غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

الإمام المهدي عليه‌السلام وهويته ، وإلاّ كيف يأتي الأمر بتصديقه ، وطاعته ، وهو لم يعرف بعد؟! بل كيف يتواتر النهي عن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم في عدم إنكار غيبته ، وهو لم يولد بعد؟!

ثانياًً ـ وجوب الثّبات على الولاية في زمن الغيبة :

قام أهل البيت عليهم‌السلام بتأسيس القواعد المتينة في علاج ما يعترض الأمة من عقبات تقف حيال المبادئ الإسلامية التي آمنوا بها وضّحوا من أجلها.

وقد كان إمامنا الصادق عليه‌السلام حريصاً على مستقبل التشيّع بإزاء ما يراه من تلبّد الافق الإسلامي بالرياح الصفراء التي تحاول العبث بكل شيء لتغطّيه بغبارها الكثيف ، ذلك المستقبل الذي يمثّل إرادة السماء ، وطموع الرسالة ، في بقاء ثلّة على الحقّ لا يضرّها من ناوأها حتّى يأتي الله بأمره ، ثلّة خيّره تكمّل مسيرة طلائع التشيّع الذين لم تثنهم عن الحق اعتى العواصف وأقسى همجية الجاهلية الاولى ، من أمثال : سلمان ، وعمار ، وأبي ذرّ ، وأضرابهم رضي الله تعالى عنهم.

مستقبل لا حياة فيه بغير التمسّك بعرى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاستماتة من أجل بقاء نهجهم محفوراً في قلوب الاتباع ، خالداً في ضمير الزمن.

وفي هذه الفقره ما يشير إلى الخطوات التي أمر الإمام الصادق عليه‌السلام باتخاذها كضمانات أكيدة في ديمومة مستقبل التشيّع بعده ، خصوصاًً في صورة اختفاء الإمام عليه‌السلام ، سواء كان ذلك بحبس من السلطات الغاشمة كما

١٤١

حصل مع ولده الإمام الكاظم عليه‌السلام ، أو بغير ذلك من وسائل الضغظ والتعسّف كما حصل لبقية الائمة عليهم‌السلام ، أو بغيبة كما هو الحال مع الإمام المهدي عليه‌السلام.

فالأحاديث الآتية إذن هي أعمّ من اختصاصها بإمام أعين ، وانّما هي قاعدة عامّة يمكن للقواعد الشيعية تطبيقها على موردها كلما ضاق الخناق في زمانهم على واحد من الائمة الستة من ولد الإمام الصادق عليه‌السلام ، وإن كان بعضها صريحاً في خصوص الإمام السادس من ولد الإمام الصادق عليه‌السلام ثاني عشر الائمة الهداة الميامين : المهدي أرواحنا فداه.

ومن تلك الأحاديث الشريفة :

١ ـ عن عبد الله بن سنان ، قال : « دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدىً ولا علماً يُرى ، لا ينجو منها إلاّ من دعا دعاء الغريق ، فقال له أبي : إذا وقع هذا ليلاً فكيف نصنع؟ فقال : أما أنت فلا تدركه ، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر » (١).

٢ ـ وعن منصور الصيقل قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا أصبحت وأمسيت يوماً لا ترى فيه أوصياء من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاجبب من كنت تحب ، وابغض من كنت تبغض ، ووال من كنت توالي ، وانتظر الفرج

__________________

١ ـ إكمال الدين : ٢ : ٣٤٨/٣٤٩/٤٠ باب ٣٣ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٥٩/٤ باب ١٠.

١٤٢

صباحاً ومساءً » (١).

٣ ـ وعن أبان بن تغلب قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة ، يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحيّة في جحرها .. فبينما هم كذلك ، إذا أطلع الله عزّوجلّ لهم نجمهم ، قال : قلت : وما السبطة؟ قال : الفترة والغيبة لإمامكم! قال : قلت : فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال : كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم » (٢).

٤ ـ وعن زرارة قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم » (٣).

٥ ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية » (٤).

٦ ـ وعن يمان التمّار قال : « كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام جلوسا فقال لنا : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد ـ ثم فقال هكذا بيده ـ فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق ملياً ، ثم قال : إنّ

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٥٨ / ٣ باب ١٠ ، واصول الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٨ باب الغيبة.

