محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي
المحقق: محمّد كاظم الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 964-8889-64-3
الصفحات: ١٥٠
الاصطلاحية (١) فمسلّم ، فإنّه حسن لا صحيح (٢).
ونصّ على ذلك الحافظ الجبل (٣) ، ولفظه عن ابن عباس مرفوعا :
«سيدات نساء أهل الجنّة بعد مريم بنت عمران : فاطمة وخديجة ، ثمّ آسية بنت مزاحم امرأة فرعون».
رواه الطبراني في الأوسط ، وكذا الكبير بنحوه (٤).
قال الحافظ الهيثمي : ورجال الكبير رجال الصحيح (٥).
لكن قال بعضهم (٦) : لا أعدل ببضعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدا (٧).
__________________
وهي أصحّ سندا وإسنادا من هذا الحديث المرفوع ، مع أنّ أبي داود والحاكم رووه بغير صيغة الترتيب. فكلام القرطبي أنّه «يرفع الإشكال» ليس في محلّه كما هو واضح.
(١) أي : معنى الصحيح باصطلاح علماء الحديث. ومعنى الصحيح هو : الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذّا ولا معلّلا. راجع : تدريب الراوي للسيوطي ١ : ٦١ ، محاسن الاصطلاح للبلقيني : ١٢ ، الباعث الحثيث في علم الحديث : ٣٢.
(٢) أي : حديث ابن عباس الّذي أورده القرطبي حسن ، وإلّا فالحديث روي بطرق صحيحة.
والمراد من الحديث الحسن : ما عرف مخرجه ، واشتهر رجاله ، وعليه مدار أكثر الحديث ، وهو الّذي يقبله أكثر العلماء ، ويستعمله عامة الفقهاء. انظر الباعث الحثيث : ٤٧ ، ومحاسن الاصطلاح : ٣٤. وقال السيوطي : «أدرج الحاكم وابن حبّان وابن خزيمة الحسن في الصحيح». (تدريب الراوي ١ : ١٧٤).
وقال ابن كثير : «الحسن في الاحتجاج كالصحيح عند الجمهور». (الباعث الحثيث : ٤٦).
(٣) في النسخة (ز) : الحافظ الجليل ، ونسخة (م) : الجبل وهو الصحيح. والحافظ الجبل هو علي بن عمر البغدادي الشافعي ، تفقّه على الاصطخري ، وروى عن البغوي والمحاملي ، وروى عنه البرقاني والصابوني. ولد سنة ٣٠٦ ه ، ومات سنة ٣٨٥ ه ، ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي ببغداد.
(٤) المعجم الأوسط ٢ : ٦٥ رقم ١١١١ ، المعجم الكبير ١١ : ٣٢٨ رقم ١٢١٧٩ ومثله ٢٣ : ٧ رقم ٢.
(٥) مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٤ رقم ١٥١٩٠ باب : مناقب فاطمة.
(٦) وهو العالم الكبير أبو بكر ابن داود والقاضي قطب الدين الخضري. راجع سبل الهدى ١٠ : ٣٢٨ و ١١ : ١٦١ حيث قالا بأفضلية فاطمة على مريم عليهماالسلام.
(٧) قال ابن دحية في مرج البحرين : سئل العالم الكبير أبو بكر ابن داود بن علي : من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال :
لقوله صلىاللهعليهوآله : «إنّ فاطمة بضعة منّي» ولا أعدل ببضعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدا. راجع سبل الهدى ١٠ : ٣٢٨. وجوابه مطلق ، ولذا أورده المصنّف هنا في التفضيل بين فاطمة ومريم.
وممّن صار إلى ذلك (١) : المقريزي (٢) والسيوطي (٣).
__________________
(١) أي : إلى تفضيل فاطمة على مريم.
(٢) ذكره في كتابه «إمتاع الأسماع» في الخصائص النبوية ، قاله الصالحي في سبل الهدى ١١ : ١٦٣.
(٣) حكاه عنه العلّامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية للقسطلاني حيث قال : «الزهراء البتول أفضل نساء الدنيا حتّى مريم ، كما اختاره المقريزي والزركشي والقطب الخضري والسيوطي في كتابيه : شرح النقابة وشرح جمع الجوامع». (شرح المواهب ٢ : ٣٥٧ باب : ذكر تزويج علي بفاطمة عليهالسلام).
هذا وقد ذهب المصنّف وغيره إلى أنّ فاطمة أفضل من مريم ، بل ظاهر عبارات البعض كالقطب الخضري والزركشي : أنّ فاطمة أفضل حتّى على القول بأنّ مريم نبيّة.
قال القطب الخضري : «ينبغي أن يستثنى من إطلاق التفضيل سيدتنا فاطمة ابنة الرسول صلىاللهعليهوآله ، فهي أفضل نساء العالم». وهكذا كلام الزركشي حيث قال : «ويستثنى من الخلاف سيدتنا فاطمة ، فهي أفضل نساء العالم ؛ لقوله صلىاللهعليهوآله : «فاطمة بضعة منّي» ولا يعدل ببضعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أحد». (سبل الهدى ١١ : ١٦٢ و ١٦٣).
