الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١
بعرض ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدَّيْن فقال له : أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه ، فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال الباقر عليهالسلام : « يردّ عليه الرجل الذي عليه الدَّيْن ما له الذي اشتراه به [ من (١) ] الرجل الذي عليه (٢) الدَّيْن » (٣).
وهو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادّعاه الشيخ ؛ لجواز أن يكون المدفوع مساوياً.
وأيضاً يُحتمل أن يكون ربويّاً ، ويكون قد اشتراه بأقلّ ، فيبطل الشراء ، ويكون الدفع جائزاً بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.
إذا ثبت هذا ، فالواجب على المديون دفع جميع ما عليه إلى المشتري مع صحّة البيع.
مسألة ١٩ : أوّل ما يبدأ به من التركة بالكفن (٤) من صلب المال ، فإن فضل شيء ، صُرف في الدَّيْن من الأصل أيضاً ، فإن فضل شيء أو لم يكن دَيْنٌ ، صُرف في الوصيّة من الثلث إن لم يجز الورثة ، فإن أجازت ، نفذت من الأصل. ثمّ من بعد الوصيّة الميراث ؛ لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٥) جعل الميراث مترتّباً عليهما.
وروى السكوني عن الصادق عن الباقر عليهماالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أوّل ما يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدَّيْن ثمّ الوصيّة ثم
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) في التهذيب : « الذي له عليه ». وفي الكافي : « الذي له الدين ».
(٣) التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠١ ، الكافي ٥ : ١٠٠ ( باب بيع الدين بالدين ) الحديث ٢ ، وفيه السائل هو أبو حمزة.
(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « بالكفن ». والصحيح ما أثبتناه ، وفي « ث » : « ما يبدأ من التركة بالكفن ».
(٥) النساء : ١١.
الميراث » (١).
إذا ثبت هذا ، فإن تبرّع إنسان بكفنه ، كان ما تركه في الدَّيْن مع قصور التركة ؛ لما رواه زرارة في الصحيح قال : سألتُ الصادق عليهالسلام : عن رجل مات وعليه دَيْنٌ بقدر كفنه ، قال : « يكفّن بما ترك إلاّ أن يتّجر عليه إنسان فيكفّنه ، ويقضى بما ترك دَيْنه » (٢).
مسألة ٢٠ : يجوز اقتضاء الدَّيْن والجزية من الذميّ إذا باع خمراً أو خنزيراً على مثله من ذلك الثمن ؛ لأنّه مباح عندهم وقد أُمرنا أن نُقرّهم على أحكامهم.
ولما رواه داود بن سرحان في الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع بها (٣) خنازير أو خمراً وهو ينظر ، فقضاه ، قال : « لا بأس ، أمّا للمقضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام » (٤).
إذا قبت هذا ، فلو كان البائع مسلماً ، لم يحلّ أخذ الثمن ، لبطلان البيع حينئذٍ ، سواء كان المشتري مسلماً أو كافراً ، وسواء وكّل المسلم الكافرَ في مباشرة البيع أو الشراء وعلى كلّ حال.
مسألة ٢١ : لا تصحّ قمسة الدَّيْن ؛ لعدم تعيّنه ، فلو اقتسم الشريكان ما في الذمم ، لم تصحّ القسمة ، وكان الحاصل لهما ، والتالف منهما ؛ لما رواه الباقر عن عليّ عليهماالسلام في رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ، ومنه غائب عنهما اقتسما الذي في أيديهما ، واحتال كل منهما بنصيبه ، فاقتضى
__________________
(١) التهذيب ٦ : ١٨٨ ١٨٩ / ٣٩٨.
(٢) التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩١.
(٣) كلمة « بها » لم ترد في المصدر.
(٤) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٩.
أحدهما ولم يقتض الآخر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بينهما (١) » (٢).