٢ ـ اكمال الدين : ٣٤٩ / ٤١ باب ٣١ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٥٩ / ٦ باب ١٠.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٠ / ٤٤ باب ٣٣.

٤ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٨ / ٥٥ باب ٣٣ ، ومعاني الأخبار / الشيخ الصدوق : ١١٢ / ١ باب معنى طوبى.

١٤٣

لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتّقِ الله عبدٌ وليتمسّك بدينه » (١).

ثالثاًً ـ التأكيد على انتظار الإمام الغائب عليه‌السلام في غيبته :

يُعدّ الانتظار في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام من الوظائف الاساسية في عصر الغيبة ، وقد نبّه الإمام الصادق عليه‌السلام على هذه الوظيفة الكفيلة ببناء الفرد بناء إسلاميا صحيحاً ، فضلاً عن كونها عبادة.

فقد أحرج الترمذي والطبراني عن عبد الله ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجلّ يُحبُّ من يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج » (٢).

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى ، عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣) ، وزين العابدين عليه‌السلام (٤) ، وكذلك عن ابن مسعود (٥) ،

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ١ باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٦٩ / ١١ باب ١٠ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤٣ / ٢٥ باب ٣٣ ، واثبات الوصية / المسعودي : ٢٦٧ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٥ / ٤٦٥ ، والقتاد : شجر صلب ، شوكه كالابر. وخرط القتاد : مثل يضرب عند ارتكاب صعائب الامور.

٢ ـ سنن الترمذي ٥ : ٥٦٥ / ٣٥٧١ باب ١١٦ ، والمعجم الكبير / الطبراني ١٠ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ١٠٠٨٨.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٢٨٧. ٦ باب ٢٥ ، والجامع الصغير / السيوطي : ٤١٧ / ٢٧١٩ عن ابن عساكر وابن أبي الدنيا.

٤ ـ امالى الشيخ الطوسي : ٤٠٥ / ٩٠٧ مجلس رقم / ١٤.

٥ ـ مجمع البيان / الطبرسي ٣ : ٤٠.

١٤٤

وأنس (١) ، وابن عبّاس (٢) ، وابن عمر (٣).

ومن هنا قام الإمام الصادق عليه‌السلام ببيان صفات وواجبات المنتظر للإمام المهدي عليه‌السلام ، مسلّطاً الضوء على آثار الانتظار وفوائده ، محثّاً عليه ، مبشراً المنتظرين لظهوره عليه‌السلام بأنهم من الاولياء الصاحين ، والقدوة الربانيين. ونحو هذا من الأمور الاخرى التي يمكن عرضها ـ من خلال احاديثه عليه‌السلام ـ بالصورة الآتية :

١ ـ توقف قبول العمل على الانتظار :

عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزّوجلّ من العباد عملاً إلاّ به؟ ، فقلت : بلى ، فقال عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، والاقرار بما أمر الله ، والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ، والورع والاجتهاد ، والانتظار للقائم عليه‌السلام ... » (٤).

ويمكن التماس الدليل على صحة توقف العمل على انتظار الفرج من القرآن الكريم في عَدِّهِ اليأس من رَوْح الله صفة للكافرين ، كما في قوله تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) (٥) ، وقال بشمن الكافرين : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل

__________________

١ ـ تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

٢ ـ تلخيص المتشابه بالرسم / الخطيب البغدادي ١ : ٢٨٨ ، ومسند الشهاب ١ : ٦٢ / ٤٦.

٣ ـ أمالي الشجري ١ : ٢٢٨ ، ومسند الشهاب ١ : ٦٣ / ٤٧.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٠ / ١٦ باب ١١.

٥ ـ سورة يوسف : ١٢ / ٨٧.

١٤٥

فجعلناهُ هناءً منثورا ) (١).

٢ ـ وصف المنتظرين بأنهم من الأولياء :

عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : ( يَوم يأتِي بعضُ آياتِ رَبِّكَ لا ينفعُ نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) (٢) قال عليه‌السلام : « يعنى : خروج القائم المنتظر منّا ، ثم قال : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطعين له في ظهوره ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » (٣).

