أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨
أى ظهر لى أنها لا تحبنى بعد أن لم يكن ظاهرا ، ويلزم منه أن يكون الرب ـ تعالى ـ جاهلا بعواقب الأمور ؛ وقد أبطلناه (١).
الفرقة السابعة عشرة : النّصيريّة والإسحاقيّة (٢) :
وقد ذكرنا مذهبهم فى مسألة استحالة حلول ذات الإله ـ تعالى ـ وصفته فى محل وأبطلناه (٣).
الفرقة الثامنة عشرة : الإسماعيلية (٤) ، ولهم ألقاب سبعة :
الباطنية ، والقرامطة ، والخرمية ، والسبعية ، والبابكية ، والمحمرة ، والإسماعيلية وتسميتهم باطنية : لأنهم يزعمون أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، وأن المراد منه الباطن دون ما هو الظاهر ، والمعلوم منه لغة ، وزعموا أن منزلة الباطن من الظاهر ، كمنزلة القشر من
__________________
(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ٧٢ / ب وما بعدها.
(٢) النصيرية والإسحاقية : النصيرية : أتباع أبى شعيب محمد بن نصير البصرى النميرى توفى سنة ٢٧٠ ه وكان يدعى أنه نبى بعثه أبو الحسن العسكرى الإمام الحادى عشر. والنصيرية لهم وجود مؤثر فى سوريا اليوم ، وكذلك الإسحاقية.
والفرق بينهما : أن النصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي فى على ـ رضي الله عنه ـ والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة فى النبوة.
انظر عن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : ما مر ل ١٥٥ / أص.
والملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٠٨٨. شرح المواقف ص ٣٢ من التذييل. ورسالة فى الرد على النصيرية لابن تيمية والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٥١١ وما بعدها ، وإسلام بلا مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٣٢١ وما بعدها ، وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ص ٦٣ وما بعدها.
والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى للدكتور محمد الخطيب ص ٣١٩ وما بعدها.
(٣) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار ل ١٥٥ / أوما بعدها.
(٤) الإسماعيلية : فرقة باطنية. انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ظاهرها التشيع لأهل البيت. وحقيقتها هدم عقائد الإسلام. تشعبت فرقها ، وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر. انظر عنها بالإضافة إلى ما ورد هاهنا.
الملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٩١ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٨١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢٣ وكتاب فضائح الباطنية للإمام الغزالى ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤ وشرح المواقف للجرجانى ـ التذييل ـ ص ٣٣ وما بعدها. ومن الدراسات الحديثة : طائف الإسماعيلية للدكتور محمد كامل حسين. وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ١ / ٥٩ وما بعدها.
وإسلام بلا مذهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٢٣٧ والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٤٥ والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى ـ عقائدها وحكم الإسلام فيها. للدكتور أحمد الخطيب ص ٥٥ وما بعدها.
اللباب ، ومنه قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١).
وزعموا أن المتمسك بظاهر القرآن ، والأخبار معذب بالمشقة فى الاكتساب والباطن مؤد إلى ترك العمل بالظاهر ، وهذا القول مأخوذ من قول المنصورية ، والجناحية كما سبق تعريفه (٢).
وإنما سموا بالقرامطة : لأن أول من أسس دعوتهم ، رجل من أهل الكوفة يقال له حمدان قرمط (٣).
وإنما سموا خرمية : لإباحتهم المحرمات ، ونكاح ذوات المحارم.
وإنما سموا السبعية : لأنهم زعموا أن الرسل النطقاء بالشرائع سبع آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، ومحمد المهدى سابع النطقاء ، وأن بين كل ناطق وناطق سبعة أئمة منتمين لشريعته ، وأنه لا بد فى كل عصر من سبعة ، بهم يعرف الدين ، وحدوده ، وبهم يهتدى ، ويقتدى ، وهم متفاوتون فى الرتبة وهم :
إمام : هو المؤدى عن الله ـ تعالى ـ وهو غاية الأدلة إلى دين الله ـ تعالى.
وحجة : وهو الّذي يؤدى عن الإمام ، ويحمل علمه ، ويحتج به له.
وذو مصة : وهو الّذي يمتص العلم من الحجة : أى يأخذه عنه.
وأبواب : والباب هو الداعى الأكبر الّذي يرفع درجات المؤمنين.
وداع مأذون : وهو الّذي يأخذ العهود على الطالبين ، من أهل الظاهر فيدخلهم فى ذمة الإمام ، ويفتح لهم باب المعرفة والعلم.
__________________
(١) سورة الحديد ٥٧ / ١٣.
(٢) راجع ما مر فى هذا الفصل ل ٢٤٧ / ب.
(٣) هو حمدان بن الأشعث القرمطى. من سواد الكوفة ، وانضم للدعوة الباطنية وصار من دعاتها. وضل بسببه خلق كثير ، ونشر دعوته فى سواد الكوفة سنة ٢٧٨ ه (انظر الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٣٩٥ ، والقرامطة تأليف الإمام عبد الرحمن بن الجوزى).
ومكلب : وهو الّذي ارتفعت درجته فى الدين ، ولم يؤذن له بالدعوة ، ولكن أذن له بالاحتجاج ، وإذا احتج على أحد من أهل الظاهر ، وكسر عليه مذهبه حتى يطلب ويرغب ، فيؤديه المكلب ، إلى الداعى ؛ ليأخذ عليه ـ وإنما سموا ما مثل هذا مكلبا ؛ لأن مثله مثل الجارح ، يحبس الصيد على كلب الصائد ، على ما قاله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١).
ومؤمن : وهو الّذي أخذ عليه العهد ، وآمن ، وأيقن بالحق ودخل فى ذمة الإمام ، وحزبه. قالوا : وذلك كما أن السموات سبع ، والأراضين سبع ، والبحار سبعة والأيام سبعة ، / وأن تدبير العالم منوط بالكواكب السبعة ، وهى زحل والمشترى ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.
وإنما سموا بابكية : لخروج طائفة منهم مع بابك الخرمى (٢) فى ناحية أذربيجان.
/ / وإنما سموا بالمحمرة : لأنهم لبسوا الحمرة فى أيام بابك ، وقيل : لأنهم يسمون مخالفيهم من المسلمين حميرا.
وإنما سموا إسماعيلية : لأنهم أثبتوا الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وقيل لانتساب زعيمهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر.
