أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]
المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ، ومن لا يقول مثل ما تقول ، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد ، يا علي اقبل وصيتي وأنجز مواعيدي وأد ديني ، يا علي اخلفني في أهلي ، وبلغ عني من بعدي.
قال علي عليهالسلام. فلما نعى إلي نفسه ، رجف فؤادي وألقي علي لقوله البكاء ، فلم أقدر أن أجيبه بشئ ، ثم عاد لقوله فقال : يا علي ، أو تقبل وصيتي؟ قال : فقلت ، وقد خنقتني العبرة ، ولم أكد أن أبين. نعم ، يا رسول الله.
فقال صلىاللهعليهوآله : يا بلال ائتني بسوادي (١) ، ائتني بذي الفقار ، ودرعي ذات الفضول ، ائتني بمغفري ذي الجبين ، ورايتي العقاب ، وائتني بالعنزة (٢) والممشوق (٢)؟ فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة.
ثم قال : ائتني بالمرتجز (٤) والعضباء (٥) ، ائتني باليعفور والدلدل (٦) ، فأتى بها ، فأوقفها بالباب ، ثم قال : ائتني بالاتحمية (٧) والسحاب ، فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشئ شئ ، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب ، فطلبها فأتي بها ، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار.
ثم قال : يا علي ، قم فاقبض هذا؟ ومد إصبعه ، وقال : في حياة مني ، وشهادة من في البيت ، لكيلا ينازعك أحد من بعدي ، فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال : يا علي أجلسني ، فأجلسته وأسندته إلى صدري.
__________________
(١) أي أمتعته وثقله ، ويطلق السواد على المال أيضا.
(٢) العنزة : شبه العكازة ، أطول من العصاء وأقصر من الرمح ، ولها زج من أسفلها.
(٣) الممشوق من القضبان : الطويل الدقيق.
(٤) المرتجز : فرسه صلىاللهعليهوآله سمي به لحسن صهيله.
(٥) العضباء : ناقته صلىاللهعليهوآله سميت به لنجابتها.
(٦) اليعفور : حمار كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، الدلدل : بغلة شهباء كانت له صلىاللهعليهوآله.
(٧) الاتحمية : ضرب من البرود ينسج في بلاد العرب.
قال علي عليهالسلام : فلقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وإن رأسه ليثقل ضعفا ، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم : إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، يا بني هاشم ، يا بني عبد المطلب ، لا تبغضوا عليا ، ولا تخالفوا أمره فتضلوا ، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا ، أضجعني يا علي ، فأضجعته فقال : يا بلال ائتني بولدي الحسن والحسين ، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره ، فجعل صلىاللهعليهوآله يشمهما. قال علي عليهالسلام : فظننت أنهما قد غماه ـ قال أبو الجارود : يعني أكرباه ـ فذهبت لآخذهما عنه ، فقال : دعهما يا علي يشماني وأشمهما ، ويتزودا مني وأتزود منهما ، فسيلقيان من بعدي أمرا عضالا ، فلعن الله من يخيفهما ، اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين.
١٢٤٥ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم العلوي النصيبي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني بالري ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهمالسلام ، أنه قال : المرض لا أجر فيه ، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه ، وإنما الاجر في القول باللسان والعمل بالجوارح ، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة.
١٢٤٦ / ٣ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن الحسن الرزاز أبو العباس ، قال : حدثنا أبو أمي محمد بن عيسى أبو جعفر القيسي ، قال : حدثنا إسحاق بن يزيد الطائي ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن عبد الله بن شريك العامري ، عن جندب بن عبد الله البجلي ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة ، فجلست بينه وبينها فقالت : يا بن أبي طالب ، ما وجدت لاستك مكانا غير فخذي أمط عني ، فضرب رسول الله صلىاللهعليهوآله بين كتفيها ، ثم قال لها : ويل لك ما
تريدين من أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين.
١٢٤٧ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم الموسوي في منزله بمكة ، قال : حدثني عبيد الله بن أحمد بن نهيك الكوفي بمكة ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الأشعري القمي ، قال : حدثني عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام ، قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ، ما حق العلم؟ قال : الانصات له. قال : ثم مه. قال : الاستماع له. قال : ثم مه. قال : ثم الحفظ. قال : ثم مه ، يا نبي الله. قال : العمل به. قال : ثم مه. قال : ثم نشره.
