السيد علي الشهرستاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٨
وقد قال الشيخ كاشف الغطاء في مبحث التشهّد ما يؤكّد وجود معنى الولاية في الصلاة بقوله :
. . . وهو وإن كان بالنسبة إلى المعنى الأصليّ يحصل بإحدى الشهادتين ، إلّا أنّ المراد منه في لسان الشارع والمتشرّعة مجموع الشهادتين بلفظ : « أشهد أن لا إله إلّا الله » والاحوط قول : « أشهد أن محمّداً رسول الله » من غير واو ، ثمّ الصلاة على النبي وآله بلفظ « اللّهم صلي على محمّد وآله » .
ثم الأقرب منهما إلى الاحتياط قول : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللّهمّ صَلِّ على محمّد وآل محمّد » محافظاً على العربية ، والترتيب والموالاة (١) .
كلّ هذا يؤكّد عدم اقتصار الصلاة المأمور بها على التوحيد والنبوّة ، بل لا بدّ من ذكر الولاية معهما ، وإن أجمل المكلّف ما أمر به بالصلاة على محمّد وآل محمّد (٢) كان أفضل وأحسن (٣) .
__________________
(١) كشف الغطاء ١ : ٢١٦ .
(٢) اشارة إلى ما رواه الشيخ في التهذيب ٢ : ١٣١ / ح ٥٠٦ ، والصدوق في الفقيه ١ : ٣١٧ / ح ٩٣٨ عن ابان بن عثمان عن الحلبي أنّه قال لأبي عبد الله [ الصادق عليهالسلام ] : أسمي الأئمة عليهمالسلام ؟ فقال : أجملهم .
(٣) من خلال البحوث المتقدّمة وتبيين كلمات علماء الطائفة ، ومن خلال عرضنا وتقييمنا لكلام كاشف الغطاء ، يتبين عدم صحة ما قال به الدكتور حسين الطباطبائي المدرسي في كتابه « تطوّر المباني الفكريّة للتشيّع في القرون الثلاثة الأولى » ، حيث ادّعى ـ نقلاً عن الميرزا محمّد الأخباري في رسالة ( الشهادة بالولاية ) ـ أنّ فقيه الشيعة الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت ١٢٢٨ هـ ) أرسل إلى فتح علي شاه القاجاري (١٢١٢ ـ ١٢٥٠ هـ ) يطلب منه منع الشهادة الثالثة في الأذان . ثم حاول الدكتور أن يضفي على كلامه الصبغة العلمية فقال : توجد نسخة من رسالة كاشف الغطاء هذه في قم تحت اسم ( رسالة في المنع من الشهادة بالولاية في الأذان ) ، وكتبَ : راجع فهرست ( مائة وستون نسخة خطّيّة ) لرضا أستادي : ٥٥ .
وبعد
التتبّع ، والوقوف على الفهرست المذكور ، لم نقف لرسالته المدّعاة هذه ، وبعد الاتّصال
=
٢٥ ـ الميرزا القمي ( ١١٥٢ ـ ١٢٣١ هـ )
قال الميرزا أبو القاسم القمّي في كتابه ( غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام ) :
|
وأمّا قول « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » و « أنّ محمّداً وآله خير البريّة » فالظاهر الجواز . |
__________________
بسماحة الشيخ رضا الاستادي والاستفسار منه نفى وجود مثل ذلك عنده فضلاً عن أن يكون مذكوراً في فهرسته . وبعد بحث في الفهارس والسؤال من المختصّين لم أقف على رسالة كاشف الغطاء المزعومة .
على أنّ المدرسي انتهج في كلامه حول الشهادة الثالثة منهج التشويش وعدم دقة العبارات ، والانتقائية في نقل أقوال الفقهاء ، والبتر للنُصوص المنقولة ، وتحكيم بعض الآراء تَحَكُّماً على الآراء الأخرى فأحال إلى كلام الشيخ في النّهاية : ٦٩ : « كان مخطئاً » ولم ينقل كلامه رحمهالله في المبسوط ١ : ٢٤٨ : « ولو فعله الإنسان لم يأثم به » وأحال إلى كتاب النقض للقزويني والمعتبر للمحقق ولم يأت بكلام السيّد المرتضى في « المسائل الميارفارقيات » وابن البراج في « المهذب » ويحيى بن سعيد في « الجامع للشرائع » مع أنّه يعلم بأن القزويني والمحقق والشهيدين في « الذكرى » و « روض الجنان » و « اللمعة » و « الروضة البهية » والاردبيلي في « مجمع الفائدة والبرهان » والمجلسي في « لوامع صاحب قراني » والسبزواري في « الذخيرة » والفيض في المفاتيح وكاشف الغطاء في « كشف الغطاء » وغيرهم لا يمنعون من الاتيان بالشهادة بالولاية ان جيء بها بقصد القربة المطلقة .
