القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
ورضي عنهم وأرضاهم ، (١) أولئك الذين لا يشقى جليسهم ، ولا ترد دعوتهم ، يدورون مع الحق حيثما (٢) دار ، والأرض بهم رحيمة ، والجبار عنهم (٣) راض ، جعلهم الله بركة أرضه ، ورحمة على عباده ، فطوبى لهم وحسن مآب.
[الصادق المجتهد]
قال الوافد : صف لي الصادق المجتهد؟
قال العالم : هو الذي لا يعجز عن الاجتهاد فيما يقربه إلى الله ، في تحريكه وسكونه ، وكلامه وقعوده وقيامه ، ثم يجعل اجتهاده من جميع جوارحه ، (٤) ثم يجعل تحريك لسانه ، واستماع أذنه ، وبطش يده ، ومشي رجله ، وأخذه وعطاه ، ونومه ويقظته ، وجميع ما يكون منه في ليله ونهاره ، يصدق بعضه بعضا ، (ثم يجعل طعامه وشرابه ، ولباسه ، وجوعه وعطشه ، وقيامه وقعوده ، وشبعه وريّه ، يوافق بعضه بعضا) (٥) ويجعل جميع ذلك صدقا منه ، وقصدا إلى ما يوافق إرادته ، وليكن ذلك من خالص قلبه ، فإن فعل ذلك كان صادقا في إرادته وعبادته ، فإن (٦) الصادق المحب المستمر في الطاعات ، (٧) ينبذ الدنيا وراء ظهره ، فيظمأ (٨) نهاره ، ويسهر ليله ، ويترك شهوته ، (٩) ويخالف هواه ، ويقصر أمله ، ويقرب أجله ، ويخلص عمله من الآفات والتخاليط ، ويرتعد بدنه من خوف الله ، وقد ترك (١٠) الدنيا عنه ، لما عرف مكرها وخاف مضرتها ،
__________________
(١) في (ب) : وأرضاهم واصطفاهم.
(٢) في (أ) : أينما.
(٣) في (ب) : عليهم.
(٤) في (ب) : الجوارح وصدق تكلفه.
(٥) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٦) في (ب) : من عبادته. وفي (أ) : وإن.
(٧) في (ب) : الطاعة.
(٨) في (ب) : ويظمأ.
(٩) في (ب) : شهواته.
(١٠) في (ب) : عزف. وأشار إلى نسخة أخرى (رفض).
لم ينظر إليها بقلبه ، ولم (١) يمش إليها بقدمه ، ولم يبطش فيها بيده ، حذرا من شرها وفتنتها ، (٢) فهو هارب بنفسه حذرا من أهلها ، فقلبه غير غافل عن الله ، ومداوم على ذكره ، (٣) وقد عزل عن نفسه كل شغل يشغله (٤) عن الله ، وأقبل على قلبه ، فعمره بذكر ربه ، وجعل ذلك صافيا خالصا لله ، فهو خائف وجل مرعوب (٥) من عذابه ، هارب من الدنيا وأهلها ، محافظ على عمله ، قائم على نيته ، (٦) فبذلك يهتدي الضالّ ، ويسلك الطريق ، ويستجيب الله دعاءه ، ويملكه الله من قصور الجنة ، ويزوجه من حور العين ، ويخدمه الولدان ، فطوبى له (٧) وحسن مآب.
[الاخلاص]
قال الوافد : صف لي الإخلاص؟
قال العالم : إن (٨) مثل نور الإخلاص مثل نور الشمس ، لو غطى نور (٩) الشمس أدنى الغيم والغبار ، (١٠) تكدر من ضوئها على مقدار ذلك الغبار ، وإن كانت عين الشمس في ذاتها صحيحة ، ذلك (١١) مثل الصفا والإخلاص. وكذلك كل عمل يكون
__________________
(١) في (أ) : ولا.
(٢) في (أ) : شر قذرها وفتنتها.
(٣) في (ب) : الذكر.
(٤) في (أ) : فقد عزل نفسه عن كل شغله عن الله.
(٥) سقط من (أ) : مرعوب.
(٦) في (أ) : بنية.
(٧) في (ب) : لهم.
(٨) سقط من (أ) : إن.
(٩) في (ب) : عين.
(١٠) سقط من (ب) : الغبار.
(١١) في (أ) : كذلك.
أصله لله خاصة فهو له خالص ، ثم ربما شابه شيء من الدنس والكدر ، (١) فأحبط عليه عمله.
فالآفات التي تحبط العمل سبع :
أولهن : الكبر.
والثاني : الحسد.
والثالث : الحرص.
والرابع : الرياء.
والخامس : العجب.
والسادس : الشهوة.
والسابع : البخل.
فما دخل على المؤمن من هؤلاء فقد نقص عمله وإيمانه. ومثل ذلك مثل (٢) الثوب الجديد الأبيض ، يصيبه شيء من الدنس والغبار ، فيذهب من نوره وصفائه وبهائه بقدر ذلك الغبار والدنس ، وإن كان الثوب في الأصل جديدا لا عيب فيه. كذلك مثل الإنسان في صلاته يكون في طهارته (٣) محكما ، (وفي ركوعه وسجوده محكما ، فظاهره طاهر ، وباطنه محشو من الآفات والتخاليط ، فمن خلط فقد اغتر واستعبده الهوى ، وزين له شيطانه ، وخيلت إليه نفسه الكذب صدقا ، والباطل حقا) ، (٤) ولم يستحق اسم الإخلاص ، ولو أن مؤمنا (٥) بلغ من كرامته عند الله أن يطير في الهوى ، لم يزده (٦) ذلك إلا شدة وخوفا واجتهادا ، وما ازداد إلا خشية ، ولا ازداد إلا عبادة وهيبة ، وما
__________________
(١) في (ب) : الدنس فهو الكدر ، وأحبط.