١٢٤٨ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن محمود ابن بنت الأشج الكندي بأسوان ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن هشام الناشري الكوفي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن فضال ، قال : حدثنا عاصم بن حميد الحناط ، عن أبي حمزة ثابت بن أبي صفية ، قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام. قال عاصم : وحدثني أبو حمزة ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام ، عن أبيها الحسين ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله. ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان : الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.
١٢٤٩ / ٦ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثنا محمد بن يحيى الخنيسي ، قال : حدثنا منذر بن جيفر العبدي ، عن الرصافي ـ واسمه عبيد الله بن الوليد ـ ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، عن أم سلمة ( رضياللهعنها ) ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.
١٢٥٠ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الله ابن سليمان بن الأشعث السجستاني ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد النهشلي شاذان ، قال. حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز ، قال : حدثنا مندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله في بيته ، فغدا إليه علي عليهالسلام في الغداة ، وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبي صلىاللهعليهوآله في صحن الدار ، وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فقال : السلام عليك ، كيف أصبح رسول صلىاللهعليهوآله؟ قال : بخير ، يا أخا رسول الله. فقال علي عليهالسلام : جزاك الله عنا أهل البيت خيرا. قال له دحية : إني أحبك ، وإن لك عندي مديحة أهديها إليك. أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين ، لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تزف أنت وشيعتك مع محمد صلىاللهعليهوآله وحزبه إلى الجنان ، قد أفلح من والاك ، وخاب وخسر من خلاك ، محبو محمد صلىاللهعليهوآله محبوك ، ومبغضوه مبغضوك ، لا تنالهم شفاعة محمد صلىاللهعليهوآله ، ادن من صفوة الله. فأخذ رأس النبي عليهالسلام فوضعه في حجره ، فانتبه النبي عليهالسلام فقال : ما هذه الهمهمة ، فأخبره الحديث ، فقال : لم يكن دحية ، كان جبرئيل عليهالسلام سماك باسم سماك الله ( تعالى ) به ، وهو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين.
١٢٥١ / ٨ ـ قال أبو المفضل : سمعت عبد الله بن أبي داود قبل أن يبنى له المنبر ، يعتذر إلى أبي عبد الله المستملي من النصب ، ثم أملى ذلك المجلس كله من حفظه في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهذا الحديث أول ما بدأ به :
قال أبو المفضل : وحدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا هشام بن يونس اللؤلؤي ، قال : حدثنا حسين بن سليمان ـ يعني الأنصاري الرفاء ـ ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : نظر النبي صلىاللهعليهوآله إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فأخذ بيده ، وقال : يا علي ، كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك.
١٢٥٢ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو جعفر
محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي بالكوفة ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب أبو سعيد الأسدي ، قال : أخبرني السيد بن عيسى الهمداني ، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كانت أمارة المنافقين بغض علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فبينا رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسجد ذات يوم ، في نفر من المهاجرين والأنصار ، وكنت فيهم ، إذ أقبل علي عليهالسلام فتخطى القوم حتى جلس إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، وكان هناك مجلسه الذي يعرف به ، فسار رجل رجلا وكانا يرميان بالنفاق ، فعرف رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أرادا ، فغضب غضبا شديدا حتى التمع وجهه ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، لا يدخل عبد الجنة حتى يحبني ، ألا وكذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض هذا ، وأخذ بكف علي عليهالسلام ، فأنزل الله ( عزوجل ) هذه الآية في شأنهما ( يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول ) (١) إلى آخر الآية.
__________________
(١) سورة المجادلة ٥٨ : ٩.
[٢٨]
مجلس يوم الجمعة
السابع من ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٢٥٣ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( قدس الله روحه ) ، قال : أخبرنا جماعة ، قال : حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ابن المطلب الشيباني ، قال : حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا مطر بن أرقم ، عن الحسن بن عمرو النعيمي ، عن أبي قبيصة صفوان بن قبيصة ، عن الحارث بن سويد : أنه حدثه أن عبد الله بن مسعود أخبرهم ، قال : قرأت على النبي صلىاللهعليهوآله سبعين سورة من القرآن ، أخذتها من فيه ، وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان ، وقرأت سائر ـ أو قال : بقية ـ القرآن على خير هذه الأمة وأقضاهم بعد نبيهم صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).