فالشهيد الأوّل حكى في « الذكرى » و « البيان » كلام الشيخ الطوسي في عدم الاثم من الاتيان بها ، ولم يعلق عليها ، وهذا يعني التزامه به ، إذ من غير المعقول ان تخلو كتبه الفتوائية عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة ابتلائية يعمل بها الشيعة في عهده وقبل عهده .
وكذا الحال بالنسبة إلى كلام الشهيد الثاني فقد صرح بعدم جواز الاتيان بها على نحو الجزئية أما الاتيان بها لمطلق القربة فلا حرج عنده لقوله رحمهالله : « وبدون اعتقاد ذلك لا حرج » وكذا كلام الاخرين أترك تفصيله إلى كتابي هذا فليراجعه .
فأسال الدكتور لماذا تحيل إلى كتب الشهيدين والسبزواري والاردبيلي ولا تحيل إلى جواهر الكلام ، وكتب الوحيد البهبهاني ، والمجلسيين ، والخوانساري ، والشيخ يوسف البحراني ، والنراقي ، والسيّد علي صاحب الرياض وغيرهم ، وما يعني هذا الامر الانتقائي من قبلك ؟ ولولا أنّه ادّعى على كاشف الغطاء ما ادّعى لأعرضنا عنه صفحاً ولطوينا عنه كشحاً .
|
قال الصدوق : والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان « أنّ محمّداً وآل محمّد خير البريّة » مرتّين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً » مرّتين ، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله ، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً ، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان (١) . وقال الشيخ في النّهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول « أنّ عليّاً وليّ الله » ، و « أنّ محمّداً وآله خير البشر » ، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئأ (٢) ، وتقرب من ذلك عبارة المنتهى (٣) . وكذلك قال في المبسوط ما يقرب من ذلك ، ولكنّه قال : ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (٤) . ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية ، فلا يبعد القول بالرجحان ، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن ، ولكن بدون اعتقاد الجزئية . وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في الأخبار
المطلقة : « متى ذكرتم محمّداً صلّى الله عليه وآله فاذكروا آله ، ومتى قلتم : محمّد رسول الله ، |
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ح ٨٩٧ بتفاوت يسير ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ / باب كيفية الأذان والإقامة / ح ٦٩٨٦ .
(٢) النّهاية : ٦٩ .
(٣) المنتهى للعلّامة ١ : ٢٥٥ / باب في الأذان والإقامة .
(٤) المبسوط ١ : ٩٩ / الأذان والإقامة وذكر فصولها .
|
فقولوا : عليّ وليّ الله » (١) والأذان من جملة ذلك . ومن جملة تلك الأخبار ما رواه أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن الصادق عليهالسلام ، وفي آخره : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين » (٢) . |
وقال في « مناهج الأحكام » :
|
ومما ذكرنا يظهر حال « أشهد أن عليّاً ولي الله » ، و « أن محمّداً خير البرية » . نعم ، يمكن القول فيه بالاستحباب إذا لم يقصد الجزئية ، لما ورد في الأخبار المطلقة « متى ذكرتم محمّداً صلىاللهعليهوآله فاذكروا آلَهُ ، ومتى قلتم : محمّد رسول الله ، فقولوا : علي ولي الله » ، كما نقل عن الاحتجاج ، فيكون مثل الصلاة على محمّد وآله بعد الشهادة بالرسالة (٣) . |
وقال في ( جامع الشتات ) ما ترجمته :
|
سؤال : أوجب بعض الفضلاء قولَ « علي ولي الله » في الأذان مرة واحدة ، وقال : لا تتركوه ، لأنّ عليّاً هو روح الصلاة ، وبدونه لا تتحقّق صورة الصلاة . الجواب : « أشهد أن عليّاً ولي الله » ليس جزء
الأذان ولا جزء الإقامة ، لكن لا نمانع من قوله في الأذان بقصد التيمّن والتبرّك ، أو لما ورد في الإتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة ، والأحوط |
__________________
(١) انظر البحار ٨١ : ١١٢ .
(٢) غنائم الأيام ٢ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، الاحتجاج ١ : ٢٣١ .
