الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢
مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجّلا ، مثلا : اشترى الشقص بمائة مؤجّلة إلى سنة ، فللشيخ رحمهالله قولان :
أحدهما ـ وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم (١) ـ : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّا ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل (٢).
لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدرا ووصفا ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلاّ ما قلنا توصّلا إلى الجمع بين الحقوق كلّها.
وقال الشيخ أيضا : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن (٣) ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد (٤) ـ لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات من عليه الدّين المؤجّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.
__________________
(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) النهاية : ٤٢٥.
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.
(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ ، ١٩٥٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.
ولأنّ في ذلك تغريرا بالمشتري ، لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.
وهو ممنوع ، لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.
وللشافعي قول ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ، لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمن حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ، لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالاّ ، ولئلاّ يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع (١)
وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمن مؤجّل إذا كان مليّا موثوقا به أو (٢) إذا أعطى كفيلا مليّا ، وإلاّ لم يأخذه ، لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل (٣).
وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ، لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ، إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ، لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسورا (٤).
ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.
بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجيء ذلك المحلّ.
ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.
ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ، لأنّ الثمن لو كان حالاّ فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلا وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ، لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.
هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم (١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين (٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ] (٣) من يعرفها.
ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلاّ بالسلعة المعدلة ، لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخرين لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.
مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصا مشفوعا إلى ما لا شفعة فيه في البيع ، مثل أن يبيع نصف دار وثوبا أو عبدا أو غيرهما صفقة واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (٤) ، ولا شفعة في المضموم ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.
لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.
وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معا. ويروى عنه أيضا أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ، لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري (١).
وهو غلط ، لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.
ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ، فإنّه وقت المقابلة.
قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ، فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك ـ الذي هو سبب الشفعة ـ حينئذ يحصل (٢).
وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضا.
وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالما بالحال.
مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصا من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.
أ ـ أن تتعيّب من غير تلف شيء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض (١) علمائنا ، وبه قال الشافعي (٢).
وعند بعضهم (٣) يسقط (٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.
ب ـ أن يتلف بعضها ، فينظر إن تلف شيء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.
وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين (٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من
__________________
(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.
(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ـ ١٧٣.
(٣) انظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢.
(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ ـ ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع .. إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضا : الكافي في الفقه ـ للحلبي ـ: ٣٥٥.
(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.
الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (١).
وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ وبما بعد الأرش على رأي.
وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلف ، فيأخذها بالحصّة ، لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة (٣).
ج ـ أن لا يتلف شيء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى دارا فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.
والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ، لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة (٥).
__________________
(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ ، ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.
وإن قلنا : إنّه لا يأخذه ـ كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني ـ فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.
وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :
أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ، لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.
والثاني ـ وهو قياس الأصل المبنيّ عليه ـ : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع (١).
ومنهم من كان يطلق قولين ـ تفريعا على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء ـ على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟ (٢)
ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نقص حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذ بالحصة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصا وسيفا.
واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ (٣).
وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة (٤).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ـ ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.
(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.
وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :
أ ـ منهم من قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ، لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع دارا ، لم يدخل فيها ما كان منفصلا عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.
ب ـ ما ذكر في الطريقة الأولى إلاّ في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولا واحدا.
ج ـ إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ، لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلا.
د ـ المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرق أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقية وإنّما ذهب البناء.
هـ ـ إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ (١).
وبهذه (٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة (٣).
أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا ) (٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ ، ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.
(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».
لم يسقط شيء من الثمن.
هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.
ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.
مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّانا ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.
وإن كان المشتري قد قسّم ـ إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره ـ بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر (١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى (٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجيء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ، لأنّه ملكه.
فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ، لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.
وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،
__________________
(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».
(٢) في « س ، ي » : « خفي ».
ويصير الملك له ، وأن يجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.
وقيل : رابع : أن يبقيه في الأرض بأجرة (١).
فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ (٢) رحمهالله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي (٣) ، لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.
وقال أبو حنيفة والثوري : يجبر على قلعه ، لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقّة (٤).
وفرّق (٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره (٦).
وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملك غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.
لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذ وجب أن لا تبقى الشفعة ، لاندفاع الضرر الذي كنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداء للجار.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.
(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.
(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».
(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.
لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلاّ أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة ، لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي (١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.
إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.
وهل للشفيع أن يطالبه بأجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الأجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالأجرة (٢). وقد بيّنّا الفرق.
وكذا لو باع أرضا مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالأجرة لمدّة بقاء الزرع.
وللشافعيّة في الصور الثلاث ـ صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة ـ وجهان في وجوب الأجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الأجرة ، وفي الصورتين الأخريين المنع ، للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه (٣).
وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه
__________________
(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضا .. ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.
في ملكه.
تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ، لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة (١).
وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع (٢). ولعلّ بينهما فرقا.
ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة (٣).
وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلا.
مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ ، لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع (٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.
وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرّفاته باطلة ، لأنّ للشفيع حقّا لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن (٥).
وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن ـ وهو الظاهر من قول الشافعيّة (٦) ـ أنّه ينظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.
الشقص بالشفعة ، وإلاّ تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.
وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه (١).
واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :
فمنهم من خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.
ومنهم من عمّم وقال : تصرّف المشتري يبطل حقّ الشفيع ، كما يبطل تصرّف المشتري المفلس حقّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوع الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعا ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك (٢).
وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضا ، لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلا للشفعة ، لا يكون مثبتا لها ، كما إذا تحرّم (٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّة وتكبيرا ، لا تنعقد بها الصلاة ، لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد (٤).
ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.
(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.
رضا ولا تسليم (١).
قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟
ووجه الشبه : أنّ الطلاق يبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع (٢).
وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعة تصرّف الوقف ، وينقض ما عداه (٣).
مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة ، وبه قال الشافعي (٤).
فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطول وسعف ، رجع في ذلك ، لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.
اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعا للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعا للنخيل!؟
وأجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعا في حكم يختصّ بالنخل ، والنخل تبعا لها في حكم آخر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشيء تابعا ومتبوعا في أمر واحد ، وقد عرفت الكلب مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغسل من ولوغه عندهم (٥).
ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلا وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.
(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.
العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.
إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نظر فإن كان قد أبّر وتشقّق ، كان للمشتري ، لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.
وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟
أمّا عندنا فلا ، لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّة.
وأمّا عند الشافعي فقولان (١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلا وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.
ويفارق ذلك البيع ، لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعا إذا لم يكن ظاهرا ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.
وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض ـ كالهبة ، وفسخ الهبة ـ فيه قولان (٢).
فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبّرا ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.
فإن كانت غير مؤبّرة ، تبعت بمطلق العقد.
فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.
وإن كانت موجودة حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.
وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ، لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ، لأنّ ذلك زيادة متّصلة (١).
والغراس تبع في الشفعة ، لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.
مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئا بعد العقد ، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شيء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.
ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضا الشفيع عندنا ، لوقوع العقد على شيء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.
وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ، لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ، لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد (٢).
فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم (٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ، [ لأنّ الزيادة ] (٤) لا تثبت إلاّ أن تكون هبة مقبوضة ، والنقصان يكون
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.
(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».
(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.
إبراء ، ولا يثبت [ ذلك ] (١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي (٢).
وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا (٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها (٤).
وهو غلط ، لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.
والفرق ليس بصحيح ، لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.
ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ، لأنّه يصير هبة ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.
أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ، لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.
مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبدا ، ثبتت الشفعة عندنا ، خلافا لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق (٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.
فإن وجد البائع بالعبد عيبا ، فإمّا أن يكون [ قبل ] (٧) أن يحدث عنده
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.
(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.
(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.
(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.
(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.
عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.
فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ، لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيبا ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.
وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ، لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه (١).
والمشهور عندهم (٢) ما قلناه.
فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشيء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر ـ وهو أحد قولي الشافعيّة (٣) ـ لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.
والثاني : يتراجعان ، لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ من كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة (٤).
ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضا : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ، لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكا للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.
وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناء على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟ (١) وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :
أحدهما : الشفيع أولى ، لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.
والثاني : البائع أولى ، لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها (٢).
وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع (٣).
والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ، لسبقه.
فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص (٤).
ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
تصرّفه ، لم يكن له ردّه ، وكان له على المشتري الأرش.
ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلا قيمة عبد سليم ، فلا يرجع عليه بشيء.
وإن كان دفع قيمة معيب ، فالأقرب : أنّه يرجع عليه ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد والأرش ، فينبغي أن يرجع بهما.
والثاني : أنّه لا يرجع ، لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد (٢).
قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن يرجع هنا وجها واحدا ، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص ، لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد ، وما دفع إلاّ ما اقتضاه العقد ، بخلاف قيمة الشقص ، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبد سليم ، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب ، فإذا لم يدفعه ، وجب دفعه ، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع (٣).
ولو رضي البائع بالعيب ولم يردّ ولا أخذ الأرش ، فالأقوى : أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم ، لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد ، فلا يلحق الشفيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم ، استردّ قسط السلامة من المشتري (٤).
وغلّط الجويني قائله (٥).
تذنيب : للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع ، وللشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع ، فلا ردّ في الحال ، ولا أرش له على مذهب
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.