الشيخ مرتضى الأنصاري
المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩
المقام الثّاني
في الاستصحاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
المقام الثاني (١)
في الاستصحاب
الاستصحاب لغة واصطلاحا |
وهو لغة : أخذ الشيء مصاحبا (٢) ، ومنه : استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة.
وعند الاصوليّين عرّف بتعاريف ، أسدّها وأخصرها : «إبقاء ما كان» (٣) ، والمراد بالإبقاء الحكم بالبقاء ، ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعلّيته للحكم ، فعلّة الإبقاء هو أنّه (٤) كان ، فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دليله.
وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة بأنّه : «إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل» (٥) ، بل نسبه شارح
__________________
(١) من المقامين المذكورين في مبحث البراءة ٢ : ١٤.
(٢) لم نعثر على هذا التعريف بلفظه في كتب اللغة ، ففي القاموس : «استصحبه : دعاه إلى الصحبة ولازمه» ، وفي المصباح : «كلّ شيء لازم شيئا فقد استصحبه ، واستصحبت الكتاب وغيره : حملته صحبتي» ، وكذا في الصحاح ومجمع البحرين ، مادة «صحب».
(٣) انظر مناهج الأحكام : ٢٢٣ ، وكذا ضوابط الاصول : ٣٤٦.
(٤) في (ص): «أن».
(٥) الزبدة : ٧٢ ـ ٧٣.
الدروس إلى القوم ، فقال : إنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه (١).
تعريف صاحب القوانين والمناقشة فيه |
وأزيف التعاريف تعريفه بأنّه : «كون حكم أو وصف يقينيّ الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق» (٢) ؛ إذ لا يخفى أنّ كون حكم أو وصف كذلك ، هو محقّق مورد الاستصحاب ومحلّه ، لا نفسه. ولذا صرّح في المعالم ـ كما عن غاية المأمول (٣) ـ : بأنّ استصحاب الحال ، محلّه أن يثبت حكم في وقت ، ثمّ يجيء وقت آخر ، ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على ما كان ، وهو الاستصحاب؟ (٤) انتهى.
توجيه تعريف القوانين |
ويمكن توجيه التعريف المذكور : بأنّ المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلّة ، وليس الدليل إلاّ ما أفاد العلم أو الظنّ بالحكم ، والمفيد للظنّ بوجود الحكم في الآن اللاحق ليس إلاّ كونه يقينيّ الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق ؛ فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الأمارات إلاّ (٥) بما ذكره قدسسره.
عدم تمامية التوجيه المذكور |
لكن فيه : أنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدسسره في أوّل كتابه (٦) ـ
__________________
(١) مشارق الشموس : ٧٦ ، وفيه : «إثبات حكم شرعيّ ... الخ».
(٢) هذا التعريف للمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٣.
(٣) غاية المأمول في شرح زبدة الاصول للفاضل الجواد (مخطوط) : الورقة ١٢٨ ، وحكاه عنه السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٣٤.
(٤) المعالم : ٢٣١.
(٥) لم ترد «إلاّ» في (ت) و (ه).
(٦) القوانين ١ : ٩.
إن اخذ من العقل كان داخلا في دليل العقل (١) ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة ، وعلى كلّ تقدير ، فلا يستقيم تعريفه بما ذكره ؛ لأنّ دليل العقل هو حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، وليس هنا إلاّ حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان (٢) ، والمأخوذ من السنّة ليس إلاّ وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لاحقا (٣) لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.
تعريف شارح المختصر |
نعم ذكر شارح المختصر : «أنّ معنى استصحاب الحال أنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء» (٤).
فإن كان الحدّ هو خصوص الصغرى انطبق على التعريف المذكور ، وإن جعل خصوص الكبرى انطبق على تعاريف (٥) المشهور.