بل ظاهر عبارات البعض الآخر : أنّ بضعة النبيّ صلىاللهعليهوآله أفضل وأشرف الموجودات ، ولذا قالوا : لا نعدل ببضعة رسول الله أحدا.
قال المناوي : «رجّح البعض تفضيل فاطمة على مريم لما فيها من البضعة الشريفة». (فيض القدير ٢ : ٥٣ شرح حديث رقم ١٣٠٧). وهكذا الصالحي في سبل الهدى ١٠ : ٣٢٧ حيث قال : «وفي حديث : «بضعة منّي» ، وهو يقتضي تفضيل فاطمة على جميع نساء العالم». وتقدّم كلام الزركشي وكلام أبي بكر ابن داود.
كما استدلّ البعض من أنّها سيدة نساء أهل الجنّة على أفضليتها عليهاالسلام على مريم ، فمريم من نساء الجنّة ، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنّة ، فهي أفضل.
قال العلّامة المناوي : «وقوله صلىاللهعليهوآله : «إنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» قال المصنّف : فيه دلالة على فضلها على مريم ، سيّما إن قلنا بالأصحّ أنّها غير نبيّة». (فيض القدير ٢ : ٥٣ شرح حديث رقم ١٣٠٧) والمراد بالمصنّف هو السيوطي.
واستدلّ آخر من أنّها سيدة نساء هذه الأمة ـ كما تقدّم ـ على أفضليتها عليهاالسلام على مريم بالبيان الآتي : أنّ هذه الأمة هي أفضل الأمم ، ففاطمة إذن أفضل من نساء جميع الأمم ، ومنها أمة بني إسرائيل وأمة مريم.
قال العلّامة الزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني ٢ : ٣٥٧ : «الزهراء البتول أفضل نساء الدنيا حتّى مريم ، كما اختاره المقريزي والزركشي والقطب الخضري والسيوطي في كتابيه : شرح النقابة وشرح جمع الجوامع ، بالأدلّة الواضحة الّتي منها : أنّ هذه الأمة أفضل من غيرها ، والصحيح أنّ مريم ليست بنبيّة ، بل حكي الإجماع على أنّه لم تنبأ امرأة ، وقال صلىاللهعليهوآله «يا بنية ، ألا ترضين أنّك سيدة نساء العالمين ، قالت : يا أبت فأين مريم؟ قال صلىاللهعليهوآله : تلك سيدة نساء عالمها» ...».
وقال العلّامة الصالحي : «والّذي اختاره تفضيل فاطمة ، واختار شيخنا أنّ فاطمة أفضل من مريم». (سبل الهدى
أمّا نساء هذه الأمة فلا ريب في تفضيلها عليهنّ مطلقا (١).
بل صرّح غير واحد : أنّها وأخاها إبراهيم أفضل من جميع الصحابة حتّى الخلفاء الأربعة (٢). وحكى العلم العراقي (٣) الاتّفاق عليه (٤).
وذهب الحافظ ابن حجر : أنّها أفضل من بقيّة أخواتها (٥) ، لأنّها ذرّية المصطفى صلىاللهعليهوآله دون غيرها من بناته (٦) ، فإنّهنّ متن في حياته فكنّ في صحيفته ، ومات
__________________
١١ : ١٦٢).
وأمّا من قال بتفضيل مريم عليها بناء على ما اختاره من أنّها نبيّة ؛ كالقرطبي ، فإنّه يرد عليه : أنّ الكثير قد نقلوا الإجماع على عدم النبوّة في النساء.
قال عياض : «الجمهور على خلافه ، وقال النووي : إنّ إمام الحرمين ـ الجويني ـ نقل الإجماع على أنّ مريم ليست نبيّة. وعن الحسن : ليس في النساء نبيّة ولا في الجنّ». (فتح الباري ٧ : ١٤٠ رقم ٣٤٣٢).
وقال ابن حجر : «ونقلوا الإجماع على عدم نبوّة النساء». (فتح الباري ٦ : ١١١ كتاب أحاديث الأنبياء).
وقال الزرقاني : «الصحيح أنّ مريم ليست نبيّة ، بل حكي الإجماع على أنّه لم تنبأ امرأة». (شرح المواهب اللدنية ٢ : ٣٥٧).
(١) تقدّم إثبات ذلك بما لا مزيد عليه ، فراجع.
(٢) كالعلم العراقي والسهيلي والشارح العلقمي في شرحه على الجامع الصغير للسيوطي ، وغيرهم. قال العلّامة المناوي : «قال الشارح العلقمي : هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب ؛ لما فيها من البضعة». (فيض القدير ٢ : ٥٣ شرح حديث رقم ١٣٠٧). وقال أيضا في موضع آخر : «قال العراقي : إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتّفاق». (فيض القدير ٤ : ٤٤٢ شرح حديث رقم ٥٨٣٥). ومثله عن السهيلي على ما حكاه المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢١ شرح حديث رقم ٥٨٣٣.
