الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
(الباب الأول)
في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
الأمام الثاني ، والسبط الأوّل ، سيّد شباب أهل الجنّة
ويتضمن خمسة فصول :
( الفصل الأول )
في ذكر مولده ، ومبلغ عمره ،
ومدّة خلافته ، ووقت وفاته ،
وموضع قبره عليه السلام
ولد عليهالسلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل سنة اثنتين من الهجرة ، وكنيته أبو محمّد.
جاءت به اُمّه فاطمة سيّدة النساء عليهاالسلام إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة نزل بها جبرئيل إلى رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمّاه حسناً ، وعقّ عنهكبشاً(١).
وقبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وله سبع سنين وأشهر ، وقيل : ثمان سنين (٢).
وقام بالأمر بعد أبيه عليهالسلام وله سبع وثلاثون سنة.
وأقام في خلافته ستّة أشهر وثلاثة أيّام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين (٣) ، وإنّما هادنه (٤) عليهالسلام خوفاً على نفسه ؛ إذكتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السرّ بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه
_________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٢٨.
(٢) انظر : مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٢٨.
(٣) انظر : مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٢٩.
(٤) لإدراك مغزى وأبعاد هذا الصلح المبرم بين الامام الحسن عليهالسلام ومعاوية بن أبي سفيان تراجع المصادر المختصة بهذا الموضوع.
عند دنوّهم من عسكره ، ولم يكن منهم من يأمن غائلته إلاّ خاصّة من شيعته لا يقومون لأجناد الشام.
وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه ، فاجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطاً كثيرة ، منها : أن يترك سبّ أميرالمؤمنين عليهالسلام والقنوت عليه في الصلاة ، وأن يؤمن شيعته ولايتعرّض لأحد منهم بسوء ، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه.
فاجابه معاوية إلى ذلك كلّه ، وعاهده على الوفاء به ، فلمّا استتمّت الهدنة قال في خطبته : إنّي منّيت الحسن وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له (١)!!
وخرج الحسن عليهالسلام إلى المدينة وأقام بها عشر سنين ، ومضىإلى رحمة الله تعالى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبع وأربعون سنة وأشهر مسموماً ، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس ، وكان معاوية قد دسّ إليها من حملها على ذلك وضمن لها أن يزوّجها من يزيد إبنه وأوصل إليها مائة ألف درهم فسقته السمّ.
وبقي عليهالسلام مريضاً أربعين يوماً ، وتولّى أخوه الحسين عليهالسلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بالبقيع (٢).
_________
(١) انظر : ارشاد المفيد ٢ : ١٢.
(٢) انظر : ارشاد المفيد ٢ : ١٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٤٢ ، مقاتل الطالبيين : ٧٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٤٩.
(الفصل الثاني )
في ذكر الدلالة على إمامته
وأنه المنصوص عليه بالإمامة من جهة أبيه عليه السلام
لنا في ذلك طرق
أحدها : أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كلّ زمان من جهة العقل ، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً ، منصوصاً عليه ، وعلمنا أنّ الحقَ لايخرج عن اُمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد وفاة أمير المؤمنين عليهالسلام :
فقائل يقول : لا إمام. وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة.
وقائل يقول : بإمامة من ليس بمعصوم. وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة.
وقائل يقول : بإمامة الحسن عليهالسلام ويقول : بعصمته ، فيجب القضاء بصحّة قوله ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة.
وثانيها : أن نستدلّ بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف : أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليهالسلام نصّ على ابنه الحسن عليهالسلام بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول ، ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به ، وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو ادّعى على الشيعة الكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين عليهالسلام.وكلّ سؤال ، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام.
وثالثها : أنّه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين عليهالسلام إليه
خاصّة من بين ولده وأهل بيته ، والوصيّة من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمّة في أوصيائهم ، لا سيّما والوصيّة علم عند آل محمد صلوات الله عليهم كافّة إذا انفرد بها واحدٌ بعينه على استخلافه ، وإشارة إلى إمامته ، وتنبيهٌ على فرض طاعته ، وإجماعُ آل محمّد صلوات الله عليهم حجّة.
ورابعها : أن نستدلّ بالأخبار الواردة فيما ذكرناه ، فمن ذلك :
ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ وهو من أجلّ رواة الشيعة وثقاتها ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين عليهالسلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليهالسلام وأشهد على وصيته الحسين عليهالسلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : «يا بنيّ ، أمرني رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم أن اُوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إِليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين».
