أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-331-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٣٠
مبايعة عليّ عليهالسلام ، فسُئل عليّ عليهالسلام عنهم ، فقال : «اُولئك الذين خذلوا الحقّ ، ولم ينصروا الباطل» ؛ وذلك لأنّ معاوية طمع فيهم فكاتبهم ودعاهم إلى المطالبة بدم عثمان فردّوا عليه ، وطعنوا فيه ، وذكروا له مناقب علي عليهالسلام ، حتّى أنّ سعداً كتب إليه بأبيات يطعن بها عليه ، ومن جملة ما كتب سعد إليـه :
وأَمَّا أمرُ عُثمانَ فَدَعْهُ |
|
فإنَّ الدّاءَ أذهَبَهُ البَلاءُ (١) |
مع هذا سيأتي في محلّه أنّ سعداً هذا شهد عند معاوية بمحضر جماعة من الصحابة والتابعين بأنّه سمع النبيّ صلىاللهعليهوآلهيقول : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، يدور معه أينما دار» (٢) ، وأنّه استشهد في ذلك باُمّ سلمة زوجة النبيّ صلىاللهعليهوآله فشهدت له (٣) ، فافهم .
ونقلوا فيه عن سليمان بن صرد الخزاعي (٤) : أنّه كان مع عليّ عليهالسلام في صفين ، ثمّ إنّه كتب إلى الحسين عليهالسلام يسأله القدوم إلى العراق ، فلمّا
__________________
(١) الاستيعاب ٢ : ٦٠٦ ـ ٦١٠ ، وفيه : (الرأي) بدل (الداء) ، وغير منسوب لأحد .
(٢) الاستغاثة : ١٦٨ ، المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٧٦ ، ٧٧ ، بتفاوت يسير .
(٣) تاريخ مدينة دمشق ٢٠ : ٣٦١ ، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ .
(٤) هو سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون الخزاعي يكنّى أبا مطرّف ، من أصحاب رسول اللّه وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ، كان اسمه في الجاهليّة : يسار ، فسمّاه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله سليمان ، كان من كبار التابعين ورؤسائهم وزهّادهم ، وشهد مع عليّ عليهالسلام مشاهده كلّها ، وهو الذي قتل حوشبا ذا ظُليم الألهاني ، وممّن كاتب الحسين عليهالسلام فلمّا اطّلع ابن زياد على مكاتبة أهل الكوفة إلى الحسين عليهالسلام حبس عدّة من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام وأبطاله ، منهم سليمان بن صرد ، وإبراهيم الأشتر ، فلم يتمكّنوا من نصرة الإمام الحسين عليهالسلام ، وتوفّي سنة ٦٥ هـ .
انظر : تنقيح المقال ٢ : ٦٢ / ٥٢١٨ ، اُسد الغابة ٢ : ٢٩٧ / ٢٢٣٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٤ / ٦١ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٧٥ / ٣٤٠ .
قدمها ترك القتال معه ، فلمّا قُتل الحسين عليهالسلام ندم هو والمسيّب بن نجبة (١) وأمثالهما ممّن لم يقاتل معه ، وقالوا : ما لنا توبة إلاّ أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه عليهالسلام ، فخرجوا (٢) ، وحكايتهم مشهورة .
ونقل فيه عن سمرة بن جندب (٣) بعد ما مدحه : بأنّه كان من حفّاظ الأخبار على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وغير ذلك ، وأنّه صار والياً على البصرة بأمر زياد ، ولمّا مات زياد أقرّه معاوية على عمله (٤) .
وسيأتي في المقصد الثاني ما يشتمل على أنّه روى بأمر معاوية على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله حديثاً كذباً في تأويل آية ذمٍّ في عليّ عليهالسلام ، وآية (٥) مدحٍ في قاتله (٦) .
__________________
(١) هو المسيب بن نجبة الفزاري الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين والحسن المجتبى صلوات اللّه عليهما ، ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم، شهد مع أمير المؤمنين عليهالسلام غزوة الجمل ، كان مع سليمان بن صرد ، مات سنة ٦٥ هـ .
انظر : تنقيح المقال ٣ : ٢١٧ / ١١٨١٦ .
(٢) الاستيعاب ٢ : ٦٥٠ ، اُسد الغابة ٢ : ٢٩٧ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٤٥ / ٣٤٠ .
(٣) هو سمرة بن جُندب بن هلال بن حريج بن مرّة ، يكنّى أبا سعيد ، وقيل : أبا عبد الرحمن ، من أشرار أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وكان مؤذياً في نخيلات له . . . حتّى أمر الرسول صلىاللهعليهوآله بقلعها ورميها ، وقال : «لا ضرر ولا ضرار» . وقد وردت روايات في ذمّه ، منها : أنّه من شرطة ابن زياد ، ويحرّض الناس على قتال الإمام الحسين عليهالسلام .
مات سنة ٥٩ هـ ، وقيل : سنة ٥٨ هـ .
انظر : تنقيح المقال ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٥٢٨٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ٧٧ ـ ٧٩ .
(٤) الاستيعاب ٢ : ٦٥٣ ـ ٦٥٤ / ١٠٦٣ بتقديم وتأخير .
(٥) الآيتان في سورة البقرة : الاُولى (٢٠٧) قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) .
والثانية (٢٠٤) قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ ) إلى قوله : ( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) .
(٦) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ٧٣ .
ونقل فيه عن شرحبيل بن السمط (١) : أنّه كان والياً على حِمْص (٢) من طرف معاوية ، وأنّه لمّا قدم جرير (٣) على معاوية من عند عليّ عليهالسلام قيل لمعاوية : إنّ جريراً يفسد عليك الناس ، ويردّ بصائر أهل الشام في أنّ عليّاً عليهالسلام لم يقتل عثمان ، فلا بدّ لك من رجل يناقضه في ذلك ممّن له صحبة (مع النبيّ صلىاللهعليهوآله (٤) ، ومنزلة عند الناس ، ولا نعلمه إلاّ شرحبيل ، فإنّه عدوّ لِجرير .
