شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤
وقوله : «فخما مفخّما» قال أبو عبيد : الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه ، مع الجمال والمهابة ، وقال ابن الأنباريّ : معناه أنّه كان عظيما معظّما في الصّدور والعيون ، ولم يكن خلقه في جسمه ضخما.
و (أقنى العرنين) : مرتفع الأنف قليلا مع تحدّب ، وهو قريب من الشّمم.
و (الشنب) : ماء ورقّة في الثّغر.
و (الفلج) : تباعد ما بين الأسنان.
و (الدمية) : الصّورة المصوّرة.
وقد روى حديث أمّ معبد أبو بكر البيهقيّ (١) فقال : أنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، ثنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني ، ثنا مكرم بن محرز بن مهديّ ، ثنا أبي ، عن حزام بن هشام. فذكر نحوه.
ورواه أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيّوب بن الحكم الخزاعيّ بقديد (٢) ، إملاء على أبي عمرو بن مطر ، قال : ثنا عمي سليمان بن الحكم.
وسمعه ابن مطر بقديد أيضا ، من محمد بن محمد بن سليمان بن الحكم ، عن أبيه.
ورواه عن مكرم بن محرز الخزاعيّ ـ وكنيته أبو القاسم ـ يعقوب بن
__________________
(١) في دلائل النبوّة ١ / ٢٢٨.
(٢) قديد : بضم القاف وفتح الدال وسكون الياء. موضع قرب مكة. (معجم البلدان ٤ / ٣١٣).
سفيان الفسوي (١) ، مع تقدّمه ، ومحمد بن جرير الطّبري ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (٢) ، وجماعة آخرهم القطيعيّ.
قال الحاكم : سمعت الشيخ الصّالح أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعيّ يقول : حدّثنا مكرم بن محرز عن آبائه ، فذكر الحديث ، فقلت له : سمعته من مكرم؟ قال : إي والله ، حجّ أبي بي ، وأنا ابن سبع سنين ، فأدخلني على مكرم.
ورواه البيهقيّ (٣) أيضا في اجتياز النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بخيمتي أمّ معبد ، من حديث الحسن بن مكرم ، وعبد الله بن محمد بن الحسن القيسي ، قالا : ثنا أبو أحمد بشر بن ، محمد المروزي السّكّريّ ، ثنا عبد الملك بن وهب المذحجي ، ثنا الحرّ بن الصّيّاح ، عن أبي معبد الخزاعيّ ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا خرج هو ، وأبو بكر ، وعامر بن فهيرة ، ودليلهم عبد الله بن أريقط اللّيثي ـ كذا قال : اللّيثي ، وهو الدّيلي ـ مرّوا بخيمتي أمّ معبد ، فذكر الحديث بطوله (٤).
وقولهما ظاهر الوضاءة : أي ظاهر الجمال.
ومرملين : أي قد نفد زادهم. ومسنتين : أي داخلين في السّنة والجدب.
وكسر الخيمة : جانبها.
وتفاجّت : فتحت ما بين رجليها.
__________________
(١) الحديث غير موجود في المطبوع من كتاب المعرفة والتاريخ ، وإنّما أشار إليه نقلا عن البيهقي ٣ / ٢٧٤.
(٢) انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢ / ١١٧.
(٣) في دلائل النبوّة ١ / ٢٢٨ وما بعدها.
(٤) وهو في طبقات ابن سعد ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٣ من الطريق نفسها.
ويربض الرّهط : يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا ، والرّهط من الثلاثة إلى العشرة.
والثّجّ : السّيل.
والبهاء : وبيض رغوة اللّبن ، فشربوا حتى أراضوا ، أي رووا. كذا جاء في بعض طرقه.
وتساوكن : تمايلن من الضّعف ، ويروى : تشاركن (١) ، أي عمّهنّ الهزال.
والشاء عازب : بعيد في المرعى.
وأبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئة.
والثّجلة : عظم البطن مع استرخاء أسفله.
والصّعلة : صغر الرأس ، ويروى (صقلة) وهي الدّقّة والضّمرة ، والصّقل : منقطع الأضلاع من الخاصرة.
والوسيم : المشهور بالحسن ، كأنّه صار الحسن له سمة.
والقسيم : الحسن قسمة الوجه.
والوطف : الطّول.
والصّحل : شبه البحّة.
والسطع : طول العنق.
لا تقتحمه عين من قصر : أي لا تزدريه لقصره فتجاوزه إلى غيره ، بل تهابه وتقبله.
والمحفود : المخدوم.
والمحشود : الّذي يجتمع النّاس حوله.
__________________
(١) أي عمّهن الهزال فاشتركن فيه. كما في (النهاية).