(٢) سقط من (ب) : عمله. وفي (أ) : كمثل.
(٣) في (أ) : إن كان في الطهارة.
(٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٥) في (ب) : رجلا بلغ من كراماته.
(٦) في (أ) : يزدد.
جعل الله للخالص (١) إلى الرخصة سبيلا ، فمن كان لله أعرف ، فهو له (٢) أخوف ، فينبغي لمن أراد الإخلاص في عمله ، ألا تسكن روعته ، ويكون خائفا وجلا حزينا ، وهذا (٣) إذا كان الخوف والحزن وافقهما القبول من الله عزوجل (٤). لأن الخوف والحزن ينوران الإخلاص ويزينانه ، (٥) وكل عمل لم يكن يوجل عليه القلب فقد حفت (٦) به الآفات من حيث لا يشعر ، لأن لأعمال الطاعات ، آفات مختلفات ، ليس يعرفها كل (٧) مطيع ، وذلك أن المطيع ربما هاج منه (٨) العجب والرياء والفخر والأمان ، من غير أن يعلم بها ، فلا يغفل المخلص عن ذلك ، في ليله ونهاره ، وحركته وسكونه ، وذلك مما يدخل عليه من تمويه (٩) النفس وتلبيس الهوى.
قال الوافد : صف لي صحيح (١٠) الإرادة؟
قال العالم : إذا علم الله من قلبك صحة الإرادة ، وإخلاص العمل ، أوصلك إلى الخير ، (١١) وهدى قلبك ، ويسر أمرك ، وجمع شملك ، (١٢) وهوّن عليك الصعوبة ، وقمع عنك الشهوات ، وبغّض إليك الدنيا ، وبصّرك عيوبها وأدواءها (١٣) حتى تعافها ، وإذا عرف الله منك الصدق والاجتهاد ، وعلم أنك لا تختار عليه غيره ، قبل الله سعيك ،
__________________
(١) في (ب) : واجتهادا في العبادة ، وما ازداد عند الله خشية إلا ازداد عند الله عبادة وهيبة. وأشار في (ب) بنسخة أخرى : للمخلص.
(٢) في (ب) : لله.
(٣) سقط من (ب) : هذا.
(٤) في (أ) : عن الله عزوجل قبول.
(٥) في (ب) : لأن الخوف والحزن معدنان للصفاء ومخ الإخلاص.
(٦) سقط من (أ) : حفت.
(٧) في (ب) : إلا كل. ولعل (إلا). زيادة.
(٨) في (ب) : أن الطاعة ربما هاج من صاحبها.
(٩) في (ب) : أهوية.
(١٠) سقط من (أ) : صحيح.
(١١) في (ب) : الخيرات.
(١٢) سقط من (أ) : جمع شملك.
(١٣) سقط من (أ) : وأدواءها.
وشكر عملك ، وصار اجتهادك تلذذا وحلاوة ، فإذا رآك الله تعمل على الحلاوة ولا تتوانى ، ولا تختار عليه الدنيا ، ولا تتبع هواك ، ولا تطلب شهوتك ، قبل الله منك عملك ، ونثر عليك من صفاء بره ، ونشر عليك من محزون رحمته ، وكثّر عليك من عطائه ، ومنحك من خزائن جوده ، وجزيل مواهبه ومعونته ، ما تقر به عينك ، وما إذا رأيته زادك اجتهادا وخوفا وعزما ، ونضّر أثر ذلك عليك ، وأورث قلبك النور والتقى والهدى ، والشبع من الدنيا ، وأغناك عمن دونه ، وأعطاك من عطائه ، ما لم يحسن أن تتمنى قبل ذلك ، والله كريم يقبل اليسير ، ويعطي عليه الثواب الكثير (١).
قال الوافد : كيف أخلص العمل؟
قال العالم : إنك لا تدرك إخلاص العلم إلا بالعزم ، ومن كمال العزم (٢) قلة التسويف ، ولزوم الصدق ، وتمام النية ، ومن تمام النية إخلاص العمل ، ومن إخلاص العمل الصدق ، ومن الصدق نقاوة القلب ، ومن تمام نقاوة القلب ستة عشر خصلة بعضها على أثر بعض ، وهي درجات الصالحين :
أولها : الإنابة إلى الله سبحانه.
ـ وترك التزين من نفسك ، وترك التصنع للناس ، وترك الحسد.
ـ ورفض (٣) الشهوات.
ـ والزهد في الحطام.
ـ والتجافي عن دار الغرور.
ـ والاستعداد للموت.
__________________
(١) في (أ) : فتعرف زوالها وانتقالها ، فتحرص في التزود منها للآخرة ، فعند ذلك يشكر الله سعيك ، وتجد لإخلاصك واجتهادك حلاوة ، فإذا رآك الله تعمل ولا توانى ولا تختار على طاعته الدنيا ، قبل الله منك عملك ، ونشر خزائن جوده وجزيل مواهبه ما تقر به عينك ، والله كريم يقبل اليسير ويعطي ويجازي بالجزيل.
(٢) سقط من (ب) : ومن كمال العزم.
(٣) في (أ) : وترك.
ـ والانقطاع عن الناس.
ـ والإقبال إلى الله تعالى.
ـ والاتصال بالذكر.
ـ وحسن الخلق.
ـ والرأفة بالمسلمين.
ـ والإنس بالله في الخلوات.
ـ والتشوق (١) إلى الله.
ـ والمحبة لأولياء الله والمحبة له.
ـ والرضاء بالمقادير التي من عند الله.
ـ ثم اليقين فإن الله يعطي العبد على قدر يقينه.
[الحياة الطيبة]
قال الوافد : صف لي الحياة الطيبة؟
قال العالم : اعلم أن الحياة الطيبة لا تدركها إلا بخمسة أشياء :
ـ أولها : العقل.