إذا ثبت هذا ، فإن احتال كلٌّ منهما بحصّته على مديون من المديونين بإذن شريكه وفعَلَ الآخر مع المديون الآخرَ ذلك ، صحّ ، ولم يكن ذلك قسمةً ، على أنّ في ذلك عندي إشكالاً أيضاً ؛ لأنّ الحوالة ها ليست بمال مسستحقٍّ على المحيل.
مسألة ٢٢ : أرزاق السلطان لا يصحّ بيعها إلاّ بعد قبضها ، وكذا السهم من الزكاة والخمس ؛ لعدم تعيّنها.
وهل يجوز بيع الدَّيْن قبل حلوله؟ الوجه عندي : الجواز ، ولا يجب على المديون دفعه إلاّ في الأجل.
ويجوز بيعه بعد حلوله على منْ هو عليه وعلى غيره بحاضر أو مضمون حالٍّ ، لا بمؤجّل.
ولو قيل بجوازه كالمضمون ، أو بمنعه بالمضمون ، كان وجهاً.
ولو سقط المديون أجل الدَّيْن عليه ، لم يسقط ، وليس لصاحبه المطالبة في الحال. ويجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه ؛ لأنّه يكون إبراءً ، وبغير إسقاط إن رضي صاحبه ، ولا يجوز تأخيره بزيادة فيه ؛ لأنّه يكن رباً.
مسألة ٢٣ : لا يجب دفع المؤجَّل قبل أجله ، سواء كان دَيْناً أو ثمناً أو قرضاً أو غيرهما ، فإن تبرّع مَنْ عليه ، لم يجب على منْ له الأخذ ، سواء
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بماله » بدل « بينهما ». وما أثبتناه من المصدر.
(٢) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٣٠.
كان على مَنْ عليه ضرر في التأخير أو لا ، وسواء كان على مَنْ له ضرر بالتأخير أو لا ، فإذا حلّ ، وجب على صاحبه قبضه إذا دفعه مَنْ عليه ، فإن امتنع ، دفعه إلى الحاكم ، ويكون (١) من ضمان صاحبه ، وللحاكم إلزامه بالقبض أو الإبراء.
وكذا البائع سلَماً يدفع إلى الحاكم مع الحلول ، وهو من ضمان المشتري.
وكذا كلّ مَنْ عليه حقٌّ حالّ أو مؤجَّل فامتنع صاحبه من أخذه.
ولو تعذّر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه ، فالأقرب : أنّ هلاكه من صاحب الدَّيْن لا من المديون ؛ لأنّه حقّ تعيّن للمالك بتعيين المديون وامتنع من أخذه ، فكان التفريط منه.
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « فيكون ».
الفصل الثالث : في القرض
وفيه مباحث :
الأوّل : القرض مستحبّ مندوب إليه مرغّب فيه إجماعاً ؛ لما فيه من الإعانة على البرّ ، وكشف كربة المسلم.
روى العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « مَنْ كشف عن مسلم كربةً من كرب الدنيا كشف الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه » (١).
ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه قال : قال الصادق عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) (٢) قال : « يعني بالمعروف القرض » (٣).
وقال الباقر عليهالسلام : « من أقرض قرضاً إلى ميسرة كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه » (٤).
وقال الشيخ رحمهالله : روي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب (٥).
وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام قال : « قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألف
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، المغني ٤ : ٣٨٣ ، وفيهما : « .. ما دام العبد في عون أخيه ».
(٢) النساء : ١١٤.
(٣) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٢.
(٤) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٤.
(٥) النهاية : ٣١١ ٣١٢.
درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بها مرّة ، وكما لا يحلّ لغريمك أن يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحلّ لك أن تستعسره (١) إذا علمت أنّه معسر » (٢).
مسألة ٢٤ : أداء القرض في الصفة كالقرض ، فإن دفع من غير جنسه ، لم يلزم القبول ؛ لأنّه اعتياض ، وذلك غير واجب.