(٣) مناهج الأحكام (كتاب الصلاة ) : ١٨٠ .
|
تركها في الإقامة لمنافاة ذلك مع الحَدْر والتوالي في الإقامة . أما ما قالوه من الإتيان بها مرّةً في الأذان فذلك لكي يختلف ما هو الأذان عن غيره ولكي لا يتوّهم فيها الجزئية ، أما ما قالوه من أنّ صورة الصلاة لا تتحقّق إلّا بذكر اسمه فهو غير صحيح (١) . |
ويظـهر من مجموع كلام الميرزا القمي قوله برجحان الإتيان بالشـهادة الثالثة في الأذان ، وجواز فعلها عنده سيما مع المسامحة في ادلة السنن ، وقد يمكن القول باستحبابها إذا لم يقصد الجزئية لما ورد في الأخبار المطلقة ، ملخصاً كلامه « ولكن لا نمانع من قوله في الأذان بقصد التيمن والتبرك ، ولما ورد في الاتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة » ثم أفتى بتركها من باب الاحتياط الوجوبيّ في الإقامة ، لمنافاتها للموالاة والحَدْر فيها .
وعلّة ذلك : أنّ بعض العلماء ـ وهم قليلون ـ يتشدّدون في أحكام الإقامة لأنّها من الصلاة في بعض الروايات ، وقال البعض بوجوبها الملزِم نظراً لتلك الروايات ، وهو قول نادر خلاف ما عليه المشهور الأعظم من الفقهاء .
وقد قال رحمهالله قبل ذلك بجواز الزيادة في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية بقوله :
وفي بعض الأخبار ما يدل على ان الإقامة مثل الأذان ونقل عن بعض الأصحاب أيضاً القول بأن الإقامة مثل الأذان إلّا في زيادة « قد قامت الصلاة » ولهذا قيل : لو زيد في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا باس ، وهذا الكلام يجري في تربيع التكبير في اوله أيضاً (٢) .
__________________
(١) جامع الشتات « فارسي » ١ : ١٢٢ ، السؤال / رقم ٢٨٠ .
(٢) مناهج الأحكام : ١٧٤ .
٢٦ ـ السيّد علي الطباطبائي ( ت ١٢٣١ هـ )
قال السيّد علي بن السيّد محمّد علي الطباطبائي في ( رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ) وحين كلامه عن مكروهات الأذان :
|
( و ) من الكلام المكروه ( الترجيع ) كما عليه معظم المتأخّرين ، بل عامتهم عدا نادر (١) ، وفي المنتهى وعن التذكرة أنّه مذهب علمائنا (٢) . وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى الإجماع في الخلاف على أنّه غير مسنون (٣) ، فيكره لأمور : قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه ، وفصله بأجنبيّ بين أجزائه ، وكونه شبه ابتداع . وقال أبو حنيفة : إنّه بدعة (٤) ، وعن التذكرة : هو جيّد (٥) ، وفي السـرائر وعن ابن حمـزة : أنّه لا يجوز (٦) . وهو حسن إن قصد شرعيّته ، كما صرّح به
جماعة من المحقّقين (٧) ، وإلّا فالكراهة
متعيّن ؛ للأصل ، مع عدم دليل |
__________________
(١) وهو صاحب المدارك ٣ : ٢٩٠ .
(٢) المنتهى ٤ : ٣٧٧ ، انظر تذكرة الفقهاء ٣ : ٤٥ / المسألة ١٥٩ ، وفيه : يكره الترجيع عند علمائنا .
(٣) الخلاف ١ : ٢٨٨ / المسألة ٣٢ .
(٤) شرح سنن ابن ماجة ١ : ٥٢ / باب الترجيع ، جاء فيه : وعند أبي حنيفة ليس بسنة ، وتذكرة الفقهاء ٣ : ٤٥ / المسألة ١٥٩ ، قال العلّامة : وربما قال أبو حنيفة : بدعة .
(٥) التذكرة ٣ : ٤٥ / المسألة ١٥٩ .
(٦) السرائر ١ : ٢١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٢ .
