تراثنا ـ العدد [ 2 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 2 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٧٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الواقعيات المتضادّة للكمال :

فإذا كان الشارع قد أعلن عن خاتميّة الرسالة وكمال الشريعة الإسلاميّة ، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين ، ويقلّ الخلاف والنقاش بينهم ، ويجتمع الكلّ على مائدة القرآن والسنّة من دون أن يختلفوا في عقائدهم ، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم و وظائفهم .

ولكنّنا ـ مع الأسف ـ نشاهد في حياة المسلمين أمراً لا يجتمع مع هذا الكمال ، بل يضادده ويخالفه ، بل وينادي بظاهره بعدم كماله من حيث الاُصول والفروع ، وينادي بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكلّ شيء ،

وتلك الحقيقة المضادّة لحديث الكمال هي الإختلافات الكبيرة والخلافات العريقة ، التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله بل قبيلها أيضاً .

فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار ، وافترقوا فرقتين أو فرقاً حتى انتهوا إلى سبعين فرقة ، بل إلى سبعمائة فرقة .

فهذا هو التاريخ يحدّثنا أنّ أول تنازع وقع في مرضه ( عليه الصلاة والسلام ) ، هو ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس ، قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه ، قال : إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي ، فقال عمر ( رضي الله عنه ) : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع ، قال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين رسول الله (١) .

ولم ينحصر الخلاف في اُخريات حياته ، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش اُسامة ، حيث أنّه ( صلّى الله عليه وآله ) أمر اُسامة بأن يسير إلى النقطة التي سار إليها أبوه من قبل ، وجهّز له جيشاً وعقد له راية فتثاقل أكابر الصحابة عن المسير معه لمّا رأوا مرض النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وهو يصرّ على مسيرهم ، حتى أنّه خرج معصّب الجبين ، وقال جهّزوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه (٢) .

____________________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ـ باب كتابة العلم ص ٢٩ ، وأيضاً ج ٤ كتاب الجهاد باب جوائز الوفد ص ٦٩ ، وصحيح مسلم ج ٥ كتاب الوصية ، باب ترك الوصية ص ٧٦ .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني المقدمة الرابعة ج ١ ص ٢٣ ، وشرح النهج لابن ابي الحديد ج ٢ ص ٢٠

٢١
 &

وأمّا اتّساع رقعة الخلاف ، ودائرة الاختلاف بعد لحوقه ( صلّى الله عليه وآله ) بالرفيق الاعلى ، فحدّث عنه ولا حرج .

فقد اختلفوا في يوم وفاته في موته ( عليه الصلاة والسلام ) ، قال عمر بن الخطاب : من قال إن محمّداً قد مات قتلته بسيفي هذا ، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى ( عليه السلام ) .

ولما جاء أبو بكر بن أبي قحافة من النسع ، وقرأ قول الله سبحانه : « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » رجع عمر عن قوله ، وقال كأنّي ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر (١) .

وأخطر الخلافات وأعظمها هو الإختلاف في الإمامة ، وإدارة شؤون الاُمّة الإسلاميّة ، فمنهم من قال بتعدد الاُمراء فأمير من الأنصار وأمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى ، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والإمارة ، فقد أحدث ذلك الخلاف خرقاً عظيماً لا يسدّ بسهولة .

ولأجل ذلك يقول الشهرستاني في « ملله ونحله » : ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان (٢) .

ولم يقف الخلاف والإختلاف عند هذا الحدّ ، فقد اتّسع نطاقه بعد الإختلاف في الزعامة السياسية ، حتى شمل القيادة الفكريّة ، فحدثت مذاهب واتّجاهات ، ووجدت مناهج متباينة في المعارف الإعتقاديّة ، التي تشكّل أعمدة الدين واُصوله وجذور الإسلام واُسسه .

فاختلف المسلمون ـ في هذا المجال ـ إلى معتزلة وجبريّة ، وانقسمت الاُولى إلى واصليّة ، هذليّة ، نظاميّة ، خابطيّة ، بشريّة ، معمريّة ، مرداريّة ، ثماميّة ، هشاميّة ، جاحظيّة ، خياطيّة .

كما انقسم منافسو المعتزلة ( أعني الجبريّة ) ، إلى : جهميّة ، نجاديّة ، ضراريّة .

وقد كان هذا الإختلاف في إطار خاص ، أي في معنى الإسلام والإيمان وما يرجع إلى فعل الله سبحانه ، وإذا أضفنا إليه الإختلاف في سائر النواحي ، فنرى أنّهم اختلفوا في صفاته سبحانه ، إلى : أشعريّة ، ومشبّهة وكراميّة .

____________________________

(١) الملل والنحل ج ١ ص ٢٣ .

(٢) الملل والنحل ج ١ ص ٢٤ .

٢٢
 &

وقد أوجبت هذه الإختلافات والنقاشات إلى وقوع حروب دامية ، وصراعات مدّمرة اُريقت فيها الدماء البريئة ـ من المسلمين ، وسحقت الكرامات .

غير أنّ إطار الإختلاف لم يقف عند ذلك ، فقد حدث اختلاف في مصير الإنسان ، وما يؤول إليه بعد موته من البرزخ ومواقفه ، ويوم القيامة وخصوصيّاته ، إلى غيرها من الإختلافات والمنازعات الفكريّة العقيديّة ، التي فرّقت شمل المسلمين ، ومزّقت وحدتهم وكأنّهم نسوا قول الله تعالى : « إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » ( الأنبياء ـ ٩٢ ) .

فصارت الاُمّة الواحدة اُمماً متعدّدة ، وأصبحت اليد الواحدة أيدي متشتّتة .