فإن اتّفقا عليه ، جاز ؛ للأصل.
ولما رواه علي بن محمّد قال : كتبت إليه : رجل له رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه قال : خُذْ بقيمة ما لَك عندي دراهم ، أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب : « يجوز ذلك عن تراضٍ منهما إن شاء الله » (٣).
إذا ثبت هذا ، فإذا دفع إليه على سبيل القضاء ، حسب بسعر يوم الدفع ، لا يوم المحاسبة ؛ لأنّ محمّد بن الحسن الصفّار كتب إليه في رجل كان له على رجل مال فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً ولم يقطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدَّيْن ، بسعر يومه الذي أعطاه وحلّ ماله عليه ، أو السعر الثاني بعد شهرين ، أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقّع « ليس له إلاّ على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله » (٤).
__________________
(١) في المصدر : « تعسره ».
(٢) التهذيب ٦ : ١٩٢ ١٩٣ / ٤١٨.
(٣) التهذيب ٦ : ٢٠٥ / ٤٦٩.
(٤) التهذيب ٦ : ١٩٦ / ٤٣٢.
إذا عرفت هذا ، فإن دفع لا على وجه القضاء ، فإن كان المدفوع مثليّا ، كان له المطالبة به فإن تعذّر فبالقيمة يوم المطالبة. وإن لم يكن مثليّا ، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع ؛ لأنّه يكون قد دفعه على وجه الإقراض.
مسألة ٢٥ : ولو دفع أجود من غير شرط ، وجب قبوله ؛ لأنّه زاده خيراً ، ولم يكن به بأس.
روى أبو الربيع قال : سُئل الصادق عليهالسلام : عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه وقد علم المستقرض إأنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها ، قال : « لا بأس إذا طابت نفس المستقرض » (١).
وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال : « إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط » (٢).
وكذا إذا أخذ الدراهم المكسّرة فدفع إليه دراهم طازجيّة بالطاء غير المعجمة والزاي المعجمة والجيم ، وهي الدراهم الجيّدة من غير شرط ، كان جائزاً ؛ لما تقدّم.
ولما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح قال : سألت الصادق عليهالسلام : عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة (٣) فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه ، قال : « لا بأس » وذكر ذلك عن علي عليهالسلام (٤).
مسألة ٢٦ : ولو دفع إليه أزيد ، فإن شرط ذلك ، كان حراماً إجماعاً ؛
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٥٣ ( باب الرجل يقرض الدراهم .. ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٧.
(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٤٩.
(٣) الدرهم الغلّة : المغشوش. مجمع البحرين ٥ : ٤٣٦ « علل ».
(٤) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥٠.
لما روى (١) الجمهور عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام » (٢).
وإن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرّع ، كان حلالاً إجماعاً ، ولم يكره ، بل كان أفضل للمقرض.
والأصل فيه ما روى العامّة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اقترض من رجل بَكْراً (٣) ، فقدمت عليه إبلُ الصدقة ، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بَكْره ، فرجع أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلاّ جملاً خياراً (٤) رباعيا (٥) ، فقال : « أعطه إيّاه ، إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً » (٦).
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق عليهالسلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ، فقال : « لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها كلّها له صلح » (٧).
وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : سألتُ الصادق عليهالسلام : عن الرجل يكون عليه جُلّة (٨) من بُسْر فيأخذ جُلّةً من رطب وهو أقلّ منها ،
__________________
(١) في « ي » : « رواه ».
(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ نحوه.
(٣) البكر : الفتيّ من الإبل. النهاية لابن الأثير ١ : ١٤٩ « بكر ».
(٤) يقال : جمل خيار. أي : مختار. النهاية لابن الأثير ٢ : ٩١ « خير ».
(٥) يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رَباعيته : رَباع. وذلك إذا دخل في السنة السابعة. النهاية لابن الأثير ٢ : ١٨٨ « ربع ».
