غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

تنصره ملائكة بدر الكبرى في حروبه (١) ، وينزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه (٢) ، ويفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً (٣).

لا يرحم في سيرته أعداءَه (٤) ، ولكن ما أجمل عدله (٥) ، وقضائه (٦) ، وما أكثر عطائه (٧) ، لا تخشى رعيّته فقراً والرخاء العميم في دولته (٨) ، ولا كفراً ؛ إذ سيجدد الاسلام بعد غربته (٩) ، وينشره حتى لا يرى ـ على وجه الأرض ـ دين غيره (١٠) ، وسيدعو الخلق الى كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

١ ـ تفسير العياشي ١ : ١٩٧ / ١٣٨ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٨٤.

٢ ـ تفسير فرات الكوفي : ٤٤ ، وإكمال الدين ١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ١٧ باب ٣٢.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ١ : ٢٣٤ / ٧٠٦ ، والإرشاد ٢ : ٣٨٥ ، وكتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد على ما في البحار الأنوار ٥٢ : ٣٩٠ / ٢١٢ باب ٢٧.

٤ ـ كتاب الغيبة : النعماني : ٢٣١ / ١٤ باب ١٣ ، و : ٢٣٣ / ١٨ باب ١٣ والإرشاد ٢ : ٣٨٤.

٥ ـ من لايحضره الفقيه ١ : ٣٣٤/٧٠٦ ، والإرشاد ٢ : ٣٨٥.

٦ ـ كتاب الغيبة للسيد على بن عبد الحميد على ما في بحار الأنوار ٥٢ : ٣٨٩ / ٢٠٧ باب ٢٧.

٧ ـ علل الشرائع : ١٦١ / ٣ باب ١٢٩ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ٢٣٧ / ٢٦ باب ١٣.

٨ ـ كتاب الغيبة/ النعماني : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٣٠ باب ١٣ ، كتاب الغيبة للسيد على ابن عبد الحميد على ما في بحار الأنوار ٥٢ : ٣٩٠ / ٢١٢ باب ٢٧.

٩ ـ كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد على ما في بحار الأنوار ٥٢ : ٣٩٠ / ٢١٢ باب ٢٧.

١٠ ـ دلائل الإمامة : ٢٤١ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٨٣.

٢٠١

والولاية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام والبراءة من أعدائه (١) ، وأول ما يزور من العراق النجف (٢) ، ثم يجعل الكوفة عاصمته ، ويختار فيها منزله (٣) ، ومن أدركه فليسلم عليه بقوله : « السّلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة » (٤).

وهذا غيض ، من فيض ، إغترفتاه على عجّل من بحر الإمام الباقر عليه‌السلام وحده ، لخّصنا فيه مضامين بعض أحاديثه الشريفة في الإمام المهدي عليه‌السلام وما تركناه أكثر وأكثر.

وقد توزع ما ذكرناه على خمسين رجلاً من أصحابه عليه‌السلام ، وهم :

١ ـ أبو ايوب المخزومي ، ٢ ـ أبو بصير ، ٣ ـ أبو بكر الحضرمي ، ٤ ـ أبو الجارود ، ٥ ـ أبو حمزة الثمالى ، ٦ ـ أبو خالد الكابلي ، ٧ ـ أبو عبيدة الحذاء ، ٨ ـ ابو مريم عبد الغفار بن القاسم ، ٩ ـ أحمد بن عمر ،

__________________

١ ـ كتاب الغيبة للسيد على بن عبد الحميد على ما في بحار المنوار ٥٢ : ٣٠٨ / ٨٣ باب ٢٦.

٢ ـ بصائر الدرجات : ١٨٨ / ٥٤ باب ٤ ، وأصول الكافي ١ : ٢٣١ / ٣ باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم‌السلام ، من كتاب الحجة ، وتفسير العياشي ١ : ١٠٣ / ٣٠٢ ، وإكمال الدين ٢ : ٦٧٠ / ١٧ باب ٥٨ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ٢٣٨ / ٢٨ باب ١٣ ، و : ٣٠٨ / ٣ باب ١٩ ، والإرشاد ٢ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠.

٣ ـ كامل الزيارات : ٣٠ / ١١ باب ٨ ، والإرشاد ٢ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، وتهذيب الاخبار / الشيخ الطوسي ٦ : ٣١ / ١ باب ١٠ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٧٥ و ٢٨٠.

٤ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٨٢ ، ونحوه في إكمال الدين ٢ : ٦٥٣ / ١٨ باب ٥٧.