والمفنّد : المنسوب إلى الجهل وقلّة العقل.
والضّرّة (١) أصل الضّرع.
ومزبد خفض على المجاورة.
وقوله : (فغادرها رهنا لديها لحالب).
أي خلّف الشّاة عندها مرتهنة بأن تدرّ.
وقال سفيان بن وكيع بن الجرّاح : ثنا جميع بن عمر العجليّ إملاء ، ثنا رجل من بني تميم ـ من ولد أبي هالة زوج خديجة ، يكنى أبا عبد الله ـ عن ابن لأبي هالة ، عن الحسن بن عليّ رضياللهعنهما قال : سألت خالي هند بن أبي هالة ، وكان وصّافا ـ عن حلية النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلّق به فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخما مفخّما ، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب (٢) ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، إذا انفرقت عقيصته (٣) فرق ، وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره ، أزهر اللّون ، واسع الجبين. أزجّ الحواجب : سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدرّه (٤) الغضب. أقنى (٥) العرنين ، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشمّ ، كثّ اللّحية ، سهل الخدّين ، ضليع الفم ، أشنب مفلّج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة. معتدل الخلق ، بادن ، متماسك ، سواء البطن والصّدر ، عريض الصّدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرّد ، موصول ما بين اللّبّة والسّرّة بشعر يجري كالخطّ ، عاري الثّديين والبطن ، وما سوى ذلك ، أشعر
__________________
(١) في ع (الصرة) وهو تصحيف.
(٢) في حاشية الأصل (هو الطوال).
(٣) العقيصة : الشعر المعقوص ، وهو نحو من المضفور.
(٤) في طبقات ابن سعد ١ / ٤٢٢ «يديره».
(٥) في حاشية الأصل : الأقنى من ارتفع أنفه في وسطه. والضليع : المتسع.
الذراعين والمنكبين وأعالي الصّدر ، طويل الزّندين ، رحب الرّاحة (١) ، شثن الكفّين والقدمين ، سائل (٢) ـ أو سائر ـ الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ، ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعا (٣) ، يخطو تكفّيا (٤) ، ويمشي هونا ، ذريع المشية ، إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطّرف ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السّماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق (٥) أصحابه ، ويبدر (٦) من لقيه بالسلام.
قال : قلت : صف لي منطقه ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، طويل السّكت (٧) ، لا يتكلّم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ، بأشداقه ، ويختمه بأشداقه ، ويتكلّم بجوامع الكلم ، فصل (٨) لا فضول ولا تقصير ، دمث ليس بالجافي ولا المهين ، يعظّم النّعمة وإن دقّت ، لا يذمّ منها (٩) شيئا ، غير أنّه لم يكن يذمّ ذواقا ولا يمدحه (١٠) ، ولا تغضبه الدّنيا وما كان لها ، فإذا تعدّى (١١) الحقّ ، لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر
__________________
(١) زاد ابن سعد هنا «سبط القصب» وفي المعرفة والتاريخ «سبط الغضب».
(٢) السائل الأطراف : الممتدّ الأصابع. على ما في (ألوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ٢ / ٣٩٨).
(٣) في تهذيب تاريخ دمشق «تقلّعا».
(٤) أي يتمايل إلى قدّام ، كما في (النهاية).
(٥) في طبقات ابن سعد «يسبق».
(٦) في المعرفة والتاريخ ، وتهذيب تاريخ دمشق «يبدأ».
(٧) في الأصل (السلت) وهو تصحيف. وفي المنتقى لابن الملا (السكوت) ، وكذا في تهذيب تاريخ دمشق ، والمعرفة والتاريخ.
(٨) في طبقات ابن سعد «فضل».
(٩) إضافة على الأصل من مختلف المراجع.
(١٠) هنا نقص في (ع).
(١١) في طبقات ابن سعد «تعوطي» ، وفي المعرفة والتاريخ «تعرّض» وكذا في تهذيب تاريخ دمشق.
لها ، إذا أشار أشار بكفّه كلّها ، وإذا تعجّب قلبها ، وإذا تحدّث اتّصل بها ، يضرب براحته اليمنى باطن راحته (١) اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غضّ طرفه ، جلّ ضحكه التّبسّم ، ويفترّ عن مثل حبّ الغمام.
قال الحسن : فكتمتها الحسين زمانا ، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه ، يعني إلى هند بن أبي هالة ، فسأله عمّا سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله (٢) ، فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين : فسألت أبي عن دخول رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، وكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزّأ جزأه بينه وبين النّاس ، ورد (٣) ذلك بالخاصّة على العامّة ، ولا يدّخر عنهم شيئا ، فكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه (٤) ، وقسمه على قدر فضلهم في الدّين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ، يقول : (ليبلّغ الشاهد الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، ثبّت الله قدميه يوم القيامة) ، ولا يذكر عنده إلّا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روّادا ، ولا يفترقون إلّا عن ذواق (٥) ويخرجون أدلّة ، يعني على الخير (٦).