ـ ثم المعرفة.
ـ ثم اليقين.
ـ ثم العلم.
ـ ثم (٢) الغنى بما عند الله.
__________________
(١) في (ب) : والشوق إليه.
(٢) في (أ) : الواو في جميعها بدل ثم.
فهذه الحياة الطيبة. فإذا أردتها (١) فعليك بهذه الخصال ، فلك في ذلك كفاية. وإذا أردت أن تكون من أهل الصدق في الحياة الطيبة ، فابدأ بنفي العادة الخبيثة ، وألبس (٢) نفسك الصبر والخلق الحسن ، (وأزل عن قلبك الذكر الرديء ، ولا تشغل قلبك بغير ذكر الله وطاعته ، وأمت حرارة الشهوة من نفسك ، وليكن الموت عندك أحب إليك من الحياة ، فإن الصالحين من قبلك تعاهدوا (٣) قلوبهم بالحزن الطويل ، والجهد الثقيل ، يريدون بذلك رضى ربهم ، والتقرب إليه ، فإن أحببت أن تسلك طريقهم ، وتقفو آثارهم ، فحول) (٤) نفسك عن الدنيا وزهرتها ، وأدّب نفسك بالجوع ، وأذلها بالفقر ، وأنّبها (٥) بقرب الأجل ، وأبصر بعينيك إلى عرصة القيامة ، حتى كأنك تحاسب فيها ، فحاسب نفسك قبل ورودك إليها ، واقطع نيتك عن كل شغل يشغلك عن الله ، وتأدب بآداب الصالحين (٦) من قبلك ، رموا بقلوبهم نحو خالقهم (وكلما تحولت قلوبهم إلى غيره ، حملوا عليها بالزجر ، ورجعوا إلى مقامهم ، وقصدوا بأبدانهم نحو قلوبهم ، جهدا منهم ، وأيأسوا أنفسهم عن الدنيا وراحتها) ، (٧) وعوّدوا قلوبهم الجهد وكدّوها في طاعة خالقهم ، (٨) حتى عرف الله منهم الصدق فآتاهم الفرج واليسر (٩) من عنده ، وصرف عنهم العادة الردية الخبيثة (١٠).
(فإذا أردت أن تكون مثلهم فغمض عينيك عن الدنيا ، وأختم أذنيك عن أقاويل
__________________
(١) في (ب) : أردت أن تنالها فعليك بمنازعة النفس ومعاداتها ، ومخالفة الهوى فإن في ذلك كفاية.
(٢) في (ب) : فإذا أردت. وفي (أ) : في طلب الحياة. وفي (ب) : فإنك تنفي العادة. وفي (ب) : ولبّس.
(٣) في (ب) : تناسوا. لعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد ، والله أعلم بالصواب.
(٤) سقط ما بين القوسين من (أ). وبدلا منه هذه الفقرة : واترك الذكر الرديء ، ولا تشغل نفسك بغير طاعة وحول.
(٥) في (أ) : وأدبها بالفقر. وفي (ب) : وموتها بقرب.
(٦) في (أ) : وحاسب نفسك قبل ورودك الحساب ، في الموقف العظيم ، فذلك أدب الصالحين.
(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٨) في (أ) : الله.
(٩) في (ب) : فعند ما عرف الله منهم الصدق والثبات أثابهم بالفرح والسرور.
(١٠) سقط من (ب) : الخبيثة.
أهلها ، واصرف قلبك عن زهرات بهجتها) ، (١) فانقطع إلى ربك ، وأعمر قلبك بذكره ، واستعمل لسانك في شكره ، واجعل قلبك مملوءا من محبته ، وتلذذ بطاعته ، (٢) فإنه يغنيك عن الخلق ، ويهون عليك الصعوبة ، ويخفف عنك (٣) المئونة ، وتصير حرا عن عبودية الدنيا إذا أوصلت حبلك بحبل الله (٤) عزوجل ، (وتسلم من الأشغال ، وتصبح منير القلب ، كثير الذكر ، لذيذ المناجاة ، حريصا على الطاعات ، قليل الزلل والخطأ ، قليل الغفلة ، حسن الفعال ، صافي الذكر ، قليل الكلام والفضول ، واسع الصدر ، خلوتك مع الله لا تزول ، وأنسك بالله ، لا تستوحش إن كنت في القفرة ، ويكثر يقينك في قلبك ، فبدنك مطيع ، ولسانك ذاكر ، وكلامك حق ، وعملك زين ، وسعيك مشكور ، وكل شيء منك نور ، وكل حركة وسكون منك محمود ، قد أعد الله لك النعيم ، في جنة النعيم.
[المتقي العارف]
قال الوافد : صف لي المتقي العارف؟
قال العالم : إن من صفات المتقي العارف ، أن يكون غذاؤه ذكر الله ، ورأس ماله اليقين بالله ، ومطيته الهيبة من الله ، ولباسه التقوى ، وتحريكه التفويض لأمر الله ، وعزمه التسليم إلى الله ، وخوفه التعظيم لله ، وهو محبوس في سجن الرهبة ، مقيد بالحياء ، متنعم بالمناجاة ، قد أمرضه الشوق ، وأشغفه الحب ، فهو مستأنس بطبيبه ، ممكّن (٥) بحبيبه ، وله) (٦) ورع ، لا يشوبه طمع ، ويقين لا يشوبه طلب ، وانتباه لا تشوبه غفلة ، وذكر لا يشوبه نسيان ، وعزم لا يشوبه تواني ، وتعب لا يشوبه عجز ، وعلم لا يشوبه جهل ،
__________________
(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٢) سقط من (أ) : وتلذذ بطاعته.
(٣) في (ب) : عليك.
(٤) في (ب) : خالقك.