ولو أضفنا إلى ذلك ماحدث بين المسلمين من الاختلاف في المناهج الفقهيّة ، التي أرساها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ، إلى أن وصل الدور إلى الأئمّة الأربعة يقف الإنسان على اختلاف واسع مروّع ، وعند ذلك يتساءل الإنسان ويسأل المرء نفسه : ترى أيّ الأمرين أحق وأصحّ ؟

١ ـ ما نصّ به القرآن الكريم ، وحدّث عنه سيّد المرسلين عن كمال الدين باُصوله وجذوره ، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة إلّا رفعها ، ولا حادثة إلّا بيّن حكمها ، ومقتضى ذلك أن يتقلّل الخلاف والنقاش إلى أقلّ حدّ ممكن .

٢ ـ ما نلمسه ونراه ـ بوضوح ـ من الخلاف والتشاجر في أبسط الاُمور وأعمقها ، من دقيقها وجليلها ، بحيث لم يبق أصل ولا فرع إلّا وفيه رأيان بل آراء .

إنّ حديث الإختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعدّ امراً بسيطاً ، كيف والإمام عليّ ( عليه السلام ) يعتبره دليلاً على نقصان الدين إن كان المختلفون على حقّ ، وإلّا كان اختلافهم أمراً باطلاً ، لأنّ كمال الشريعة يستلزم أن يكون كلّ شيء فيها مبيّناً ، فلا مبرّر ولا مصحّح للإختلاف .

يقول الإمام ( عليه السلام ) في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا :

ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله ـ سبحانه ـ بالإختلاف فأطاعوه ! أم نهاهم عنه فعصوه ! أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ ! أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) عن تبليغه وأدائه ، والله ؟ ! سبحانه يقول : « مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ » وفيه تبيان لكلّ شيءٍ وذكر أنّ الكتاب يصدّق

٢٣
 &

بعضه بعضاً (١) .

أترى أنّه ( صلوات الله عليه ) بعد ما يندّد بالإختلاف ، يقول أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه .

فاكتمال الدين بعامّة أبعاده ينفي وجود الثاني ، كما أنّ وجود الخلاف في عامّة المسائل لا يجتمع مع إكمال الدين ، فما هو الحلّ لهذين الأمرين المتخالفين ؟ !

الاجابة على هذا السؤال :

إنّ هناك تحليلين يمكن أن يستند إليها الباحث في حلّ هذه المعضلة :

الأوّل : إنّ النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) وإن أكمل دينه في اُصوله وفروعه ، غير انّ المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الإسلاميّة ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولاالسنّة النبويّة .

إلّا أنّ هذه الإجابة لا تتّفق مع الواقع ، بل تعتبر قسوة على الحقّ وأصحابه ، لما نعلم من حياة المسلمين في الصدر الأوّل وبعده ، من أنّ الدين كان عندهم من أعزّ الأشياء وأنفسها ، فكانوا يضحّون بأنفسهم وأموالهم في سبيله .

فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب إلى هؤلاء الجماعة بأنّهم قد وقفوا في وجه النصوص الإسلاميّة ، وقابلوها بآرائهم ، ورجّحوا أفكارهم ونظريّاتهم على الوحي ؟

كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلّة بقوله : « مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فضلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا » ( الفتح ـ ٢٩ ) .

الثاني : إنّ الشريعة الإسلاميّة قد جاءت بدقائق الاُمور وجلائلها في كتاب الله وسنّة نبيّه ، غير أنّ الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والإحاطة بسنّة نبيّه ـ الذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمّت بهما النعمة ، واستغنت الاُمّة بهما عن اتّخاذ أيّ شيء في عداد كتاب الله وسنّة

____________________________

(١) نهج البلاغة قسم الخطب الخطبة رقم ١٨ .

٢٤
 &

نبيّه ـ عند اُناس متطهّرين من الإثم والذنب ، مصونين عن الزلل والخطأ ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومجمله ومفصّله ، وناسخه ومنسوخه ، وعامّه وخاصّه ، ومطلقه ومقيّده ، بل بدلالاته وتنبيهاته ، ورموزه وإشاراته التي لا يهتدي إليها إلّا من شملته العناية الإلهيّة ، وعمّته الفيوض الربّانيّة .

كما وأحاطوا بسنّة نبيّهم ، وشوارد أقواله ، ووجوه أفعاله ، وألوان تقريره وإقراره .

فالتحق ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرفيق الأعلى والحال هذه ، أيّ أنّ العلم بحقائق الكتاب ومتون سنّته مخزون عند جماعة خاصّة ، قد عرّفهم بصفاتهم وخصوصيّاتهم تارة ، وأسمائهم وأعدادهم تارة اُخرى كما سيوافيك .

ولو أنّ الاُمّة الاسلاميّة رجعوا في مجال العقائد والمعارف ، وموارد الأحكام والوظائف إلى هذه الثلّة ، لأوقفوهم على كلّ غرّة لائحة ، وحجّة واضحة ، وقول مبين ، و برهان متين ، واستغنوا بذلك عن كلّ قول ليس له أصل في كتاب الله وسنّة رسوله ، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل .

فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في جميع مجالاتها أمر لاغبار عليه ، ولكنّ الخلاف والنقاش حدث في اُسس الإسلام وفروعه لأجل الإستقلال في فهم الذكر الحكيم ، وجمع سنّة الرسول من دون أن يرجعوا إلى من عنده رموز الكتاب وإشاراته ، ودلائله وتنبيهاته ، فهم ورّاث الكتاب (١) وترجمان السنّة ، فافترقوا ـ لأجل هذا الإعراض ـ إلى فرق كثيرة ومناهج متكثّرة .

إنّ الإستقلال في فهم المعارف والاُصول واستنباط الفروع ، ألجأ القوم إلى القول بالقياس والإستحسان ، وتشييد قواعد ومقاييس ظنيّة كسدّ الذرائع والمصالح المرسلة ، وغيرها من الاُمور التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك لأنّهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والاُصول ، بحيث لا يمكن إنكاره حسب الآيات والأحاديث ، ومن جانب آخر واجهوا الحاجات والحوادث المتجدّدة التي لم يجدوا لها دليلاً ، لا في الكتاب ولا في السنّة ، فلاذوا إلى العمل بهذه المقاييس حتى يسدّوا الفراغ ، ويبرئوا الشريعة الإسلاميّة عن وصمة النقص .