١٢٥٤ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب ، قال : حدثنا محمد بن الفضل بن المختار الباني ، ويعرف بفضلان صاحب الجار ، قال : حدثني أبي الفضل بن مختار ، عن الحكم ابن ظهير الفزاري الكوفي ، عن ثابت بن أبي صفية أبي حمزة ، قال : حدثني أبو عامر
القاسم بن عوف ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : حدثني سلمان الفارسي رضياللهعنه ، قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله في مرضه الذي قبض فيه ، فجلست بين يديه وسألته عما يجد ، وقمت لأخرج ، فقال لي : اجلس يا سلمان ، فسيشهدك الله ( عزوجل ) أمرا إنه لمن خير الأمور ، فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه ، ودخلت فاطمة عليهاالسلام ابنته فيمن دخل ، فلما رأت ما برسول الله صلىاللهعليهوآله من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها ، فأبصر ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ما يبكيك يا بنية ، أقر الله عينك ، ولا أبكاها؟ قالت : وكيف لا أبكي ، وأنا أرى ما بك من الضعف. قال لها : يا فاطمة ، توكلي على الله ، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء ، وأمهاتك من أزواجهم ، ألا أبشرك يا فاطمة؟ قالت : بلى يا نبي الله ـ أو قالت : يا أبه ـ.
قال : أما علمت أن الله ( تعالى ) اختار أباك فجعله نبيا ، وبعثه إلى كافة الخلق رسولا ، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا.
يا فاطمة ، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا ، وأقدمهم سلما ، وأعلمهم علما ، وأحلمهم حلما ، وأثبتهم في الميزان قدرا ، فاستبشرت فاطمة عليهاالسلام ، فأقبل عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : هل سررتك يا فاطمة؟ قالت : نعم يا أبه. قال : أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت : بلى يا نبي الله.
قال : إن عليا أول من آمن بالله ( عزوجل ) ورسوله من هذه الأمة ، هو وخديجة أمك ، وأول من وازرني على ما جئت.
يا فاطمة ، إن عليا أخي وصفيي وأبو ولدي ، إن عليا أعطي خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده ، فأحسني عزاك ، واعلمي أن أباك لاحق بالله ( عزوجل ).
قالت : يا أبتاه فرحتني وأحزنتني. قال : كذلك يا بنية أمور الدنيا ، يشوب سرورها حزنها ، وصفوها كدرها ، أفلا أزيدك يا بنية؟ قالت : بلى يا رسول الله.
قال : إن الله ( تعالى ) خلق الخلق فجعلهم قسمين ، فجعلني وعليا في خيرهما قسما ، وذلك قوله ( عزوجل ) : ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) (١) ثم جعل القسمين قبائل ، فجعلنا في خيرها قبيلة ، وذلك قوله ( عزوجل ) : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٢) ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله ( سبحانه ) : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٣) ، ثم إن الله ( تعالى ) اختارني من أهل بيتي ، واختار عليا والحسن والحسين وأختارك ، فأنا سيد ولد ادم ، وعلي سيد العرب ، وأنت سيدة النساء ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ذريتكما المهدي ، يملا الله ( عزوجل ) به الأرض عدلا كما ملئت من قبله جورا.
١٢٥٥ / ٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، قال : حدثني هشام بن ناجية أبو ثور القرشي بسلمية ، قال : حدثني عطاء بن مسلم الحلبي ، عن أزهر بن راشد ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : أنه ذكروا عليا عليهالسلام ، فقال : إنه كان من رسول الله صلىاللهعليهوآله بمنزلة خاصة ، ولقد كانت له عليه دخلة لم تكن لاحد من الناس.
١٢٥٦ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن العباس بن اليزيدي النحوي أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو الأسود الخليل بن أسد النوشجاني ، قال : حدثني محمد بن سلام الجمحي ، قال : حدثني يونس بن حبيب النحوي ، وكان عثمانيا ، قال. قلت للخليل بن أحمد : أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي؟ قال : إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال ، فتكتمه أنت أيضا؟ قال : قلت : نعم ، أيام حياتك. قال : سل. قال : قلت. ما بال أصحاب رسول
__________________
(١) سورة الواقعة ٥٦ : ٢٧.