٣ ـ منزلة المنتظر لإمام الزمان عليه‌السلام :

عن العلاء بن سيابة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « من مات منكم على هذا الأمر منتظرا ، كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه‌السلام » (٤).

وعن الفيض بن المختار ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان هو مع القائم في فسطاطه ، قال : ثم مكث هنيهة ، ثم قال : بل كمن قارع معه بسيفه ، ثم قال : لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٥).

__________________

١ ـ سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٣.

٢ ـ سورة الأنعام : ٦ / ١٥٨.

٣ ـ إكمال الدين : ٢ : ٣٥٧ / ٥٤ باب ٣٣ ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ٢٣٨ / ١٠ باب ٢٧١.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٠ / ١٥ باب ١١.

٥ ـ المحاسن / البرقي : ١٥٠ / ١٥١ باب ٣٨.

١٤٦

وعن إبراهيم الكوفي ، عن الصادق عليه‌السلام : « .. المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يذبّ عنه » (١).

٤ ـ ما يجب أن يتحلّى به المنتظر وبيان أجر انتظاره :

عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، قال عليه‌السلام : « من سره من يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا ... » (٢).

ومن الصفات الاخرى التي ينبغي على المنتظر التحلي بها ، صفة التديّن ، والابتعاد عن المعاصي والآثام بحيث يراعي تقوى الله تعالى دائماً ، ويرشدنا إلى هذا ، حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : « ... إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه » (٣).

٥ ـ توجّع المنتظر وحزنه وبكاؤه على المهدي عليه‌السلام في غيبته :

عن سدير الصيرفي ، قال : « دخلت أنا ، والمفضّل بن عمر ، وأبو بصير ، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب ، مقصّر الكميّن ،

__________________

١ ـ إكمال الدين : ٢ : ٦٤٧ / ٨ باب ٥٥.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٠٠ / ١٦ باب ١١.

٣ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ١ باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٦٩ / ١١ باب ١٠ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤٣ / ٢٥ باب ٣٣ ، واثبات الوصية / المسعودي : ٢٦٧ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٥ / ٤٦٥.

١٤٧

وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عأرضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول :

سيدي! غيبتك نفت رُقادي ، وضيّقت عليّ مِهادي ، وابتزّت مني راحة فؤادي ، سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ... » (١).

٦ ـ النهي عن قسوة القلوب في فترة الانتظار :

أخرج الصدوق عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « نزلت هذه الآية في القائم عليه‌السلام : ( ولا يكونوا كالذينَ أوتوا الكتابَ من قبلُ فطالَ عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) (٢) » (٣).

ويوضح المعنى المذكور ، ما أخرجه النعماني في كتاب الغيبة ، عن أحمد ابن الحسن الميثمي ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : « سمعته يقول : نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد : ( ولا يكونوا كالذينَ اوتوا الكتابَ من قبلُ فطال عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) في أهل زمان الغيبة ، ثم قال عزّوجلّ : ( اعلموا من اللهَ يحيى الأرضَ بعدَ موتها قد بيّنّا لكم الآيات لعلّكم تعقلون ) (٤) وقال : إنّما الأمد أمد الغيبة » (٥).

__________________

١ ـ اكمال الدين ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٧ / ٥٠ باب ٣٣ ، وينابيع المودّة / القندوزي الحنفي ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٢ باب ٨٠.

٢ ـ سورة الحديد : ٥٧ / ١٦.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٦٨ / ١٢ باب ٥٨.

٤ ـ سورة الحديد : ٥٧ / ١٧.

٥ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤ / من مقدمة المؤلف ، وتأويل الآيات / الاستر آبادي ٢ : ٦٦٢ / ١٤ ، عن الشيخ المفيد.

١٤٨

ثم قال الشيخ النعماني معلّقا على هذا الحديث ـ : « فإنه أراد عزّوجلّ : يا امّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يا معشر الشيعة ، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد. فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة » (١).