وأصل دعوة هؤلاء مبنى على إبطال الشرائع ، ودحض النواميس ، الدينية ، وذلك لأن ابتداء دعوتهم أن نفرا من المجوس يقال لهم غيارية اجتمعوا فتذاكروا ما كان أسلافهم عليه من الملك ، الّذي غلب عليه المسلمون ، فقالوا : لا سبيل لنا إلى دفعهم بالسيف ؛ لكثرتهم ، وقوة شوكتهم ؛ لكنا نحتال بتأويل شرائعهم ، على وجوه تعود إلى قواعد الأسلاف من المجوس ، ونستدرج به الضعفاء منهم ؛ فإن ذلك مما يوجب الاختلاف بينهم ، واضطراب كلمتهم.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤.
(٢) بابك الخرمى : فارسى مجوسى الأصل. دخل الإسلام ، وسمى الحسن ، وقيل الحسين خرج على الخليفة المأمون سنة ٢٠١ ه زاعما أنه سيعيد ملك فارس ، ولكنه هزم بعد معارك كثيرة ، وأرسل إلى الخليفة المعتصم سنة ٢٢٣ ه الّذي أمر بقتله ، وصلبه (مروج الذهب ٤ / ٥٥ والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٦٦ وما بعدها).
وكان رأس القوم فى ذلك عبد الله بن ميمون القداح (١). وقيل حمدان قرمط ، وكان أول ما فعل أنه انتمى إلى غلاة الروافض ، واستمالهم بالدعوة إلى الإمام والحث على متابعته ، ولم يزل يستدرجهم بمخارقه ، حتى أجابه منهم طائفة كثيرة ، ولهم فى الدعوة واستدراج الطغام (٢) مراتب.
الأولى : الرزق ، وهو أن يكون الداعى فطنا ، عارفا بقبول حال المدعو ، لما يدعوه إليه بحيث لا يدعو غير قابل ، ولذلك نهوا دعاتهم ، عن إلقاء البذر فى الأراضى السبخة ، وأن لا يتكلم بالدعوة فى بيت فيه سراج ؛ أى فقيه ، أو متكلم.
الثانية : التأنيس : وهو استمالة كل واحد ، بتقرير ما يميل إليه هواه ، حتى إنه إن كان المدعو ممن يميل إلى الزهد ، والورع ، زين ذلك ، وقبح نقائضه ، وإن كان ممن يميل إلى الخلاعة ، زين له ذلك ، وقبح نفائضه ، حتى يحصل له التأنيس.
الثالثة : التشكيك ، والتعليق : وهو أنه إذا تأنس المدعو بالداعى ، شككه بعد ذلك فى أركان الشريعة ، وذلك بأن يقول له : ما معنى الحروف المقطعة فى أوائل السور ، ولم كانت الحائض يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة؟ ولم كان الغسل واجبا من خروج المنى ، دون البول؟ والركوع واحدا ، والسجود اثنين؟ وأبواب الجنة ثمانية ، وأبواب جهنم سبعة؟ والصبح ركعتين ، والمغرب ثلاث ، والظهر ، والعصر ، والعشاء أربعا؟ إلى غير ذلك ، فيتشكك ، ويتعلق قلبه بالعود ، إلى مراجعتهم ، فى ذلك.
الرابعة : الربط ، وذلك أنه إذا عاد إليهم ، وراجعهم فيما شككوه فيه.
قالوا له : قد جرت سنة الله ، بأخذ الميثاق ، والعهود ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) (٣) الآية.
فإذا أذعن لهم / استحلفوا بالأيمان التى يعتقدها ، أن يستر ما يسمعه منهم ، ولا يفشى لهم سرا ، إلا ما استفشوه.
__________________
(١) هو عبد الله بن ميمون بن داود المخزومى المعروف بابن القداح من أهل مكة ، وهو من الثقات عند الشيعة. عرف بالقداح ؛ لصناعته السهام ظهر فى جنوبى فارس ٢٦٠ ه وهو الّذي نشر المبادئ الإسماعيلية بها توفى سنة ٢٨٠ ه (الإعلام ٤ / ٢٨٦ ، موسوعة الأديان ص ٢٩٥).
(٢) الطّغام : أرذال الناس وأوغادهم. و ـ الضعيف الردىء من كل شيء (الطغامة) واحد الطغام و ـ الأحمق ، [يستوى فيه المذكر والمؤنث]. (ج) طغام (المعجم الوسيط ـ باب الطاء).
(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.
فإذا حلف ، قالوا له : إن الأشياء التى أشكلت عليك ، إنما يعرفها الإمام ومن أطلع عليها من قبله ، ولا يقدر على ذلك إلا بالترقى من درجة إلى درجة حتى تنتهى إليه.
الخامسة : التدليس ، وهو أن يدعو استجابة كل رئيس خطير ، تميل نفس المدعو إليه ، وإلى الاعتقاد فيه ، إلى دعوتهم حتى يميل إلى ما دعوه إليه.
السادسة : التأسيس وذلك بوضع مقدمات مقبولة فى الظاهر للمدعو على وجه تكون سابقة إلي ما يدعون ، إليه من الباطل.
السابعة : الخلع ، وهو طمأنينته إلى إسقاط ، وجوب الأعمال البدنية.
الثامنة : السلخ : وهو الخروج عن الاعتقاد ، الّذي هو قوام الدين ، وعند انتهاء المدعو إلى هذه المرتبة ، يأخذون فى الإباحة ، والحث على استعجال اللذات وترك التقيد ، بما وردت به النواميس الشرعية ، وتأويلات الشرائع ، كقولهم :
الوضوء : عبارة عن موالاة الأئمة.
والتيمم : هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام ، الّذي هو الحجة.
وأن الصلاة : إشارة إلى الناطق وهو الرسول ، ودليله قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١) ، والفعل لا يكون ناهيا ؛ بل الناهي عن ذلك إنما هو الرسول.
وإن الاحتلام سبق اللسان إلى إفشاء شيء من أسرارهم ، إلى من ليس من أهله ، بغير قصد منه واغتساله ، تجديد العهد عليه.
والزكاة : تزكية النفس / / بمعرفة ما ذهبوا إليه من دينهم.
والكعبة : النبي ، والباب : عليّ.
والصفا : النبي ، والمروة : عليّ.
والميقات : الإيناس.
والتلبية : إجابة المدعو.
والإحرام : تحريم النطق بشيء من أسرارهم دون إذنهم.
ونزع الثياب التبرى ممن خالفهم.
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.
/ / أول ل ١٤٢ / ب من النسخة ب.
والطواف بالبيت ، سبعا موالاة الأئمة.