(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.
(٧) الكافي ٥ : ٢٥٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٨٠ / ٨١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ ٢٠١ / ٤٤٨ ، بتفاوت يسير.
(٨) الجُلّة : وعاء التمر. الصحاح ٤ : ١٦٥٨ « جلل ».
قال : « لا بأس » قلت : فيكون (١) عليه جُلّة من بُسْر فيأخذ جُلّة من تمر وهي أكثر منها ، قال : « لا بأس إذا كان معروفاً بينكما » (٢).
مسألة ٢٧ : ولا فرق في تسويغ أخذ الأكثر والأجود والأدون والأردأ مع عدم الشرط بين أن يكون ذلك عادةً بينهما أو لا يكون وهو قول أكثر الشافعيّة ـ (٣) لما تقدّم.
وقال بعضهم : إذا كان ذلك على عادة بينهما ، كان حراماً ، وتجري العادة بينهما كالشرط (٤).
وهو غلط ، وإذا كان القضاء أكثر مندوباً إليه ، فلا يكون ذلك مانعاً من القرض ، ولا تقوم العادة مقام الشرط.
مسألة ٢٨ : وكذا لو اقترض منه شيئاً ورهن عليه رهناً وأباحه في الانتفاع بذلك لا رهن ، كان جائزاً إذا لم يكن عن شرط ؛ لما رواه محمّد بن مسلم في الحسن قال : سألت الصادق عليهالسلام : عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إمّا خادماً وإمّا آنيةً وإمّا ثياباً ، فيحتاج إلى شيء من منفعته فيستأذنه فيأذن له ، قال : « إذا طابت نفسه فلا باس » قلت : إنّ مَنْ عندنا يروون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد ، قال : « أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة » (٥).
وعن محمّد بن عبدة قال : سألت الصادق عليهالسلام : عن القرض يجرّ
__________________
(١) في « س ، ي » بدل « فيكون » : « فكيف ». وفي الطبعة الحجريّة : « كيف ». وما أثبتناه من المصدر.
(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥١.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٩ ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.
(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٩ ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.
(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ ( باب القرض يجرّ المنفعة ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٨١ / ٨١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ ٢٠٢ / ٤٥٢.
المنفعة ، قال : « خير القرض الذي يجرّ المنفعة » (١).
إذا عرفت هذا ، فلا تنافي بين هذه الأخبار ؛ لأنّا نحمل ما يقتضي التحريم على ما إذا كان عن شرط ، والإباحةَ على ما إذا لم يكن عنه ؛ جمعاً بين الأدلة ، ولما تقدّم.
ولقول الباقر عليهالسلام : « مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلا مثلها ، وإن جُوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه » (٢).
مسألة ٢٩ : ولا فرق بين أن يكون مال القرض ربويّاً أو غير ربويّ في تحريم الزيادة مع الشرط ، وعدمه مع غيره ؛ لما تقدّم من أنّه قرض جرّ منفعةً بشرط ، فكان حراماً ، وهو قول جماعة من الشافعية (٣).
وقال بعضهم : إنّ ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة ، كما يجوز أن يبيع حيواناً بحيوانين (٤).
والفرق : أنّ ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض وإن كان أحدهما أكثر صفةً ، كبيع جيّد الجوهر برديئه ، والصحيح بالمكسَّر وإن كان ذلك لا يجوز في القرض.
مسألة ٣٠ : مال القرض إن كان مثليّا ، وجب رد مثله إجماعاً. فإن تعذّر المثل ، وجب ردّ قيمته عند المطالبة. وإن لم يكن مثليّا ، فإن كان ممّا
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٥٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٢ / ٤٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٩ / ٢٢.
(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٧.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
ينضبط (١) بالوصف وهو ما يصحّ السلف فيه ، كالحيوان والثياب فالأقرب : أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استقرض « بَكْراً » وردّ « بازلاً » (٢). والبكْر : الفتي من الإبل. والبازل : الذي تمّ له ثمان سنين. وروى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم استقرض « بَكْراً » فأمر بردّ مثله (٣). وهو قول أكثر الشافعية (٤).