قال ابن رشد مستدلاً على حجّية القياس : إنّ الوقائع بين أشخاص الاُناس غير متناهية ، والنصوص والأفعال والإقرارات ( أي تقرير النبيّ ) متناهية ، ومحال أن يقابل

____________________________

(١) إشارة إلى قوله سبحانه : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا » الفاطر ـ ٣٢ .

٢٥
 &

ما لا يتناهى بما يتناهى (١) .

وكأنّه يريد أن يقول إنّه لولا القول بحجّية القياس لأصبحت الشريعة ناقصة غير متكاملة .

وهذا الجواب ( وهو إيداع علم الكتاب عند العترة والإحاطة بالسنّة ) ممّا يلوح من الغور في غضون السنّة ، ولعلّ القارئ الكريم يزعم ـ بادئ بدء ـ أنّ هذا الجواب نظريّة غير مدعمة بالبرهان ، غير أنّ من راجع السنّة يرى النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصرّح في خطبة حجّة الوداع بأنّ عترته أعدال الكتاب العزيز وقرناؤه ، وهم يصونون الاُمّة عن الإنحراف والضلال ، ولا يفارقون الكتاب قدر شعرة ، ومع الرجوع إليهم لا يبقى لقائل شك ولا ترديد .

روى الترمذي ، عن جابر قال : رأيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في حجّية يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول :

« يا أيّها الناس أنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (٢) .

وروى مسلم في صحيحه : « أنّ رسول الله قام خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة و المدينة . . . ثمّ قال : ألا يا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب ، وإنّي تارك فيكم ثقلين : أوّلها كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . . وأهل بيتي » (٣) .

وقد روى هذا الحديث أصحاب الصحاح والسنن بعبارات مختلفة ، كما رووا أنّه نطق به النبيّ في حجّة الوداع ، وفي غدير خمّ وقبيل وفاته ،

فدراسة الحديث توقفنا على مكانة أهل البيت النبويّ ، وعترة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، حيث يعدلون القرآن الكريم في الهداية والنور ، والعصمة والمصونيّة ، وأنّ مفارقتهم مفارقة للكتاب ، وبالتالي مفارقة السعادة ، والوقوع في وهاد الضلالة .

عدد الأئمّة :

إنّ النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) لم يكتف بالتنصيص بالوصف ، بل أخبر بأنّ

____________________________

(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج ١ ص ٢ .

(٢) الترمذي ج ٣ ص ١٩٩ باب مناقب أهل بيت النبيّ .

(٣) صحيح مسلم ج ٧ باب فضائل عليّ بن أبي طالب ص ١٢٣ .

٢٦
 &

عدد الأئمّة الذين يلون من بعده إثنا عشر ، وقد رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، فروى مسلم ، عن جابر بن سمرة ، أنّه سمع النبيّ يقول : لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش (١) .

وروى البخاري قال : سمعت النبيّ يقول : يكون إثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : قال : كلّهم من قريش (٢) .

وهناك نصوص اُخرى لهذا الحديث تصرّح بأنّ عدد الولاة إثنا عشر وأنّهم من قريش .

وجاء عليّ ( عليه السلام ) يفسّر حديث النبيّ ، ويوضّح إبهامه ويقول : إنّ الأئمّة من قريش في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم (٣) .

إحاطة العترة بالسنّة :

ما ذكرناه آنفاً من أنّ العترة الطاهرة أحاطوا بالسنّة النبويّة ، التي لم تحتفظ بأكثرها الاُمّة ممّا تصرّح به العترة وتقول : إنّ كلّ ما يروون من أحاديث في مجالي العقيدة والشريعة ، كلّها رواية عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عن طريق آبائهم .

وقد وردت في هذا الصعيد نصوص لا مجال لنقلها برمّتها ، بل نكتفي بالقليل من الكثير :

روى حمّاد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وحديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قول الله عزّ وجلّ (٤) .

وعن جابر قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إذا حدّثتني بحديث ، فأسنده لي

____________________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ كتاب الإمارة ص ٣ ـ ٤ باب الناس تبع لقريش .

(٢) البخاري ج ٦ ص ٦٥ كتاب الأحكام .

(٣) نهج البلاغة الخطبة ١٤٢ .

(٤) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ١٢٧ ـ ١٢٨ .

٢٧
 &

فقال : حدّثني أبي ، عن جدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، عن جبرئيل ( عليه السلام ) ، عن الله عزّ وجلّ ، وكلّ ما اُحدّثك ( فهو ) بهذا الإسناد ، وقال : يا جابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها (١) .

ومن كتاب حفص بن البختري ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : نسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعةً ، أو من أبيك ، فقال : ما سمعته منّي فاروه عن أبي ، وما سمعته منّي فاروه عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) (٢) .

وعن يونس ، عن عنبسة قال : سأل رجل أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : إن كان كذا وكذا ما كان القول فيها ، فقال له : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لسنا نقول برأينا من شيء .

مراحل تطور الفقه عند الامامية :

لقد عكف الشيعة بعد لحوق النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بالرفيق الأعلى على دراسة الفقه ، وجمع مسائله وتبويب أبوابه وضمّ شوارده ، وأقبلوا عليه إقبالاً تامّاً قلّ نظيره لدى الطوائف الإسلاميّة الاُخرى ، حتّى تخرّج من مدرسة أهل البيت وعلى أيدي أئمّة الهدى ، عدّة من الفقهاء العظام لا يستهان بهم ، فبلغوا الذروة في الفقاهة والإجتهاد نظراء : زرارة ابن أعين ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وأبي بصير الأسدي ، ويزيد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وهؤلاء من أفاضل خرّيجي مدرسة أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) ، فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ، وانقادت لهم بالفقه والفقاهة .

