تلخيص البيان في مجازات القرآن

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

تلخيص البيان في مجازات القرآن

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: محمد عبد الغني حسن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣
١
٢
٣

٤

مقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المجازات في القرآن

لعل أول كتاب وأقدمه فى « مجازات القرآن » هو الكتاب الذي صنفه أبو عبيدة بهذا العنوان. فإن هذا الرواية من أسبق الرواة إلى التصنيف والتدوين ، لأنه جاء بعد قتادة بن دعامة السدوسي ( المتوفى سنة ١١٧ ه‍ ) . وأبى عمرو بن العلاء ( المتوفى سنة ١٥٤ ه‍ ) وهما لم يخلفا لنا أثرا مكتوبا ، وإنما كانت الأخبار تنقل عنهما مشافهة. أما أبو عبيدة معمر بن المثنى ( المتوفى سنة ٢٠٩ ه‍ ) فقد ترك بعده طائفة من الكتب زادت على المائة ، كما عدها صاحب « الفهرست » . ومن حسن الحظ أن يطبع كتابه « مجاز القرآن » طبعة محققة لأول مرة فى المكتبة العربية (١) .

وليس كتاب أبى عبيدة فى مجازات القرآن بالمعنى الاصطلاحي الذي تناوله الشريف الرضى فى كتاب « تلخيص البيان ، فى مجازات القرآن » وهو ذلك المعنى الذي يوضع اصطلاحا فى مقابل « الحقيقة » كما فعل البيانيون فى تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز. لا ! ليس كتاب أبى عبيدة فى مجازات القرآن بهذا المعنى. ولكن لفظة « المجاز » عنده تساوى طريق الجواز إلى فهم اللفظة القرآنية ، فهو أقرب إلى تفسير غريب القرآن منه إلى الكشف عن وجوه البيان فيه بالمعنى الذي يريده البيانيون (٢) . فالمجاز القرآنى ـ عند أبى عبيدة ـ لا يعدو أن يكون

__________________

(١) حققه السيد فؤاد سزجبن الأديب التركي بجامعة استنبول بمعاونة المستشرق ريتر ، ونشره السيد سامى الخانجى بالقاهرة سنة ١٩٥٤.

(٢) نؤكد هنا أن « مجازات القرآن » لأبى عبيدة لا يدخل فى علوم البيان. وقد وهم مؤلفا « الوسيط فى الأدب العربي » حين ذكرا ذلك فى ص ٢٢٩ وعدا مجازات أبى عبيدة أول كتاب دون فى علوم البلاغة والبيان. والحق أنه تفسير لألفاظ القرآن على طريقة اللغويين لا البيانيين ...

٥

تفسيرا لألفاظ القرآن ومعجما لمعانيه. وإذا شئنا أن نأخذ أبا عبيدة بنص كلامه فإننا لا نجد أصرح من مقدمته فى الدلالة على ما ذهبنا إليه. فإنه يقول : ( فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسألوا عن معانيه ، لأنهم كانوا عرب الألسن ، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه ، وعما فيه مما فى كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص. وفى القرآن مثل ما فى الكلام العربي من وجوه الإعراب ، ومن الغريب ، والمعاني ) (١) .

وما لنا ومقدمة أبى عبيدة لنستدل منها على أن المجاز عنده هو تفسير المعنى من غير نظر إلى الاصطلاح البياني الذي لم يظهر فى القرن الثاني الهجري ، وإنما ظهر على شكل لمع متناثرة قليلة فيما كتبه الجاحظ أولا ، وفيما كتبه ابن قتيبة بعده فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » وكان ذلك فى النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ؟ نقول : ما لنا ومقدمة أبى عبيدة مع أن كتابه كله بين أيدينا فنرى فيه أنه يعنى بالمجاز تفسير المعنى للألفاظ القرآنية ؟

ويتناول القرآن كله من فاتحة الكتاب فالبقرة فآل عمران سورة سورة ، فيعرض ما فى كل سورة من الألفاظ يشرحها شرحا لغويا ويفسر غريبها ويقيم إعرابها ، ذاكرا من الشعر العربي الفصيح ما يؤيد المعنى الذي ذهب إليه ، كقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ عَذابٌ أَلِيمٌ [ أي موجع من الألم ، وهو فى موضع مفعل. قال ذو الرمة :

و يرفع فى صدور شمردلات

يصكّ وجوهها وهج أليم

الشمردلة : الطويلة من كل شىء ] (٢) .

