بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الدين من العميل الى التاجر ، او ان البنك يفاوت بين القسمين ، فيأخذ من التاجر في الصورة الثانية اعلى على تحصيل الدين من الصورة الاولى ؟

فاذا اختلفت الاجرة في الصورتين ، فمعنى هذا ان العملية ليست كما صوّرت من القرض الحسن بل النسبة التي اخذت من ثمن البضاعة هي فائدة على تقديم الثمن الى التاجر.

اذن خلاصة كلامنا : لابد من توجيه هذه الاسئلة للبنك فيُنظر في اجابته ، حتى نعرف قصد البنك الحقيقي عند اخذه للنسبة من الثمن بعنوان الاجرة على تحصيل الدين مع تقديمه القرض للتاجر ، وعلى اجابات البنك يكون الحكم الشرعي واضحا.

التكييف الثالث ( اجر على قبول البنك لضمان العميل ) :

قيل ان البنك انما يقدم ثمن البضاعة الى التاجر لانه تعهد من الاول ان يدفع ثمن السلعة المشتراة من قبل حامل البطاقة ، فهو يكون ضامناً لما يتلقاه العميل من المؤسسة التجارية ، فينتقل ما في ذمة العميل من الدين الى البنك المصدّر للبطاقة. وعلى هذا فلا توجد هنا عملية اقراض للتاجر بل في الحقيقة هي عملية اقراض للعميل بقبول البنك ضمانه مع طلبه ، فيرجع البنك على العميل بما دفعه الى التاجر. وعلى هذا يكون اخذ البنك المصدّر للبطاقة نسبة من ثمن البضاعة اجرا على قبول البنك للضمان ، وليس هو تنازلا من التاجر الى الضامن حتى يقال بان البنك لا يتمكن ان يرجع على العميل الا بما اداه الى التاجر.

وقبول الضمان هذا وان كان عقداً ارفاقيا للعميل لا يجوز اخذ الاجرة عليه منه ، الا انه ليس عقدا ارفاقيا للتاجر ، فيمكن للبنك ان يأخذ نسبة من الثمن لقاء قبوله الضمان للتاجر عن العميل.

وهذا الوجه لا يفرق فيه بين ان يكون للعميل رصيد في البنك يكفي للمشتريات ولتلقي الخدمات ام لا ، لانه حتى اذا كان عند العميل رصيد عند البنك

٢٦١

فهو دائن للبنك ، الا ان الدائن يتمكن ان يضمن المدين لغيره. وسوف تأتي مناقشة هذا الوجه فيما بعد.

التكييف الرابع ( اجر على قبول البنك للحوالة من العميل على البنك للمحتال وهو التاجر ) :

وقد يقال : ان العميل عندما يشترى من التاجر ويوقِّع قسيمة البيع ، فيكون قد احال التاجر على البنك المصدّر للبطاقة ، ومن حق البنك المصدّر للبطاقة ان يقبل الحوالة عليه بشرط ان يأخذ نسبة من الثمن ، اي للبنك ان لا يقبل الحوالة الا اذا التزم التاجر باداء مبلغ الى البنك عمولة على قبوله الحوالة. وبما ان التاجر له نفع في قبول البنك للحوالة عليه ، فمن حق البنك ان يأخذ اجرة مقابل هذا النفع الذي قدمه للتاجر (١).

وهنا ايضا نقول كتتميم لهذا الوجه : ان قبول الحوالة من قبل البنك وان كان عقد ارفاقيا للمشتري لا يحق ان يأخذ منه في قباله اجرا ، الا ان هذا العقد ليس ارفاقيا بالنسبة للتاجر ، فيحق للبنك ان يأخذ في مقابل قبوله الحوالة اجرا من المحتال.

ويرد على هذا الوجه بالخصوص : ما اذا كان للعميل رصيد دائن عند البنك ، فمن حق العميل ان يحيل التاجر على البنك ليأخذ من حساب العميل ، وفي هذه الصورة يقول الفقهاء : « يجب على البنك ان يدفع الى التاجر من حساب العميل لانه مدين للعميل ، ويجب على البنك اداء الدين للعميل او الى من يحوّله عليه » ، وعلى هذا فلماذا يأخذ البنك عمولة على قبوله الحوالة حتى في هذه الصورة ؟

وقد يجاب على هذا الاشكال : بان يقول البنك الذي هو مقترض من صاحب الحساب حسب الفرض : « انما اقبل منك ايها العميل الاقتراض بشرط ان

__________________

(١) ان هذا التكييف قَبِلَهُ اكثرية اعضاء مجمع فقه اهل البيت : وهو رأي ارتآه رئيس المجمع آية الله الشيخ محمد المؤمن عند بحثه لبطاقات الائتمان في مجلس درسه في قم المقدسة.

٢٦٢

لا تحيل عليّ » وبهذا لا يجب على البنك قبول الحوالة بحسب الشرط ، فاذا احال العميل على البنك ، فللبنك ان يقول للمحتال : انا اقبل الحوالة عليّ بشرط ان تلتزم بدفع نسبة من الثمن.

والخلاصة : فان هذا الوجه يجوّز للبنك ان يأخذ اجرا من المحتال على قبوله الحوالة الّتي حوّلت عليه من قبل العميل.