فاستقدمه معاوية وهيّأ له رجالاً يشهدون عنده أنّ عليّاً عليهالسلام قتل عثمان ، منهم : بسر بن أرطاة ، ويزيد بن أسد (٥) جدّ خالد القسري ،
__________________
(١) هو شرحبيل بن سمط بن أسود بن جبلة الكندي ، يكنّى أبا يزيد ، كان له أثر عظيم في مخالفة عليّ عليهالسلام وقتاله ، له حديث واحد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، هلك سنة ٤٠ هـ ، وقيل : سنة ٤٢ هـ .
انظر : اُسد الغابة ٢ : ٣٦١ / ٢٤١٠ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٥٦٤ .
(٢) حِمْص : بلد مشهور قديم كبير بين دمشق وحلب في نصف الطريق ، بناه رجل يقال له : حمص بن مهر بن جان .
انظر : معجم البلدان ٢ : ٣٠٢ .
(٣) هو جرير بن عبداللّه بن جابر البجلي يكنّى أبا عبداللّه ، أسلم في السنة التي قبض فيها رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مع قومه وهم مائة وخمسون رجلاً ، وسكن في الكوفة ، وقدم الشام برسالة مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام إلى معاوية ، وتخريب علي عليهالسلام داره بعد لحوقه بمعاوية مشهور ، وعدّ مسجده بالكوفة من المساجد الملعونة ، وقد خلط في أواخر عمره ، هلك سنة ٥١ هـ ، وقيل : سنة ٥٤ هـ .
انظر: تنقيح المقال ١: ٢١٠ / ١٧١٤، قاموس الرجال ٢: ٥٨٤ / ١٣٩٣، اُسد الغابة ١: ٣٣٣ / ٧٣٠.
(٤) من هنا إلى ص٣٢٢ بياض في نسخة «ن» .
(٥) هو يزيد بن أسد بن كُرز بن عامر بن عبداللّه القسري ، جدّ خالد بن عبداللّه القسري ، كان في المدينة أيّام عمر ، ومن ثقات معاوية وخاصّته ، وشهد معه صفّين ، وأرسله معاوية قائداً لأهل دمشق ، ويكفي في خبث سيرته ما أشار إليه
وأبو الأعور السلمي ، وحابس بن سعد الطائي (١) ، ومخارق بن الحارث الزبيدي (٢) ، وحمزة بن مالك الهمداني (٣) ، وقد واطأهم معاوية على ذلك فشهدوا عنده أنّ علياً عليهالسلام قتل عثمان ، فقبل ذلك ، وخرج في مدائن الشام يندب إلى طلب دم عثمان (٤) .
ونقل فيه عن الوليد بن عقبة بن أبي معيط (٥) : أنّه أخو عثمان بن
__________________
المؤلف رحمهالله . هلك في حدود سنة ٥٥ هـ .
انظر : الاستيعاب ٤ : ١٧٥٠ / ٢٧٥٣ ، اُسد الغابة ٤ : ٦٩٩ / ٥٥١٦ ، الأعلام ٨ : ١٧٩ .
(١) هو حابس بن سعد الطائي ، ويقال : ابن ربيعة المنذر ، يعرف في أهل الشام باليماني ، ولاّه عمر بن الخطاب قضاء حمص ـ ناحية من نواحي الشام ـ ، وشهد صفّين مع معاوية ومعه راية طيء ، فقتل يومئذ .
انظر : الاستيعاب ١ : ٢٧٩ / ٣٧٨ ، اُسد الغابة ١ : ٣٧٥ / ٨٣٦ ، الأعلام للزركلي ٢ : ١٥١ ، العبر ١ : ٢٨ .
(٢) مخارق بن الحارث الزبيدي الأزدي ، شهد مع معاوية صفّين ، وكان أميراً على مذحج الاُردن ، وممّن شهد في صحيفة اصطلاحه مع عليّ عليهالسلام على التحكيم ، ولم يترجم له بأكثر من هذا .
انظر : تاريخ خليفة بن خياط : ١٤٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٧ : ١٣٠ / ٧٢٦٥ .
(٣) حمزة بن مالك بن ذي مشعار الهمداني من وجوه أهل الشام ، وممّن وجّهه أبو بكر إلى الشام ، وشهد مع معاوية صفّين ، كان أميراً على همدان الاُردن ، وأحد شهوده حين صالح عليّاً عليهالسلام على تحكيم الحكمين ، وفي بعض المصادر ورد حُمرة ابن مالك ، كتاريخ مدينة دمشق ، والإصابة .
انظر : تاريخ مدينة دمشق ١٥ : ١٨٥ / ١٧٤٤ ، اُسد الغابة ١ : ٥٣٤ / ١٢٥٦ ، بغية الطلب ٦ : ٢٩٦٥ ، الإصابة ٢ : ٣٦ / ١٨١٨ .
(٤) الاستيعاب ٢ : ٦٩٩ ـ ٧٠٠ .
(٥) الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، يكنّى أبا وهب ، ولاّه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص، كان يشرب الخمر ، ولمّا قتل عثمان تحول وليد إلى الجزيرة الفراتية، وكان فاسقاً ، وفي حقّه نزلت الآية : ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، الحجرات ٤٩ : ٦ .
انظر : الاستيعاب ٤ : ١٥٥٢ / ٢٧٢١ ، اُسد الغابة ٤ : ٦٧٥ / ٥٤٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٤١٢ / ٦٧ ، تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) : ٦٦٣ .
