غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

الحديث الواحد في أبواب متعددة من كتابه ، وما ذاك إلاّ علامة على ذلك الغنى المطّرد في دلالة الحديث الواحد على أكثر من موضوع.

ولم تخرج أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام في موضوع الغيبة عن هذه القاعدة ، إذ عادة ما نجد فيها ما يشير إلى اُمور أخرى مهمة ذات صلة ثيقة بالغيبة أو بالكشف عن صاحبها الموعود عليه‌السلام ، ومن هنا جرى تصنيفها على أساس مركزية الدلالة لا على أساس ما تضمنته من عناوين اُخرى هي صالحة بالتأكيد للانطباق على عناوين اخرى من هذا البحث.

وبهذا نعود إلى مكونات الوحدة الموضوعية للغيبة عند إمامنا الصادق عليه‌السلام لنبحثها في الفصول الثلاثة المتبقية من هذا الباب ، كالآتي.

١٢١

الفصل الثاني

تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على

غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وطولها

كان الإمام الصادق عليه‌السلام مدركاً تماماً ماللغيبة من معنى ، إنه اختفاء القائدة فجاة ، الأمر الذي يحتاج معه إلى ترويض العقل الشيعي لقبول هذا الغياب المفاجي الذي لم تشهد مثله الشيعة في تاريخها من قبل ، إنها غيبة طويلة ، لابدّ من التركيز عليها وبيان إرهاصاتها التاريخية ، وما سيرافقها من أحداث ، وما يتزامن معها من فتن ، وهو ما وضحه الإمام الصادق عليه‌السلام بكل دقة وتفصيل.

أولاًًً ـ تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام :

ويدلّ على ذلك أحاديث كثيرة نذكر منها :

١ ـ عن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولِمَ؟ قال : إنه يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه ، يعني :

١٢٢

القتل » (١).

تضمن هذا الحديث الصحيح الإشارة إلى بعض علل الغيبة ، إعني : الخوف من القتل ، وهي العلّة الظاهرة على مسرح الأحداث التاريخية التي اعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي عليهما‌السلام ، وإلاّ فهناك علل اُخرى وردت عن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاًًً ، من قبيل أن لا يكون في عنق الإمام المهدي عليه‌السلام نوع التزام للحاكم قبيل الظهور من عهد أو بيعة ، وجريان السنن السابقة في غيبات الأنبياء عليهم‌السلام ، في غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ونحو ذلك من العلل غير المنظورة في ابتداء زمن الغيبة ، كما سيأتي في بيان علل الغيبة.

وفي الحديث أيضاًً إخبار بشيئين قبل أوان حدوثهما :

أحدهما : غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وقد وردت في الحديث نصاً ، ولم تتحقّق إلاّ في شخص الإمام الثاني عشر عليه‌السلام ، لثبوت بطلان من أدّعيت غيبته ، بوفاته وتغسيله ، وكفنه ، والصلاة على جنازته ، ودفنه كما هو حال دعوى الكيسانية بغيبة محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه ، ودعوى الواقفية بغيبة الإمام الكاظم عليه‌السلام. ونحو ذلك الى الدعاوى الأخرى الباطلة.

الآخر : وهو لا يقل أهميّة عن الاخبار الأول ، وقد تحقّق على طبق ما أخبر به عليه‌السلام ، وهو الإشارة إلى من الأمة سوف لن تنصف آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها ستبقى على حالها ببخس حقّهم من السلطة ، وابعادهم عما جعله

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٣٨ / ٩ ، و ا : ٣٤٠ / ١٨ باب في الغيبة.

١٢٣

الله تعالى لهم من الخلافة ، ومن القائمين على السلطة سيتمادون بغيّهم ، ويضاعفون تعسّفهم على أهل بيت نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لدرجة يضطرّ معها الإمام المهدي عليه‌السلام إلى الاختفاء عنهم.