ويرد على هذا الوجه والوجه الثالث ما يلي :

١ ـ ان هذا التسهيل الذي اعطاه البنك للتاجر حين صدور البطاقة ، وتعهد بضمان العميل وقبول حوالته ، قد اخذ عليه اجراً سميناه رسم صدور البطاقة ، فان البطاقة التي تصدر ، لها خدمات مصرفية ، منها :

ان البنك ضامن لما يشتريه العميل من المؤسسات التجارية ، وما يستفيده من اصحاب الخدمات ، او قل ان البنك يقبل حوالة العميل اذا حوّل على البنك التجار او اصحاب الخدمات ، وعلى هذا فكيف يجوز للبنك ان يأخذ على نفس هذا العمل أجراً مرة ثانية ؟

ولو اُجيب عن هذا الاشكال بان رسم الاشتراك ليس هو في مقابل الخدمة الممنوحة ومقدماتها المتمثلة في : « شراء السلع والخدمات وعملية السحب النقدي من فروع بعض البنوك الاعضاء او من اجهزة الصرف الآلي التابعة لها ومن قبول طلب العميل واجراء فتح الملف وتعريف الجهات الخارجية التي سيحتاج الى التعامل معها وبيان حدود الاستخدام وما الى ذلك من امور تتعلق بالخدمة » (١) بل ان رسم الاشتراك يكون في مقابل مقدمات الخدمة الممنوحة بالبطاقة ، اما نفس الخدمة الممنوحة بالبطاقة لقبول الحوالة من قبل البنك فهو عمل يصح اخذ الاجرة عليه ، فياتي الاشكال الآتي.

__________________

(١) راجع بطاقات الائتمان ، بيت التمويل الكويتي ص ٣٠ ـ ٣١.

٢٦٣

٢ ـ ان الارتكاز العرفي والعقلائي يقول : ان عملية الاقتراض او قبول الحوالة على المحتال عليه ، او قبوله لعملية الضمان ليست مما تقابل بالمال ، لا من المقترض ولا من قبل المسدّد له. بل ان العمولة حقيقة هي بازاء المال المقترض لا في مقابل نفس الاقتراض او نفس الضمان او قبول الحوالة ، وجعل العمولة في مقابل عملية الاقراض وقبول الحوالة والضمان هي مجرد لفظ فقط.

٣ ـ ثم لو فرضنا ان البنك والتاجر قد تحررا من الارتكاز العقلائي المتقدم ، وجعلت نسبة الثمن في مقابل قبول الحوالة والضمان ، فهل هي صحيحة ؟

الجواب : انها غير صحيحة ، وذلك : لان النسبة من الثمن الذي هي اجر انما تصح اذا كان في مقابلها عمل قام به البنك قابل للضمان. اما مالا ضمان له من الالفاظ والاعمال فلا يصح اخذ الاجرة في مقابله ، وهنا نقول : ان مالية قبول الضمان وقبول الحوالة هي نفس مالية المال المعطى الى المؤسسة التجارية ، وليس لقبول الحوالة والضمان مالية مستقلة زائدة عن المال المعطى الى التاجر ، وهذا المال المعطى الى التاجر مضمون على العميل ، فلا يصح اخذ اجرة على نفس عملية قبول الضمان او الحوالة.

اذن تبين انه ليس عندنا الامالية واحدة وهي ( المال الذي يعطيه البنك المصدّر للتاجر ) وهذه المالية تضاف الى قبول الحوالة او الضمان باعتبار نفس المال الذي يعطى الى التاجر ، وحينئذ ليس عندنا الاضمان واحد وهو ضمان المال المقترض للعميل وقد سدد الى التاجر ، اذن لا يصح اخذ اُجرة عليه ولو من قبل التاجر ، فانه اما أكل للمال بالباطل او انه قرض للعميل مع اخذ فائدة من التاجر ، وهو محرم لان القرض لا يشترط فيه الا ارجاع نفس المال المقترض.

التكييف الخامس ( اجرة سمسرة الى البنك المصدّر للبطاقة ) :

إنَّ البنك المصدّر للبطاقة للعميل وللمؤسسة التجارية ، يقوم بجملة اعمال تنفع الطرفين. فهو يقوم بعملية ترويج التعامل مع المؤسسات التجارية ، اذ يؤمِّن

٢٦٤

لهم زبائن من الدرجة الاولى ويحصّل لهم الدين ، كذلك يقوم بتقديم منفعة للعميل ، اذ يمكّنه من شراء او تلقي الخدمات في اماكن بعيدة من دون ان يقدم النقد لهم بالفعل ، ويسهِّل عليه كثيراً من الصعوبات التي تنجم من حمل النقود معه ، فالبنك يتمكن ان يأخذ عمولة سمسرة من الطرفين او من التاجر فقط لقاء هذه المنافع التي يقدمها لهم اذا حصلت صفقات بيع او تلقي الخدمات في الخارج. اما الضمان الذي يوجد في بعض الحالات ( كما اذا كان العميل ليس له حساب دائن لدى البنك ) فلا اثر له وذلك لانه لا تزداد العمولة في مقابله.

اذن يكون ما يأخذه البنك من المؤسسات التجارية هو اُجرة سمسرة عن كل عميل يقوم بالانتفاع من هذه البطاقة بالفعل ، وهذا الوجه يصحح ايضا ما يأخذه البنك من العميل كنسبة على مشترياته وانتفاعه ايضا. وهذه الاجرة تختلف عن اجرة رسم الاشتراك التي هي ثمن للبطاقة وخدماتها الممكنة سواء استفاد منها التاجر او العميل ام لا اما هنا فان السمسرة هي اجرة على وقوع الانتفاع بالبطاقة في الخارج فعلا.

اقول : ان هذا الوجه جيد اذا اطمأننا بان التاجر يقوم بدفع هذه النسبة من قيمة القسيمة حتى اذا لم يدفع البنك المصدّر للبطاقة قيمة البضاعة الى التاجر. ونتمكن ان نتاكد من هذا في حالة ما اذا كان هناك عميلان للبنك وقد استفادا من هذه البطاقة وكان احدهما له رصيد دائن لدى البنك ، بينما لم يكن الآخر مثله ، وقد قام البنك بأخذ هذه النسبة من التاجر ومن العميل على حدّ سواء. فبهذا يثبت ان الضمان الذي ضمنه البنك لمن لم يكن عنده حساب دائن لدى البنك ، وتسديد قيمة القسيمة كان قرضاً حسناً ، ولا اثر له في ازدياد العمولة.

