الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢
الشافعي (١) ، المشهور. ويجيء فيه الخلاف فيما إذا باعه. ولو ردّ عليه الشفيع بالعيب ، ردّه حينئذ على البائع.
ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم ، حطّ ذلك عن الشفيع.
وإن قدر على الردّ لكن توافقا على الأرش ، صحّ عندنا ، لأنّ الأرش أحد الحقّين.
وللشافعيّة وجهان إن صحّحناها (٢) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم : الحطّ. والثاني : لا ، لأنّه تبرّع من البائع (٣) ، وهو الذي اخترناه نحن.
مسالة ٧٥٥ : تثبت الشفعة للمفلّس ، فإذا بيع شقص في شركته ، كان له الأخذ والعفو ، ولم يكن للغرماء الاعتراض عليه ، لأنّه إذا أراد الترك ، لم نجبره على الأخذ ، لأنّه تملّك ، وإن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته ، وليس بمحجور عليه في ذمّته.
ولو مات مفلّس وله شقص فباع شريكه ، كان لوارثه الشفعة ، خلافا لأبي حنيفة (٤).
وللمكاتب أيضا الأخذ بالشفعة والترك لها ، وليس للسيّد الاعتراض عليه ، لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد ، بل وله الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري ، وبالعكس.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٢) أي الموافقة التي دلّ عليها قوله : « توافقا ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤ ـ ١٧٥.
(٤) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.
والمأذون له في التجارة ، فإن أخذ بالشفعة ، جاز ، لأنّه مأذون له في الشراء ، وإن عفا ، كان للسيّد إبطال عفوه ، لأنّ الملك للسيّد ، فإن أسقطها السيّد ، سقطت ، ولم يكن للعبد أن يأخذ ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.
وللوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. ولو عفا معها ، صحّ عفوه ، ولم يكن للموكّل المطالبة بها.
وللسفيه أن يأخذ بالشفعة ، ويأذن الوليّ أو يتولاّه.
إذا عرفت هذا ، فلو أراد المفلّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن ، منع من ذلك ، لأنّ الحجر يقتضيه.
مسالة ٧٥٦ : للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في شركة المضاربة ، فإذا أخذ فإن كان هناك ربح ، فلا حصّة له في ذلك ، بل الجميع للمالك ، لأنّ العامل لا يملكه بالبيع ، فالجميع لصاحب المال ، وكذا إن لم يكن ربح ، وللعامل الأجرة. ولو ترك ، كان لربّ المال الأخذ ، لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.
هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربح ، ولو كان قد ظهر فيه ربح ، لم يكن هناك شفعة لا للعامل ولا لربّ المال ، لزيادة الشركة على اثنين.
ولو اشترى العامل بمال المضاربة شقصا لربّ المال فيه شركة ، فهل تثبت له الشفعة؟ للشافعيّة وجهان :
أحدهما : تثبت له ، لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه ، لتعلّق حقّ الغير به وهو العامل ، ويجوز أن يثبت له على ملكه حقّ لأجل الغير ، كما يثبت له على عبده المرهون حقّ الجناية.
والثاني : لا تثبت ، لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه ، ويخالف
الجناية ، لأنّها ليست بملك (١).
وقال ابن سريج وجها ثالثا : أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة ، وهذا ليس من الشفعة (٢).
فأمّا إن كان العامل شفيعه ، فإن لم يكن له (٣) ربح ، فله الشفعة ، وإن كان وقلنا : لا يملك بالظهور ، فكذلك. وإن قلنا : يملك بالظهور ، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان (٤) ، كما قلنا في ربّ المال.
مسالة ٧٥٧ : الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر ، عند علمائنا كافّة ، وهو قول جميع العامّة ، إلاّ النخعي ، فإنّه قال : الشفعة تسقط بالغيبة (٥).
وهو غلط ، لأنّ العمومات دالّة على المتنازع.
وما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قال (٦) : « للغائب شفعة » (٧).
إذا ثبت هذا ، فإذا بلغه الخبر ، طالب حينئذ ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة ، بطلت شفعته.
مسالة ٧٥٨ : اختلفت علماؤنا ٤ في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟
فقال السيّد المرتضى (٨) ومن (٩) تبعه : إنّها تورث ، ولا تسقط بموت
__________________
(١) حلية العلماء ٥ : ٢٧٤.
(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧٥.