وقد تحقّق هذا في سنة ( ٢٦٠ / هـ ) بغيبة إمامنا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

٢ ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « أما والله ليغيّبن إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال : مات أو هلك بأي وادي سلك ، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفمن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، ولا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ ، قال : فبكيت ، فقال لي : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت : وكيف لا أبكي وأنت تقول : اثنتاعشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ!! فكيف نصنع؟ قال : فنظر إلى شمس داخلةٍ في الصفّة ، فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت : نعم ، قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس » (١).

وفي حديث المفضّل هذا تأكيد لما سيكون في زمان الغيبة من تمحيص واختبار ، حتى يقال ما يقال حينئذٍ ، ويفهم من الحديث من

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٧ / ٣٥ باب ٣٣ ، واُصول الكافي ١ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ / ١١ باب في الغيبة ، و ١ : ٣٣٦ / ٣ من الباب السابق ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٥١ ـ ١٥٣ / ٩ و ١٠ ، ودلائل الإمامة : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ / ٥١٢ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٢٨٥. والتنوين في ( سنين ) على لغة بني عامر ، فلاحظ.

١٢٤

القائل بهذا هم من الشيعة أنفسهم ، نتيجة الدعاية الواسعة التي يشنّها الطرف الآخر ، المتمثّل بالسلطة وأعوانها ، وبعض عملائها كجعفر الكذّاب عمّ الإمام المهدي عليه‌السلام ، زيادة على شدّة البليّة ، وطول المحنة ، وكثرة الفتن ، كل ذلك عوامل مباشرة في حصول الاضطراب عند ذوي النفوس الضعيفة من الشيعة ، وتزلزل عقيدتهم ، كالذي حصل لدى شر ذمة منهم في تأييد بعض المقولات الفاسدة التي ظهرت بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام ، من قبيل مدعيات جعفر الكذّاب ونظرائه. وفي مقابل هذا تجد في صفوفهم المصداق الواقعي لقوله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدّهم بروح منه ) (١).

وقوله عليه‌السلام : « ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة ... » إشارة إلى تشتّت الآراء ، واختلاف النوازع ، وتعدّد الأهواء ، وكثرة أتباع الدنيا ، ودعواتهم الباطلة ، وغير ذلك من صور الظلم ومستلزماته ، وقدكان هذا وما زال موجوداً بين الناس على المستوى المذهبي الإسلامي ، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي ، وغير ذلك من حقول الحياة المختلفة ؛ لانّ الحقّ والباطل في صراع دائم ، وإذا ما غَلَبَ الباطلُ انحرف المجتمع وانقسم على ذاته ، وتناحر في داخله على طول خط انحرافه. وامّا عن دعاة السوة والأئمة المضلّين ، فما أكثرهم في التاريخ ، فقد كانوا ولا زالوا يتمثّلون بالعلماء المزيفين الضالعين مع الاجهزة الحاكمة المتعسفة الظالمة

__________________

١ ـ سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.

١٢٥

عبر التاريخ.

وهذا هو ما أشار إليه الإمام الصادق عليه‌السلام بعبارة : « ولا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه ».

ولما كانت علامات الحق واضحة لائحة ، وإنّها أبين من ضوء الشمس الداخل من الكوّة الصغيرة ، فضلاًًً عمّا يحيط بالمهدي عليه‌السلام من التاييد الالهي ، وما يتلطّف عليه الله عزّوجلّ بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ، مع علومه وأخلاقه وكمالاته عليه‌السلام ، فلا خوف إذن على المؤمنين من رايات الضّلال التي سترفع بوجوههم على أمل صرفهم عن المنقذ العظيم ، لمنهم أبعد ما يكون عن الاشتباه بها ، وإنّما الذي سيقع في حضيضها هو ليس إلاّ من لا يطلب الحقّ ويريد الشبهة في الدين ابتغاء الفتنة.