(٧) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٨٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٩٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٥٧ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٤١٧ .
|
على التحريم حينئذ ، عدا ما قيل : من أنّ الأذان سنّة متلقّاة من الشارع كسائر العبادات ، فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرّماً ، كما تحرم زيادة : « أنّ محمّداً وآله خير البرية » ، فإنّ ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلّا أنّه ليس من فصول الأذان (١) . وهو كما ترى ، فإنّ التشريع لا يكون إلّا إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلاً . ومنه يظهر جواز زيادة : « أنّ محمّداً وآله » ـ إلى آخره ـ وكذا « عليّاً وليّ الله » ، مع عدم قصد الشرعيّة في خصوص الأذان ، وإلّا فيحرم قطعاً . ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً ؛ للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة (٢) . |
أراد السيّد الطباطبائي رحمهالله بكلامه نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة وهو ما يذهب إليه عامة فقهاء الإمامية ، أمّا لو أراد المؤذّن الزيادة مع عدم قصد الجزئية فهي جائزة عنده ، لقوله : « ومنه يظهر جواز زيادة : أنّ محمّداً وآله ـ إلى آخره ـ وكذا عليّاً ولي الله مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان ، وإلّا فيحرم قطعاً » ، ثمّ جاء السيّد الطباطبائي ليفرّق بين الشهادة الثالثة وبين الترجيع ، فقال عن الترجيع : « لأنّه غير مسنون فيكره لأمور : قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه وفصله بأجنبي بين أجزائه ، وكونه شبه ابتداع » .
في حين قال عن الشـهادة بالولاية وعن « أنّ محمّداً وآله خير البرية » : « ولا
__________________
(١) المدارك ٣ : ٢٩٠ .
(٢) رياض المسائل ٣ : ٩٦ ـ ٩٨ .
أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً ، للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة » .
وهناك أمر ثالث يمكننا أن ننتزعه من نصّ صاحب ( رياض المسائل ) وهو اتيان بعض الشيعة بجملة « أنّ محمّداً وآله خير البرية » في الأذان في عصره ، وهذا يؤكّد ما نقوله من أنّ الشيعة كانوا لا يأتون بهذهِ الصيغة على أنّها جزءٌ ، لان المعلوم من الجزئية هو الوقوف على صيغة واحدة لا صِيَغ متعدّدة .
٢٧ ـ الشيخ محسن الأعسم ( ت ١٢٣٨ هـ )
قال الشيخ محسن بن مرتضى الأعسم في كتابه ( كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام ) المخطوط ما نصه :
|
تنبيه : لا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول كالتّشهّد بالولاية للأمير عليهالسلام وأولاده ، وبأنّ محمّداً وآله خير البرية ، وإن كان الواقع كذلك ، فإنّه لا تلازم بين الواقع وجواز إدخاله في الموظَّف حتَّى لو كان من العقائد اللّازمة كمحلِّ البحث ؛ قال [ الصدوق ] : المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان « محمّد وآله خير البرية » ، وفي بعض [ الروايات ] بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بأنّ علياً وليّ الله ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً » مرّتين . وفي البحار : لا يبعد كون الشهادة
بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلّامة وغيرهما بورود الأخبار بذلك ، وأمّا قول « أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين » و « آل محمّد خير البرية » على ما ورد في شواذّ الأخبار فإنّه لا يعمل |
|
عليه في الأذان والإقامة . وفي المنتهى نسبة قائل هذا إلى الخطأ ؛ قال المجلسي : ويؤيّده الخبر : « قلت له عليهالسلام : إنّ هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه صلىاللهعليهوآله لما أُسري به إلى السماء رأى على العرش : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله وأبو بكر الصديق ، فقال عليهالسلام : سبحانَ الله ! غيَّروا كلّ شيء حتّى هذا ؟ ! إنّ الله كتب على العرش والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرض ، ورؤوس الجبال : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين ، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً في الأذان ، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما ، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار » ، انتهى [ كلام المجلسي ] . وبعد ما سمعت من رميِ الأساطين لذلك ، وأنّها من روايات المفوّضة ـ كما سمعت عن الصدوق رحمهالله ـ ونحوه غيره من حَمَلَةِ الأخبار التابعين للآثار [ كالشيخ الطوسي ] ، فلا وجه للاستدلال بما ذكر حتّى العموم في الخبر المزبور ، وإِن احتمل أنّه في الأصل مشروعٌ وسقط للتقيّة (١) . |
سلك الشيخ الأعسم قدسسره مسلكاً آخر في الكلام عن الشهادة الثالثة كما ترى ، وهو ما احتملناه في بعض البحوث الآنفة ، فهو قدسسره يقول : « وإن احتمل أنّه في الأصل مشروع وسقط للتقية » ، ومعنى كلامه أنّ اقتضاء وملاك ومصلحة تشريع الشهادة
__________________
(١) كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام للاعسم مخطوط برقم ٩١ الصفحة ١٤٢ وموجود في مؤسسة كاشف الغطاء .