(٣) كلمة « له » لم ترد في « س » وفي « ي » سقطت جملة « فإن لم يكن .. فله الشفعة ».
(٤) المغني ٥ : ٤٩٩.
(٥) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ ، ١٩٧١ ، المغني ٥ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٧.
(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن » بدل « قال ». وذلك تصحيف.
(٧) الفقيه ٣ : ٤٦ ، ١٦٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٧.
(٨) الانتصار : ٢١٧.
(٩) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٧ ، المسألة ٣٦.
مستحقّها ولا بترك مطالبته إن قلنا : إنّها على التراخي أو كان بعدها (١) إن قلنا : على الفور ـ وبه قال الشافعي ومالك وعبيد الله بن الحسن العنبري (٢) ـ لأنّه حقّ يتعلّق بالمال ، فكان موروثا كغيره من الحقوق الماليّة. ولأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال ، فكان موروثا ، كخيار الردّ بالعيب.
وقال الشيخ (٣) وجماعة من علمائنا (٤) : إنّها غير موروثة ، وإذا مات المستحقّ ، بطلت ـ وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل (٥) ـ لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّ عليهمالسلام ، قال : « لا شفعة إلاّ لشريك [ غير ] (٦) مقاسم » وقال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا يشفع في المحدود ، وقال : لا تورث الشفعة » (٧).
ولأنّه خيار لاستخلاف مال ، فيبطل (٨) بالموت ، كخيار القبول.
وفي طريق الرواية قول ، لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.
والفرق أنّ خيار القبول غير ثابت ، فإنّ للموجب أن يبطله قبل قبول القابل.
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والظاهر ما أثبتناه. أي : كان الموت بعد المطالبة.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ ـ ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.
(٣) الخلاف ٣ : ٤٣٦ ، المسألة ١٢ ، النهاية : ٤٢٥ ـ ٤٢٦.
(٤) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٩.
(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ و ٢٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.
(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٧) التهذيب ٧ : ١٦٧ ، ٧٤١.
(٨) في « س ، ي » : « فبطل ».
إذا ثبت هذا ، فإنّ الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء ، فللزوجة الثّمن ، وللأبوين السدسان ، وللذكر الباقي لو اجتمعوا. وبالجملة ، على قدر الميراث.
واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ الشافعي قال : إنّها على عدد الرءوس ، ونقله المزني عنه. وقال بعضهم : هذا لا يحفظ عن الشافعي ، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا ، لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت ، لا أنّهم يأخذونها بالملك. وقال جماعة من الشافعيّة : إنّها على قولين (١).
إذا عرفت هذا ، فإذا كان الوارث اثنين (٢) فعفا أحدهما ، صحّ عفوه في حقّ نفسه ، وسقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنّه ليس له المطالبة بها ، وللآخر جميع الشقص ، لأنّها شفعة وضعت لإزالة الضرر ، فلا يثبت بها الضرر. ولأنّها شفعة تثبت لاثنين ، فإذا عفا أحدهما توفّر على الآخر ، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣) ـ وكما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.
والثاني لهم : أنّ حقّ الآخر يسقط أيضا ، لأنّهما ينوبان مناب الموروث ، ولو عفا الموروث عن بعضها ، سقط جميعها (٤).
والفرق : أنّ الشفعة تثبت لواحد هو الموروث. ولأنّه يؤدّي إلى تبعيض الشقص ، بخلاف مسألتنا.
والوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري ، لأنّهما لو عفوا معا ، لكان
__________________
(١) انظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، والتهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٨٢.
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اثنان ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩.
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩.
الشقص له ، فكذا إذا عفا أحدهما ، يكون نصيبه له ، بخلاف حدّ القذف ، فإنّه وضع للزجر ، فلله تعالى فيه حقّ.
مسالة ٧٥٩ : إذا خرج الشقص مستحقّا ، كانت عهدة المشتري فيه على البائع ، وعهدة الشفيع على المشتري ، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري ، لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع ويسلّمه إلى الشفيع ، فإن غاب أو امتنع ، أقام الحاكم من يسلّمه إلى المشتري ويسلّمه إلى الشفيع. ولو حكم الحاكم بتسلّمه منه ، كان كما لو سلّمه المشتري ، لأنّ التسليم حقّ على المشتري ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء وحصول ذلك للمشتري ، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن ، كانت العهدة عليه ، كالمشتري مع البائع ، بخلاف الشفيع.
