الدليل الفقهي

محمد الحسيني

الدليل الفقهي

المؤلف:

محمد الحسيني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز ابن إدريس الحلّي للدراسات الفقهيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

على الرغم من تطور علم أصول الفقه ، وخاصة في المدرسة الشيعية ، فإن هناك نقصا واضحا على مستوى المعاجم وعلى مستوى التطبيقات ، وإذا كانت قد صدرت عدة معاجم في هذا الحقل ، ومنها كتابي (معجم المصطلحات الأصولية).

فإن هذا الحقل لا يزال يشكو فراغا كبيرا على مستوى التطبيقات الفقهية ، إذ يعيش الطالب انفصاما واضحا على هذا المستوى ، فيعيش في الدرس أمثلة افتراضية يرددها المدرّس في حين تغيب عن بال المدرّس ـ قبل الطالب ـ الأمثلة الفقهية التي تضج بها الموسوعات الفقهية.

وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب ، وهو ـ فيما أعلم ـ أول محاولة لجمع التطبيقات الفقهية لقواعد ومسائل أصول الفقه ، بحيث يتاح للمدرّس والطالب على السواء الوقوف على هذه الأمثلة والتطبيقات وتكون في حوزته ، وهي تطبيقات مهمة وتدخل الطالب في دورة تدريبية وتكسبه دربة في هذا الحقل.

وقد أستلت هذه التطبيقات من كتب وموسوعات فقهية جليلة ومعروفة وصنّفت معجميا.

ويحسن أن نذكّر بالتالي :

٥

١ ـ اقتصرت التطبيقات على ما له ثمرة وما يكثر في الاستنباط ، مع أنه احتفظ بعدد من المصطلحات الأصولية رغم قلة ثمرتها الفقهية لفوائد علمية.

٢ ـ جرى منهج الكتاب على ذكر الأمثلة والتطبيقات للمصطلح الأصولي ، أو الإحالة إليه ب (انظر ..) وهو إشارة ـ غالبا ـ للمصطلح نفسه ، أو الإحالة إليه ب (راجع ..) وهو ـ غالبا ـ إشارة إلى التطبيقات في الموضع المحال إليه.

٣ ـ جرى المنهج على ذكر عدة تطبيقات ، أو تطبيق واحد حسب أهمية المصطلح ، وكثرة تداوله عند الفقهاء.

وقد يكون التطبيق الواحد موردا لأكثر من مصطلح ، لأنه يتضمن الإشارة إلى أكثر من مصطلح أصولي.

٤ ـ جرى تصنيف مصطلحات أصول الفقه ومسائله وفقا لمنهج كتابي (معجم المصطلحات الأصولية) مع حذف بعض المصطلحات التي تقل ثمرتها فقهيا.

٥ ـ ما ورد من تطبيقات فقهية لا يعني بالضرورة صحتها عند جميع الفقهاء ، إذ يرد التطبيق ـ أحيانا كثيرة ـ وفقا لرؤية فقهية معيّنة ومبنىّ أصولي معيّن.

ختاما ، أذكر أن هذا الكتاب محاولة تأسيسية ولبنة أوّلية ، ولذلك نأمل أن تدفع باتجاه محاولات أخرى تتبعها.

نستمد من الله تعالى العون والتسديد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد السيد طاهر الياسري الحسيني

دمشق ١٥ / ربيع الآخر / ١٤٢٧ ه

١٣ / أيار / ٢٠٠٦ م

٦

حرف الالف

ـ الإباحة :

ويراد بها تخيير الشارع للمكلفين بين إتيان فعل وتركه دون ترجيح من قبله لأحدهما على الأخر.

* قد ثبت بالأدلة الخاصة من الكتاب والسنة إن الأشياء كلها والأفعال ـ عدا الظلم ـ على الإباحة الأصلية ، وأن حكمها في أصل التشريع الإلهي هو الإباحة ، وأن التحريم والمنع هو الذي يطرأ عليها ، إما بنفسها ، وإما بطروّ عناوين ثانوية عليها ، فحليّة العمل البشري ـ مثلا ـ مرتبطة بحرية البشر وتسخير الطبيعة لهم ، ولا يرفع اليد عن هذه الحلية إلّا بدليل.