الثالثة في الأذان موجودة ، لكنّ الخوف على دماء الشيعة والحفاظ على المذهب مانعٌ من فعليّة هذا التشريع ، وهذا وإن كان صحيحاً بنفسه إلّا أنّه يتمّ على فرض الذهاب إلى القول بالجزئية ، فيقال : أنّ الشارع لم يشرّع الجزئية لمانع وهو التقية ، لكنّه لا يتم بدون اعتقاد الجزئية ـ وهو المعمول عندنا اليوم ـ إذ الشهادة الثالثة على الفرض الأخير لا تعدو كونها ذِكْراً مستحبّاً لا دخل له في ماهيّة الأذان ، بل يؤتى بها لمجرّد التبرّك والتيمّن وكونه كلاماً حقاً خارجاً يقال في الأذان أو لحصول ثواب وفضيلة غير اذانيه ، وهذا لا يتنافى مع المـنع من الإتيان بها بقصد الجزئية والاذانية .
٢٨ ـ الشيخ محمّد رضا جدّ محمّد طه نجف ( ت ١٢٤٣ هـ )
قال الشيخ محمّد رضا في ( العدّة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية ) عند ذكر الأذان :
|
الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقيّة ، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطّرد ، نعم لو قيل لا بقصد الجزئية لم يبعد رجحانه (١) . |
فالشيخ لم يستبعد رجحان الاتيان بالشهادة الثالثة ـ لا بقصد الجزئية ـ وقد قوى ان يكون السر في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنما هو التقية .
٢٩ ـ المولى أحمد بن محمّد مهدي النّراقي ( ت ١٢٤٥ هـ )
قال الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النّراقي في كتابه ( مستند الشيعة في أحكام الشريعة ) :
|
صرّح جماعة ـ منهم الصدوق (٢) ، والشيخ في المبسوط
(٣) ـ بأنّ |
__________________
(١) الكتاب مخطوط في تسع مجلدات بيد حفيده ، اُنظر الذريعة ١٥ : ٢١٣ ، معجم المؤلفين ٩ : ٣١٧ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٩٠ .
(٣) المبسوط ١ : ٩٩ .
|
الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة . وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للأذان ، وحرّمها معه (١) . ومنهم من حرّمها مطلقاً ؛ لخلوّ كيفيّتهما المنقولة (٢) . وصرّح في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء (٣) ، ومفاده الجواز . ونفى المحدّث المجلسي في البحار البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان (٤) . واستحسنه بعض من تأخّر عنه (٥) . أقول : أمّا القول بالتحريم مطلقاً فهو ممّا لا وجه له أصلاً ، والأصل ينفيه ، وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه . وليس من كيفيّتهما اشتراطُ التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتّى يخالفها الشهادة ، كيف ؟ ! ولا يحرم الكلامُ اللّغو بينهما فضلاً عن الحقّ . وتوهُّمُ الجاهلِ الجزئيةَ غيرُ صالح
لإثبات الحرمة كما في سائر ما |
__________________
(١) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨ .
(٢) الذخيرة : ٢٥٤ .
(٣) المبسوط ١ : ٩٩ ، وفيه التصريح بأنّه لو فعله الإنسان يأثم به ، ولكن الصحيح : لم يأثم به بقرينة ما بعده ، ويؤيّده ما حكاه المجلسي في البحار ٨١ : ١١١ نقلاً عن المبسوط : « ولو فعله الإنسان لم يأثم به » . وعموماً فكل من نقل من العلماء كلام الشيخ فإنما نقلها بالنفي ، وهو يورث الجزم بنفي الإثم عن مبسوط الشيخ .
(٤) البحار ٨١ : ١١١ .
(٥) كصاحب الحدائق ٧ : ٤٠٤ حيث قال ـ بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار ـ : وهو جيد .
|
يتخلّل بينهما من الدعاء ، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم . بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة ، إذ لا يتصوّر اعتقادٌ إلّا مع دليل ، ومعه لا إثم ، إذ لا تكليف فوق العلم ، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعاً وبدعةً كما حقّقنا في موضعه . وأمّا القول بكراهتها : فإن اُريد بخصوصها ، فلا وجه لها أيضاً . وإن اُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهيّ عنه في خلالهما ، فلها وجه لولا المعارِض ، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقاً ، والأمر بها بعد ذكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام ، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليهالسلام : قال : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام » (١) بالعموم من وجه ، فيبقى أصل الإِباحة سليماً عن المزيل ، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد (٢) ـ كما صرّح به في البحار (٣) ـ ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضاً . قال في المبسوط : وأمّا قول : أشهد
أنّ عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام ، |
__________________
(١) الاحتجاج ١ : ٢٣١ .