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ : [ أي بغيهم وكفرهم ، يقال : رجل عمه ، وعامه ، أي جائر عن الحق. قال رؤبة :

و مهمه أطرافه فى مهمه

أعمى الهدى بالجاهلين العمّه ] (٣)

__________________

(١) صفحة ٨ من « مجازات القرآن » لأبى عبيدة.

(٢) مجازات أبى عبيدة ص ٣٢.

(٣) المصدر السابق ص ٣٢.

٦

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ : [ سقوه حتى غلب عليهم ، مجازه مجاز المختصر ؛ أشربوا فى قلوبهم العجل : حب العجل : ] (١) وأين هذا من كلام الشريف الرضى فى هذه الآية : [ .. وهذه استعارة ، والمراد بها صفة قلوبهم بالمبالغة فى حب العجل ، فكأنها تشربت حبه ، فمازجها ممازجة المشروب ، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ. وحذف حب العجل لدلالة الكلام عليه ، لأن القلوب لا يصح وصفها بتشرب العجل على الحقيقة ] .

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي : [ أي يجيبونى ، قال كعب الغنوي:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي : فلم يجبه عند ذاك مجيب ] (٢) .

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً : [ وهى مصدر عال فلان : أي افتقر ، فهو يعيل. وقال :

و ما يدرى الفقير متى غناه

و ما يدرى الغنىّ متى يعيل ] (٣)

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ : [ مجازها : أن كل شىء غيّب عنك شيئا فهو غيابة. قال المنخل بن سبيع العنبري :

فإن أنا يوما غيّبتنى غيابتى

فسيروا مسيرى فى العشيرة والأهل

والجب : الركية التي لم تطو ، قال الأعشى :

لئن كنت فى جب ثمانين قامة

و رقّيت أسباب السماء بسلّم ] (٤)

وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا : [ مجازه : لأستميلهم

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٤٧.

(٢) المصدر نفسه ص ٦٧.

(٣) مجازات القرآن لأبي عبيدة ص ٢٥٥.

(٤) المصدر نفسه ص ٣٠٢.

٧

ولأستأصلنهم ، يقال : احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره ، أخذه كله واستقصاه ] . (١) .

وأين هذا من قول الشريف الرضى فى هذه الآية : [ وهذه استعارة على بعض التأويلات فى هذه الآية ، وهو أن يكون الاحتناك هاهنا افتعالا من الحنك. أي لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها غير ممتنعة على قائدها ، وهى عبارة عن الاستيلاء عليهم ، والملكة لتصرفهم كما يملك الفارس تصرف فرسه ، بثني العنان تارة ، وبكبح اللجام مرة. وقال يعقوب فى « إصلاح المنطق » : حنك الدابة يحنكها حنكا ، إذا شد فى حنكها الأسفل حبلا يقودها به ، وقد احتنك الدابة ، مثل حنكها ، إذا فعل بها ذلك. وقال بعضهم : لأحتنكن ذريته ، أي لألقين فى أحناكهم حلاوة المعاصي حتى يستلذوها ويرغبوا فيها ويطلبوها ، والقول الأول أحب إلى. وقال بعضهم : لأستأصلن ذريته بالإغواء ، ولأستقصين إهلاكهم بالإضلال ، لأن اتباعهم غيه ، وطاعتهم أمره يؤولان بهم إلى موارد الهلاك ، وعواقب البوار. وقال الشاعر :

نشكو إليك سنة قد أجحفت

و احتنكت أموالنا وجلّفت

أي أهلكت أموالنا ، ويقال : احتنكه ، إذا استأصله وأهلكه. ومن ذلك قولهم : احتنك الجراد الأرض : إذا أتى على نبتها. وقيل أيضا : المراد بذلك لأضيقن عليهم مجارى الأنفاس من أحناكهم ، بإيصال الوسوسة لهم ، وتضاعف الإغواء عليهم. ويقال : احتنك فلان فلانا : إذا أخذ بمجرى النفس من حنكه ، فكان كالشبا فى مقلته ، والشجا فى مسعله ] (٢) .