٧ ـ تهيئة وسائل القوة في فترة الانتظار :

والمطلوب من المنتظر أن يعيش حالة التأهّب التامّ والاستعداد الكامل لنصرة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وما يتطلب ذلك من الاعداد النفسي والمادي معاً بحيث ، يكون كالجندي الذي ينتظر قائده لخوض معركه حاسمة فاصلة. وإلى هذا المعنى يشير حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : « ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً ... » (٢).

٨ ـ ضرورة اعطاء العهد والبيعة للإمام المهدي عليه‌السلام في غيبته :

ويدلّ عليه دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وهو دعاء عظيم في بابه ، وقد جاء فيه قوله عليه‌السلام : « اللهمّّ إنّي أجدد له ـ أي : للمهدي عليه‌السلام ـ يومي هذا ، وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول أبداً ... » (٣).

٩ ـ طلب الرجعة في الدعاء في حال الموت قبل ظهوره عليه‌السلام :

كما في دعاء العهد أيضاًًً ، من قوله عليه‌السلام : « اللهمّ إن حال بيني وبينه

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤ من المقدمة ( في ذيل الحديث المذكور ).

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٣٢٠ / ١٠ باب ٢١.

٣ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٤٩

الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً ، فاخرجنى من قبري مؤتزراً كفني ، شاهراً سيفي ، مجرّداً قناتي ، ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي .. ».

١٠ ـ الإكثار من الدعاء في فترة الانتظار :

والادعية الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام في هذا كثيرة جداً ، وفيها تنوع رائع من الدعاء يطلّ الداعي من خلاله على عالم فسيح ، وينفتح على حياة أخرى ملؤها التوحيد ، والعبودية الخالصة لله ، والذوبان في مناجاته سبحانه ، والاخلاص لدينه ، والمحبّة والانقياد لرسله وأوليائه عليهم‌السلام.

وفي أدعية الإمام الصادق عليه‌السلام تجسيد حيّ لهذه المعاني كلها ؛ وفيما يأتي صورة مختصرة لما تضمنته بعض أدعيته الشريفة في هذا الخصوص :

أ ـ الدعاء بالثبات على الدين في زمان الغيبة :

عن عبد الله بن سنان ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « ستصيبكم شبهة ، فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق ، قال : يقول يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك .. » (١). ومن الواضح من هذا الدعاء أعمّ من حصره بزمان حبس الإمام الكاظم عليه‌السلام وانقطاعه عن قواعده الشعبية ، بل يشمل أهل زمان الغيبة أيضاًًً.

ب ـ الدعاء بطلب المعرفة المنجية من الضلال :

ويدلّ عليه حديث زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وفيه : « ... فقلت

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ / ٤٩ باب ٣٣.

١٥٠

وما تأمرني لو ادركت ذلك الزمان؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني نبيّك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) » (١).

ج ـ الدعاء المعبر عن الشوق والمحبة للإمام المهدي عليه‌السلام :

ومن آداب دعاء المنتظر للفرج في زمان الغيبة من يجعل من الدعاء وسيلة معبرة عن حبّه وشوقه للإمام المهدي عليه‌السلام ، وذلك باهداء التحية والسّلام العاطر له عليه‌السلام ، كما في دعاء الإمام الصادق عليه‌السلام :

« بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان ، من مشارق الأرض ومغاربها ، سهلها وجبلها ، عنّي وعن والديّ وعن ولدي وأخواني ، التحية والسّلام ، عدد خلق الله وزنة عرش الله ، وماأحصاه كتابه ، وأحاط علمه ... » (٢)

وهذا الدعاء هو مقطع من دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٣).

د ـ الدعاء للإمام المهدي عليه‌السلام بتعجيل الفرج :

ويدلّ عليه مارواه عبّادبن محمد المدائني ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، في دعاء

__________________

١ ـ اصول الكافي / الكليني ١ : ٣٤٢ / ٢٩ باب في الغيبة ، و ١ : ٣٣٧ / ٥ من الباب السابق ، واكمال الدين ٢ : ٣٤٢ / ٢٤.

٢ ـ بحار الأنوار ٨٦ : ٦١ / ٦٩ نقله من كتاب اختيار المصباح لابن باقي.