وقال بعضهم : إنّه يُعتبر في القرض بقيمته ؛ لأنّه لا مثل له ، فإذا ضمنه ضمنه بقيمته ، كالإتلاف (٥).
والفرق : أنّ القيمة أحضر فأمر به ، وليس كذلك القرض ، فإنّ طريقه الرفق ، فسُومح فيه ، ولهذا يجوز فيه النسيئة وإن كان ربويّاً ، ولا يجوز ذلك في البيع ولا في إيجاب القيمة في الإتلاف.
وأمّا ما لا يُضبط بالوصف كالجواهر والقسيّ وما لا يجوز السلف فيه تثبت فيه قيمته ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يجوز قرض مثل هذا ؛ لأنّه لا مثل له (٦).
فإن قلنا : إنّ ما لا مثل له يُضمن بالقيمة ، وكذا ما لا يُضبط بالوصف ، فالاعتبار بالقيمة يوم القبض ؛ لأنّه وقت تملّك المقترض ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، وفي الآخَر : أنّه يملك بالتصرّف ، فيعتبر قمية (٧) يوم القبض أيضاً على أحد الوجهين ، وعلى الثاني : بالأكثر من يوم
__________________
(١) في « س ، ي » : « يضبط ».
(٢) نقله الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٧ ، والوجيز ١ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩.
(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.
(٧) في الطبعة الحجريّة : « قيمته ».
القبض إلى يوم التصرّف (١).
وقال بعض الشافعيّة : بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف (٢).
فإن اختلفا في القيمة ، قدّم قول المستقرض مع يمينه ؛ لأنّه غارم.
البحث الثاني : في أركان القرض
أركان القرض ثلاثة :
الأوّل : الصيغة الصادرة من جائز التصرّف.
ويعتبر فيه أهليّة التبرع لأنّ القرض تبرّع ، ولهذا لا يُقرض الوليّ مالَ الطفل ، إلاّ لضرورة.
وكذلك لا يجوز شرط الأجل ، لأنّ المتبرّع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرّعه ، وإنّما يلزم الأجل في المعاوضات.
والإيجاب لا بدّ منه ، وهو أن يقول : أقرضتك ، أو أسلفتك ، أو خُذْ هذا بمثله ، أو خُذْه واصرفه فيما شئت وردَّ مثله ، أو ملّكتك على أن تردّ بدله.
ولو اقتصر على قوله : ملّكتك ، ولم يسبق وعد القرض ، كان هبةً.
فإن اختلفا في ذكر البدل ، قدّم قول المقترض ؛ لأصالة عدم الذكر.
أمّا لو اتّفقا على عدم الذكر واختلفا في القصد ، قُدّم قول صاحب المال ؛ لأنّه أعرف بلفظه ، والأصل عصمة ماله ، وعدم التبرّع ، ووجوب الردّ على الآخذ بقوله عليهالسلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٣).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨ ٣٧٩.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي
ويُحتمل تقديم دعوى الهبة ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوض هبة.
وأمّا القبول فالأقرب أنّه شرط أيضاً ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، وافتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلى القبول ، كالبيع والهبة وسائر التمليكات (١) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يشترط ؛ لأنّ القرض إباحة إتلاف على سبيل الضمان ، فلا يستدعي القبول (٢).
ولا بدّ من صدوره من أهله كالإيجاب ، إلاّ أنّ القبول قد يكون قولاً ، وقد يكون فعلاً.