يتضح من هذه الأمثلة التي نقلناها هنا من « مجازات القرآن » لأبى عبيدة ما قررناه من

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٢٨٤.

(٢) انظر ذلك فى كتاب « تلخيص البيان » فى مجاز هذه الآية من موضعها فى سورة بنى إسرائيل.

٨

انه استعمل « المجاز » بمعنى التفسير ، وأن المجاز البياني المقابل للحقيقة لم يكن فى حسبانه وهو يصنف فى مجازات القرآن ، وأن عنوان كتابه قد يوهم القارئ بأنه أول من ألف فى المجاز البياني للقرآن ، مع أن منهجه فى الكتاب بعيد عن ذلك بعدا عظيما.

وإذا صح ما ذكره صاحب « الفهرست » من أن لأبى عبيدة كتابا اسمه « غريب القرآن » فليت شعرى أين يكون موضوع هذا الكتاب من كتابه فى مجازات القرآن ؟ أ ليس كتاب المجازات هو فى الحق كتابا فى غريب القرآن أو فى تفسير ألفاظه ؟ فهل يكون الكتابان اسمين على مسمى واحد ؟ أو قد يكون ابن النديم وهم فحسب أن « غريب القرآن » لأبى عبيدة هو كتاب آخر غير المجازات له ؟

على أن مما يزيد المشكلة تعقيدا أن صاحب « الفهرست » لم يذكر كتاب « مجازات القرآن » لأبى عبيدة وهو يسرد أسماء الكتب المؤلفة فى معانى القرآن ومشكله ومجازه (١) ، ولكنه ذكر كتاب « معانى القرآن » لأبى عبيدة. فهل يكون هذا الكتاب هو « مجازات القرآن » الذي تم طبعه أخيرا ، أم يكون كتابا آخر غيره لا يزال مستسرا فى ضمير الغيب. ؟

__________________

(١) الفهرست لابن النديم. طبع القاهرة ص ٥١.

٩

الجاحظ ومجازات القرآن

لعل الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ ه‍ هو أول من استعمل المجاز فى القرآن بالمعنى المقابل للحقيقة ، وهو ذلك المعنى القريب جد القرب مما استعمله البيانيون المتأخرون ، وبهذا كان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ هو أول مصنف عربى استعمل لفظتى المجاز والاستعارة على نحو يقرب مما قصد بهما عند البلاغيين. فهو لا يريد بكلمة المجاز ذلك المعنى الذي قصده أبو عبيدة بالتفسير ، ولكنه يريد ذلك الشيء المقابل للحقيقة. ونراه فى مواطن متفرقة من كتابيه « الحيوان » و « البيان والتبيين » يشير إلى المجاز والاستعارة إشارات تعد أول ما سجل منهما بالمعنى البياني فى المؤلفات العربية. حتى ليعد الجاحظ بذلك أول رائد للبلاغة العربية بمعناها الاصطلاحي الذي أخذ يتطور على الزمن حتى بلغ قمته على يد السكاكي ، والقزويني وغيرهما من أعلام البلاغة الفنية.

ولعل من أوائل اللمع البيانية عند الجاحظ قوله فى « الحيوان » : [ باب آخر فى المجاز والتشبيه بالأكل ، وهو قول الله عزوجل : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا وقوله تعالى عز اسمه : ﴿ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ وقد يقال لهم ذلك ، وإن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ، ولبسوا الحلل ، وركبوا الدواب ، ولم ينفقوا منها درهما واحدا فى سبيل الأكل ، وقد قال الله عزوجل : ﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وهذا مجاز آخر ] (١) .

ولا يكتفى الجاحظ بهذه اللمعة البيانية الواضحة بل يضيف إليها بابا آخر فى مجاز الذوق : [ وهو قول الرجل إذا بالغ فى عقوبة عبده : ذق ! وكيف ذقته ؟ ! وكيف وجدت طعمه ؟ ! وقال عزوجل : ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ .... وقال يزيد بن الصعق :

__________________

(١) الحيوان. بتحقيق عبد السلام هارون. ج ٥ ص ٢٥.