عفّان لاُمّه ، وأنّه كان مجاهراً في الفسوق شارب الخمور ، وأنّ فيه وفي عليّ عليهالسلام نزلت : ( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ) (١) ، وأن عثمان جعله والياً على الكوفة إلى أن جلده عليّ عليهالسلام؛ حيث شرب الخمر فسكر ، فصلّى بالناس في مسجد الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ، ثمّ قال لهم : أأزيدكم؟ ثمّ صار من أصحاب معاوية وكان يحرّضه على حرب عليّ عليهالسلام ويغريه ، ولمّا صار الحرب انعزل عنهما وقال : فربّ حريص محروم .
قال صاحب الكتاب : وله أخبار فيها بشاعة تدلّ على سوء حاله وقبح أفعاله ، ثمّ قال : ومن أنكر صدور ما صدر منه ، فكلامه غير صحيح عند أهل العلم ، ومحض الاعتساف .
ومن الغرائب أنّه نقل : أنّ عثمان عزل سعداً عن الكوفة وولاّها الوليد ، فلمّا قدم على سعد ، قال سعد : واللّه ، ما أدري أكسيت بعدنا أم حمقنا بعدك (٢) ! فقال : لا تجزعنّ يا أبا إسحاق ، فإنّما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخَرون، فقال سعد : واللّه ، أراكم ستجعلونها ملكاً (٣) .
ونقل فيه عن أبي العادية (٤) : أنّه كان هو الراوي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قوله : «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (٥) ، ومع هذا قتل
__________________
(١) سورة السجدة ٣٢ : ١٨ .
(٢) ما أثبتناه من المصدر وفي النسخ : «أكسيت بعدنا أم جمعنا» والظاهر أنّه خطأ من النُّسّاخ.
(٣) الاستيعاب ٤ : ١٥٥٤ ـ ١٥٥٧ بتقديم وتأخير .
(٤) اختلف في ضبط كنيته ، فورد تارة بالغين المعجمة ، واُخرى بالعين المهملة ، ولا ضير فيه بعد أن كان المراد منهما يسار بن أزهر الجهني الذي كان من محبّي عثمان ، وهو قاتل عمّار بن ياسر .
انظر : الكنى والأسماء للدولابي ١ : ٤٧ ، الاستيعاب ٤ : ١٧٢٥ / ٣١١٣ ، اُسد الغابة ٥ : ٢٣٧ / ٦١٤٠ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٥٤٤ / ١١٤ .
(٥) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ ، الكنى والأسماء للدولابي ١ : ٤٧ .
عمّار بن ياسر مفتخراً بذلك ، بحيث كان كلّما يستأذن على معاوية يقول : إنّ قاتل عمّار يريد أن يدخل عليك (١) .
ونقل فيه عن جماعة أنّهم قالوا : كان أبو سفيان والد معاوية من المؤلّفة قلوبهم أسلم عام الفتح ، وعمي في آخر عُمره ، وأنّه كان كهفاً للمنافقين ، وكان منافقاً ، وأنّه لمّا ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان ، فقال : قد صارت إليك بعد تيم وعديّ ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُميّة ، فإنّما هو الملك ، وما أدري ما جنّة ولا نار (٢) !
وسيأتي تفصيل أحواله وكفره ونفاقه في المقالة السادسة من المقصد الثاني .
ونقل جماعة كما في تاريخ الإسلام وغيره : أنّ أبا هريرة ذهب في زمان معاوية إلى عليّ عليهالسلام ليجعل الخلافة شورى بين الناس ، ثمّ ندم على فعله ، وعرف توهّمه في ذلك لمّا تكلّموا عليه وذكّروه من فضائل عليّ عليهالسلام وذمّ تركه ، ومع هذا اعتزل في صفّين ولم ينصر عليّاً عليهالسلام ، بل كان من أصحاب بني اُميّة لاسيّما مروان بن الحكم ، حتّى نقلوا : أنّ يوماً في جنازة رجل أخذ أبو هريرة بيد مروان فجلسا ناحية قبل أن توضع الجنازة ، وشرعا يتكلّمان ، فجاء إليهما أبو سعيد الخدري وأقام مروان وقال له : واللّه ، لقد علم صاحبك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله نهانا عن ذلك ، يعني الجلوس ، فلم يقدر أبو هريرة على تكذيبه ، بل صدّقه (٣) .
وسيأتي في المقصد الثاني ما يدلّ على أنّه كان يكذب على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بشهادة عليّ عليهالسلام وعمر جميعاً .
__________________
(١) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ ، وقعة صفّين : ٣٤١ ، الاستيعاب ٤ : ١٧٢٥ / ٣١١٣ .
(٢) الاستيعاب ٤ : ١٦٧٧ ـ ١٦٧٩ / ٣٠٠٥ .
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٠٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٢٦ بتفاوت يسير فيهما .
ونقل الحميدي (١) في الجمع بين الصحيحين : أنّ أبا بكر كان يقسّم الخمس نحو قسمة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، غير أنّه ما كان يعطي قرابة النبيّ صلىاللهعليهوآله مثل ما كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يعطيهم (٢) .
ونقل في تاريخ الإسلام : عن عبداللّه بن المبارك (٣) أنّه قال : الذي كان بين الصحابة كان فتنة ، ولا أقول لأحد منهم مفتون (٤) .
ونقل ابن الجوزي في كتاب المنتظم بإسناد له متّصل إلى عبداللّه بن أحمد بن حنبل (٥) أنّه قال : سألت أبي فقلت له : ما تقول في عليّ عليهالسلام ومعاوية ؟ فأطرق ، ثمّ قال : أيش أقول فيهما ، اعلم أنّ عليّاً عليهالسلام كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا ، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله
__________________
(١) هو محمّد بن فتوح بن عبداللّه ، يكنّى أبا عبداللّه ، مؤرّخ محدّث ، كان ظاهريّ المذهب ، وهو صاحب ابن حزم وتلميذه ، وأوّل ارتحاله في العلم كان في سنة ٤٤٨ ، وله كتب ، منها : الجمع بين الصحيحين ، والذهب المسبوك في وعظ الملوك ، والترسل ، ولد قبل سنة ٤٢٠ هـ ، ومات سنة ٤٨٨ هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ١٩ : ١٢٠ / ٦٣ ، الوافي بالوفيات ٤ : ٣١٧ / ١٨٦٣ ، شذرات الذهب ٣ : ٣٩٢ .