(٥) هكذا رسم الكلمة ولم يتضح لي معناها.
(٦) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
ورجاء لا يشوبه غرّة ، ودعاء لا يشوبه فترة ، وتفكر لا يشوبه توهّم ، وتوحيد لا يشوبه تشبيه ، وتصديق لا يشوبه تكذيب ، وتعديل لا يشوبه تجوير. فهذه صفة المتقي (١) العارف.
فعليك بهذه الطريقة فالزمها ، وأقبل عليها بقولك (٢) وفعلك ، (وحركتك وسكونك ، وبصرك وظاهرك وباطنك ، ونظرك وتمييزك ، فإن الخير والبركة بحذاريفها لمن سلك هذه الطريقة.
واعلم أنك إذا صدقت عليها نيتك ، وعلم الله منك المجهود في ذلك ، نصرك عليها وظفّرك بها) ، (٣) فمن صبر على هذه الصفة أربعين يوما لا يشوب عمله بالكدرة والتخاليط والآفات ، (٤) اتقد في قلبه مصباح النور ، وانفتح له عينا قلبه ، (٥) فيبصر بهما إلى جميع الدنيا والآخرة ، فيعرف (٦) (عند ذلك مصائب الدنيا ، ومصائب الآخرة ، فيصبر على مصائب الدنيا ، ويخاف من مصائب الآخرة ، لأن مصائب الدنيا نعم ، ومصائب الآخرة نقم ، فإذا ميز بينهما واعتبر ، أقبل على خيرهما عاقبة ، وعمل لآخرته بطيبة من نفسه ، وانتبه واطمأن ، وعرف أن الآخرة خير من الدنيا ، وتحصّن بذكر الله في دنياه ، وعمل لعقباه) (٧) ، فطوبى له وحسن مآب.
قال الوافد : فما يجب عليه بعد ذلك؟
قال العالم : يجب عليه أن يدعو عباد الله إلى الله ، ويعرّفهم أنهم من ربهم ، فيرغبهم
__________________
(١) في (أ) : المؤمن.
(٢) في (أ) : واعمل بها.
(٣) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٤) في (أ) : فمن داوم عليها أربعين يوما.
(٥) هذا معنى حديث ، أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا في صحيفته / ٣٨٤ ، والقضاعي في مسند الشهاب ١ / ٢٨٥ (٤٦٦) ، والسيوطي في الدرر المنتثرة ١ / ٣٧٣ ، بلفظ : من أخلص لله أربعين يوما تفجرت الحكمة من قلبه على لسانه. وقد أورده كثير من المحدثين في كتب الموضوعات من الحديث.
(٦) في (ب) : فيبصر بنورهما. وفي (أ) : فيعرف (مصائبهما ويميز بينهما ، فإذا عرف أن الآخرة خير من الدنيا ، عمل للآخرة وترك الدنيا).
(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين. وفي (أ) : فطوبى لهم. مصحفة.
ويردهم إلى مولاهم من بعد هربهم منه ، (١) ويحبب إليهم خالقهم ، ويعلمهم شرائع دينه ، ويعرفهم آلاء الله ومنّه ونعمه ، ويلقنهم الشكر ، ويرغبهم بالذكر في طاعته ، ويحذرهم معصيته ، (٢) ويريهم تقصيرهم ، ويخوفهم هجوم الموت عليهم ، ويعلمهم التوبة ، ويدلهم على الله ، (٣) ويعلمهم التوحيد حتى يوحدوا الله ويصدقوه ويعدلوه ، وينشر العلم فنشره غنيمة ، وذلك فعل الأنبياء والصالحين ، ولو سكت العالم هلك العالم والمتعلم جميعا.
ومثل العالم والمتعلم مثل نور الشمس ونور العينين.
افهم لو أن رجلا بصير العينين بقي في بيت مظلم قد سدّ (٤) عليه بابه ، وهو لا يهتدي إلى شيء فيه مخرجه ، أليس يكون متحيرا لا ينتفع ببصر عينيه (٥) ما دام البيت مظلما ، حتى إذا فتح عليه الباب ، وخرج ورأى ضوء الشمس ، انتفع ببصر عينيه عند ضوء الشمس. كذلك المتعلم يكون في بيت الجهل موثقا عليه بابه ، لا يهتدي إلى الخروج حتى يفتح عليه العالم العارف ، (٦) لأن المتعلم يستضيء بنور العالم ، ويهتدي إلى منار طرقه ، (٧) ويخرج من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، فعند ذلك يكون علمه (٨) خالصا من الآفات ، وإنما الجاهل (٩) مثل المكفوف البصر لا ينتفع أبدا بضوء النهار ، والليل والنهار في الظلمة (١٠) عليه سواء. كذلك الجاهل لا يعرف ما هو فيه من ظلمة الجهل
__________________
(١) في (أ) : ويعرفهم ويرغبهم إلى مولاهم ، ويحبب.
(٢) في (أ) : شرائع دينهم ، ويحذرهم معصية ربهم ، ويريهم.
(٣) سقط من (أ) : ويدلهم على الله.
(٤) في (ب) : فسد.
(٥) في (ب) : فيه محتارا. وفي (أ) : ببصره.
(٦) في (أ) : بابه حتى يفتح باب العلم فيتعلم ، لأن.
(٧) في (أ) : المتعلم يهتدي بنور العالم ويخرج.
(٨) في (أ) : عملا.
(٩) في (ب) : فإنما مثل الجاهل مثل.
(١٠) سقط من (ب) : في الظلمة.
وعمى القلب ، فلا (١) يميز بين الحق والباطل ، والجهل داء وشين ، لا يداويه غير العلم.