** ومما استدل على حليته وبقائه على الإباحة العمل مع (ولاة الجور) ، ما لم يكن ذلك العمل مستلزما للاعتراف بشرعية الجائر وشرعية سلطته ، أو يوجب وقوع العامل والمتعامل معه في مباشرة ظلم الناس والعدوان عليهم ، أو يجعله شريكا له في ظلمهم ، أو إذا كان المتعامل معه ضعيفا في شخصيته ، وفي مناعته الدينية والأخلاقية.

ـ راجع : الاستصحاب

ـ الإباحة الاقتضائية :

وهي الإباحة الناشئة عن وجود ملاك في أن يكون المكلف مطلق العنان.

* كما في الأدلة الدالة على جواز كشف الوجه واليدين للمرأة ، فإنه من موارد الإباحة الاقتضائية ، إذ أن للمرأة أن تستر وجهها إذا

٧

شاءت ، بل يمكن أن يقال إنه أولى لها إذا لم تقتض أوضاع حياتها مخالطة المجتمع.

وجواز الكشف ـ مع وجود مقتضي الستر ـ ناشئ من مقتض آخر أقوى من مقتضى الستر ، وهو أن الستر الكامل وعزل المرأة عن المجتمع بصورة شاملة يؤدي إلى عجز المرأة عن القيام بأي نشاط اجتماعي شخصي أو عام ، ومفسدة تعطيل المرأة عن العمل في المجتمع وشلّ نشاطها فيه أشد من مفسدة كشف الوجه مع ستر سائر الجسد ، ومع جميع القيود الاحترازية الأخرى.

ـ الإباحة اللااقتضائية :

وهي الإباحة الناشئة عن خلو الفعل المباح من أي ملاك يدعو إلى الإلزام فعلا أو تركا.

ـ راجع : الإباحة الشرعية

ـ الإباحة الشرعية :

وهي الإباحة التي تستند إلى النصوص الشرعية.

* كما في إذن الشارع للمكلف بإتيان الفعل على الكيفية التي يريدها ، ما دامت تلك الكيفية في حدود الإذن ، كما في قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [سورة البقرة : ٢٢٣].

وإنما اعتبرت إباحة شرعية ، لأن أصل الإذن على الكيفية منصوص عليه من قبل الشارع ابتداء.

٨

ـ الابتلاء :

وهو ترقب حصول الفعل من المكلف.

ـ راجع : الانحلال في العلم الإجمالي

: الاحتياط الشرعي

: السيرة المتشرعية

ـ الاجتهاد الاستصلاحي :

وهو طريق لوضع الأحكام الشرعية مما ليس فيه كتاب ولا سنة بالرأي المبني على قاعدة الاستصلاح.

* وذلك ببذل المؤهّل للاجتهاد وسعه من أجل التوصل إلى المراد الإلهي من نصوص الوحي ، وذلك بتطبيق الكليات العامة والمستنبطة من الكتاب والسنة في جلب كل منفعة ودرء كل مفسدة ، وذلك كما في الحكم بأن مخالفة إشارات المرور أمر حرام ، يثاب المكلف على الكفّ عنه ويعاقب على فعله ، وذلك بدليل الاجتهاد ، الذي تأكد من خلاله ما يترتب على مخالفة إشارات المرور اليوم من مفسدة حقيقية جسيمة متمثلة في كونها أحد أسباب حوادث القتل والاصطدام ، فإذا كان أصل درء المفسدة أصلا معتبرا ، كانت مخالفة إشارات المرور مفسدة ، لذا فإنه لا بد من درئها شرعا.

ـ الاجتهاد القياسي :

وهو طريق لوضع الأحكام الشرعية للوقائع الحادثة ، مما ليس فيه كتاب ولا سنة ، بالقياس على ما في نصوص الشارع من أحكام.

٩

* وذلك ببذل الوسع من أجل التوصل إلى إثبات حكم أو نفيه لواقعة لم يرد فيها نص قطعي ، ولا نص ظني مباشر ، ولم يظهر إجماع صحيح سابق ، وهو الذي يسمى عند بعض الأصوليين الاجتهاد بالرأي ، لأن مبناه على الرأي المحمود غالبا ، وهو الذي يسميه بعض الأصوليين تخريج المناط ، وذلك كما في استكشاف علة حرمة الربا ، وأن علته الطعم ، أو الأقتيات ، أو الوزنية ، أو الكيلية ، أو استكشاف علة قصر الصلاة ، وأنها المشقة.

