المهدي الحسني في وضع هذا الحديث نصرة لمهديهم ، وأما وروده بعد قتل الحسني على السنة الرواة وكبار المحدثين من العامة ، فمآله السلطة العباسية التي سخرت من يضع لها في مهدوية محمد بن عبد الله المنصور العباسي كما سنبينه في محله.

وقد رد الإمام الصادق عليه‌السلام على هذا الحديث المزعوم ، بقوله الشريف في المهدي « اسمه اسم نبي ، واسم أبيه اسم وصي » (١).

ولم يعترف الإمام الصادق عليه‌السلام ولا أحد من أهل البيت عليهم‌السلام قط بهذه العبارة ( اسم أبيه اسم أبي ) ولم ترو عنهم ، ولا من طرقهم البتة. الأمر الذي

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٨١ / ٢٩ باب ١٠.

٢٣٨

يكشف عن كونها مزيدة ـ فيما بعد ـ على أصل الحديث ، وقد اعترف أحد كبار علماء الحديث من العامة وهو أبو الحسن الآبري ( ت/ ٣٦٣ هـ ) في كتابه ( مناقب الشافعي ) بأن الأصل في هذه الزيادة هو أبو الصلت زائدة ابن قدامة (١) ، وزائدة هذا ضعيف في الحديث وكان مولعاً بزيادة ما يراه مناسباً على أصل الحديث ، الأمر الذي يكشف عن خبثه وتلاعبه في السنة المطهرة.

كما اعترف الكنجي الشافعي ( ت/ ٦٥٨ هـ ) بسقوط ما زاده زائدة بن قدامة عن الاعتبار ، حتى قال في زيادته تلك : ( إن تلك الزيادة لا اعتبار لها ) (٢).

كما اكّد الإمام الصادق عليه‌السلام ـ مرة أخرى ـ زيف الحديث الذي احتج به الحسنيون ، نافياً نسبته الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصححاً لما ورد في اسم المهدي وكنيته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي الصحيح « عن أبي بصير ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٣).

__________________

١ ـ راجع : البيان في أخبار صاحب الزمان / الكنجي الشافعي : ٤٨٢.

٢ ـ البيان في اخبار صاحب الزمان : ٤٨٥.

٣ ـ إكمال الدين ١ : ٢٨٧ / ٤ باب ٢٥.

٢٣٩

وهذا الحديث نفسه رواه جابر بن عبد الله الانصاري رضي‌الله‌عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وفيه ما يوضح الاختلاف الحاصل في الكنية أيضاًً ، فمحمد بن عبد الله قد تكنّى ـ كما مرّ ـ بـ : ( أبي عبد الله ) ؛ في حين أن الإمام المهدي عليه‌السلام يكني بـ : ( أبي القاسم ).

جدير بالذكر أن محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه قد أدعيت له المهدوية ـ كما مرّ ـ قبل محمد بن عبد الله بن الحسن بأكثر من خمسين عاماً ، وقد تكنى محمد بن الحنفية بـ ( أبي القاسم ) ، ولكن لم يعترض أحد من الأمة قط على الكيسانية ويقول لهم مثلاً : إن مهديهم ( محمد بن الحنفية ) اسم أبيه ( على ) والمفروض أن يكون اسمه بحسب الحديث المزعوم : ( عبد الله ) ، الأمر الذي يدل على كون ( الزيادة المذكور فيه ) قد وضعت بعد حين.

٢ ـ الاختلاف في النسب من جهة الأب :

كذلك بين الإمام الصادق عليه‌السلام الاختلاف الحاصل بين نسب الإمام المهدي عليه‌السلام ونسب محمد ( النفس الزكية ) ـ الذي تقمص المهدوية ـ من جهة الآباء ؛ إذ لا خلاف بين احد أن محمد بن عبد الله ( النفس الزكية ) حَسَني ؛ لأنه من سلالة أبي محمد الحسن بن على بن أبي طالب عليهما‌السلام.

بينما نسب الإمام المهدي عليه‌السلام ليس كذلك ؛ إذ هو حُسَيني ، بل هو التاسع من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام كما مرّ عن الإمام الصادق عليه‌السلام في أحاديث شتّى ، فضلاً عمّا أثبته الواقع التاريخي في تشخيص هوية الإمام

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ٢٨٦ / ١ باب ٢٥.

٢٤٠