التكييف السادس ( عقد بيع بين المصدِّر والتاجر على ان يبيعه بأقل من الثمن ، وعقد بين المصدّر والعميل على ان يبيعه بأكثر من الثمن ) :

الى هنا كان مسير البحث ينظر الى العميل على انه هو المشتري الحقيقي من

٢٦٥

المؤسسة التجارية ويكون البنك متعهدا لتسديد قيمة القسيمة. اما هنا نريد ان نغيّر مسير البحث بادعاء : أنَّ الحقيقة والواقع تقول : بأن البنك هو المشتري الحقيقي للبضاعة التي يريدها العميل ، ويشهد لهذا بان المؤسسة التجارية لا تعرف العميل ولا تطمئن اليه ، بل هي تعرف البطاقة الائتمانية بواسطة مصدّرها ، كما ان الذي يدفع قيمة قسيمة البيع هو البنك المصدّر للبطاقة ، واذا ما افترضنا ان المؤسسة التجارية لم تتمكن ان تحصل على قيمة قسيمة البيع او الخدمة من البنك فلا يحق لها ان ترجع على العميل الذي اشترى بواسطة البطاقة ، فان هذه الامور الثلاثة تشير الى ان المشتري الحقيقي هو البنك ، وعلى هذا نتمكن تكيف اخذ البنك لحصة من الثمن ، باتفاق بين البنك المصدّر والمؤسسة التجارية مفاده : تعهد المؤسسة التجارية للبنك في صورة شراء البنك لما يريده عميله ، بان البيع يقع بالسعر اليومي مخصوماً منه نسبة من الثمن. وبهذا صححنا اخذ البنك لحصة من الثمن بعد عقد صفقة البيع.

ثم يقوم العميل بشراء هذه السلعة من البنك على ان يسدد الثمن في ضمن شهر واحد مثلا. ومفاد هذا العقد الثاني هو : ان العميل يشتري هذه السلعة من البنك بزيادة على ثمنها اليومي بنسبة معينة. وهكذا نقول بالنسبة لتقديم الخدمات : فان الحقيقة وجود عقدين :

١ ـ عقد بين المصدّر والتاجر ، مفاده : اذا ارسلت لي اتباعك لتستفيد من خدماتي فانا اعطيك نسبة من الثمن الذي استلمه منك او اقدم لك خدماتي بانقص من الثمن اليومي بنسبة معينة.

٢ ـ عقد بين المصدّر والعامل ، مفاده : اذا استفدت ايها العميل من الخدمات التي اهيئها لاتباعي فانا اريد منك ربحا بنسبة كذا من ثمنها اليومي بشرط ان تسدد الثمن في ضمن شهر واحد مثلا.

وهذا التكييف السادس وان كان خلاف ما هو المشهود من ان المشتري

٢٦٦

الحقيقي هو العميل ، الا ان المشهود كان عبارة عن اندماج عقدين مستقلين ، كانت نتيجتهما حصول العميل على ما اراد ، ولكن الدقة في مراحل العمل بالبطاقة الائتمانية يمكن ان تكون عبارة عن عقدين مستقلين :

الاول منهما : كون المشتري الحقيقي هو البنك ( لما يريده عميله ) بواسطة.

والثاني منهما : هو بيع البنك ما اشتراه الى عميله بزيادة معينة لمدة شهر واحد مثلا. ولا بأس بأخذ نسبة من الثمن من التاجر ومن العميل معاً.

ومما يؤيد هذا التكييف السادس ما ذكروه من قولهم : بعد اتمام عملية الشراء ببطاقة الائتمان اذا رغب العميل ان يعيد كل البضاعة المشتراة الى التاجر ووافق التاجر على ذلك ، فان التاجر في هذه الحالة لا يقوم بدفع وارجاع قيمة البضاعة المرتجعة نقداً الى العميل ( حامل البطاقة ) بل يحرر له قسيمة دفع بقيمة البضاعة المرتجعة ، يحتفظ العميل بنسخة من هذه القسيمة للمتابعة ، بينما يقوم التاجر بايداع هذه القسيمة لدى بنك التاجر الذي يتعامل معه ، وذلك حتى يتم خصم القيمة من قسيمة البيع الاصلية وايداع القيمة الصافية المستحقة له في حساب التاجر ، وحينئذ اذا كان بنك التاجر قد سحب هذا المبلغ من البنك المصدّر ، فيرجع اليه قيمة القسيمة الثانية ، ويبقى البنك المصدّر يطالب العميل بتسديد القيمة الصافية فقط. (١)

فان اعادة البضاعة لو كان المشتري حقيقة هو العميل كان من حقه ان يتسلم المبلغ الذي يساوى البضاعة المرتجعة ، الا اننا نرى انهم لا يسلمون الى العميل قيمة البضاعة المرتجعة مما يؤيد القول القائل : بأنَّ المشتري حقيقة من المؤسسة التجارية هو البنك. لذا يوضع في حساب البنك المصدّر قيمة البضاعة المرتجعة.

__________________

(١) بطاقات الائتمان ، بيت التمويل الكويتي ص ٢٥.

٢٦٧

التكييف السابع ( عمولة تحويل البنك المصدّر لما استفاده العميل خارج البلاد ) :

قد يقال ان التاجر اذا اشترى سلعا خارج البلاد ، فالبنك وان كان ضامنا له ، الا ان التسديد في هذه الصورة يستوجب جهدا زائدا على مجرد دفع المال للسلع المشتراة ، فيصح للبنك ان يأخذ عمولة على التسديد من العميل كما يصح له ان يأخذها من التاجر. وهذا الكلام يأتي ايضا فيما اذا استفاد العميل من خدمات خاصة او سحب نقداً معيناً خارج البلاد.

