غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

السيد ثامر هاشم العميدي

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

المؤلف:

السيد ثامر هاشم العميدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: ٣٢٧

محمد عليها‌السلام فقلت : يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي : يا مفضّل! الإمام من بعدي ابني موسى ، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن على بن موسى » (١).

١٥ ـ وفي الصحيح عن مسعدة بن صدقة قال : « كنت عند الصادق عليه‌السلام ، إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه ، فسلّم ، فردّ أبو عبد الله عليه‌السلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها ، فأعطاه يده فقبّلها ثم بكى ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سني ودقّ عظمي واقترب أجلي ولا أرى ما أحب ، أراكم مقتّلين مشرّدين ، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم قال :

يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنّية ، جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله ، فقال عليه‌السلام : اني مخلّف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فقال الشيخ : لا أبالى بعد ما سمعت هذا الخبر. قال : يا شيخ! إنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن ، والحسن يخرج من صلب عليّ ، وعليّ يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب عليّ ، وعليّ يخرج من صلب ابني هذا ـ وأشار إلى موسى عليه‌السلام ـ وهذا خرج من صلبي ، نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون ... يا شيخ والله لو لم يبق

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٤ / ٤ باب ٣٣.

١٠١

من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل ألله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وأن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبّت الله على هداه المخلصين ، اللهمّّ أعنهم على ذلك » (١).

١٦ ـ وعن أبي الهيثم بن أبي حبّة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية : محمد وعلي ، والحسن ، فالرابع القائم » (٢).

وقوله عليه‌السلام : « إذا اجتمعت ثلاثة أسماء ... » ، أي : من الائمة بعده ، الذين هم من وُلْدِه عليهم‌السلام.

ومن الواضح أن هذه الأسماء الثلاثة الشريفة قد اجتمعت متوالية حقاً ، وشكّلت الحلقة الأخيرة من أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام قبل القائم المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف كالآتي :

١ ـ ( محمد ) : وهو اسم الإمام التاسع المعروف بالجواد عليه‌السلام.

٢ ـ ( عليّ ) : وهو اسم الإمام العاشر المعروف بالهادي عليه‌السلام.

__________________

١ ـ كفاية الأثر / الخزاز : ٢٦٠ ، واخرجه عمّاد الدين الطبري في بشارة المصطفى : ٢٧٥ ، عن معاوية بن وهب ، قال : كنت جالساً عند جعفر بن محمد عليه‌السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر ، فقال : السّلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له أبو عبد الله : وعليك السّلام ورحمة الله ياشيخ ، ادْنُ مني ، فدنا منه وقبل يده وبكى ... الحديث.

٢ ـ إكمال الدين ١ : ٣٣٣ / ٢ باب ٣٣ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٧٩ ـ ١٨٠ / ٢٦ باب ١٠ ، وإثبات الوصية / المسعودي : ٢٢٧ ، وكفاية الأثر / الخزاز القمي : ٢٨٠ ـ ٢٨١.

١٠٢

٣ ـ ( الحسن ) : وهو اسم الإمام الحادي عشر المعروف بالعسكري عليه‌السلام ابن الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد ، وهو والد الإمام القائم عليهم‌السلام.

ثانياًً ـ بيان الإمام الصادق عليه‌السلام لكيفية الانتفاع بالحجة الغائب عليه‌السلام :

نطقت أحاديث أهل البيت عليه‌السلام وبصورة متواترة بأن الله تعالى لا يخلي أرضه من حجة على عباده منذ أن خلق الله آدم وإلى قيام الساعة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحجة ظاهراً مشهوراَ ، أو خائفاَ مستوراً كما مرّ في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل السابق.

والتسليم بهذه القاعدة يعني الاعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه‌السلام في أرض الله عزّوجلّ وإن لم يره أحد ، وهو بحد ذاته كاف لنمو الفضيلة ، وخلق جوّ من التآلف والمودّة بين المؤمنين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم وترقّب شديد لظهوره عليه‌السلام ، الأمر الذي يؤدي إلى حفظ المجتمع المسلم من التشتّت والضياع ، ومنعه ن الانحدار وراء الشهوات ، وصونه من كل انحراف.