(٢) الجمع بين الصحيحين ٣ : ٣٦٩ / ٢٨٥٦ بتفاوت يسير .
(٣) عبداللّه بن المبارك بن واضح المروزي ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، من تابعي التابعين ، يحكى : أنّه أحسن إلى علوية فرأى في المنام أ نّه يخلق اللّه تعالى على صورته ملكاً يحجّ عنه كلّ عام ، وكان من رواة العلم ، ولد سنة ١١٨ هـ ، ومات ١٨١ هـ .
انظر : الكنى والألقاب ١ : ٣٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٢ : ٣٩٦ / ٣٥٥٥ ، وفيات الأعيان ٣ : ٣٢ / ٣٢٢ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٧٨ / ١١٢ .
(٤) تاريخ الإسلام (حوادث ١٨١ ـ ١٩٠) : ٢٢٧ / ١٩٣ ، ترجمة ابن المبارك .
(٥) عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن حنبل ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، من أهل بغداد ، حافظ للحديث ، سمع من أبيه شيئاً كثيراً من العلم ، له كتب ، منها : الزوائد على كتاب الزهد لأبيه ، وزوائد المسند ، ولد سنة ٢١٣ هـ ، مات سنة ٢٩٠ هـ .
انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ٢٨١ ـ ٢٩٠) : ١٩٧ ـ ١٩٩ / ٣٠٠ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٥١٦ / ٢٥٧ ، تهذيب التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٢٤٦ .
فأطروه ، كياداً منهم له (١) .
ونقل في المنتظم أيضاً بإسناد له متّصل : عن عبداللّه بن جعفر (٢) ، عن اُمّ بكر بنت المسور (٣) ، عن أبيها ، قال : ولّى عمر على بيت المال عبداللّه بن الأرقم (٤) ، وكان يقول : ما رأيت أحداً أخشى للّه منه ، فكان عمر إذا استسلف شيئاً منه كان يتقاضاه عند إخراج العطاء فيقضيه ، فلمّا ولّى عثمان أقرّه على بيت المال ، وكان يستسلف منه حتّى اجتمع عنده مال كثير وحضر وقت العطاء ، فقال له عبداللّه : أدّ المال الذي استسلفته ، فقال عثمان له : ما أنت وذاك ، إنّما أنت خازن ، فخرج عبداللّه حتّى وقف على المنبر فصاح بالناس وأخبرهم بما قال عثمان ، وقال : هذه مفاتيح بيت مالكم .
ثمّ قال ابن الجوزي عند روايته ذلك : فقيل : إنّه لمّا ردّ المفاتيح استخزن عثمان زيد بن ثابت (٥) (٦) .
__________________
(١) المنتظم ٥ : ١٢٩ بتفاوت يسير .
(٢) عبداللّه بن جعفر بن عبدالرحمن بن المِسوَر بن مخرمة ، يكنّى أبا محمّد ، كان مفتياً ، عارفاً بالمغازي ، حدّث عن أبيه ، وسعد بن إبراهيم ، وعمّته والدة اُمّ بكر ابنة المِسْوَر وغيرهم، وروى عنه: عبدالرحمن بن مهدي، والواقدي وغيرهما. مات سنة١٧٠هـ.
انظر : تهذيب الكمال ١٤ : ٣٧٢ / ٣٠٢٣ ، تاريخ الإسلام (حوادث ١٦١ ـ ١٧٠) : ٢٩١ / ١٩٥ ، سير أعلام النبلاء ٧ : ٣٢٨ / ١١٤ .
(٣) اُمّ بكر بنت المِسْوَر بن مخرمة الزهرية ، روت عن أبيها ، وروى عنها ابنُ ابنِ أخيها عبداللّه بن جعفر بن عبدالرحمن بن المِسْور بن مخرمة .
انظر : تهذيب التهذيب ١٢ : ٤٨٧ / ٢٩١٦ ، لسان الميزان ٩ : ٥٦٠ / ١٥٦٩٨ .
(٤) هو عبداللّه بن الأرقم بن يغوث بن وهب الزهري ، وآمنة بنت وهب اُمّ الرسول صلىاللهعليهوآله ، عمّة أبيه الأرقم ، ولاّه عمر بيت المال ووليه ايضاً لعثمان مدّة . مات سنة ٦٤ هـ .
انظر : المنتظم ٥ : ١٤٢ / ٣٠٠ ، اُسد الغابة ٣ : ٦٨ / ٢٧٠٩ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٨٢ / ٩٨ ، تهذيب التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٢٤٩ .
(٥) المنتظم ٥ : ١٤٣ .
(٦) هو زيد بن ثابت بن الضحّاك بن زيد الأنصاري ، يكنّى أبا سعيد ، وقيل :
ونقل في المنتظم : أنّ عمّاراً قتله أبو العادية ، طعنه برمح فسقط ، فلمّا وقع أكبّ عليه رجل آخَر فاحتزّ رأسه ، فأقبلا يتخاصمان فيه ، كلٌّ يقول : أنا قتلته ، فقال عمرو بن العاص : واللّه ، إن تختصمان إلاّ في النار ، فسمعها منه معاوية ، فلمّا انصرف الرجلان قال لعمرو : ما رأيت منك مثل ما صنعت اليوم ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا ، تقول لهما : إنّكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو : هو واللّه ، ذاك ، وواللّه ، إنّك لتعلمه ، ولوددت أنّي متّ قبل هذا بعشرين سنة (١) .
