السيد علي الشهرستاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٨
١٦ ـ السيّد نعمة الله الجزائري ( ت ١١١٢ هـ )
قال السيّد نعمة الله الجزائـري في ( الأنوار النعمانية ) معلّقاً على خبر القاسم بن معاوية :
|
ويستفادُ من قوله عليهالسلام : « إذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل علي أمير المؤمنين » عمومُ استحباب المقارنة بين اسميهما عليهماالسلام إلّا ما أخرجه الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات ، لأنّها وظائف شـرعية ، وأمّا الأذان فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلّا أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام ، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ « علي ولي الله » أو « أمير المؤمنين » أو نحو ذلك في الأذان ، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى . |
ثم ذكر السيّد الجزائري مناماً بهذا الصدد فقال :
|
فلمّا تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم علي عليهالسلام ، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم علي عليهالسلام في الأذان وما شابهه ، نظراً إلى استحبابه العامّ ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع ، وهكذا الحال في أكثر الأذكار ، مثلاً « قول لا إله إلّا الله » مندوب إليه في كلّ الأوقات ، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر (١) ، وكذا سائر العبادات المستحبّة ، فتأمّل (٢) . |
__________________
(١) نعم هذا الابتداع لو كان بقصد الورود لكان حراماً ممنوعاً ، لكن تحديده ورداً لنفسه غير مدعي صدوره عن الشارع فلا مانع .
(٢) الأنوار النعمانية ١ : ١٦٩ .
فالملاحظ أنّ الجزائـري قدسسره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها وظيفة شرعية فيه ، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه ، غاية ما في الأمر هو اسـتحباب الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استناداً لخبر القاسم بن معاوية ، وهذا يعني أنّ الاسـتحباب على قسمين :
الأوّل : أن يبتـني على نصّ خاصّ في خصوص الأذان ، وهو مفقود في المقام إلّا ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ، وقد تقدّم البحث في ذلك .
والثاني : ينطلق من منطلق الاسـتحباب النفسي للشهادة بالولاية ، وهذا ثابت لا كلام فيه .
وقيل أنّ هذا الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى ؛ وعلى هذا الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال ، لكنّها ليست جزءاً من الأذان ؛ أي ليست داخلة في ماهيّته ، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل : فإن كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري ، وإذا دارت مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير ، ولا دخل لها في الأذان ، ألا كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير .
١٧ ـ محمّد بن حسين الخونساري ( ت ١١١٢ هـ )
قال آقا جمال الدين محمّد بن حسين الخونساري في ( آداب الصلاة ) :
|
ويكره الكلام في أثنائهما ، وخصوصاً في الإقامة بعد الإتيان بـ « قد قامت الصلاة » ، وإذا أتى شخص بعد الشهادتين ـ بقصد التيمّن والتبرّك ، ولتجديد الإيمان لا اعتقاداً منه أنّها جزء الأذان ، مرة أو مرتين ـ بـ « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » ، فلا اشكال فيه (١) . |
__________________
(١) آداب الصلاة باللغة الفارسية ، المطبوع ضمن « رسائل / ست عشرة رسالة » : ٤٢١ .
ولا ريب في أنّ زبدة فتـواه هي الجواز ، لكن لا بعنوان الجزئية بل بعنوان التيمّن والتبرّك وتجديد الإيمان ، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترناً بذكر النبيّ من أشرف الأذكار ، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على الإيمان .
١٨ ـ الشيخ يوسف البحراني ( ت ١١٨٦ هـ )
قال الشيخ يوسـف البحراني ـ بعد أن نقل بعض الروايات في الباب وبياناته عليها ، وما ذكره الصدوق قدسسره من قوله : « والمفوضة لعنهم الله » ، وتعليقة شيخنا المجلسي في البحار عليه ـ قال :
|
انتهى [ كلام المجلسي ] ، وهو جيّد ، أقول : أراد بالمفوّضة هنا القائلين بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنيا إلى محمّد صلىاللهعليهوآله وعليّ عليهالسلام ، والمشهور بهذا الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى العباد ما يأتون به من خير وشر (١) . |
وأشـار في آخر كلامه إلى بعض الأمور المهمّة التي تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحيٌّ لا منام عند أهل البيت ، نزل به جبرئيل على رسول الله ، وأنّ جبرئيل أذّن له به في صلاته بالنبيّين والملائكة في حديث المعراج ، ثمّ ناقش الشيخ البحراني ما قالته العامّة من أنّ الأذان كان برؤيا ، وأخيراً نقل ما رواه الصدوق في كتاب « العلل » و « العيون » عن الفضل بن شاذان في العلل في معنى الحيعلة ، وجاء بما روي عن الإمام الكاظم عن معناها وأنّها الولاية ، وفي كلّ هذه الأمور التي ذكرها إشارات إلى محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان عنده .