ولكن هنا لابدّ من ان تكون العمولة المأخوذة هي عمولة التحويل والتسديد فقط ، وهي تختلف عن الفائدة ، اذ اذا قبلنا ان البنك قد ضمن العميل او قبل حوالته فهو قد اصبح مدينا للتاجر. ويمكن أن يقول للتاجر : ان الدين الذي كان على العميل قد انتقل الى ذمتي ، وانا حاضر لدفع المال اليك في بلدي ( بلد الضمان ) ، فاذا اردت ان ادفع لك المال في بلدك ، فانا آخذ منك نسبة من الثمن. وحينئذ يقوم بنك التاجر بالموازنة بين ما يطلبه البنك المصدّر للبطاقة من العمولة وما يطلبه بنك آخر على عمولة تحويل الثمن ، فان كانت العمولة واحدة فان بنك التاجر او التاجر سوف يوافق على اعطاء العمولة التي هي عمولة التحويل ، اما اذا كانت العمولة واحدة فان بنك التاجر او التاجر سوف يوافق على اعطاء العمولة التي هي عمولة التحويل. اما اذا كانت العمولة كبيرة تختلف عن عمولة تحويل نفس المبلغ من قبل بنك آخر ، فان التاجر سوف يقول للبنك المصدّر : اعطني المبلغ في بلدك ، ثم يأمر بنكاً آخر بتحويل المبلغ اليه في مقابل اجر التحويل الذي هو يختلف عن الفائدة ، لزهادته.

والخلاصة :

ان بعض الوجوه المتقدمة ـ كالخامس والسادس ـ تجوّز اخذ البنك المصدّر للبطاقة نسبة من ثمن قسيمة البيع من التاجر ومن العميل ايضا ، بشرط ان لا

٢٦٨

يرتبط هذا بالقرض الذي يحصل من البنك في بعض الحالات ولا بالأجل الذي يشترط فيه تسديد القرض ، فمع هذين الشرطين يكون ما يأخذه البنك من المؤسسة بل من العميل ايضا جائزا. (١)

٦ ـ فرق تحويل العملة :

وهي اخذ البنك فرق تحويل عملته الى عملة اجنبية :

كما اذا سحب العميل ببطاقته مبالغ نقدية من فروع بعض البنوك الخارجية المرتبطة ببنكه بواسطة منظمة الفيزا مثلا ، مباشرة او من طريق اجهزة الصرف الآلي ، فان البنك المصدّر يقوم بتسديد الدين الذي اخذه عميله ( صاحب البطاقة ) ، وعملية التسديد تقتضي أوّلا ان يقرض البنك عميله عملة محليّة أو أن العملة المحليّة موجودة لدى حساب العميل ثم يقوم بتحويلها الى العملة الخارجية ، فيستحق البنك المصدّر الفرق في تحويل هذه العملة ، وهو ما يسمى بالصرف ، فيبيع نقده الذي هو دينار الى العميل بدولار ثم يسدد دين عميله في الخارج بواسطة الدولار ، فيحصل البنك على فائة الصرف ، وهو امر مشروع اذا كان بهذا القدر.

ثم لا يخفى ان هذا السحب المالي من البنك الخارجي هو عبارة عن اذن من

__________________

(١) قد يقال : ان النسبة المأخوذة ( من التاجر الى البنك المصدّر للبطاقة مثلا ) هي عبارة عن بيع الدين بأقل منه ، وهو صحيح للعمومات الدالة على جواز بيع الدين بأقل منه ، فان العميل عندما يشتري يكون مدينا الى التاجر ، وقد اعطى سند الدين وهو توقيعه على القسيمة ، ويتمكن التاجر ان يبيع هذا الدين على البنك او غيره بالاقل ، ولا مانع منه شرعا ، لان المانع ان يأخذ الدائن على دينه اكثر مما اعطى ، وهنا الدائن اخذ الاقل فهو عكس الربا مثلا.

ولكن هذا التوجيه بالاضافة الى انه غير الذي يجري في الخارج من تعهد البنك المصدّر لأداء دين العميل لا يقبله بعض الفقهاء لوجود روايات تقول بوجوب ان يأخذ المشتري لهذا الدين ما دفع الى الدائن لا اكثر.

٢٦٩

المصدّر للبطاقة لبنك خاص او لكل احد في ان يؤدّي قرضاً عليه لمن يحمل بطاقته ، فحامل البطاقة يأخذ النقد على ذمة المصدّر وهو مأذون في التصرف فيه ، ويتملكه الساحب اما بعنوان اداء الدين الذي له على المصدّر ( ستيفاء ) فيما اذا كان الساحب صاحب حساب دائن لدى البنك المصدّر للبطاقة وهو امر لا باس به ، أو بعنوان الاقتراض من البنك المصدّر ان لم يوجد له حساب دائن لدى البنك المصدّر للبطاقة.

٧ ـ اجرة نقل وحفظ المال :

ولو اضيف الى فائدة بيع الصرف ، اجر نقل وحفظ المال من البلد الذي فيه البنك الى البلد الذي استخدم حامل البطاقة بطاقته فيه ، فان هذا يدخل تحت عنوان الحوالة بأجر ، بشرط ان لا يرتبط هذا الاجر بالأجل الذي يجب على العميل التسديد فيه ، والاّ كان الربا مستترا تحت عنوان الحوالة بأجر ، كما اذا كانت النسبة تكثر اذا كانت البطاقة تجوّز التسديد لمدة اطول.

ومن اجل الاطمئنان بأنَّ الاجر الذي يحصل عليه البنك المصدّر هو أجر على الحوالة فيجب ان تكون النسبة التي يأخذها البنك كأجر على حوالته في النسبة التي تحوّل بها هذه الكمية من الثمن الى الخارج في بنوك اخرى ، او ان يسمح البنك المصدّر للعميل في ان يحوّل هذا المبلغ بواسطة أي بنك آخر اذا كان يتقاضى أجراً على حوالته اكثر من البنوك الاخرى ، فان في هذين الامرين نكشف عن القصد الحقيقي للبنك المصدّر للبطاقة ونجزم بانه بعيد عن شائبة الربا.اما اذا كانت هذه النسبة التي تؤخذ كأجر على الحوالة هي اكثر بكثير من قيمة الحوالة التي تحوّل بها هذه الكمية من الثمن الى الخارج في بنوك اخرى ولم يسمح البنك المصدّر بتحويل ما اقرضه لعميله الى البنك الخارجي ، فان هذا يكشف عن ان القصد الحقيقي هو مستتر وراء الاجر على الحوالة او الوكالة لقضاء الدين ، وهو اخذ النسبة من الثمن في مقابل المال الذي يقرضه البنك المصدّر للعميل ويحوله الى

٢٧٠

البنك الخارجي.