مسألة ٣١ : لا يلزم اشتراط الأجل في الدَّيْن الحال ، فلو أجلّ الحالّ لم يتأجّل ، وكان له المطالبة في الحال ، سواء كان الدَّيْن ثمناً أو قرضاً أو إجارةً أو غير ذلك وبه قال الشافعي ـ (٣) لأنّ التأجيل زيادة بعد العقد ، فلا يلحق به ، كما لا يلحق به في حقّ الشفيع. ولأنّه حطّ بعد استقرار العقد ، فلا يلحق به ، كحطّ الكلّ. ولأنّ الأصل عدم اللزوم ؛ إذ قوله : قد أجّلت ، ليس بعقدٍ ناقل ، فيبقى على حكم الأصل.
وقال أبو حنيفة : إن كان ثمناً ، يثبت (٤) فيه التأجيل والزيادة والنقصان ، ويلحق بالعقد ، إلاّ أن يحط الكلّ ، فلا يلحق بالعقد ، ويكون
__________________
٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، سن البيهقي ٦ : ٩٥ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٦٤١٠ / ١٩٦٤٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ١٤٦ / ٦٠٤.
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التملكات ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٣.
(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧.
(٤) في « ي » : « ثبت ».
إبراءً. وكذا في الأُجرة والصداق وعوض الخلع ، فأمّا القرض وبدل المتلف فلا يثبت فيه (١).
وقال مالك : يثبت الأجل في الجميع ؛ لقوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).
ولأنّ المتعاقدين يملكان التصرّف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء ، فملكا فيه الزيادة والنقصان ، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس (٣).
ولا دلالة في الخبر ؛ إذ لا يدلّ على الوجوب ، فيُحمل على الاستحباب بالأصل.
ولا يشبه هذا الإقالةَ ؛ لأنّ هذا لا يجوز أن يكون فسخاً للأوّل وابتداء عقد ؛ لأنّه لم يوجد منه لفظ الفسخ ولا التمليك.
وأمّا زمان الخيار فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الملك قد انتقل إلى المشتري عندنا ، فلا تثبت الزيادة.
وعند الشيخ أنّ العقد لم يستقرّ ، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره ، كما يجوز فيه قبض رأس مال السَّلم وعوض الصرف.
وعلى مذهب مالك أنّ هذا الحقّ يثبت حالاّ ، والتأجيل تطوّع من جهته ووَعْدٌ ، فلا يلزم الوفاء به ، كما لو أعاره داره سنةً ، كان له الرجوع.
قال مالك : يثبت الأجل في القرض ابتداءً وانتهاءً ، أمّا ابتداءً فبأن يُقرضه مؤجّلاً ، وأمّا انتهاءً فبأن يُقرضه حالاّ ثمّ يؤجّله (٤).
__________________
(١) المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.
(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١/١٥٠٣ ، الاستبصار ٣: ٢٣٢/٨٣٥ ، الجامع لاحكام القران ٦ : ٣٣.
(٣) الذخيرة ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٣ : ٤٥١ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١.
الركن الثاني : المال.
مسألة ٣٢ : الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم.
والأوّل (١) يجوز إقراضه إجماعاً.
وأمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السَّلَم فيه ، جاز إقراضه أيضاً. وإن لم يكن ممّا يجوز السَّلَم فيه ، فقولان تقدّما (٢).
وهل يجوز إقراض الجواري؟
أمّا عندنا فنعم وهو أحد قولي الشافعي ـ (٣) للأصل. ولأنّه يجوز إقراض العبيد فكذا الجواري. ولأنّه يجوز السلف فيها فجاز قرضها ، كالعبيد ، وبه قال المزني وداوُد (٤).
وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. ولأنّه لا يستبيح الوطؤ بالقرض ؛ لأنّه ملك ضعيف لا يمنعه من ردّها على المقرض ، ولا يمنع المقرض من أداها منه ، ومثل ذلك لا يستباح به الوطؤ ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدّة خيار البائع. ولأنّه يمكنه (٥) ردّها بعد الوطي ، فيكون في معنى الإعارة للوطي ، وذلك غير جائز ، وإذا
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « فالأوّل ».
(٢) في ص ٣١ ، المسألة ٣٠.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.