كما من نفس وجود الإمام عليه‌السلام فيه منافع كثيرة ترتبط بحياة الناس جميعاًً ، من نزول بركات السماء ، وعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل ونحوها ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة مبيناً أهميتة الحجة وهي في زمن نزوله منحصرة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم أنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون ) (١) ، وأما بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا شكّ في منها بآله الكرام عليهم‌السلام.

__________________

١ ـ سورة الانفال : ٨ / ٣٣.

١٠٣

لقد حاول الإمام الصادق عليه‌السلام تقريب صورة الانتفاع بالإمام الحجة الغائب عليه‌السلام بمثال مادي محسوس ، ليكون ذلك أدعى إلى الإذعان والتصديق.

فعن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه الإمام الباقر ، عن أبيه الإمام على بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : « نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ... ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان : فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه‌السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب » (١).

وكما من السحاب لا يمنع من فوائد الشّمس الكثيرة ، ولولاها لا نعدمت الحياة ، فكذلك لا تمنع الغيبة من الفوائد العظيمة المترتّبة على وجود الإمام عليه‌السلام ، وهذا ما يفسّر لنا معنى قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (٢).

جدير بالذكر من حديث الإمام الصادق عليه‌السلام المتقدم برواية الأعمش هو جزء من حديث عظيم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، برواية جابر بن عبد الله الانصاري ، قال رضي الله عنه : « لمّا منزل الله عزّوجلّ على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ( يا أيّها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ٢٠٧ / ٢٢ باب ٢١ ، وأمالي الصدوق : ١٥٦ ـ ١٥٧ / ١٥ مجلس / ٣٤ ، وفرائد المسطين / الجويني الشافعي ١ : ٤٥ ـ ٤٦ / ١١.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ١٧٩ / ١٠ ، باب من الأرض لا تخلوا من حجة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٣٨ / ٨ باب ٨.

١٠٤

منكم ) (١) قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال عليه‌السلام : « هم خلفائي يا جابر ، وأئمة المسلمين ( من ) بعدي أولهم عليّ بن أبي طالب ، ثم الحسن والحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثم محمد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليٍّ بن موسى ، ثم محمد بن عليّ ، ثم عليّ بن محمد ، ثم الحسن بن عليّ ، ثم سميّي وكنيي حجة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن على ، ذاك يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان » ، قال جابر : فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اي والذي بعثني بالنبوَّة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سرالله ، ومخزون علمه ، فاكتمه إلاّ عن أهله » (٢).

وتشبيه فائدة الإمام المهدي عليه‌السلام في غيبته بفوائد الشمس المجللة بالسحاب يوحي إلى أمور ، قد تعرض لها العلامة المجلسي في ذيل هذا الخبر ، ولا بأس بنقلها كما هي لفائدتها.

قال رحمة الله : « بيان ـ التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يوحي إلى أمور :

__________________

١ ـ سورة النساء : ٤ / ٥٩.

٢ ـ إكمال الدين : ١ : ٢٥٣ / ٣ باب ٢٣.

١٠٥

الأول : إن نور الوجود والعلم والهداية ، يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه‌السلام ؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة منهم العلل الغائية لايجاد الخلق ، فلولا هم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لا ستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم ومنت فيهم ) (١) ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحقّ تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لمّا استشفعنا بهم ، وتوسلنا بانوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك الأمور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.

الثاني : كما من الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ـ ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيام غيبته عليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره ، في كل وقت وزمان ، ولا يبأسون عنه.

الثالث : إن منكر وجوده عليه‌السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار.

الرابع : إن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد ، من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عليه‌السلام أصلح لهم في تلك الأزمان ؛ فلذا غاب عنهم.

الخامس : إن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن

__________________

١ ـ سورة الانفال : ٨ / ٣٣.

١٠٦

السحاب ، وربّما عمي بانظر إليها لضعف الباصرة عن الاحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبضائرهم ، ويكون سببا لعماهم عن الحق ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته ، كما ينظر الإنسان إلى الشمس تحت السحاب ولا يتضرر بذلك.

السادس : إن الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليه‌السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

السابع : إنهم عليهم‌السلام كالشمس في عموم النفع ، وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً ) (١).

الثامن : إن الشمس كما من شعاعها يدخل البيوت ، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم ومشاعرهم التي هي روزان قلوبهم من الشهوات النفسانية ، والعلائق الجسمانية ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب » (٢).

__________________

١ ـ سورة الإسراء : ١٧ / ٧٢.