٣ ـ راجع : زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥١

جاء فيه : « ... وانجز لوليّك ، وابن نبيك ـ الداعي إليك بإذنك ، وأمينك في خلقك ، وعينك في عبادك ، وحجّتك على خلقك ، عليه صلواتك وبركاتك ـ وعده.اللهم أيّده بنصرك ، وعجّل فرجه ، وأمكنه عن أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين.

قال ، قلت : أليس قد دعوت لنفسك جُعلت فداك؟

قال عليه‌السلام : قد دعوت لنور آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم ... » (١).

ومنه أيضاًً ما رواه حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد دخلت عليه الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان المبارك.

وقد روى لنا حمّاد ما فعله الإمام الصادق عليه‌السلام من عبادات في تلك الليلة الشريفة ، ومنها دعاء الإمام عليه‌السلام في سجوده : « لا إله إلاّ انت مقلّب القلوب والابصار ـ إلى من قال عليه‌السلام ـ وأسالك بجميع ما سألتك ومالم أسألك من عظيم جلالك ما لو علمته لسألتك به ، أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك ، وبه تبيد الظالمين وتهلكهم ، عجّل ذلك يا ربّ العالمين.

قال : فلمّا رفع رأسه عليه‌السلام ، قلت جعلت فداك سمعتك وأنت تدعو بفرج من بفرجه فرج أصفيا الله واوليائه ، أولست أنت هو؟ قال : عليه‌السلام : لا ، ذاك قائم آل محمد عليهم‌السلام » (٢).

__________________

١ ـ فلاح السائل / السيد بن طاوس : ٣٠٩ / ٢٠٩.

٢ ـ اقبال الاعمّال / السيد ابن طاوس : ٤٩٠ ـ ٤٩٢ في أدعية اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان.

١٥٢
هـ ـ الدعاء للمهدي بكل خير وتمني رؤيته عليه‌السلام :

كما في دعاء العهد ، من قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « اللهم أرني الطلعة الرشيدة ، والغرّة الحميدة ، وأكحل ناظريّ بنظرة مني إليه ، وعجّل فرجه وسهّل مخرجه ، واوسع منهجه ، واسلك بي محجّته ، وانفذ أمره ، واشدد أزره ، وقوّ ظهره ، وعمّر اللهم به بلادك ، وأحيي به عادك ، فإنّك قلت وقولك الحقّ ( ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ) (١).

فاظهر اللهم لنا وليك ، وابن وليك ، وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك صلواتك عليه وآله في الدنيا والآخرة ، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلاّ مزّقه ، ويحقّ الحق ويحقّقه ، واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لايجد له ناصراً غيرك ، ومجدّداً لما عُطّل من أحكام كتابك ، ومشيّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله . واجعله اللهم ممن حصّنته من بأس المعتدين.

اللهم وسرّ نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله برؤيته ، ومن تبعه على دعوته ، وارحم استكانتنا بعده.

اللهم اكشف هذه الغمّة عن هذه الأمة بحضوره ، وعجّل لنا ظهوره ( إنّهم يرونهُ بعيداً ، ونراهُ قريباً ) (٢) برحمتك يا أرحم الراحمين » (٣).

__________________

١ ـ سورة الروم : ٣٠ / ٤١.

٢ ـ سورة المعارج : ٧٠ / ٦ ـ ٧.

٣ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥٣
و ـ الدعاء لنيل شرف خدمة الإمام المهدي عليه‌السلام ونصرته :

كما في دعاء العهد الشريف المروي عن الصادق عليه‌السلام : « .. اللهم اجعلنى من أنصاره ، وأعوانه ، والذابين عنه ، والمسارعين في قضاء حوائجه ، والتابعين إلى إرادته ، والمستشهدين بين يديه .. » (١).

ومن الواضح أنّ ما يعنيه التاكيد والحثّ على انتظار الغائب ، هو بقاء الإمام الغائب حياًّ في غيبته كسائر الأحياء ، وفي هذا ما يتضمّن الردّ ـ على من قال كما مرّ في فصول البحث ـ : مات ، أو هلك ، في أيّ وادٍ سلك!