٢٠٢

١٠ ـ إسماعيل الجعفي ، ١١ ـ بدر بن الخليل الازدي ، ١٢ ـ بريد العجلي ، ١٣ ـ بشير بن أبي أراكه النبال ، ١٤ ـ بكير بن أعين ، ١٥ ـ ثابت بن عمرو ، ١٦ ـ جابر الجعفي ، ١٧ ـ حصين الثعلبي ، ١٨ ـ حمران بن أعين ، ١٩ ـ زرارة بن أعين ، ٢٠ ـ زيد الكناسي ، ٢١ ـ سالم الأشل ، ٢٢ ـ سلام ابن أبي عميرة ، ٢٣ ـ سلام بن المستنير ، ٢٤ ـ سليمان بن الحسن ، ٢٥ ـ سليمان بن خالد ، ٢٦ ـ سيف بن عميرة ، ٢٧ ـ شرحبيل ، ٢٨ ـ صالح ابن ميثم ٢٩ ـ ضريس ، بن عبد الملك الكناسي ، ٣٠ ـ عبد الله بن أبي يعفور ، ٣١ ـ عبد الله بن حماد الأنصاري ، ٣٢ ـ عبد الله بن عطاء ، ٣٣ ـ عبد الحميد الواسطي ، ٣٤ ـ عبدالرحيم القصير ، ٣٥ ـ عبد الملك بن أعين ، ٣٦ ـ علقمة بن محمد الحضرمي ، ٣٧ ـ عمار الدهني ، ٣٨ ـ عمرو ابن عبد الله بن هند الجملي ، ٣٩ ـ مالك الجهني ، ٤٠ ـ محمد بن علي السلمي ، ٤١ ـ محمد بن فضل ، ٤٢ ـ محمد بن مسلم الثقفي ، ٤٣ ـ معروف ابن خربوذ ، ٤٤ ـ منصور الصيقل ، ٤٥ ـ ميمون البان ، ٤٦ ـ ناجية القطان ، ٤٧ ـ هارون بن هلال ، ٤٨ ـ يحيى بن أبي العلاء ، ٤٩ ـ يحيى بن سابق ، ٥٠ ـ يحيى بن سالم.

وبهذا يتبين لك مذهب الإمام الباقر عليه‌السلام في الإمام المهدي عليه‌السلام ، وبه تتضح قيمة ما رواه ابن سعد في طبقاته أولاًً ، وما أخرجه ابن عساكر ثانياًً ، من إكذوبتين ما أنزل الله بهما من سلطان.

على أن مسلمة بن أبي سعيد الذي روى عنه ابن سعد ، لا خير فيه عندهم ، وأهمله أكثرهم.

٢٠٣

ومولى هند بنت أسماء الذي أخرج له ابن عساكر ، لا عين له ولا أثر في مصادرهم ، فهو نكرة مهمل غارق في الاهمال.

ونكتفي بهذا القدر في ابطال ما نسبوه إلى الإمام الباقر عليه‌السلام لنرى الاقوال الواردة في تعزيز القول بمهدوية عمر بن عبد العزيز ، وقد نسبت إلى بعض التابعين وغيرهم ، ولم يثبت معظمها ، لضعف رواتها :

رابعاً ـ الأقوال الواردة في مهدوية عمر بن عبد العزيز :

ومن الأقوال الواردة في مهدوية عمر بن العزيز الأموي المرواني :

١ ـ قول الحسن البصري : « ما أرى مهدياً فهو عمر بن عبد العزيز » (١).

وقوله : « إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز ، وإلاّ فلا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم عليه‌السلام » (٢).

٢ ـ قول أبي قلابة : « عمر بن عبد العزيز هو المهدي حقاً » (٣).

٣ ـ قول قتادة : « كان يُقال المهدي ابن أربعين سنة ، يعمل بأعمال بني إسرائيل ، فإن لم يكن عمر فلا أدري من هو؟ » (٤).

__________________

١ ـ الملاحم والفتن / ابن حماد : ٢٦٤ / ١٠٣٩.

٢ ـ حلية الأولياء ٥ : ٢٥٧ / ٣٣١ ، وتاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٦ / ٥٢٤٢.

٣ ـ الملاحم والفتن / ابن حماد : ٢٦٤ / ١٠٣٨.

٤ ـ السنن الواردة في الفتن / أبو عمرو الداني ٥ : ١٠٧٤ / ٥٨٨ ، وتاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٦ ـ ١٨٧ / ٥٢٤٢.

٢٠٤

٤ ـ قول وهب بن منبّه : « إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز » (١).

وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعدما أورد قول وهب بن منبّه : « ونحو هذا قال قتادة وسعيد بن المسيب وغير واحد » (٢).

٥ ـ قول سعيد بن المسيب لرجل سأله : من المهدي؟ فقال : « عمر بن عبد العزيز هو المهدي » (٣).