ويليهم في الفضل والفقاهة ثلّة اُخرى ، وهم أحداث خرّيجي مدرسة أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) نظراء : جميل بن درّاج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، كما أقرّت العصابة على فقاهة ثلّة اُخرى من تلاميذ أصحاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا ( عليهما السلام ) نظراء : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى ، ومحمّد بن أبي عمير ،

____________________________

(١) المصدر السابق .

(٢) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ومن أراد الوقوف على المزيد من ذلك فليراجع المصدر المذكور من ص ١٢٦ ـ ٢١٩ .

٢٨
 &

وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن عليّ بن فضال ، وفضالة بن أيّوب (١) .

هؤلاء أبطال الشيعة في الفقه والحديث في القرنين الأوّل والثاني من الهجرة ، وقد تخرّجوا من مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وأخذوا منهم الفقه واُصول الإجتهاد والإستنباط .

نعم لا ينحصر المتخرّجون من مدرستهم في هؤلاء الذين ذكرناهم ، فقد تخرّج من تلك المدرسة جماعة كثيرة تجاوزت المئات بل الآلاف ، وقد ضبطت أسماءهم وخصوصيّاتهم وكتبهم ، الكتب الرجاليّة والفهارس العلميّة .

ومع أنّ كتب الرجال والفقه تنصّ على مكانتهم في الفقاهة ، ومدى استنباطهم الأحكام الشرعيّة ، غير أنّ كتبهم في القرون الثلاثة الاُولى كانت مقصورة على نقل الروايات بأسنادها ، والإفتاء في المسائل بهذا الشكل ، مع تمييز الصحيح عن السقيم ، والمتقن عن الزائف .

وتطلق على كتبهم عناوين : الأصل ، الكتاب ، النوادر الجامع ، المسائل ، أو خصوص باب من أبواب الفقه ، كالطهارة ، والصلاة ، وما شابه ذلك .

هذه الكتب المدونة في القرون الثلاثة بمنزلة « المسانيد » عند العامّة ، فكلّ كتاب من هذه الرواة يعدّ مسنداً للراوي ، قد جمع فيه مجموع رواياته عن الإمام أو الأئمّة في كتابه ، وكان الإفتاء بشكل نقل الرواية بعد إعمال النظر ومراعاة ضوابط الفتيا وهكذا مضى القرن الثالث .

وبإطلالة أوائل القرن الرابع طلع لون جديد في الكتابة والفتيا ، وهو الإفتاء بمتون الروايات مع حذف أسنادها ، والكتابة على هذا النمط مع إعمال النظر والدقّة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه ـ في ظاهره ـ عن صورة نقل الرواية ، واتّخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة ،

وأوّل من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه هو والد الشيخ الصدوق ، « عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه » المتوفّى عام ٣٢٩ هـ ، فألّف كتاب « الشرائع » لولده الصدوق ، وقد عكف فيه على نقل متون ونصوص الروايات ، وقد بثّ الصدوق هذا الكتاب في متون كتبه : كالفقيه ، والمقنع والهداية ، كما يظهر ذلك من الرجوع إليها .

ولقد استمرّ التأليف على هذا النمط ، فتبعه ولده الصدوق المتوفّى عام ٣٨١ ، فألّف

____________________________

(١) راجع رجال الكشّي ص ٢٠٦ و ٣٢٢ و ٤٦٦ .

٢٩
 &

« المقنع والهداية » ، وتبعه شيخ الاُمّة ومفيدها « محمد بن النعمان » المتوفّى عام ٤١٣ في « مقنعته » ، وتلميذه شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى عام ٤٦٠ في « نهايته » .

ولمّا کانت متون هذه الكتب والمؤلفات مأخوذة من نفس الروايات والاُصول ، وقعت متونها موضع القبول من قبل الفقهاء فعاملوها معاملة الكتب الحديثيّة ، وعوّلوا عليها عند إعوازهم إلى النصوص على اختلاف مشاربهم وأذواقهم ،

وكان سيّدنا الاُستاذ آية الله البروجردي المتوفّى عام ( ١٣٨٠ هـ ) يسمّي تلك الكتب بـ « المسائل المتلّقاة » ، وسمّاها بعض الأجلّة بـ : « الفقه المنصوص » .

ومع أنّ هذا النمط من الفقه كان نمطاً جديداً ، وثورةً على الطريقة القديمة السائدة طيلة قرون ، فإنّه لم يكن رافعاً للحاجة وسادّا للفراغ ، لأنّ هناك حاجات وأحداث لم ترد بعينها في متون الروايات وسنن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، وإن كان يمكن استنباط أحكامها من العمومات والإطلاقات والاصول الواردة في الكتاب والسنّة ، فعند ذلك يجب أن تكون هناك ثورة جديدة قويّة تسدّ هذا الفراغ ، وتغني المجتمع الإسلامي من الرجوع إلى غير الكتاب والسنّة .

ولذلك قام في أوائل القرن الرابع لفيف من فقهاء الشيعة بإبداع منهج خاص في الفقه ، وهو الخروج عن حدود عبائر النصوص والألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ، أو عرض المسائل على القواعد الكليّة الواردة في ذينك المصدرين ، مع التحفظ على الاُصول المرضيّة عند أئمّة الشيعة من نفي القياس والإستحسان ، ونفي الإعتماد على كلّ نظر ورأي ليس له دليل في الكتاب والسنّة .

وهذا اللون من الفقه وإن كان سائداً بين فقهاء العامّة ، لكنّه كان مبنيّاً على اُسس وقواعد زائفة ، كالعمل بالقياس وسائر المصادر الفقهيّة ، غير المرضيّه عند أئمّة الشيعة .