ـ الاجتهاد المركب :

(انظر : الإجماع المركب)

ـ الاجتهاد المقاصدي :

وهو استفراغ المؤهّل للاجتهاد (المجتهد) طاقته من أجل الكشف عن المقاصد العامة التي تنتظمها نصوص الوحي ، وبذلك تراعى المعاني والحكم الملحوظة للشارع من أحكامه ، كما في مقصد التيسير ، ونفي الحرج عن عموم المكلفين ، فإن ذلك مما علم عن طريق جملة من التكاليف التي رفعت عن المكلفين تخفيفا عنهم ، ورفعا لدخول الحرج على عمومهم.

ومن ذلك : الحفاظ على الضروريات الخمس ، أو الست ، كما في : النفس ، والدين ، والعقل ، والعرض ، والنسل ، والمال.

ـ الإجزاء :

ـ ويعني الإتيان بالمطلوب به من المولى جامعا لجميع ما هو معتبر فيه من الأجزاء والشرائط شرعية أو عقلية ، سواء كان

١٠

الأمر اختياريا ، أم اضطراريا ، أم ظاهريا ، على نحو يعتبر الامتثال لنفس ذلك الأمر.

ـ أو هو عبارة عن تأثير إتيان متعلق الأمر في حصول غرض الآمر لينتج سقوط الأمر.

* ورد في رواية ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أعار ثوبا ، فصلى فيه ، لا يصلّى فيه ، قال : «لا يعلمه» ، قال : قلت : فإن أعلمه؟ قال : «يعيد».

والسؤال قد يكون في مدى إجزاء الصلاة الواقعة مع النجس جهلا مع ثبوت النجاسة بخبر صاحب اليد ، وقد يكون السؤال حول حجية خبر صاحب اليد.

وقد يقال : إن الرواية مدلولها المطابقي هو وجوب الإعادة وبطلان الصلاة ، ومدلولها الالتزامي ثبوت النجاسة بخبر صاحب اليد. وما دلّ من الروايات على نفي الإعادة عمن صلى في النجس جهلا يوجب سقوط مدلولها المطابقي ، ومعه يسقط المدلول الالتزامي.

** في رواية زرارة عن المعصوم (ع) أنه قال : «إذا اجتمع عليك حقوق الله أجزأها عنك غسل واحد» ، بمعنى كفاك غسل واحد.

ـ راجع : أصالة البراءة الشرعية

: الشرط المتأخر

: المتعلق

: الترتب

ـ الإجماع :

ـ اتفاق خاص.

ـ اتفاق المجتهدين من أمة محمد (ص) بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي.

(جمهور علماء السنّة)

١١

ـ كل قول قامت حجته ، وإن كان قولا واحدا.

(النظام)

ـ اتفاق أمة محمد (ص) خاصة على أمر من الأمور الدينية.

ـ اتفاق أهل الحل والعقد من المسلمين على حكم شرعي.

ـ اتفاق عدد كبير من أهل النظر والفتوى في الحكم بدرجة توجب إحراز الحكم الشرعي.

* لو أصبح المكلف يوم الشك بنية الإفطار ثم بان له أنه من الشهر ، فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء ، وأمسك بقية النهار وجوبا تأدبا.

وقد وقع البحث في هذا الوجوب ، والظاهر أنه من المتسالم عليه بينهم ، بل لعله من الواضحات التي يعرفها حتى عامة الناس ، فإنهم لا يشكّون في إن من كان مكلفا بالصوم ، وإن لم يكن منجزا عليه لجهله فأفطر ولو لعذر وجب عليه الإمساك بقية النهار وجوبا تأدبيا ، وإن لم يحسب له الصوم.

فإن تم الإجماع ـ وقد ادعاه بعضهم ـ فلا كلام فيه ، وإلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل ، لعدم الدليل عليه بوجه ، إذ الواجب بعد أن كان ارتباطيا وقد عرضه البطلان الموجب لسقوط الأمر بالصوم في هذا اليوم ، فبأي موجب يلزمه الإمساك في بقية النهار ، فلو لا قيام الإجماع لكفى في نفي هذا الوجوب أصالة البراءة عنه.