وهكذا حاول الإمام الصادق عليه‌السلام بهذا الحديث وأمثاله أن يكشف للامّة المعالم الصحيحة لمعرفة الحقّ والحقيقة.

وإذا كان المفضّل قد ارسل دمعة حرى لسماعة نبأ الغيبة وحيرة الناس يومئذ ، فقد كان الإمام الصادق عليه‌السلام غزير الدمعة على ولده المهدي ، بالغ التوجّع ، شديد الحسرة ، وكم رُؤي عليه‌السلام مهموما مغموما وهو يخبر الشيعة بغيبة المؤمّل المنتظر ، وكمنه عليه‌السلام كان يعيش حالة الاُمّة ، وهي واقفة مكتوفة الأيدي على ما يصنعه العباسيون ، وقضاتهم ، وشَرَطَتهم ببيت النبوّة ومهبط الوحي والتنزيل ، بالبحث والتنقيب عن خاتم الأئمة ،

١٢٦

ومصادرة ميراثه من أبيه عليهما‌السلام ، وتمزق قلوب أتباعه ، ولكنه التمحيص والبلاء الذي لابدَّ منه. ويدلُّ على ذلك ما في الحديث المؤلّم الآتي :

٣ ـ عن سدير الصيرفي ، والمفضّل بن عمر ، وأبي بصير, وابان بن تغلب ؛ كلهم عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث طويل جاء فيه قوله عليه‌السلام : « ... سيدي! غيبتك نفت رُقادي ، وضيقت عليّ مِهادي ، وابتزّت مني راحة فؤادي ، سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ... » وحين سألوه عليه‌السلام عن سر توجعه ، قال عليه‌السلام : « نظرت في كتاب الجَفْر صبيحة هذا اليوم ... وتأولت فيه مولد قائمنا ، وغيبته ، وابطاءه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ... » (١).

هذا وقد مرّ الكلام عن الجَفْر واعتراف ابن خلدون ، والجرجاني ، وصاحب كشف الظنون بصحّة كتاب الجفر ، وأكّدوا صراحة على إخبار الصادق والرضا عليهما‌السلام من هذا الكتاب بحوادث مستقبلة وقعت على طبق ما أخبرا به.

وهذا الحديث قد تضمّن من الآيات الدلالة على الإمام الثاني عشر عليه‌السلام الكثير الذي لا ينطبق إلاّ عليه عليه‌السلام.

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٧ / ٥٠ باب ٣٣ ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٢ باب ٨٠.

١٢٧

ومن خلال معرفتنا بوفبات رواة الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام مباشرة يتضح لنا انهم أدركوا الإمام الكاظم عليه‌السلام وبعضهم عاصره ، وعليه لابدّ وأن يكون الحديث هذا بعد ولادة الإمام الكاظم عليه‌السلام بسنين كثيرة الامر الذي يدلّ قوله عليه‌السلام : « وتاولت فيه مولد قائمنا » أنه لا مجال للتصديق بدعوى مهدوية الإمام الكاظم عليه‌السلام التي تزعمتها رؤوس الواقفية طمعاً في أمواله عليه‌السلام بعد وفاته لأنه كان عليه‌السلام مولودا في ذلك الحين.

ويزيد هذا الأمر وضوحاً ان الإمام الصادق عليه‌السلام لم يكتف بالتصريح بطول الغيبة وتولد الشكوك في القلوب من طولها ، لئلاّ يكون هذا اغراءً بمقولة الواقفية الذين قالوا بأن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام قد غاب في حبس هارون لعنه الله ، وإنما صرح الإمام الصادق عليه‌السلام بطول العمر ، الأمر الذي زيّف قولهم وأبطله قبل انطلاقه ، ومما زاده زيفا ودحضته الأيام وكذّبه التاريخ هو عُمْرُ الإمام الكاظم عليه‌السلام حيث استشهد وهو في سن الخامسة والخمسين ، فأين طول العمر إذن؟

وقد جاءت هذه الفوائد في غمرة التأكيد على حصول الغيبة بالإمام الثاني عشر عليه‌السلام ، وإلاّ فسيأتي ما يدلّ على طولها صراحة في العنوان الآتي.