(٢) الشيخ في النّهاية : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٩٩ ، الفاضل في المنتهى ٣ : ٣٨٠ / المسألة الخامسة ، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى ٣ : ٢٠٢ ، البيان : ١٤٤ .
(٣) البحار ٨١ : ١١١ .
|
على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه . وقال في النّهاية قريباً من ذلك . وعلى هذا فلا بُعْد في القول باستحبابها فيه ؛ للتسامح في أدلّته . وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف ؟ ! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب (١) . |
فالشيخ النراقي وبعد عرضه لأهمّ الأقوال في المسألة فَنّدَ جميع الأقوال المطروحة التي لا تتّفق مع رأيه ، سواء القائلة بالحرمة ، لتوهّم الجاهلين الجزئية ، أو لفوت الموالاة ، أو لكونها لم ترد في الأذان البياني المنقول عن الأئمّة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى القائلين بالكراهة ، فإنه رحمهالله قرّر كلامهم وردّه في سطر واحد ، ثم ختم كلامه بإعطاء وجهة نظره ، فقال : « وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه ، للتسامح في أدلّته ، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف ؟ ! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب » .
ثم جاء رحمهالله في كتابه ( رسائل ومسائل ) يستنصر لقول شيخه كاشف الغطاء القائل بعدم جزئية الشهادة الثالثة في الأذان ، مؤيِّداً ما اقترحه في استبدال جملة « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » بـ « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وخليفته بلا فصل وانه افضل الناس بعد رسول الله » ، مستشكلاً على كلام المجلسي الثاني في « بحار الأنوار » الذي لم يستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة في الأذان ، فقال :
|
وتحقيق ما أفاده شيخنا الاعظم
ومخدومنا الأفهم أدام الله أيّام إفاداته ، ومتّع أهل الإسلام بطول حياته : من أنّه ليس من الأذان |
__________________
(١) مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ .
|
قول « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » وأمثاله ، فهو كذلك ، والأحاديث الواردة في بيان الأذان وتعداد فصوله عن أئمّتنا الطاهرين يرشد إليه ، والإجماعُ المحقّق قطعاً يدلّ عليه ، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غير المعمول بها ، ونسبتها إلى الوضع يؤكّده ، والشواهد التي ذكرها شيخنا الفريد يؤيّده ، ولم أعثر على من يجوّز كونه من الأذان . نعم قال شيخنا المجلسي قدسسره في البحار بعد نقل قول الصدوق : « ولا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلّامة به بورود الأخبار بها » ، ثمّ نقل عبارات النهاية والمبسوط والمنتهى الّتي نقلها شيخنا أدام الله بقاءه ، وزاد في عبارة النهاية : « ومن عمل بها كان مخطئاً » ، وهو مردود بأنّه . . . كيف يسمع شهادته بوجود الخبر ولا يسمع بكونه شاذّاً غير معمول به ، بل يكون العمل به خطأً ، وأيّ حجّة في نقل ذلك الخبر الذي لا يُعلَمُ سنده ولا متنه لينظر في حاله ودلالته ، مع كونه مخالفاً للإجماع المقطوع به وتصريح الصدوق بكونه موضوعاً ومع معارضته مع سائر الأخبار المشهورة بل الصحيحة أيضاً الواردة في فصول الأذان ، ولم يقل أَحَدٌ بحجيّة مثل ذلك الخبر . وإن كان نظره إلى التسامح في أدلّة
السنن ، ففيه أنّه إذا لم يكن لها معارض من إجماع وغيره ، وأمّا معه فلا يبقى دليل حتّى يتسامح ، مع أنّه كما صرّح به جماعة أنّ التسامح فيها إنّما هو إذا كان الدليل |
|
مظنونَ الصدق أو غيرَ مظنون الكذب . ويدلّ عليه أنّ معظم دليل التسامح الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّه « من بلغه شيء من الثواب ففعله التماس ذلك الثواب أو رجاءه فله أجره » ولا يتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الكذب .ولا شكّ في حصول الظنّ بالكذب مع تصريح مثل الصدوق بالوضع ، وشهادة الجماعة بالشذوذ ، بل يحصل العلم بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع . ثمّ ما أفاده شيخنا المحقّق دام ظله من قوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليهالسلام لإظهار شأنه ، أو لمجرّد رجحانه لذاته ، أو مع ذكر ربّ العالمين ، أو ذكر سيد المرسلين ، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين ، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين ، أُثيب على ذلك » . فهو أيضاً مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، وبملاحظة الدليلين الأول والآخر يظهر أولويّة التبديل الذي أفاده ، وذلك لأنّ الولاية وإن كانت من المراتب العظيمة والصفات العليّة إلّا أنّ لفظها يستعمل في معان كثيرة أحدها المحبّ ، فلا يدلّ على المطلوب إلّا مع القرينة . ولو سلّمنا ظهوره في المطلوب فإنّما