٢ ـ بحار الأنوار / العلاّمة المجلسي ٥٢ : ٩٣ ـ ٩٤ ذيل الحديث الثامن ، باب علّة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به عليه‌السلام.

١٠٧

الباب الثاني

غيبة الإمام الثاني عشر عليه‌السلام قبل حدوثها

الفصل الأول :

عناية الإمام الصادق عليه‌السلام بالغيبة ، وبيان معطياتها

الفصل الثاني :

تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وطولها

الفصل الثالث :

في بيان الإمام الصادق عليه‌السلام ما مطلوب في زمان الغيبة

الفص الرابع :

في بيان الإمام الصادق عليه‌السلام علل الغيبة

١٠٨
١٠٩

الفصل الأول

في العناية بالغيبة وبيان معطياتها

أولاًًً ـ أسرار العناية بالغيبة في الحديث الشريف :

شغلت غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام قبل وبعد حلولها سنة / ٢٦٠ هـ مكاناً واسعاً في الفكر الشيعي ، وأخذت حيّزاً كبيراًً في تراثهم الروائي والكلامي ، وامتدّت آثارها بعد وفاة آخر السفراء الأربعة محمد بن علي السمري ( ت / ٣٢٩ ) ( رض ) ، لتشمل الفقه الساياسي الروائي والمستنبط معاً ولعلّ في ما صنّفه محدّثوهم وأعلامهم قبل عصر الغيبة الصغرى وفي أثنائها أو بعدها ، خير دليل على مدى العناية الفائقة التي أولاًًها سائر أهل البيت عليه‌السلام بهذا الموضوع الخطير ؛ لأنّهم عليهم‌السلام أدركوا أنّ معنى غياب القائد هو تشتّت القاعدة ما لم يتمّ التمهيد لغيبته عليه‌السلام بشكل مكثّف حتى يتمّ استقبالها من قبل القاعدة وهضمهم لها بشكل تدريجي ، وكأنّها حدث طبيعي ، بحيث لا ينتج عنها شرح في المذهب قد يؤدّي إلى اهتزاز عقيدة آتباعه في مالو سُكِت عن هذا الأمر وواجهه الشيعة فجأة ، ومن هنا تمّ ترويض الشيعة على قبول غيبة القائد كحقيقة آتية ولابدّ ، وكان لكلّ إمام

١١٠

دوره الخاصّ في التمهيد لتلك الحقيقة الكبرى في تاريخ التشيّع لا سيمّا الإمام الصادق عليه‌السلام الذي كان دوره مميّزاً في ذلك ؛ تبعاً لما ذكرناه في ديباجة البحث من الفرصة التي سنحت له أكثر من غيره للتحليق عالياً في سماء الفكر والعقيدة حتى اصطبغ مذهب الإمامية الواسع باسمه الشريف

وقد انعكست أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام في غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام على الفكر الشيعي بصورة واضحة جلية ، وذلك من جهة عناية هذا الفكر بتلك الأحاديث عناية فائقة ، فأفردوا لها مؤلفات عديدة ورسائل كثيرة كونت بمجموعها رؤية واضحة لطلائع التشيع حول غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام قبل ولادته بعشرات السنين. وما مزاعم الفرق الشيعية ـ التي نشأت في إطار التشيّع فجاة واندرست بعيد نشأتها بسرعة ـ بغيبة من ادعيت له الإمامة زورا ، كقول الكيسانية بغيبة محمد بن الحنفية في جبل رضوى ، وقول الواقفية بغيبة الإمام الكاظم عليه‌السلام ، إلاّ صورة معبرة عن انتشار مفهوم الغيبة في الوسط الشيعي انتشاراً واسعاً ، لدرجة توفرت معها للوجود الشيعي الإمامي الاثني عشري حصانة رائعة ضدّ كل الدعاوى المنحرفة التي برزت في إطاره ، حتى استطاع بفضل فلسفة الإخبار بالغيبة وتشخيص صاحبها قبل ولادته بعشرات السنين ، أن يشقّ طريفه بأمان رغم كل العواصف التي اعترضت سبيله.