والحاصل : أنّ المحقق البحراني يذهـب إلى ما ذهب إليه المجلسي قدسسره ، حيث علق على كلامه بقوله : « وهو جيّد » ، أي أنّ البحراني قائل على غرار ما قاله المجلسي .
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٤ .
القرن الثالث عشر الهجري
وإليك الآن كلمات علماء هذا القـرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها .
١٩ ـ الوحيد البهبهاني (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ )
قال جدّي الأمي (١) المولى محمّد باقـر الوحيد البهبهاني ـ معلّقاً على قول صاحب المدارك : « فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرماً » ـ :
|
التشريع إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهة ودليل شرعيِّ ، والترجيعُ على ما حقّقه ليس إلّا مجرّد فعل وتكرار ، أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوباً من الشارع فلا ، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك ، والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل ، وكونُهُ مكروهاً لأنّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل . وممّا ذكرنا ظهر حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أنّ علياً ولي الله » بأنّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل . |
__________________
(١) أنا علي بن عبد الرضا بن زين العابدين بن محمّد حسين بن محمّد علي الحسيني المرعشي الشهرستاني ، وقد تزوج جدّي السيّد محمّد علي فاطمة ابنة الشيخ أحمد بن محمّد علي بن محمّد باقر البهبهاني ، فأنا سبط الوحيد وهو جدّي من جهة الأمّ ، وعن طريقه نرتبط بشيخنا المفيد ، لأنّ الوحيد من أحفاده حسبما ذكرته كتب التراجم ، وبالتقي المجلسي ، لان ام الوحيد هي بنت آمنة بنت المجلسي الاول والتي تزوجها ملا صالح المازندراني ـ شارح الكافي ـ .
|
نعم ، توظيف الفعل في أثناء الأذان ، ربّما يكون مكروهاً ( بكونه مغيِّراً لهيئة الأذان ) (١) بحسب ظاهر اللفظ ، أو كونه كلاماً فيه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلّا أنّه ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمّداً فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمّد رسول الله ، فقولوا : علي ولي الله ، كما رواه في الاحتجاج (٢) ، فيكون حاله حال الصلاة على محمّد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » في كونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمّد ، فتأ مّل جدّاً (٣) . |
وقال في ( مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ) :
|
السابع : قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما ، وأنّه ليس فيهما « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » ، ولا « محمّد وآله خير البريّة » وغير ذلك ، فمن ذكر شيئاً من ذلك ، بقصد كونه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، لكونه بدعة . وأمّا من ذكر لا بقصد المذكور ، بل
بقصد التيمّن والتبرّك ، كما أنّ المؤذّنين يقولون بعد « الله أكبر » ، أو بعد « أشهد أن لا إله إلّا الله» : جلَّ جلاله ، وعَمَّ نواله ، وعظم شأنه ، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى ، وكما يقولون : صلّى الله عليه وآله بعد « محمّد رسول الله » ، لِما ورد من قوله عليهالسلام
: « من ذكرني فليصلّ عليّ » (٤)
، وغير |
__________________
(١) قال محقق الكتاب : بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : من كونه بغير هيئة الأذان .
(٢) انظر الاحتجاج ١ : ٢٣١ ، البحار ٨١ : ١١٢ .
(٣) حاشية المدارك ٢ : ٤١٠ .
(٤) لاحظ وسائل الشيعة ٥ : ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره .
|
ذلك ممّا مرّ في شرح قول المصنّف : « والصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله ، إذ لا شكّ في أنّ شيئاً من ذلك ليس جزءً من الأذان » . فإن قلت : الصلاة على النبي وآله عليهمالسلام ورد في الأخبار (١) ، بل احتُمِل وجوبهما ، لما مرّ ، بخلاف غيره . قلت : ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمه صلىاللهعليهوآله ، لا أنّهما جزء الأذان ، فلو قال أحد بأنّه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، وكونه بدعة ، وإن قال بأنّه لذكر اسمه صلىاللهعليهوآله فهو مطلوب . وورد في « الاحتجاج » خبر متضمّن لمطلوبيّة ذكر « عليّ وليّ الله » ، في كلّ وقت يذكر محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢) ، مضافاً إلى العمومات الظاهرة في ذلك . مع أنّ الشيخ صرّح في ( النّهاية ) بورود أخبار تتضمّن ذكر مثل « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » في الأذان (٣) . والصدوق أيضاً صرّح به ، إلّا أنّه قال ما قال (٤) . ومرّ في بحث كيفيّة الأذان ، فأيّ مانع من الحمل على الاستحباب ؟ موافقاً لما في « الاحتجاج » ، و [ ما ] ظهر من العمومات ، لا أنّه جزء الأذان ، وإن ذكر فيه . ألا ترى إلى ما ورد من زيادة الفصول ،
وحملوه على الاستحباب |
__________________
(١) لاحظ وسائل الشيعة ٥ : ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره .
(٢) الاحتجاج ١ : ٢٣٠ .
(٣) النّهاية للشيخ الطوسي : ٦٩ .
(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧ .
|
والمطلوبيّة في مقام الإشعار وتنبيه الغير (١) على ما مرّ ، مضافاً إلى التسامح في أدلّة السنن . وغاية طعن الشيخ على الأخبار المتضمّنة لما نحن فيه أنّها شاذّة (٢) ، والشذوذ لا ينافي البناء على الاستحباب ، ولذا دائماً شغل الشيخ بحمل الشواذّ على الاستحباب . منها صحيحة ابن يقطين الدالّة على استحباب إعادة الصلاة مطلقاً عند نسيان الأذان والإقامة (٣) ، ورواية زكريّا بن آدم السابقة (٤) ، مع تضمّنها ما لم يقل به أحد ، بل وحرام ، من قوله : « قد قامت الصلاة » في أثناء الصلاة ، وغير ذلك من الحزازات التي فيها وعرفتها . وبالجملة : كم من حديث شاذّ ، أو طعن عليه بالشذوذ ، أو غيره ، ومع ذلك عمل به في مقام السنن والآداب ، بل ربّما يكون حديث مطعون عليه عند بعض الفقهاء والمحدّثين غير مطعون عليه عند آخرين ، فضلاً عن الآخر ، سيّما في المقام المذكور . والصدوق وإن طعن عليها بالوضع من
المفوّضة (٥) . لكن لم يُجْعَلْ كلّ طعن منه حجّة ، بحيث يرفع اليد من جهته عن |
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٦٣ / ذيل الحديث ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ذيل الحديث ١١٤٨ .
(٢) النّهاية للشيخ الطوسي : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٩٩ .
(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٩ / الحديث ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / الحديث ١١٢٥ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٣٣ / الحديث ٧٠١٢ .
(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٨ / الحديث ١١٠٤ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٣٥ / الحديث ٧٠١٨ .
(٥) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧ .
|
الحديث ، وإن كان في مقام المذكور . ومن هنا ترى الشيخ لم يطعن عليها بذلك أصلاً . على أنّا نقول : الذكر من جهة التيمّن والتبرّك ، لا مانع منه أصلاً ، ولا يتوقّف على صدور حديث ، لأنّ التكلّم في خلالهما جائز ، كما عرفت ، فإذا كان الكلام اللغوُ الباطلُ غيرَ مضرٍّ ، فما ظنّك ربمّا يفيد التبرّك والتيمّن ؟ لا يقال : ربّما يتوهّم الجاهل كونه جزءَ الأذان ، إذا سمع الأذان كذلك ، فيفسّر فيقول على سبيل الجزئيّة . لأنّا نقول : ذكر « صلّى الله عليه وآله » في الأذان والإقامة ، والالتزام به أيضاً ، ممّا يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة ، بل كثير من المستحبّات والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء . وكان المتعارف من زمان الرسول صلىاللهعليهوآله إلى الآن يرتكب في الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل ، فإنّ التقصير إنّما هو من الجاهل ، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته ، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى ، منها استحلاله كثيراً من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه . وربّما يعكس الأمر . . إلى غير ذلك من الأحكام . هذا ؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم ، بأن يذكر مرّة ، أو ثلاث مرّات ، أو يجعل من تتمّته صلىاللهعليهوآله ، وغير ذلك (١) . |
وشـيخنا الوحيد
البهبهاني قدسسره أراد بكلامه في ( حاشـية المدارك ) و (
مصابيح __________________ (١)
مصابيح الظلام ٧ : ٣١ ـ ٣٤ .
الظلام ) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة ، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد بدعة محرمة ، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية ، فقال بكراهة الأوّل ، لأنّه لغو في أثناء الأذان ، وأنّه كلام آدمي ، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم ، بعكس الشهادة بالولايه لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت عليه أدلّة الاقتران ، لقوله رحمهالله في حاشية المدارك : « إلّا أنّه ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمّداً فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمّد رسول الله فقولوا : علي ولي الله كما رواه في الاحتجاج فيكون حاله حال « الصلاة على محمّد وآله » بعد قوله : أشهد أنّ محمّداً رسول الله في كونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمّد صلىاللهعليهوآله ) .