خامساًً ـ من ردَّ هذه الأقوال ورفضها من العامة :

رفض طاوس كل هذه الأقوال حين سأله إبراهيم بن ميسرة ، قال : « قلت لطاوس : عمر بن عبد العزيز المهدي؟ قال : قد كان مهدياً وليس به ، إنّ المهدي إذا كان زيد المحسن في إحسانه وتيب عن المسيء من إساءته ، وهو يبذل المال ، ويشتدّ على العمال ، ويرحم المساكين » (٤).

ورواه ابن حماد من طريق آخر بلفظ : « قلت لطاوس : عمر بن عبد العزيز المهدي؟ قال : لم ، إنه لا يستكمل العدل كله » (٥).

__________________

١ ـ حلية الأولياء ٥ : ٢٥٤ / ٣٣١ ، وتاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٧ / ٥٢٤٢.

٢ ـ البداية والنهاية / ابن كثير ٩ : ٢٢٥ في حوادث سنة ١٠١ / هـ في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، فصل ( وقد كان منتظراً فيما يؤثر من الأخبار )!

٣ ـ الطبقات الكبرى / ابن سعد ٥ : ٣٣٣ ، وتاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٨ / ٥٢٤٢.

٤ ـ المصنّف / ابن أبي شيبة ٨ : ٦٧٩ / ١٩٨ ، والملاحم والفتن / ابن حماد : ٢٥٣ / ٩٨٩.

٥ ـ الملاحم والفتن / ابن حماد : ٢٥٢ / ٩٨٧.

٢٠٥

وعلّق عليه السمهودي بقوله : « أي : بل هو مهدي من جملة المهديين غير الموعود به في آخر الزمان ، ... قال أحمد ـ في إحدى الروايتين عنه ـ وغيره : عمر بن عبد العزيز متّهم » (١).

ومن الواضح إمكان إضافة العشرات من علماء العامة إلى قائمة تكذيب القول بمهدوية عمر بن عبد العزيز ، وهم من رووا أحاديث المهدي عليه‌السلام في تلك الفترة ، وما أكثر هم ، بل لا يوجد من العامة ولا من غيرهم ـ اليوم ـ من يقول البتّةَ بتلك المهدوية الزائفة التي انتهت بموته.

سادساً ـ المهدوية الأموية المروانية في الميزان :

إنّا لا نحتاج ـ في الواقع ـ إلى ما قاله طاوس وغيره في الردّ على مهدوية عمر بن عبد العزيز ؛ إذ لم تكن الأمة الإسلامية ـ في عصر الإمام الصادق عليه‌السلام ( ١١٤ ـ ١٤٨ هـ ) ـ بحاجة إلى من يبيّن لها زيف تلك الأقوال ووهنها ؛ لِعلم الأمة ـ حينئذٍ ـ بأن عمر بن عبد العزيز الأموي قد تولّى السلطة سنة / ٩٩ هـ ، ومات سنة / ١٠١ هـ ، وإنه جاء إليها بعهد من سليمان بن عبدالملك الأموي ( ٩٦ ـ ٩٩ هـ ) ، وقد بايع الأمويون لمن في كتاب العهد الذي كتبه سليمان بيده ثم ختمه ، ولم يفضّه أحد إلى من هلك هذا الطاغية سنة / ٩٩ هـ باتفاق المؤرخين.

ومع أن الأُمويين ليسوا من أهل الحل والعقد ، فهم لم يعرفوا لمن بايعوا إلاّ بعد هلاك سليمان!!

____________

١ ـ جواهر العقدين / السمهودي : ٣١١ ، القسم الثاني من الفصل الثالث.

٢٠٦

وقد كان ( المهدي الأموي ) يعتقد بأن سليمان بن عبدالملك إمام مفروض الطاعة (١)! في الوقت الذي وصفه الحديث بأنه ثاني الجبارين (٢) الأربعة من ولد عبد الملك بن مروان وأنَّ معاوية الوغد كان كذلك في عقيدته ، حتى أنه ما ضرب أحداً في سلطانه غير رجل واحد تناول من معاوية ، فضربه هذا ( المهدي ) ثلاثه اسواط!! (٣).

ومن ثم سلمها ( مهدي الامويين ) ـ عند احتضاره ـ إلى الجبّار الثالث يزيد بن عبد الملك ( ١٠١ ـ ١٠٥ هـ ) ، وعلى وفق ما رسم له من قبل الجبّار الثاني سليمان ، وهكذا أبقاها عمر بن عبد العزيز في الشجرة الملعونة كعلامة فارقة من علامات ( عدله ) الذي اغترّ به الكثيرون.

