في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

١
٢

٣
٤

الإهداء

إلى روح والدتى النبيلة

إلى واحدة من أعظم الأمهات

فى التاريخ الإنسانى

إلى روح والدتي العظيمة

أهدى هذا الكتاب

ابنك عامر النجار

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

فى هذا الكتاب أتناول فرقا ثلاث تعد من أخطر المذاهب المعاصرة مقدما للإسلام ، وهى فرق البابية والبهائية والقاديانية ، فمثلا بالنسبة للبابية والبهائية فإن أفكار هما تقوم على أساس التلفيق والتوفيق بين المذاهب والأديان الموجودة فى المجتمعات المعاصرة فى محاولة منهما خبيثة ما كرة لهدم العقائد الأخرى ، وبالتحديد محاولة النيل من الإسلام ومن مباديه السامية الرفيعة الصالحة لكل زمان ومكان.

وفى هذه الدراسة نعرض لجذور البهائية وأعنى جذورها البابية ، فالباب الشيرازى مؤسس البابية هو ذاته أستاذ البهاء المازندرانى مؤسس البهائية.

ولقد استخدم الرجلان فى عرض مباديهما أخطر منهج عرفه الغلاة وهو التأويل الباطنى ، ذلك المنهج الّذي استخدمه أعداء الإسلام من الفرق الباطنية والإسماعيلية وغلاة الشيعة وغلاة الصوفية ، ومن هنا كانت تلك العقائد الضالة الغريبة عن فكرنا الإسلامى الصحيح ومن خلال هذه الدراسة ألقيت الضوء على أساتذة الباب وتلاميذه ، وفكر الشيرازى البابى ، وعقائد وشرائع البهائية فى الدعوة لمذاهبها ومبادئها ، وبينت عقائد وشرائع البهائية أيضا.

٧

وحاولت أن أتعرف على الفرقتين من خلال المراجع الأصلية وكتب الفرقتين والتزمت الموضوعية فى عرضى لمذهبيهما.

أما بالنسبة للفرقة الثالثة وهى القاديانية ، فقد ألقيت ضوءا حول صلة القاديانية بالاستعمار الإنجليزى وبينت مراحل القاديانى الفكرية من بداية ادعائه الإلهام والكشف ثم مرحلة ادعائه أنه المهدى المنتظر والمسيح الموعود ، ثم ادعائه الوحى والنبوة.

وفى مبحث آخر قمت بالرد على أفكار ومبادي القاديانية ، وبينت ختم النبوة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وإجماع الصحابة ، وكشفت عن كذب القاديانى فى نبوءاته. ثم خصصت مبحثا عن أسس مبادي القاديانى وهى الحلول والتناسخ ، والتأويل ، وإلغاء فريضة الجهاد فى الإسلام خدمة للمستعمر الإنجليزى.

وفى الختام بينت نشاط وأخطار أتباع القاديانى بعد هلاكه ، كما أوضحت حكم الإسلام فى القاديانيين. وقد التزمت بالموضوعية والنزاهة العلمية فى عرضى للقاديانية .. هذا وبالله تعالى التوفيق والسداد.

٨

القسم الأول

البابية

المبحث الأول : أساتذة الباب وتلاميذه.

المبحث الثانى : مؤتمر بدشت.

المبحث الثالث : الشيرازى وفكره.

المبحث الرابع : عقائد البابية.

المبحث الخامس : الشريعة عند البابية.

٩
١٠

المبحث الأول

أساتذة الباب

من أين استقى الباب فكره.

إن أستاذه الأول هو كاظم الرشتى تلميذ الشيخ أحمد الأحسائي مؤسس فرقة" الشيخية" الشيعية.

فمن هو أستاذ الباب :

إنه الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي ، ولد عام ١١٥٧ ه‍ ١٧٤٤ م ، وقتل ١١٦٦ ه‍ ١٧٥٣ م بمنطقة الإحساء بالمنطقة الشرقية من المملكة السعودية (١) ، والشيخ أحمد الأحسائي من علماء الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ، وقد تلقى تعليمه وعقائدها فى إيران خصوصا فى " يزد" و"كرمانشاهان" و" كربلاء" وذهب أيضا إلى" قزوين".