تعريف صاحب الوافية |
وكأنّ صاحب الوافية استظهر منه (٦) كون التعريف مجموع المقدّمتين ، فوافقه في ذلك ، فقال : الاستصحاب هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال ، فيقال :
__________________
(١) كذا في (ر) و (ظ) ، وفي غيرهما : «الدليل العقلي».
(٢) لم ترد «على ما كان» في (ر).
(٣) «لاحقا» من (ه).
(٤) شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.
(٥) في (ت) و (ه): «تعريف».
(٦) لم ترد «منه» في (ظ).
إنّ الأمر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق (١) ، انتهى. ولا ثمرة مهمّة في ذلك.
__________________
(١) الوافية : ٢٠٠.
بقي الكلام في امور :
الأوّل
هل الاستصحاب أصل عمليّ أو أمارة ظنّية؟ |
أنّ عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهريّة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم ـ نظير أصل البراءة وقاعدة الاشتغال ـ مبنيّ على استفادته من الأخبار ، وأمّا بناء على كونه من أحكام العقل فهو دليل ظنّيّ اجتهاديّ ، نظير القياس والاستقراء ، على القول بهما.
المختار كونه من الاصول العمليّة |
وحيث إنّ المختار عندنا هو الأوّل ، ذكرناه في الاصول العمليّة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم ، لكن ظاهر كلمات الأكثر ـ كالشيخ (١) والسيّدين (٢) والفاضلين (٣) والشهيدين (٤) وصاحب المعالم (٥) ـ
__________________
(١) العدّة ٢ : ٧٥٨.
(٢) السيّد المرتضى في الذريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٢ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٨٦.
(٣) المحقّق في المعارج : ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ، والمعتبر ١ : ٣٢ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٥٠ و ٢٥١ ، وتهذيب الوصول : ١٠٥ ، ونهاية الوصول (مخطوط) : ٤٠٧.
(٤) الشهيد الأوّل في الذكرى ١ : ٥٣ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٣٢ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧١.
(٥) المعالم : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
كونه حكما عقليّا ؛ ولذا لم يتمسّك أحد (١) هؤلاء فيه بخبر من الأخبار.
نعم ، ذكر في العدّة (٢) ـ انتصارا للقائل بحجّيته ـ ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من : «أنّ الشيطان ينفخ (٣) بين أليتي المصلّي فلا ينصرفنّ أحدكم إلاّ بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا» (٤).
ومن العجب أنّه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختصّ بمورد خاصّ ، ولم يتمسّك بالأخبار الصحيحة العامّة المعدودة ـ في حديث الأربعمائة ـ من أبواب العلوم (٥).
وأوّل من تمسّك بهذه الأخبار ـ فيما وجدته ـ والد الشيخ البهائي قدسسره ، فيما حكي عنه في العقد الطهماسبي (٦) ، وتبعه صاحب الذخيرة (٧) وشارح الدروس (٨) ، وشاع بين من تأخّر عنهم (٩).
__________________
(١) في (ت) و (ه) زيادة : «من».
(٢) العدّة ٢ : ٧٥٧ ـ ٧٥٨.
(٣) في العدّة هكذا : «إنّ الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ، فيقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرفنّ حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا».
(٤) لم نعثر عليه بعينه في المجاميع الحديثية من الخاصّة والعامّة. نعم ، ورد ما يقرب منه في عوالي اللآلي ١ : ٣٨٠ ، الحديث الأوّل.
(٥) الوسائل ١ : ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦ ، وانظر الخصال : ٦٠٩ ـ ٦٣٧.
(٦) العقد الطهماسبي (مخطوط) : الورقة ٢٨.
(٧) الذخيرة : ٤٤ و ١١٥ ـ ١١٦.
(٨) مشارق الشموس : ٧٦ و ١٤١ ـ ١٤٢.
(٩) كما في الحدائق ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، والفصول : ٣٧٠ ، والقوانين ٢ : ٥٥.
نعم ، ربما يظهر من الحلّي في السرائر (١) الاعتماد على هذه الأخبار ؛ حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه ، ب : «عدم نقض اليقين إلاّ باليقين» (٢). وهذه العبارة ، الظاهر (٣) أنّها مأخوذة من الأخبار.