(٢) سورة الحجرات ٤٩ : ١٣.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
الله ( صلىاللهعليهوآله ورحمهم ) كأنهم كلهم بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة (١)؟ قال : من أين لك هذا السؤال؟ قال : قلت : قد وعدتني الجواب. قال : وقد ضمنت الكتمان. قال : قلت : أيام حياتك.
فقال : إن عليا عليهالسلام تقدمهم إسلاما ، وفاقهم علما ، وبذهم (١) شرفا ، ورجحهم زهدا ، وطالهم جهادا فحسدوه ، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم ، فافهم.
١٢٥٧ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا أبو دلف هاشم بن مالك الخزاعي في مسجد الشرقية ببغداد سنة أربع وثلاث مائة ، قال : حدثنا العباس بن الفرج الرياشي ، قال : حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس ، قال : سمعت أبا عمرو ابن العلاء :
لكل امرئ شكل من الناس مثله |
|
فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا |
لان صحيح العقل لست بواجد له |
|
في طريق حين تفقده شكلا |
١٢٥٨ / ٦ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا الحسن ابن علي بن زكريا البصري ، قال : حدثنا سليمان بن داود أبو أيوب الشاذكوني البصري ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهالسلام يقول في مسجد الخيف : إنما سموا إخوانا لنزاهتهم عن الخيانة ، وسموا أصدقاء لأنهم يصادقوا حقوق المودة.
١٢٥٩ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا إسحاق ابن محمد بن مروان الغزال ، قال. حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو حفص الأعشى ، قال : سمعت الحسن بن صالح بن حي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول : لقد عظمت منزلة الصديق حتى إن أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم ،
__________________
(١) العلة : الضرة ، وبنو الغلات : بنو رجل وأحد من أمهات شتى.
(٢) أي غلبهم وفاقهم.
قال الله ( تعالى ) مخبرا : ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) (١).
١٢٦٠ / ٨ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسني ، قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي ، قال : حدثنا عبد الله بن بكير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام ، عن جابر بن عبد الله ، قال. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لو أن الدنيا كلها لقمة واحدة فأكلها العبد المسلم ثم قال : « الحمد لله » ، لكان قوله ذلك خيرا له من الدنيا وما فيها.
١٢٦١ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب ، قال : حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم بن المفضل ، قال : حدثنا عبيد الله بن الفضل أبو عيسى النبهاني بالقسطاس ، قال : حدثنا هارون بن عيسى بن بهلول المصري الدهان ، قال : حدثنا بكار بن محمد بن شعبة اليمامي ، قال. حدثني محمد بن شعبة الذهلي قاضي اليمامة ، قال : حدثني بكر بن الملك الأعتق البصري ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين عليهمالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي ، خلق الله الناس من أشجار شتى ، وخلقني وأنت من شجرة واحدة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، فطوبى لعبد تمسك بأصلها ، وأكل من فرعها.
١٢٦٢ / ١٠ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد ابن سعيد بن محمد بن شرحبيل أبو بكر الترخمي بحمص ، وعبد الرزاق بن سليمان ابن غالب الأزدي بأرتاح واللفظ له ، قالا : حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي الأزدي المعاني بمعان ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، قال. أخبرني أبي ، عن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها.
__________________
(١) سورة الشعراء ٢٦ : ١٠٠ ، ١٠١.
وزاد عبد الرزاق : وشيعتنا ورقها ، الشجرة أصلها في جنة عدن ، والفرع والورق والثمر في الجنة.
١٢٦٣ / ١١ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الله ابن إسحاق بن إبراهيم بن حماد الخطيب المدائني ، قال : حدثنا عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الزبير ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : بينا النبي صلىاللهعليهوآله بعرفات وعلي عليهالسلام تجاهه ونحن معه ، إذ أومأ النبي صلىاللهعليهوآله إلى علي عليهالسلام فقال : ادن مني يا علي ، فدنا منه ، فقال : ضع خمسك ـ يعني كفك ـ في كفي ، فأخذ بكفه ، فقال : يا علي ، خلقت أنا وأنت من شجرة ، أنا أصلها ، وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، من تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة.