ثمّ أقبل على ابنه الحسين عليهالسلام فقال : «وأمرك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تدفعها إلى إبنك هذا» ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين وقال : «وأمرك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تدفعها إلى ابنك محمّد ابن عليّ ، واقرأه من رسول الله ومنّي السلام »(١).
وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ،
_________
(١) الكافي ١ : ٢٣٦ | ١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ٣٢٢ | ١.
عن أبي جعفر محمد بن عليّ عليهماالسلام مثل ذلك سواء(١).
وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا حضرته الوفاة قال لابنه الحسن : اُدن منّي حتّى أسر إليك ما أسر إليّ رسول اللهّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأئتمنك على ما ائتمنني عليه» ففعل (٢).
وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب : أنّ عليّاً عليهالسلام لمّا سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة رضي الله عنها كتبه والوصيّة ، فلمّا رجع الحسن عليهالسلام دفعتها إليه (٣).
وخامسها : إنّا وجدنا الحسن بن عليّ عليهماالسلام قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنّه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنّه عليهالسلام خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أميرالمؤمنين عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ قال : «لقد قبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الاخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفّي عليهالسلام في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت
_________
(١) الكافي ١ : ٢٣٧ | ٥ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ٣٢٢ | ٢.
(٢) الكافي ١ : ٢٣٦ | ٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ٣٢٢ | ٣.
(٣) الكافي ١ : ٢٣٦ | ٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ٣٢٢ | ٤.
من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ».
ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثمّ قال : «أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودّتهم في كتابه فقال : (قُل لأ أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاّ المَوَدّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لَهُ فِيهَا حُسناً)(١) فالحسنة مودّتنا أهل البيت».
ثم جلس فقام عبدالله بن العبّاس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه. فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة(٢).
فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته ، مستحقّاً لإمامة مع شهادة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(٣) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(٤) وشهادة القرآن
_________
(١) الشورى ٤٢ : ٢٣.
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٧ ، كشف الغمة ا : ٥٣٢ ، مقاتل الطالبيين : ٥١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٣٠.
(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٤ ، كشف الغمة ا : ٥٣٣.
(٤) أمالي الطوسي ١ : ٣١٩ ، مصنف ابن أبي شيبة ١٢ : ٩٦ | ١٢٢٢٦ ، سنن ابن ماجة ا : ٤٤ | ١١٨ ، مسند أحمد ٣ و ٦٢ و ٨٢ و ٥ : ٣١٩ و ٣٩٢ ، صحيح الترمذي٥ : ٦٥٦ |٣٧٦٨ ، خصائص النسائي : ١٥٠ |١٤٠ ، المعجم الكبير للطبراني٣ : ٢٤ |٩٨ ٥٢ و ٢٦١٨ و ١٩ : ٢٩٢ | ٦٥٠ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٦ ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، حلية الأولياء ٤ : ١٣٩ و ٥ : ٧١ ، أخبار اصفهان ٢ : ٣٤٣ ، تاريخ بغداد ١ : ١٤٠ و ٦ : ٣٧٢ و ١١ : ٩٠ ، شرح السنة للبغوي ٤ : ١٩٣ | ٤٨٢٧ ، المطالب العالية لابن حجر ٤ : ٧١ | ٣٩٩٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٢ وانظر : طرق
=
بعصمتهما في قوله تعالى : (اِنَّما يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ اَهْلَ الْبَيْتِوَ يُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً)(١) على ما تقدّم القول فيه.
وسادسها : أن نستدلّ على إمامته بما أظهر اللهّ عزّوجلّ على يديه من العلم المعجز ، ومن جملته حديث حبابة الوالبيّة أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا عليّ بن محمد ، عن أبي عليّ محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، عن أحمد بن القاسم العجليّ ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد ، عن محمد بن خداهي ، عن عبدالله بن أيّوب ، عن عبدالله ابن هشام ، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن حبابة الوالبيّة قالت : رأيت أمير المؤمنين عليهالسلام في شرطة الخميس ، ثمّ ساقت الحديث إلىأن قالت : فلم أزل أقفو اثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله؟
قالت : فقال : «إئتيني بتلك الحصاة» وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثمّ قال لي : «يا حبابة ، إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده».
قالت : ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليهالسلام فجئت إلىالحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي : «يا حبابة الوالبيّة».