وأوّل من فتح هذا الباب بمصراعيه في وجه الاُمّة ، هو شيخ الشيعة وفقيهها الأجلّ ، الذي يعرّفه شيخ الرجاليّين ، وحجّة التاريخ بقوله : الحسن بن عليّ بن أبي عقيل أبو محمد الحذّاء ، فقيه متكلّم ثقة ، له كتب في الفقه والكلام منها : كتاب « المتمسّك بحبل آل الرسول » ، كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ما ورد الحاج من خراسان إلّا طلب واشترى منه نسخاً ، وسمعت شيخنا أبا عبد الله ( المفيد ) رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله (١) .

____________________________

(١) فهرس النجاشي ص ٣٥ .

٣٠
 &

وهذا شيخ الطائقة الطوسي يعرّفه ويعرّف كتابه المذكور في فهرسه ، ويقول : وهو من جملة المتكلّمين ، إماميّ المذهب ، ومن كتبه كتاب « المتمسّك بحبل آل الرسول » في الفقه وغيره ، وهو كتاب كبير حسن (١) .

ويقول العلّامة : ونحن نقلنا أقواله في كتبنا الفقهيّة ، وهو من جملة المتكلّمين وفضلاء الإماميّة ،

ويصف كتابه « المتمسّك بحبل آل الرسول » بأنّه كتاب مشهور عندنا (٢) ، وقد نقل آراءه العلّامة في « مختلف الشيعة » في جميع أبواب الفقه ، وهذا يكشف عن أنّ الكتاب المذكور كتب على أساس الإستنباط ، وردّ الفروع إلى الاُصول ، والخروج عن دائرة ألفاظ الحديث ، عملاً بقول الصادق : علينا إلقاه الاُصول إليكم ، وعليكم التفريع (٣) .

ولعلّه لأجل هذا قال العلّامة بحر العلوم في « فوائده الرجاليّة » : هو أوّل من هذّب الفقه واستعمل النظر ، وفتق البحث في الاُصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ، وبعده الشيخ الفاضل « ابن الجنيد » (٤) .

وقال صاحب « روضات الجنّات » أيضاً : إنّ هذا الشيخ هو الذي ينسب إليه إبداع أساس النظر في الأدلّة ، وطريق الجمع بين مدارك الأحكام بالإجتهاد الصحيح ، ولذا يعبّر عنه وعن الشيخ أبي عليّ بن الجنيد في كلمات فقهاء أصحابنا : بالقديمين ، وقد بالغ في الثناء عليه أيضاً صاحب « السرائر » وغيره وتعرّضوا لبيان خلافاته الكثيرة في مصنّفاتهم (٥) .

والتاريخ وإن لم يضبط عام وفاته ، غير أنّه من معاصري الشيخ الكليني المتوفّى عام ٣٢٨ هـ ، ومن مشايخ جعفر بن محمّد بن قولويه ، المتوفّى عام ٣٨٦ هـ ،

والثاني هو محمّد بن أحمد بن جنيد ، أبو عليّ الكاتب الإسكافي ، الذي قال النجاشي عنه : وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر ، صنّف فأكثر ، ثم ذكر فهرس كتبه ومنها : كتاب « تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة » ، وكتاب : « الاحمدي للفقه المحمّدي » (٦) .

____________________________

(١) الفهرس للشيخ ص ٧٩ ، ضبط الشيخ اسم أبيه « عيسى » ، والنجاشي « عليّ » والثاني أقرب إلى الصواب .

(٢) الخلاصة ص ٤٠ .

(٣) السرائر قسم المستطرفات ص ٤٧٧ في ما أورده من جامع البزنطي ، صاحب الرضا .

(٤) الفوائد الرجاليّة ج ٢ ص ٢٢٢ .

(٥) روضات الجنّات ج ٢ ص ٢٥٩ .

(٦) رجال النجاشي ص ٢٧٣ .

٣١
 &

ويصف الشيخ الطوسي كتاب « تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة » : بأنّه كتاب كبير على عشرين مجلّداً ، يشتمل على عدّة من كتب الفقه على طريقة الفقهاء (١) .

وقوله : على طريقة الفقهاء إشارة إلى أنّه كان كتاباً على نمط الكتب الفقهيّة الإستدلاليّة ، نظير الكتب الفقهيّة للعامّة .

ولأجل ذلك يقول صاحب « روضات الجنّات » : أنّ هذا الشيخ تبع الحسن بن أبي عقيل العماني فأبدع أساس الإجتهاد في أحكام الشريعة .

ويقول : ونقل عن « إيضاح العلّامة » أنّه قال : وجدت بخطّ السيّد السعيد محمّد بن معد ، ما صورته : وقع إليّ من هذا الكتاب ـ أي كتاب « تهذيب الشيعة » ـ مجلّد واحد ، وقد ذهب من أوّله أوراق ، وهو كتاب النكاح ، فتصفّحته ولمحت مضمونه فلم أر لأحدٍ من هذه الطائفة كتاباً أجود منه ، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ، ولا أدقّ معنىً ، وقد استوفى منه الفروع والاُصول ، وذكر الخلاف في المسائل واستدلّ بطريق الإماميّة وطريق مخالفيهم ، وهذا الكتاب إذا اُمعن النظر فيه وحصّلت معانيه علم قدره ومرتبته ، وحصّل منه شيء كثير ولا يحصّل من غيره .

ثم يقول العلّامة : قد وقع إليّ من مصنّفات هذا الشيخ المعظّم الشأن كتاب « الأحمدي في الفقه المحمّدي » ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيّد يدلّ على فضل هذا الرجل و كماله ، وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب « مختلف الشيعة في أحكام الشريعة » (٢) .

وبذلك يعلم أنّ استعمال القياس في فقهه كان لأجل الإستدلال على طريق المخالفين ، ولعلّه إلى ذلك ينظر الشيخ حيث يقول في « عدته » : لمّا كان العمل بالقياس محظوراً في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلاً ، وإذا شذّ واحد منهم عمل به في بعض المسائل ، على وجه المحاجّة لخصمه ، وإن لم يكن اعتقاده رووا قوله وأنكروا عليه (٣) .