ونقل أيضاً فيه بإسناد له متّصل عن محمّد بن جميل (٢) عن محمّد بن يحيى الأحمري (٣) ، قال : حدّثنا ليث (٤) عن مجاهد (٥) ، قال : جيء برأس
__________________
أبا عبدالرحمن ، وأبا خارجة ، كان ممّن يكتب لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله الوحي وغيره ، وشهد مع النبيّ صلىاللهعليهوآله الخندق وما بعدها ، استخلفه عمر على المدينة ثلاث مرّات ، وكذلك عثمان كان يستخلفه إذا حجّ ، فقد كان عثمانيّاً ولم يشهد مع عليّ عليهالسلام شيئاً من حروبه ، وكان يُظهر فضل عليّ عليهالسلام وتعظيمه ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ٤٥ هـ .
انظر : الاستيعاب ٢ : ٥٣٧ / ٨٤ ، اُسد الغابة ٢ : ١٢٦ / ١٨٢٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٢٦ / ٨٥.
(١) المنتظم ٥ : ١٤٨ .
(٢) كذا في «م» و«س» و«ش» ، وفي «ن» ساقطة ، وفي المصدر : محمّد بن أحمد .
(٣) لم نعثر على ترجمته .
(٤) هو ليث بن أبي سُليم ، وفي اسم أبيه «أبي سُليم» اختلاف ؛ قيل : أيمن ، وقيل : أنس ، وزيادة ، وعيسى ، وهو من محدّثي الكوفة وعلمائها ، روى عن طاووس ، ومجاهد ، وعطاء ، وغيرهم .
ولد بعد سنة ٦٠ هـ ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ١٤٣ هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ٦ : ١٧٩ / ٨٤ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٩ / ٨٣٥ .
(٥) هو مجاهد بن جبر ، يكنّى أبا الحجّاج المكّي ، تابعي ، إمام في التفسير ، له كتاب
الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية ، فتمثّل بهذين البيتين :
لَيتَ أشياخي ببدرٍ شَهِدُوا |
|
جَزَعَ الخَزرجِ مِن وَقْعِ الأسَل |
فأَهَلُّوا واستَهلَّوا فَرَحاً |
|
ثمّ قَالوُا يا يزيدُ لا تُشَل (١) |
ثمّ نقل أنّ مجاهداً قال : هذا نفاق صريح (٢) .
ونقل فيه أيضاً عن كتاب المدائني (٣) عن أبي قرّة (٤) ، قال : قال هشام ابن حسّان (٥) : ولدت ألف امرأة بعد وقعة الحرّة من غير زوج ، وكانت
__________________
في التفسير .
ولد في مكّة ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : إنّه مات سنة ١٠٢ هـ .
انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٢٣٥ / ٢٢١ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٤٩ / ١٧٥ ، طبقات المفسّرين للداودي ٢ : ٣٠٥ / ٦١٧ ، الأعلام للزركلي ٥ : ٢٧٨ .
(١) البيت الأوّل لعبداللّه الزبعرى ، انظر ديوانه : ٤٢ . انظر: مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي ٢: ٥٩، اللهوف: ٢١٤، الفتوح ٥: ١٥٠، الرسائل للجاحظ ٢: ١٥ بتفاوت يسير .
(٢) المنتظم ٥ : ٣٤٣ .
(٣) هو عليّ بن محمّد بن عبداللّه المدائني ، يكنّى أبا الحسن ، كان عالماً بالفتوح والمغازي والأنساب وأيام العرب ، وهو بصري سكن المدائن ، ثمّ انتقل عنها إلى بغداد ، فلم يزل بها إلى حين وفاته ، وله كتب ، منها : تسمية المنافقين ، وتاريخ الخلفاء ، وأخبار أهل البيت ، وغيرها .
ولد سنة ١٣٢ هـ ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ٢٢٥ هـ .
انظر : الفهرست لابن النديم : ١١٣ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٥٤ / ٦٤٣٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٤٠٠ / ١١٣ .
(٤) لعلّه موسى بن طارق اليماني ، كان يكنّى أبا قرّة الزبيدي صاحب ابن جريج .
انظر : ميزان الاعتدال ٤ : ٢٠٧ / ٨٨٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٤٦ / ١١٢ ، تقريب التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١٤٧١ .
(٥) هو هشام بن حسّان الأزدي ، يكنّى أبا عبداللّه ، محدّث من أهل البصرة ، وأعلم
القتلى يومئذٍ سبعمائة من وجوه الناس من قريش والمهاجرين والأنصار ووجوه الموالي ، وعشرة آلاف ممّن لا يُعرف من عبد وحرّ وامرأة ، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام (١) .
وذكر فيه أيضاً عن جمع من أهل المدينة منهم : عبداللّه بن حنظلة غسيل الملائكة (٢) : أنّهم كانوا يصرّحون بأنّ يزيد بن معاوية كان ينكح الاُمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، ويترك الصلاة (٣) .
ونقل صاحب كتاب تاريخ الإسلام فيه ما ملخّصه : أنّ المعتضد العبّاسيّ (٤) أراد أن يأمر بلعن معاوية على المنابر ، وأمر أن يجمعوا مثالبه
__________________
الناس بحديث الحسن ، وأدرك أنس بن مالك ، وحدّث عن عِكرمة ، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم ، وروى عنه روح بن عبادة ، وعبد الرزاق ، وغيرهما ، مات سنة ١٤٨ هـ .
انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ١٤١ ـ ١٦٠) : ٣١٨ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٥٥ / ١٥٤ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٣٢ / ٧٥ .
(١) المنتظم ٦ : ١٥ ـ ١٦ ، البداية والنهاية ٨ : ٢٢١ .
(٢) هو عبداللّه بن حنظلة بن أبي عامر الراهب ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، وقيل : أبا بكر ، أبوه معروف بغسيل الملائكة ، استشهد يوم أُحد فغسّلته الملائكة لكونه جنباً ، واُمّه جميلة بنت عبداللّه بن اُبيّ بن سلول ، كان أميراً على المدينة في وقعة الحرّة ، مات سنة ٦٣ هـ .