وقد يقال : بان هذه النسبة هي قيمة قبول الحوالة من قبل العميل على البنك المصدّر للبطاقة وهي حوالة على مدين اذا كان لدى العميل حساب دائن عند البنك ، او على بري اذا لم يكن لدى العميل حساب دائن عند البنك.

ولكن نقول : ان قبول الحوالة ليس معناه الا اقراض المحيل ان لم يكن له حساب عنده وهو لا يقابل بالمال ، واما اذا كان عند المحيل حساب دائن لدى البنك ، فلم يبق الا ثمن حوالة المبلغ الى خارج البلاد.

٨ ـ الفائدة :

قد يأخذ البنك المصدّر للبطاقة غرامات على تأخير العميل عن سداد ما عليه حسب الوقت المحدد ، وهذا فائدة صريحة محرمة. ولا بأس بالتنبيه الى ان بعض بطاقات الائتمان لا تأخذ اي غرامة على تأخير العميل عن سداد ما عليه ، كما في بطاقة بيت التمويل الكويتي.

٩ ـ اجرة استخدام الجهاز الآلي او نظام التحويل الالكتروني :

يأخذ البنك نسبة من الثمن المسحوب في مقابل استخدام جهازه الآلي او نظام تحويله الالكتروني عند سحب نقود معينة بواسطة البطاقة الائتمانية اذا كان مخوّلة بذلك.

وطبعا ان هذه النسبة من الثمن تقسّم بين البنك الخارجي الذي قدم للعميل النقد بعد استعمال اجهزته الآلية او نظام تحويله الالكتروني وبين البنك المصدّر للبطاقة حيث يكون البنك المصدّر للبطاقة وكيلاً عن العميل لقضاء دينه.

وهذه النسبة كأجر على هذا النفع الذي حصل عليه الساحب للنقد ، وهي اجرة معقولة مرتبطة بالنفع الذي يحصل عليه العميل بشرط ان لا ترتبط هذه النسبة بالأجل وليست عوضاً عما ادى الى حامل البطاقة الذي يدفع العميل فيه ما

٢٧١

سحبه من البنك الخارجي الى بنكه الذي اصدر البطاقة. ولاجل ان نطمئن الى ان النسبة ليست مرتبطة بالاجل ، لابدّ من ان يكون البنك المصدّر للبطاقة يأخذ هذه النسبة من الثمن ممن عنده حساب دائن لدى البنك وممن ليس له حساب دائن لدى البنك بلا فرق بينهما.

١٠ ـ اجرة الاتصالات الخارجية للحصول على تفويض :

يأخذ البنك عمولة من الذي يحمل البطاقة المرتبطة بمنظمة الفيزاء الصادرة عن بنوك اجنبية اذا سحب عميل البنك الاجنبي ببطاقته من بنك آخر كمية من المال ، فيقوم البنك المقدّم للدفعة النقدية بأخذ نسبة من الثمن المقدَّم ، كأجر على الخدمة المصرفية التي يقدمها. وهذه الخدمة تشتمل على توليه عملية التفويض والمتابعة والتحصيل والتسويات.وهذه النسبة تقسَّم بين البنك المسحوب منه النقد والمصدّر للبطاقة حسب الاتفاق بينهما.

اقول : يقال بجواز ذلك في مقابل الخدمة التي يقدمها البنك المعطي للصفقة النقدية ، حيث يكون قد نفع العميل منفعة كبيرة بهذه الخدمات ، فهو يستحق أجراً على خدماته حتى وان كان نسبة مئوية على ما حصل عليه الساحب ، ولكن بشرط ان لا ترتبط هذه النسبة بالاجل الذي يدفع فيه الساحب ما حصل عليه.

تنبيه :

اذا كان بين التاجر والبنك المصدر للبطاقة واسطة تؤدي الى التاجر قيمة قسيمة البيع وهي ما تسمى ( بنك التاجر ) ، فان هذا البنك يقوم بتسديد قيمة القسيمة ثم يستوفي ذلك من البنك المصدّر للبطاقة مقابل نسبة لبنك التاجر. وهذه العملية قد تتم بواسطة تعاقد بين البنك المصدر وبنك التاجر ، وقد تتم استناداً الى الاذن العام من البنك المصدر بتسديد قيمة القسيمة والرجوع عليه. وتكييف اخذ نسبة من الثمن لبنك التاجر استنادا الى قيامه بالتسديد للتاجر وهو عمل يزيد في

٢٧٢

اعتبار البنك المصدّر للبطاقة فصحَّ ان يأخذ بنك التاجر هذه النسبة لقيامه بهذه الخدمة ، ولعل هذا جعالة من البنك المصدّر لمن يسدد قسيمة البيع نيابة عنه. ولا حاجة للتنبيه على ان بنك التاجر في هذه الحالة يأخذ نسبة من ثمن القسيمة قد يكون ٣ % ولكن يحسم منه نسبة ١ % على عمله الذي قام به نيابة عن المصدّر للبطاقة ويبقى ٢ % هي للبنك المصدّر للبطاقة ، يدفعها له عند مطالبته بتسديد ثمن القسيمة.

والخلاصة : لقد تبين لنا ان ما يأخذه البنك من التاجر او العميل اذا لم يكن مرتبطاً بالاجل الذي يسدد فيه العميل الدين ، وكان في مقابل عمل له نفع للتاجر او العميل فهو امر مسموح به شرعاً ، ولكن لابدّ لنا من الاطمئنان بأنَّ البنك لم يربط ما يأخذه بعنوان الأجر على عمله بالاجل الذي يسدد فيه العميل ما عليه. نعم اذا لم يسدد العميل ما عليه في الوقت المحدد ، فلا يجوز للبنك ان يحسب عليه فوائد ، فانه ربا صريح وواضح ، وقد تخلّت عنه بعض البنوك الاسلامية.