ثمّ ذكر الوحيد البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في ( مصابيح الظلام ) متعرّضاً للشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال في الشهادة بالولاية ، كشبهة توهّم الجزئية للمكلّفين وفوت الموالاة و . . . ، وَرَدَّ جميعَ تلك الشبهات ، وهو يؤكّد بنحو الجزم ذهابه إلى رجحان الإتيان بها لا بقصد الجزئية . لأنّه ذكر مستحب في نفسه للاقتران المذكور .
٢٠ ـ السيّد مهدي بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ هـ )
قال السيّد بحر العلوم في منظومته المسمّاة ( الدرة النجفية ) في الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة « السنن والاداب » :
صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا |
|
عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا |
وأكمِلِ الشَّهادتين بالَّتي |
|
قد أُكمِل الدّينُ بها في الملَّةِ |
وإنّها مثل الصلاة خارِجَه |
|
عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه |
فالسيّد بكلامه هنا اعتبر الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادتين في الأذان ؛ استناداً
__________________
(١) الدرة النجفية : ١١٢ ، منشورات مكتبة المفيد .
لقوله
تعالى ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَ تْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِيناً ) وجرياً مع الصلوات على محمّد وآل محمّد
، والذي فيه التوحيد والنبوة والإمامة ، لأنّ جملة « اللّهمّ صَلِّ على محمّد وآل محمّد » فيه طلب ودعاء من الله لنزول الرحمة على النبي محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين . فقوله : صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا
عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا
هو إشارة إلى هذه
المقارنة بين الشهادة بالولاية في الأذان مع الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه . فكما يسـتحبّ للمؤذن
عند قوله «
أشهد أنّ محمّداً رسول الله » أن يقول : «
اللّهمّ صلّ على محمّد وآله » ، فكذلك يُستحبّ أن يقول : « أشهد أنّ عليّاً
ولي الله » بعد إكمال الشهادتين
. وكما أنّ الصلاة على
محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان ، فكذلك الشهادة لعليّ لا تخلّ فيه لأنّه ذكر محبوبٌ دعا إليه الشارع من خلال العمومات الواردة في الذكر الحكيم والحديث النبويّ الشريف . وعليه فالسيّد بحر
العلوم رحمهالله عدّ الشهادة الثالثة من كمال فصول
الأذان خلافاً للشيخ الطوسي ، وكان القائل بكونها مكملة للشهادتين يلزم من كلامه كونها جزءاً مستحباً ، فلو ثبتت هذه الملازمة فسيكثر القائلون بالجزئية المستحبة . هذا وإني راجعت كتاب
السيّد بحر العلوم « مصابيح الاحكام المخطوط » للوقـوف على رأيه في الشهادة الثالثة فلم اجد فيه شيئاً عنها مكتفياً بالقول : يستحبّ
الأذان في الفرائض اليوميّة والجمعة استحباباً مؤكداً في حقّ الرجال وخصوصاً في الجماعة ، وصلاتي الغداة والمغرب كما هو المشهور .
٢١ ـ الشيخ محمّد علي الكرمانشاهي ( ت ١٢١٦ هـ )
قال جدّي الأمّيّ الشـيخ محمّد علي الكرمانشاهي بن محمّد باقر البهبهاني المعروف بـ « الوحيد البهبهاني » في ( مقامع الفضل ) ما ترجمته :
|
لا مانع أن يقول القائل بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » مرتين ، والأولى أن يقولها بقصد التبرّك لا بقصدِ الأذان . . . . والإقامة مثل الأذان (١) . |
وقد يستفاد من كلمة « والاولى » امكان الاتيان بها بقصد الجزئية المستحبة ، وان كان الاولى قولها بقصد التبرك ، وعليه فهو من المجيزين للاتيان بها في الأذان والإقامة لا المانعين .
٢٢ ـ الشيخ حسين البحراني ( ت ١٢١٦ هـ )
قال الشـيخ حسين البحراني في كتابه ( الفرحة الأُنْسيّة في شرح النّفحة القُدسيّة في فقه الصّلوات اليوميّة ) :
|
وأمّا الفصل المرويّ في بعض الأخبار
المرسلة وهو « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » أو « محمّداً وآله خير البرية » فممّا نفاه الأكثر ، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غيرَ لازم ، وهو الأقوى ، والطعنُ فيه بأنّه من أخبار المفوّضة والغلاة كما وقع للصّدوق في الفقيه ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق فلا باس بما ذهب إليه الشيخ ، وليس من البِدَعِ كما زعمه الأكثر ، ويؤيّده وجود أخبار عديدة آمرة بأنّه كلّما ذُكِرَ محمّد صلىاللهعليهوآله وشهد له بالنبوة فليُذْكَر معه عليٌّ
عليهالسلام ويُشهَد له |
__________________
(١) مقامع الفضل ٢ : ٢٠٣ .