والعلم شفاء وزين ، لا يدخل معه داء ولا شين ، وليس العلم علم اللسان ، المعلق على ظاهر الإنسان ، الخالي عن القلب ، وإنما (٢) مثله كمثل شبكة الصياد التي ينثر عليها الحب للطير ، وليس يريد بذلك منفعة (٣) الطير ، ولكنه يريد أن يصطادها بذلك الحب المنثور على الشبكة.
كذلك عالم (٤) السوء لا يريد بعلمه رضى الله ، ولكن (٥) يريد رضى نفسه ومنفعتها ، وقد جعل هذا علمه شبكة ، (٦) ليصطاد حطام الدنيا ، وإنما العلم المنجي علم القلوب المنيرة الصافية الخائفة القانعة باليسير ، السليمة من الآفات والتخاليط ، (٧) (وليس العالم من قد أسكره حب الدنيا ، وإنما العالم الذي يعمل للآخرة الباقية ، فهو منتظر للنزول والانتقال ، مشغول يخاف أن يفاجئه الموت بحال من الأحوال ، فقلبه محزون ، وشره مأمون ، يجول بقلبه في الجنة أحيانا ، وفي النار أحيانا ، يخاف أن يكون من أصحاب النار ، ولا يكون من أصحاب الجنة ، فليس له همة غير تفتيش الآفات ، وكثرة الذكر في كل حركة وسكون) ، (٨) وكثرة الذكر لله في الحركة والسكون.
[الغافل المتواني]
قال الوافد : صف لي عمل الغافل المتواني؟
__________________
(١) في (ب) : ولا.
(٢) في (ب) : إنما هذا مثله.
(٣) في (ب) : مرافقة الطير ولا منفعتها.
(٤) في (ب) : العالم.
(٥) في (ب) : ولكنه.
(٦) في (أ) : نفسه ونفاعتها ليصطاد.
(٧) في (ب) : السالمة من. وسقط من (أ) : والتخاليط.
(٨) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
قال العالم : مثل (١) عمله كمثل الصوف المندوف ، تراه عظيما (٢) كثيرا ، فإذا وزنته وجدته قليلا ، (٣) كذلك الغافل الجاهل المتواني ، (٤) يسر بكثرة عدد أعماله ، وليس يعرف إخلاصها ، وهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج ، ويذكر (٥) ويعبد ولا نور لعلمه ولا تزكية ، (٦) ولا إخلاص في قلبه ، وكيف ينال البركة والنور وهو غافل ساه؟! إن قام في الصلاة قام فيها بجسده ، وغفل عنها بقلبه ، (٧) وإن صام تكلم بالرفث والغيبة والكذب ، وإن زكى ماله كانت زكاته كأنها مغرم يخرجها لا تطيب بها نفسه ، (٨) وهو مع ذلك رافع رأسه ، شامخ بأنفه ، (٩) متطاول على الناس ، يتمنى على ربه الدرجات العلى ، وليس معه من الدين قطمير ، (١٠) ولا معه سكينة تمنعه من كثير ما يهوى ، ولا له قوة يكظم بها (١١) غيظه ، ولا حلم يحجزه ، ولا ورع يكفه (ويرده ، ولا له إصابة في كثير مما يدخل عليه من الشبهات) ، (١٢) ثم إذا حركته وجدته قليل العقل ، أعمى القلب ، متزينا في نفسه ، متصنعا للناس ، (١٣) يرائي بأعماله وهو لا يعلم ، (وهو متكبر في عبادته ، ويعلو على الناس وهو) (١٤) يزعم أنه مخلص ، ويزعم أنه متواضع ، ثم تراه
__________________
(١) في (ب) : مثل عمل الغافل المتواني مثل.
(٢) سقط من (أ) : عظيما.
(٣) في (ب) : وزنته لا يقوم في الوزن.
(٤) في (ب) : كذلك الجاهل الغافل يسر.
(٥) سقط من (أ) : ويزكي. وسقط من (أ) : ويذكر.
(٦) سقط من (أ) : ولا نور لعلمه ولا تزكية.
(٧) في (أ) : في قلبه بل هو ساه في صلاته ، يقوم فيها بجسده ويغفل عنها بقلبه.
(٨) في (ب) : لا تطيب نفسه بإخراجها.
(٩) سقط من (أ) : شامخ بأنفه.
(١٠) في (ب) : فإذا حركته لم تر معه من العبادة الخالصة قدر قطمير.
(١١) سقط من (أ) : بها.
(١٢) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(١٣) في (أ) : متصنعا يرائي الناس بأعماله. وفي (ب) مرآئي. بدل يرائي. ولفقت النص من الجميع.
(١٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
حريصا راغبا ، (١) مكبا على الدنيا ، وهو يزعم أنه مأجور على ذلك ، قد (٢) ارتفع بعمله فوق الخلائق من عجبه به ، (٣) وربما تراه يتكلم بكلام الخائفين ، حتى إذا جربته وحدثته (٤) وجدته جاهلا غافلا ، فلا يرضى من الخوف بأن يذم نفسه ، وربما يعتبر ويتفكر ولا ينفعه ذلك ، لأن ذلك لا ينفعه مع غفلته ، ولعله يظن أنه من التوابين منذ دهر طويل ، ولعل عنده من الروايات والأخبار ما ليس عند أحد من الناس ، ثم ليس هو يعرف من عمله إلا الشبهة والكدرة ، والزيادة والنقصان ، (٥) ولا يميز بين شيء من ذلك ، فإنه لو جمع فهمه ونظر إلى نفسه ، لعرف خطاياه ، ثم لو نظر في مطعمه وملبسه وكسبه وحرصه على دنياه لعرف سوء حاله ، ولو حفظ على نفسه سعي بدنه وجوارحه ، وكثرة ما يخرج من لسانه ، لتبيّن له ما يرد عليه في يوم واحد ، ولعلم جراحة دينه ، ثم لو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه ، لترك دنياه وعمل لآخرته ، ولكان حريصا على طلب الخير ، والحذر على نفسه من سوء الحساب وكثرة الأهوال (٦).