انظر : الاستيعاب ٣ : ٨٩٢ / ١٥١٧ ، اُسد الغابة ٣ : ١١٤ / ٢٩٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٢١ / ٤٩ .
(٣) المنتطم ٦ : ١٩ بتفاوت .
(٤) هو أحمد بن طلحة المعتضد باللّه ، يكنّى أبا العباس ، أحد حكّام بني العباس ، واُمّه اُمّ ولد روميّة يقال لها : اضرار ، بويع له في اليوم الذي مات فيه المعتمد على اللّه سنة ٢٧٩ هـ فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر .
من نزاعه عليّاً عليهالسلام حقّه ، وأنّه من الفئة الباغية التي قتلت (١) عمّاراً ، وأنّه سفك الدماء ، وسبى الحريم ، وانتهب الأموال المحرّمة ، وقتل حُجراً ، وعمرو بن الحمق ، وادّعى زياد بن أبيه جرأةً على اللّه ورسوله فإنّ اللّه يقول : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) (٢) ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٣) ، وأنّه دعا إلى ابنه يزيد ، وقد علم فسقه حتّى فعل بالحسين عليهالسلام ما فعل ، وكذا يوم الحرّة ، وحرق البيت الحرام ، وأنّه كان من الشجرة الملعونة في القرآن ، وأمثال ذلك .
فقالوا له : ما لَكَ قدرة على فتنة العامّة إن سمعوا هذا .
(فقال (٤) : أضع السيف عليهم ، فقالوا : فما تصنع بالعلويّين الذين هم في كلّ ناحية قد خرجوا عليك؟ وإذا سمع الناس هذا وهو من فضائل أهل البيت كانوا إليهم أميل وصاروا أبسط ألسنة ، فحينئذٍ أمسك المعتضد عمّا أراد (٥) .
أقول : هذا الذي ذكرناه هاهنا ليس عشراً من معشار ما ذكره علماء
__________________
مات سنة ٢٨٩ هـ .
انظر : مروج الذهب ٤ : ١٤٣ ، تاريخ بغداد ٤ : ٤٠٣ ـ ٤٠٧ / ٢٣٠٧ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٤٦٣ / ٢٣٠ .
(١) سقط في «ن» ، وفي «س» و«ش» : قتلوا .
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥ .
(٣) الكافي ٥ : ٤٩١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٦٨ / ٥٨٧ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٨٠ / ١٤٥٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٧ / ٢١٧٩١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٥٢ ، صحيح البخاري ٤ : ٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٤ / ٢٠٠٦.
(٤) من هنا إلى صفحة ٢٩٩ سقط في نسخة «م» .
(٥) تاريخ الإسلام (حوادث ٢٨١ ـ ٢٩٠) : ١٧ ـ ١٩ بتفاوت .
العامّة ، وعمدة معتبريهم في كتبهم من مساوئ أحوال كثير من الصحابة ، وقبائح أفعالهم وأعمالهم ، وقدح بعضهم بعضاً ، ولو بحسب تعارف الدنيا ، حتّى أنّهم نقلوا ذموماً لعثمان من جماعة من الصحابة ، وكذا لأبي بكر ، وعمر ، بل نقلوا تعريضات ، بل تصريحات من خصوص عمر في ذمّ أبي بكر ، وسيأتي نبذ منها في مقالات المقصد الثاني وفي الختام وغيرهما ، حتّى أنّه يأتي بعض ما ذكرناه هاهنا أيضاً .
فهذه المنقولات وإن كان كلّ واحد منها آحاداً ، بحيث أمكن قدح ما لم يكن منها محفوفاً بقرائن الصدق إلاّ أنّه لا يبقى مجال شكٍّ في صحّة المعنى المستفاد من الجميع المشترك بين الكلّ ، أعني : كون أهل عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله من الصحابي وغيره كأهل سائر الأعصار في وجود الأخيار فيهم ، والأشرار والمنافقين ، وضعفاء العقل والدين ، والمائلين إلى الهوى ، وأهل الحرص على الدنيا ، وأمثال ذلك من أقسام اختلاف حالات الناس ، وتفاوت الأشخاص ، بل كون الأكثر ممّن لا يعبأ بشأنه ، ولا يعتمد عليه ، كما سيأتي ، لاسيّما في مقالات المقصد الثاني .
بل ينادي بذلك أيضاً ما هو الثابت المسلّم الواضح من فرارهم في الحروب ، وتركهم النبيّ بين الأعادي في أقلّ قليل بعد مبايعتهم معه على الموت وترك الفرار ، وأمثال ذلك من المنكرات التي لا شكّ في صدورها عنهم .
ألا ترى إلى أنّهم كيف اشتغلوا بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى الدنيا؟ بحيث لم يتوجّهوا إلى ضبط سننه وعباداته وآدابها ، حتّى الصلوات الخمس التي كان يصلّي بهم كلّ يوم خمس مرّات ، والأذان الذي كان ينادي به لهم كلّ
يوم كذلك ؛ بحيث صار سبب هذا الاختلاف العظيم الموجود بينهم في كلٍّ منها إلى الآن ، حتّى أنّهم لا يدرون أنّه كان يقنت في الصلاة أم لا؟ وكان يجهر بالبسملة ، بل يبسمل أم لا؟ وكان يغسل رجله أو يمسح؟ وكيف كانت كيفيّة وضوئه وصلاته ؟ وفصول أذانه وإ قامته؟ وهلّم جرّاً .
حتّى نقلوا عن أنس خادم النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه كان يبكي في آخر عمره ، فيقول : لا أرى شيئاً ممّا كان في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله إلاّ هذه الصلاة ، وهي أيضاً قد ضُيّعت وغُيّرت (١) .