(٣) عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي ، عالم مصر ، المعروف بعلم الدين العراقي ، واختصارا بالعلم العراقي ، ولد سنة ٦٢٣ ه بمصر ، وبرع في فنون العلم والتفسير ، كان من مشايخ ابن حجر العسقلاني والمقدسي ، قال عنه الأسنوي : كان عالما فاضلا في فنون كثيرة وخصوصا التفسير. كان يدرّس بالمشهد الحسيني ، وله مصنّفات في التفسير والأصول ، توفّي سنة ٧٠٤ ه ، ودفن بالقرافة الصغرى ، ترجم له ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية ٢ : ٢١٨ رقم ٥٠٧.
(٤) تقدّم آنفا عن العلّامة المناوي : قول العلم العراقي أنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتّفاق.
(٥) فتح الباري ٧ : ٤٧٧ شرح حديث رقم ٣٧٦٧ حيث قال : «إنّها أفضل بنات النبيّ صلىاللهعليهوآله».
(٦) هذا دليل آخر غير ما تقدّم ، وهو أنّها سلام الله عليها مضافا لكونها بضعة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وسيدة النساء دون أخواتها ، فهي ذرّيته دون بقيّة بناته ؛ لانحصار ذرّية النبيّ صلىاللهعليهوآله بفاطمة وولدها ، وأمّا بقية بناته فلم يعقبن ، أو أعقبن ومات
هو صلىاللهعليهوآله في حياتها فكان في صحيفتها (١).
قال : وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدت الإمام ابن جرير الطبري نصّ عليه ، فأخرج عن طريق فاطمة بنت الحسين بن علي ، عن جدّتها فاطمة قالت :
دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما وأنا عند عائشة ، فناجاني فبكيت ، ثمّ ناجاني فضحكت ، فسألتني عائشة عن ذلك ، فقلت : لا أخبرك بسرّه ، فلمّا توفّي سألتني (٢) ، فذكرت الحديث في معارضة جبرئيل له بالقرآن مرّتين ، وأنّه قال : أحسب أنّي ميّت في عامي هذا ، وأنّه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثلها رزيّة ، فلا تكوني دون امرأة منهنّ صبرا ، فبكيت ، فقال : أنت سيدة نساء أهل الجنّة إلّا مريم ، فضحكت (٣).
وأمّا ما أخرجه الطحاوي (٤) وغيره من حديث عائشة في قصة مجيء زيد بن حارثة بزينب بنت المصطفى صلىاللهعليهوآله من مكّة وفي آخره : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : هي أفضل
__________________
العقب ، ولم يحصل لهنّ ذرّية بعد ذلك ، ولذا عبّر ابن حجر : أنّها ذرّية المصطفى دون غيرها من بناته. وسيأتي ذلك في آخر الباب الرابع.
(١) هذا دليل آخر من ابن حجر على أفضليتها على أخواتها ، وهو أنّها تجرّعت ألم فقد النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصيبت به دونهنّ ، لأنّهنّ متن في حياته ، فكان ذلك في صحيفتها.
وقد تبعه عليه كثير من المحقّقين ؛ كالعلّامة المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢٢ شرح الحديث رقم ٥٨٣٥ ، الّذي ذكر دليلا آخر على تفضيلها على بقية أخواتها ، وهو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله خصّ فاطمة بالبضعة دون بقية بناته ، فلم ينقل أحد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «بضعة منّي» لغير فاطمة ، وهذا أمتن الأدلّة لتفضيلها على أخواتها وغيرهنّ ، بل مطلقا.
(٢) في المصدر : «سألت».
(٣) فتح الباري ٧ : ٤٧٧ باب : مناقب فاطمة ، شرح الحديث رقم ٣٧٦٧ وقال : «وأصل الحديث في الصحيح من دون هذه الزيادة : «إلّا مريم». وقد تقدّمت مصادر الرواية ، وجميعها من دون عبارة «إلّا مريم» ، هذا ورواه المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢٢ في شرح الحديث رقم ٥٨٣٥ وقال في آخره : «قال الحاكم : صحيح ، وأقرّه الذهبي ، ورواه أحمد والطبراني ، وقال ابن حجر : وإسناده حسن ، وإذا ثبت ففيه حجّة».
(٤) هو الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدي المصري الشافعي ، ولد سنة ٢٢٩ ه ، وتوفّي سنة ٣٢١ ه ، عاصر كلّا من البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وشاركهم في رواياتهم عن المشايخ ، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر في زمانه ، له مصنّفات كثيرة ، منها : مشكل الآثار ، شرح معاني الأخبار ، أحكام القرآن. ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٥ : ٢٧ رقم ١٥.
بناتي ، أصيبت فيّ (١).