__________________
(١) في طبقات ابن سعد ، والمعرفة والتاريخ «إبهامه» بدل «راحته».
(٢) في طبقات ابن سعد ، والمعرفة والتاريخ ، وتهذيب تاريخ دمشق «مجلسه».
(٣) في طبقات ابن سعد «فيسرد». وفي تهذيب تاريخ دمشق «فيردّ».
(٤) في طبقات ابن سعد «ناديه» ، وفي المعرفة والتاريخ «بأدبه».
(٥) ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير ، أي لا يتفرّقون إلّا عن علم وأدب يتعلّمونه ، يقوم لأنفسهم وأرواحهم مقام الطعام والشراب لأجسامهم. (النهاية لابن الأثير ٢ / ١٧٢).
(٦) في المعرفة والتاريخ ، وتهذيب تاريخ دمشق «يعني فقهاء».
فسألته عن مخرجه ، كيف كان يصنع فيه؟ قال : كان يخزن لسانه إلّا ممّا يعنيه (١) ، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم ، ويكرم كريم كلّ قوم ويولّيه عليهم ، ويحذر النّاس ويحترس منهم ، من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقّد أصحابه ، ويسأل النّاس عمّا في النّاس ، ويحسّن الحسن ويقوّيه ، ويقبّح القبيح ويوهّيه (٢) ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملّوا (٣) ، لكلّ حال عنده عتاد ، لا يقصّر عن الحقّ ، ولا يجاوزه ، الذين (٤) يلونه من النّاس خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة ، وأعظمهم عنده (٥) أحسنهم مواساة (٦) (٧).
فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها (٨) ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، يعطي كلّ جلسائه نصيبه ، ولا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّا بها ، أو بميسور من القول ، قد وسع النّاس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أبا ، وصاروا عنده في الحقّ سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبّن فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته ،
__________________
(١) في طبقات ابن سعد «يعينهم» ، وفي المعرفة والتاريخ «بما يعينهم» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «يعنيهم».
(٢) في طبقات ابن سعد ، وتهذيب تاريخ دمشق «يوهنه».
(٣) في المعرفة والتاريخ «يميلوا».
(٤) في طبقات ابن سعد «لا يجوزه الدين» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «ولا يجاوز إلى غيره».
(٥) في المراجع الأخرى «عنده منزلة».
(٦) في حاشية الأصل «بلغت قراءة على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله الذهبي. كتبه ابن البعلي ، وذلك في الخامس عشر».
(٧) في المراجع زيادة «ومؤازرة».
(٨) قال ابن الأثير في النهاية : «أي لا يتّخذ لنفسه مجلسا يعرف به».
متعادلين يتفاضلون فيه بالتّقوى ، متواضعين يوقّرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصّغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب. أخرجه التّرمذيّ أكثره مقطّعا في «كتاب الشّمائل» (١).
ورواه زكريا بن يحيى السّجزيّ (٢) ، وغيره ، عن سفيان بن وكيع.
ورواه إسحاق بن راهويه ، وعليّ بن محمد بن أبي الخصيب ، عن عمرو بن محمد العنقزيّ (٣) ، ثنا جميع بن عمر العجليّ ، عن رجل يقال له يزيد بن عمر التميميّ ـ من ولد أبي هالة ـ عن أبيه ، عن الحسن بن عليّ (٤).
وفيه زائد من هذا الوجه وهو : فسألته عن سيرته في جلسائه فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عيّاب ، ولا مزّاح ، يتغافل عمّا لا يشتهيه ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : من المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك النّاس من ثلاث : كان لا يذمّ أحدا ولا يعيّره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم
__________________
(١) ص ٣٢٩ و ٣٤٤ وإسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع ، وكذا شيخه جميع بن عمر ، ولجهالة الرجل من بني تميم ، والراويّ عنه.
(٢) في نسخة دار الكتب «الشجري» وهو تصحيف.
(٣) العنقزي : بفتح العين وسكون النون وفتح القاف. (اللباب ٢ / ٣٦٢).
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٤٢٢ ـ ٤٢٤ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٦ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٢٣٨ ـ ٢٥١ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٤ ، عن الخطيب البغدادي ، واللالكائي ، والترمذي في الشمائل ٩ ـ ١١ ، وابن كثير في الشمائل ٥٠ ـ ٥٥ ، والمزّي في تهذيب الكمال ١ / ٢١٤ ـ ٢١٧ ، وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ ١ / ٣٩٨ ـ ٤٠٢ ، وابن سيّد الناس في عيون الأثر ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٣١ ـ ٣٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٧٣ ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٢٧١ ـ ٢٧٨ ، والسيوطي في الخصائص الكبرى ١ / ٧٦ ـ ٧٧.