بالولاية (١)
. فالشيخ البحراني رحمهالله استفاد من ظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به وان كان غير لازم وهو الاقوى عنده . ثم جاء ليرد الطعن
الوارد فيه بأنّه من اخبار المفوّضة والغلاة بأن طعن الصدوق يشهد بالثبوت ، لان الطعن فرع الورود والثبوت ولذلك قال : «
وهو غير محقق »
أي طعن الصدوق غير محقق . قال الشيخ حسين بن
محمّد آل عصفور البحراني ـ ابن أخ الشيخ يوسف صاحب الحدائق في (
سداد العباد ورشاد العُبّاد ) ما نصه : وأمّا قول : « أشهد أنّ علياً أمير
المؤمنين » أو « وليّ الله » و « أنّ آل محمّد خير البرية » على ما ورد في بعض الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الاشهر ، وفاعله لا يأثم ، غير أنّه ليس من فصولهما المشهورة ـ وإن حصل به الكمال ، وليس من وضع المفوّضة ـ سيّما إذا قصد التبرُّك بضمّ هذه الفصول (٢)
. فالشـيخ آل عصفور
أراد بكلامه هذا ، التعليق على ما قاله الشيخ الطوسيّ في المبسوط : «
غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله » ، وكذا التعليق على كلام الشيخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة ، والقول بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها كمال الأذان إلّا أنّها مع ذلك ليست جزءاً واجباً داخلاً في ماهيته . وعليه فإنّه رحمهالله وإن كان يقول بمثل كلام الشيخ الطوسي بعدم إثم فاعلها ، إلّا __________________ (١)
الفرحة الأنسية : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ . (٢)
سداد العباد ورشاد العباد : ٨٧ / البحث الثالث : في الكيفية والترتيب وبيان الفصول
.
٢٣ ـ حسين آل عصفور البحراني ( ت
١٢٢٦ هـ )
أنّه لا يقول بها من خلال الأخبار الشـاذّة بل للعمومات ، ولا سـيّما إذا قصد بعمله التبرّك والتيمّن .
٢٤ ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت ١٢٢٨ هـ )
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه ( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ) ما نصه :
|
وروي : أنّه [ أي الأذان ] عشرون فصلاً ؛ بتربيع التكبير في آخره (١) . ( والمرويّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله مرّة قول : « أشهد أنّ محمّداً » ـ واُخرى : أنّي ـ رسول الله » (٢) ، والظاهر نحوه في الإقامة ، والتشهّد ) (٣) . وليس من الأذان قول : « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » أو « أنّ محمّداً وآله خير البريّة » ، و « أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً » مرّتين مرّتين ؛ لأنّه من وضعِ المفوّضة ـ لعنهم الله ـ على ما قاله الصّدوق (٤) . ولما في النّهاية : أنّ ما روي أنّ منه : « أنّ عليّاً وليّ الله » ، و « أنّ محمّداً وآله خير البشر أو البرية » من شواذّ الأخبار ، لا يعمل عليه (٥) . وفي المبسوط : قول : « أشهد أنّ
عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام » و « آل |
__________________
(١) مصباح المتهجد : ٢٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٨ ، الوسائل ٤ : ٦٤٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ / ح ٢٢ ، ٢٣ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٩٧ / ح ٩٠٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٨ / أبواب الأذان والإقامة / ح ٦٩٧٤ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « م » ، « س » .
(٤) الفقيه ١ : ٢٩٠ .
(٥) النّهاية : ٦٩ .
محمّد خير البريّة » من الشّـاذّ لا
يعول عليه (١) . وما في المنتهى : ما روي من أنّ قول :
« إنّ عليّاً وليّ الله » ، و « آل محمّد خيرالبريّة » من الأذان من الشاذّ لا يعوّل عليه (٢) . ثمّ إنّ خروجه من الأذان من المقطوع
به ( لإجماع الإماميّة من غير نكير ، حتّى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب ، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب ) (٣) . ولأنّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان
، ( ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمّة عليهمالسلام ) (٤) . ولأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام
حين نزوله كان رعيّة للنبيّ صلىاللهعليهوآله
، فلا يذكر على المنابر . ( ولأنّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور
بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط ) (٥) . على أنّه لو كان ظاهراً في مبدأ
الإسلام ، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام ، وقد أُمِرَ النبيّ صلىاللهعليهوآله
مكرّراً في نصبه للخلافة ، والنبيُّ صلىاللهعليهوآله يستعفي حذراً من
المنافقين ، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين . ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان ،
لزمه ذكر الأئمّة عليهمالسلام ، ( ولأنّه لو كان من فصول الأذان ، لنُقل بالتواتر في هذا __________________ (١)
المبسوط ١ : ٩٩ . (٢)
منتهى المطلب ٤ : ٣٨١ . (٣)
ما بين القوسين ليس في « س » ، « م » . (٤)
ما بين القوسين زيادة في الحجريّة . (٥)
ما بين القوسين زيادة في الحجريّة .