وكان كثير التأليف ويذكرون أن له مائة وأربعين كتابا (٢) ورسالة ، وإن كثيرا من الشيعة الإمامية يعتبرونه عالما بارزا من علمائهم ومتكلما فحلا من متكلميهم ، ويدافعون عنه ويعتبرون ما ذكر عنه تهم ظالمة حيكت حول الرجل ، يقول عنه محمد حسين آل كاشف الغطاء أحد متكلمى الشيعة البارزين ، إنه من أكابر العلماء المجتهدين والزهاد الورعين ، فيقول عنه فى

__________________

(١) عملت بها أستاذا للملل والنحل بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالإحساء.

(٢) من مؤلفاته" العصمة والرجعة" و" حياة النفس" و" شرح الزيارة الجامعة الكبرى".

١١

كتابه الآيات البينات فى قمع البدع والضلالات : " كان العارف أحمد الأحسائي فى أوائل القرن الثالث عشر وحضر على السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء ، وله منهما إجازة تدل على مقامه عندهما وعند سائر علماء ذلك العصر ، والحق أنه رجل من أكابر علماء الإمامية وعرفائهم وكان على غاية الورع والزهد والاجتهاد فى العبادة كما سمعناه ممن نثق به ممن عاصره ورآه ، نعم له كلمات فى مؤلفاته مجملة متشابهة لا يجوز من أجلها التهجم والجرأة على تفكيره (١). وقد لاقى فكر هذا الرجل مقاومة عنيفة من علماء إمامية أخلصوا فى بحثهم عن الحق والحقيقة فى فكر الأحسائي وثبت لهم خروجه عن الفكر الإسلامى الصحيح.

ولعل من أبرز من درسوه دراسة موضوعية نزيهة ووضع فكره فى إطاره الدقيق ميرزا محمد رضا الهمدانى فى كتابه" هدية النملة" والشيخ محمد مهدى الخالص فى كتابه" رسالة الشيخية والبابية" ، والناظر فى كتابات الأحسائي يتضح له أنه من الغالين فى أمير المؤمنين على بن أبى طالب غلوّا شديدا ، بل إن المستشرق براون يعتبره من" الشيعة الحلولية الذين يعبدون عليّا" (٢).

وإن علماء مدينة" يزد" الإيرانية نشروا عنه أخبارا بمجافاة تعاليمه للسنة القويمة ، وتحدوا بصفة خاصة آراءه فى أمور الآخرة ، وهى آراء أنكر فيه ـ فى قولهم ـ البعث بالأجساد وفسّره بأنه بعث روحى خالص" (٣).

__________________

(١) الأحسائي ، أحمد : فهرست تصانيف العلامة : ص ٥.

(٢) دائرة المعارف الإسلامية ، طبعة دار الشعب بالقاهرة ، المجلد الثانى ، ص ٢٥٤.

(٣) المرجع السابق : ص ٢٥٥.

١٢

ويذكر هؤلاء العلماء أن الشيخية ـ أتباع الشيخ أحمد الأحسائي يقولون : " إن الحقيقة المحمدية تجلت فى الأنبياء قبل محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تجليا ضعيفا ، ثم تجلت تجليا أقوى فى محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم اختفت زهاء ألف سنة ، وتجلت فى الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتى ، ثم تجلت فى كريم خان الكرمانى وأولاده إلى أبى قاسم خان.

وهذا التجلى فى الحقيقة هو أعظم التجليات لله ، والأنبياء ، والأئمة والركن الرابع من الشيخ أحمد الأحسائي إلى ما بعده هم شيء واحد ، يختلفون فى الصورة ، ويتحدون فى الحقيقة التى هى الله ظهر فيهم.

ويعتقدون أن محمدا رسول الله ، وأن الأئمة الاثنى عشر هم أئمة الهدى ، ومعنى الرسالة ، والإمامة عندهم أن الله تجلى فى هذه الصورة ، فمنهم رسول ، ومنهم إمام ، ويعتقدون أن اللاحقين هم أفضل من السابقين ، وعلى ذلك فالشيخ أحمد فى رأى أصحابه أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين ، ويعتقد هؤلاء بالرجعة ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة رجع وتجلى تجليا أقوى فى الركن الرابع الّذي هو الشيخ أحمد ومن يأتى بعده (١).