وأمّا إذا أخذه من البائع ، فقد قلنا : إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك ، لأنّه تسليم مستحقّ على المشتري ، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.
ولو انفسخ عقد المشتري ، بطلت الشفعة ، لأنّها استحقّت به.
وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتّي : تجب عهدة الشفيع على البائع ، لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع ، فصار كالمشتري (٢).
وقال أبو حنيفة : إن أخذه من المشتري ، كانت العهدة على
__________________
(١) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ـ ٥٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ ، ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ ، ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.
المشتري ، وإن أخذه من يد البائع ، كانت العهدة على البائع ، لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع ، تعذّر القبض ، وإذا تعذّر القبض ، انفسخ البيع بين البائع والمشتري ، فكأنّ الشفيع ـ إذا أخذ من البائع ـ مبتاع منه (١).
وهو خطأ ، لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.
تذنيب : لو أخذ الشفيع الشقص وبنى أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق ، وقلع المستحقّ بناءه وغرسه ، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.
مسالة ٧٦٠ : لو كان الثمن دنانير معيّنة ، تعيّنت بالعقد على قولنا وقول الشافعي (٢) ، خلافا لأبي حنيفة (٣) ، وقد سبق (٤). فإذا تعيّنت وظهر أنّها مستحقّة ، فالشراء والشفعة باطلان.
ولو كان الشراء بمال في الذمّة ، لم يتعيّن في المدفوع ، فلو ظهر المدفوع مستحقّا ، لم يبطل البيع ولا الشفعة ، لأنّ الشراء صحيح ، والشفعة تابعة له.
ولو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع ، لم تبطل الشفعة ، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته ، لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه ، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري ، وهو أمر كلّيّ
__________________
(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ ، ١٩٥٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.
(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٢٧ من ج ١٠ من هذا الكتاب.
(٣) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٢٨ من ج ١٠ من هذا الكتاب.
(٤) في ج ١٠ ، ص ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، المسألة ٢١٥.
يشتمل على كلّ النقود ، فإذا أعطاه شيئا وظهر استحقاقه ، كان عليه إبداله ، لأنّ الدفع ظهر بطلانه ، ولا تبطل شفعته ، وليس ذلك تركا للشفعة ، لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : البطلان ، لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به ، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه (١).
ويمنع أنّه ترك.
مسالة ٧٦١ : لو كان الثمن عبدا وأخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد ثمّ خرج العبد مستحقّا ، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب ، أو أقرّ المتبايعان والشفيع أنّه مغصوب ، حكمنا ببطلان البيع والشفعة ، ويردّ العبد على صاحبه ، والشقص على بائعه ، لأنّ البيع إذا كان باطلا ، لا تثبت فيه الشفعة.
فإن لم تقم البيّنة بذلك وإنما أقرّ به المتبايعان وأنكر الشفيع ، لم يقبل قولهما عليه ، ويردّ العبد على صاحبه ، لاعترافهما باستحقاقه له ، ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص ، لاعتراف المشتري ببطلان البيع وقد تعذّر عليه دفع المبيع ، فكان كالإتلاف. وينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل على صاحبه لو كان ، لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص ، وبه قال الشافعي (٢).
مسالة ٧٦٢ : قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقا.
وأثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات (٣).
إذا عرفت هذا ، فنقول : دية الموضحة عندنا خمس من الإبل ، أو
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.
خمسون دينارا ، أو خمسمائة درهم ، أو خمسون شاة ، أو عشرة من البقر ، أو من الحلل (١) على ما يأتي.
وعند الشافعي أنّها خمس من الإبل ، فإن أعوزت ، فقولان ، أحدهما : ينتقل إلى مقدّر ، وهو خمسون دينارا أو خمسمائة درهم نصف عشر الدية. والثاني : إلى قيمتها.
فإن أعوزت الإبل وقلنا : ينتقل إلى مقدّر فصالحه منه على شقص مع معرفته ، صحّ الصلح ، وتثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.
وإن قلنا : ينتقل إلى قيمتها فإن علماها وذكراها وتصالحا عليها ، صحّ ، وتثبت الشفعة أيضا بذلك. وإن لم يعلما أو أحدهما ، لم يصح الصلح ، ولا تثبت شفعة.