والصوم : الإمساك عن إظهار أسرارهم.
والقيامة : قيام قائم بأمورهم ومنهم من قال هو ابتداء دون وانقضاء دور.
والميعاد : عود كل شيء إلى الأصل الّذي انفصل عنه.
وأن المراد بالجنة : راحة الأبدان من الشرائع.
والنار المشقة اللازمة من الشرائع إلى غير ذلك من ترهاتهم.
وهذا الناموس الأعظم ، والبلاغ الأكبر ، والّذي عليه مدار اعتقادهم ، وأصل دعوتهم أن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك جميع الصفات. فإن الإثبات الحقيقى يفضى إلى الاشتراك بينه وبين سائر الموجودات فيما أطلقناه عليه ، وهو تشبيه. والنفى المطلق يفضى إلى مشاركته للمعدومات ؛ بل هو واهب هذه الصفات ، ورب المتضادات.
وربما خلطوا كلامهم بكلام الفلاسفة فقالوا : إنه أبدع بالأمر العقل التام ، ثم بتوسطه أبدع النفس التى ليست تامة ، وأن النفس لما اشتاقت إلى العقل التام / احتاجت إلى الحركة من النقص إلى الكمال ، ولن تتم الحركة إلا بآلة الحركة ؛ فحدثت الأفلاك السماوية ، وتحركت حركة دورية بتدبير النفس ؛ فحدث بتوسط ذلك الطبائع البسيطة ، ويتوسط البسائط حدثت المركبات من المعادن ، والنباتات وأنواع الحيوانات ، وأشرفها نوع الإنسان ؛ لاستعداده لفيض الأنوار القدسية عليه ، واتصال نفسه بالعالم العلوى.
وأنه لما كان العالم العلوى مشتملا على عقل كامل كلى. ونفس ناقص كلى يكون مصدر الكائنات ، وجب أن يكون فى العالم السفلى عقل مشخص كامل يكون وسيلة إلى النجاة ؛ وذلك هو الرسول الناطق.
ونفس ناقصة تكون نسبتها إلى الناطق فى تعريف النجاة ، نسبة النفس الأولى إلى العقل الأول ، فيما يرجع إلى إيجاد الكائنات ؛ وذلك هو الأساس ؛ وهو الإمام الوصى للناطق.
وكما أن تحرك الأفلاك بتحريك العقل ، والنفس ؛ فكذلك تحرك النفوس والشرائع بتحريك الناطق ، والوصى.
وعلى هذا : فى كل عصر ودور ، إلى زمان القيامة ، وارتفاع التكاليف واضمحلال السنن ، وبلوغ النفس الناطقة كما لها ، وهو اتصالها بالعقول العلوية ، وذلك هو القيامة الكبرى ، وعندها تنحل تراكيب الأفلاك ، والمركبات ، وتنشق السماء ، وتتناثر الكواكب وتتبدل الأرض غير الأرض ، وتطوى السماء ، كطى السجل للكتاب ، ويحاسب الخلق ، ويتميز الخير عن الشر ، ويتصل كل بما يناسبه.
هذا ما كان عليه قدماؤهم ، فحين ظهر الحسن بن محمد الصباح (١) ، عاد ودعا الناس ـ أول دعوة ـ إلى إمام قائم فى كل زمان ، وأنه حجة ذلك الإمام فى زمانه ، وكان خلاصة كلامه :
أن المفتى فى معرفة الله ـ تعالى ـ ، إما أن يقول إنى أعرف البارى ـ تعالى ـ بعقلى ، ونظرى من غير احتياج إلى تعليم ، معلم صادق ، أو أن يقول : لا طريق مع العقل ، والنظر إلى المعرفة دون تعليم معلم صادق.
فإن كان الأول : فليس له الإنكار على عقل غيره ، ونظره ؛ فإنه متى أنكر عليه فقد علمه ؛ إذ الإنكار تعليم ، وهو دليل على أن المنكر عليه ، محتاج إلى المعلم.
وإن كان الثانى : فلا يخلوا : إما أن يكتفى بكل معلم على الإطلاق ـ كيف كان ـ أو أنه لا بد ، من معلم صادق.
فإن كان الأول : فليس له الإنكار على معلم خصمه ، وإن أنكر ؛ فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق.
وإن كان الثانى : وهو أنه لا بد من معلم صادق ؛ فلا بد من معرفة المعلم الأول ، والظفر به ، والتعليم منه.
وبان أن الحق مع هذه الفرقة ، وأن رأسهم رأس المحقين ، ومن عداهم مبطلون ، ورؤسائهم رؤساء ، المبطلين.
ثم إنه منع العوام عن الخوض فى العلوم والخواص : عن النظر فى الكتب المتقدمة ، حتى لا يطلع على فضائحهم ثم زادوا ، ونقصوا / وتفلسفوا ، ولم يزالوا متسترين
__________________
(١) هو رأس الفرقة المعروفة باسمه (الصباحية) بأصبهان. كثر اتباعه فبنى القلاع ، وقوى أمره.
ولد بالرى عام ٤٣٠ ه ونشأ نشأة شيعية انضم للإسماعيلية ، وعمره سبعة عشر عاما وكانت قلعة الموت عاصمة لدولته ، توفى الحسن الصباح سنة ٥١٨ ه من غير سليل ؛ لأنه قتل ولديه ، فى حياته. (الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٠٣ وما بعدها.
بالنواميس الدينية ، والأمور الشرعية حتى تحصنوا بالحصون ، وتعلقوا بالمعاقل ، وكثرت / / شوكتهم ، ورهب ملوك السوء منهم ، فأظهروا المخبآت ، وباحوا بالمكتمات ، من إسقاط التكاليف ، وإباحة المحرمات ؛ وصاروا كالحيوانات العجماوات ، من غير ضابط دينى ، ولا وازع شرعى. فنعوذ بالله من الشيطان ، والتخبط فى الأديان.
وعند هذا : فلا بد من التنبيه على إبطال (١) مخارقهم ، وزيف ما يستدرجون به الطغام ، والعوام على وجه مختصر ، وإن كان بطلان ذلك أظهر من أن يحتاج إلى البيان.
أما قولهم : إن النطقاء سبعة ، والأئمة سبعة ؛ لأن السماوات سبع ، والأراضين والبحار ، والأيام ، والكواكب المدبرة سبعة ؛ فتمثيل من غير دليل ، ثم ليس ذلك أولى من أن يقال إن النطقاء اثنا عشر ، وكذلك الأئمة ؛ لأن البروج اثنا عشر ، والأشهر اثنا عشر ، وأن يقال بالتربيع ؛ لأن العناصر أربعة ، والأخلاط أربعة ، أو بالتوحيد ؛ لأن الله واحد.