[المتوكل]
قال الوافد : صف لي المتوكل الواثق بربه؟
قال العالم : عجبا لمن يثق بالمخلوق ولا يثق بالخالق ، ومن (٧) يهتم بالرزق وقد
__________________
(١) في (ب) : متواضع للناس. وفي (أ) : وأنت تراه حريصا مكبا.
(٢) في (ب) : وقد.
(٣) سقط من (ب) : به.
(٤) سقط من (أ) : وحدثته.
(٥) في (ب) : والنقصان ، ولا المضرة ولا المنفعة. لعلها زائدة.
(٦) في (أ) : حتى إذا جربته وجدته لا يعتبر ولا يفكر ولا يخاف ولا يحذر ، يدخل في عمله الشبهة والكذب والزيادة والنقصان ، ولا يميز بين ذلك ، ولا يعرف خطاياه ، ولو عرف غفلته وزلله في دنياه ، لكان حريصا على طلب الخير والنجاة ، ويحذر على نفسه سوء الحساب وكثرة الأهوال ، ولو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه لعمل للآخرة وترك الدنيا.
(٧) في (أ) : وهو.
ضمن به الرازق ، (١) ثق بكفاية الله واعتمد عليه ، ورد أمورك وأحوالك كلها إليه ، (٢) من لم يثق بضمان مولاه ، وكله إلى خدمة دنياه ، (٣) إن الله تعالى يقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦]. ما أعجب أمرك! تأمن ما دهيت ، وتحزن على ما (٤) كفيت ، ولا تشكر على ما أعطيت.
إلى كم تأسى على المفقود؟! وقد ضمن الرزق الملك المعبود ، إلى كم الحزن على القوت؟! وقد ضمن القوت الحي الذي لا يموت ، الرزق مقسوم ، وطالبه مغموم ، والحريص فيه مهموم ، (٥) ومن جعل بطاعة الله اشتغاله ، كفاه الله (٦) في الدارين أشغاله ، من وكل أموره إلى (٧) مولاه ، لم يكله إلى أحد سواه ، وأغناه وكفاه ، وأعطاه وآواه ، ومن اعتصم بالله وقاه ، ومن استعاذ به أنجاه ، (٨) ومن أمّل إفضاله ، لم يحرمه نواله ، ومن توكل على الوهاب ، لم يخضع لأبناء التراب ، من عرف الله بالصدق ، ساق إليه الرزق (٩) من أيقن أن الله هو المتفضل ، (١٠) لم يكن إلى غيره متوسل ، (١١) من علم أن الله هو الجواد ، سخا بما في يده وجاد ، من عرف أن الله هو المعطي ، لم يعصه أبدا ولا يخطي (من عرف أن الله هو الجواد ، لم يطلب من غيره المراد ، من تيقن أن الله خالق العباد
__________________
(١) في (ب) : له الرزق.
(٢) في (أ) : أمرك إليه ، وأحوالك كلها لديه.
(٣) في (أ) : بضمان الله وكله الله إلى خدمة الدنيا.
(٤) في (أ) : ما أعجل أمرك. وفي (ب) : أمورك. وفي (ب) : تأمن ما رهبت. وفي (ب) : لما كفيت.
(٥) في (ب) : مغموم ، والحريص فيه مهموم.
(٦) في (ب) : جهل بالمولى اشتغاله ، كفاه الموفى .....
(٧) في (ب) : على.
(٨) في (أ) : اعتصم به. وسقط من (ب) : ومن استعاذ به أنجاه.
(٩) في (ب) : عرف أن الله متكفل بالرزق ، ساق إليه أسباب الرزق.
(١٠) في (ب) : من أقر أن الله متفضل.
(١١) في (ب) : على غيره متوكل. ومتوسل خبر كان منصوب على لغة ربيعة.
ومالك البلاد ، لم يعلق بغيره الفؤاد) (١).
أتظن أن من غذاك في الصغر؟ ينساك في الكبر! الذي رفع عنك المئونة وأنت طفل، يأتيك برزقك وأنت كهل ، الذي رزقك وأنت مغيّب جنين ، كيف لا يرزقك وأنت تضرع وتستكين؟! هو سبحانه يرزق من جحده ، فكيف يضيع من وحّده؟! يرزق (٢) الدودة في الصخرة الصماء والطير في الأوكار ، والحيتان في البحار ، والوحوش في القفار ، فكيف يضيع من يذكره (٣) في الليل والنهار ، ويسبحه بالعشي والإبكار ، ويرزق (٤) الجنة والناس ، إلى انقطاع الأنفاس ، عجبا لمن يرفع حوائجه إلى المخلوقين!!
ولا يطلبها من (٥) عند رب العالمين ، عجبا ممن يسأل (٦) حوائجه من ضعيف لا يسجد له أحد!! ولا يسألها ممن يسجد له كل أحد!! (عجبا ممن يتذلل لمحتاج فقير!! ولا يتذلل للغني الكبير!!) ، (٧) عجبا لمن يخضع ويتضعضع للعبد الفقير المحتاج الضرير!! ولا يخضع ويتضعضع للملك القدير!! (٨) الذي يعطي الكثير ، ويكشف العسير ، ويغني الفقير ، (٩) وهو على كل شيء قدير.
من اتقى الله جعل له من أمره مخرجا ، ومن دعاه بيّن له منهجا وفرجا ، أجملوا في الطلب ، (١٠) فما من حكمه مهرب ، من أجمل في الطلب ، أتاه الرزق بلا تعب ، إذا
__________________
(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٢) في (أ) : فكيف من يدعوه ويوحده. وفي (أ) : وهو سبحانه يرزق.