وإن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها ، فإن كانا لا يعلمان ذلك ، ففي الصلح عنها قولان :
أحدهما : يصحّ ، لأنّها معلومة العدد والأسنان ، وإنّما يجهل قدّها ولونها ، وذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.
والثاني : لا يصحّ ، لأنّ القدّ واللون مقصودان ، فإذا جهل (٢) ، لم يصح الصلح ، فإذا قلنا : يصحّ ، تثبت الشفعة ، وأخذ الشقص بقيمة الإبل. وإذا قلنا : لا يصحّ الصلح ، لم تثبت شفعة (٣).
وهذا كلّه ساقط عندنا.
مسالة ٧٦٣ : إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه إلى
__________________
(١) كذا ، حيث لم يذكر المصنّف قدسسره عدد الحلل.
(٢) كذا ، والظاهر : « جهلا ».
(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.
الإسلام ، كان للشفيع أخذه بالشفعة ، لأنّه استحقّها بالبيع ، والانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق ، كما لو مات المشتري بعد البيع ، كان للشفيع الأخذ بالشفعة.
قال الشافعي : إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين (١) ، وذلك لا يمنع الشفعة ، كما لو اشترى شقصا فيه شفعة ثمّ باعه ، ويكون المطالب الإمام أو نائبه. وعندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم ، وإلاّ كان ميراثه للإمام ، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.
ولو ارتدّ الشفيع وقتل بالردّة أو مات ، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي (٢) ـ وعندنا لوارثه ـ إن كان قد طالب بها ، وإن لم يطالب ، فإن جعلناه كالكافر ، سقطت شفعته ، وهو الأقوى عندي. وإن جعلناه كالمسلم ، فالشفعة لوارثه.
ولو مات الشفيع المسلم ولا وارث له ، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا ، وعند الشافعي إلى المسلمين (٣). فعلى قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمام ، وعلى قوله المسلمون ، ويطالب لهم الإمام.
مسالة ٧٦٤ : إذا اشترى شقصا فيه شفعة ووصّى به فمات ثمّ جاء الشفيع والموصى له يطالبان ، كان الشقص للشفيع ، لسبق استحقاقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة دون الموصى له ، لأنّه لم يوص له إلاّ بالشقص وقد سقط حقّه.
__________________
(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧٢.
(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧٢.
(٣) انظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
البحث الخامس : في التنازع.
مسالة ٧٦٥ : لو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن ، فقال المشتري : اشتريته بمائة ، وقال الشفيع : بل بخمسين ، فأيّهما أقام البيّنة على ما ادّعاه حكم له بها.
ويثبت ذلك بشاهدين وشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين ، لأنّه مال.
ولا تقبل فيه شهادة البائع ، لأنّه يشهد على فعل نفسه ، وقد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع ، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك ، وبه قال الشافعي ، لأنّه يشهد بحقّ لنفسه وفعل نفسه (١).
وقال بعض أصحابه : تقبل ، لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعا ، والثمن ثابت له بإقرار المشتري (٢).
وقد ذكرنا في القواعد (٣) احتمالا حسنا ، وهو أنّه تقبل شهادة البائع على الشفيع بعد القبض ، وللشفيع بدون القبض ، لأنّه إذا شهد على الشفيع بالمائة ، انتفت التهمة عنه ، لاعترافه بأنّه ضامن لمائة ، وإذا شهد له بخمسين قبل القبض ، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ على المشتري أكثر من الخمسين ، وأنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها ، فإذا دفعها ، برئت ذمّته باعترافه ، وكان ضامنا لها خاصّة ، إذ لا يقبض البائع أكثر منها.
ولو أقام كلّ منهما بيّنة ، قال الشيخ رحمهالله : تقدّم بيّنة المشتري ، لأنّه هو المدّعي للثمن ، والشفيع ينكره (٤). ولأنّه أعلم بعقده ـ وهو أحد قولي
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٦٧.
(٤) الخلاف ٣ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، المسألة ٦ من كتاب الشفعة.
الشافعي (١) ـ كما تقدّم بيّنة الداخل على الخارج ، و [ المشتري ] (٢) هنا داخل. ولأنّ [ المشتري ] (٣) كالبائع ، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة ، وبه قال أبو يوسف (٤) أيضا.
وقال أبو حنيفة ومحمّد : القول قول الشفيع ، لأنّه منكر. ولأنّه الخارج (٥).
ولا بأس به عندي.