ثانياًً ـ تصريح الإمام الصادق عليه‌السلام بطول غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام :

١ ـ عن محمد بن حمران ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصّر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز

١٢٨

كلها ، ويظهر الله تعالى به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمّر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلي خلفه. ثم قال ابن حمران : قيل له : يا ابن رسول الله! متى يخرج قائمكم؟ قال عليه‌السلام : إذا تشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ـ ثم ذكر عليه‌السلام جملة من علامات الظهور إلى أن قال : ـ وذلك بعد غيبة طويلة » (١).

٢ ـ وعن سدير الصيرفي ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها. قال : فقلت له : يا ابن رسول الله! ولم ذلك؟ قال : لأن الله عزّوجلّ أبي إلاّ أن تجري فيه سنن الأنبياء عليهم‌السلام في غيباتهم ، وأنه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : ( لَتَركَبَنَّ طبقاً عَنْ طَبَقٍ ) (٢) أي : سنن من كان قبلكم » (٣).

٤ ـ وعن حماد بن عبدالكريم الجلالب ، قال : « ذُكِرَ القائم عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أما أنه لو قد قام ، لقال الناس : أنى يكون هذا ، وقد بُلِيَت عظامه منذ كذا وكذا » (٤).

__________________

١ ـ مختصر اثبات الرجعة / الفضل بن شاذان : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ١٨.

٢ ـ سورة الانشقاق : ٨٤ / ١٩.

٣ ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ٢٤٥ / ٧ باب ١٧٩ ، وإكمال الدين ٢ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ / ٦ باب ٤٤.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٥٥ / ١٤ باب ١٠ ، وأخرجه قبل هذا عن زائدة بن قدامة ، عن بعض رجاله عن الإمام الصادق عليه‌السلام في الحديث رقم ١٣ من الباب المذكور.

١٢٩

٤ ـ وعن سليمان بن خالد ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف إذا استيأستم من المهدي؟ فيطلع علكيم صاحبكم مثل قرن الشمس ، يفرح به أهل السماء والأرض. فقيل : يا رسول الله! وأنى يكون ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا غاب عنهم المهدي وأيسوا منه » (١). كناية عن طول غيبته عليه‌السلام.

ثالثاًً ـ تصريح الإمام الصادق عليه‌السلام بان للمهدي عليه‌السلام غيبتين ( صغرى وكبرى )

روى حديث الغيبتين ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام كل من : أبي بصير ، وزرارة ، وإسحاق بن عمار ، وحازم بن حبيب ، وعبيد بن زرارة ، والمفضّل ابن عمر ، كما ورد حديث الغيبتين على لسان إمامنا الباقر عليه‌السلام في مارواه عنه إبراهيم بن عمر اليماني ، ومحمد بن مسلم الثقفي وكذلك ورد حديث الغيبتين على لسان الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، كما سيأتي مفصلاً بعد قليل.

والمراد بالغيبتين : الغيبة الصغرى التي حصلت بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام مباشرة ، وتمتد هذه الغيبة من زمان وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول ( سنة / ٢٦٠ هـ ) إلى وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي‌الله‌عنه ، وذلك في النصف من شعبان ( سنة / ٣٢٩ هـ ) ، فتكون مدة الغيبة الصغرى ثمان وستين سنة ، وأربعة أشهر ، وثلاثة وعشرين يوماً.

وقد كان للإمام المهدي عليه‌السلام في تلك الغيبة أكثر من عشرين وكيلاً

__________________

١ ـ دلائل الإمامة : ٤٦٨ / ٤٥٥ ( ٥٩ ).