ـ راجع : الاستحسان بالإجماع

ـ الإجماع البسيط :

هو الاتفاق على رأي معيّن في مسألة أو حكم شرعي ما.

ـ راجع : الإجماع المنقول

: الإجماع المركب

١٢

ـ الإجماع التعبدي :

ويراد به الإجماع الذي يعتبر حجة ، وذلك لكشفه عن رأي المعصوم.

* وقع البحث عند الفقهاء في مسألة ما إذا أجنب المكلف ونام ، فإنه لو أصبح وهو مجنب من دون غسل فإنه يقضي يوما.

وقد وقع الكلام في ما لو نام وأفاق ثم نام ثالثة ، فإن بعض الفقهاء أوجبوا الكفارة في النومة الثالثة ، وذلك بدعوى الإجماع ، إذ لم ترد الإشارة إلى الكفارة في أية رواية.

وقد ردّ الإجماع لعدم كونه إجماعا تعبديا يكشف عن رأي المعصوم على نحو يكون الإمام (ع) داخلا في المجتمعين ، خاصة وأن القائلين بالوجوب من القدماء جماعة معدودون ، وأشخاص معلومون لم يبلغوا حدا يستكشف معه رأي المعصوم (ع).

ومع ذهاب جمع من المتأخرين إلى الخلاف فإنه لا يعلم بمثل هذا الإجماع ، بل إجماع من هذا القبيل معلوم العدم.

ـ راجع : الإجماع المدركي

ـ الإجماع القطعي :

وهو الإجماع الذي يعلم وقوعه من المسلمين بالضرورة ، كإجماعهم على وجوب الصلوات الخمس ، وتحريم الزنا ، وتحريم شرب الخمر ، ووجوب الزكاة ، والخمس ، والحج.

١٣

ـ الإجماع المتواتر :

ويراد به الإجماع المنقول بطريق التواتر بحيث ينقله جماعة لا يجوز تواطؤهم على الكذب.

ـ راجع : الاجماع المنقول

ـ الإجماع المحصّل :

ـ وهو الإجماع الذي يحصّله ويتحقق من وجوده فقيه من الفقهاء بتتبع أهل الفتوى.

ـ وهو ما ثبت واقعا وعلم بلا واسطة النقل.

أي من حيث تولي المجتهد نفسه البحث عن هؤلاء في المسألة التي يريد معرفة حكمها حتى يحصل على الحكم.

ـ راجع : الاجماع المنقول

ـ الإجماع المدركي :

ويراد به الإجماع الذي يدعيه بعض الفقهاء ، وهو يرجع إلى الأدلة الشرعية من كتاب أو سنة.

* وقع البحث بين الفقهاء في صدق حرمة الصيد في حال الإحرام على محرّم الأكل ، فادعى بعضهم اختصاص الحرمة بالمحلّل.

وقد استدل لذلك بعدة وجوه منها : الإجماع ، ولكن نوقش بأن الإجماع الحجة والمعتبر هو الإجماع التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم ، لا الإجماع المدركي ، إذ يحتمل أن يكون هذا الإجماع مدركيا لاحتمال استناد المجمعين في ذهابهم إلى اختصاص

١٤

الحرمة بالمحلل الأكل إلى ما ذكروا من وجوه ، كما في دعواهم عدم صدق الصيد على المحرّم الأكل ، مع المناقشة فيه لورود الخبر. كما عن علي (ع) : «صيد الملوك ثعالب وأرانب» ، ودعواهم التبادر مع ما فيه من مناقشات ليس المقام محلا لذكرها.

ـ الإجماع المركب :

ـ وهو عبارة عن الاستناد إلى رأي مجموع العلماء المختلفين على قولين أو أكثر في نفي قول آخر لم يقل به أحد منهم. وتارة يفرض أن كلا من القولين ينفي قائله القول الآخر بقطع النظر عن قوله ، وأخرى يفرض أنه ينفيه بلحاظ قوله وفي طوله ، لاستلزامه نفي غيره.

وقد اختلف في حجية الإجماع المركب بالمعنيين المتقدمين واتفق على حجيته على الفرض الأول ، واختلف في حجيته على الفرض الثاني ، تبعا لاختلاف المباني والنظريات.