وللشافعي قول آخر : إنّ البيّنتين تتعارضان هنا ، ولا تقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد ، لأنّهما لا يتنازعان في اليد ، وإنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد ، فحينئذ تسقطان ، ويكون الحال كما لا بيّنة لواحد منهما (٦).
وقال بعض الشافعيّة : يقرع وتقدّم بالقرعة. وهل يحلف من خرجت له القرعة؟ قولان (٧).
ولو لم يكن لواحد منهما بيّنة ، قدّم قول المشتري مع يمينه ، لأنّه المالك ، فلا تزول يده إلاّ بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة ، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلاّ بما يقرّ به البائع من الثمن.
لا يقال : الشفيع غارم فيقدّم قوله ، كما في الغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة والحجريّة « الشفيع ».
وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٣) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة والحجريّة « الشفيع ».
وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٣١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦ ، المغني ٥ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٥.
(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٣١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ :
٢٤٦ ، المغني ٥ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٥.
(٦) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦.
(٧) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦.
لأنّا نقول : الشفيع ليس بغارم ، لأنّه لا شيء عليه ، وإنّما يريد أن يتملّك الشقص ، بخلاف الغاصب والمتلف ، وأمّا المعتق فإن [ قلنا : ] (١) العتق يسري باللفظ ، فقد وجب عليه قيمته وهو غارم ، وإذا قلنا : يسري بأداء القيمة أو مراعى ، كان القول قول المالك ، لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.
لا يقال : لم لا قلتم : يتحالف المشتري والشفيع ، كما قلتم في البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن؟
لأنّا نقول : إذا اختلف المتبايعان ، فكلّ منهما مدّع ومدّعى عليه ، فتحالفا ، وليس كذلك هنا ، فإنّ الشفيع مدّع للشقص ، والمشتري لا يدّعي عليه شيئا ، لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال ، كان الشفيع بالخيار. ولأنّ المتبايعين قد باشرا العقد ، بخلاف الشفيع والمشتري.
ولو نكل المشتري عن اليمين ، حلف الشفيع على دعواه ، وأخذ بما ادّعاه.
ولو شهد البائع للشفيع ، فللشافعيّة وجوه :
أحدها : لا تقبل ، وقطع به العراقيّون ، لأنّه يشهد على فعله ، كما مرّ.
والثاني : نعم ، وصحّحه البغوي ، لأنّه ينقض حقّه.
والثالث : إن شهد قبل قبضه الثمن ، قبلت ، لأنّه ينقض حقّه ، إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. وإن شهد بعده ، فلا ، لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعا ، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق (٢).
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
تذنيب : لو ادّعى المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء وأنكر ذلك الشفيع ، قدّم قول المشتري ، لأنّ ذلك ملكه ، والشفيع يريد تملّكه عليه ، فكان القول قول المالك ، وبه قال ابن سريج (١).
مسالة ٧٦٦ : إذا اختلف المتبايعان في الثمن ، فقد قلنا : إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة ، فإذا حلف البائع ، أخذ من المشتري ما حلف عليه.
ثمّ الشفيع إن صدّق البائع ، دفع ما حلف عليه ، وليس للمشتري المطالبة به ، لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائدا عمّا ادّعاه ظلم ، فلا يطالب غير من ظلمه.
وإن لم يعترف بما قال البائع ، أدّى ما ادّعاه المشتري ثمنا.
ولو قلنا : إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة ، فالحكم كما تقدّم.
وتقبل شهادة الشفيع للبائع ، لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة ، وإلاّ فلا تهمة ، ولا تقبل للمشتري ، لأنّه متّهم في تقليل الثمن ، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.
ولو تحالفا ـ كما هو مذهب الشافعي (٢) ـ عند عدم البيّنة ، وفسخ عقدهما أو انفسخ ، فإن جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص ، أقرّ في يده ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.
وإن جرى قبل الأخذ ، فالأقرب : عدم سقوط حقّه ، لاعترافهما معا بجريان البيع واستحقاقه للشفعة ، فيأخذها بما قال البائع ، لحلفه عليه ،
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
لا بما حلف عليه المشتري ، لأنّ للبائع فسخ البيع ، فإذا أخذه بما قال المشتري ، منع منه. وإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع ، جاز ، وملك الشفيع أخذه بما قال المشتري ، فإن عاد المشتري وصدّق البائع وقال : كنت غالطا ، فالأقرب : أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه
وللشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيبا ، فإن قلنا : لا تسقط ، أخذه بما حلف عليه البائع ـ كما قلناه ـ لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن ، فيأخذ منه ، وتكون عهدته على البائع خاصّة ، لا على المشتري ، لانفساخ عقده (١).