١٣٠

موزعين على شتى المدن والامصار الإسلامية ، لكنّ الثقل الأعظم في أيصال تعاليم الإمام إلى قواعده الشعبية كان على كاهل السفراء الأربعة قدس الله أرواحهم الزكية ، وهم :

أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي وبقي في السفارة بحدود خمس سنين ، ثم جاء من بعد وفاته رضي‌الله‌عنه ( سنة / ٢٦٥ هـ تقريباً ) ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ، فقام مقام أبيه ، وتوفي رضي‌الله‌عنه ( سنة / ٣٠٤ هـ ) ، وقيل : ( سنة / ٣٠٥ هـ ) ، وبقي في السفارة زهاء أربعين سنة ، ثم جاء بعد وفاته السفير الثالث أبو القاسم الحسين بن روح طاب ثراه ، وبقي في السفارة إلى حين وفاته رضي‌الله‌عنه في شهر شعبان ( سنة / ٣٢٦ هـ ) ، ثم تلاه على ذلك السفير الرابع أبو الحسن علي بن محمد السمري ، وبموت السمري رضي‌الله‌عنه في النصف من شهر شعبان ( سنة / ٣٢٩ هـ ) ، انتهت مدة الغيبة الصغرى ، ثم حلّت بعدها الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان أرواحنا فداه ، ولا يعلم أحدٌ بامدها ومدتها إلاّ الله عزّوجلّ ، وفيها انقطعت السفارة ليتولى مراجع الدين من الشيعة دور النيابة عن الإمام عليه‌السلام وفقاً للقواعد الشرعيه التي وردت على لسان أهل البيت عليهم‌السلام بما في ذلك إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وهكذا عرف الشيعة الإمامية ، دسائس الكذابين والمهرجين ، الذين حاولوا صرف أخبار الغيبتين إلى مدعيات الواقفية وقولهم بغيبة الإمام الكاظم عليه‌السلام ، متناسين التاريخ الذي نطق بشهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام ، كما نطق بصاحب الغيبتين عليه‌السلام إجمالاً وتفصيلاً.

١٣١

١ ـ عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : للقائم من آل محمد عليه وعليهم‌السلام غيبتان : واحدة طويلة ، والأخرى قصيرة. قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير ، إحداهما أطول من الاُخرى ... » (١).

وهذا الحديث أخرجه النعماني عن الحسن بن محبوب ، ونقله الطبري الإمامي في دلائل الإمامة ، والاربلي في كشف الغمّة ؛ كلاهما من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب مع التصريح بهذا ، ورواه الفضل بن شاذان الموفّي في حياة الإمام العسكري عليه‌السلام ولم يشهد أيّاً من الغيبتين عن شيخه الحسن بن محبوب مباشرة ، والحسن بن محبوب مات سنة ٢٢٤ هـ.

جدير بالذكر أنه قد ثبت عن الإمام الباقر عليه‌السلام ما قاله أبو بصير في هذا الحديث. ففي الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين » (٢).

كما سمعه محمد بن مسلم الثقفي يقول عليه‌السلام : « إنّ للقائم غيبتين ، يقال له في إحداهما : هلك ، ولا يُدْرى في أيّ واد سلك ».

وفي حديث ثابت الثمالي ، عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام ، قال : « .. وإن للقائم من غيبتين إحداهما أطول من

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧٢ ـ ١٧٣ / ٧ باب ، ودلائل الإمامة : ٥٣٥ / ٥٢٠ ، وكشف الغمة : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، وإثبات الرجعة للفضل بن شاذان كما في مختصره للشيخ الحر العاملي : ١٩٥ ، وإعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧١ / ٣ باب ١٠.

١٣٢

الاخرى » (١).

وقد صحّ حديث الغيبتين عن الإمام الصادق عليه‌السلام من طرق شتّى.

٢ ـ ففي الصحيح عن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « للقائم غيبتان أحداهما أطول من الأخرى » (٢).