نعم ... لم تكمن الأمة بحاجة إلى من يدلّها على زيف التاريخ الاموي ، وانحراف صانعيه وعتوهم وكفرهم ونفاقهم ، واستسلامهم لا إسلامهم منذ أن بزغ نجمهم على يد باغيتهم ، وانتهاءً بقتل حمارهم وانقضاء دولتهم التي مزقت مثل الاسلام أي ممزق ، وعادت بالمجتمع الإسلامي إلى حضيض الجاهلية ، ونقضت الإسلام عروة فعروة. حتى صارت كلمة ( اموي )

____________

١ ـ منع عمر بن عبد العزيز مروان بن عبدالملك من الردّ على اخيه سليمان بن عبدالملك في كلام وقع بينهما ، قائلاً له : إنّه إمامك!! راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ١٨١.

٢ ـ سليمان هذا أحد الجبابرة الأربعة من ولد عبد الملك بن مروان ، وهم : الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام. وقد وصفهم الحديث بالجبابرة الأربعة. اخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ : ٣٨٢ / ٨٩٧ ، فراجع.

٣ ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي : ١٩٠.

٢٠٧

وحدها ، كافية على انحراف من تطلق عليه واستهتاره بكل القيم ، إلاّ من خرج بدليل منهم ، وقليل ما هم. فلا غرو إذن في أن تشمئز من ذكرها النفوس وتقشعر الابدان.

والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي بشّر بمهدي أهل البيت عليهم‌السلام حذّر أُمته من الامويين ، بأنهم ليسوا من خلفاء هذه الأمة ، وإنما هم من الملوك ، وأن ملكهم عضوض كسروي (١).

وقد رآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه ، وهم ينزون على منبره الشريف نزو القردة فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكاً حتى فارق الحياة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنزل الله تعالى في ذلك ( وما جعلنا الرّويا الّتي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) (٢) أي : بنو أميه (٣).

____________

١ ـ كما في حديث سفينة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسند أحمد ٦ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ٢١٤١٢ و ٢١٤١٦ و ٢١٤٢١ ، والطبعة القديمة ٥ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وسنن أبي داود ٤ : ٢١٠ / ٤٦٤٦ ـ ٤٦٤٧ ، باب الخلفاء من كتاب السنة ، ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٦ / ٤٦٩٧ والطبعة القديمة ٣ : ١٤٥ ، وحديث أبي هريرة في المستدرك ٣ : ٧٥ / ٤٤٤٠ ، والطبعة القديمة٣ : ٧٢.

٢ ـ سورة الإسراء : ١٧ / ٦٠.

٣ ـ راجع : الكشف والبيان ( تفسير الثعلبي ) ٦ : ١١١ ، والتفسير الكبير / الفخر الرازي مج ١٠ ج ٢٠ ص ٢٣٨ ، والدر المنثور / السيوطي ٥ : ٣١٠ ، وكذلك : تفسير القمي ١ : ٤١١ ـ ٤١٢ وتفسير العياشي ٣ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٢٥٣٧ و ٢٥٣٩ و ٢٥٤٣ ، ومجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٥٤٨ ؛ كلهم في تفسير الآية ( ٦٠ ) من سورة الإسراء. وقد روى ذلك الحاكم النيسابوري في مستدركه بسنده عن أبي هريرة

٢٠٨

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في بني أميه : إنهم « يرودّون الناس عن الإسلام القهقرى » ، أو : « يردّون الناس على أعقابهم القهقرى » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا بلغت بنو أميه أربعين رجلاً اتّخذوا عبادالله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وكتاب الله دغلاً » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هلاك هذه الأمة على يدى أغيلمة من قريش ».

أخرجه الحالم ثم قال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحّابته الطاهرين ، والأئمة من التابعين لم يسعني إلاّ ذكرها ، فذكرت بعض ما حضرني ، منها : » (٣).

ثم ذكر جملة من تلك الأحاديث ، ولا بأس بالاشارة السريعة إليها وهي :

١ ـ حديث عبدالرحمن بن عوف قال : « كان لا يولد لأحد مولود إلاّ أتي به الني صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا له ، فأدخل عليه مروان بن الحكم [ جدّ عمر بن

____________

مرفوعاً ، وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » واعترف الذهبي في خلاصة المستدرك بأنه صحيح على شرط مسلم. راجع مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٧ / ٨٤٨١ ، والطبعة القديمة ( وبذيلها خلاصة الذهبي ) ٤ : ٤٨٠.

١ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٨٥ / ٥٤٣ ، وتفسير العياشي ٣ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٥٤٠ و ١٥٤١ ، ونحوه في اصول الكافي ١ : ٤٢٦ / ٧٣ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ، من كتاب الحجة.

٢ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٥ ـ ٥٢٦ / ٨٤٧٥ ـ ٨٤٧٦ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٧٩.

٣ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٦/ ذيل الحديث رقم ٨٥٧٦ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٧٩.

٢٠٩

عبد العزيز ] فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (١).