ثانياً ـ الغيبة في مؤلفات الشيعة :

إنّ كتب الغيبة ، شاهدة على عناية الكفر الشيعي بها منذ اقدم العصور وإلى يومنا هذا ، من أمثال كتاب الغيبة لإبراهيم بن صالح الانماطي

١١١

الكوفي (١) ، وكتاب ترتيب الأدلّة فيما يلزم خصوم الإمامية دفعه عن الغيبة والغائب لأحمد بن الحسين الآبي (٢) ، وكتاب الشفاء والجلاء في الغيبة لأحمد ابن على الرازي (٣) ، وكتاب الغيبة لأحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي أحد مشايخ النجاشي (٤) ، وكتاب الغيبة للسيد الحسن بن حمزة المعروف بالطبري المرعش ( ت / ٣٥٨ هـ ) (٥) ، وكتاب الغيبة وذكر القائم عليه‌السلام للحسن بن محمد بن يحيى العلوي ( ت / ٣٥٨ ) (٦) ، وكتاب الغيبة والحيرة لعبد الله بن جعفر الحميري من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما‌السلام (٧) ، وكتاب الغيبة وكشف الحيرة لأبي الحسن سلامة بن محمد بن إسماعيل ( ت ـ ٣٣٩ هـ ) (٨) ، وكتاب الغيبة لأبي الفضل العباس بن هشام الناشري الأسدي أحد أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام ومات في إمامة الإمام الجواد عليه‌السلام سنة ٢٢٠ هـ أو قبلها بسنة واحدة (٩) ، وكتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة للصدوق الأول أحد معاصري الغيبة الصغرى كلها

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ١٥ / ١٣ ، وفهرست الشيخ الطوسي : ٣٩ / ٩ ، ومعالم العلماء لابن شهر آسوب : ٥ / ٥.

٢ ـ معالم العلماء : ٢٤ / ١١٣.

٣ ـ رجال النجاشي : ٩٧ / ٢٤٠ ، وفهرست الشيخ : ٧٦ / ٩١ ، ومعالم العلماء : ٨٢ / ١٨.

٤ ـ رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٦.

٥ ـ رجال النجاشي : ٦٤ / ١٥٠.

٦ ـ رجال النجاشي : ٦٤ / ١٤٩.

٧ ـ رجال النجاشي : ٢١٩ / ٥٧٣ ، وفهرست الشيخ : ١٦٧ / ٤٣٩.

٨ ـ رجال النجاشي : ١٩٢ / ٥١٤.

٩ ـ رجال النجاشي : ٢٨٠ / ٧٤١.

١١٢

( ت / ٣٢٩ هـ ) وهو « مطبوع » ، وكتاب الغيبة لأبي محمد عبد الوهاب البادرائي (١) ، وكتاب أخبار القائم عليه‌السلام للشيخ على بن محمد بن إبراهيم المعروف بعلان الكليني الرازي (٢) من معاصري الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام وهو خال ثقة الإسلام الكليني الذي روى عن كتابه هذا معظم أحاديث باب مولد الحجة عليه‌السلام في اصول الكافي ، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني تلميذ الكليني وهو « مطبوع » ، وكتاب الغيبة لعلي بن محمد ابن على أبي الحسن القلاّء (٣) ، وكتاب إزالة الران عن قلوب الاخوان في الغيبة للفقيه أبي على محمد بن أحمد المشهور بابن الجنيد (٤) ، وكتاب الغيبة وكشف الحيرة لمحمد ابن أحمد الصفواني البغدادي من مشاهير تلامذة الكليني (٥) ، وكتاب الغيبة لأبي النظر محمد بن مسعود العياشي المفسّر المشهور ( ت/ ٣٢٠ هـ ) (٦) ، وكتاب الغيبة لإبراهيم بن إسحاق النهاوندي (٧) ، وكتاب أخبار المهدي عليه‌السلام لعباد بن يعقوب الرواجني (٨)

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٤٧ / ٦٥٢.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٦٠ / ٦٨٢.

٣ ـ رجال النجاشي : ٢٥٩ / ٦٧٩.

٤ ـ رجال النجاشي : ٣٩٣ / ١٠٥٠.

٥ ـ معالم العماء : ٩٧ / ٦٦٥.

٦ ـ رجال النجاشي : ٣٥٠ /٩٤٤ ، وفهرست الشيخ ٢١٢ /٦٠٤ ، ومعالم العلماء : ٩٩ / ٦٦٨.

٧ ـ رجال النجاشي : ١٩ / ٢١ ، وفهرست الشيخ : ٣٩ / ٩.

٨ ـ معالم العلماء : ٨٨ / ٦١٢.