(٣) في (ب) : يضيعك مع الذكر في .....
(٤) في (أ) : هو سبحانه يرزق.
(٥) في (أ) : سقط : من.
(٦) في (أ) : يطلب.
(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٨) في (أ) : لعبد حقير ولا. وفي (أ) : للعلي الكبير وهو.
(٩) سقط من (أ) : ويغني الفقير.
(١٠) إشارة الحديث. أخرجه ابن ماجة ٢ / ٧٢٥ (٢١٤٤) ، ومالك ٢ / ٩٠١ (١٦٠١) ، وابن حبان ٨ / ٣٢ (٣٢٣٩) ، والحاكم ٢ / ٤ (٢١٣٤) ، والبيهقي ٥ / ٢٦٤ (١٠١٨٣) ، وأبو يعلى (١١ / ٤٦١ (٦٥٨٣) ، والطبراني في الكبير ٨ / ١٦٦ (٧٦٩٤) ، وابن الجارود في المنتقى / ١٤٤ (٥٥٦) ، والقضاعي في مسند ـ
أحرزت رزق غد ، فمن يضمن لك بالحياة (١) إلى غد.
لما رأيت الناس يسألون كل معجب ، نزهت نفسي عنهم وجعلت حوائجي إلى الرب(٢).
قال الشاعر :
فلا تجزع إذا (٣) أعسرت يوما |
|
فقد أيسرت في الدهر الطويل |
ولا تيأس فإن اليأس كفر |
|
لعل الله يغني عن قليل |
ولا تظن بربك ظن سوء |
|
فإن الله أولى بالجميل |
وقال غيره :
لقد علمت وما الإشفاق (٦) من خلقي |
|
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني |
أسعى إليه (٧) فيعنيني تطلبه |
|
ولو كففت (٤) أتاني لا يعنّيني |
لا خير في طمع يدني إلى طبع |
|
ورغفة (٥) من قليل العيش تكفيني |
[التائب والتوبة]
قال الوافد : ما شرائط التائب وأوصافه؟
قال العالم : شرائطه (٨) : المحبة والطاعة ، والإقبال ...
__________________
الشهاب ١ / ٤١٦ (٧١٦).
(١) في (ب) : فمن يأتيك بالحياة.
(٢) في (ب) : وجعل. وفي (أ) : عنكم وجعلت أحواجي إلى الله.
(٣) في (أ) : وإن.
(٤) في (ب) : جلست.
(٥) في (ب) : وعفة.
(٦) في (ب) : الإسراف.
(٧) في (ب) : له.
(٨) في (ب) : شروط. وفي (أ) : في أوصافه. وفي (ب) : شروطه.
والضراعة (١) من أراد الحبيب؟ جاء بقلب منيب ، من اعترف؟ أقر بما اقترف ، واعتذر وأنصف ، وبادر وعطف ، وتاب وأكثر الانتحاب ، وعمل بالصواب ، وتبع (٢) آيات الكتاب.
أين التوبة؟ يا صاحب الحوبة ، أين الاستغفار؟ يا أهل الإصرار ، أين الوجل؟ يا أهل الزلل ، أين الضراعة؟ يا أهل الطاعة ، (٣) توبوا وأنيبوا ، ولا تسوّفوا فتخيبوا (٤) واعتذروا واستغفروا وازدجروا ، وتذللوا واعترفوا (٥) واعتبروا ، واخضعوا وانكسروا ، (٦) واصبروا على الطاعة ، تدركوا الفوز والنفاعة ، ارغبوا وتقربوا ، واندموا (٧) على المعاصي ولا تصروا ، (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١) [النور : ٣١].
أين المؤمنون؟ (٨) أين الموحدون؟ أين (الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) [التوبة : ١١٢] (٩). كيف ينامون ولا يشتاقون؟! (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [آل عمران : ١٣٣] (١٠). قصورها من الذهب والجوهر ، والياقوت الأخضر ، فيها الحور الحسان ، والأكاليل والتيجان ، تجري من تحتها الأنهار ، لباس أهلها الحرير والسندس والعبقري ، (أين الراغبون؟ أين المجتهدون؟ هذه دار لا تخرب ولا يفنى شبابها ، ولا تبلى ثيابها) ، (١١) هذه دار
__________________
(١) في (أ) : والتضرع.
(٢) في (ب) : واتبع المحكم من آيات.
(٣) في (ب) : الإضاعة.
(٤) في (ب) : ولا تسرفوا. وفي (أ) : لا تسوفوا واعتذروا.
(٥) سقط من (أ) : واعترفوا.
(٦) سقط من (أ) : واخضعوا وانكسروا.
(٧) في (أ) : اندموا.
(٨) سقط من (ب) : أين المؤمنون.
(٩) في (ب) : أين الحامدون؟ أين العارفون؟ أين المقتصدون؟ أين الطالبون؟ أين المشتاقون؟
(١٠) في (أ) : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ...) الآية.
(١١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
المجتهدين (١) ما هم عنها بمخرجين ، دار أهلها لا يشقون ، ولا يفتقرون ولا يحزنون ، ولا يمرضون (٢) ولا يموتون ، ولا يهرمون ولا يحتاجون.