فأجاب عنه بعض الائمة ـ بفرض ثبوته (٢) ـ بأنّ ذلك كان متقدّما ، ثمّ وهب الله لفاطمة من الأحوال السنية والكمالات العلية ما لم يطاولها فيه أحد من نساء هذه الأمة مطلقا.
على أنّ البزّار روى عن عائشة أنّها قالت :
__________________
(١) مشكل الآثار ١ : ٤٤ باب في فضل بناته صلىاللهعليهوآله.
(٢) قول ابن حجر : «بفرض ثبوته» مشعر بعدم ثبوت هذا الخبر ، وقد أشرنا سابقا : إنّ هذا الخبر من الأخبار الموضوعة الّتي كان عروة بن الزبير يحدّث به ، فبلغ ذلك الإمام علي بن الحسين زين العابدين فانطلق إليه ، وقال : ما حديث بلغني عنك تحدّث به تنتقص فيه حقّ فاطمة! فقال عروة : أمّا بعد فلا أحدّث به أبدا. راجع : كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ : ٢٤٢ رقم ٢٦٦٦ ، ومختصر زوائد البزّار للعسقلاني ٢ : ٣٥٨ رقم ٢٠٠٩ ، والمعتصر من المختصر ٢ : ٢٤٦.
ويدلّ على أنّه موضوع أمور :
(ألف) تصريح الإمام علي بن الحسين بأنّ فيه انتقاص لحقّ فاطمة.
(ب) لو كان الخبر صادرا من النبيّ صلىاللهعليهوآله لما تألّم الإمام واعترض على التحديث به.
(ج) لو كان الخبر ثابتا عند عروة لحاجج علي بن الحسين بذلك ، ولاحتجّ بأنّ الخبر مروي بطريق كذا ، فلما ذا يقسم أنّه لا يحدّث به بعد ذلك أبدا؟!
(د) أنّ هذا الخبر يكذّب نفسه ، فإنّ زينب ماتت في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلم تصب به ، فلا معنى لقول : «أصيبت فيّ» بل كان اللازم أن يقال : أصبت بها.
(ه) أنّ الخبر يقول : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بعث زيد بن حارثة ليأتي بزينب وأعطاه خاتما علامة على أنّه من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأتى بها من دون علم زوجها ابن أبي العاص ، وهو معارض مع ما رواه في فتح الباري ٧ : ٤٥٢ باب : أصهار النبيّ ، وفي عون المعبود ٦ : ٥٥ ، وفيهما : أنّ زوجها ابن أبي العاص لمّا أسر في الحرب شرط عليه النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يبعث بها ، ففعل ، فكان النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : «وعدني فوفى لي».
(و) أنّ المناوي روى الخبر هكذا : «فاطمة أفضل بناتي ، لأنّها أصيبت فيّ» ، فيض القدير ٤ : ٤٢٢ في شرح الحديث رقم ٥٨٣٥ ، ومثله سبل الهدى ١٠ : ٣٢٧ ، وسيذكره المصنّف أيضا عن البزّار من حديث عائشة.
ومن الطريف أنّ الحاكم روى الخبر في مستدركه ٤ : ٤٧ رقم ٦٨٣٦ لكنّه لمّا رآه لا ينسجم مع ما رواه من مناقب لفاطمة ، وأنّها بضعة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأفضل بناته ، وسيدة نساء العالمين قال ص ٤٨ : «ويمكن أن يقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أراد بقوله : أفضل ، أي أكبر وأقدم أولادي».
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لفاطمة : هي خير بناتي ، أصيبت فيّ (١).
وعليه ، فلا حاجة للجواب المتقدّم بنصّه الصريح على أفضليّتها مطلقا.
الثانية : أنّه يحرم التزويج عليها والجمع بينها وبين ضرّة
قال المحبّ الطبري : قد دلّت الأخبار ـ المارّة ـ على تحريم نكاح علي على فاطمة حتّى تأذن (٢).
ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٣).
لكن تبيّن من كلام جمع متقدّمين من ائمّتنا الشافعية : أنّ ذلك من خصائص بناته (٤) ، لا من خصائص فاطمة فقط (٥).
وممّن صرّح به الشيخ أبو علي السنجي (٦) في شرح التلخيص ، فقال : يحرم
__________________
(١) فيض القدير ٤ : ٤٢٢ في شرح الحديث رقم ٥٨٣٥ وقال : «رواه البزّار عن عائشة» وفيه : «لأنّها أصيبت بي» ، ورواه في سبل الهدى ١٠ : ٣٢٧ ، والسيّدة الزهراء : ١٧٠ وقال : «فحقّ لمن كانت هذه حالها أن تسود نساء أهل الجنّة كما قال أبوها صلىاللهعليهوآله ، وأن تسود نساء العالمين».
(٢) ذخائر العقبى : ٨٢ ، ونقله المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢١ في شرح الحديث رقم ٥٨٣٣.
(٣) الأحزاب : ٥٣.