الثالث : شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي ، المولود عام ٣٨٥ هـ ، المتوفّى ٤٦٠ هـ ، فقيه الشيعة وزعيمهم في القرن الخامس بعد السيّد المرتضى الشهير بعلم الهدى ، فقد قام بتأليف كتاب على هذا النمط وأسماه كتاب « المبسوط » ، وألّفه

____________________________

(١) فهرس الشيخ ص ١٦٠ .

(٢) روضات الجنّات ج ٦ ص ١٤٥ ـ ١٤٧ ، نقلاً عن إيضاح العلّامة ، وقد نقله بعض الأجلّة عن خلاصة العلّامة ، وهو ليس بصحيح .

(٣) عدّة الاُصول ج ١ ص ٣٣٩ الطبعة الحديثة .

٣٢
 &

بعد كتابه المسمّى « بالنهاية » الذي كتبه على النمط الأوّل من التأليف ،

قال في مقدّمة « المبسوط » : كنت عملت على قديم الوقت كتاب « النهاية » ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم واُصولها من المسائل ، وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه ، وجمعت فيه النظائر . . . ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب ، و ترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها ، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة ، حتّى لا يستوحشوا من ذلك وعملت بآخره مختصر جمل العقود ، وفي العبارات سلكت فيه طريق الإيجاز والإختصار ، وعقود الأبواب في ما يتعلّق بالعبادات ، ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصّة ، يضاف إلى كتاب « النهاية » ، ويجتمع مع ما يكون كاملاً كافياً في جميع ما يحتاج إليه .

ثم رأيت أنّ ذلك يكون مبتوراً يصعب فهمه على الناظر فيه ، لأنّ الفرع إنّما يفهمه إذا ضبط الأصل معه ، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصّلوها الفقهاء ، وهي نحو من ثلاثين كتاباً ، أذكر كلّ كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الأدعيه والآداب ، وأعقد فيه الأبواب واُقسّم فيه المسائل ، وأجمع بين النظائر واستوفيه غاية الاستيفاء ، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون (١) .

وقد لخّصنا عبارة الشيخ في مقدّمته ، وقد أوضح فيها طريقته الحديثة ، التي اجتمعت فيه مزيّة التفريع والتكثير ، والإجابة على الحاجات الجديدة ، وبيان أحكام الحوادث مع عدم الخروج عن حدود الكتاب والسنّة ، بل الرجوع إليهما في جميع الأبواب .

وقد نال هذا الكتاب القيّم رواجاً خاصاً ، وهو أحد الكتب النفيسة للشيعة الإماميّة في الفقة ، وقد طبع في ثمانية أجزاء .

كما أنّ للشيخ الطوسي كتاباً آخر وهو كتاب « الخلاف » ، سلك فيه مسلك الفقه المقارن .

والحقّ أنّ شيخ الطائفة قد اُوتي موهبة عظيمة وفائقة ، فخدم الفقه الإسلامي بألوان الخدمة ، فتارة كتب كتاب « النهاية » على طريقة « الفقه المنصوص » أو « المسائل المتلقّاة » ، كما كتب « المبسوط » على نهج الفقه التفريعي ، وأثبت أنّ الشيعة مع نفيهم للقياس والإستحسان قادرون على تفريع الفروع ، وتكثير المسائل ، وتبيين أحكامها من الكتاب

____________________________

(١) المبسوط ج ١ ص ٢ ـ ٣ .

٣٣
 &

والسنّة ، مع التحفّظ على اُصولهم بالإجتهاد .

ثم ألّف كتاب « الخلاف » على نمط الفقه المقارن ، فأورد فيه آراء الفقهاء في عصره والعصور الماضية ، وهو من أحسن الكتب وأنفسها ، كما أنّه ابتدع نوعاً رابعاً في التأليف ، فأخرج اُصول المسائل الفقهيّة بأبرع العبارات وأقصرها ، وأدرجها في فصول وعقود خاصّة ، أسماها « الجمل والعقود » ، وقد أشار إليها في مقدّمته إذ قال : وأنا مجيب إلى ما سأل الشيخ الفاضل أدام الله بقاه من إملاء مختصر ، يشتمل على ذكر كتب العبادات ، وذكر عقوداً وأبواباً وحصر جملها ، وبيان أفعالها ، وأقسامها إلى الأفعال والتروك وما يتنوّع من الوجوب والندب ، وأضبطها بالعدد ، ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند تذكّره ، والطالب عند تدبّره .

فهذه الألوان الأربعة في كتب الشيخ يسدّ كلّ منها ناحية من النواحي الفقهيّة .

للمقال صلة

٣٤
 &

المعتبر في شرح المختصر

للمحقّق الحلّي ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها ومفكّريها ، المتقدّمين بها في ميادين الوعي والثقافة ، من أغلى ما لديها .

والحديث الوارد فيما يورثه الانبياء عليهم السلام لاُممهم :

« إنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر » .

يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقاً له في علماء الإسلام ، الّذين جاهدوا في الله فهداهم سبله .

إذاً . . . ففي إحياء آثارهم حياة الإسلام والمسلمين ، وامتداد لحياة القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وآثار المعصومين عليهم السلام .

ومن المؤسف جداً أن نرى بعض هذه الآثار القيّمة قد انعدمت بمرور الزمان وعوادي الحدثان ، ونتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بما ينتج عن ضياعها من خسارة فادحة وعاقبة أليمة .

ولا يسعنا ـ والحالة هذه ـ إلّا أن نحمد الله على بقاء القسم الأعظم منها محفوظاً سالماً قد أخطأته يد الدهر ، وزاغت عنه أبصار الطواغيت .

هذا القسم الباقي من تراثنا العظيم كثير منه مخطوط في خزائن الكتب والإستفادة منه محدودة .