١٠

و إن الله ذاق حلوم قيس

فلما ذاق خفتها قلاها

رآها لا تطيع لها أميرا

فخلّاها تردد فى خلاها

فزعم أن الله عزوجل يذوق .... وللعرب إقدام على الكلام ، ثقة بفهم أصحابهم عنهم ، وهذه أيضا فضيلة أخرى.

وكما جوزوا لقولهم أكل وإنما عضّ ، وأكل وإنما أفنى ، وأكل وإنما أحاله ، وأكل وإنما أبطل عينه ـ جوزوا أيضا أن يقولوا : ذقت ما ليس بطعم ، ثم قالوا : طعمت لغير الطعام. وقال العرجى :

و إن شئت حرّمت النساء سواكم

و إن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

وقال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ، فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي يريد : لم يذق طعمه ] (١) .

فالمجاز عند الجاحظ هو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له ، على سبيل التوسع من أهل اللغة ، ثقة من القائل بفهم السامع.

وقد حلت هذه النظرة الجاحظية البيانية كثيرا من المشكلات التي قامت بسبب التعبيرات القديمة. فقد أنكر المنكرون وعلى رأسهم الحسن قول القائل : طلع سهيل ، أو برد الليل ، وقالوا فى إنكارهم : إن سهيلا لم يأت بحر ولا ببرد. وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل عن الغيم والسحاب : ما أخلقها للمطر ! ولكن الجاحظ يرى أن إخراج الكلام على وجه المجاز يحلّ المشكلة ويقيم الكلام على وجه سليم ، فهو يقول عن التعبير الأول : ولهذا الكلام مجاز ومذهب. وهو يقول عن التعبير الثاني : وهذا كلام مجازه قائم ، ويقول عن مثال آخر مما ينكره المنكرون : وهذا الكلام مجازه عند الناس سهل.

والحق أن الجاحظ قاس هذه العبارات على نظائرها فى كلام العرب فوجد لها دعامة من

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٣١ ، ٣٢.

١١

الصحة وسندا من القياس السماعي الصحيح ، فإن العرب من قديم تقول : جاءت السماء اليوم بأمر عظيم. والشاعر العربي يقول :

إذا سقط السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

ولكن المنكرين أنكروا لمعنى دينى قائم فى نفوسهم ، وهو إسناد الأفعال جميعها إلى الله تعالى ، تنزيها له عن أن يشركه غيره في فعل ، أو يشاركه فى خلق ، فاحتج لهم الجاحظ بشواهد من اللغة تجيز ما ذهبوا إليه من الاستعمال. أما لفظة « استعارة » التي يكررها الشريف الرضى فى كل آية فيها مجاز ، فقد كان الجاحظ ـ فيما نعلم ـ أول من استعملها بمعنى تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه. فكان بذلك ـ أيضا ـ ممهدا للبيانيين ، ورائدا فى البلاغة العربية. فإن هذه اللفتات البيانية الوجيزة كانت الأساس الذي بنى عليه صرح البيان العربي ، وأخذه الأعاجم فجعلوا منه موضوعا عتيدا لصناعة البيان والبلاغة.

وتصادفنا فى بعض كتب الجاحظ أمثال هذه الإشارات البيانية الاستعارية ، كقوله : [ وقال عزوجل : ﴿ هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ والعذاب لا يكون نزلا. ولكن لما قام العذاب لهم فى موضع النعيم لغيرهم سمى باسمه ... وقال الله عزوجل : ﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا وليس فى الجنة بكرة ولا عشى ، ولكن على مقدار البكر والعشيات. وعلى هذا قول الله عزوجل : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ والخزنة الحفظة ، وجهنم لا يضيع منها شىء فيحفظ ، ولا يختار دخولها إنسان فيمنع منها ، ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به ] (١) .

وكقوله وهو يشرح أرجوزة يقول فيها صاحبها :

و طفقت سحابة تغشاها

تبكى على عراصها عيناها

__________________

(١) البيان والتبين ج ١ ص ١٥٣. طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر

١٢

[ وطفقت : يعنى ظلت. تبكى على عراصها عيناها. عيناها هاهنا للسحاب. وجعل المطر بكاء من السحاب على طريق الاستعارة وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه ] (١).