« العمليات البنكية الترغيبية »

١ ـ جوائز البنك :

هناك بعض العمليات التي يقوم بها البنك كترغيب لعملائه في اخذ بطاقة الائتمان منها الجوائز ، فيدفع البنك لمن اصابته القرعة من الذين استلموا بطاقات الائتمان مبلغا من المال. فهل يجوز للبنك القيام بهذه العملية الترغيبية ؟

الجواب : اذا كان البنك هو المقترح لهذه العملية بقصد التشويق والترغيب في فتح بطاقات الائتمان من دون ان يكون لعملائه اي شرط عليه ، فهو امر جائز ، اما اذا اشترط عملاء البنك في ضمن عقد قرض البنك وفتح الحساب لديه واخذ بطاقة الائتمان ان يقيم لهم جوائز بعملية القرعة ، فهذه الجوائز تكون محرمة حيث تدخل عند اصابة احدهم تحت عنوان القرض الذي جرَّ نفعاً لصاحبه

٢٧٣

بواسطة الشرط.

٢ ـ التأمين على الحياة :

ان بعض البنوك تعطي البطاقات الائتمانية الذهبية التي فيها حدوداً ائتمانية عالية الى العملاء ذوي الكفاءة المالية العالية ، وتمنحهم اضافة الى الخدمات المتقدمة المتوفرة للبطاقة تأميناً على الحياة وخدمات اخرى دولية فريدة ، كأولوية الحجز في مكاتب السفر والفنادق والتأمين الصحي والخدمات القانونية. كما ان بعض البطاقات تتضمن تأميناً على حياة المسافر حال سفره اذا اشترى بطاقة السفر.

والمهم هنا : وجود تصور عند البعض في عدم تطابق هذا المنح من قبل البنك او الشركة للتصور الاسلامي (١).

فنقول : ان عقد التأمين هو اتفاق بين المؤمِّن ( الشركة او البنك مثلا ) وبين المؤمَّن له على ان يدفع المؤمَّن له مبلغاً من المال معينا شهريا او سنويا لقاء قيام المؤمِّن بتدارك خسارة ما ( كالحياة ) ان حدثت على المؤمَّن عليه ، وقد يكون الشرط هو ان يطلب المؤمِّن فتح بطاقة الائتمان ويدفع الرسم على ذلك ، وان يكون له حساب من الدرجة الاولى في البنك. فهنا يكون عقد التأمين قد اشتمل على اركان اربعة.

١ ـ الايجاب من المومَّن له.

٢ ـ القبول من المؤمِّن.

٣ ـ المؤمَّن عليه ( الحياة ).

٤ ـ قسط التأمين الشهري او السنوي.

وواضح ان الاركان الاربعة متوفرة هنا حيث ان المؤمَّن له يوجب ، ويقبل

__________________

(١) بحث عن بطاقات الائتمان المصرفية لبيت التمويل الكويتي ، ص ٢٧.

٢٧٤

المومِّن ، ويكون المؤمَّن عليه هو ( خطر الموت ) ، وقسط التأمين هو الرسم الذي يدفعه او فتح حساب من الدرجة الاولى لدى البنك ليحصل على خدمات ، منها : التأمين على الحياة ، وبما ان البطاقة تنتهي الى سنة فان بداية ونهاية التأمين ايضا معينة ، وبهذا سوف يكون هذا الاتفاق عقداً وعهداً يشمله : ( أوفوا بالعقود ). كما أنه يمكننا ان ننزّل عقد التأمين منزلة الهبة المعوضة حيث ان المؤمَّن له يهب مبلغاً معيناً من المال سنويا في مقابل ما يحصل على خدمات بواسطة بطاقة الائتمان ومنها التأمين على الحياة (١) وحينئذ يجب على المؤمِّن الوفاء بهذا الشرط ، وعلى هذا يكون التأمين بجميع اقسامه صحيحاً شرعا ، واذا لم يعمل المشترط عليه بالشرط

__________________

(١) وقد نوقشت هذه الفكرة في مجمع الفقه الاسلامي في بروناي دار السلام من قبل اتباع بعض المذاهب الذين ذهبوا الى القول بأن الهبة المعوضة هي بيع ، والبيع لا يمكن ان يكون مؤقتاً بينما التأمين على الحياة في بطاقة الائتمان مؤقتٌ ، فلا يصح توجيه التأمين على الحياة في بطاقة الائتمان على اساس الهبة المعوضة.

وقد جهدنا في توضيح الفرق بين البيع والهبة المعوضة فكان خلاصة ما بُيّن هو : ان الهبة المعوضة عبارة عن التمليك الذي اشترط فيه العوض. وعلى هذا فهي ليست انشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة وإلاّ اذا كانت هي تمليك بعوض على جهة المقابلة ـ لم يعقل تملّك احدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر مع أن ظاهر الفقهاء في الهبة المعوضة هو عدم تملك العوض بمجرد تملك المرهوب له الهبة ، بل غاية الامر أن الموهوب له لابدّ له من إنشاء تمليك العوض نتيجة اقتضاء الشرط في ما وهب له ، وإن لم يفعل كان للواهب الرجوع في هبته نتيجة اقتضاء عدم العمل بالشرط.

وعلى هذا : فان التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط في الهبة يكون عبارة عن تمليك جديد يُقصد به وقوعه عوضاً ، لا أن حقيقةً المعاوضة والمقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الاولى. وقد اتضح من هذا ان البيع يختلف عن الهبة المعوضة اختلافاً أساسياً حيث أن حقيقة البيع تمليك العين بالعوض ، وهذا لا يكون هبة معوضة وإن قصدها. وحقيقة الهبة المعوضة : هو التمليك المستقل مع اشتراط العوض في تمليك مستقل يقصد به العوضية وهذا ليس معاوضة حقيقية مقصودة في كل من العوضين ، وبهذا يبطل ما يقال من أن الهبة المعوضة هي بيع ، للاختلاف الحقيقي في قعنيهما.