١٢٦٤ / ١٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا الحسن ابن علي بن زكريا العاصمي ، قال : حدثنا صهيب بن عباد بن صهيب ، قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وأغصان الشجرة ذاهبة على ساقها ، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته.
قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا الشجرة وفرعها ، فمن أغصانها؟ قال : عترتي ، فما من عبد أحبنا أهل البيت ، وعمل بأعمالنا ، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب ، إلا أدخله الله ( عزوجل ) الجنة.
[٢٩]
مجلس يوم الجمعة
الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٢٦٥ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( قدس الله روحه ) ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا يحيى بن علي بن عبد الجبار السدوسي بالسيرجان ، قال : حدثني عمي محمد بن عبد الجبار ، قال : حدثنا حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان ومعاوية بن الريان ، جميعا عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، قال : كنا ذات يوم عند رسول الله صلىاللهعليهوآله جلوسا ، فأتى علي عليهالسلام فدخل المسجد ، وقد وافق من رسول الله صلىاللهعليهوآله قياما ، فلما رأى عليا جلس ، ثم أقبل عليه ، فقال : يا أبا الحسن ، إنك أتيت ووافق قياما فجلست لك ، أفلا أخبرك ببعض ما فضلك الله به؟ أخبرك أني ختمت النبيين ، وختمت أنت يا علي الوصيين ، وحق على الله ألا يوقف موسى بن عمران عليهالسلام موقفا إلا أوقف معه وصيه يوشع بن نون ، وإني أقف وتوقف وأسأل وتسأل ، فاعدد يا بن أبي طالب جوابا ، فإنما أنت مني تزول أينما زلت.
قال علي عليهالسلام : يا نبي الله ، فما الذي تبينه لي ، لأهتدي بهداك لي؟
فقال صلىاللهعليهوآله : يا علي ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وإنه ( عزوجل ) هاديك ومعلمك ، وحق لك أن تعي ، لقد أخذ الله ميثاقي وميثاقك وميثاق شيعتك وأهل مودتك إلى يوم القيامة ، فهم شيعتي وذوي مودتي ، وهم ذوي الألباب ، يا علي حق على الله أن ينزلهم في جناته ، ويسكنهم مساكن الملوك ، وحق لهم أن يطيبوا.
١٢٦٦ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا محمد بن جعفر الرزاز القرشي ، قال : حدثنا أيوب بن نوح بن دراج ، قال : حدثني محمد بن أبي عقيلة ، قال : حدثني الحسين بن زيد ، قال : حدثني أبي زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : سمعته يقول : من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير ، وأعظم من ذلك من عد فائتها سلامة نالها ، وغنيمة أعين عليها.
١٢٦٧ / ٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبيد الله ابن محمد بن عبيد بن ياسين بن محمد بن عجلان التميمي العابد ، قال : سمعت سيدي أبا الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليهمالسلام بسر من رأى ، يقول : الغوغاء قتلة الأنبياء ، والعامة اسم مشتق من العمى ، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتى قال : ( بل هم أضل ) (١).
١٢٦٨ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب ، قال : حدثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بسر من رأى ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي عليهمالسلام ، قال : أردت سفرا ، فأوصاني أبي علي بن الحسين عليهالسلام فقال في وصيته : إياك يا بني أن تصاحب الأحمق أو تخالطه واهجره ولا تحادثه ، فإن الأحمق هجنة (٢) غائبا كان أو حاضرا ، إن تكلم فضحه حمقه ، وإن سكت قصر به عيه ، وإن
__________________
(١) سورة الفرقان ٢٥ : ٤٤.
(٢) الهجنة في الكلام : العيب والقبح ، وفي العلم : إضاعته.
عمل أفسد ، وان استرعى أضاع ، لأعلمه من نفسه يغنيه ، ولا علم غيره ينفعه ، ولا يطيع ناصحه ، ولا يستريح مقارنه ، تود أمه أنها ثكلته ، وامرأته أنها فقدته ، وجاره بعد داره ، وجليسه الوحدة من مجالسته ، إن كان أصغر من في المجلس أعني من فوقه ، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.