٢ ـ وحديث أبيذر ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً ، اتّخذوا مال الله دولاً ، وعبادالله خولا ، ودين الله دغلاً ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (٢) ، وقد أخرج له الحاكم شاهداً من رواية أبي سعيد (٣).

٣ ـ وحديث أبي برزة ، قال : « كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بنو أُميه ، وبنو حنيفة ، وثقيف ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (٤).

٤ ـ وحديث محمد بن زياد ، قال : « لما بايع معاوية لابنه يزيد ، قال مروان : سُنَّة أبي بكر وعمر ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنة هر قل وقيصر ، فقال مروان : أنزل ألله فيك : ( والّذي قال لوالديه أفٍّ لَكُمَا ) (٥).

____________

١ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٦ / ٨٥٧٧ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٧٩.

٢ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ / ٨٤٧٨ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، وقد اعترف الذهبي بصحّته على شرط مسلم.

٣ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٧ / ٨٤٧٩ و ٨٤٨٠ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٨٠.

٤ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٨ / ٨٤٨٢ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، وقد اعترف الذهبي بصحته على شرط البخاري ومسلم معاً.

٥ ـ سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٧.

٢١٠

قال فبلغ عائشة ، فقالت : كذب والله ما هو به ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان قصص من لعنة الله عزّوجلّ ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (١).

وقد أخرج الطبراني عن الإمام الحسن السبط عليه‌السلام قوله لمروان : « فوالله لقد لعنك الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت في صلب أبيك » (٢).

٥ ـ وحديث عمرو بن مرّة الجهني قال : « إن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صوته وكلامه ، فقال : إئذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خَلاق ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وشاهده حديث عبد الله بن الزبير » ، ثم أورد حديث ابن الزبير وفيه : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الحكم وولده » وقال : « هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. » (٣).

ومن مقارنة هذا الشاهد بحديث عمرو بن مرّة الجهني ، يتقوّى احتمال

____________

١ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٨ / ٨٤٨٣ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٨١.

٢ ـ المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٨٥ / ٢٧٤٠.

٣ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩ / ٨٤٨٥ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٨١ ـ ٤٨٢ ، وقال الحاكم في ذيل الحديث : « ليعلم طالب العلم إن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي ، وإن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم ، ولم يسعني فيما بيني وبين الله أن أخلى الكتاب من ذكرهم ».

٢١١

زيادة عبارة ( إلاّ المؤمن منهم ، وقليل ما هم ) على حديث الجهني ، خصوصاً ومن لعن بني أميه قاطبة قد صحّ من طرقنا ، فلاحظ.

هذا وقد روى الحاكم ـ في مكان آخر ـ عن أبي سعيد الخدري ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من امتي قتلاً وتشريداً ، وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضاً : بنو أُمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (١).

وحين أخذ مروان به الحكم أسيراً يوم الجمل ، وخلّى سبيله أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فقيل له : « يبايعك يا أمير المؤمنين »؟ فقال عليه‌السلام : « أو لم يبايعتي بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه لغدر بسُبّته ، أمٍا إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبُش الأربعة [ يعني : الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام ] وستلقى الأمة منه ومن وُلْدِهِ يوماً أحمر » (٢).

وقد وصف أمير المؤمنين على عليه‌السلام فتنتهم بقوله عليه‌السلام :

« .. ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميه فانها فتنة عمياء مظلمة .. وأيم الله لتجدن بني أميه لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس .. لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلاّ نافعاً لهم أو غير ضائرٍ بهم ، ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ كانتصار العبد من ربّه ، والصاحب من مستصحبه ، ترد عليكم فتنتهم

____________

١ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٣٤ / ٨٥٠٠ ، والطبعة القديمة ٤ : ٤٨٧.

٢ ـ نهج البلاغة : ١٠٩ ، رقم / ٧٣ ، ( من كلام له عليه‌السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة ).

٢١٢

شوهاء مخشيّة ، وقطعاً جاهليّةً ، ليس فيها منار هدى ، ولا علم يُرى » (١).

ونتيجة لهذه الأحاديث وغيرها ممالم نذكره وهو كثير جداً في مثالب بني أميه جميعاً ، صار العالمون بها ، والمطّلعون على سيرة بني أميه أول كافر بمهدوية عمر بن العزيز عند لحظة انطلاقتها من على أفواه الكذّابين والمجرمين.

جدير بالذكر من ابن المبارك ( ت / ١٨١ هـ ) ، وهو كما يقول المزي : « أحد الائمّة الأعلام ، وحفّاظ الإسلام » (٢) يرى أن معاوية ـ على جرائمة الكبرى ، وموبقاته التي لا أول لها ولا آخر ـ أفضل من عمر بن عبدالعزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأُموي المرواني (٣).