ولقد غالى الشيخ أحمد الأحسائي فى الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأئمة الاثنى عشر غلوّا شديدا ، وبلغ به الغلو فى أن يعتبرهم علة مادية لجميع المخلوقات ، بل يقول إن الأشياء خلقت من أجلهم وأنهم السبب الأكبر لوجود هذا العالم ، وأنهم مخلوقون من عظمة الله ، وتصل به المبالغة حدّا إلى أن يقول : " وإنهم المحيون والمميتون والمتصرفون فى شئون العالم ؛ لأن

__________________

(١) عبد الحميد ، محسن : حقيقة البابية والبهائية ، طبعة دار الصحوة بمصر ، ١٤٠٥ ١٩٨٥ م ، ص ٣١ نقلا عن هدية النملة للميرزا محمد رضا الهمدانى.

١٣

الله قد أذن لهم ذلك ، وأنهم مخلوقون من نور عظمة الله ، وهم ليسوا من جنس البشر (١) ، ويقول الدكتور محسن عبد الحميد : " إن كلام الأحسائي فى المعاد غامض ، ويتحمل ما اتهموه من أنه كان يقول بالمعاد الروحانى .. كما أنه فى كتابه" الرجعة" يبدو خرافى العقل ؛ لأنه يحشد عشرات الروايات الكاذبة والقصص الخرافية لتأييد وجهة نظره فى الرجعة وما يتبعها من الحوادث ، وهو لا يتورع أن يسند بعض هذه الأحاديث الأكاذيب إلى الكتب الصحاح" (٢).

وقد توفى صاحب فرقة" الشيخية" الشيخ أحمد الأحسائي عام ١٢٤٢ ه‍ ١٨٢٧ م أثناء أدائه فريضة الحج بمكة ودفن بالبقيع بالمدينة المنورة ، وخلفه فى مدرسته تلميذه كاظم رشتى ، وهو أستاذ ميرزا على الشيرازى صاحب المذهب البابى.

__________________

(١) المرجع السابق : ص ٣٤.

(٢) المرجع السابق : ص ٣٤.

١٤

كاظم رشتى

ولد فى إقليم" رشت" بإيران سنة ١٢٠٥ ه‍ ١٦٩٠ م وكانت وفاته عام ١٢٤٥ ه‍ ١٨٤٣ م ، والتقى وهو شاب فى حوالى السادسة والعشرين من عمره فى مدينة" يزد" الإيرانية وفى" طهران" بالشيخ أحمد الأحسائي الّذي تتلمذ على يديه وأخذ عنه فكره ومباديه" الشيخية" ، ويعد كاظم الرشتى الرجل الّذي لعب دورا خطيرا فى نشر عقائد الأحسائي والمبشر الحقيقى بالبابية والداعى لتلميذه على الشيرازى صاحب البابية.

وكان كاظم الرشتى يجيد الكتابة والتأليف ، فمن كتبه المعروفة عند غلاة الشيعة والبابية كتاب" دليل المتحيرين" الّذي كتبه تمجيدا لأستاذه الأحسائي وتعريفا به ، وله شرح لقصيدة عبد الله العمرى فى مدح على بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، ويظهر فى القصيدة مدى الغلو الكبير وإضفاء القداسة والعصمة لعلى بن أبى طالب ، رضى الله عنه. والحقيقة أن فى فكر الأستاذ والتلميذ غلوّا واضحا عن فكر الشيعة الإمامية.

وقد حاك كاظم الرشتى كثيرا من الأساطير حول كرامات أستاذه أحمد الأحسائي ولم يتورع فى أن يضع الأحاديث الموضوعة والأوهام والأحلام الكاذبة فى سبيل تأكيد مذهب الشيخية ، فيقول مثلا فى كتابه" دليل المتحيرين" : " إن مولانا رأى الإمام الحسن عليه‌السلام ذات ليلة يضع لسانه المقدس فى فمه ، فمن ريقه المقدس ومعونة الله ، تعلم العلوم ، وكان

١٥

فى فمه كطعم السكر ، وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك ، ولما استيقظ أصبح فى خاصته محاطا بأنوار معرفة الله" (١).

ومن يتأمل فكر الرشتى وكلماته يجد أنها" ترشح بما هو ادعى وأمر مما ترشح به كلمات شيخه" (٢) ، بل إنه كان يدعى الكشف والإلهام ؛ ولهذا سمى طريقته الكشفية محدثا فى ذلك تطورا فى طريقة شيخه الأحسائي.