(٤) تقدّم أنّ عثمان تزوّج رملة بنت شيبة ـ عدوّ الله ـ على رقية بنت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما في طبقات ابن سعد ٨ : ٢٣٩ ، وأسد الغابة ٥ : ٤٥٩ ، فلا يتمّ ما ذكروه من كون الحكم من خصائص بناته.
(٥) قال المناوي : «قال ابن حجر في الفتح : لا يبعد أن يعدّ من خصائص المصطفى صلىاللهعليهوآله أن لا يتزوّج على بناته ، ويحتمل أن يكون ذلك خاصّا بفاطمة». (فيض القدير ٤ : ٤٢١ شرح الحديث رقم ٥٨٣٤).
وقال العلّامة الصالحي في ضمن خصائصه : «الثالثة عشر : بأنّ بناته لا يجوز التزوّج عليهنّ. ثمّ توقّف في عموم الحكم لكلّ بناته ، والظاهر منه اختصاص ذلك بفاطمة». (سبل الهدى ١٠ : ٤٤٩).
وذهب السيد سابق إلى الحرمة ، واختصاص الحكم بعلي وفاطمة ، واستدلّ بأنّ عدم التزويج عليها شرطا في العقد وإن لم يذكر في صلب العقد ، ولو شرطه في العقد لكان تأكيدا لا تأسيسا قال : «وكذلك لو كانت ممّن يعلم أنّها لا يمكن إدخال الضّرة عليها عادة ؛ لشرفها وحسبها وجلالتها ، كان ترك التزوّج عليها كالمشروط لفظا ، وعلى هذا فسيدة نساء العالمين وابنة سيد ولد آدم أجمعين أحقّ النساء بهذا ، فلو شرطه علي في صلب العقد كان تأكيدا لا تأسيسا». (فقه السنّة ٢ : ١١٣).
(٦) أبو علي الحسين بن شعيب بن محمّد السنجي ، فقيه مرو في عصره ، كان شافعيا ، ولد في سنج من قرى مرو
التزويج على بنات النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أي من ينسب إليه بالنبوّة (١).
لكن استوجه الحافظ ابن حجر أنّه خاصّ بفاطمة (٢) ، لأنّها كانت أصيبت بأمها وأخواتها واحدة فواحدة ، فلم يبق من تأنس به ممّن يخفّف عنها ألم الغيرة (٣) ، وفيه نظر.
الثالثة : أنّها كانت لا تحيض أبدا
كما في الفتاوى الظهيرية الحنفية (٤) : قالت المولّدات : طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلّا تفوتها صلاة ، ولذلك سمّيت الزهراء (٥).
ومن جزم بذلك من أصحاب الشافعية : المحبّ الطبري (٦) وأورد فيه حديثين : «أنّها حوراء آدمية ، طاهرة مطهّرة ، لا تحيض ، ولا يرى لها دم في طمث ولا ولادة» (٧).
__________________
سنة ٤٢٧ ه ، له شرح الفروع لابن الحدّاد ، وشرح التلخيص لابن القاصّ ، والمجموع ، نقل عنه الغزالي في الوسيط.
(١) ذخائر العقبى : ٨٢ ، وحكاه في فيض القدير ٤ : ٤٢١.
(٢) فتح الباري ٩ : ٢٧٠ باب : ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة ، لكنّه قال : «لدلالة قوله : بضعة منّي دون أخواتها».
(٣) ذكر هذا التعليل في تحفة الأحوذي ١٠ : ٣٤٠ باب : فضل فاطمة ، وعون المعبود ٦ : ٥٥ باب : يكره ما يجمع من النساء ، وفتح الباري ٩ : ٢٧٠ باب : ذبّ الرجل عن ابنته ، وفيض القدير ٤ : ٤٢١ رقم ٥٨٣٣.
غير أنّه لو علّل الحكم بالاختصاص ، بأنّها بضعة النبيّ صلىاللهعليهوآله دون بقية أخواتها ، لكان أنسب لمقام سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنّة ، من نسبة الغيرة إليها ، فليست هي كالنساء ، ولا نعدل ببضعة رسول الله أحدا.
(٤) من مصنّفات القاضي ظهير الدين أبي بكر محمّد بن أحمد المحتسب البخاري الحنفي ، فقيه أصولي ، تولّى القضاء والحسبة ببخارا ، وتوفّي سنة ٦١٩ ه ، امتازت مصنّفاته في الفقه ؛ كالفتاوى الظهيرية ، والفوائد الظهيرية ، باهتمام العلماء والفقهاء ، وكثيرا ما يعتمدون آراءه ، وخصوصا ابن النجم المصري في البحر الرائق وابن عابدين في الحاشية.
(٥) نقله عن الفتاوى الظهيرية المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢٢ شرح الحديث رقم ٥٨٣٥ ، والصالحي في سبل الهدى ١٠ : ٤٨٦.
(٦) ذخائر العقبى : ٩٠.