هذه اللمع البيانية عند الجاحظ لا نراها من الكثرة بحيث تكون مذهبا بيانيا قائما بذاته ، وإنما كانت معالم طريق لمن جاءوا بعده ، فقد أفاد منها تلميذه ابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ ه‍ وخاصة وهو يتحدث عن ألفاظ القرآن فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » .

__________________

(١) المصدر السابق ص ١٥٣.

١٣

ابن قتيبة ومجازات القرآن

جاء بعد الجاحظ تلميذه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ( المتوفى سنة ٢٧٦ ) ، ويشير ابن قتيبة إلى هذا التتلمذ على الجاحظ بقوله فى « عيون الأخبار » مثلا فى أكثر من موضع : [ وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه ، قال ] (١) .

وقد توسع التلميذ فى نظرته إلى الاستعارة والمجاز أكثر من أستاذه قليلا ، وخطا باللمع البيانية عند أستاذه الجاحظ خطوة وسعت دلالات كثير من الألفاظ والاصطلاحات التي أخذت تظهر بعد ذلك بالتدريج فى علوم البلاغة ، فنراه يقول فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » : [وللعرب المجازات فى الكلام ، ومعناها طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة ، والتمثيل ، والقلب ، والتقديم ، والتأخير ، والحذف ، والتكرار ، والإخفاء ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع ، والجميع خطاب الواحد ، والواحد والجميع خطاب الاثنين ، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم ، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص ، مع أشياء كثيرة سنراها فى أبواب المجاز ، إن شاء الله تعالى] (٢) .

ثم نراه يعقد بعد ذلك بابين أولهما فى « المجاز » وثانيهما فى « الاستعارة » فيتحدث عن المجاز فى القرآن ، ويكثر من الأمثلة القرآنية يخرجها تخريجا مجاز يا يبعدها عن الاصطدام بالحقيقة ، ولا يكتفى بالقرآن وحده ، وإنما يذهب إلى الإنجيل فينكر من يرون من النصارى أبوة الولادة فى قول المسيح عليه‌السلام : ( أدعو أبى ، وأذهب إلى أبى ) (٣) ، ويفسر هذا القول

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٣ ص ١٩٩ ، ٢١٦ ، ٢٤٩.

(٢) تأويل مشكل القرآن. طبع عيسى الحلبي ص ١٥ ، ١٦.

(٣) المصدر نفسه ص ٧٦.

١٤

تفسيرا مجازيا فيقول : [ ولو كان المسيح قال هذا فى نفسه خاصة دون غيره ، ما جاز لهم أن يتأولوه هذا التأويل فى الله ـ تبارك وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ مع سعة المجاز ، فكيف وهو يقوله فى كثير من المواضع لغيره ؟ كقوله حين فتح فاه بالوحى : « إذا تصدقت فلا تعلم شمالك بما فعلت يمينك ، فإن أباك الذي يرى الخفيات يجزيك به علانية ، وإذا صليتم فقولوا : يا أبانا الذي فى السماء ! ليتقدس اسمك ، وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن رأسك لئلا يعلم بذلك غير أبيك » . وقد قرءوا فى الزبور أن الله تبارك وتعالى قال لداود عليه‌السلام : « سيولد لك غلام يسمى لى ابنا ، وأسمى له أبا » وفى التوراة أنه قال ليعقوب عليه‌السلام : « أنت بكرى. وتأويل هذا أنه فى رحمته وبره وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده ] (١).

والحق أن الاشتغال بفهم القرآن الكريم ومدارسته وتفسيره كان سببا قويا لظهور هذه المجادلات المجازية الاستعارية ظهورا متميزا فى عصر ابن قتيبة ، وهو عصر بدأ علم الكلام فيه يتميز بظهور طائفة من المتكلمين من أمثال ابن الهذيل العلاف ( المتوفى سنة ٢٣٥ ) وأبى على محمد بن عبد الوهاب الجبائي ( المتوفى سنة ٣٠٣ ) . فقد كان علماء الكلام شديدى الجدل أقوياء العارضة ، وكانت لهم فى الله وصفاته وأفعاله وذاته وفى العدل والجبر والاختيار آراء لا بد لها من الفهم البياني القوى ليؤيدوا بها وجهات نظرهم. فحين يلتقى المفسرون يقوله تعالى : ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا فمنهم من يقول بالكلام على وجه الحقيقة لا على سبيل المجاز ، بدليل توكيد الفعل بالمصدر تكليما ، ومنهم من يقول بالكلام على وجه المجاز. ويقول ابن قتيبة فى إرادة الكلام هنا على حقيقته : [ إن أفعال المجاز لا تخرج منها المصادر ولا توكد بالتكرار. فتقول : أراد الحائط أن يسقط ، ولا تقول : أراد الحائط أن يسقط إرادة شديدة. وقالت الشجرة فمالت ولا تقول : قالت الشجرة فمالت قولا شديدا. والله تعالى يقول :