وكثير منه مطبوع طباعة رديئة أو مغلوطة ، بالطبع الحجري الذي أصبحت بعض مطبوعاته نادرة كالمخطوطات ، وهي طبعات لا تجذب القارئ ولا تستريح إليها العين ، فانحصرت الإستفادة منها في قليل من ذوي الإختصاص ، ولم يعمّ نورها ـ وما أكثره من نور ! ـ فينير طريق اُمّتنا في انبعاثها الجديد .

ومع تقدّم فنّ الطباعة وصناعة الكتاب ، اهتم جماعة من العلماء وأهل الخير بتأسيس ( المركز العلمي لسيد الشهداء عليه السلام ) الذي تتركّز فعالياته في طبع

٣٥
 &

المخطوطات أو تجديد ما طبع سابقاً من تراثنا العلمي ، وإبرازه في ثوب جديد يشوّق القارئ ، ويسرّ الناظر ، وذلك بالإستفادة من النسخ المصححة المتعمدة من المخطوطات ، وتولي أهل الخبرة والمعرفة .

وجاء في طليعة أعمال المركز كتاب « المعتبر » لنجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ، المحقّق الحلّي ، المتوفّى ٦٧٦ هـ ، صاحب كتاب « شرائع الإسلام » الذي يعتبر من أهمّ الكتب الفقهية وأعلاها اعتباراً عند الشيعة الإمامية .

يتضمّن هذا السفر القيم عدا المباحث الفقهية الإستدلالية الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، آراء ونظريات علماء أهل السنّة ، فهو فقه مقارن موجز غنيّ بمحتواه .

وقد اعتمدنا في تحقيقه على ثلاث نسخ :

١ ـ نسخة السيد الصفائي الخوانساري .

نسخها سالم بن مطرف في الحلّة السيفية من أرض العراق ، سنة ٩٦٧ هـ ، عن نسخة تاريخها سنة ٦٧٥ هـ ، وتقع في مجلّدين .

وهي نسخة على قدمها كثيرة الخطأ والتحريف والتصحيف ، إلّا موارد جاءت فيها على الصحّة وكانت منفردة بها .

٢ ـ نسخة خزانة آية الله السيد المرعشي النجفي .

نسخها مهر علي بن علي محمد الخوانساري سنة ١٢٤٨ هـ .

تقع في مجلّد واحد .

وهي برقم ١٥٨٤ في الخزانة المذكورة ، وهي على تأخّر تاريخها تغلب عليها الصحّة ، إلّا في موارد كانت الصحّة من نصيب النسخة الاُولى .

٣ ـ المطبوعة على الحجر في إيران سنة ١٣١٨ هـ .

وهي نسخة تغلب عليها الصحّة .

وكان العاملون الفضلاء في المقابلة والتصحيح يرجعون إليّ فيما أشكل عليهم من الناحية الفقهية فاُصحّحه حسب النظر الفقهي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام .

ونعد الاُمّة المسلمة بإحياء ما يعيننا الله تعالى على إحيائه من تراثنا وخلاصة أعمار علمائنا رحمهم الله ،

والحمد لله أولاً وآخراً .

٣٦
 &

الشيخ المفيد وآثاره المخطوطة

الشيخ محمد مهدي نجف

بسم الله الرحمن الرحيم

لا بدّ لنا وقبل البدء بتعريف بعض الآثار المخطوطة ، للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه أن نمرّ مروراً عاجلاً وبشكل موجز بحياة هذه الشخصيّة العلميّة الفذّة .

لقد قارن الفتن الطائفيّة ، والإضطرابات المذهبيّة في القرنين الرابع والخامس الهجري ، بعض الازدهار العلمي والثقافي ، وكان للدور العلمي البارز الذي قام به الشيخ المفيد ، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلّم نوّر الله رمسه الطاهر ، الأثر الكبير في اشتهاره وبروزه من بين نظرائه أعلام عصره .

فحفلت كتب التاريخ والسير بذكره والتحدّث عن سيرته ، ووصف المؤرّخون حياته الخاصّة وصفاته الشخصيّة ، فمنهم من ساق خلال ترجمته كلمات الإطراء وجمل الثناء بما لا مزيد ، عليه ، وانساق لفيف آخر ممّن تغلّبت عليه العصبيّة المذهبيّة فاندفع بقلمه المسموم نحو الطعن والشتم والتشهير .

ولسنا هنا في مقام ذكر الأقوال فيه ، غير أنّ البحث يستدعي بيان الشيء الموجز للتعريف به .

فهو الشيخ الجليل ، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي المعروف بـ ( ابن المعلّم ) وبـ ( المفيد ) كانت ولادته سنة ( ٣٣٦ ) وقيل : ( ٣٣٨ ) للهجرة النبويّة في عكبرا .

وتفقّه وقرأ على نخبة من أعلام عصره الذين اشتهروا بالفضل والعلم زاد عددهم على الخميس عالماً ، وتعلّم عنده السيدان الشريفان الرضيّ والمرتضى والشيخ الطوسي ، والنجاشي ، والكراجكي وسلّار الديلمي وكثيرون غيرهم .

وقد اشتهر الشيخ المفيد بمناظراته مع أعلام عصره ، معتمداً المنهج والدليل المتفّق عليه سبيلاً للاقناع ووضوح النتائج ، فكان له مجلس في داره بدرب رياح يحضره العلماء كافّة للمناظرة على ما حكاه ابن الجوزي في المنتظم ٨ : ١١ .

٣٧
 &

وزاد ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ١٢ : ١٥ بوصف هذا المجلس بقوله : « كان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف » .

وأثنىٰ عليه اليافعيّ في تاريخه الموسوم بمرآة الجنان ٣ : ٢٨ في حوادث سنة ثلاث عشرة وأربعمائة حيث قال : « عالم الشيعة ، صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد ، وبابن معلّم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهيّة » .

وذكره ابن النديم في الفهرست : ٢٢٦ حيث قال : « ابن المعلّم أبو عبد الله . . . في عصرنا انتهت إليه رياسة متكلّمي الشيعة مقدّم في صناعة الكلام على مذاهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعاً » .

وكانت ثمرة عمره الشريف آثاره التي ناهزت المائتين بين كتاب ورسالة ، طبع البعض منها قبل سنين عديدة من غير تحقيق ، وبقي الكثير منها في رفوف المكتبات تنتظر النور .

وقد وفّقت بحمد الله ومنّه بتحقيق مجموعة من الرسائل المخطوطة في مواضيع مختلفة منها :

١ ـ الرسالة العدديّة :

إحدى الرسائل التي اشتهرت بين العلماء والفقهاء ، رسالة تضمّنت الرّد على القائلين بأنّ شهر رمضان تامّ لا ينقص أبداً .

أوّلها بعد الحمد والصلاة على النبيّ وآله الطاهرين « ذكرت أيّدك الله أنّ كتاب أخٍ من إخواننا أهل الموصل ورد عليك يكلّفك سؤالي عن شهر رمضان هل يكون تسعة و عشرين يوماً ؟ . . . إلىٰ آخره » .

وبعد بيان الأحاديث التي اعتمدها أصحاب العدد ، والردّ عليها ، وبيان فسادها ، استدلّ بالأحاديث الصحيحة الثابتة المرويّة عن أهل بيت العصمة والنبوّة ، بسنده المتّصل إلى الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، وهم أصحاب الاصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة كما عبّر عنهم بذلك المصنّف قدّس سرّه .

عنونها أصحاب الموسوعات بعناوين أخرىٰ منها : « جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية » ، أو « مسألة في العدد والرؤية » .

٢ ـ رسالة المسح على الرجلين :

احتوت هذه الرسالة صورة المناظرة التي جرت بين الشيخ المفيد نوّر الله مضجعه

٣٨
 &

الشريف وبين القاضي أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن محمود النسفي العراقي من أعيان فقهاء الحنفيّة .

استدلّ المصنّف فيها بالأدلّة العقليّة والنقليّة بأنّ الفرض في الوضوء مسح الرجلين دون الغسل .

٣ ـ رسالة المهر :

أوضح المصنّف قدّس سرّه في هذه الرسالة استناداً الى الاحاديث المعتبرة عند الفريقين بأنّ كلّ ما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير فهو المهر ، لأنّ كميّة المهر ونوعه تتعلّق برضاهما ، كائناً ما كان ، مشيراً إلى ما يؤيّد ذلك أيضاً من أقوال أصحاب المذاهب الاُخرى .

٤ ـ رسالة في معنى « المولى » :

ضمّت هذه الرسالة بين دفّتيها صورة المناقشة التي جرت في مجلس بين المؤلّف وبين رجل من البهشميّة وجماعة من المعتزلة والمجبّرة في معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » يحتمل الإمامة أو فرض الطاعة والرياسة .

استنتج من خلالها بعد بيان الأدلّة والبراهين الصحيحة بأنّ معنى « المولى » في الحديث أراد به الإمامة دون سواه .

وللمؤلّف في تقسيم « المولى » رسالة اُخرى أيضاً استدلّ فيها لإثبات المعنى المطلوب بنحو الاستدلال المتقدّم .

٥ ـ رسالة ردّ سهو النبيّ صلّى الله عليه وآله :

رسالة صغيرة الحجم ، كبيرة المحتوى ، ردّ فيها الؤلّف الأقوال والأدلّة التي تمسّك بها القائلون بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يسهو في الصلاة ، أو النوم عنها ، متمسّكين بحديث عمير بن عبد عمرو ، المعروف بذي اليدين ، مستدلا في إبطال أدلّتهم بالكتاب والسنّة .

٦ ـ رسالة أحكام النساء :

رسالة فتوائيّة جمع فيها مؤلّفها رضوان الله تعالى عليه الأحكام التي تعمّ المكلّفين من الناس على شكل من الإيجاز ، وما يختصّ بالنساء منهم على التمييز لهنّ والإيراد .

٧ ـ رسالة الإشراف :

أشار المصنّف في هذه الرسالة إلى عامّة الفرائض وبعض المستحبّات في العبادات على نحو من الإيجاز .

٣٩
 &

٨ ـ رسالة العويص :

وهي رسالة لطيفة في موضوعها ، جامعة لخمس وثمانين مسألة من عويص المسائل ، وردت إليه ، في النكاح ، والطلاق ، والفراق ، والمهور ، والإيلاء ، والعدد والظهار ، والحدود ، والديات ، والفرائض وغيرها .

أجاب عنها رضوان الله عليه بإجابات مستلّة من الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، مع بيان ما وافق وخالف مذهب الإماميّة من المذاهب الاُخرى .

أوّلها بعد الحمد والصلاة على النبيّ وآله عليهم الصلاة والسلام : « سألت وفّقك الله تعالى أن أُثبت لك ما كنت سمعته منّي في مذاكرة أخينا الوارد من نيسابور ، بالمسائل المنسوبة الى العويص في الفقه . . . الى آخره » .

وهناك رسائل أُخرى يطول المقام بنا لبيانها سوف يطّلع عليها الباحث الكريم في المستقبل إن شاء الله تعالى .

تمّ تحقيق وتصحيح هذه المجموعة على عدّة نسخ معتبرة سنشير إلى أوصافها في مقدّمتها ، موضحاً بعض الفروق المهمّة المختلفة بين النسخ ، شارحاً لبعض الألفاظ اللغوية الواردة فيها ، مشيراً إلى المصادر الحديثيّة الأوليّة في إرجاع الأحاديث الواردة ، مترجماً لبعض الأعلام المذكورين فيها ، مختتماً إيّاها بفهارس عامّة للايات القرآنيّة والأحاديث الشريفة ، والأعلام المترجمين وغيرها من الفهارس الضروريّة .

٤٠