كيف؟ وأن قولهم بأن السموات سبع ، والأراضين سبع ، إن أخذوه من ظاهر القرآن ؛ فلعل الباطن مخالف للظاهر ، وإن أخذوه من قول الفلاسفة ؛ فالأفلاك عندهم تسعة ، والأرض واحدة ؛ كما أسلفناه من مذهبهم.
وعلى هذا ـ فكان يجب إن قيس النطقاء والأئمة بالسماوات ، أن يكونوا تسعة ، وإن قيسوا بالأرض ، أن يكون الناطق. واحدا ، وكذلك الإمام.
وأما الإباحة ، ومخالفة ظواهر الشرائع ، وتأويلاتها بما حرفوا به. إما أن يكون ذلك مستندا إلى العقل والنظر ، أو إلى قول الإمام المعصوم ، كما هو مذهبهم.
فإن كان الأول : فالعقل عندهم غير كاف فى ذلك. ولو كان كافيا ؛ لما احتيج إلى الإمام المعصوم.
وإن كان الثانى : فالإمام المعصوم المخبر بذلك ، لا بد ، وأن يعلم كونه معصوما ؛ ليحصل الوثوق بقوله ، وإلا لما كان قوله أولى من قول غيره.
__________________
/ / أول ل ١٤٣ / أ.
(١) (على إبطال) ساقط من ب.
والعلم بذلك إن كان معلوما بالعقل ، والنظر ، فالعقل غير معط لذلك إلا فى حق من دلت المعجزة على صدقه ، وذلك هو الناطق ، لا الإمام ـ كيف وأن العقل عندهم غير كاف؟.
وإن كان ذلك معلوما بقوله ، فقوله : إنما يكون موجبا للعلم ، أن لو عرف صدقه فإذا ، كان صدقه ، متوقفا على قوله ، والاحتجاج بقوله ، على صدقه ، فرع صدقه ؛ فيكون دورا ، وإن كان معرفة صدقه بأمر آخر ؛ فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه.
قولهم إن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ؛ فهو إبطال لوجود الإله تعالى ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (١).
قولهم : إنه ليس بعالم ، ولا جاهل ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك فى سائر الصفات ؛ فقد أبطلناه أيضا فى الصفات (٢).
وما ذكروه من إبداع الرب ـ تعالى ـ للعقل / وبتوسطه للنفس ، وبتوسط النفس لحركات الأفلاك ، وبتوسط حركات الأفلاك لحدوث المركبات ؛ فقد استقصينا إبطاله أيضا فيما تقدم (٣).
وإذا بطل القول بوجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد بطل القول بوجود الناطق ، والإمام بالقياس عليه.
وبتقدير تسليم وجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد أبطلنا فى النبوات القول بوجوب ، وجود الناطق ، وهو الرسول ، وبينا أن ذلك من الجائزات لا من الواجبات (٤).
وبتقدير وجوب وجود الناطق ، فلم قالوا بوجوب وجود الإمام؟ ولم لا يكتفى بما يبلغه إلينا الناطق ، من غير حاجة إلى إمام ، ويكون ما يسنه ، ويشرعه ، ويضعه من الضوابط ، كافيا فى المعرفة بعد موته ، كما كان ذلك كافيا فى حياته ، كيف وإن الإمام
__________________
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٤١ / أوما بعدها.
(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٥٤ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما مر فى الجزء الثانى ل ٣٢ / ب وما بعدها.
(٤) انظر ما مر فى قاعدة النبوات ل ١٣٣ / أوما بعدها.
إما أن يكون صادقا أو لا يكون صادقا ، فإن لم يكن صادقا ، فلا فائدة فيه ؛ إذ ليس قوله أولى من قول غيره ، وإن كان صادقا ؛ فلا بد من معرفة صدقه ، ولا سبيل إليه لما تقدم.
وعلى هذا فقد بطل ما ذكره الحسن بن محمد الصّباح فى أمر الإمام ، ووجوب اتباعه ، ولا نعرف خلافا بين المسلمين فى كفر هذه / / الطائفة ، وأن حكمهم حكم المرتدين ، وسيأتى تفصيل القول فيه (١).
وأما الزيدية (٢) : فثلاث فرق :
الفرقة الأولى : الجارودية (٣).
أصحاب أبى الجارود ، زعموا أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نصّ على عليّ بالوصف ، دون التسمية ، وأن الصحابة كفروا بتركهم الاقتداء بعليّ بعد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم الإمامة بعده فى الحسن ، ثم فى الحسين ، ثم الإمامة شورى فى ولدهما ، فمن خرج منهم عالما ، فاضلا ، داعيا إلى الله ؛ فهو الإمام.
ثم اختلفوا : فمنهم من قال : إن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين ، وأنكر قتله ، ومنهم من قال : الإمام المنتظر محمد بن القاسم ، ومنهم من ينتظر يحيى بن عمير صاحب الكوفة ، وسيأتى إبطال قولهم فيما بعد (٤).
__________________
/ / أول ل ١٤٣ / ب.
(١) انظر ما سيأتى ل ٢٥٨ / أوما بعدها.
(٢) هم أتباع الإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم» (٨٠ ـ ١٢٢ ه) وهم أقرب فرق الشيعة من أهل السنة والجماعة.
يتميزون بالبعد عن التطرف والغلو. قصروا الإمامة على أولاد على ـ رضي الله عنه ـ من فاطمة رضى الله عنها ـ وقد افترقوا إلى فرق كما هو موضح فى الأصل.
انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ١٤٠ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٢٢ ، ٣٠ ـ ٣٧ والملل والنحل ص ١٥٤ ـ ١٦٢ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٢ ، ٥٣ ، وشرح المواقف ص ٣٩ ـ ٤١ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٥٥ ـ ٢٦٢ وإسلام بلا مذاهب ص ٢٢٥ ـ ٢٣٣ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٤٧ ـ ٥٢ ، جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ص ٢٢٥ وما بعدها.
(٣) الجارودية : أصحاب أبى الجارود وهو زياد بن المنذر الهمذانى الخراسانى سماه الإمام الباقر سرخوبا. وفسره :
شيطان أعمى يسكن البحر وكان من غلاة الشيعة ، وقيل عنه. إنه كذاب يضع الحديث فى مثالب الصحابة مات سنة ١٥٠ ه. وانظر فى شأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٤٠ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٥٧ وما بعدها ، والفصل لابن حزم ٤ / ١٧٩. والتبصير فى الدين ص ١٦ والفرق بين الفرق ص ٣٠ وما بعدها.