|
الزمان ، ولم يخفَ على أحد من آحادِ نوع الإنسان ) (١) . وإنّما هو من وضع المفوّضة الكفّار ، المستوجبين الخلود في النّار ، كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلّامة من شواذّ الأخبار كما مرّ . وروي عن الصادق عليهالسلام : « أنّه من قال : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين » (٢) . ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلقَ إلى عليّ عليهالسلام ، فساعَدَهُ على الخلق ، فكانَ وليّاً ومُعيناً . فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين ، فقد شرّع في الدّين . ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه . ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليهالسلام ( لرجحانه في ذاته ، أو مع ذكر سيّد المرسلين ) (٣) أُثيب على ذلك . لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ( إذا لم تُقرن مع الله ورسوله في الآية الكريمة ؛ لحصول القرينة فيها ) (٤) لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله ، فلو بدّل بـ « الخليفة بلا فصل » ، أو بقول : |
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « س » ، « م » .
(٢) الاحتجاج ١ : ٢٣١ .
(٣) بدل ما بين القوسين في « ح » : لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه بذاته ، أو مع ذكر ربّ العالمين ، أو ذكر سيّد المرسلين ، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمّة الطاهرين ، أو الردّ على المخالفين ، وإرغام أنوف المعاندين .
(٤) بدل ما بين القوسين في « ح » : لكثرة معانيها ، فلا امتياز لها إلّا مع قرينة إرادة معنى التصرّف والتسلّط فيها ، كالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة في الآية الكريمة ونحوه .
« أمير المؤمنين » ، أو بقول : « حجّة
الله تعالى » ، أو بقول : « أفضل الخلق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
» ونحوها ، كان أولى (١) . ثمّ قول : « وإنّ عليّاً وليّ الله »
، مع ترك لفظ « أشهد » أبعد عن الشُبهة ، ولو قيل بعد ذكر رسول الله : « صلى الله على محمّد سيّد المرسلين ، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ الله أمير المؤمنين » لكان بعيداً عن الإيهام ، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام (٢) . ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى
في الأذان . ويجري في جميع الزيادات هذا الحكم ،
كالترجيع ، وهو زيادة الشّهادة بالتوحيد مرّتين ، فيكون أربعاً ، أو تكرير التكبير ، والشّهادتين في أوّل الأذان ، أو تكرار الفصل زيادة على الموظّف ، أو تكرار الشّهادتين جهراً بعد إخفاتهما ، وفي تكرير الحيعلات ، أو « قد قامت الصّلاة » ، وجميع الأذكار المزادة فيه ، فيختلف حكمها باختلاف القصد ، ولا بأس بها ما لم يقصد بها الجزئيّة أو التقريب بالخصوصية ما لم يحصل فصل مخلّ بهيئة الأذان (٣) . قد يتصور البعض بأنّ
الشيخ كاشف الغطاء بكلامه هذا كان يعتقد بصحة كلام الشيخ الصدوق ، وذلك لقوله : وليس من الأذان قول : « أشهد أن عليّاً ولي
__________________ (١)
في « ح » زيادة : وأبعد عن توهّم الأعوام أنّه من فصول الأذان . (٢)
في « ح » زيادة : ثمّ الذي انكر المنافقون يوم الغدير ، وملأ من الحسد قلوبهم
النصّ من النبيّ صلىاللهعليهوآله عليه بإمرة المؤمنين
. وعن الصادق عليهالسلام : من قال : لا إله إلّا الله محمّد
رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام . (٣)
كشف الغطاء ٣ : ١٤٣ ـ ١٤٥ .
الله » . . . إلى آخره ، ثم قوله بعد ذلك : « وإنما هو وضع المفوضة الكفار ، المستوجبين الخلود في النار ، كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلّامة من شواذّ الأخبار كما مر » ، وهذا التصوّر غير صحيح ؛ وذلك لأمور :
الأوّل : إنّ ما قاله رحمهالله كان حكاية عن قول الصدوق وليس تبنّياً منه لذلك ؛ لقوله رحمهالله : « على ما قاله الصدوق » وفي الآخر : « كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلّامة من شواذّ الأخبار » .