فقلت : نعم يا مولاي.
_________
=
وأسانيد الحديث في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ صفحة ٧٢ ـ ٨٣.
(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
قال : «هاتي ما معك».
قالت : فاعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها ، كما طبع أميرالمؤمنين عليهالسلام.
قالت : ثم أتيت الحسين عليهالسلام وهو في مسجد الرسول فقرّب ورحّب ، ثمّ قال لي : «أتريدين دلالة الإمامة؟».
فقلت : نعم ياسيّدي.
قال : «هاتي ما معك» فناولته الحصاة فطبع لي فيها.
قالت : ثمّ أتيت عليّ بن الحسين عليهماالسلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت ، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة ، فيئست من الدلالة ، فأومى إليّ بالسبّابة فعاد إليّ شبابي قالت : فقلت : يا سيّدي كم مض من الدنيا وكم بقي؟
فقال : «أمّا ما مضى فنعم ، وأمّا ما بقي فلا».
قالت : ثمّ قال لي : «هات ما معك» فاعطيته الحصاة فطبع فيها ، ثمّ أتيت أبا جعفر عليهماالسلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا عبدالله عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا عليهالسلام فطبع لي فيها. وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبدالله بن هشام (١).
قال : وحدّثنا محمد بن محمد بن عصام ، عن محمد بن يعقوب الكليني قال : حدّثنا عليّ بن محمد قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : حدّثني أبي ، عن أبيه موسى بن جعفر ،
_________
(١) كمال الدين ٢ : ٥٣٦ | ١ ، كشفت الغمة ١ : ٥٣٤.
عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمد عليهمالسلام قال : «إنّ حبابة الوالبيّة دعا لها علي بن الحسين عليهماالسلام فرد الله عليها شبابها ، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها ، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة (١).
_________
(١) كمال الدين ٢ : ٥٣٧.
(الفصل الثالث)
في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه عليه السلام
روي عن جابر بن عبدالله قال : لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهماالسلام قالت : لعلي «سمّه» فقال : «ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّوجل» فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليهالسلام : «أنّه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى ، فسمّه باسم ابن هارون ».
فهبط جبرئيل عليهالسلام فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله ، ثمّ قال : «إنّا للهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون ».
قال : «وما كان اسمه؟»
قال : «شبّر».
قال : «لسِاني عربيّ ».
قال : «سمّه الحسن » فسمّاه الحسن (١).
أورده الاُستاذ أبو سعيد الواعظ في كتاب «شرف النبيّ » مرفوعاً إلى جابر(٢).
وعن جابر أيضاً قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سرّه أن ينظرإلى سيّد شباب الجنّة فلينظر إلى الحسن بن عليّ »(٣).
_________
(١) علل الشرائع : ١٣٧ |ضمن حديث ٥ ، ونحوه في : ذخائر العقبى : ١٢٠.
(٢) شرف النبي صلىاللهعليهوآله ...
(٣) منَاقب ابن شهرآشوب ٤ : ٢٠ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع) ـ :
=
عبداللهّ بن بريدة ، عن ابن عباس قال : انطلقت مع رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم فنادى على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه أحدٌ ، فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه ، فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن بن عليّ قد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة ، قال : فبسط النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يده ومدّها ثمّ ضمّ الحسن إلى صدره وقبّله وقال : «إنّ ابن هذا سيّد ، ولعلّ الله عزّ وجلّ يصلح به بين فئتين من المسلمين »(١).
وروى إبراهيم بن عليّ الرافعي عن أبيه ، عن جدّته زينب بنت أبيرافع قالت : أتت فاطمة عليهاالسلام بابنيها الحسن والحسين عليهماالسلام إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في شكواه التي توفّي فيها فقالت : «يا رسول الله ، هذان إبناك فورّثهما شيئاً».
فقال : «أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي »(٢).
ويصدّق هذا الخبر ما رواه محمّد بن إسحاق قال : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما بلغ الحسن بن عليّ ، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما مرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له ، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس ، ولقد رأيته في طريق مكّة
_________
=
٧٨ | ١٣٦.