١١٣

مات رحمه الله سنة ٢٥٠ هـ (١) ، أي : قبل حلول ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام بخمس سنين ، ومصنفات الشيخ المفيد في الغيبة ككتاب الغيبة ، وكتاب جوابات الفارقيين في الغيبة ، والرسائل العشر في الغيبة وهو « مطبوع » ، والنقض على الطلحي في الغيبة ، ومختصر في الغيبة كما صرح بذلك النجاشي (٢) ، وكتاب إكما الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق ( ت / ٣٨١ هـ ) وهو « مطبوع » ، وفيه من أحاديث الغيبة الكثير جداً ، وله ثلاث رسائل في الغيبة (٣) ، وكتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى علم الهدى ( ت / ٤٣٦ هـ ) وهو « مطبوع » ، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي ( ت / ٤٦٠ هـ ) وهو « مطبوع » ، وكتاب الاستطراف في ذكر ما ورد في الغيبة في الإنصاف للكراجكي ( ت / ٤٤٩ هـ ) (٤) ، وكتاب الغيبة لأبي الفرج المظفر بن على بن الحسين الحمداني (٥) ، وكتاب الغيبة لمحمد بن زيد بن على الفارسي (٦) ، وكتاب الغيبة وما جاء فيها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام لتاج العلى العلوي ( ت / ٦١٠ هـ ) (٧) ، وكتاب الغيبة لأبي بكر محمد بن القاسم البغدادي (٨) ،

__________________

١ ـ وصفه أهل السنة بالرفض ، وادّعى بعض الشيعة عاميته!! وهو ثقة إمامي كما حققنا ذلك في محلة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٩٩ ـ ٤٠٢ / ١٠٦٧.

٣ ـ رجال النجاشي : ٣٨٩ / ١٠٤٩.

٤ ـ الذريعة / آغا بزرك الطهراني ٣ : ٩٢ / ٢٩٢.

٥ ـ الذريعة ١٦ : ٨٢ / ٤٠٦.

٦ ـ الذريعة ١٦ : ٧٩ / ٤٠٠.

٧ ـ الذريعة ١٦ : ٧٥ / ٣٧٥

٨ ـ الذريعة ١٦ : ٨٠ / ٤٠٣.

١١٤

وغيرها مما لا وسع في تتبعها.

وهذه الكتب وإن ضاع أكثرها ـ لا سيما المُؤَلَّف منها قبل ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام ـ إلاّ من فيما وصل منها كفاية في الكشف عن الحقيقة التامة لمن أرادها.

ثالثاًً ـ علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها :

اتّضح ممّا تقدم من غيبة الإمام المهدي بن الإمام العسكري عليهما‌السلام كانت معلومة في الوسط الشيعي قبل حدوثها بعشرات السنين ، وذلك من خلال ما سمعوه من أهل البيت عليه‌السلام مباشرة ، ولهذا ألّفوا فيما سمعوه بهذا الخصوص كتباً عديدة ، وقد شهد غير واحد من أعلام الإمامية وأجّلائهم المشهورين على هذه الحقيقة.

قال الشيخ الصدوق : « إنّ الأئمة عليهم‌السلام قد أخبروا بغيبته عليه‌السلام ، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم ، واستحفظ في الصحف ، ودوّن في الكتب المؤلّفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، فليس أحد من اتباع الأئمة عليهم‌السلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته ، وهي الكتب التي تعرف بالاصول ، مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين .... » (١).

وإلى هذا أشار الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة ، فقال بعد استدلاله بجملة من الاخبار الموجودة في الكتب المؤلّفة قبل زمان الإمام المهدي عليه‌السلام ما هذا لفظه : « موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمّن الخبر بالشيء

__________________

١ ـ إكمال الدين ١ : ١٩ ، من المقدّمة.

١١٥

قبل كونه فكان كما تضمّنه » (١).

كما شهد بهذا أيضاًًً ابن قبة الرازي وهو من فحول متكلمي الإمامية في عصره ، فقد نقل الشيخ الصدوق عنه قوله في هذا الخصوص : « وهذه كتبهم فمن شاء من ينظر فيها فلينظر » (٢).