وكفاك شاهداً حصول الخلاف في أكثرها ؛ ضرورة عدم وجود الاختلاف في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلو أنّهم ضبطوها بعده على ما كان لم يوجد خلاف ولا اختلاف .
ألا تنظر إلى القرآن كيف هو مملوء من المعاتبات التي عاتبهم اللّه بها ، حتّى أنّه حكم صريحاً بوجود المنافق والفاسق والظالم وأمثالها فيهم ، كما قد ذكرنا نبذاً من ذلك في المطلب الأوّل .
وقد نقل في تاريخ الإسلام في ترجمة عبداللّه بن عبيد اللّه بن أبي مُليكة (٢) ، بعد أن ذكر توثيقه عن جمع : أنّ الصلت بن دينار (٣) روى
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ١٤١ (باب تضييع الصلاة عن وقتها) ، التعديل والتجريح ٢ : ١١٦ / ٩٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٩ : ٣٣٥ / ٨٢٩ ، تهذيب الكمال ١٩ : ٣٦٧ / ٣٨٠٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٨٩ ، بتفاوت فيها.
(٢) يكنّى أبا محمّد التيمي المكي ، كان قاضياً لابن الزبير ، ولاّه قضاء الطائف ، ومؤذّناً له ، روى عن ابن عباس ، وابن عمر ، والمِسْور ، وغيرهم ، وعنه ابنه يحيى ، وابن أخيه عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومات سنة ١١٧ هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ٥ : ٨٨ / ٣٠ ، كتاب التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة ٢ : ٨٨٨ / ٣٤٣٤ ، تهذيب التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٥٢٣ .
(٣) الصلت بن دينار الأزدي الهنائي ، يكنّى أبا شعيب البصريّ ، المعروف بالمجنون ،
عنه أنّه قال : أدركت أكثر من خمسمائة من الصحابة ، كلّهم خاف النفاق على نفسه .
قال : وفي رواية اُخرى عن ابن جريج (١) ، عنه ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ ، الخبر ، ثمّ حكم بصحّة الثاني (٢) ، وهو أيضاً كافٍ .
ونقل في جامع الاُصول من صحيح البخاري عن ابن أبي مليكة ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله وقد شهدوا بدراً ، كلّهم يخاف على نفسه النفاق ، ولا يأمن من المكر على دينه (٣) .
ونقل صاحب الاستيعاب في ترجمة حذيفة بن اليمان : أنّه كان معروفاً في الصحابة بصاحب سرّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ؛ حيث عرّفه المنافقين ، وأنّ عمر كان ينظر إليه إذا مات أحد ، فمن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر (٤) ، وأمثال هذه الأشياء كثيرة ويأتي بعضها ، فتأمّل .
__________________
كان مبغضاً لعليّ عليهالسلام ، روى عن أنس بن سيرين ، والحسن البصري ، وغيرهما ، وعنه جماعة كثيرة . مات سنة ١٦٠هـ .
انظر : المجروحين ١ : ٣٧٥ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٢٥ / ٩٢٨ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣١٨ / ٣٩٠٦ ، تهذيب الكمال ١٣ : ٢٢١ / ٢٨٩٧ .
(١) هو عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج الاُموي ، يكنّى أبا خالد ، وأبا الوليد ، كان أحد العلماء المشهورين ، روى عن أبيه ، ومجاهد ، وعطاء ، وغيرهم ، وعنه ابناه عبد العزيز ، ومحمّد ، ويحيى الأنصاري ، وله تفسير القرآن.
ولد سنة ٨٠هـ ، واختلف في سنة وفاته على أقوال منها : أنّه مات سنة ١٥٠ هـ .
انظر : وفيات الأعيان ٣ : ١٦٣ / ٣٧٥ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٢٥ / ١٣٨ ، كتاب التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة ٢ : ١٠٦٨ / ٤٢٠٣ ، طبقات المفسّرين للداودي ١ : ٣٥٨ / ٣٠٦ .
(٢) تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٤٠١ ـ ٤٠٢ / ٤٥٧ .
(٣) صحيح البخاري ١ : ١٩ ، جامع الاُصول ١١ : ٥٧٥ / ٩١٩٦ ، وفيهما بتفاوت .
(٤) الاستيعاب ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / ٤٩٢ .
الفصل الثالث
في توضيح ما يدلّ على خصوص النهي عن تلك الحالات التي ذكرنا الامتحان بها في الباب ، والتشديد في تركها بناءً على كونها منبع الفتن والفساد ، لاسيّما في الدين ، حتّى أنّ منها كان سبب عداوة الشيطان لآدم ، وكذا هي سبب التعادي والتحاسد في كلّ زمان ، بل هي داء دفين في قلب كلّ شخص إلاّ من رحمهالله بالعصمة والتوفيق ، وأنّه لأجل هذا ورد النهي مع التهديد عنها كثيراً ، وألزم اللّه الناس بالجهد في إزالتها ، وتزكية النفس عنها جدّاً ، وقرّر لها تأديبات وتعزيرات ، وقراراً وحدّاً (١) ، حتّى أنّه لم يكتف بذلك بل جعل الأنبياء والاُمراء من جانبه مبشّرين ومنذرين ومؤدّبين لأجل رفع هذه الأشياء أيضاً .
وبالجملة : نذكر هاهنا ما يدلّ على أمثال هذه الأشياء ، ويشتمل على المواعظ الشافية :
قد تقدّم في ما مضى آنفاً من الفصلين وغيرهما ما لا حاجة معه إلى تطويل الكلام في هذا المقام ، وسيأتي أيضاً في الفصول الآتية ، لاسيّما في الباب الرابع كثيراً ، بل كفى هاهنا ما يجده الإنسان في نفسه من رغبته الجبلّيّة إلى المشتهيات الدنيويّة ، وابتلائه لأجلها بالمساوئ الدنيئة ، كالحسد
__________________
(١) في نسخة «ن» : وقراراً واحداً .