__________________

(١) تأويل مشكل القرآن ص ٧٦

١٥

﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا فوكد بالمصدر معنى الكلام ، ونفى عنه المجاز ] (١) .

ويدافع ابن قتيبة عن المجاز فى القرآن دفاعا قويا فيقول : [ وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز فإنهم زعموا أنه كذب ، لأن الجدار لا يريد (٢) ، والقرية لا تسأل (٣) . وهذا من أشنع جهالاتهم. وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم ، ولو كان المجاز كذبا ، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا ، كان أكثر كلامنا فاسدا. لأنا نقول : نبت البقل ، وطالت الشجرة ، وأينعت الثمرة ، وأقام الجبل ، ورخص السعر. ونقول : كان هذا الفعل منك فى وقت كذا وكذا ، والفعل لم يكن وإنما كوّن. ونقول : كان الله. وكان بمعنى حدث ، والله جل وعز قبل كل شىء بلا غاية ، لم يحدث فيكون بعد أن لم يكن.

والله تعالى يقول : ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ وإنما يعزم عليه.

ويقول تعالى : ﴿ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وإنما يربح فيها.

ويقول : ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ وإنما كذّب به ] (٤) :

ويصل ابن قتيبة فى دفاعه عن المجازات فى القرآن إلى قمة الدفاع حين يقول : [ ولو قلنا للمنكر لقوله : ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ : كيف كنت أنت قائلا فى جدار رأيته على شفا انهيار : رأيت جدارا ما ذا ؟ لم يجد بدا من أن يقول : جدار ايّهم أن ينقض ، أو يكاد أن ينقض ، أو يقارب أن ينقض. وأيّاما فقد جعله فاعلا. ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى فى شىء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ.

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٨٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة الكهف : « فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه. »

(٣) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة يوسف : « واسأل القرية التي كنا فيها » .

(٤) تأويل مشكل القرآن ص ٩٩.

١٦

وأنشدنى السجستاني عن أبى عبيدة فى مثل قول الله : (يريد أن ينقضّ):

يريد الرمح صدر أبى براء

و يرغب عن دماء بنى عقيل

وأنشد الفرّاء :

إن دهرا يلف شملى يجمل

لزمان يهمّ بالإحسان

والعرب تقول : بأرض فلان شجر قد صاح ، أي طال. لما تبين الشجر للناظر بطوله ودل على نفسه ، جعله كأنه صائح ، لأن الصائح يدل على نفسه بصوته ] (١) .

فهذا السبيل الذي سلكه ابن قتيبة فى مجازات القرآن هو السبيل الذي أفضى إلى تطور الدراسات البلاغية البيانية عند ابن المعتز ( المتوفى سنة ٢٩٦ ه‍ ) وعند الشريف الرضى فى كتابه هذا الذي نقدم له ، وعند الجرجاني ( المتوفى سنة ٤٧١ ه‍ ) وهو مؤلف « أسرار البلاغة » ، في علم البيان ، و « دلائل الإعجاز » فى علم المعاني ، وعند السكاكي ( المتوفى سنة ٦٢٦ ه‍ ) حين ألف كتابه المشهور : « مفتاح العلوم » ، وعند ابن الأثير (٢) ( المتوفى سنة ٦٣٧ ه‍ ) حين ألف كتابيه المشهورين : « المثل السائر » ، و « البرهان فى علم البيان » .