وكان هناك من : « يفسّق عمر بن عبد العزيز ، ويستهزئ به ، ويكفّره » (٤).

فيكون عمر مع هذا هو المهدي؟!

سابعاً ـ موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من تلك المهدوية :

بعد اتضاح موقف القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة من الأمويين والمروانيين ، ودولتهم ( الشجرة الملعونة ) ، وما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام في

____________

١ ـ نهج البلاغة : ١٧٢ خطبة رقم / ٩٣ ( في التنبيه على فضله وعلمه عليه‌السلام ، مع بيان فتنة بني أميه وانحراف دولتهم ).

٢ ـ تهذيب الكمال ١٦ : ٦ / ٣٥٢٠.

٣ ـ راجع : الشريعة / الآجري ٣ : ٥٢٠ / ٢٠١٢. الأثر رقم / ٧١٣.

٤ ـ راجع : شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلي ٢٠ : ٣٢.

٢١٣

فتنتهم وانحرافهم ؛ فماذا يتوقع بعد هذا إذن أن يقوله الإمام الصادق عليه‌السلام في تلك الدولة الخبيثة المنحرفة من رأسها إلى أساسها؟

روى سفيان بن عيينة عن الإمام الصادق عليه‌السلام بأن بني أميه لم يطلقوا تعليم الشرك للناس ؛ لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه (١).

وروى الحكم بن سالم ، عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله ، وقالوا : كذب الله! قاتل أبو سفيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقاتل معاوية بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن على عليه‌السلام ، والسفياني يقاتل القائم عليه‌السلام » (٢).

واما من اغتر بماورد في سيرة عمر بن عبدالعزيز من رد المظالم وأشباهها كارجاع فدك إلى بني فاطمة عليها‌السلام ووصفهم له بالعدالة!!

فجوابه ما ذكرناه في أول رد هذه المقولة ، بأنه استلم السطلة من الشجرة الملعونة ، ومقتضى العدلّ من يتنحى عنها ولا يتقدم ـ بنص الحديث الصحيح ـ على قوم نهي من التقدم عليهم ، أو على الاقلّ أن يرجعها إليهم بعد وفاته لا أن يرجعها إلى تلك الشجرة الخبيثة التي اجتثت فما لها من قرار.

وما قيمة رد المظالم في قبال اغتصاب الحق الأكبر؟!

__________________

١ ـ أصول الكافي : ٢ : ٤١٥ ـ ٤١٦ / ١ ، كتاب الايمان والكفر.

٢ ـ معاني االأخبار / الصدوق : ٣٤٦ / ١ ، باب معنى قول الصادق عليه‌السلام ، إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله عزّوجلّ.

٢١٤

سأل عبد الأعلى مولى آل سام أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام بقوله : قلت له : ( قل اللهمّ مالك الملك توتي الملك من ّتشاء وتنزع الملك ممن تشاءُ ) (١) أليس قد أتى الله عزّوجلّ بني أميه الملك؟

قال عليه‌السلام : ليس حيث تذهب إليه ، إن الله عزّوجلّ أتانا الملك وأخذته بنو أميه ، بمنزلة الرجل يكون له الثّوب فيأخذه الآخر ، فليس هو للذي أخذه » (٢).

ومن هنا لم يتعرض إمامنا الصادق عليه‌السلام إلى إبطال مهدوية عمر بن عبد العزيز بصورة مباشرة ، لعلم الأمة كلها بذلك ، وإنما نبّه الأمة على جرائم بني أميه ، ولم يستثن أحداً منهم قط ، كما هو شأن الأحاديث السابقة في مثالبهم ، مبيناً عليه‌السلام ما يكفي لدحض كل دعوى زائفة بهذا الشأن سواء التي عاصرها أو التي جائت بعد حين ، وذلك عن طريق تصريحه تارة بأن المهدي عليه‌السلام لم يولد بعد ، وأخرى بأنه من ذريّة الحسين عليه‌السلام ، وثالثة ببيان هويته الكاملة كما لاحظنا ذلك في الفصول السابقة مما لم يبق ـ بهذا ـ مجالاً لاستمرار أية حجة للتمسك بأمثال تلك الدعاوى الباطلة ، وغيرها من دعاوى المهدوية الزائفة كما سنرى.

__________________

١ ـ سورة آل عمران : ٣ / ٢٦.

٢ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٢٢ / ٣٨٩.