كما شهد الإربلي في كشف الغمّة ، والطبري الإمامي في دلائل الإمامة بعد نقل حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام صريح بغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، بأنّهما نقلاه من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب الزرّاد (٣) والحسن بن محبوب مات رحمه الله سنة ٢٢٤ / هـ ، أي قبل زمان ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام بإحدى وثلاثين سنة ، وغير ذلك من الأحاديث الأخرى التي صرّحت بغيبة الإمام الثاني عشر عليه‌السلام قبل حدوثها على أرض الواقع بعشرات السنين ، وستأتي الإشارة إلى بعضها في مكان آخر.

على أن الاتساع الأفقي الحاصل في كل طبقة من طبقات الرواة في بعض أحاديث الغيبة حتى ينتهي الأمر هكذا إلى أحد المتقدمين من أصحاب الائمة عليهم‌السلام أو إلى من مات قبل زمان الغيبة بآماد كثيرة ، قرينة شاهدة على سماع أحاديث غيبة الإمام الثاني عشر من رواة ماتوا قبل حلولها بأزمان كثيرة ، وإلاّ فماذا يُفهم من هذا الاتساع الأفقي في كل طبقة غير صحة ما شهد به الصدوق وغيره من وجود تلك الأخبار في الكتب

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٧٣.

٢ ـ إكمال الدين : ١٠٧ ، من المقدّمة.

٣ ـ كشف الغمّة / الاربلي ٣ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، ودلائل الإمامة / الطبري : ٥٣٥ / ٥٢٠.

١١٦

المؤلفة قبل زمان الغيبة بكثير؟

وسوف يأتي ما يدل على وجود مثل هذه القرينة في أحاديث الغيبتين وغيرهما ، ومن ثم فإّّن ما في موضوع كتابنا هذا أقوى من كل شهادة على علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها.

رابعاًً ـ إخبار الإمام الصادق عليه‌السلام بالشيء قبل وقوعه ، وعلم الغيب :

إنّ ظاهرة الاخبار بالشيء قبل وقوعه كانت ظاهرة معروفة في حياة الأئمة عليهم‌السلام ، وقد أذعن لها الشيعة برمّتهم ، واعترف بهذا غيرهم أيضاًً.

قال ابن خلدون ( ت / ٨٠٨ هـ ) في تاريخه في الفصل الثالث والخمسين عن الإمام الصادق عليه‌السلام ما هذا لفظه : « وقد صحّ عنه أنّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصحّ كما يقول ، وقد حذّر يحيى أبن عمّه زيد من مصرعه وعصاه ، فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوّة ، وعناية من الله بالاصل الكريم تشهد لفروعه الطيّبة » (١).

وقال أيضاًً : « ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك ، مستندهم فيه ـ والله أعلم ـ الكشف بما كانوا عليه من الولاية ، وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم ، وقد قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : ( إنّ فيكم محدّثين ) ، فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة ، والكرامات الموهوبة » (٢).

__________________

١ ـ تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٨٩ الفصل / ٥٣.

٢ ـ تاريخ ابن خلدون ١ : ٥٩٤ ـ ٥٩٥ الفصل / ٥٣.

١١٧

وقال على بن محمد الجرجاني ( ت / ٨١٦ هـ ) في شرح المواقف لعضد الدين الايجي ( ت / ٧٥٦ هـ ) في المقصد الثاني ، مبحث العلم الواحد الحادث هل يجوز تعلّقه بمعلومين؟ ما هذا نصّه : « وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه على بن موسى رضي الله عنهما إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك ، فقبلت منك عهدك ، إلاّ أن الجَفْرَ والجامعة يدلّان على منه لا يتمّ » (١).

وقد نقل هذا الكلام بعينه الكاتب الحلبي المعروف بحاجي خليفه ( ت / ١٠٦٧ هـ ) ، وأضاف عليه قوله : « وكان كما قال ؛ لمن المأمون استشعر فتنة من بني هاشم ، فسمّه/ كذا في مفتاح السعادة » (٢).

وقد زعم بعض خصوم الشيعة بمن اخبار اهل البيت عليهم‌السلام عن الإمام المهدي عليه‌السلام التي يدّعي الشيعة وجودها في الكتب المؤلّفة في عصر الإمام الصادق عليه‌السلام اخبار مكذوبة نظراً لما تضمنته من علم الغيب وهو منفي عن غير الله عزّوجلّ!