(٤) انظر ما سيأتى فى القاعدة الثامنة الإمامة.
الفرقة الثانية : السليمانية (١)
أصحاب سليمان بن جرير : يزعمون أن الإمامة شورى ، وأن الإمامة إنما تنعقد برجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصح للمفضول مع وجود الأفضل ، وأثبتوا إمامة أبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ولكن زعموا أن الأمة أخطأت فى البيعة لهما ، مع وجود على خطأ لا ينتهى إلى درجة الفسق ، وقضوا بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، مع القطع بأنهم من أهل الجنة ، بما ورد من النصوص فى حقهم ، وتزكية النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لهم.
الفرقة الثالثة : البترية (٢)
أصحاب بيتر الثومى قولهم كقول السليمانية غير أنهم توقفوا فى حق عثمان.
أما الإمامية (٣) المطلقة
فلم يقل أحد منهم بالحلول ، غير أنهم قالوا بالتنصيص على عليّ تعيينا ، وتعريضا ، وكفروا الصحابة بترك بيعته ، وتعرضوا للوقيعة فيهم بسبب ذلك / وهم متفقون على سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق ، ومختلفون فى المنصوص عليه بعد ذلك ، وكانوا فى الأول على مذهب أئمتهم ، حتى اختلفت الروايات عن أئمتهم ، وتمادى الزمان عليهم ؛ فتشعّبوا ، وافترقوا ، حتى صار بعضهم معتزلة ، وبعضهم إجبارية : إما مشبهة ، وإما سلفية ، ومنهم من التحق ببعض الطوائف الضالة.
__________________
(١) السليمانية : أصحاب سليمان بن جرير الزيدى ـ وتسمى أيضا الجريرية. مقالات الإسلاميين ص ١٤٢ والملل والنحل ص ١٥٩ ، ١٦٠ ، والفرق بين الفرق ص ٣٢ ، ٣٣. والتبصير فى الدين ص ١٧ وشرح المواقف ص ٤٠ ، ٤١ من التذييل.
(٢) أتباع بتير الثومى كما هنا ، وشرح المواقف ص ٤١ من التذييل ، وأصحاب الحسين بن صالح بن حىّ وكثير النواء كما فى مقالات الإسلاميين ص ١٤٤ والفرق بين الفرق ص ٣٣ وما بعدها.
وسماها فى الملل والنحل ص ١٦١ الصالحية والبترية ، الصالحية : أصحاب الحسن بن صالح توفى سنة ١٦٩ ه والبترية : أصحاب كثير النوى الأبتر توفى فى حدود سنة ١٦٩ ه.
(٣) هم القائلون بإمامة عليّ ـ رضي الله عنه ـ نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا وزعموا أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد عيّن عليا ـ رضي الله عنه ـ للإمامة فى مواضع تعريضا وفى مواضع تصريحا ، وافترقوا إلى فرق كثيرة ذكرها كتاب الفرق بالتفصيل واختلفوا فيما بينهم فى عددها وأسمائها. انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة إلي ما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٨٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٦٢ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢١ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٣٧ وما بعدها. وشرح المواقف ص ٤١ ، ٤٢ من التذييل.
أما قولهم : بالتنصيص على عليّ فسيأتى إبطاله فيما بعد (١) ، وأما تكفيرهم لأعلام الصحابة وسلف الأمة مع شهادة القرآن ، وإخبار الرسول بعدالتهم ، والرّضى عنهم ، وأنهم من أهل الجنة ؛ فهو بعيد.
أما شهادة القرآن لهم فقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (٢) ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقوله تعالى فى حق المهاجرين والأنصار : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٣) وقوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٤) وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٥) ، وذلك يدل على علو رتبتهم ، وعظم شأنهم ، وكرامتهم على الله تعالى ورسوله ،
وقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «عشرة فى الجنة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة فى حقهم جملة ، وإفرادا.
ثم إنه لو كان أبو بكر ، وعمر كافرين ؛ لكان عليّ بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر كافرا ، أو فاسقا ، حيث عرض ابنته للزنا ؛ لإن نكاح الكافر للمسلمة ؛ باطل بالإجماع ، والوطء الواقع فيه يكون زنا ؛ وعليّ لم يكن كافرا ، ولا فاسقا.
__________________
(١) انظر القاعدة الثامنة ل ٢٧٤ / أوما بعدها.
(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ١٨.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٠٠.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ١١٧.
(٥) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.
(٦) رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وصححه. رواه أبو داود رقم (٤٦٤٩) و (٤٦٥٠) فى السنة : باب فى الخلفاء.
والترمذي رقم (٣٧٤٩) و (٣٧٥٨) فى المناقب : باب مناقب عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وباب مناقب سعيد بن زيد. وابن ماجه رقم (١٣٤) فى المقدمة : باب فضائل العشرة المبشرين بالجنة رضى الله عنهم. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روى من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وهو حديث صحيح.
وأما الخوارج (١) : فقد انقسموا فى الأصل إلى :
المحكمية الأولى ، والبيهسية ، والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية والإباضية ، والعجاردة.
أما المحكمية الأولى (٢) : فهم الذين خرجوا على عليّ عند التحكيم ، وكانوا اثنى عشر ألف رجل ، أهل صلاة وصيام وفيهم قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «تحقر صلاة أحدكم فى جنب صلاتهم ، وصوم أحدكم فى جنب صومهم ، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم» (٣).
وهم مجمعون على تجويز الإمامة فى غير قريش ، وأن كل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس بالعدل ، واجتناب الجور ؛ كان إماما ، وإن غيّر السيرة ، وعدل عن الحق ، وجب عزله أو قتله ، وجوزوا أن لا يكون فى العالم ، إمام أصلا.
وأجمعوا أيضا على تخطئة عليّ فى التحكيم ، وتكفيره ؛ وتكفير عثمان / / وأكثر الصحابة ، وتكفير ومرتكب الكبيرة.
أما قولهم : إنه يجوز أن يكون الإمام من غير قريش ؛ فهو خلاف الإجماع من السلف وخلاف (قوله عليهالسلام : والأئمة من قريش (٤)) ، وقوله عليهالسلام : «قدموا قريشا ولا تتقدموها (٥).