مسالة ٧٦٧ : لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه ، فقال له المدّعى عليه : ليس لك ملك في شركتي ، قدّم قول المدّعى عليه مع اليمين ، وكان على طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصا في شركة المشتري ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن (٢) ـ لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد ، وإذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة ، لم تثبت الشفعة. ومجرّد الظاهر لا يكفي ، كما لو ادّعى ولد أمة في يده.
وقال أبو يوسف : إذا كان في يده ، استحقّ به الشفعة ، لأنّ الظاهر من اليد الملك (٣). ولا بأس به عندي.
ولو لم تكن بيّنة ، حلف المشتري ـ إن ادّعى الطالب علمه بالشركة ـ على نفي علمه بالشركة ، لأنّها يمين على نفي فعل الغير ، فإذا حلف ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠ ، المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.
(٣) المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.
سقطت دعواه ، ولا يحلف على نفي شركته. ولو نكل ، حلف الطالب على القطع بأنّه شريك ، لأنّها يمين على إثبات فعل ، فإن حلف ، استحقّ الشفعة ، وإن نكل ، سقطت.
فلو اعترف الشريك ـ بعد نكول الطالب وسقوط شفعته ـ بصدقه ، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة ، ولم يضرّ التأخير ، لأنّه لعذر ، ويكون نكوله عن اليمين عذرا له في التأخير على إشكال.
وكذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب على ملكه.
مسالة ٧٦٨ : دار بين اثنين فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث ، فادّعى الحاضر أنّه اشتراه ، وأنّه يستحقّه بالشفعة ، فإن أقام المدّعي بيّنة بالشراء وأقام المتشبّث بيّنة (١) ، قضي بها ، وأخذ بالشفعة.
ثمّ إن اعترف المدّعى عليه ، سلّم إليه الثمن ، لثبوت البيع بالبيّنة.
وإن لم يعترف ، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلى أن يقرّ المدّعى عليه ، أو يأخذه القاضي حافظا له ، أو يجبر على قبوله أو الإبراء منه ، فيه احتمالات ثلاثة.
ولو أقام المدّعي بيّنة بالشراء وأقام المتشبّث بيّنة بأنّه ورثه أو اتّهبه ، تعارضت البيّنتان ، لأنّ الشراء والميراث متنافيان ، وكذا الشراء والاتّهاب.
ومع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.
وعند الشافعي قولان : التساقط ، واستعمالهما ، وسيأتي.
ولو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره ، فإن لم يكن
__________________
(١) كذا ورد قوله : « وأقام المتشبّث بيّنة ». والظاهر زيادتها.
للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقا ، قضي بالشفعة ، لعدم التنافي بين البيّنتين ، لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.
ولو سبق تأريخ البيع ، فلا منافاة أيضا ، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع ، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود ، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن ، فقال له البائع : خذه وديعة إلى أن تجد الثمن فتزنه وتقبضه.
ولو انتفى الاحتمال ـ بأن تأخّر تأريخ الإيداع وشهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه ، وبيّنة الشراء مطلقة ـ كانت بيّنة الإيداع أولى ، لأنّها صرّحت بالملك ، ثمّ يراسل الغائب فإن قال : هو لي وديعة ، بطلت بيّنة الشراء. وإن قال : لا حقّ لي فيه ، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.
ولو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال : باع ما هو ملكه ، وأطلقت بيّنة الإيداع ، قدّمت بيّنة الشراء.
وأمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة ، فالمدّعى عليه إما أن يقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه ، أو ينكر أصل الشراء ، أو يقول : اشتريته لفلان. فإن أقرّ ، فالأقرب : أنّه لا يأخذه المدّعي ، لأنّ المتشبّت لا يقبل قوله على الغائب ، فيوقف الأمر حتى يراسل ، فإن أقرّ بصدقه ، أخذه الشفيع ، وإلاّ فلا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والأصحّ عندهم : أنّ للمدّعي أخذه ، لتصادقهما على البيع ، ويكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما ، فإذا قدم الغائب ، فهو على حقّه (١).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.