(٧) راجع كنز العمّال ١٢ : ١٠٩ رقم ٣٤٢٢٦ ، وسبل الهدى ١٠ : ٤٨٦ ، وتاريخ بغداد ١٢ : ٣٢٨ رقم ٦٧٧٢ ذكره في
لكنّ الحديثان المذكوران رواهما الحاكم وابن عساكر عن أم سليم زوج أبي طلحة ، وهما موضوعان ، كما جزم به ابن الجوزي (١) ، وأقرّه على ذلك جمع منهم :
__________________
ترجمة غانم بن حميد ، وينابيع المودّة ٢ : ١٢١ رقم ٣٥٤ عن جابر ، و ٢ : ٤٥٠ رقم ٢٤٣ وقال : «أخرجه الغساني».
لم يذكر المصنّف الحديثين في المتن ، وما نقله فهو مجموع معنى الحديثين. والحديثان هما :
الأول : عن جابر وابن عباس قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة لأنّ الله عزوجل فطمها وولدها ومحبّيها عن النار».
أخرجه في كنز العمّال ١٢ : ١٠٩ رقم ٣٤٢٢٦ ، وينابيع المودّة ٢ : ١٢٤ و ٤٥٠.
الثاني : عن أسماء قالت : قبّلت ـ أي ولّدت ـ فاطمة بالحسن ، فلم أر لها دما ، فقلت : يا رسول الله ، إنّي لم أر لفاطمة دما في حيض ولا نفاس! فقال صلىاللهعليهوآله : «أما علمت أنّ ابنتي طاهرة مطهّرة ، لا يرى عليها دم في طمث ولا ولادة».
أخرجه في ذخائر العقبى : ٩٠ ، ونور الأبصار : ٢٣٩.
(١) الموضوعات ١ : ٣١٠ ، وممّا يجدر ذكره هنا أنّه لم يذكر الحديثين المتقدّمين ، إنّما ذكر حديث ابي قتادة الحرّاني ، والحديث الّذي علّق عليه ابن الجوزي هو عن عائشة قالت : كنت أرى رسول الله صلىاللهعليهوآله يقبّل فاطمة ، فقلت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إنّي كنت أراك تفعل شيئا ما كنت أراك تفعله من قبل؟ قال لي : «يا حميراء ، إنّه لمّا كان ليلة أسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فوقفت على شجرة من شجر الجنّة ، لم أر في الجنّة شجرة هي أحسن منها حسنا ، ولا أبيض منها ورقة ، ولا أطيب منها ثمرة ، فتناولت من ثمرتها فأكلتها ، فصارت نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت ريح فاطمة. يا حميراء ، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين ، ولا تعتلّ كما يعتلّون».
أخرجه في مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٦ رقم ١٥١٩٧ وقال : «رواه الطبراني ، وفيه : أبو قتادة الحرّاني ، وثّقه أحمد وقال : كان يتحرّى الصدق ، وأنكر على من نسبه للكذب» ، ورواه في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠١ رقم ١٠٠٠.
وأبو قتادة الحرّاني هو عبد الله بن واقد ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ٦ : ٦٢ رقم ٣٨١١ : «قال الميموني عن أحمد : ثقة كان من أهل الخير ، لم يكن به بأس ، كان يتحرّى الصدق ، وأثنى عليه. وقال الدوري عن يحيى :
ثقة». ثمّ إنّ تعليل الجوزي ، ودليله على كون الحديث موضوع ، غير مقبول ، فقد علّل ذلك بأنّ فاطمة ولدت قبل النبوّة ، وقد تقدّم أنّ العشرات من الأعلام مثل : ابن عبد البرّ وابن حجر العسقلاني ومصعب الزبيري وعلي المديني واليعقوبي والمزي وابن جريج والحاكم النيسابوري والمحبّ الطبري وغيرهم ، ذهبوا إلى أنّ ولادة الزهراء كانت بعد المبعث. مضافا إلى أنّ الرواية ليس فيها من يتكلّم فيه إلّا الحرّاني ، وقد وثّقه أحمد ويحيى كما تقدّم.
الجلال السيوطي مع شدّة عليه (١).
الرابعة : أنّها كانت لا تجوع
روى البيهقي في الدلائل عن عمران بن حصين قال :
كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا أقبلت فاطمة ، فوقفت بين يديه ، فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها ، وغلبت عليها الصفرة من شدّة الجوع ، فرفع يده صلىاللهعليهوآله حتّى وضعها على صدرها في موضع القلادة ، وفرّج بين يديه ، ثمّ قال : اللهم مشبع الجاعة ، ورافع الوضيعة (٢) ، ارفع فاطمة بنت محمّد.
قال عمران : فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها ، وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم. قال عمران : فلقيتها بعد فسألتها ، قالت : ما جعت بعد يا عمران (٣).
وعنه أيضا :
إنّي لجالس عند النبيّ صلىاللهعليهوآله إذ أقبلت فاطمة ، فقامت بحذائه مقابلة ، فقال : ادني يا فاطمة ، فدنت دنوة ، ثمّ قال : ادني ، فدنت حتّى قامت بين يديه.