٣ ـ وعنه أيضاًً ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ للقائم غيبتين ، يرجع في أحداهما ، وفي الأخرى لا يُدرى أين هو ، يشهد المواسم ، يرى الناس ولا يرونه » (٣).

٤ ـ وعن عبيد بن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم يرى الناس ولا يرونه » (٤).

٥ ـ وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « للقائم غيبتان إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يُعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة

__________________

١ ـ إكمال الدين : ٣٢٣ / ٨ باب ١٨.

٢ ـ دلائل الإمامة : ٥٣٠/ ٥٠٦.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧٥ / ١٥ باب ١٠.

٤ ـ اصول الكافي١ : ٣٣٩ / ١٢ باب في الغيبة ، ونحوه في ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٦ من الباب السابق ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ١٦ باب ١٠ ، ودلائل الإمامة : ٥٣١ / ٥٠٩ ، و : ٤٨٢ / ٤٧٧ ونحوه في أصول الكافي ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٦ باب في الغيبة ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤٦ / ٣٣ باب ٣٣ ، و ٢ : ٣٥١ / ٤٩ باب ٣٣ و ٢ : ٤٤٠/ ٧ باب ٤٣ وكتاب الغيبة / النعماني : ١٧٥/ ١٣ و ١٤ باب ١٠ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٦١ / ١١٩.

١٣٣

مواليه » (١).

٦ ـ وفي الصحيح عن حازم بن حبيب ، قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا حازم إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية ، فمن جاءك يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه ».

وهذا الحديث سمعه أبو محمد على بن محمد العلوي من عبد الله بن جبلة ، وقد نقله الشيخ الطوسي من كتاب العلوي هذا مباشرة (٢) ، كما نقله الفضل بن شاذان ( ت / ٢٦٠ هـ ) عن عبد الله بن جبلة أيضاًً (٣) ، وسمعه عبيس بن هشام ( ت / ٢٢٠ هـ أو قبلها بسنة ) من عبد الله بن جبلة (٤) ، وعبد الله بن جبلة هذا مات سنة ٢١٩ هـ بلا خلاف ، ومع هذا ، فلم ينحصر الطريق إلى حازم بن حبيب به ، إذ أخرج النعماني حديث حازم ابن حبيب بطريق ثانٍ ليس فيه ابن جبله (٥) ، الأمر الذي يؤكّد صحّة ما سبق ذكره من شهادات أعلام الطائفة بوجود هذه الأحاديث في الكتب المؤلّفة قبل الغيبة بعشرات السنين. وبنفس هذه الطريقة يمكن الاستدلال

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٣٤٠ / ١٩ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٧٠ / ١ و ٢ باب ١٠ من طريقين.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي ٥٤ / ٤٦ ، وفيه : « قال : وحدّثني عبد الله بن جبلة .. الخ » ، والقائل هو العلوي المذكور ؛ إذ صرح الشيخ ـ قبل ذلك ـ بالنقل من كتابه. راجع كتاب الغيبة ص : ٤٣.

٣ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٤٠٧.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧٢ / ٦ باب ١٠.

٥ ـ كتاب الغيبة / النعماني ١٧٢ / ذيل الحديث السادس باب ١٠.

١٣٤

على إثبات وجود معظم الاحاديث السابقة كذلك بغضّ النظر عن الشهادات المتقدمة ، ولولا خشية الإطالة لبيّنا ذلك مفصّلاً.

٧ ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لصاحب هذا الأمر غيبتان : إحداهما يرجع منها إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك ، في أي وادٍ سلك ... » (١).

٨ ـ وعن المفضّل بن عمر أيضاًً ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين : إحداهما تطول حتى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم يقول : قتل ، وبعضهم يقول : ذهب ... الحديث » (٢).