ـ عبارة عن الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في المآخذ لكن يصير الحكم مختلفا فيه بفساد أحد المأخذين. مثاله : انعقاد الإجماع على انتقاض الطهارة عند وجود القيء والمس معا ، لكن مأخذ الانتقاض عند البعض القيء ، وعند الشافعي المس ، فلو قدّر عدم كون القيء ناقضا فإنه لا يقال بالانتقاض ، ثم فلم يبق الإجماع ، ولو قدّر عدم المس ناقضا فالشافعي لا يقول بالانتقاض فلم يبق الإجماع أيضا.

* ادعي الإجماع على نفي اللزوم عن البيع المعاطاتي (البيع غير اللفظي).

١٥

وقد نوقش بعدم وضوح معقد الإجماع ، وعدم كونه موحدا ، ولذلك فلا ينفع مثل هذا الإجماع ، لأن قول الأكثر ، وإن كان ينفي اللزوم أي القول بعدم اللزوم إلّا أن الأكثر ـ بعد افتراض كونهم يقولون بالإباحة ـ يكون اتفاقهم على نفي اللزوم من باب نفي الملك نفسه ، لا نفي اللزوم الذي هو وصف للملك.

هذا كله ، إذا كان الإجماع المدّعى إجماعا بسيطا ، ولكن قد يدّعى الإجماع المركب ، وذلك بدعوى أن الاصحاب بين قائل بالملك الجائز ، وبين قائل بعدم الملك رأسا ، (بل الإباحة) ، فيكون القول الثالث ، وهو القول بالملك اللازم مخالفا لهذا الاتفاق.

وقد ناقش فيه البعض : بأن الإجماع المركب إنما يكون حجة إذا كان راجعا إلى الإجماع على القدر المشترك ، بحيث يكون القدر المشترك بين القولين موردا للإجماع ، وفي المقام ليس كذلك ، لأن عدم اللزوم وإن كان هو القدر المشترك بين القولين ، إلّا أن سلب اللزوم بالقياس إلى الإباحة موضوعي ، لكونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وسلبه بالقياس إلى القول بالجواز محمولي ، فيرجع إلى دعوى الاتفاق على القدر المشترك بين السلب الموضوعي والمحمولي ، وهو غير مفيد.

ـ الإجماع المنقول :

ـ وهو الإجماع الذي لم يحصّله الفقيه وإنما ينقله له من حصّله من الفقهاء ، سواء كان النقل له بواسطة أم بوسائط ، وتارة يكون الإجماع المنقول منقولا بأخبار آحاد ، وأخرى يكون منقولا بالنقل المتواتر.

ـ وهو الإجماع المنقول بأخبار لم تبلغ حد التواتر.

١٦

* ادعي الإجماع على نجاسة الخمر عند فقهائنا الشيعة الإمامية. يقول العلامة الحلي في كتابه (المختلف) : «الخمر ، وكل مسكر ، والفقاع ، والعصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار ، أو من نفسه ، نجس. ذهب إلى ذلك أكثر علمائنا ، كالشيخ المفيد ، والشيخ أبي جعفر ، والسيد المرتضى ، وأبي الصلاح ، وسلار ، وابن إدريس.

وقال أبو علي بن أبي عقيل : من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما ، لأن الله حرمهما تعبدا ، لا لأنهما نجسان. وقال أبو جعفر ابن بابويه : لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر.

لنا : أولا : الإجماع على ذلك. فإن السيد المرتضى قال : «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر ، ألّا ما يحكى عن شذاذ» ،

وقال الشيخ : «الخمر نجس بلا خلاف». وقول السيد المرتضى والشيخ حجة في ذلك ، فإنه إجماع منقول بقولهما وهما صادقان ، فيغلب على الظن ثبوته ، والإجماع كما يكون حجة إذا نقل متواترا فكذا إذا نقل آحادا. انتهى كلام العلّامة الحلي.

جدير ذكره : إن العلّامة الحلي لم يدّع الإجماع المحصّل الذي وقف عليه بإحراز مباشر ، بل أنه اعتمد على نقل الإجماع ، وهو نقل بأخبار آحاد الثقاة ، ولم يصل إلى درجة النقل المستفيض.

ولذلك لا بد من الفراغ من حجية الإجماع المنقول بأخبار الآحاد ، وهو عند المعظم ليس حجة.