قال عمران : فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها ، وذهب الدم ، فبسط رسول الله صلىاللهعليهوآله بين أصابعه ، ثمّ وضع كفّه بين ثدييها ، فرفع رأسه فقال : اللهم مشبع الجوعة ، وقاضي الحاجة ، ورافع الوضيعة ، لا تجع فاطمة بنت محمّد.
فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها ، وظهر الدم ، ثمّ سألتها بعد ، فقالت :
__________________
(١) اللآلي المصنوعة ١ : ٣٦٠ لكنّه لم يتعقّب الجوزي في حديث : حوراء آدمية.
(٢) الوضيعة : النقصان ، يقال في المضاربة والشركة : الوضيعة على رأس المال ، والربح ما اصطلحا عليه ، وذكر ابن هلال العسكري في الفروق اللغوية : أنّ الوضيعة هي النقصان ، وفرق بين النقصان والخسران. راجع الفروق اللغوية : ٥٧٤ رقم ٢٣١٨.
(٣) دلائل النبوّة لأبي نعيم : ٣٤٧ ، ورواه في نظم درر السمطين : ١٩١.
ما جعت بعد ذلك أبدا (١).
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : عقبة بن حميد (٢) ، وثّقه ابن حبّان وغيره ، وضعّفه بعضهم ، وبقية رجاله موثّقون (٣).
وروى أحمد عن أنس :
أنّ بلالا أبطأ عن صلاة الصبح ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما حبسك؟ قال : مررت بفاطمة تطحن ، والصبي يبكي ، فقلت لها : إن شئت كفيتك الرحى وكفيتني الصبي ، وإن شئت كفيتك الصبي وكفيتني الرحى ، قالت : أنا أرفق بابني منك ، فذلك الّذي حبسني (٤).
وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة :
أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أتاها يوما فقال : أين ابناي؟ ـ يعني الحسن والحسين ـ قالت :
أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق ، فقال علي : أذهب بهما ، فإنّي أخاف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء ، فذهب بهما إلى فلان اليهودي.
فتوجّه إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله فوجدهما في سربة (٥) ، بين أيديهما فضل من تمر ، فقال : يا علي ، ألا تنقلب بابنيّ قبل الحرّ؟ قال علي : أصبحنا وليس عندنا شيء ، فلو جلست يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة بعض تمرات ، فجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى اجتمع لفاطمة شيء من تمر ، فجعله في صرّته ، ثمّ أقبل ، فحمل النبيّ صلىاللهعليهوآله أحدهما وحمل علي الآخر حتّى أقبلهما (٦).
__________________
(١) المعجم الأوسط ٥ : ١١ رقم ٤٠١١ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٩ رقم ١٥٢٠٥.
(٢) في مجمع الزوائد : «عتبة بن حميد».
(٣) قاله في مجمع الزوائد.
(٤) مسند أحمد ٣ : ١٥٠ ، ورواه في سبل الهدى ١١ : ٤٩ ، إسعاف الراغبين : ١٨٨ ، ينابيع المودّة ٢ : ١٣٩ رقم ٣٩١ وقال : «أخرجه أحمد».
(٥) السربة : الطريق.
(٦) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٢٢ رقم ١٠٤٠ ، ورواه في سبل الهدى ١١ : ٤٨ ، ينابيع المودّة ٢ : ١٣٨ رقم ٣٨٩ وقال : «أخرجه الدولابي».
الخامسة : يقال : إنّها لم تغسّل بعد الموت ، وإنّها غسّلت نفسها
لما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن سعد في طبقاته عن أم سلمى (١) ، قالت :
اشتكت فاطمة شكواها الّتي قبضت فيها ، فكنت أمرضها ، فأصبحت يوما ، وخرج علي لبعض حاجته ، فقالت : يا أمّه ، اسكبي لي غسلا ، فسكبت لها غسلا ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثمّ قالت : أعطيني ثيابي الجدد ، فلبستها ، ثمّ قالت : قرّبي فراشي وسط البيت ، فاضطجعت واستقبلت القبلة ، وجعلت يدها تحت خدّها وقالت : يا أمّه ، إنّي مقبوضة وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبضت مكانها ، فجاء علي فأخبرته ، فقال : لا والله ، لا يكشفها أحد ، فدفنها بغسلها ذلك (٢).
حديث غريب ، وإسناده جيد ، ولكنّ فيه : ابن إسحاق ، وقد تعقّبه. وله شاهد مرسل ، وهو : ما رواه عبد الله بن محمّد بن عقيل :
أنّ فاطمة لمّا حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا ، فاغتسلت وتطهّرت ، ودعت بثياب أكفانها ، فأتيت بثياب غلاظ خشنة ، فلبستها ، ومسّت من حنوط ، ثمّ أمرت ألّا يكشفها أحد إذا قبضت ، وأن تدرج كما هي في ثيابها ، فقلت له : هل علمت
__________________
(١) في نصب الراية للزيلعي : الصواب «سلمى» ، وهي زوجة أبي رافع. وفي حاشية مجمع الزوائد : «قال الدرويش :
هذا خطأ قديم في المسند ، وصوابه : أبي رافع عن أبيه عن أمه سلمى» ، (مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٨ رقم ١٥٢٢٠).