__________________
(١) الخارجى : هو كل من خرج على الإمام الحق. سواء كان الخروج في أيام الصحابة ، أو فى أيام التابعين ، والأئمة فى كل زمان ، والخوارج من أوائل الفرق الإسلامية : وهم سبع فرق كبار. انظر عنهم بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٦٧ ـ ٢١٢ ، والفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ١١٣ والملل والنحل ص ١١٤ ـ ١٣٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٣٦ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ـ ٥١ وشرح المواقف للشريف الجرجانى ص ٤٢ ـ ٥٣ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : تأملات فى التراث العقدى للفرق الكلامية (فرقة الخوارج) د / عبد السلام عبده وإسلام بلا مذاهب ص ١٢١ ـ ١٧٠ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٦٥ ـ ٨٧.
(٢) ويقال لهم محكمة وشراة. وانظر بشأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ٨٢ والملل والنحل ص ١١٥ ـ ١١٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٦٩ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ، وشرح المواقف ص ٤٢ ، ٤٣ من التذييل.
(٣) أخرجه أبو داود فى سننه : ٢ / ٥٤٥ (كتاب السنة ـ باب فى قتال الخوارج) عن على رضي الله عنه.
/ / أول ل ١٤٤ / أ.
(٤) فى مسند الإمام أحمد ٣ / ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ / ٤٢١ الأئمة من قريش ، إن لهم عليكم حقا ، ولكم عليهم حقا مثل ذلك ما استرحموا فرحموا ، وإن عاهدوا أوفوا ، وإن حكموا عدلوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» قال ابن حزم فى الفصل ٤ / ٨٩ إن رواية الحديث جاءت بطريقة التواتر».
(٥) رواه السيوطى في الجامع الصغير ٢ / ٨٦.
وقولهم بجواز خلو العصر عن الإمام ، فهو أيضا على خلاف إجماع السلف ، وأما تكفيرهم مرتكب الكبيرة ، فقد أبطلناه / فيما تقدم (١).
وأما البيهسية (٢) : أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر ، قالوا : إنّ الإيمان هو الإقرار ، والعلم بالله ، وما جاء به رسوله ، حتى أن من واقع ما لا يعلم كونه حراما أو حلالا ؛ فليس بمؤمن ؛ إذ كان من حقه أن يعلم الحق.
ومنهم من خالف فى ذلك وقال : لا يكفر حتى يرفع أمره إلى الإمام ، أو نائبه فيحده ، وكل ما ليس فيه حد ؛ فهو مغفور.
ومنهم من قال : إنه لا حرام سوى ما فى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (٣) الآية ، وما سواه ؛ فكله حلال.
ومنهم من قال : إن الإمام إذا كفر كفرت الرعية شاهدها ، وغائبها ، وقالوا إن أطفال المؤمنين ، مؤمنين ، وأطفال الكفار ، كفار ، ووافقوا القدرية فى القدر.
ومنهم من قال : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما قال ، أو فعل ؛ بخلاف الحرام.
ومنهم من قال : إنّ السكر إذا انضم إليه فعل كبيرة ؛ فهو كفر.
أما قولهم : إن الإيمان هو الإقرار ، والعلم ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).
وقولهم : إنه لا حرام إلا ما حرم فى الآية المذكورة ، وأن الإمام إذا كفر كفرت الرعية ، فهو أيضا خلاف الإجماع من السلف والقرآن ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٥).
__________________
(١) انظر الفصل الثالث من هذه القاعدة ل ٢٤١ / ب.
(٢) أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر وهو أحد بنى سعد بن ضبيعة. طلبه الحجاج فهرب منه إلى المدينة ؛ فظفر به عثمان بن حيان المزنى فحبسه ، وقتله. أما عن البيهسية فانظر بالإضافة لما ورد هاهنا. الملل والنحل ص ١٢٥ ـ ١٢٨ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٣ من التذييل.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٥.
(٤) انظر الفصل الأول من هذه القاعدة ل ٢٣٦ / أوما بعدها.
(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤. وسورة الإسراء ١٧ / ١٥.
وقولهم : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما فعل وأن السكر إذا انضم إليه فعل الكبيرة كان كفرا ؛ فهو خلاف إجماع السلف أيضا ؛ والدليل ما سبق (١).
وأما الأزارقة (٢)
أصحاب نافع بن الأزرق ، فإنهم كفروا عليا بالتحكيم وقالوا : إن عليا هو الذي أنزل فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (٣).
وصوبوا عبد الرحمن بن ملجم (٤) بقتله لعلىّ ، وقالوا هو الّذي أنزل الله فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٥).
وفيه قال مفتى الخوارج وزاهدها وشاعرها عمران بن حطان (٦) :
يا ضربة من تقى ما أراد بها |
|
إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا |
أنى لأذكره يوما فأحسبه |
|
أو فى البرية عند الله ميزانا |
__________________
(١) انظر ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.
(٢) أصحاب نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار ، البكرى ، الوائلى ، الحرورى ، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس.
كان من أنصار عليّ ـ رضي الله عنه ـ حتى كانت قضية التحكيم وفى سنة ٦٥ ه اشتدت شوكته ، وكثرت جموعه ؛ ولكنه قتل بعد معركة كبيرة سنة ٦٥ ه ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا.
مقالات الإسلاميين ص ١٦٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١١٨ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٨٢ وما بعدها للبغدادى الّذي سماه نافع بن الأزرق الحنفى أبو راشد ، والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٢٩ ، ٣٠ سماه أبو راشد نافع بن الأزرق الحنفى.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٤.
(٤) هو عبد الرحمن بن ملجم المرادى الحميرى ، كان مع الإمام على ، ثم خرج عليه واتفق مع جماعة على قتل عليّ ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص. فى ليلة واحدة ، فقصد الكوفة وقتل الإمام عليّ بينما فشل صاحباه. (الإعلام ٤ / ١١٤).
(٥) سورة البقرة ٢ / ٢٠٧.
(٦) عمران بن حطان : رأس من رءوس الخوارج شاعر وفقيه توفى سنة ٨٤ ه انظر العبر ١ / ٩٨ وديوان الخوارج جمع د / نايف معروف دار المسيرة بيروت سنة ١٩٨٣ م.