٢١٥

الفصل الثالث

شبهة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني

أولاًً ـ منشأ هذه الشبهة وتداعياتها :

اختلطت الأهداف الجهادية بالسياسة المحضة وراء انطلاق إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المحض ، بن الحسن السبط عليه‌السلام ، وذلك في اجتماع الأبواء في أواخر العصر الاموي ، و الذي ضمّ وجوه بني هاشم من الحسنيين والزيديين وبني العباس ، بهدف تنظيم صفوفهم ، والبيعة إلى واحد منهم ، ودعوة الناس إلى نصرنه ؛ للاطاحة بالحكم الأموي الذي أهلك الحرث والنسل ، وعاث في الأرض فساداً. وقد شجّعهم على ذلك الثورات العلوية السابقة المتلاحقة التي أنهكت حكم الطاغوت ، ولاح لهم في الأفق أنه بات يعدّ أيامه الأخيرة ؛ ليذهب وشيكاً في مزابل التاريخ بلا رجعة.

وقد تمخّض اجتماع الهاشميين عن بيعتهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن المحض ، ولقّب بالمهدي ؛ ليقوم بدور القائد الملبي لطموح الأمة في القضاء على البغي والعدوان ، وإشاعة العدلّ والمساواة وبين الناس. وقد اختاروا شعار « الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » لانطلق دعوتهم ؛ لأنه الشعار الذي

٢١٦

يضمن عدم استبداد أيّ من الهاشميين على حساب بني عمومتهم ، ويمثّل المساواة بين الاطراف المتنازعة على السلطة المرتقب ممن حضر اجتماع الأبواء.

ولكن سرعان ما التفّ العباسيون بدهاء على ثمار تلك الدعوة التي أتت أكلها بقتل مروان الحمار آخر طغاة الامويين سنة ( ١٣٢ / هـ ) فاستفردوا بالسلطة ، وصاروا حربا شعواء على العلويين بأشدّ أما كان عليه حالهم أيام دولة الطلقاء.

وهكذا تحقّقت نبوءة الإمام الصادق عليه‌السلام بشأن بني الحسن في ذلك الاجتماع كما سنرى ، إلاّ من القائد المنكوب محمد بن عبد الله لم يقدر على تحمّل الصدمة ، فاخذ يعدّ العدة في الخفاء للثار من العباسيين الذين استحوذوا على السلطة ونكثوا بيعته ، وبقي هكذا إلى أن استخلف المنصور الدوانيقي بعد هلاك أخيه السفاح ( ١٣٢ ـ ١٣٦ هـ ) ، فكان همّه معرفة أمر محمد وأخيه إبراهيم ابني عبد الله بن الحسن اللذين اختفايا عنه ، ولم يقف أحد من عيونه على أثر لهما في أي مكان ، وزاد من تخوّفه ان ابن عمّهما الحسن بن زيد بن الحسن قد حرّضه على محمد قائلا : « والله ما آمن وثوبه عليك ، فإنه لا ينام عنك » ولهذا كان موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك : « اللهم اطلب الحسن بن زيد بدمائنا » (١) الأمر الذي حمل المنصور على سجن أبيه عبد الله بن الحسن وأخوته وأعمّامه وبني عمومته في المدينة المنورة عند مروره بها حاجاً سنة ( ١٤٤ / هـ ) ، ثم ساقهم عند عودته من

__________________

١ ـ الكامل في الأثير / ابن الأثير ٥ : ١٣٧ ـ ١٣٨ في حوادث سنة / ١٤٤ هـ.

٢١٧

المدينة إلى الربذة مصفّدين بالأغلال ، ومنها إلى طوامير العراق في الهاشمية عاصمة أخيه السفّاح. وهنا اضطّر القائد المنكوب إلى ارسال أخيه إبراهيم إلى البصرة ، وعجّل هو بظهوره في المدينة ليختار الموت على الحياة ، ويلحق بموكب الشهداء من بني الحسن السبط عليه‌السلام.

وبهذا كانت نهايته صريعاً على أحجار الزيت ، كما كانت نهاية أخيه إبراهيم بباخمرا ، وحينما أدركت فلول أنصارهما المنهزمة زيف تلك المهدوية ، وعلمت البقية الباقية من بني الحسن وغير هم صدق ما قاله الإمام عليه‌السلام من قبل في اجتماع الأبواء وغيره.

ترى ، فمن كان وراء إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني التي جرّت الويلات على الحسنيين؟ حتى حمّ لنكبتهم الإمام الصادق عليه‌السلام زهاء عشرين يوماً وخيف عليه (١).

لا شكّ من وراءها اصناف من الناس اشتركت كلها في تلك الاشاعة ، ويأتي في طليعتهم عبد الله بن الحسن ، إذ كان يشيع بين آونة واخرى من ابنه محمد هو المهدي المبشّر بظهوره في آخر الزمان ، وهو الرجل الوحيد الذي جاءت به الرواية ، وكان يحلف بالله تعالى على ذلك!