الطّير ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلّم أنصتوا له ، وكان يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : «إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارقدوه» ، ولا يقبل الثّناء إلّا عن مكافئ (١) ، ولا يقطع على أحد حديثه بنهي أو قيام.
فسألته : كيف كان سكوته؟ قال : على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتدبّر ، والتفكّر ، فأمّا تدبّره ، ففي تسوية النّظر والاستماع بين النّاس ، وأمّا تفكّره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع الحلم في الصّبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه. وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالخير (٢) ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهي عنه ، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمّته والقيام بهم ، والقيام فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلىاللهعليهوسلم.
ورواه بطوله كلّه يعقوب الفسويّ (٣) : ثنا أبو غسّان النّهديّ ، وسعيد بن حمّاد الأنصاريّ المصري قال : حدّثنا جميع بن عمر ، حدّثني رجل بمكة ، عن ابن لأبي هالة ، فذكره.
ورواه الطّبراني ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن أبي غسّان النّهدي : قرأت على أبي الهدى (٤) عيسى بن يحيى السبتي ، أخبركم عبد الرحيم بن يوسف الدمشقيّ ، أنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ ، أنا أبو سعد الحسين بن الحسين الفانيذي ، وأبو مسلم عبد الرحمن بن عمر السّمناني ،
__________________
(١) قيل : مقتصد في ثنائه ومدحه ، وقيل : إلّا من مسلم ، وقيل إلّا من مكافئ على يد سبقت من النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، كما في (عيون الأثر). وفي (دلائل النّبوّة للبيهقي) : يريد أنّه كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك.
(٢) في حاشية الأصل (بالحسن. خ) يعني في نسخة.
(٣) المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٧.
(٤) في نسخة دار الكتب (الهذيل) بدل (الهدى) وهو وهم.
وأبو سعد محمد بن عبد الملك الأسدي ، قالوا : أن أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم التّاجر ، أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب العلويّ المعروف بابن أخي أبي طاهر ، ثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عليّ ، حدثني عليّ بن جعفر بن محمد بن عليّ ، عن أخيه موسى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين قال : قال الحسن بن عليّ رضياللهعنهما : سألت خالي هند بن أبي هالة ، عن حلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان وصّافا ، وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئا أتعلّق به ، فقال : كان فخما مفخّما. فذكر مثل حديث جميع بن عمر بطوله ، إلّا في ألفاظ : فقال في (عريض الصدر) (فسيح الصدر) ، وقال (رحب الجبهة) بدل (رحب الراحة) ، وقال (يبدأ) بدل (يبدر من لقيه بالسلام) ، وقال (طويل السكوت) بدل (السّكت) ، وقال (لم يكن ذواقا ولا مدحة) بدل (لا يذمّ ذواقا ولا يمدحه) وأشياء سوى هذا بالمعنى.
قوله متماسك : أي ممتلئ البدن غير مسترخ ولا رهل ، والمتجرّد : المتعرّي ، واللّبّة : النّحر ، والسّائر والسّائل : هو الطّويل السّابغ ، والأخمص : ما يلصق من القدم بالأرض ، والممسوح : الأملس الّذي ليس فيه شقوق ، ولا وسخ ، ولا تكسّر ، فالماء ينبو عنهما لذلك إذا أصابهما ، وقوله : زال قلعا ، المعنى أنّه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا بقوّة لا كمن يمشي اختيالا ويشحط مداسه دلكا بالأرض ، ويروى : زال قلعا. ومعناه التثبّت ، والذّريع : السريع : يسوق أصحابه : أي يقدّمهم أمامه ، والجافي : المتكبّر ، والمهين : الوضيع ، والذّواق : الطّعام ، وأشاح : أي اجتنب ذاك وأعرض عنه ، وحبّ الغمام : البرد ، والشّكل : النّحو والمذهب ، والعتاد : ما يعدّ للأمر مثل السلاح وغيره ، وقوله لا تؤبّن فيه الحرم : أي لا تذكر بقبيح ، ولا تنثى فلتاته : أي لا تذاع ، أي لم يكن لمجلسه فلتات فتذاع ،
والنّثا في الكلام : القبيح والحسن.
وقد مرّ في حديث الإسراء أنّه قال : رأيت إبراهيم وهو قائم يصلّي ، فإذا أشبه النّاس به صاحبكم ، يعني نفسه صلّى الله عليهما.