١٢٦٩ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثني إبراهيم ابن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة ، قال : حدثنا عبيد بن الهيثم الأنماطي بحلب ، قال : حدثنا الحسين بن علوان الكاتب ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهماالسلام ، يحدث عن آبائه عليهمالسلام ، عن علي (صلوات الله عليه) رفعه ، قال : حسن البشر بالناس نصف العقل ، والتقدير نصف المعيشة ، والمرأة الصالحة أحد الكاسبين.
١٢٧٠ / ٦ ـ وباسناده ، عن علي عليهالسلام ، قال : ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة : شريف من وضيع ، وحليم من سفيه ، ومؤمن من فاجر.
١٢٧١ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي بأرتاح ، قال : حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي الأزدي المعاني ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن همام الحميري ، قال : حدثنا جعفر ابن سليمان الضبعي البصري قدم علينا اليمن ، قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، قال : حدثني حذيفة بن اليمان ، قال : لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلىاللهعليهوآله قدم جعفر والنبي عليهالسلام بأرض خيبر ، فأتاه بالفرع (١) من الغالية والقطيفة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فمد أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله أعناقهم إليها ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر فدعا عليا عليهالسلام ، فلما جاء قال له النبي عليهالسلام : يا علي ، خذ القطيفة إليك ، فأخذها علي عليهالسلام وأمهل حتى قدم المدينة ، فانطلق إلى البقيع ، وهو سوق المدينة ، فأمر صائغا ففصل
__________________
(١) فرع كل شئ أعلاه ، والمراد بالنفيس العالي منهما.
القطيفة سلكا سلكا ، فباع الذهب ، وكان ألف مثال ، ففرقه علي عليهالسلام في فقراء المهاجرين والأنصار ، ثم رجع إلى منزله ، ولم يترك له من الذهب قليلا ولا كثيرا ، فلقيه النبي صلىاللهعليهوآله من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار ، فقال : يا علي ، إنك أخذت بالامر ألف مثقال ، فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك ، ولم يكن علي عليهالسلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض (١) ذهب أو فضة ، فقال حياء منه وتكرما : نعم يا رسول الله ، وفي الرحب والسعة ، ادخل يا نبي الله أنت ومن معك. قال : فدخل لنبي صلىاللهعليهوآله ثم قال لنا : ادخلوا.
قال حذيفة : وكنا خمسة نفر ، أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد ( رضياللهعنهم ) ، فدخلنا ودخل علي على فاطمة عليهاالسلام يبتغي عندها شيئا من زاد ، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور ، وعليها عراق (٢) كثير ، كأن رائحتها المسك ، فحملها علي عليهالسلام حتى وضعها بين يدي النبي صلىاللهعليهوآله ومن حضر معه ، فأكلنا منها حتى تملأنا ، ولا ينقص منها قليل ولا كثير ، وقام النبي عليهالسلام حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام ، وقال : أنى لك هذا الطعام ، يا فاطمة؟ فردت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (٣).
فخرج النبي صلىاللهعليهوآله إلينا مستعبرا ، وهو يقول. الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي ما رأى زكريا عليهالسلام لمريم. كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ).
١٢٧٢ / ٨ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن قيس بن مسكان أبو عمر المصيصي الفقيه من أصل كتابه ، قال : حدثنا
__________________
(١) العروض : جمع عرض ، وهو المتاع وحطام الدنيا.
(٢) العراق : العظم جرد لحمه.
(٣) سورة آل عمران ٣ : ٣٧.
عبد الله بن الحسين بن جابر أبو محمد إمام جامع المصيصة ، قال. حدثني عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن بشير الحماني ، قال : حدثني عبد الله بن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصبح علي عليهالسلام ذات يوم ساغبا ، فقال : يا فاطمة ، هل عندك شئ تطعميني؟ قالت : والذي أكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح عندي شئ يطعمه بشر ، وما كان من شئ أطعمك منذ يومين إلا شئ كنت أوثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين. قال : أعلى الصبيين! ألا أعلمتني فآتيكم بشئ؟ قالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر.