قال ابن أخي الزهري : « تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن ، فتذاكرنا المهدي ، فقال عبد الله بن حسن : المهدي من ولد الحسن بن على [ عليهما‌السلام ] ، فقلت : يأبى ذلك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله : المهدي والله

__________________

١ ـ اصول الكافي ١ : ٣٦١ / ١٧ ، باب ما يُفصل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل في أمر الإمامة ، من كتاب الحجة.

٢١٨

من ولد الحسن بن على [ عليهما‌السلام ] ، ثم من ولدي خاصة » (١).

هذا فضلاً عن اقواله الكثيرة الأخرى في مهدوية ابنه محمد (٢) ، وهكذا اغترّت العامة بكلامه ، وخدع حتى الفقهاء بها لمنزلة قائلها ، وفضله ، وشرفه ، ونسبه الكريم ؛ من أمثال الفقيه عبد الله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسوّر بن مخرمة الزهري ، الذي ندم على اعتقاده بمهدوية محمد هذا بعد مقتله ، حيث استدعاه جعفر بن سليمان العباسي والي المدينة وقال له : « ما حملك على الخروج مع محمد على ما أنت عليه من العلم والفقه؟ قال : ما خرجت معه وأنا أشك في أنه المهدي ؛ لما روي لنا في أمره ، فما زلت أرى أنه هو ، حتى رأيته مقتولاً ، ولا اغتررت بأحد بعده » (٣).

ولهذا قال الذهبي في ترجمة هذا الرجل : « له فضل ، وشرف ، ومروءة ، وله هفوة. نهض مع محمد بن عبد الله بن حسن وظنّه المهدي ثم أنه ندم فيما بعد ، وقال لا غرّني أحد بعده » (٥).

وكذلك الحال مع الفقيه المدني محمد بن عجلان الذي « شبّه عليه وظن منه المهدي الذي جاءت به الرواية » (٥).

__________________

١ ـ تهذيب الكمال ٢٥ : ٤٦٨ / ٥٣٣٨ في ترجمة محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى.

٢ ـ سنشير لها لاحقاً في بيان دور الإمام الصادق عليه‌السلام في إبطال تلك المهدوية ، فلاحظ.

٣ ـ مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصبهاني : ٢٥٦.

٤ ـ سير أعلام النبلاء / الذهبي ٧ : ٣٢٩ / ١١٤.

٥ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٥٤ ، وانظر : تاريخ الطبري ٧ : ٥٩٩ في حوادث سنة ١٤٥ هـ ، وتهذيب الكمال ٢٥ : ٤٦٩ / ٥٣٣٨.

٢١٩

كما خرج مع محمد : عبد الله بن يزيد بن هرمز الفقيه المدني المشهور (١) ، وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري ، وقال الذهبي : « وكان سفيان الثوري ينقم عليه خروجه مع محمد بن عبد الله بن الحسن. وكان من فقهاء المدينة » (٢) ، كما ان مالك بن أنس حين استُفتي في الخروج مع محمد بن عبد الله ، وقيل له : إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر؟ فقال : « إنما بايعتم مكرهين ، وليس على مكره يمين ، فأسرع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته » (٣) ، كما كان أبو حنيفة يجاهر في أمر إبراهيم ، ويأمر بالخروج معه (٤) ، وكان شعبة بن الحجاج كذلك (٥) وهؤلاء الثلاثة : مالك ، وأبو حنيفة ، وشعبة لم يعتقدوا بمهدوية محمد ، وإلاّ لما اكتفوا بحدود الإفتاء كما هو ظاهر.

ومهما يكن ، فإن اعتقاد بعض الفقهاء بمهدويته ، وخروج بعضهم معه ، وافتاء آخرين لصالح دعوته ، كل ذلك أدّى إلى شيوع القول بمهدويته بين عامة الناس من أهل المدينة ، ويكفي أن انخدع أهل بيته الحسنيّون ، قال أبو الفرج : « وكان أهل بيته يسمّونه المهدي ، ويتصورون أنه الذي جاءت

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٥٩٩.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٧ : ٢١ / ٤ ، في ترجمة عبد الحميد بن جعفر.

٣ ـ تاريخ الطبري ٧ : ٥٦٠ ، والكامل في التاريخ ٥ : ١٤٩ ، والبداية والنهاية / ابن كثير ١٠ : ٨٤ ؛ كلهم في حوادث سنة / ١٤٥ هـ ، وعمدة الطالب : ١٠٥ ، في اخبار محمد ذي النفس الزكية.

٤ ـ مرآة الجنان / اليافعي ١ : ٢٣٥ في حوادث سنة / ١٤٥ هـ.

٥ ـ المصابيح / أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني : ٤٥٣/ ٢٤.

٢٢٠