وقال إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، أنّ قريشا أتوا كاهنة فقالوا لها : أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام ، قالت : إن جررتم كساء على هذه السّهلة ، ثمّ مشيتم عليها أنبأتكم ، ففعلوا ، فأبصرت أثر محمد صلىاللهعليهوسلم قالت : هذا أقربكم شبها به ، فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو نحوها ، ثمّ بعث عليهالسلام.
وقال أبو عاصم ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة ، عن عقبة بن الحارث قال : صلّى بنا أبو بكر رضياللهعنه العصر ، ثمّ خرج هو وعليّ يمشيان ، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان ، فأخذه فحمله على عاتقه (١) ثم قال :
بأبي شبيه بالنّبيّ |
|
ليس شبيها بعليّ |
وعليّ يتبسّم. أخرجه البخاريّ (٢) ، عن أبي عاصم.
وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ رضياللهعنه قال : الحسن أشبه برسول الله صلىاللهعليهوسلم ما بين الصّدر إلى الرأس ، والحسين أشبه برسول الله ما كان أسفل من ذلك.
__________________
(١) في الأصل «عنقه».
(٢) في المناقب ٤ / ٢١٧ باب مناقب الحسن والحسين رضياللهعنهما. ولفظه : ليس شبيه بعليّ ، وعليّ يضحك.
باب قوله تعالى
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (١)
قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) (٢).
وقال (خ م) : مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ما خيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أمرين ، إلّا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد النّاس منه ، وما انتقم لنفسه إلّا أن تنتهك محارم الله ، فينتقم لله بها (٣).
__________________
(١) سورة القلم ـ الآية ٤.
(٢) رواه أبو داود (٤٦٨٢) في السّنّة ، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه ، والترمذي (١١٧٢) في كتاب الرضاع ، باب (١١) ما جاء في حق المرأة على زوجها ، وقال : وفي الباب عن عائشة ، وابن عباس. وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، وفي كتاب الإيمان (٢٧٤٣) باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان ، والدارميّ في الرقاق ، رقم (٧٤) ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥٠ و ٤٧٢ و ٥٢٧ و ٦ / ٤٧ و ٩٩.
(٣) رواه البخاري ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧ في المناقب ، باب صفة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي الأدب ٧ / ١٠١ باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : يسّروا ولا تعسّروا ، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس ، وفي الحدود ٨ / ١٦ باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله ، ومسلم (٢٣٢٧) في الفضائل ، باب مباعدته صلىاللهعليهوسلم للآثام ، واختياره من المباح أسهله ، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته ، وأبو داود (٤٧٨٥) في الأدب ، باب في التجاوز في الأمر ، ومالك في الموطّأ (١٦٢٨) في كتاب الجامع ، باب ما جاء في حسن الخلق ، وأحمد في المسند ٦ / ٣٢ و ١١٤ و ١١٦ و ١٣٠ و ١٨٢ و ٢٢٣ و ٢٢٩ و ٢٣٢ و ٢٦٢ و ٢٨١ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٦.
وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بيده شيئا قطّ ، لا امرأة ولا خادما ، إلّا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا نيل منه شيء قطّ ، فينتقم من صاحبه ، إلّا أن ينتهك من محارم الله ، فينتقم لله. م (١).
وقال أنس : خدمته صلىاللهعليهوسلم عشر سنين ، فو الله ما قال لي أفّ قطّ ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلت كذا ، ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلت كذا (٢)؟ وقال عبد الوارث ، عن أبي التّيّاح ، عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحسن النّاس خلقا. أخرجه م (٣).
وقال حمّاد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس : كان صلىاللهعليهوسلم أجود النّاس ، وأجمل الناس ، وأشجع النّاس. متّفق عليه (٤).
وقال فليح ، عن هلال بن عليّ ، عن أنس : لم يكن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم سبّابا ولا فاحشا ، ولا لعّانا ، كان يقول لأحدنا عند المعتبة : ما له ترب جبينه. أخرجه خ (٥).
__________________
(١) رواه مسلم (٢٣٢٧) في الفضائل ، باب مباعدته صلىاللهعليهوسلم للآثام ، وأبو داود (٤٧٨٦) في الأدب ، باب التجاوز في الأمر ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨.
(٢) رواه البخاري ٧ / ٨٢ ـ ٨٣ في الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل ، ومسلم (٢٣٠٩) في الفضائل ، باب كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحسن الناس خلقا ، وأبو داود (٤٧٧٤) في الأدب ، باب في الحلم ، وابن الأثير في جامع الأصول ١١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.
(٣) في صحيحه (٢١٥٠) في الأدب ، باب استحباب تحنّك المولود عند ولادته .. وللحديث بقيّة ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٤ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٣٨.