الثاني : إنّ الشيخ كاشف الغطاء قد أتى بغالب الصيغ التي قيلت في الشهادة الثالثة وأضاف عليها المزيدَ ؛ لقوله رحمهالله : « لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ، لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله ، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل له ، أو بقول : أمير المؤمنين ، أو بقول : حجّة الله تعالى ، أو بقول : أفضل الخلق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ونحوها كان اولى » .
الثالث : إنّ الشيخ كاشف الغطاء رحمهالله مع الشيخ الصدوق رحمهالله إن صحّ وضعها من قبل المفوّضة ، كما نحن وجميع المسلمون معه ، لأنّها ليست من أصل الأذان ، لكنّ إفتاء الشيخ بالصيغ المحكيّة عن الصدوق ، وإضافته جُمَلاً جديدة عليها تؤكّد سماحه بالإتيان بها لا على نحو الجزئيّة ؛ لقوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليهالسلام لرجحانه في ذاته أو مع ذكر سيّد المرسلين أثيب على ذلك » .
أمّا قوله رحمهالله « لأنّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان » فهو صحيح أيضاً إن كان يعني الإسلام الصحيح الكامل وهو المتمثل بالشهادة بالولاية لعلي ، لان ليس هناك إسلام صحيح كامل دون الولاية باعتقاد الشيخ تبعاً لائمته ، وقد وقفت سابقاً على اعتراض الإمام الحسين عليهالسلام لمن اعتبر الأذان رؤيا بقوله عليهالسلام : « الأذان وجه دينكم »
، فلا يتحقق الوجهية للدين إلّا من خلال الولاية ، ولا معنى للدين عند الأئمة إلّا مع الولاية ، ولاجل ذلك نرى الإمام الرضا حينما يروي حديث
السلسلة
الذهبية يقول : «
بشرطها وشروطها وأنا من شروطها » . فقد يكون الشيخ رحمهالله أراد الوقوف امام الذين يريدون ادخال الشهادة الثالثة على نحو الجزئية ، وان قوله الانف جاء لهذا الغرض ، لأنّه رحمهالله وحسبما عرفت لا يخطا من يأتي بها لرجحانها في ذاته أو مع ذكر سيد المرسلين بل يعتقد بأن الذي يأتي بها
يثاب على فعله رحمهالله ، لقوله « فمَن أتى بذلك
قاصداً به التأذين ، فقد شرّع في الدّين . ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في
القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه . ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليهالسلام . . . » . وعليه فالإسلام لا
يتحقّق ولا يكمل إلّا بالولاية لعلي ، لأنّ (
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (١) تشهد بذلك ، وذلك لما روي عن الباقر
والصادق عليهماالسلام في تفسير قوله تعالى (
فِطْرَتَ اللَّهِ ) قالا : هو لا إله إلّا الله ، محمّد
رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين ولي الله ، إلى ها هنا التوحيد (٢) . فإذن الولاية هي
كالتوحيد والنبوة ؛ إذ لا يمكن فهم الإسلام إلّا من خلال الاعتراف بالله ورسوله ووليه ، وقد مرّ عليك أنّ الشارع المقدّس كان يحبّذ الدعوة إلى الولاية مع الشهادتين في الأذان ، لما جاء في العلل عن ابن أبي عمير أنّه سال
أبا الحسن «
الكاظم » عن «
حيّ على خير العمل »
« لم تركت ؟ . . . فقال عليهالسلام أن الذي أمر بحذفها [ أي عمر ] لا يريد حثاً عليها ودعوةً إليها » . فالشيخ رحمهالله بكلامه لا يريد المنع من المحبوبية بل يريد المنع من الجزئية
، ومعنى كلامه أن الأذان بدون ذكر الولاية لا يخل به ولا يبطله . بل يمكننا أن نتجاوز
هذا الكلام ونقول بأكثر من ذلك وهو إمكان لحاظ معنى __________________ (١)
الروم : ٣٠ . (٢)
تفسير القمي ٢ : ١٥٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٣ : ٢٧٧ . وهذا ما سنتكلم عنه في
الفصل الثالث من هذه الدراسة تحت عنوان « الشهادة الثالثة الشعار والعبادة » .
الولاية في الأذان لأنّه إعلام وإشعار للصلاة ولا يتحقّق الأذان الصحيح إلّا من المؤمن الموالي .