(١) ورد ذيله في : مسند الطيالسي : ١١٨ | ٤ ٨٧ ، مصنف عبدالرزاق ١١ : ٤٥٢ ، وصحيح البخاري ٥ : ٣٢ ، ومسند أحمد ٥ : ٣٧ و ٥١ ، والمعجم الكبير للطبراني ٣ : ٢٢ | ٢٥٩١ ، وحلية الأولياء ٢ : ٣٥ ، والاستيعاب ١ : ٣٧٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٥.
(٢) الخصال : ٧٧ | ١٢٢ ، ارشاد المفيد ٢ : ٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٦ ، مقتل الخوارزمي ١ : ١٠٥ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع) ـ : ١٢٣ |١٩٧ ، اُسد الغابة ٥ : ٤٦٧ ، كفاية الطالب : ٤٢٤ ، الاصابة ٤ : ٣١٦ ، وفي بعضها باختلاف يسير.
نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحد إلاّ نزل ومشى ، حتّى رأيت سعد ابن أبي وقّاص قد نزل ومشى إلى جنبه (١).
وروي عن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحسن بن عليّ عليهماالسلام (٢).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ الحسن ابني أشبه برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين عليهالسلام أسفل من ذلك »(٣).
وأشباه هذه الأخبار كثيرة ، وفيما أوردناه كَفاية.
_________
(١) مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٧.
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٥ ، صحيح البخاري ٥ : ٣٣ ، صحيح الترمذي ٥ : ٦٥٩ | ٣٧٧٦ ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ : ٢٨ |٤٨.
(٣) صحيح الترمذي ٥ : ٦٦٠ | ٣٧٧٩ ، مورد الضمآن بزوائد ابن حبان : ٥٥٣ | رقم ٢٢٣٥ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع) ـ : ٣٣ | ٦٠.
( الفصل الرابع)
في ذكر سبب وفاته عليه السلام
وبعض ماجاء في ذلك
عبدالله بن إبراهيم ، عن زياد المحاربي قال : لمّا حضرت الحسن عليهالسلام الوفاة استدعى الحسين عليهالسلام وقال له : «يا أخي إنّني مفارقك ولاحق بربّي ، وقد سقيت السمّ ورميت بكبدي في الطست ، وإنّيلعارف بمن سقاني ومن أين دهيت ، وأنا اُخاصمه إلى الله عزّوجلّ ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث الله تبارك وتعالى فيّ ، فإذا قضيت فغسّلني وكفّنّي ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لاُجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة فادفنّي هناك ، وستعلم يابن اُمّ إنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيجلبون في منعكم من ذلك ، وباللهّ اُقسم عليكم أن تهريق في أمري محجمة من دم ».
ثمّ وصّى إليه بأهله وولده وتركاته وما كان وصّى أمير المؤمنين عليهالسلام حين استخلفه.
فلمّا مضى لسبيله وغسّله الحسين عليهالسلام وكفّنه وحمله على سريره لم يشكّ مروان وبنو اُميّة أنّهم سيدفنونه عند رسول اللهّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فتجمّعوا ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين عليهالسلام إلى قبرجدّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليجدّد به عهداً أقبلوا في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول : نحوا ابنكم عن بيتي فإنّه لا يدفن فيه
ويهتك عليه حجابه (١).
وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام فقال الحسين لها : «قديماً أنت هتكتي حجاب رسول الله وادخلت بيته من أبغضه ، إن الله سائلك عن ذلك ، إن أخي أمرني أن أقرّبه من رسول الله ليجدد به عهداً» إلى آخر كلامه.
قال : ثمّ تكلّم محمد بن الحنفية فقال : يا عائشة يوماً على بغل ويوماً على جمل فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم !
قال : فأقبلت عليه وقالت : يا ابن الحنفيّة ، هؤلاء بنو الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟
فقال الحسين عليهالسلام : «وأنّى تفقدين (٢) محمّداً من الفواطم ، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ ، وفاطمة بنت ربيعة ، وفاطمة بنت أسد».
فقالت عائشة : نحّوا ابنكم واذهبوا ، فإنّكم قوم خَصمون.
فمضى الحسين بالحسن عليهماالسلام إلى البقيع ودفنه هناك (٣).
_________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٧ ، كشف الغمة ا : ٥٨٥ ، ونحوه في : مقاتل الطالبيين : ٧٤ ، ودلائل الامامة : ٦١ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٤٩.
(٢) كذا في نسخنا ، وفي الكافي : تُبعدين. وهو الصواب.
(٣) الكافي ١ : ٢٤٠|ضمن حديث ٣.
(الفصل الخامس)
في ذكر ولد الحسن عليه السلام
وعددهم وأسمائهم
له من الأولاد ستّة عشر(١) ولداً ذكراً واُنثى : زيد بن الحسن ، واُختاه اُمّ الحسن ، واُمّ الحسين ، اُمّهم اُمّ بشير بنت أبي مسعود الخزرجيّة.
والحسن بن الحسن اُمّه خولة بنت منظور الفزاريّة.
وعمر بن الحسن وأخواه : عبدالله ، والقاسم ابنا الحسن قتلا مع الحسين عليهالسلام بكربلاء ، اُمّهم اُمّ ولد.
وعبدالرحمن بن الحسن اُمّه اُمّ ولد.
والحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم ، وأخوه طلحة ، وأختهما فاطمة ، اُمّهم اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللهّ التيميّ.
وأبو بكر قتل مع الحسين عليهالسلام.
واُمّ عبدالله ، وفاطمة ، واُمّ سلمة ، ورقيّة ، لاُمّهات أولاد شتّى(٢)
وكان زيد بن الحسن عليهالسلام يلي صدقات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان جليل القدر كثير البرّ ، ومات وله تسعون سنة ، وخرج من الدنيا ولم يدّع الإمامة ولا ادّعاها له مدّع من الشيعة ولا غيرهم (٣).
_________
(١) اختلف البعض في ذكر عدد أولاده عليهالسلام ، حيث عدهم الشيخ المفيد بخمسة عشر دون ذكر لأبي بكر حيث عده عين عبدالله المتقدم عليه ، وإلى ذلك ذهب الموضح النسابة فتأمل. «أنظر مصادر النص ».
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٢٠ ، المجدي في أنساب الطالبيين : ١٩ ، عمدة الطالب : ٦٨.
(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٢٠ ، كشف الغمة ١ : ٥٧٦.
وأمّا الحسن بن الحسن عليهماالسلام فكان جليلاً فاضلاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين عليهالسلام ، دخل على عبدالملك بن مروان محرشاً (١) على الحجّاج فقال له عبدالملك بعد أن رحّب به وأحسن مسألته : لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد وكان عنده يحيى بن اُمّ الحكم وقد وعده أن ينفعه عنده.
فقال يحيى : وما يمنعه يا أمير المؤمنين؟ شيّبته أمانيّ أهل العراق ، تفد عليه الوفود يمنّونه الخلافة.
فاقبل عليه الحسن وقال : بئس ـ والله ـ الرفد رفدت ، ليس كما قلت ، ولكنّا أهل بيت يسرع إلينا الشيب.
فأقبل عليه عبدالملك وقال : هلّم ما قدمت له.
فقال : إنّ الحجّاج يقول : أدخل عمر بن عليّ معك في صدقة أبيك.
فقال عبد الملك : ليس ذلك له ، اكتب إليه كتاباً لا يجاوزه.
فكتب إليه وأحسن صلة الحسن وأكرمه ، فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن اُمّ الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره فقال له يحيى : أيهاً عنك ، فوالله لا يزال يهابك ، ولولا هيبتك لم يقض لك حاجة ، وما ألوتك رفداً (٢).
وروي : أنه خطب إلى عمّه الحسين عليهالسلام إحدى ابنتيه ، فقال له الحسين عليهالسلام : «يا بنيّ اختر أحبّهما إليك » فاستحيى الحسن فقال له الحسين عليهالسلام : «فإنّي قد اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثرهما
_________
(١) الحرش : اغراء الانسان ليقع بقرنه ، وحرش بينهم : افسد واغرى بعضهم ببعض. «انظر : لسان العرب ٦ : ٢٧٩».
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٢٣ ، أنساب الأشراف ٣ : ٧٣ | ٨٥.
شبهاً باُمّي فاطمة بنت رسول اللهّ صلىاللهعليهوآلهوسلم»(١).
وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة ، وأوصى إلى أخيه من اُمّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة.
وكان عبدالله بن الحسن قد زوّجه الحسين عليهالسلام ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها(٢).
_________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ٥ ٢ ، كشف الغمة ١ : ٥٧٩ ، مقاتل الطالبيين : ١٨٠ ، الأغاني ٢١ : ١١٥.
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٢٥.
(الباب الثاني)
في ذكر السبط الشهيد أبي عبدالله
الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام
سيِّد شباب أهل الجنّة
وهو خمسة فصول :