والحميّة وأشباههما من المنافسات ؛ بحيث إنّه وإن جاهد طول عمره في إزالتها لم يتيسّر له الاستخلاص منها بالكلّيّة إلاّ من أخلصه اللّه بالعصمة كالأنبياء والأوصياء ، بل لم يتيسّر التقليل أيضاً بدون عناية اللّه بالتوفيق .
ولا عبرة بما قد يتوهّمه بعض الجهّال ، أو يلقي الشيطان في البال من ظنّ الزوال أو الوصول إلى حدّ الكمال في الإقلال ، فإنّه محض الخيال بسبب عدم التفحّص عمّا هو المكنون في صميم البال ، بل هو من جملة خطوات الشيطان ، ليسلب التوجّه إلى السعي في الإزالة عن الإنسان ، بل في الحقيقة أنّه عين العجب المذموم وتزكية النفس الممنوعة في القرآن ، قال اللّه تعالى : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ) (١) .
ولهذا ورد في الحديث : «ما تمّ عقل امرئ حتّى يرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرّهم في نفسه» (٢) .
ألا ترى إلى الشيطان الذي عبد اللّه وجهد في طاعته بحيث فاق بذلك ، وترقّى حتّى أعجب الملائكة ، ثمّ لمّا كان الكبر في صميم قلبه ـ وإن لم نقل : إنّه أشعر به ـ قاس قياساً دعاه إلى مخالفة أمر اللّه جهاراً ؛ بحيث انجرّ إلى حسده لآدم عليهالسلام ، وعداوته له ولبنيه ، حتّى أشعل نار الفتنة ، وانتشر فساده في العالم ، كما أخبر اللّه عنه في كتابه (٣) .
وقد قال عليّ عليهالسلام : «إنّ إبليس لم يزل يعبد اللّه تعالى مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم عليهالسلام ، فامتنع من ذلك حسداً وشقاوةً غلبت عليه ،
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣٢ .
(٢) الكافي ١ : ١٤ ـ ١٥ / ١٢ (كتاب العقل والجهل) ضمن الحديث ، بحار الأنوار ١ : ١٤٠ / ٣٠ .
(٣) الآيات كثيرة بهذا المعنى ، انظر : سورة البقرة ٢ : ٢٦٨ ، وسورة المائدة ٥ : ٩١ ، وسورة الأعراف ٧ : ٢٠ .
فلعنه عند ذلك ، وأخرجه عن صفوف الملائكة ملعوناً مدحوراً ، فصار عدوّ آدم وولده بذلك السبب» (١) ، الخبر .
فهكذا حال عامة الناس ، وإن عدّ بعضهم من العلماء والأخيار) (٢) وأهل الإحساس ، لاسيّما ضميمة خطوات الشيطان ووسواس الخنّاس التي لا ينفكّ عنها أكثر الناس ، حتّى أنّه قد تبيّن ممّا مرّ آنفاً ويأتي في المقصد الثاني أيضاً : ابتلاء جماعة من الصحابة وعلماء الاُمّة وأشباههم بهذا الداء الدفين .
وكفى هاهنا ما فعل عقيل بن أبي طالب ، حيث رحل من أخيه عليّ عليهالسلام إلى معاوية طمعاً في أخذ المال منه كما صرّح هو به عند معاوية . على ما مرّ في المقام الثاني من المطلب السابق (٣) .
وعلى هذا ، فكيف يبقى الاعتقاد بحسن حال عامّة المتقدّمين ، لا سيّما من صدر منه القبائح باليقين؟
وكيف يجوز الاعتماد لاسيّما في اُمور الدين على الصادر ممّا سوى المعصوم من هذا الخطر المبين ما لم يتّضح أنّه من صريح كتاب اللّه أو صحيح سنّة رسول اللّه الأمين؟
وكيف يصحّ دعوى طلب الحقّ وقبوله ممّن لا يجد في نفسه الصبر على مفارقة محبوبه ومأموله؟ فتأمّل تفهم .
ولنذكر حينئذٍ نبذاً من الروايات والمواعظ وأمثالها المشتملة على ذمّ
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٢١٨ ، بحار الأنوار ١٠ : ١٦٧ / ٢ ، و١١ : ١٣٨ / ٢ ، وفيهما عن أبي عبداللّه عليهالسلام .
(٢) من صفحة ٢٩٢ إلى هنا سقط من نسخة «م» .
(٣) راجع ص ٢٧٨ .
تلك الحالات والنهي عنها ممّا يناسب المقام ، ولا يطول به الكلام .
وأمّا الآيات : فهي وإن كانت كثيرة أيضاً إلاّ أنّه قد ذكرنا فيما مضى ، لا سيّما في الفصلين الأخيرين ما يكفي هاهنا ، بل يزيد جدّاً ، ولقد كفى قوله عزوجل : ( أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ) (١) ، وقوله عزوجل : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (٢) .
ففي الحديث إنّ لُقمان قال لابنه : «يا بنيّ ، تواضع للحقّ تكن أعقل الناس ، فإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير ، وإنّ الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر» .
وفيه : «كفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه» .
وفيه : «إنّ العاقل رضي بالدُّون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدُّون من الحكمة مع الدنيا» .
وفيه : «إنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه لم يخف اللّه مَنْ لَمْ يعقل عن اللّه ، ومن لم يعقل عن اللّه لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلاّ مَنْ كان قوله لفعله مصدّقاً ، وسرّه لعلانيته موافقاً» (٣) .
وفيه : «من خاف العاقبة تثبّت عن التوغّل فيما لا يعلم ، ومن هجم
__________________
(١) سورة الأعلى ٨٧ : ١٤ ـ ١٩ .
(٢) سورة الشمس ٩١ : ٩ ـ ١٠ .
(٣) الكافي ١ : ١٣ ـ ١٤ / ١٢ (كتاب العقل والجهل) قطعة من الحديث .