وهذا جهل فضيع ، لمن العلم المنفي عن غيره تعالى هو ما كان للشخص لذاته بلا واسطة في ثبوته له ؛ لمكان الإمكان فيه ذاتاً وصفة ، وكل ممكن لا يثبت له شيء من هذا العلم بلا واسطة ، وما وقع لاهل البيت عليهم‌السلام فهو ليس من العلم المنفي في شيء ؛ لمن متلقّى عن

__________________

١ ـ شرح المواقف ٦ : ٢٢.

٢ ـ كشف الظنون / حاجي خليفة ١ : ٥٩١ ـ ٥٩٢ تحت عنوان : علم الجفر والجامعة. ومفتاح السعادة كتاب الّفه طاشكبري زاده ( ت / ٩٦٨ هـ ).

١١٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن الوحي ، عن الله عزّوجلّ ، ولا مانع أيضاًً من أن يفيضه الله تعالى عليهم ؛ لأنّهم عليه‌السلام « محدّثون » كما مرّ في كلام ابن خلدون ما يشير إلى هذا ، وفي الصحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « نحن إثنا عشر محدَّثاً » (١).

ولا مانع أيضاًً من القول بقول الآلوسي ( ت / ١٢٧٠ هـ ) ، بشأن علم الخواص ، قال : « إنّهم أُظْهِرُوا أو أُطلعُوا ـ بالبناء للمفعول ـ على الغيب ، أو نحو ذلك ممّا يُفهم الواسطة في ثبوت العلم لهم » (٢).

ومن هنا يظهر بوضوح وجه المغالطة في نسبة إخبار أولياء الله بالشيء قبل حدوثه إلى علم الغيب المنفي غير الله عزّوجلّ ، هذا فضلاًً عمّا في تلك المغالطة من إنكار لشيء مادّي ملموس!! أعني المصنّفات الكثيرة المؤلّفة في غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام قبل ولادته ، وفيها من الاخبار الكثيرة المتواترة ما يكشف عن غائب بالتحديد وشخص أعين لا مجال للاشتباه فيه أو الترديد ، وهو ما شهد به غير واحد ممّن ذكرناه.

خامساًً ـ مكونات الوحدة الموضوعية للغيبة عند الإمام الصادق عليه‌السلام :

نعني بمكونات الوحدة الموضوعية للغيبة عند الإمام الصادق عليه‌السلام :

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ / ٢٠ ، وبصائر الدرجات : ٣١٩ / ٢ باب ٥ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٣٥ / ٦ باب ٣٣, وعيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٢٣ باب ٦.

٢ ـ تفسير روح المعاني / الألوسي ٢٠ : ١١ مبحث في : ( قل لا يعلمُ من في السّموات والأرض الغيب إلاّ الله ) سورة النمل : ٢٧ / ٦٥.

١١٩

المفردات التي اشتملت عليها أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام في موضوع الغيبة في معزل عمّا تقدم من أحاديثه عليهم‌السلام في تشخيص هوية الإمام الغائب ، لنرى هل كونت فيما بينها نسيجاً موحّداً؟ أو كانت مجرّد أحاديث متفرقة لا يمكن صياغة عقد منها بعد ترتيبها في نظام واحد؟

ثم لو أمكن لها ذلك ، فهل استطاعت تلك الأحاديث من تتّسم بالعمق والشمول والسعة؟ أم انها انتظمت في سلكها لا غير.

وبعبارة اُخرى : هل استطاعت أحاديث الإمام الصادق عليه‌السلام ـ كما ندعيه نحن في هذه الدراسة ـ من تكوين وحدة موضوعية متجانسة كافية في مقام معرفة من هو الإمام الغائب على وجه التحديد ، وبلا أدنى حاجة إلى التماس أحاديث اُخرى عن اهل البيت عليهم‌السلام للكشف عن هوية الإمام الغائب ، أو أنها وقفت في سياقها التاريخي ولم تستوعب الاجابة على ما يحيط بغيبة الإمام الغائب من تساؤلات؟

ونود قبل بيان مكونات تلك الوحدة التوفر على مسألة مهمة تتصل اتصالاً مباشراً بعلم الحديث الشريف فنقول :

اتسم أكثر الحديث الصحيح الوارد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام بمعارف غنية كثيرة ، وذات دلالات متنوعة على الرغم من مركزية الدلالة الأم في تلك الاحاديث وظهورها بشكل واضح.

ومن هنا نجد في أغلب كتب الحديث اضطرار المحدّث إلى إعادة

١٢٠