وليس بجيّد ، لأنّه حكم على الغائب بغير بيّنة.
وإن أنكر الشراء ، صدّق في قوله باليمين ، لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة ، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك ، فيحلف كذلك ، ولا يلزمه التعرّض لنفي الشراء ، لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.
وإن تكلّف في الجواب : لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته ، ففي كيفيّة الحلف احتمالان :
أحدهما : أنّه يحلف على نفي الشراء ، لأنّه أجاب به ، وإذا أجاب بشيء ، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.
والثاني : أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة ، لأنّه لو أجاب بذلك ، لكفاه ، فكذا في اليمين ، ويمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء ، فإذا كلّف اليمين ، عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. وهما وجهان للشافعيّة (١).
ولو نكل المدّعى عليه ، حلف الطالب ، واستحقّ الشقص. وفي [ الثمن ] (٢) ما تقدّم من الوجوه : إمّا أن يقرّ في يد الشفيع ، أو يقبضه الحاكم ، أو يقهره على القبض أو الإبراء.
وإن قال : اشتريته لفلان ، رجع الحال إلى المضاف إليه ، وسيأتي.
مسالة ٧٦٩ : إذا ادّعى أنّه اشترى شقصا في شركته وأنّه يستحقّ
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اليمين ». والصحيح ما أثبتناه.
الشفعة عليه ، فإنّه يحتاج إلى أن يحرّر دعواه فيحدّد (١) المبيع الذي يدّعيه ويذكر ثمنه ويدّعي فيه الشفعة ، فإذا فعل ذلك ، سئل المدّعى عليه ، فإن أقرّ ، لزمه ، وإن أنكر فقال : وهب لي أو ورثته ولم أشتره ، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة ، قدّم قوله ـ على ما تقدّم ـ مع اليمين ، فإن حلف ، سقطت الدعوى ، وإن نكل ، حلف المدّعي ، واستحقّ أخذه بالشفعة.
وأمّا الثمن فإمّا أن يجعل في ذمّة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري ، لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره ، فلم يكن له مطالبته ، وإمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع ـ كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له : إمّا أن تأخذه أو تبرئ ـ وإمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال ، فمتى ادّعاه المشتري سلّم إليه ، وإلاّ كان محفوظا عليه ، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته ، ولهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدّين بقبضه ، لزم صاحب الدّين قبضه أو الإبراء منه.
هذا إذا أنكر المشتري الشراء ، والشريك القديم غير معترف بالبيع ، ولو اعترف والشقص في يده ، فإن لم يعترف بقبض الثمن ، ثبتت الشفعة.
وفيه وجه للشافعيّة : أنّها لا تثبت (٢).
وإذا قلنا بالثبوت ، سلّم الثمن إلى البائع ، والعهدة عليه ، لأنّه تلقّى الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء ولا بيّنة هناك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ، ويقبض الشقص من البائع للمشتري ويدفعه إلى
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيجدّد » بالجيم ، وهو غلط.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.
الشفيع (١).
وإذا أخذ البائع ثمن الشقص ، فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته بالثمن؟ الأقرب ذلك ، لأنّ له غرضا صحيحا ، فإنّه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة ، والرجوع عليه بالدرك أسهل (٢) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣). وحينئذ لو حلف المشتري ، فلا شيء عليه. وإن نكل ، حلف البائع ، وأخذ الثمن من المشتري ، وكانت عهدته عليه.
وأمّا ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه ويوقف أو يترك في يده؟ وجهان.
وقيل : إنّ الوجهين في أنّه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع؟ فإن رضي ، فليقنع (٤) به (٥).
فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن ، فإن قلنا : لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض ، فهنا أولى ، وإلاّ فوجهان أصحّهما عندهم : ثبوتها (٦).
ثمّ هل يترك الثمن في يد الشفيع ، أم يأخذه القاضي ويحفظه ، أم يجبر المشتري على قبوله أو الإبراء منه؟ فيه ما تقدّم (٧).
مسالة ٧٧٠ : لو ادّعى عليه الشراء فصدّقه وقال : لم أشتره لنفسي ، بل لفلان ، فإن كان المضاف إليه حاضرا ، استدعاه الحاكم ، فإن صدّقه ، كان
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « سهل ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢.
(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليتبع » بدل « فليقنع ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢.
(٧) في ص ٢٩٦ ، ضمن المسألة ٧٦٨.