ويؤيّد ذلك ما جاء عن الإمام الرضا : « من أقرّ بالشّهادتين فقد أقر بجملة الإيمان » لا كلّه ، وسبق أن قلنا بأنّ في كلامه عليهالسلام إشارة إلى أنّ في الأذان معنى الولاية ، وبه يكون الأذان هو شعار الإسلام والإيمان معاً ، وقد استظهر هذا ـ من الرواية ـ قَبْلَنا جدُّنا من جهة الأُم التقيّ المجلسي رحمهالله الذي مرّ عليك كلامه سابقاً .
ومن هنا أُثيرت مسألة بين الفقهاء : هل الأذان إعلام ، أم شهادة ، أم ذكر ، أم . . . فذهب البعض منهم إلى أنّها إعلام ، فجوّزوا أذان الكافر لو كان مأموناً ، وذهب البعض الآخر إلى أنّها شهادة ، فاختلفوا : هل يجوز تأذين الكافر أم لا ؟ وعلى فرض أنّ الكافر شهد الشهادتين في الأذان فهل يعتبر مسلماً بهذه الشهادة أم لا ؟ فغالب الفقهاء اختاروا العدم (١) لكون ألفاظ الشهادتين في الأذان غير موضوعة لأَنْ يُعتقد بها ، بل الأذان للإعلام بوقت الصلاة ، وإن كان هذا الإعلام في غالب الأحيان يقترن بالاعتقاد ويصدر من المعتقِد ، وكذا تشهّد الصلاة لم يوضع لذلك ، بل لأنّه جزء من العبادة ، ولو صدرت عن غافل عن معناها صحّت صلاته لحصول الغرض المقصود منها ، بخلاف الشهادتين المجرّدتين ، فإنّهما موضوعتان للدلالة على اعتقاد قائلهما .
وقد اشترط البعض لزوم اشتراط الإيمان في المؤذّن ، لما روي في التهذيب عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه سئل عن الأذان : هل يجوز أن يكون من غير عارف ؟ قال عليهالسلام : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذانَ فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يُقتدى به (٢) .
__________________
(١) انظر في ذلك روض الجنان : ٢٤٢ .
(٢) تهذيب الاحكام ٢ : ٢٧٧ / باب الأذان والإقامة / ح ١١٠١ .
وقد مرَّ عليك تعليق
الفيض الكاشاني على هذا الخبر بقوله : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة ، فإنّه بهذا المعنى في عرفهم عليهمالسلام ، ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئاً كما في الحديث النبوي : من مات ولم يعرف إمام زمانه . . . (١) كلّ هذه النصوص تؤكّد
لحاظ معنى الولاية ضمن الأذان ، وإن لم يشرّع من قبل الأئمّة عليهمالسلام على نحو الجزئية . أمّا قوله : «
لأنّ أمير المؤمنين حين نزوله كان رعيَّةً للنبيّ فلا يذكر على المنابر » فهذا ينقضُهُ ذكر الرسول عليّاً من على المنابر وفي أكثر من مناسبة ، وحسبك واقعة الغدير في حجّة الوداع واجتماع أكثر من مائة وعشرين ألف مسلم ، وخطاب الرسول فيهم خير دليل على وجود ذكر عليّ في عهد رسول الله من على المنابر . وكونه رعيّةً للنبيّ
الأكرم لا ينافي ذكره في الأذان ، كما أنّ كون النبيّ عبداً لله لا ينافي ذكره في الأذان . فلو ثبت ذكر الرسول صلىاللهعليهوآله لعلي ـ وهو واقع يقيناً ـ من على المنابر ، فما المانع أن يذكره الصحابة في عهده صلىاللهعليهوآله أو من بعده صلىاللهعليهوآله لا على نحو الجزئية ، وقد كان مثلُهُ ممّا يعمل به بعض الصحابة مثل كدير الضبيّ الذي كان يسلّم على النبي والوصي في صلاته (٢) ، وهناك روايات كثيرة أخرى في مرويّات أهل البيت تُلْزِمُ
بذكر الأئمة واحداً بعد الآخر في خطبة الجمعة ، كما يشترط الفقهاء ذكر الصلاة على النبيّ والآل في تشهد الصلاة ، وفي أمور عباديّة اخرى ، وكل هذه الأمور تؤكد محبوبية هذا الأمر ومعروفيته وإعلانه عندهم ، وبذلك فلا مانع من ذكر اسمه المبارك على المنابر مع كونه رعيّةً للنبي صلىاللهعليهوآله . __________________ (١)
الوافي ٧ : ٥٩١ . (٢)
الإصابة ٥ : ٥٧٦ / ت ٧٣٩١ لكدير الضبي ، والمعرفة والتاريخ ٣ : ١٠٢ ، مناقب الكوفي : ٣٨٦ / ح ٣٠٥ .