رابعاًً ـ الكشف عن حال الناس في زمان الغيبة لاخذ العِظة والعبرة :

حاول الإمام الصادق عليه‌السلام إزاحة الستار عن الغيب ؛ لينبئ عمّا سيكون بعد أكثر من مائة عام ، وحينئذ لابد ومن يذكر عليه‌السلام شيئاً يتصل بهوية الإمام المهدي عليه‌السلام ؛ لارتباط الأحداث المقبلة بولادته وغيبته عليه‌السلام نظير ضلال أكثر الخلق بغيبته ، وارتياب المبطلين فيها ، وتمييز أهل الضلالة في ذلك الحين لتجنّبهم ، وما سيقوم الجهلاء حينئذ لكي لا يصغى إليهم ، وتأكيد شك المعرضين وأمثالهم بولادته وغيبته ، لئلا تتأثّر الأمة بمدعياتهم ، مع بيان الوسيلة المثلى التي ينبغي مراعاتها بغية الخلاص مما سيقع فيه الكثيرون ، وهي الدعاء الذي ما عبد الله بمثله.

١ ـ عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن

__________________

١ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال : « المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها قسطاًً وعدلاً كما ملئت ظلماًً وجوراًً » (١).

٢ ـ وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ... » (٢).

٣ ـ وعن فرات بن الأحنف ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث عن امير المؤمنين عليه‌السلام جاء فيه : « ... وليبعثنّ الله رجلاًً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم تمييزاً لأهل الضّلالة ، حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من حاجة » (٣).

٤ ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « لابد للغلام من غيبة ، قلت : ولِمَ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ وهو المنتظر ، وهو الذي

__________________

١ ـ اكمال الدين ١ : ٢٨٧ م ٤ باب ٢٥ ، وإعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٢٢٦ الفصل الثاني ، وينبيع المودة ٣ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ / ٤٩ باب ٩٤.

٢ ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٨ باب ١٧٩ ، وإكمال الدين ٢ : ٤٨١ ـ ٤٨٢ / ١١ باب ٤٤ ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي ٢ : ٣٠٣ ، والاحتجاج / الطبرسي ٢ : ٩٥٥ ـ ٩٥٦ ، والصراط المستقيم / البياضي ٢ : ٢٣٧.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٤٠ ـ ١٤١ / ١ باب ١٠.

١٥٥

يشكّ الناس في ولادته ، فمنهم من يقول : حملٌ ، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف ، ومنهم من يقول : ولد قبل موت أبيه بسنتين ، قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهم عرّفني نبيك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيك لم اعرفه قطّ ، اللهم عرّفني حجّتك ، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) ».

وقد سُمع هذا الحديث قبل حلول الغيبة الصغرى بنحو خمسين عاماً ، وقد جاء التصريح بهذا في ذيل الحديث من الكافي (١).

وقد تحقّق هذا الحديث بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، إذ جاء في الخبر الصحيح الثابت من طرق عديدة ما فعله الحاكم العباسي ، وما تنطّع وبه جلاوزته وأعوانه.

وفي الحديث تكذيب صريح لجميع تلك الاقوال حيث لم يكن المهدي عليه‌السلام في ذلك الوقت ( حَمْلاً ) ، بل كان ابن خمس سنين ، كما هو الثابت من تاريخ ولادته المشرّفة.

وفي هذا الحديث أيضاًً رد لمن قال بانّه ولد قبل موت أبيه بسنتين.

وجواب شاف على مزاعم المتخرصين الذين أنكروا ولادته وغيبته وإمامته عليه‌السلام.

__________________

١ ـ أصول الكافي / الكليني ١ : ٣٤٢ / ٢٩ باب في الغيبة.

١٥٦

وتعريف بالمبطلين الذين ارتابوا ، فاتّبعوا الشبهات الواهية ، ويتمسكوا بعرى الدين الوثيقة.