وقد رد الإمام عبد القاهر البغدادى صاحب الفرق بين الفرق على عمران بن حطان قال عبد القاهر ، وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا :
يا ضربة من كفور ما استفاد بها |
|
ألا الجزاء بما يصليه نيرانا |
إنى لألعنه دينا وألعن من |
|
يرجو له أبدا عفوا وغفرانا |
ذاك الشقى لأشقى الناس كلهم |
|
أخفهم عند ربهم الناس ميزانا |
وزادوا على ذلك بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعبد الله بن عباس ، وسائر المسلمين معهم ، وقضوا بتخليدهم فى النار ، وكفروا القعدة عن القتال ، وإن كانوا موافقين فى الدين ، ولم يجوزوا التقيّة فى قول ، ولا عمل ، وأباحوا قتل أطفال المخالفين ، ونسائهم ، وأسقطوا الرجم عن الزانى المحصن ، وحد قذف المحصنين من الرجال دون النساء / ؛ إذ هو غير مذكور فى القرآن.
وحكموا بأن أطفال المشركين فى النار مع آبائهم ، وجوزوا بعثة نبى كان كافرا ؛ وإن علم كفره بعد النبوة.
وقضوا بأن من ارتكب كبيرة ؛ فقد كفر ، وخرج عن الملة ؛ وهو مخلد فى النار.
وأما تخطئتهم للصحابة ، فخطأ لما سبق ، ثم يقال لهم : إن كانت الآية نازلة فى حق عليّ ـ رضي الله عنه ـ فيلزم أن يكون منافقا فى زمن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإتباع المنافق ، كفر عندكم ، ويلزم من ذلك ، أن تكونوا كفارا ، بأتباعه فى وقعة الجمل ، وصفين قبل التحكيم.
وهو مناقض لقولكم : إنه إنما كفر بالتحكيم.
وأما ما ذكروه من باقى الأحكام ؛ فقد خرقوا فيها إجماع المسلمين ، واستحلوا ما لا يحل.
أما النجدات العاذرية (١) :
أصحاب نجده بن عامر الحنفى ، وإنما سموا عاذرية ؛ لأنهم عذروا بالجهالات ، فى أحكام الفروع ، وهؤلاء وافقوا الأزارقة فى تكفير من كفرته الأزارقة من الصحابة ، وخالفوهم فى باقى الأحكام.
__________________
(١) أصحاب نجدة بن عامر النجفى وقيل الحنفى ، كان فى أول أمره مع نافع بن الأزرق وفارقه لأحداثه فى مذهبه ، ثم خرج مستقلا باليمامة سنة ٦٦ ه أيام عبد الله بن الزبير ثم أتى البحرين واستقر بها. وقتله أتباع بن الزبير وقيل أتباعه سنة ٦٩ ه. (شذرات الذهب ١ / ٧٦ والأعلام ٨ / ٣٢٥). ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر الملل والنحل ص ٢٢ ـ ١٢٥ والفرق بين الفرق ص ٨٧ ـ ٩٠. والتبصير فى الدين ص ٣٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٥ من التذييل.
وقضوا بأنه لا حاجة للناس إلى إمام ، وإنما عليهم أن يتناصفوا ، فيما بينهم وإن رأوا إقامته ؛ فهو جائز / / وهم فى جميع ما قضوا به مخطئون.
أما التكفير ؛ فلما سبق (١) ، وأما الاستغناء عن الإمام ؛ فلمخالفة الإجماع.
وأما الصفرية (٢) :
أصحاب زياد بن الأصفر ، ومذهبهم كمذهب الأزارقة في تكفير الصحابة ، وخالفوهم فى تكفير القعدة عن القتال ، إذا كانوا موافقين فى الدين والاعتقاد ، وخالفوهم فى الرجم ، وفى تكفير أطفال الكفار ، وتعذيبهم ، وجوزوا التقية فى القول دون العمل.
وحكموا بأن ما كان من المعاصى عليه حد ؛ فليس لصاحبه اسم غير الاسم اللازم منه الحد ، ولا يكون كافرا ؛ وإنما يقال له سارق ، وزان ، وقاذف ، وعلى نحوه.
وما كان من المعاصى لا حدّ فيه ؛ لعظم قدره ، كترك الصلاة ، والصوم ؛ فهو كفر.
ومنهم من جوز تزويج المسلمات ، من كفار قومهم فى دار التقية ، دون دار العلانية وهؤلاء أيضا حكمهم فى تكفير الصحابة ، حكم الأزارقة.
وأما التكفير بترك الصلاة ، والزكاة من غير استحلال ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٣) واستحلال تزويج المسلمات ـ أيضا ـ من الكفار خرق للإجماع.
__________________
/ / أول ل ١٤٤ / ب.
(١) راجع ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.
(٢) الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر ، ويقال لهم : الصفرية الزيادية. قيل : فى سبب تسميتهم صفرية. نسبة إلى زعيمهم زياد بن الأصفر ، أو لصفرة وجوههم بسبب السهر ، والعبادة. وقيل : سموا صفرية ، لخلوهم من الدين.
انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ١٦٩ وما بعدها والملل والنحل ص ١٣٧ ، ١٣٨. والفرق بين الفرق ص ٩٠ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣١. وشرح المواقف ص ٤٦ الّذي سماها (الأصفرية).
(٣) انظر ما سبق ل ٢٤١ / ب وما بعدها.
أما الإباضية (١) :
أصحاب عبد الله بن أباض ، حكموا بأن مخالفيهم كفار غير مشركين ، ومناكحتهم جائزة ، وغنيمة أموالهم من السلاح ، والكراع عند الحرب حلال دون ما سواه ، وأن دار مخالفيهم دار إسلام وتوحيد دون معسكر السلطان منهم ، وأن شهادة مخالفهم مقبولة على أوليائهم ، وأنّ مرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن ، وأن الاستطاعة قبل الفعل ، وأن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ وأن العالم كله يفنى إذا فنى / أهل التكليف ، وأن مرتكب الكبيرة كافر ، كفر نعمة ، لا كفر ملّة ، وتوقفوا فى تكفير أولاد الكفار ، وتعذيبهم.
واختلفوا فى النفاق هل هو شرك أم لا؟ وأنه يجوز أن يبعث الله رسولا بلا دليل وتكليف العباد بما يوحى إليه ، اتفاقهم على تكفير عليّ ، وأكثر الصحابة ، وهم مخالفون للإجماع فى أكثر ما قالوه ، وقد افترقوا أربع فرق :
الفرقة الأولى : الحفصية (٢)
أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام ، وقد زادوا على الإباضية بأن قالوا : إن بين الشرك ، والإيمان خصلة واحدة ، وهى معرفة الله ـ تعالى ـ فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول ، أو جنة أو نار ، أو ارتكب كبيرة من الكبائر ؛ فهو كافر ، لا مشرك.