فخرج واثقا بالله حسن الظن به ، فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي عليهالسلام إذ عرض له المقداد رضياللهعنه في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وتحته ، فأنكر علي عليهالسلام شأنه ، فقال : يا مقداد ، ما أزعجك هذه الساعة؟ قال : خل سبيلي يا أبا الحسن ، ولا تكشفني عما ورائي. قال. إنه لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك. قال : يا أبا الحسن ، إلى الله ثم إليك أن تخلي سبيلي ، ولا تكشفني عن حالي. فقال علي عليهالسلام : إنه لا يسعك أن تكتمني حالك. فقال : إذا أبيت ، فوالذي أكرم محمدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني إلا الجهد ، ولقد تركت عيالي بحال لم تحملني لها الأرض ، فخرجت مهموما وركبت رأسي فهذه حالي فهملت عينا علي عليهالسلام بالدموع حتى أخضلت دموعه لحيته ، ثم قال : أحلف بالذي حلفت به ، ما أزعجني من أهلي إلا الذي أزعجك ، ولقد استقرضت دينارا فخذه ، فدفع الدينار إليه ، وآثره به على نفسه.
وانطلق إلى أن دخل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب ، فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوآله المغرب مر بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأول ، فغمزه برجله ، فقام علي عليهالسلام مستعقبا خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه ، فرد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا أبا الحسن ، هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك؟ فمكث
مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ، ومن أين أخذه ، وأين وجهه ، وقد كان أوحى الله ( تعالى ) إلى نبيه محمد صلىاللهعليهوآله أن يتعشى الليلة عند علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال : يا أبا الحسن ، مالك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما : فاذهب بنا.
فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله : يد علي بن أبي طالب عليهالسلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليهاالسلام وهي في مصلاها ، قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله في رحلها خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت أعز الناس عليه ، فرد عليهاالسلام ، ومسح بيده على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ، كيف أمسيت رحمك الله. قالت : بخير ، قال : غفر الله لك وقد فعل ، فأخذت الجفنة ، فوضعتها بين يدي النبي صلىاللهعليهوآله ، فلما نظر علي بن أبي طالب عليهالسلام إلى الطعام وشم رائحته ، رمى فاطمة عليهاالسلام ببصره رميا شحيحا ، فقالت له فاطمة عليهاالسلام : سبحان الله ، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي ، وأنت تحلفين بالله مجتهدة ، ما طعمت طعاما مذ يومين؟ قال : فنظرت إلى السماء فقالت : إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها : يا فاطمة ، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط ، ولم أشم مثل ريحه قط ، وما أكلت أطيب منه قط؟
قال : فوضع رسول الله صلىاللهعليهوآله : كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ، هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (١) ثم استعبر النبي صلىاللهعليهوآله باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ٣٧.
بمنزلة زكريا ، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.
١٢٧٣ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، باسناده عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألت أم سلمة رسول الله صلىاللهعليهوآله : عن فضل النساء في خدمة أزواجهن ، فقال صلىاللهعليهوآله : ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه.
فقالت أم سلمة ( رضياللهعنها ) : زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي. فقال : يا أم سلمة ، إن المرأة إذا حملت كان لها من الاجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ( عزوجل ) ، فإذا وضعت قيل لها : قد غفر لك ذنبك فاستأنفي العمل ، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.
١٢٧٤ / ١٠ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثني احمد ابن إسحاق بن العباس أبو القاسم الموسوي بديبل ، قال : أخبرني أبي إسحاق بن العباس ، قال : حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد ، قال : حدثني علي بن جعفر بن محمد وعلي بن موسى بن جعفر ، هذا عن أخيه ، وهذا عن أبيه موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهمالسلام : أن رسول الله صلىاللهعليهوآله : أغزى عليا عليهالسلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته ، فقال رجل من الأنصار لأخ له : اغز بنا في سرية علي ، لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به ، فبلغ النبي صلىاللهعليهوآله قوله ، فقال : إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله ، فقد وقع أجره على الله ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى.
١٢٧٥ / ١١ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا علي بن جعفر بن مسافر الهذلي بتنيس ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن يعلى ، عن أبي نعيم عمر بن صبح الهروي ، عن مقاتل بن حيان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال
ابن سبرة ، عن علي عليهالسلام وعبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : من خرج يطلب بابا من علم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى ، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما.