__________________
(١) السرائر ١ : ٦٢.
(٢) كذا في (ص) و (ه) ، وفي غيرهما بدل «عدم نقض اليقين إلاّ باليقين» : «بنقض اليقين باليقين».
(٣) في (ر): «ظاهرة في» ، وفي (ص): «ظاهرة».
الثاني
الوجه في عدّ الاستصحاب من الأدلّة العقليّة |
أنّ عدّ الاستصحاب ـ على تقدير اعتباره من باب إفادة الظنّ ـ من الأدلّة العقليّة ، كما فعله غير واحد منهم ؛ باعتبار أنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ بواسطة خطاب الشارع ، فنقول : إنّ الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقا ولم يعلم ارتفاعه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق ، فالصغرى شرعيّة ، والكبرى عقليّة ظنّية ، فهو والقياس والاستحسان والاستقراء (١) ـ نظير المفاهيم والاستلزامات ـ من العقليّات الغير المستقلّة.
__________________
(١) لم ترد «والاستقراء» في (ظ) و (ه) ، وشطب عليها في (ت).
الثالث
هل الاستصحاب مسألة اصوليّة أو فقهيّة؟ |
أنّ مسألة الاستصحاب على القول بكونه من الأحكام العقليّة مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعيّ ، نظير حجّية القياس والاستقراء.
بناء على كونه حكما عقليا فهو مسألة اصوليّة |
نعم ، يشكل ذلك بما ذكره المحقّق القمّي قدسسره في القوانين وحاشيته : من أنّ مسائل الاصول ما يبحث فيها عن حال الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلا ، لا عن دليليّة الدليل (١).
وعلى ما ذكره قدسسره ، فيكون مسألة الاستصحاب ـ كمسائل حجّية الأدلّة الظنّية ، كظاهر الكتاب وخبر الواحد ونحوهما ـ من المبادئ التصديقيّة للمسائل الاصوليّة ، وحيث لم تتبيّن في علم آخر احتيج إلى بيانها في نفس العلم ، كأكثر المبادئ التصوّريّة.
نعم ذكر بعضهم (٢) : أنّ موضوع الاصول (٣) ذوات الأدلّة من حيث
__________________
(١) لم نقف عليه في القوانين ، نعم ذكر ذلك في حاشيته ، انظر القوانين (طبعة ١٢٩١) ١ : ٦ ، الحاشية المبدوّة بقوله : «موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ».
(٢) هو صاحب الفصول في الفصول : ١٢.
(٣) في (ت) و (ه) زيادة : «هي».
يبحث عن دليليّتها أو عمّا يعرض لها بعد الدليليّة.
ولعلّه موافق لتعريف الاصول بأنّه : «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الفرعيّة من أدلّتها» (١).
بناء على كونه من الاصول العمليّة ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض |
و (٢) أمّا على القول بكونه من الاصول العمليّة ، ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض ؛ من حيث إنّ (٣) الاستصحاب حينئذ قاعدة مستفادة من السنّة ، وليس التكلّم فيه تكلّما في أحوال السنّة ، بل هو نظير سائر القواعد المستفادة من الكتاب والسنّة ، والمسألة الاصوليّة هي التي بمعونتها يستنبط هذه القاعدة من قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، وهي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر وعن أحوال الألفاظ الواقعة فيه ، فهذه القاعدة ـ كقاعدة «البراءة» و «الاشتغال» ـ نظير قاعدة «نفي الضرر والحرج» ، من القواعد الفرعيّة المتعلّقة بعمل المكلّف. نعم ، تندرج تحت هذه القاعدة مسألة اصوليّة يجري فيها الاستصحاب ، كما تندرج المسألة الاصوليّة أحيانا تحت أدلّة نفي الحرج (٤) ، كما ينفى وجوب الفحص عن المعارض حتّى يقطع بعدمه بنفي الحرج.