وكاظم الرشتى هذا هو الّذي مهد الطريق لظهور الباب ، فقد أشاع بين تلاميذه قرب ظهور المهدى ، وأنه واحد منهم ، وكان يشير بالذات إلى تلميذة الشيرازى ، فيقول أحد مؤرخى البابية الكبار وهو الميرزا جانى الكاشانى الّذي قتل لبابيته : " إن السيد كاظم كان كثيرا ما يشير بالكتابة والتلويح إلى أن المهدى هو" الميرزا على محمد الشيرازى" وإن الرشتى مع شيخوخته وكبر سنه ومقامه ، كان يكرم" الميرزا على محمد" ويحبه إلى أن كان يحير الآخرين ويجعلهم فى ريبة وشك! وكان يومئ إليهم بأن هذه الاحترامات لا تليق إلا بشخص يكون هو الموعود (٣) ؛ ولهذا فإن الرشتية أو الكشفية كانوا يعتقدون تماما فى الشيرازى بأنه الموعود وهم الذين اعتقدوا بعد ذلك فيه وفى بابيته.

وكان الرشتى يؤكد على قرب ميعاد ظهور الموعود فيقول : " إن الموعود يعيش بين هؤلاء القوم ، وإن ميعاد ظهوره قد قرب ، فهيئوا الطريق

__________________

(١) عبد الرزاق الحسنى : البابيون والبهائيون ، ماضيهم وحاضرهم ، طبعة العرفان بلبنان ، ١٩٥٧ م ص ١٦.

(٢) شاه عبد العزيز غلام الدهلوى : مختصر التحفة الاثنى عشرية ، نقله من الفارسية إلى العربية الشيخ الحافظ : علام محمد بن محيى الدين عمر الأسلمي ، واختصره علامة العراق : محمود شكرى الألوسى ، وحققه وعلق على حواشيه الشيخ : محب الدين الخطيب ، طبع بالمطبعة السلفية بمصر ، ١٣٧٣ ه‍ ، ص ٢٢.

(٣) إحسان إلهى ظهير : البابية عرض ونقد ، طبعة إدارة ترجمان السنة ، باكستان ، ١٤٠١ ه‍ ١٩٨١ م ، ص ٥٧ ـ ٥٩.

١٦

إليه ، وطهّروا أنفسكم حتى تروا جماله ، ولا يظهر لكم جماله إلا بعد أن أفارق هذا العالم ، فعليكم بعد فراقى أن تقوموا على طلبه ، ولا تستريحوا لحظة واحدة" (١).

فالرشتى هو الّذي أصّل فكرة المهدى المنتظر عند الشيرازى ، وهو الّذي أوحى إليه بفكرة الباب وفكرة نسخ الشرائع القديمة ، وكان يقول له : " إن الشريعة وأصول الآداب هو غذاء الروح ؛ لذلك يجب أن تكون الشرائع متنوعة ، وعلى ذلك يجب نزع الشرائع القديمة" (٢).

وهذا كلام خطير للغاية أدى إلى تضخيم المسألة عند الشيرازى وتطور الأمر إلى نسخ الشريعة الخاتمة باعتبار أنه وريث نبوة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعندى أن كاظم الرشتى هو المحرك الحقيقى لظهور البابية نتيجة غلوه فى فكر أستاذه الأحسائي ، ثم بدعوته لظهور المهدى ، وإشارته تصريحا وتلميحا إلى أنه على الشيرازى.

وقد لقيت أفكار الرشتى قبولا واستحسانا عظيمين لدى كل من يريد أن ينخر ويخرب فى عقائد المسلمين ، وها هو" كنياز دالجوركى" المترجم بالسفارة الروسية وأحد رواد حلقة كاظم الرشتى باسم إسلامى" الشيخ عيسى النكرانى" الّذي كان صديقا حميما لعلى الشيرازى .. كتب فى مذكراته التى نشرت فى مجلة الشرق السوفيتية سنة ١٩٢٤ ـ ١٩٢٥ بعد سقوط القيصرية مبينا أهمية إشعال الخلافات الدينية بين المسلمين للقضاء

__________________

(١) المرجع السابق : ص ٥٧.

(٢) د. محسن عبد الحميد : حقيقة البابية والبهائية ، ص ٣٥.

١٧

على وحدة الإسلام ، وقال : إنى سألت الرشتى يوما عن المهدى أين هو؟ فقال : أأنا أدرى؟ يكون هنا فى هذا المجلس .. عندئذ لمح الخيال فى خاطرى كالبرق الخاطف ، وأردت إنجازه وإبداله فى صورة الحقيقة فرأيت فى المجلس الميرزا على محمد الشيرازى ، فتبسمت وصممت فى نفسى على أن أجعله ذلك المهدى المزعوم.

ومنذ ذلك اليوم بدأت كلما أجد الفرصة والخلوة أرسخ فى ذهنه أنه هو الّذي سيكون القائم الموعود ، ويوميّا كنت أخاطبه : يا صاحب الأمر ، ويا صاحب الزمان والمكان ، فكان فى أول الأمر بدأ يترفع ويتأفف لهذا القول ويتنكر ، ولكنه لم يلبث إلا القليل ، حتى كان يبدى السرور والفرحة من هذه المخاطبات" (١).

وهنا يبدو لنا واضحا دور أعداء الإسلام فى محاولاتهم تفتيت عقائده عن طريق نشر هذه الخزعبلات التى تشوه صورة الإسلام الوضيء.

ووجد رجل آخر يقال له ملا حسين البشروئى فى على محمد الشيرازى ضالته فأوهمه أنه المهدى المنتظر وأنه الباب ؛ فخلع عليه الباب لقب" باب الباب" و" أول من آمن".

وقد وصل الأمر بالشيرازى إلى أن يقول بعد ذلك : " أنا أفضل من محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أن قرآنى أفضل من قرآن محمد ، وإذا قال محمد بعجز البشر عن الإتيان بسورة من سور القرآن ، فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف من حروف قرآنى ، إن محمدا كان بمقام الألف وأنا بمقام النقطة .. ثم لقب نفسه" بالذكر" ، وزعم أنه المراد من الآية :

__________________

(١) المرجع السابق : ص ٣٥.

١٨

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر" ٩] ، ومن قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] (١).

__________________

(١) محمد فاضل الحراب فى صدر البهاء والباب ، طبع دار المدنى ، جدة ، ١٤٠٧ ه‍ ١٩٨٦ م ، ص ١٦٦ ، ص ١٦٧.

١٩

الملا حسين البشروئى

هو تلميذ كاظم رشتى أحد دعائم المدرسة الشيخية التى أسسها الشيخ أحمد الأحسائي كما أشرنا إلى ذلك من قبل ، وكاظم رشتى هذا هو الّذي زعم بأن المهدى سيظهر بعد وفاته ، وكان يطلب من تلاميذه الجد فى البحث عنه.

وكان الملا حسين البشروئى أكثر طلبته بحثا عنه ، وقد وجد ضالته فى الميرزا على الشيرازى ؛ ولهذا أطلق عليه الباب لقب" باب الباب" ولقب" أول من آمن" ، وكان الملا حسين البشروئى الخراسانى أبرز الرجال الذين أرسلهم الباب للتبشير بدعوته ، وهو الّذي أقنع" ميرزا نورى" (البهاء) وأخوه يحيى (صبح أزل) بأن يدخلا فى البابية.

والبشروئى نسبة إلى بلده بوشير ، وبوشير أو بوشهر ثغر من أهم ثغور الفرس ، وقد ولد فى وسط أسرة فقيرة لا ذكر لها ، وارتحل بعد سنوات ليتلقى دروسه على يد كاظم رشتى الّذي سقاه لبان المدرسة الشيخية وحين التقى بالميرزا على الشيرازى وجد فيه ما يبغيه من طموحات عريضة فأوهمه أنه الباب وأنه المهدى ، بل وأنه نبى هذا الزمان ؛ فأنعم عليه الباب بلقب باب الباب ، ولقب أول من آمن كما ذكرنا ، يقول عنه البهاء فى كتابه الإيقان : " ومنهم جناب الملا حسين الّذي صار محلّا لإشراق الظهور ولولاه ما استوى الله على عرش رحمانيته ، وما استقر على كرسى صمدانيته" (١).

__________________

(١) محمد فاضل : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ١٩٧.

٢٠