١٥٧

الفصل الرابع

في بيان الإمام الصادق عليه‌السلام علل الغيبة

وما يرافقها من تمحيص واختبار

أولاًًً ـ عُلل الغيبة :

تضمّنت الأحاديث الواردة عن الإمام الصادق في ولده الإمام المهدي عليه‌السلام سؤال بعض الأصحاب عن أسباب الغيبة وعللها ، ومن خلال الإجابة على اسئلتهم يتضح من للغيبة عللا ظاهرة واُخرى لم ينكشف وجهها ، وبالرجوع إلى ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث سواء التي سُئل فيها الإمام عن علة الغيبة ، أو التي جاءت على لسانه الشريف من غير سؤال ، وجدنا العلل الآتية :

العّلة الاُولى ـ الخوف من القتل :

وهذه هي العلة الظاهرة التي أيّدتها الاحاديث التاريخية بكل قوة ؛ إذ تواترت الاخبار على معنى واحد ، خلاصته معرفة السلطة العباسيّة بمن الإمام الثاني عشر عليه‌السلام يمثل الخطر الأكيد على وجودهم ، ومن هنا كانوا يترقبون انتظار ولادته على حذر شديد ، الأمر الّذي يفسر لنا محاولة

١٥٨

الإمام العسكري عليه‌السلام اخفاء ولادة ولده المهدي الموعود عليه‌السلام عن عامة الناس إلاّ الاقرب فالأقرب.

وقد صحّ الخبر ـ ومن طرق شتى ـ بما فعله الحاكم العباسي بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام ورواه الشيعة كلهم ، ويكفي أنه وكل القوابل على نساء الإمام العسكري عليه‌السلام وإمائه بعد وفاته ليفتشهن ، كل ذلك لأجل الفتك بالإمام الثاني عشر عليه‌السلام وإن كان حملاً.!!

فالخوف من القتل كسبب من أسباب الغيبة لا نقاش فيه أصلا من الناحية التاريخية ، ومع هذا فقد جاء الخبر عن إمامنا الصادق عليه‌السلام بذلك قبل حدوثه.

١ ـ عن إبان بن عثمان وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لابد للغلام من غيبة ، فقيل له : ولِمَ يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يخاف القتل » (١).

٢ ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام منه قال : « إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولِمَ؟ قال : إنّه يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه ، يعني : ألقتل » (٢).

وسيأتي عن الإمام الصادق عليه‌السلام ما يبين هذه العلة في الغيبة ، وذلك من خلال تأكيده على من في الإمام المهدي عليه‌السلام سنة من الأنبياء السابقين. ومن جملتها : سنة من موسى خائفا يترقّب والذي حكاه القرآن الكريم على

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ : ٢٤٣ / ١ باب ١٧٩.

٢ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٨ / ٩ و ١ : ٣٤٠ / ١٨ ، و ١ : ٣٤٢ / ٢٩ ، باب في الغيبة.

١٥٩

لسان موسى عليه‌السلام أنه حين ما فرّ من قومه وغاب عنهم زماناً ، ثم عاد ـ بعد حين ـ إليهم ، خاطبهم قائلاً : ( ففررتُ منكم لمَّا خفتكمْ فوهَبَ لي ربِّي حكماً وجعلني من المرسلينَ ) (١).

فكذلك حال إمامنا المهدي ـ أرواحنا فداه ـ فيم سيخاطب به الناس بعد انتهاء أمد غيبته موضحاً لهم علّتها ؛ وقد جاء عن الإمام الصادق عليه‌السلام ما هو صريح بورود هذه العلة على لسان الإمام المهدي عليه‌السلام في ما سيتلوه من كتاب الله تعالى عند ظهوره الشريف.

عن المفضل بن عمر ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قام القائم عليه‌السلام تلا هذه الآية : ( ففررتُ منكم لمّا خفتكم ) » (٢).

العلة الثانية ـ لكي لا تكون في عنق المهدي عليه‌السلام بيعة لأحد :

وهي ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه‌السلام وغيره ، قال : « صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق ؛ لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج » (٣).

ففي هذا الحديث الصريح بخفاء الولادة إشارة إلى أن المهدي عليه‌السلام سوف لن يكون متعبداً بالتقيّة ، وإنّما الفرض عليه إقامة دولة الحق بالسيف ، في حين أن فرض الجهاد ، ومنابذة الاعداء والخروج بالسيف على الظالم ، والقيام بالحرب لم يكن فرض أكثر الأئمة الأطهار من آباء المهدي عليه‌السلام ،

__________________

١ ـ سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧٤ / ١١ باب / ١٠.

٣ ـ اكمال الدين ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ / ١ و ٥ باب ٤٤.

١٦٠