(٤) رواه البخاري ٣ / ٢٢٨ في الجهاد والسير ، باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق ، ومسلم (٢٣٠٧) في الفضائل ، باب في شجاعة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وتقدّمه للحرب ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٢٥٥.
(٥) في صحيحه ٧ / ٨١ في كتاب الأدب ، باب لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فاحشا ولا متفحّشا ، و ٧ / ٨٤ باب ما ينهى من السباب واللعن ، وأحمد في المسند ٣ / ١٢٦ و ١٤٤ و ١٥٨ و ٦ / ٣٠٩ ، وابن سعد ١ / ٣٦٩.
وقال الأعمش ، عن شقيق (١) ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن فاحشا ولا متفحّشا ، وأنّه كان يقول : خياركم أحسنكم أخلاقا. متّفق عليه (٢).
وقال أبو داود : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمع أبا عبد الله الجدليّ يقول : سألت عائشة عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : لم يكن فاحشا ، ولا متفحّشا ، ولا سخّابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسّيئة السّيّئة ، ولكن يعفو ويصفح (٣).
وقال شعبة ، عن قتادة : سمعت عبد الله بن أبي عتبة قال : سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. متّفق عليه (٤).
وقال ابن عمر : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحياء من الإيمان» (٥).
__________________
(١) في طبعة القدسي ٢ / ٣٢١ «شفيق» وهو تحريف.
(٢) رواه البخاري ٧ / ٨٢ في الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل ، وفي المناقب ٤ / ١٦٦ باب صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومسلم (٢٣٢١) في الفضائل ، باب كثرة حيائه صلىاللهعليهوسلم ، والترمذي (٢٠٤١) في البرّ والصلة ، باب ما جاء في الفحش ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، و (٢٠٨٤) و (٢٠٨٥) باب ما جاء في خلق النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأحمد في المسند ٢ / ١٦١ و ١٨٩ و ١٩٣ و ٣٢٨ و ٤٤٨ و ٦ / ١٧٤ و ٢٣٦ و ٢٤٦ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٥ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٣٩.
(٣) رواه ابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٥ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٨٩ ، وابن عساكر ١ / ٣٤٠.
(٤) رواه البخاري ٤ / ١٩٧ في المناقب ، باب صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وفي الأدب ٧ / ٩٦ باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، وباب الحياء ٧ / ١٠٠ ، ومسلم (٢٣٢٠) في الفضائل ، باب كثرة حيائه صلىاللهعليهوسلم ، واللفظ له ، وابن ماجة في الزهد (٤١٨٠) وأحمد في المسند ٣ / ٧٧ و ٧٩ و ٨٨ و ٩١ و ٩٢ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٨ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٢٧٠ ، والترمذي في الشمائل ١٩٢ رقم ٣٥١ ، والقاضي عياض في الشفاء ١ / ٢٤١ و ٢٤٢.
(٥) أخرجه البخاري في الإيمان ١ / ٨ باب أمور الإيمان وقول الله تعالى : ليس البرّ أن تولّوا
وقال مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : كنت أمشي مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وعليه برد غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذا شديدا ، حتّى نظرت إلى صفحة عاتقه قد أثّرت بها حاشية البرد ، ثمّ قال : يا محمد مر لي من مال الله الّذي عندك ، فالتفت إليه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء. متّفق عليه (١).
وقال عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن الأعمش ، عن ثمامة بن عقبة ، عن زيد بن أرقم قال : كان رجل من الأنصار يدخل على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ويأمنه ، وأنّه عقد للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم عقدا ، فألقاه في بئر فصرع ذلك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فأتاه ملكان يعودانه ، فأخبراه أنّ فلانا عقد له عقدا ، وهي في بئر فلان ، ولقد اصفرّ الماء من شدّة عقده ، فأرسل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فاستخرج العقد ، فوجد الماء قد اصفرّ ، فحلّ العقد ، ونام النّبيّ صلىاللهعليهوسلم. فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فما رأيته في وجه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، حتّى مات (٢).
وقال أبو نعيم : ثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائيّ ، حدّثني زيد
__________________
= وجوهكم قبل المشرق والمغرب .. (بلفظ : الحياء شعبة من الإيمان) ، ومسلم (٣٥) في كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء ، وكونه من الإيمان ، وأبو داود (٤٦٧٦) في السّنّة ، باب في ردّ الإرجاء ، والترمذي (٢٧٤٨) في الإيمان ، باب ما جاء الحياء من الإيمان ، والنسائي في الإيمان ٨ / ١١٠ ، باب ذكر شعب الإيمان ، وابن ماجة في المقدّمة (٥٧).