١٢٧٦ / ١٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن نعيم بن سهل بن أبان النعيمي الطائفي ، وكان مجاورا بمكة ، قال : حدثنا عقبة بن المنهال بن بحر أبو زياد ، قال. حدثنا عبد الله بن جعفر الهاشمي ، قال : حدثنا المتفجع بن مصعب بن توبة بن ثبيت المزني ، قال : حدثنا جعفر ابن محمد ، عن أبيه ، عن جده. قال : وحدثنا عقبة بن المنهال بن بحر ، قال : حدثنا عبد الله بن حميد بن البناء ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : جاءني جبرئيل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض. إني افترضت محبة علي على خلقي ، فبلغهم ذلك عني.
١٢٧٧ / ١٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو يعلى محمد بن زهير القاضي بالأبلة ، قال : حدثنا علي بن أيمن ، قال. حدثني مصبح ابن هلقام أبو علي العجلي ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن قروزي بالرملة ، قال : حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، قال : كان أبي ينال من علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فأتي في المنام فقيل له : أنت الساب عليا؟ فخنق حتى أحدث في فراشه ثلاثا ، يعني صنع به ذلك في المنام ثلاث ليال.
١٢٧٨ / ١٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد ابن إبراهيم بن توزون ، قال : حدثنا أحمد بن داود بن موسى المكي بمصر ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي ، قال : حدثنا نوح بن دراج القاضي ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي جعفر المنصور ، قال : كان عندنا بالشراة قاض إذا فرغ من قصصه ذكر عليا عليهالسلام فشتمه ، فبينا هو كذلك إذ ترك ذلك يوما ومن الغد ، فقالوا : نسي ، فلما كان اليوم الثالث
تركه أيضا ، فقالوا له وسألوه ، فقال : لا والله لا أذكره بشتيمة أبدا ، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا فيأتون النبي عليهالسلام فيقول لرجل : أسقهم ، حتى وردت على النبي عليهالسلام فقال له : اسقه ، فطردني فشكوت ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقلت : يا رسول الله ، مره فليسقني. قال : اسقه ، فسقاني قطرانا ، فأصبحت وأنا أتحشاه.
١٢٧٩ / ١٥ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أحمد ابن جعفر بن محمد بن أصرم البجلي بالكوفة ، قال. حدثنا محمد بن عمارة الأسدي ، قال : أخبرني يحيى بن ثعلبة ، قال : وحدثني أبو نعيم محمد بن جعفر بن محمد الحافظ بالرملة ، قال. حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، قال : حدثنا هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر ، قال : حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقوم الأنصاري ، عن أمه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب ، عن أبيها ، قال. جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة وأشرافهم في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أمير المؤمنين عليهالسلام والبراءة منه ، وكنت فيهم ، فكان الناس من ذلك في أمر عظيم ، فغلبتني عيناي فنمت ، فرأيت في النوم شيئا طويلا ، طويل العنق ، أهدل ، أهدب (١) فقلت : من أنت؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة. قلت : وما النقاد؟ قال : طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه من جديد الأرض ، كما عتا وحاول ما ليس له بحق. قال. فانتبهت فزعا ، وأنا في جماعة من قومي ، فقلت : هل رأيتم ما رأيت؟ فقال رجلان منهم. رأينا كيت وكيت بالصفة ، وقال الباقون : ما رأينا شيئا ، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد ، فقال : يا هؤلاء انصرفوا ، فإن الأمير عنكم مشغول ، فسألناه عن خبره ، فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت ، فما تفرقنا حتى سمعنا الواعية عليه ، فأنشأت أقول في ذلك.
قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم |
|
بحملهم حين ناداهم إلى الرحبة |
يدعو على ناصر الاسلام حين يرى |
|
له على المشركين الطول والغلبة |
ما كان منتهيا عما أراد بنا |
|
حتى تناوله النقاد ذو الرقبة |
__________________
(١) الأهدل. المسترخي المشفر أو الشفة ، والأهدب : الذي طال هدب عينيه ، وكثرت أشفارهما.