٢٧٥

يحق للمؤمَّن له ان يرجع في هبته نتيجة عدم العمل بالشرط ، كما يجب على المؤمِّن العمل بالشرط اذا حصل الموت ، نتيجة اقتضاء الشرط ذلك.

الخصم من التاجر للعميل :

قد يعلن البنك المصدّر للبطاقة عن فائدة للبطاقة تكمن في خصم المؤسسة التجارية نسبة تتراوح بين ( ٥ ـ ٣٠ % ) ، وهذا امر قد تقوم به بعض المؤسسات التجارية لبعض السلع ، وهو يعدّ من فوائد العميل المستهلك ، وهو امر لا باس به شرعاً لانه عبارة عن تخفيض للثمن من قبل البائع ، ولا بأس بأن يقول البائع ان الثمن مائة او ان يقول ( ان لثمن مائة وعشرين مع تخفيض عشرين لمن يحمل البطاقة الائتمانية ).

تنبيهات :

ان هنا عدة تنبيهات متفرعة على صحة العمل بالبطاقة الائتمانية حيث كيّفت الاعمال المنتسبة اليها على انها اجور على خدمات قام بها البنك المصدر او البنك الواسطة ( بنك التاجر ) للتاجر ، وللعميل ، وهذه الخدمات تستحق أجراً ، وهذا الأجر غير مرتبط بالقرض الذي يحصل في التعامل بهذه البطاقات ، حيث إنَّ هذا الأجر يؤخذ ـ مثلا ـ على حدّ سواء من المتعامل بالبطاقة الائتمانية سواء كان له حساب دائن لدى البنك المصدر ام حساب مدين. فعلى هذا الاساس توجد عدة تنبيهات لا بأس بالاشارة اليها واهمها :

١ ـ قد تبيع المؤسسة التجارية حاجتها لحامل البطاقة بثمن اعلى من الاشتراء نقدا ، وكذا المؤسسة التي تقدِّم خدماتها لحملة البطاقات. فهل يصح هذا التعامل او انه يحتوي على شائبة ربوية ؟

الجواب : ان المؤسسة التجارية قد تنظر الى ان الثمن الذي تبيع به احد حاجياتها بواسطة بطاقة الائتمان يحتاج الى خدمات معينة من اجل الوصول اليه ،

٢٧٦

فقد تصمِّم من الاول ان السلعة التي تباع ببطاقة الائتمان يكون ثمنها اعلى من السلعة التي تباع نقداً ، لعدم احتياج أي خدمات للحصول على الثمن النقدي بخلاف الثمن الذي يكون ببطاقة الائتمان ، فهو وان كان مضموناً من قبل البنك المصدّر ، الا ان الحصول عليه يحتاج الى خدمات معينة ، فتكون هذه الخدمات المعينة داعية لزيادة ثمن السلعة التي تباع بالبطاقة الائتمانية وليست هذه الزيادة هي في مقابل الاجل ، بل في مقابل السلعة التي يحتاج الحصول على ثمنها الى جملة من الخدمات.

٢ ـ اذا كان مصدّر البطاقة قد تضمن عقده نصاً ربوياً ، كما اذا شرط المصدّر في عهده مع الحامل للبطاقة دفع فوائد ربوية اذا تخلف حامل البطاقة عن الدفع في فترة معينة. فهل الدخول في هذا العقد اقدام على قبول اعطاء الربا الذي هو حرام ؟

الجواب : ان حامل البطاقة اذا اقدم على قبول هذا الشرط بصورة جدية فيكون قد اقدم على التعامل باعطاء الربا. اما اذا دخل فيه بانياً على دفع قيمة القسيمة نقدا ، او في خلال المدة المتفق عليها مع مصدّر البطاقة ، او كان قاصدا عدم قبول الشرط المذكور وعدم دفع الفائدة من تلقاء نفسه اذ يعتقد بحرمتها ، فيكون هذا العميل قد قبل العقد ولم يقبل الشرط فلا يكون دخوله في هذا العقد حراماً ، وبعبارة اخرى إن هذا يختلف عن اشتراك الانسان في السهم شركة تتعامل بالربا ، فإنَّ الشركة معناها : قيام كل واحد من المتشاركين بعميلة الربا ويعدّ مسؤولا عن عقود الشركة بواسطة وكلائه. أما هنا فلا اشتراك وإنما عقد بيني وبين انسان يشترط عليَّ شرطاً محرماً ، وهذا الشرط ليس مما يُبنى عليه العقد وإنما هو شرط اُحتمل وجوده ، فإذا كنت مصمماً على عدم العمل به فالعقد صحيح ، لشموله له : ( أوفوا بالعقود ).

٣ ـ الف ) اذا امتنع حامل البطاقة من دفع قيمة القسيمة الى البنك المصدّر ، فهل يتمكن المصدّر للبطاقة من الرجوع على معتمد البطاقة لاسترجاع الثمن منه ؟

الجواب : لا يتمكن مصدّر البطاقة من الرجوع على معتمدها لاسترجاع

٢٧٧

الثمن منه وذلك : لان المصدّر كان متعهدا بالاداء ، وبهذا التعهد فقد اشتغلت ذمته بالثمن ووجب عليه اداء ما اخذه العميل من التاجر. وبهذا تكون ذمة العميل مشغولة للبنك المصدّر ، فان امتنع العميل من الدفع فقد ضاع مال البنك المصدّر ان لم يكن للبنك المصدّر اجراء اُخر لأخذ دينه من قبلهم. ومن جملة الاجراءات التي يتمكن البنك من اخذها لعدم ضياع حقه هو : « اشتراط البنك المصدّر للبطاقة في ضمن تعهده للبائع رجوعه على البائع لو امتنع العميل عن السداد ، فهو شرط صحيح بمقتضى قاعدة : المسلمون عند شروطهم ».