(١) رواه البخاري ٧ / ٩٤ في الأدب ، باب التبسّم والضّحك ، ومسلم (١٠٥٧) في كتاب الزكاة ، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة ، وأبو داود (٤٧٧٥) في كتاب الأدب ، باب في الحلم وأخلاق النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، من طريق هارون بن عبد الله ، عن أبي عامر ، عن محمد بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، بنحوه ، والنسائيّ ٨ / ٣٣ ـ ٣٤ في القسامة ، باب القود من الجبذة ، وأحمد في المسند ٣ / ١٥٣ و ٢١٠ و ٢٢٤ ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٢٥٢ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.
(٢) أخرجه النسائيّ في كتاب التحريم ٧ / ١١٣ باب سحرة أهل الكتاب ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٦٧.
العمي ، عن أنس : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صافحه الرجل لا ينزع يده من يده ، حتّى يكون الرجل ينزع ، وإن استقبله بوجهه ، لا يصرفه عنه ، حتّى يكون الرجل ينصرف ، ولم ير مقدّما ركبته بين يدي جليس له. أخرجهما الفسوي عنهما في تاريخه (١).
وقال مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس : ما رأيت رجلا التقم أذن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (٢) فينحّي رأسه ، حتّى يكون الرجل هو الّذي ينحّي رأسه ، وما رأيت رسول الله أخذ بيد رجل فترك يده ، حتّى يكون الرجل هو الّذي يدع يده. أخرجه أبو داود (٣).
وقال سليمان بن يسار ، عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستجمعا ضاحكا ، حتّى أرى منه لهواته ، إنّما كان يتبسّم. متّفق عليه. (٤).
وقال سماك بن حرب : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس النّبيّ صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم كثيرا ، كان لا يقوم من مصلّاه حتّى تطلع الشمس ،
__________________
(١) المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٨٩.
(٢) أي جعل فمه يحاذي : أذنه صلىاللهعليهوسلم للإفضاء بالسّر.
(٣) في كتاب الأدب (٤٧٩٤) باب في حسن العشرة.
(٤) رواه أبو داود في الأدب (٤٧٩٤) باب في حسن العشرة ، والترمذي في صفة القيامة (٢٤٩٢) باب رقم ٤٧ ، وهو حديث حسن ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٨٩ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٣٩ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٧٨ ، والبغوي في شرح السّنّة ١٣ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ وقال : هذا حديث غريب ، وابن ماجة (٣٧١٦) والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٢٧٣ ورواه البخاري في الأدب ٧ / ٩٤ ـ ٩٥ باب التبسّم والضّحك ، وفي التفسير ٦ / ٤٢ سورة الأحقاف ، ومسلم (٨٩٩ / ١٦) في صلاة الاستسقاء ، باب التعوّذ عند رؤية الريح والغيم ، والفرح بالمطر ، وأحمد في المسند ٦ / ٦٦.
وكانوا يتحدّثون فيأخذون في أمر الجاهليّة ، فيضحكون ويتبسّم. رواه مسلم (١).
وقال اللّيث بن سعد ، عن الوليد بن أبي الوليد ، أنّ سليمان بن خارجة أخبره ، عن أبيه ، أنّ نفرا دخلوا على زيد بن ثابت بيته فقالوا : حدّثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : كنت جاره ، فكان إذا نزل الوحي بعث إليّ فآتيه ، فأكتب الوحي ، وكنّا إذا ذكرنا الدّنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطّعام ذكره معنا.
وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن عليّ قال : لمّا كان يوم بدر ، اتّقينا المشركين برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أشدّ النّاس بأسا ، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه.
وقال الثّوريّ ، عن محمد بن المنكدر ، سمعت جابرا يقول : لم يسأل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم شيئا قطّ فقال : (لا). متّفق عليه (٢).
وقال يونس ، عن الزّهريّ ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجود النّاس ، وكان أجود ما يكون في رمضان. متّفق عليه (٣).
وقال حميد الطّويل ، عن موسى بن أنس ، عن أبيه قال : أتى رجل
__________________
(١) في صحيحه ، (٢٣٢٢) كتاب الفضائل ، باب تبسمه صلىاللهعليهوسلم وحسن عشرته ، وفي كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٦٧٠) باب فضل الجلوس في مصلّاه بعد الصبح ، وفضل المساجد ، والنسائي في كتاب السهو ٣ / ٨٠ ـ ٨١ باب قعود الإمام في مصلّاه بعد التسليم ، وأحمد في المسند ٥ / ٨٦ و ٨٨ و ٩١ ، وابن سعد ١ / ٣٧٢.
(٢) رواه مسلم (٢٣١١) في الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا قط فقال : لا ، وكثرة عطائه ، وأحمد في المسند ٦ / ١٣٠ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٣٦٨.