(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، المحلى ٨ : ٨٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.
(٥) في الطبعة الحجرية : « لا يمكنه » بزيادة « لا ». وهو غلط.
ثبت أنّه لا يحلّ وطؤها ، لم يصحّ القرض ؛ لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما. ولأنّ الملك إذا لم يستبح[به] (١) الوطؤ لم يصح ؛ لانّه من المنافع المقصودة به ، بخلاف ما إذا كانت محرّمةً عليه فاشتراها ؛ لأنّ الوطء محرّم من جهة الشرع ، وهنا التمليك لا يستباح به ، فهو بمنزلة العقد الفاسد ، وفي هذا انفصال عن السَّلم والعبد ، ولا يلزم المكاتب إذا اشترى أمةً (٢).
ونهي السلف ليس حجّةً. ونمنع عدم استباحة الوطي ، والردّ من المقترض لا يوجب ضعف ملكه. ونمنع عدم منع المقرض من استراد العين ؛ لأنّ القرض عندنا يُملك بالقبض. وإمكان الإعادة بعد الوطي لا يوجب مماثلتها للإعارة.
قال بعض الشافعيّة : القولان مبنيّان على الخلاف في أنّ القرض بمَ يُملك؟ وفي كيفيّة البناء طريقان :
قال قائلون : إن قلنا : يُملك بالقبض ، جاز إقراضها ، وإلاّ فلا ؛ لما في إثبات اليد من غير مالكٍ من خوف الوقوع في الوطي.
وقال بعضهم : إنّا إن قلنا : يُملك بالقبض ، لم يجز إقراضها أيضاً ؛ لأنّه إذا ملكها فربّما يطؤها ثمّ يستردّها المقرض ، فيكون ذلك في صورة إعارة الجواري للوطي. وإن قلنا : لا يُملك بالقبض فيجوز ؛ لأنّه إذا لم يملكها لم يطأها (٣).
تذنيب : الخلاف المذكور إنّما هو في الجارية التي يحلّ للمستقرض وطؤها ، أمّا المحرّمة بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة فلا خلاف في جواز
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : « منه». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني ٤ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٥ ٣٨٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤: ٤٣١.
إقراضها منه.
إذا ثبت هذا ، فإذا اقترض مَنْ ينعتق عليه ، انعتق بالقبض ، لأنّه حالة الملك.
مسألة ٣٣ : يجوز قرض الحيوان ، عند علمائنا وبه قال الشافعي (١) للأصل. ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اقترض « بَكْراً » وردّ « بازلاً » (٢). ولأنّه يثبت في الذمّة بعقد السَّلَم ، فجاز أن يثبت في الذمّة بعقد القرض ، كالمكيل والموزون.
وقال أبو حنيفة : لا يجوز القرض إلاّ فيما له مثل من الأموال ، كالمكيل والموزون ؛ لأنّ ما لا مثل له لا يجوز قرضه ، كالجواهر والإماء (٣).
ويُمنع حكم الأصل على ما تقدّم.
ولأنّ عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً ، ثبت في ذمّة المُتْلِف مثله ولهذا جوّز الصلح عنه على أكثر من قيمة المُتْلَف (٤).
ولو سلّمنا الحكم في الجواهر ، فلأنّه لا يثبت في الذمّة سَلَماً ، بخلاف المتنازع.
ولو سلّمنا المنع في الأمة ، فلاحن القرض ملكٌ ضعيف ، فلا يباح به الوطؤ ، فلا يصحّ الملك. على أنّ الحقّ عندنا منع الحكم في الأصل.
مسألة ٣٤ : يجوز إقراض الخبز ، عند علمائنا وهو أحد قولي
__________________
(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٤ / ١٠٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.
(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦ ، الهامش (٣).
(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.
(٤) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.
الشافعي ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل (١) للحاجة العامّة إليه ، وإطباق الناس عليه.