بل إن الإجماع هو إمارة عقلائية بحساب الاحتمال ، ولذلك لا بد من ملاحظة ما يتدخل في الكشف عن الحكم الواقعي إثباتا ونفيا ، ليقدر مدى إمكان حصول الاطمئنان على أساس الإجماع المنقول.

١٧

ـ الإجمال :

ويراد به عدم وضوح المراد من اللفظ ، بسبب غرابة أو استعمال العام وإرادة الخاص ، أو بسبب كون اللفظ مشتركا.

* روى محمد بن الحسن الصفار قال : كتبت إليه : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع : «إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل».

وقد نوقش في الاستدلال بها على قبول ميت المسلم الطهارة بالغسل لجهة إجمال كلمة (الغسل) وترددها بين (الغسل) و (الغسل) بالمعنى الحدثي الرافع للحدث ، وعلى التقدير الثاني يكون مفهوم الرواية عدم وجوب غسل المس لو كان الميت مغسلا ، وهو أجنبي عن محل الكلام.

وربما يناقش فيها باستظهار إرادة الغسل الخبثي لا الحدثي من الكلمة ، وذلك بقرينة أن السائل إنما سأل عن غسل اليدين والبدن ، ولا بد من حمل الجواب على معنى يكون معه مطابقا للسؤال.

ـ راجع : الاستصحاب القهقرائي

: الشبهة الوجوبية

ـ احترازية القيود :

(انظر : قاعدة احترازية القيود)

الاحتياط الاستحبابي :

(انظر : الاستحباب)

ـ راجع : أصالة الحلية

١٨

ـ الاحتياط الشرعي :

وهو عبارة عن حكم الشارع بلزوم إتيان ما احتمل وجوبه وترك ما احتملت حرمته.

ويراد به حكم الشارع بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكاليف أو اجتنابها ، عند الشك بها والعجز عن تحصيل واقعها ، مع إمكان الإتيان بها جميعا أو اجتنابها.

* كما في مسألة النظر إلى وجه المرأة بدون تلذذ ، أو في مسألة ستر الوجه والكفين للمرأة ، فإنه وإن لم يدل دليل واضح عند بعض الفقهاء على حرمة النظر إلى وجه المرأة ، وفي مسألة ستر وجه المرأة وكفيها ، فإنه احتاط في المسألتين ، وذلك رعاية للدين.

وقد نوقش ذلك بأن الاحتياط في مثل هذه المسائل مما لا دليل عليه مع كونه من المسائل التي يكثر الابتلاء بها ، مما يؤدي إلى الحرج الشديد ، مما قد يكون خلاف مقصد الشارع المقدس.

ـ راجع : الحكم الظاهري

: الشبهة الوجوبية

: الظاهر

ـ الاحتياط العقلي :

وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجز إذا كان ممكنا.

ـ الارادة الجدية :

ـ وهي إرادة المتكلم حين صدور الكلام منه على نحو يريده جدا ، بمعنى أنه الأساس الذي من أجله أراد المتكلم أن نتصور تلك المعاني في كلامه.

١٩

ـ إرادة المتكلم المعنى المستعمل فيه اللفظ.

(انظر : أصالة الجهة)

ـ الإرادة الاستعمالية :

ـ وهي إرادة المتكلم استعمال اللفظ في المعنى.

ـ وهي إرادة المتكلم حين صدور الجملة منه على نحو يريد أن يتصور السامع معاني كلماته.

(انظر : الاستعمال)

ارتكاز العرف :

وهو عبارة عن الشعور المختزن لدى العرف لتحديد المراد.

ـ راجع : مناسبات الحكم والموضوع

: الأمر الارشادي

ـ ارتكاز المتشرعة :

والمراد به شعور معمّق بنوع الحكم الذي يصدر عن فعله أو تركه المتشرعون لا يعلم مصدره على التحقيق.

(انظر : السيرة المتشرعية)

ـ الأداء :

وهو القيام بالواجب في الوقت المعيّن له شرعا ، كما في الإتيان بالصلوات في وقتها ، ورمي الحجارة في الحج في وقتها ، والصوم في وقته ، كما في صوم شهر رمضان ، أو صوم النذر المعيّن بوقت.

ـ راجع : الأصل المثبت

٢٠