(٣) أخرجه البخاري ٤ / ١٦٥ في المناقب ، باب صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومسلم (٢٣٠٨) في الفضائل ، باب كان النبي صلىاللهعليهوسلم ، أجود الناس بالخير من الريح المرسلة ، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية ٤ / ١٠١ ، وابن سعد ١ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، وأحمد في الزهد ـ ص ١٠.
النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : فسأله ، فأمر له بغنم بين جبلين ، فأتى قومه فقال : أسلموا فإنّ محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة. أخرجه مسلم (١).
وقال معمر ، عن الزّهريّ ، عن عروة ، عن عائشة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا كان في بيته يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته (٢).
وقال أبو صالح : حدّثني معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، قيل لعائشة : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعمل في بيته؟ قالت : كان بشرا من البشر ، يفلّي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه (٣).
وقال شعبة : حدّثني مسلم الأعور أبو عبيد الله (٤) ، سمع أنسا يقول : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يركب الحمار ، ويلبس الصّوف ، ويجيب دعوة المملوك ، ولقد رأيته يوم خيبر على حمار ، خطامه من ليف (٥).
__________________
(١) في صحيحه (٢٣١٢) في الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قط فقال : لا ، وكثرة عطائه ، وأحمد في المسند ٣ / ١٠٨ و ١٧٥ و ٢٥٩ و ٢٨٤ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٢٨١ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٤٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣ وقال : رواه الطبراني.
(٢) رواه أحمد في مسندة ٦ / ١٢١ و ١٦٧ و ٢٦٠ ، وابن سعد ١ / ٣٦٦ ، وانظر الزهد لأحمد ـ ص ٩.
(٣) رواه أحمد في المسند ٦ / ٢٥٦ ، والترمذي في جامعه (٢٩٤١) والشمائل له ١٨١ رقم ٣٣٥ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٢٨٢ ، وألوفا لابن الجوزي ٢ / ٤٣٥ ، وشرح السّنّة للبغوي ١٣ / ٢٤٣ ، والموارد للهيثمي ٥٢٤ ـ ٥٢٥.
(٤) في (ع) «عبيد الله» وهو تحريف.
(٥) رواه الترمذي في الجنائز (١٠٢١) باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة ، رقم (٣١) وقال : قال أبو عيسى : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم ، عن أنس ، ومسلم الأعور يضعّف ، وهو مسلم بن كيسان الملائي ، ورواه ابن سعد ١ / ٣٧٠ و ٣٧١ ، وأحمد في الزهد ٤١.
وقال مروان بن محمد الطّاطريّ (١) : نا ابن لهيعة ، حدّثني عمار بن غزيّة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أفكه النّاس مع صبيّ (٢).
وفي «الصحيح» أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : أبا عمير ما فعل النغير (٣)؟ وقال حمّاد بن سلمة : نا ثابت ، عن أنس ، أنّ امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت : يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة ، فقال : يا أمّ فلان ، انظري أيّ طريق شئت قومي فيه ، حتّى أقوم معك ، فخلا معها يناجيها ، حتّى قضت حاجتها. أخرجه مسلم (٤).
باب هيبته صلىاللهعليهوسلم وجلاله وحبّه
وشجاعته وقوّته وفصاحته
قال جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التّميمي ، عن أبيه ، عن أبي مسعود قال : إنّي لأضرب غلاما لي ، إذ سمعت صوتا من
__________________
(١) الطاطريّ : بفتح الطاءين ، قال ابن الأثير في اللباب ٢ / ٢٦٨ : «يقال لمن يبيع الثياب البيض بدمشق المحروسة ومصر طاطريّ».
(٢) انظر : عمل اليوم والليلة لابن السّنّي ١٥٩ رقم ٤٢١ ، وألوفا لابن الجوزي ٢ / ٤٤٦ ، والشمائل لابن كثير ٨١ ، وأنيس الجليس للمعافى بن زكريا ١ / ٢٧٩.
(٣) رواه مسلم في حديث مرّ أوّله قبل الآن ، وهو بطوله : عن عبد الوارث ، عن أبي التّيّاح ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحسن الناس خلقا. وكان لي أخ يقال له أبو عمير. قال : أحسبه قال : كان فطيما. قال : فكان إذا جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرآه ، قال : «أبا عمير! ما فعل النّغير؟». قال : «فكان يلعب به».
والنغير : تصغير : النغر ، وهو طائر صغير ، جمعه نغران.
انظر صحيح مسلم (٢١٥٠) في الأدب ، باب استحباب تحنّك المولود عند ولادته. وابن سعد في طبقاته ١ / ٣٦٤ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٣٨.
(٤) في صحيحه (٢٣٢٦) في الفضائل ، باب قرب النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الناس وتبرّكهم به.