والذي ينبغي التنبيه عليه في هذه الأحاديث الشريفة ، توضيح ما جاء فيها من أن الإمام المهدي في غيبته عليه‌السلام يرى الناس ولا يرونه ، بمعنى أنه يختفي جسمه الشريف عن الأنظار في الوقت الذي يكون فيه موجوداً في مكانٍ ما مع الناس ـ في الموسم أو غيره ـ ولكن الناس لا ترى في ذلك المكان شيئاًً.

وهناك أحاديث كثيرة عن اهل البيت عليهما‌السلام بهذا المعنى المعبّر عن الأسلوب الوقائي الذي يستخدمه الإمام المهدي عليه‌السلام في كيفية احتجابه عن الناس ، ونجاته من براثن الظلم ؛ لأنّه في اختفائه بهذا الاسلوب يكون في

__________________

١ ـ اصول الكافي ١ : ٣٤٠ / ٢٠ باب في الغيبة.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٥ باب ١٠ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٦١ / ٦٠ ، و ١٦٢ / ١٢٠ ، وعقد الدرر / المقدسي الشافعي : ١٧٨ ـ ١٧٩ باب ٥ ، والبرهان / المتّقي الهندي : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٤.

١٣٥

مأمنٍ قطعيّ حقيقي من أية مطاردة ، أو تنكيل ، أو خوف حيثما كان على وجه الأرض.

وربّما قد يستكثر بعضهم تزويد الإمام المهدي عليه‌السلام بمثل هذه القدرة على الاختفاء! وهو استكثار في غير محله ؛ لأنّ توقّف وجود وسلامة الأهداف الالهية الكبرى على المعجزة ـ وطول عمر الإمام المهدي عليه‌السلام واختفاؤه منها ـ يعني حتمية التدخّل الإلهي في ايجاد تلك المعجزة من أجل تحقيق الهدف المطلوب.

فالقدرة على الاختفاء مع طول العمر ، أمران لابدّ منهما في حفظ الإمام المهدي عليه‌السلام ، وإلاّ كيف يتسنّى له القيام بالمسؤولية الإسلامية الكبرى في آخر الزمان لو كان ظاهرا للعيان ، غير مكترث بالمخاطر التي تحّفه من كل مكان؟

إنّ أهمية ذلك اليوم الموعود الذي سيعمّ فيه الإسلام أقطار الأرض ، وينتشر العدل في ربوع المعمورة كلها ، أهمية عظيمة عند الله تعالى ، وعند رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ ستتحقّق من خلاله الأغراض الأساسية من خلق البشرية ، كما ستتحقّق به آمال الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، وتتكلل جهودهم بوجود ذلك المجتمع العادل ، وظهور دولة الحقّ.

ومن ثَمَّ فإنّ ولادة الإمام المهدي ابن الإمام العسكري عليهما‌السلام التي ثبتت ثبوتاً قطعياً لا ريب فيه ، تقرّب من حقيقة تلك الأحاديث وتحكم على صحّتها ؛ لمنها عبّرت وبكل وضوح عن تعلّق الغرض الإلهي بحفظ المهدي عليه‌السلام وصيّانته عن الأعداء بالاختفاء ، وعن بقاء وجوده الشريف

١٣٦

بطول العمر وذلك عن طريق الاعجاز الالهي وفاءً بالغرض الكبير.

هذا ، ويعلم من أحاديث كثيرة اُخرى أنّ اُسلوب الاختفاء المذكور ليس هو الاسلوب الوحيد الذي يكتنف حياة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وانّما له عليه‌السلام أن يخرج عن هذا النمط من الاختفاء إلى الظهور المؤقّت في زمان الغيبة كلما اقتضت المصلحة ذلك ، ولكن بصورة لا يستشعر من خلالها كل من يراه بأنه المهدي الموعود عليه‌السلام.