أما الباب الذي عقده ابن قتيبة للاستعارة فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » فهو لا يقل إمتاعا ولا فائدة عن باب المجاز ، وتكاد ألفاظه تكون هى الألفاظ التي استعملها البيانيون بعد هذا. أسمعه مثلا وهو يقول : [ فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة إذا كان المسمى بها بسبب من الأخرى أو مجاورا لها أو مشاكلا. فيقولون للنبات : نوء. لأنه يكون عن النوء عندهم ... ويقولون للمطر : سماء. لأنه من السماء ينزل ، فيقال : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم. قال الشاعر :

إذا سقط السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

__________________

(١) المصدر نفسه ص ١٠٠.

(٢) هو ضياء الدين بن الأثير.

١٧

ويقولون : ضحكت الأرض. إذا أنبتت ، لأنها تبدى عن حسن النبات ، وتنفتق عن الزهر كما يفتر الضاحك عن الثغر ، ولذلك قيل لطلع النخل إذا انفتق عنه كافوره : الضحك ، لأنه يبدو منه للناظر كبياض الثغر. ويقال : ضحكت الطلعة. ويقال : النّور يضاحك الشمس لأنه يدور معها. ] (١) .

ثم يمضى ابن قتيبة فى الكشف عن بعض الاستعارات فى القرآن الكريم ، كالاستعارة فى قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وقوله : ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا وقوله : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا وقوله : ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وقوله : ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ أي كان كافرا فهديناه ، وقوله : ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وغير ذلك من عشرات الآيات التي كشف ابن قتيبة عما بها من استعارة ، على نحو ما صنع الشريف الرضى هنا فى كتابه هذا ، وقد استغرق هذا الباب أكثر من أربعين صفحة من كتاب ابن قتيبة.

وتمضى السنون بعد وفاة ابن قتيبة سنة ٢٧٦ ه‍ ويمضى القرن الثالث بما فيه من موجات أدبية لغوية نحوية كلامية ، وبمن فيه من أمثال أبى عثمان المازني ، وثعلب ، والزجّاج ، وابن الأنبارى ، والسجستاني ، والمبرد ، وغيرهم ، ويجيء القرن الرابع بمن فيه من أمثال ابن خالويه ( المتوفى سنة ٣٧٠ ه‍ ) ، وأبى بكر الزبيدي ( المتوفى سنة ٣٧٩ ه‍ ) ، وابن جنى ( المتوفى سنة ٣٩٢ ه‍ ) ، والسيرافي ( المتوفى سنة ٣٦٨ ه‍ ) ، وأبى على الفارسي ( المتوفى سنة ٣٧٧ ه‍ ) ، وأبى حسن الرماني ( المتوفى سنة ٣٨٤ ه‍ ) وغيرهم فلا نجد كتابا ألف فى « مجازات القرآن » من هؤلاء الأعلام المشتغلين باللغة والنحو. ونرى الشاعر العلوي الأبى الشريف الرضى ينصب همته ، ويلقى عزمه بين عينيه ، فيصنف كتابا فى « مجازات القرآن » هو الذي نقدم له بهذه المقدمة الطويلة وعنوانه :

__________________

(١) تأويل مشكل القرآن ص ١٠٢.

١٨

« تلخيص البيان فى مجازات القرآن »

ظل هذا الكتاب الثمين سرا مطويا فى ضمير الغيب إلى أن وقع السيد محمد المشكاة على نسخة خطية لكتاب يبحث فى آيات القرآن الكريم بعنوان الاستعارة. وقد محا الزمان عنوان المخطوط ، (١) كما عاثت أيدى البلى فى بعض صفحات منه انتزعتها من المخطوط ، فظن السيد المشكاة ـ أول الأمر ـ أنه لمؤلف قديم من الشيعة ، ولكن لم يخطر على باله أن ذلك المؤلف الشيعي المعتدل الرأى ، الكثير النصفة ، العف اللسان هو الشريف الرضى. فلما مضى فى قراءة المخطوط ، لاحظ أن المؤلف يحيل على كتاب له اسمه « حقائق التأويل » ، وهنا قطع الشك باليقين ، واستظهر عن ثقة أن هذا المخطوط الباحث عن الاستعارات فى آي القرآن الكريم هو كتاب الشريف الرضى الذي ظل قرابة عشرة قرون مفقودا ، والذي يشار إليه فى مراجع كثيرة بأنه من كتب الشريف الرضى التي خلفها تراثا غاليا فيما خلفه للفكر العربي من تراث قيم.