نسلّمه في الصدر [ الأوّل ] قبل ورود النصّ بولاية أمير المؤمنين عليهالسلام
، وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلك على المخالفين المنافقين ذكروا للفظ الوليّ المعاني الكثيرة وأثبتوها في كتبهم المضلّة ، وأذاعوا بين الناس ، بحيث يمكن أن يقال |
|
بصيرورة المعنى المطلوب مهجوراً عندهم ، بل الظاهر أنّهم في أمثال هذا الزمان ـ سيّما عوامّهم ـ لا يفهمون المعنى المطلوب ، فلا يحصل به أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، بل من الأخبار الواردة في ذكر مولانا مع ربّ العالمين وذكر سيّد المرسلين ما يأمر بذكر أمير المؤمنين ، كما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، انه قال : فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين . بل لا يبعد أن يستفاد أولويّة التبديل في هذا الزمان ممّا ذكره بعض العلماء في وجه امر النّبي بشهادة « ان لا إله إلّا الله » دون « انّ الله موجود » ، من أنّه لم يكن أحد نافياً لوجود الصانع ، بل كانوا يثبتون الشريك ، فلو أمر بشهادة الوجود لكان يوهم الخلاف فيه . فيمكن أن يقال أنّه لمّا كان الشائع في هذا الزمان عند عوامّ المخالفين بل الكفّار من اليهود والنصارى أنّ معنى الوليّ المحبّ ، فالإذعان بشهادته يمكن أن يوهم الخلاف بين المسلمين في كونه محبّاً لله . وبالجملة : ما أفاده شيخنا سلّمه الله تعالى موافقٌ للاعتبار ، نابع من عين شدّة الخلوص والحرص على إظهار شأن إمام الأخيار ، وإرغام أنوف مخالفيه عند الخواصّ والعوامّ ، وقد سمعتُ استبعادَ بعض لذلك بل الطعن فيه ، وهو إمّا لعدم الاطّلاع على كلام الشيخ الأجلّ الأوحد ، أو للعناد (١) . . . |
__________________
(١) رسائل ومسائل ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٧ .
وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعي بعيداً عن الطائفية ، فيناقشون المشايخ من قبلهم ، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة الأخبار الشواذّ عندهم ، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة تبعاً للعمومات ما لا ينكره أحد .
فالشيخ النراقي أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن ، أمّا القول بكونها جزءاً مستحباً فبعيد جداً عنده .
هذا ، ونحن لا نرتضي استدلال الشيخين كاشف الغطاء والنراقي رحمهما الله في حذف كلمة ( الولاية ) من الأذان ، لأنّ كلمة الولاية وردت في غالب رواياتنا ، فلا يمكننا أن نتغاضى عما فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة ، أو نرفع اليد عنها ، لأنّ معناها معروف عندنا ـ بل وعند العامّة ـ بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، لقوله صلىاللهعليهوآله : في يوم عيد الغدير عن علي عليهالسلام : « هو أولى بكم من أنفسكم » (١) ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو يستفيدوا منها شيئاً آخر ، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم ؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول هذه الجملة في أذانه يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته ، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل الله للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول الله ، وإن كان الآخرون يحاولون التنكُّر لها ، لكنّهم يعرفون معناها تماماً على الأقلّ من وجهة نظر الإمامية ، وذلك كاف في إظهار شأنه عليهالسلام ورجحانه الذاتي ، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين .
فلو أذعنّا لِما يتأوّله المعاندون ، ويحرّفه المحرّفون للزمنا أن نرفع اليد عن غالب المشتركات اللفظية الاخرى ، كلفظة « الإمام » المخصوصة عندنا بالمعصومين من
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٣ / ح ٦٢٧٢ ، قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبي في تعليقه : صحيح .