ب ) اذا اخذ التاجر قيمة القسيمة من بنك التاجر الذي هو مأذون من البنك المصدّر للبطاقة بالدفع ، ثم امتنع البنك المصدّر من التسديد لإفلاسه مثلا ، فلا يتمكن البنك الواسطة ( بنك التاجر ) من الرجوع على التاجر ولا على العميل ، لان الدين قد انتقل الى ذمة البنك المصدّر حسب التعهد الذي تعهد به ، وقد دفع البنك الواسطة هذا الدين بإذن من البنك المصدّر.اذن يكون البنك الواسطة ـ وهو بنك التاجر ـ دائناً الى البنك المصدّر ليس إلاّ ، فلا يتمكن ان يرجع على التاجر ولا على العميل.

نعم : اذا اشترط على التاجر الرجوع عليه اذا امتنع البنك المصدّر من التسديد ، فهو شرط صحيح يتمكن بواسطته من الرجوع على التاجرفي هذه الصورة.

ج ) اذا امتنع بنك التاجر والبنك المصدّر من دفع الثمن الى التاجر لإفلاسهما مثلا او لأيِّ شيء آخر ، فهل يجوز للتاجر الرجوع على العميل ؟

الجواب : ان التعهد الذي صدر من المصدّر يقضي بان المال في ذمة المصدّر ، فيبقى التاجر يطلب المصدّر وليس له الرجوع على العميل ، الا ان يشترط التاجر على العميل الرجوع عليه ان لم يتسلم المبلغ من المصدّر ، فهو شرط صحيح.

خلاصة البحث :

ان خلاصة بحثنا المتقدم « بعد معرفة حقيقة بطاقة الائتمان واقسامها

٢٧٨

وفائدتها وكيفية المعاملات التجارية بها » يكمن في التكييف الشرعي لها وقد كانت خلاصته هي :

أولا : لا اشكال في اخذ رسم العضوية من باب الاجر على عمل او منفعة تؤدّيها شركة البطاقة لحاملها ، وكذا لا اشكال في رسم التجديد ، ورسم التجديد المبكر ورسم الاستبدال عند الضياع او التلف او السرقة ، لنفس السبب المتقدم.

ثانياً : ان اخذ نسبة من ثمن قسيمة البيع للبنك المصدّر انما تصح ( وتكون اجرا على عمل قام به البنك المصدّر ، من قبيل اجر السمسرة مثلا ) اذا كان غير مرتبط بالقرض الذي قدمه البنك وغير مرتبط بالاجل او بزيادته ونقيصته. ولأجل التأكد من ذلك هو أخذ الاجرة من قبل البنك المصدّر للبطاقة حتى اذا كان للعميل حساب دائن لدى البنك المصدّر للبطاقة ، ولا يفرق في اخذ الاجرة بين العميل الذي له حساب دائن والعميل الذي له حساب مدين لدى البنك المصدّر. كما يمكن التأكد من ان القصد هو اجر سمسرة ، هو اقدام البنك على اخذ هذا الاجر حتى اذا لم يقدم قرضاً الى التاجر.

ثالثاً : ان اخذ نسبة من ثمن البضاعة من قبل العميل ، واخذ نسبة من الثمن المسحوب نقدا خارج البلاد وامثال ذلك من العمليات التي يتم بها الاستفادة من بطاقة الائتمان كله جائز بشرط ان لا ترتبط هذه النسبة بالاجل او بالعوض الذي اعطي الى حامل البطاقة ، وحينئذ تكون هذه النسبة مرتبطة بالنفع الذي قدمه اليه البنك الخارجي والبنك المصدر للبطاقة غير القرض الحسن الذي زامن هذا النفع. وللتأكد من صحة هذا القصد للقرض الحسن ، هو اخذ نفس النسبة من الذي له حساب دائن لدى البنك المصدّر للبطاقة.

رابعاً : اذا لم يسدد العميل ما يجب عليه في ضمن مدة معينة ، فلا يجوز للبنك المصدّر ان يأخذ منه غرامات على التأخير ، فانه فائدة صريحة محرمة.

خامساً : يجوز للبنك ان يجعل عمليات ترغيبية للعملاء ، من قبيل الجوائز او

٢٧٩

التأمين على الحياة لمن يسافر اذا اشترى بطاقة سفر معينة ، فان الاول : يجوز اذا كان اقتراحاً من قبل البنك ولم يشترط عليه العملاء ذلك. واما الثاني : فهو داخل في عقد بين المصدّر والعميل توفرت فيه اركان هذا العقد بصورة صحيحة.

سادساً : قد تبيع المؤسسة التجارية سلعتها بثمن اكثر من الشراء النقدي لحامل بطاقة الائتمان ، وهو امر جائز وان كان الداعي اليه هو قيام المؤسسة بخدمات معينة من اجل الحصول على الثمن ، وهو امر جائز حيث ان السلعة قد قوبلت بالثمن الاكثر حين البيع وان كان الداعي هو تقديم الخدمات للحصول على الثمن.

سابعاً : قد تبيع المؤسسة حاجاتها لحامل البطاقة بأقل من السعر السوقي ، وهو امر جائز بلا كلام ، اذا لا فرق بين أن يقول بعتك السلعة بمائة او بمائة وعشرين مع خصم عشرين مثلاً.

ثامناً : ان استقرار الضمان يكون على البنك المصدّر للبطاقة ولا علاقة بين العميل والتاجر او بنك التاجر. كما لا علاقة بين بنك التاجر والتاجر بالعميل.

تاسعاً : يجوز للعامل ان يتعامل مع شركة البطاقة حتى اذا تضمن عقدها معه نصّاً ربوياً بشرط ان يقصد دفع قيمة القسيمة نقداً او في خلال المدة المتفق عليها مع مصدّر البطاقة ، او كان قاصدا عدم قبول الشرط الربوي وعدم دفع الفائدة طوعاً ، اذ يكون هذا العميل قد قبل العقد ولم يقبل الشرط الفاسد فلا يكون دخوله في هذ العقد حراماً.

هذا خلاصة ما ذكرناه في بطاقة الائتمان والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.

* * *

٢٨٠