الإشكال في كون الاستصحاب من المسائل الفرعية |
نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة : بأنّ إجراءها في موردها (٥) ـ أعني : صورة الشكّ في بقاء الحكم الشرعي السابق ، كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ـ مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة
__________________
(١) كما في الفصول : ٩ ، ومناهج الأحكام : ١.
(٢) «الواو» من (ت).
(٣) في (ر) و (ص) بدل «من حيث إنّ» : «لأنّ».
(٤) في (ظ): «نفي الضرر والحرج».
(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : «بأنّ إجراءه في مورده» ، كما لا يخفى.
للمقلّد (١) ، فهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد ، وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة ؛ فإنّ المسائل الاصوليّة لمّا مهّدت للاجتهاد واستنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ، ولا حظّ لغيره فيها.
فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ؛ لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعيّ وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلاّ للمجتهد ، وإلاّ فمضمونه وهو : العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب آثارها ، مشترك بين المجتهد والمقلّد.
قلت : جميع المسائل الاصوليّة كذلك ؛ لأنّ وجوب العمل بخبر الواحد وترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصّا بالمجتهد. نعم ، تشخيص مجرى خبر الواحد وتعيين مدلوله وتحصيل شروط العمل به مختصّ بالمجتهد ؛ لتمكّنه من ذلك وعجز المقلّد عنه ، فكأنّ المجتهد نائب عن المقلّد (٢) في تحصيل مقدّمات العمل بالأدلّة الاجتهاديّة وتشخيص مجاري الاصول العمليّة ، وإلاّ فحكم الله الشرعيّ في الاصول والفروع مشترك بين المجتهد والمقلّد.
كلام السيد بحر العلوم فيما يرتبط بالمقام |
هذا ، وقد جعل بعض السادة الفحول (٣) الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده ، وجعل قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» دليلا على الدليل ـ نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد ـ حيث قال :
__________________
(١) في (ظ): «المقلّد».
(٢) في (ت) ، (ظ) و (ه) بدل «عن المقلّد» : «عنه».
(٣) هو السيّد بحر العلوم في فوائده.
إنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء ، دليل شرعيّ رافع لحكم الأصل ، ومخصّص لعمومات الحلّ ـ إلى أن قال في آخر كلام له سيأتي نقله (١) ـ : وليس عموم قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئيّاته ، إلاّ كعموم آية النبأ بالقياس إلى آحاد الأخبار المعتبرة (٢) ، انتهى.
المناقشة فيما أفاده بحر العلوم |
أقول : معنى الاستصحاب الجزئيّ في المورد الخاصّ ـ كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر ـ ليس إلاّ الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا ، وهل هذا إلاّ نفس الحكم الشرعي؟! وهل الدليل عليه إلاّ قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» (٣)؟! وبالجملة : فلا فرق بين الاستصحاب وسائر القواعد المستفادة من العمومات.
هذا كلّه في الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكميّة المثبت للحكم الظاهري الكلّي.
الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعيّة |
وأمّا الجاري في الشبهة الموضوعيّة ـ كعدالة زيد ونجاسة ثوبه وفسق عمرو وطهارة بدنه ـ فلا إشكال في كونه حكما فرعيّا ، سواء كان التكلّم فيه من باب الظنّ ، أم كان من باب كونها قاعدة تعبّديّة مستفادة من الأخبار ؛ لأنّ التكلّم فيه على الأوّل ، نظير التكلّم في اعتبار سائر الأمارات ، ك «يد المسلمين» و «سوقهم» و «البيّنة» و «الغلبة» ونحوها في الشبهات الخارجيّة. وعلى الثاني ، من باب أصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ونحو ذلك.
__________________
(١) انظر الصفحة ٢٧٦ و ٢٧٧.
(٢) فوائد السيد بحر العلوم : ١١٦ ـ ١١٧.
(٣) الوسائل ١ : ١٧٤ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث الأوّل.