آل الرسول ، مع أنّها لغةً يصحّ إطلاقها على كُلّ من أَمَّ جماعة قوم ؛ حقّاً أو باطلاً ، وحسبك قوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (١) ، وقوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (٢) ، فهذا لا يمنع من استعمالها في خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غير الإمامية بذلك ، بعد استقرار استعمالهم لها في ذلك ، حتّى صارت مصطلحاً في الإمام المعصوم ، بحيث لا يتبادر للذهن عند استعمالنا لها إلّا ذلك ، ولو أردنا استعمالها في غير ذلك لزم علينا نصب قرينة مقالية أو حالية ، وكذلك بالضبط لفظ « المولى » و « الوليّ » .
ومن الطريف أن أنقل هنا قصّة حدثت لأحد أعلامنا في القرن الأخير وهو السيّد الكلبايكاني رحمهالله ، حيث إنّ الاشتراك اللفظي في كلمة « الولي » قد أنقذه من الفتك به وبالحجاج الشيعة في بلد الله الحرام ؛ إِذ شرح هو قصته في كتابه ( نتائج الأفكار في نجاسة الكّفار ) فقال : وقد وقعت ـ في المرّة الأولى من تشرّفي لحجّ بيت الله الحرام ـ قضية لطيفة يناسب ذكرها في المقام ، وهي : إنّه عندما تشرّفنا بالمدينة الطيّبة لزيارة قبر النبيّ الأقدس وقبور الأئمة عليهمالسلام ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فكنّا نصلّي بالناس جماعة في مسـجد النـبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأذّن مـؤذّننا وأجهـر بشـهادة الولايـة ، فأفضى المخبِر الدوليّ هذه القضية إلى قاضي القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشيعة قال في أذانه : « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » ، ولكنّ القاضي أجابه : وأنا أيضاً أقول : « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » ! فهل أنت تقول : « أشهد أنّ عليّاً عدو الله » ؟ ! فأجابه بقوله : لا والله وأنا أيضاً أقول أنّه ولي الله ، وعلى الجملة فقاضيهم أيضاً قد صَرَّح بأن نقول أنّه وليّ الله ، غاية الأمر أنّا لا نقول به في الأذان ، وبذلك فقد قضى على الأمر وأُطفِئت نار الفتنة (٣) .
__________________
(١) الأنبياء : ٧٣ .
(٢) القصص : ٤١ .
(٣) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار : ٢٤٣ بقلم الشيخ علي الكريمي الجهرمي .
٣٠ ـ حجة الإسلام الشفتي ( ت ١٢٦٠ هـ )
قال السيّد محمّد باقر الشفتي المشهور بـ « حجّة الإسلام الشفتي » في كتابه « مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام » .
|
فعلى هذا ظهر لك أنّ الشهادة بثبوت الولاية لمولانا الأمير عليهالسلام ليس من جزء الأذان ، نعم هو من أعظم الإيمان ، قال في « الفقيه » بعد أن أورد حديث الحضرمي والاسدي المتقدم : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا بها في الأذان « محمّد وآل محمّد خير البرية » مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً » مرتين ، قال : ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله ، وأنّه أمير المؤمنين حَقاً ، وأنّ محمّداً وآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان » . وعن النهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول أن عليّاً ولي الله حقاً وأنّ محمّداً وآله خير البشر فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئاً . وبالجملة : لم أجد في الأصحاب من ذهب
إلى أنّ الشهادة بالولاية من الأجزاء المقوِّمة للأذان ولا المستحبّة له ، عدا ما يظهر من العلّامة المروّج السّمِيِّ المجلسي ؛ قال في البحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاءِ المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلّامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، |
|
قال الشيخ في المبسوط : « وأمّا قول أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وآل محمّد خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله » . قال في النهاية : « فأمّا ما روى في شواذّ الأخبار من قول أنّ عليّاً ولي الله وأنّ محمّداً وآله خير البشر ، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئاً » . وقال في المنتهى : « وأمّا ما روي من الشاذّ من قول أنّ عليّاً ولي الله وأنّ محمّداً وآل محمّد خير البرية فمما لا يعوّل عليه » . قال : ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج ، عن القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول الله صلىاللهعليهوآله رأى على العرش لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بكر الصديق ، فقال : سبحان الله ! غيّروا كلّ شيء حتى هذا ؟ ! قلت : نعم ، قال : إنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي أمير المؤمنين » ، ثم ذكر عليهالسلام كتابة ذلك على الماءِ ، والكرسيّ ، واللّوح ، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرضين ، ورؤوس الجبال ، والشمس والقمر ، ثمّ قال عليهالسلام : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول ، الله فليقل : علي أمير المؤمنين . فيدلّ على استحباب ذلك عموماً ، والأذان من تلك المواضع ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه . |