للناس وإيهام لهم أن ما أتاه ترجمة ، وما هو بترجمة. وتلك خيانة لهم ولما زعم ترجمته ، والله لا يهدى كيد الخائنين.
تنبيهان مفيدان :
(أولهما) : أنه لا فرق بين الترجمة الحرفية والتفسيرية من حيث الحقيقة ، فكلتاهما تعبير عن معنى كلام فى لغة بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانى الأصل ومقاصده. وما الفرق بينهما إلا شكلى وهو أن يحل كل مفرد فى الترجمة الحرفية محل مقابله من الأصل ، بخلاف التفسيرية كما بينا. فلا تظن بعد هذا أن كلمة ترجمة تنصرف إلى الحرفية أكثر مما تنصرف إلى التفسيرية كما يظن بعض الناس. بل التفسيرية أثبت قدما ، وأعرق وجودا ، وأقرب إلى الأذهان عند الإطلاق لأنها هى الميسورة ؛ وهى الواضحة ، وهى التى يتداولها المترجمون والقراء جميعا. أما الحرفية فإنها تكاد تكون نظرية بحتة ، وذلك من تعسرها أو تعذرها ، ومن غموضها وخفائها أحيانا ، ومن ندرة إقبال التراجم والقراء عليها كما سبق.
(ثانيهما) أن تفسير الأصل بلغته ، يساوى تفسيره بغير لغته ، فيما عدا القشرة اللفظية. ألا ترى أنك إذا قرأت درس تفسير للخاصة كاشفا فيه عن معان معينة باللغة العربية ، ثم قرأت هذا الدرس عينه للعامة كاشفا عن هذه المعانى نفسها ولكن بلغة المخاطبين العامية ، فهل تشك فى مساواة هذا التفسير لذاك فى بيان المعانى المعينة التى فهمتها من الأصل؟. وهل تجد بينهما خلافا إلا فى لغة التعبير وقشرة اللفظ؟.
إذا لاحظنا ذلك أمنا الاشتباه من هذه الناحية ، وأمكن أن نستغنى فى بحثنا هذا بذكر المساوى عن ذكر مساويه ؛ ثقة بأن ما يقال فى أحدهما يقال مثله فى الآخر. فتنبه إلى ذلك دائما ، وبالله توفيقى وتوفيقك.