أيها الخاطئون العاصون ، أيها المفسدون ، (٣) أيها المذنبون ، مالكم لا تتوبون؟! مالكم لا ترجعون؟! (مالكم لا تخافون؟ أمعكم صبر على النار؟ ألكم في ذلك اعتذار) ، ألا (٤) تخافون نار الجحيم؟! وشراب الحميم؟! وطعام الزقوم؟! ولباس القطران؟! ألا إن جهنم حرها لا يبرد ، وعذابها لا ينفذ ، ولهبها (٥) لا يخمد ، إلى كم هذه الغفلة؟! (كم تنقضون العهود؟ كم تعدّون الحدود؟) (٦) كم تعصون المعبود ، ارجعوا إلى الله في وقت المهل ، قبل أن (٧) ينقطع الأجل ويرفع العمل ، فإن الله يقبل التوبة ، ويمحو (٨) الحوبة. التوبة تمحو عظائم الذنوب ، وتقرب العبد إلى علام الغيوب ، توبوا إلى الله قبل أن يغلق الباب ، ويحصل الحساب ، ويقع العذاب ، احذروا الله ، خافوا الله ، (٩) راقبوا الله ، بادروا بالتوبة قبل الندم ، قبل زلة القدم ، قبل الأخذ بالكظم (١٠).
تب أيها العاصي ، قبل أن تصبح من رحمة الله قاصي ، قبل الأخذ بالنواصي ، ارجعوا إلى الله بالقلوب ، من (١١) قبل أن يكون الباب محجوب ، (١٢) أي أهل التوحيد ،
__________________
(١) سقط من (ب) : هذه دار المجتهدين.
(٢) سقط من (ب) : ولا يحزنون ولا يمرضون.
(٣) سقط من (ب) : أيها العاصون أيها المفسدون.
(٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين. وفي (ب) : أما تخافون.
(٥) في (ب) : وجمرها.
(٦) سقط من (ب) : ما بين القوسين.
(٧) سقط من (أ) : أن.
(٨) في (ب) : ويكفر.
(٩) في (ب) : ويحضر الحساب. وفي (ب) : العقاب. وسقط من (أ) : خافوا الله.
(١٠) سقط من (أ) : قبل الأخذ بالكظم. والكظم : مخرج النّفس.
(١١) سقط من (ب) : من.
(١٢) قاصي ومحجوب خير لتصبح وليكون على لغة ربيعة. (كذا في المخطوطة) وقد سبق له مثال ووجه في اللغة. وفي (ب) : أين أهل. مصحفة.
تقربوا إلى الملك الحميد ، (١) تنجوا من العذاب الشديد ، يا أهل القرآن تقربوا بالقرآن ، إلى الملك الديان ، تنجوا به من عذاب النيران ، هو الشفيع فيكم ، هو الرفيق لكم ، هو الشاهد عليكم ، هو الدليل ، هو السبيل ، هو الحجة ، هو المحجة ، اعرضوا أعمالكم عليه ، وردّوا (٢) أقوالكم إليه ، أكثروا قراءته بالليل والنهار ، وفي وقت الأسحار ، فإن الملائكة معكم (٣) عند قراءته قعود ، وعلى ما تنطقون به (٤) شهود.
لا تخسروا الميزان ، لا تحلفوا الأيمان ، لا تذكروا البهتان ، لا تبخسوا المكيال ، لا تشيبوا (٥) الأعمال ، لا تصحبوا الأنذال ، لا تضيعوا الصلاة ، لا تغلّوا الزكاة ، لا تحلوا المحرمات ، لا تؤذوا الجيران ، لا تطيعوا الشيطان.
أيها المضيعون للصلوات ، توبوا إلى المطلع على أعمالكم (٦) في الخلوات ، أيها الخائن بالعين والفؤاد ، تب إلى الملك الجواد ، قبل أن يسلط عليك ملائكة غلاظ شداد.
أيها المؤذي للجيران ، تب إلى الملك الديان ، قبل سرابيل القطران (٧).
أيها المانعون للزكوات ، توبوا إلى الله (قبل نزول النقمات والسطوات. أيها المتبعون للشهوات ، توبوا إلى الله) من اكتساب السيئات ، وتضرعوا إليه بالدعوات.
يا صاحب الكذب والزور ، تب إلى الله قبل الويل والثبور. أيها الباهت المغتاب ، تب إلى الملك الوهاب ، قبل أن تذوق (٨) أليم العقاب. أيها الحالف بالأيمان ، تب إلى الله
__________________
(١) في (ب) : تقربوا بالتوحيد إلى الملك المجيد.
(٢) في (أ) : ردوا.
(٣) سقط من (ب) : معكم.
(٤) سقط من (أ) : به.
(٥) في (ب) : لا تسيئوا.
(٦) في (ب) : عليكم.
(٧) في (ب) : إلى الله قبل أن تلبس سرابيل.
(٨) سقط من (ب) : ما بين القوسين سهوا. وفي (أ) : اكتساب الشبهات. وفي (ب) : وتضرعوا إلى الله.
وفي (ب) : إلى الله الواحد الوهاب. وفي (ب) : تذوقوا.
قبل نزول (١) النيران.
وقال في ذلك :
اسلفت من عمرك ما قد مضى |
|
منهمكا (٢) في غمرات الخطر |
حتى إذا القوة زالت وقد |
|
أقعدك العجز وحل الفشل (٣) |
نبت إلينا في صدار (٤) الحيا |
|
مستعجما فيك فنون ٥ الخجل |
فأنت (٥) عندي بمحل الرضى |
|
وقد غفرنا لك كل الزلل |
وقال آخر :
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا |
|
ولم ترض مخلوقا فما شئت فاصنع |
وقال غيره :
إذا أمسى وسادي من تراب |
|
وبت مجاور الرب الرحيم |
فهنأني أصحابي وقالوا |
|
لك البشرى قدمت عني |
[صفات التائب]
قال الوافد : صف لي هيئة التائب؟
قال العالم : هيئة التائب ، العزم على أن لا يعود ، إلى عصيان المعبود ، ويأسف (٦)
__________________
(١) في (ب) : قبل أن تزور.
(٢) في (ب) : عمرك أيام كأنك في.
(٣) في (ب) : الكسل.
(٤) في (ب) : صدور.
(٥) في (أ) : أنت.
(٦) في (ب) : ويأسف.