ولم تكن الإحالة على كتاب « حقائق التأويل » فى هذه المخطوطة هى وحدها المفتاح الذي كشف عن حقيقة صاحبها وشخصية مؤلفها الشاعر العلوي الفحل ، فهناك بعض المواطن يشير فيها المؤلف إلى كتابه « مجازات الآثار النبوية » ، ولا شك أن المجازات النبوية هى للشريف الرضى وقد طبعت من زمن فى بغداد مرة ، وطبعت فى مصر طبعة محققة ومعلقا عليها بقلم المرحوم الأستاذ محمود مصطفى الذي اشتغل بتدريس الأدب العربي فى كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية. فلم يعد بعد ذلك مجال للشك فى حقيقة صاحب الكتاب.

__________________

(١) تفضل صديقى الدكتور أحمد فؤاد الأهوانى الأستاذ بجامعة القاهرة فأهدى إلى ـ فيما حمله من ألطاف إيران بمناسبة اشتراكه فى مهرجان ابن سينا ـ مخطوطة مصورة من كتاب « تلخيص البيان فى مجازات القرآن » هى التي ننشرها اليوم نشرا علميا ، ونقدم لها بهذه المقدمة التحليلية التي تقوم بذاتها كتابا مستقلا جعلنا عنوانه « الشريف الرضى بين مجازات القرآن والحديث » فله أجزل الشكر بما أتاح لنا من نشر كتاب الشريف الرضى ، الكاشف عن وجوه البيان ، وأسرار البلاغة فى كتاب الله الكريم.

١٩

على أن هاتين الإحالتين ليستا وحدهما الدليل القاطع على صحة انتساب هذا المخطوط لمؤلفه الشريف الرضى ، وقد يكونان وحدهما قاطعين فى الدلالة ، إلا أننا نسوق من الأدلة الحاسمة والبراهين الجازمة ما يقطع بأن هذا الأثر العلمي النفيس هو للشريف الرضى لا لغيره ، وأنه ـ رحمه‌الله ـ ترك فى طى الكتاب من قواطع الأدلة ما يشير بصراحة إليه ، ويدل بقوة عليه.

فهو يقول فى كلامه عن مجازات سورة الرحمن : [ وقد كان والدي الطاهر الأوحد ذو المناقب أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوىّ رضى الله عنه وأرضاه سألنى عن هذه الآية (١) فى عرض كلام جر ذكرها ، فأجبته فى الحال بأعرف الأجوبة المقولة فيها ] .

وما من شك فى أن أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوي هو والد الشاعر العلوي الشريف الرضى. وقد لقب بالطاهر الأوحد ـ كما يذكر ولده المصنف ـ وكان هذا اللقب مما لقبه به أبو نصر بهاء الدولة (٢) بن عضد الدولة بن بويه الذي كان سلطانا على العراق فى سنة ٣٧٩ ه‍ بعد وفاة أخيه أبى الفوارس شرف الدولة بن عضد الدولة بن بويه.

وأكثر من هذا فإنا نجد المصنف يقول فى موطن آخر من المخطوط وهو يتحدث عن الاستعارة فى سورة ص : [ وقال لى الشيخ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي ـ أدام الله توفيقه ـ عند بلوغي عليه فى القراءة من مختصر أبى جعفر الطحاوي إلى هذه المسألة ] (٣) والمعروف أن الشيخ أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي كان أستاذا للشريف الرضى ، وكان شيخه فى الحديث كما أشار هو إلى ذلك أيضا فى كتابه « المجازات النبوية » (٤) .

وفوق هذا فإنا نرى المصنف يقول فى معرض الحديث عن مجازات سورة النحل :

__________________

(١) هى آية « سنفرغ لكم أيها الثقلان » من سورة الرحمن.

(٢) هو بهاء الدولة لا بهاء الدين كما ذكر خطأ فى بعض المراجع الحديثة.

(٣) هى مسألة مسح الرأس كله أو بعضه. وقد عرضت هذه المسألة فى خلال الحديث عن قوله تعالى فى سورة ص « فطفق مسحا بالسوق والأعناق » .

(٤) المجازات النبوية. طبع القاهرة ص ١١٥.

٢٠