١٣٧

الفصل الثالث

في بيان ما مطلوب في زمان الغيبة

بعد تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على ثبوت أصل العقيدة المهدوية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتنبيه الأمة على حكم من أنكرها ، وإخباره ـ كما مرّ ـ عليه‌السلام بهوية الإمام المهدي عليه‌السلام وغيبته وما سيجري عليه بعد ولادته ، فلابدّ من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لانقاذ الأمة وارشادها إلى ما يعصمها من الضلالة ، وهو ما قام به عليه‌السلام خير قيام حيث اضطلع عليه‌السلام بمهمة التوعية والتثقيف الاسلامي بما هو مطلوب في مرحلة غياب الإمام المهدي عليه‌السلام ، كما سيتضح من العناوين الآتية :

أولاًًً ـ الوصية بعدم إنكار الغيبة ، والنهي عن الانحراف ، ولزوم التصديق :

إنّ معنى إنكار الغيبة ، هو إنكار وجود الإمام المهدي عليه‌السلام ، وبالتالى هو عين الانحراف وعدم التصديق ، وقد مرّ ما يغني عن إعادته في خصوص من أنكر وجود الإمام ، ومن رد على آل البيت عليهم‌السلام ، كمن ركب رأسه ، واتبع هواه.

١٣٨

ومن هنا حاول الإمام الصادق عليه‌السلام التركيز على هذه المفاصل الأساسية ، لتتّخذ الأمة حذرها ، وتكون في يقظة دائمة مما يحاول أعداء الحقّ إثارته من خرافات وشبهات حول خاتم الأئمة الإمام المهدي أرواحنا فداه.

ويدلُّ على ذلك أحاديث لا حصر لها ، نذكر منها :

١ ـ عن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « القائم من ولدي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربي عزّوجلّ ، من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدق فقد صدقني ، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلين لأمتي عن طريقته ( وسيعلمُ الذينَ ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبونَ ) (١) » (٢).

٢ ـ وعن محمد بن مسلم ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها » (٣).

__________________

١ ـ سورة الشعراء : ٢٦ / ٢٢٧.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٤١١ / ٦ باب ٣٩ ، وإعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٢٢٧ الفصل الثاني.

٣ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٨ / ١٠ و ١ : ٣٤٠ / ١٥ باب الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٨٨ / ٤٢ باب ١٠ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٦٠ ـ ١٦١ / ١١٨.

١٣٩

ويُستفاد من هذين الحديثين لا سيّما الأول جملة من الأمور لا بأس بالاشارة السريعة إليها ، وهي :

١ ـ وجوب معرفة الإمام المهدي عليه‌السلام باسمه وكنيته وأصله الشريف.

٢ ـ إنّه متّبع لسنة جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ ـ وجوب طاعته مطلقاًً ، كما وجبت طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقاً.

ومن جملة طاعة المهدي عليه‌السلام ما أوصى به عليه‌السلام ـ في تواقيع مشهورة عنه عليه‌السلام ـ من الورع والتقوى ووجوب الانتظار ، والرجوع في أخذ معالم الدين الحنيف من الفقيه الصائن لنفسه ، المتبع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أخلاقهم وهديهم وحلالهم وحرامهم عليهم‌السلام.

٤ ـ إنّ له عليه‌السلام غيبةً لابدَّ منها ، مع التحذير والوعيد الشديد لمن أنكرها.

٥ ـ ضرورة الابتعاد التام عن المعاندين في أمر الإمام المهدي عليه‌السلام لما ورد فيهم من اوصاف أقلها إضلال الأمة عن الحق وأهله ، والواجب بغضهم وعدم مجالستهم أو التقرب أو التودّد إليهم ، أو سماع كلامهم ، اللهمّّ إلاّ من قبيل العمل لهدايتم ، وإلاّ فلا ، لأنهم اتّبعوا شهواتهم فضلوا وأضلو.

ومن ضمّ هذين الحديثين إلى ما تقدم ، تتّضح سخافة القول بنجاة من يعتقد بمهدي مجهول يخلقه الله تعالى من سلالة الإمام الحسن السبط عليه‌السلام في آخر الزمان! لما في تلك الأحاديث الشريفة من دلالة واضحة على ولادة

١٤٠