ولأنّ الصباح بن سيابة سأله الصادقَ عليهالسلام : إنّا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر أو أكبر ، فقال عليهالسلام : « نحن نستقرض الستّين والسبعين عدداً فتكون فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس » (٢).
وقال أبو حنيفة : لا يجوز وهو القول الآخَر للشافعي لأنّه ليس من ذوات الأمثال (٣).
ونمنع حصر القرض في المثلي على ما تقدّم.
تذنيب : يجوز ردّ مثله عدداً أو وزنا وبه قال محمد بن الحسن (٤) للحديث السابق. ولقضاء العادة به.
وقال أبو يوسف : يردّ وزناً (٥). وهو أحد قولي الشافعي (٦). ولا بأس به.
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١٤ : ٣١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.
(٢) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٣.
(٣) المبسوط للسرخسي ١٤ : ٤٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.
(٤) المبسوط للسرخسي ١٤ : ٣١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦.
(٥) المبسوط للسرخسي ١٤ : ٣١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.
(٦) راجع الهامش (٢ و ٣ ) من ص ٣٩.
وللشافعي قولٌ آخر : إنّه يجب ردّ القيمة (١).
والأصل في الخلاف أنّهم إن قالوا : يجب في المتقوّمات المثلُ من حيث الصورة ، وجب الردّ وزناً. وإن قالوا : تجب القيمة ، وجب هنا القيمة (٢).
فإن شرط ردّ المثل ، فللشافعّية على تقدير وجوب القيمة وجها في جواز الشرط وعدمه (٣).
مسألة ٣٥ : يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.
ويجوز إقراض المكيل وزناً والموزون كيلاً كما في السلف ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٤).
وقال القفّال : لا يجوز إقراض المكيل بالوزن ، بخلاف السَّلَم ، فإنّه لا يسوّى بين رأس المال والمُسْلَم فيه. وزاد فقال : لو أتلف مائة منٍّ من الحنطة ، ضمنها بالكيل. ولو باع شقصاً. مشفوعاً بمائة منٍّ من الحنطة ، يُنظر كم هي بالكيل ، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلاً (٥).
والأصحّ في الكلّ الجواز.
الركن الثالث : الشرط.
يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، وانظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
عنه (١) ، فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يردّ الصحيح عن المكسّر ، ولا الجيّد عن الردئ ، ولا زيادة في الربوي ، وكذا في غيره عندنا.
وللشافعي وجهان ، أحدهما : الجواز ؛ لأنّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أجهّز جيشاً فنفدت الإبل ، فأمرني أن آخذ بعيراً ببعيرين إلى أجل (٢) (٣).
وهو محمول على السَّلَم ، ولهذا قال : « إلى أجل » والقرض لا يتأجّل.
ولو قيل بالجواز ، كان وجهاً ، ويُحمل النهي على الربوي ، فإن شرط ذلك في القرض ، فسد ، ولم يفد جواز التصرف للمقترض.
مسألة ٣٦ : يجوز أن يقرضه شيئاً بشرط أن يقضيه في بلدٍ آخَر ، عند علمائنا ـ
وهو وجهٌ عند بعض الشافعية (٤) لعدم الزيادة ، وجرّه النفعَ ، لأنّه قد يكون أضرّ.
ولما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح عن الصادق عليهالسلام في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرضٍ أُخرى ويشترط ، قال : « لا بأس » (٥).
وفي الصحيح عن أبي الصباح عن الصادق عليهالسلام في الرجل (٦) يبعث بماله إلى أرض ، فقال الذي يريد أن يبعث به معه : أقرضنيه وأنا أُفيك إذا
__________________
(١) الوسيط ٣ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣.
(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥ ٢٧٦.
(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ ( باب الرجل يعطي الدراهم .. ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٩.
(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة : « يسلف الرجل الورق على أن ينقدها ». والظاهر أنّها من زيادة النسّاخ علماً بأنّها لم ترد في المصدر.