ويلزمهم على ذلك ، رجاء المغفرة لليهود ، والنصارى ، ؛ لأنهم غير مشركين عندهم
__________________
(١) الإباضية : أتباع عبد الله بن أباض بن عبد الله بن مقاعس ، من بنى مرة رأس الإباضية وهو أكثرهم اعتدالا. خرج فى عهد مروان بن محمد بن مروان وقتل أثناء المعركة. انظر بشأن الإباضية بالإضافة لما ورد هاهنا.
مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١٠٣ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٤ والفصل لابن حزم ٤ / ١٨٨. والملل والنحل ص ١٣٤ وما بعدها ، مروج الذهب ٣ / ٣٥٨ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٦٢٢. وشرح المواقف ص ٤٧ من التذييل ومن الدراسات الحديثة : تاريخ المذاهب الإسلامية ص ٨٠ ، والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ١٥ ـ ٢٠ ، إسلام بلا مذاهب ص ١٣٥ ـ ١٧٠. جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ـ اللواء حسن صادق ص ٢٢٠ وما بعدها ، فى مذاهب الإسلاميين ـ دكتور عامر النجار ص ٩٩ وما بعدها.
(٢) الحفصية : أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام. وانظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ ، والفرق بين الفرق ص ١٠٤ والملل والنحل ص ١٣٥ والتبصير فى الدين ص ٣٤. وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.
لمعرفتهم بالله تعالى ـ على ما قاله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين.
الفرقة الثانية : من الإباضية اليزيدية (٢)
أصحاب يزيد بن أنيسه. زادوا على الإباضية بأن الله ـ تعالى ـ سيبعث رسولا من العجم ، وينزل عليه كتابا قد كتب فى السماء ، وينزل عليه جملة واحدة ، ويترك شريعة محمد عليهالسلام ، وتكون ملته الصابئة المذكورة فى القرآن ، وحكموا بأن أصحاب الحدود مشركون ، وأن كل معصية كبيرة كانت ، أو صغيرة شرك.
الفرقة الثالثة : منهم الحارثية (٣) :
أصحاب أبى الحارث الإباضى ـ خالفوا الإباضية فى القول بالقدر ، كما قالت المعتزلة ، وفى الاستطاعة قبل الفعل ؛ وهو باطل بما سبق (٤).
الفرقة الرابعة : منهم : القائلون بطاعة لا يراد بها الله تعالى (٥)
زعموا أن العبد قد يكون مطيعا لله ـ تعالى ـ إذا فعل ما أمره به ، وإن لم يقصد الله ـ تعالى ـ بذلك الفعل.
وقولهم ممتنع لقوله عليهالسلام : «لا عمل إلا بنية» ، وقوله عليهالسلام : الأعمال بالنيات» (٦)
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٨.
(٢) اليزيدية : أصحاب يزيد بن أنيسة كان بالبصرة ثم انتقل إلى فارس. ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين ص ١٨٤ والملل والنحل ص ١٣٦ وشرح المواقف ص ٤٨. وقد اعتبرهم البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ١٠٤ من الفرق الخارجة عن الإسلام لقولهم بنسخ شريعة الإسلام فى آخر الزمان. ثم تحدث عنهم بالتفصيل ص ٢٧٩ وحكم بخروجهم عن فرق الإسلام.
(٣) الحارثية : اتباع أبى الحارث بن يزيد الإباضى ، وقيل : حارث بن يزيد وانظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٣٤ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ وسماه حارث بن يزيد الإباضى والملل والنحل ص ١٣٦ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥. وشرح المواقف ص ٤٨ الّذي تابع الآمدي وسماه أبى الحارث.
(٤) انظر ما سبق ل ٢٣١ / أوما بعدها من الجزء الأول.
(٥) انظر عن هذه الفرقة الإضافة لما ورد هنا. مقالات الإسلاميين ص ١٧٢ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥ وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.
(٦) صحيح البخارى ١ / ١٥ الحديث رقم (١) قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى : فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وأما العجاردة (١) :
أصحاب عبد الكريم بن عجرد ، وافقوا النجدات فى مذهبهم ، وزادوا عليهم بأنه تجب البراءة عن الطفل ، حتى يدعى إلى الإسلام ، ويجب دعاؤه إذا بلغ ، وقضوا بأن أطفال المشركين فى النار. وقد تفرقوا عشر فرق (٢) :
الفرقة الأولى منهم : الميمونية (٣)
أصحاب ميمون بن عمران ، قالوا بالقدر كما قالت المعتزلة ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله يريد الخير دون الشر ، وأنه لا مشيئة له فى معاصى / / العباد ، وأن أطفال الكفار فى الجنة.
ونقل عنهم أنهم يجيزون نكاح بنات البنين ، وبنات البنات ، وبنات أولاد الأخوة والأخوات ، وإنكار سورة يوسف من القرآن.
وأما قولهم : بالقدر ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله ـ تعالى ـ يريد الخير دون الشر ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).
وأما إباحة ما ذكروه (٥) وإنكار سورة يوسف من / القرآن ؛ فخلاف الإجماع وما ورد به التواتر.
__________________
(١) العجاردة : هم أصحاب عبد الكريم بن عجرد. وانظر عنهم بالإضافة لما ورد هنا : مقالات الإسلاميين ص ١٧٧ والملل والنحل ص ١٢٨ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٢ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٩٣ وما بعدها وشرح المواقف ص ٤٩.
(٢) ذكر الآمدي أن العجاردة تفرقوا عشر فرق. أما الإمام الأشعرى فذكر أنهم تفرقوا خمس عشرة فرقة مقالات الاسلاميين ص ١٧٧. وأما الأسفرايينى فقال إحدى عشرة فرقة ، التبصير فى الدين ص ٣٢. بينما حصرها فى سبع الشهرستانى في الملل ص ١٢٨ ، أما البغدادى فى الفرق بين الفرق فقال إنها عشر فرق.
(٣) أصحاب ميمون بن عمران. وقيل : ميمون بن خالد. وهو رأس الميمونية. انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٧٧ والملل والنحل للشهرستانى ص ١٢٩ وشرح المواقف ص ٤٩ من التذييل. والتبصير فى الدين ص ٣٤. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٨.
/ / أول ل ١٤٥ / أ.
(٤) راجع ما فى الجزء الأول القاعدة الرابعة ل ٢٣١ / أوما بعدها ، ول ٦٤ / ب وما بعدها.
(٥) (وأما إباحة ما ذكروه) ساقط من ب.