(٢) مسند أحمد ٦ : ٤٦١ ، ورواه في نصب الراية ٢ : ٢٥٧ باب الجنائز ، مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٨ رقم ١٥٢٢٠ ، سبل الهدى ١١ : ٤٩ ، الإصابة ٤ : ٣٧٩ ، القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد : ٤٣ ، أسد الغابة ٧ : ٢٢١ وقال : «إنّها اغتسلت لمّا حضرها الموت ، وتكفّنت ، وأمرت عليا أن لا يكشفها إذا توفّيت ، وأن يدرجها في ثيابها كما هي ، ويدفنها ليلا» ، تاريخ المدينة ١ : ١٠٩ وفي آخره : «فحملها بغسلها ذلك ودفنها» ، ينابيع المودّة ٢ : ١٤١ ، فيض القدير ٤ : ٤٢٢.
والعجيب أنّه مع كثرة نقل هذا الحديث ، لم يتعرّض أحد لبحث فقه الحديث ، فإنّ المتّفق عليه عند الفقهاء أنّهم لا يجيزون الدفن إلّا بعد الغسل الحادث بعد الوفاة ، إلّا في موارد مذكورة في الفقه ، وليس هذا منها ، فلا بد وأن يكون ذلك من مختصّات الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.
أحدا فعل ذلك؟ قال : نعم ، كثير بن العباس ، وكتب في أطراف أكفانه : يشهد كثير ابن العباس أنّه لا إله إلّا الله (١).
وقد أنكر الحافظ ابن حجر في القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد على ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع (٢).
وقال كثيرون : غسّلها زوجها علي عليهالسلام وأسماء بنت عميس (٣) ، وصلّى علي عليها ، ودفنها ليلا بوصيّة منها (٤) ، في محلّ فيه ولدها الحسن ،
__________________
(١) مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٨ رقم ١٥٢٢١ ، المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٩ رقم ٩٩٦ ، مصنّف عبد الرزاق ٣ : ٤١١ رقم ٦١٢٦ ، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٥٦ رقم ٢٩٤٠ ، نصب الراية ٢ : ٢٥٨ باب : الجنائز ، سبل الهدى ١١ : ٤٩.
(٢) حيث قال ابن حجر : «إنّ الحكم بكونه موضوع غير مسلّم ، والله أعلم». (القول المسدّد : ٤٤).
(٣) نصب الراية ٢ : ٥٨ وقال : «روى الدار قطني في سننه عن أسماء : أنّ فاطمة أوصت أن يغسّلها زوجها علي وأسماء ، فغسّلاها» ، مصنّف عبد الرزاق ٣ : ٤١٠ رقم ٦١٢٢ عن ابن عباس عن أسماء قالت : «أوصت فاطمة إذا ماتت أن لا يغسّلها إلّا أنا وعلي ، قالت : فغسّلتها أنا وعلي» ، كنز العمّال ١٣ : ٦٨٧ رقم ٣٧٧٥٦ قال : «ثمّ غسّلها علي وأسماء» ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٩ رقم ٤٧٦٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٣٤ قالت أسماء : «غسّلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله» ، الإصابة ٤ : ٣٧٩.
(٤) قال البخاري في الصحيح : «دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر» (فتح الباري ٨ : ٢٧٨ باب غزوة خيبر ، حديث رقم ٤٢٤٠). وأضاف ابن حجر : «إنّ سبب ذلك : أنّها لمّا غضبت من ردّ أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث ، رأى علي أن يوافقها في الانقطاع». انتهى.
وإلى ذلك أشار السمهودي في وفاء الوفاء ٢ : ٩٢ قال : «وقد ثبت أنّ أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة ، لما في الصحيح : أنّ عليا دفنها ولم يعلم أبا بكر».
وفي صحيح مسلم ٥ : ١٥٤ قال : «فوجدت على أبي بكر فهجرته ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها علي». ومثله في صحيح البخاري : كتاب المغازي ، غزوة خيبر ، وصحيح ابن حبّان ١٤ : ٥٧٣.
وفي مصنّف عبد الرزاق ٣ : ٥٢ رقم ٦٥٥٤ قال : «إنّ فاطمة بنت محمّد دفنت بالليل ، فرّ بها علي من أبي بكر أن يصلّي عليها ، كان بينهما شيء» ورقم ٦٥٥٥ قال : «إنّها أوصته بذلك» ، ومثله في مسند الشاميّين للطبراني ٤ : ١٩٨ رقم ٣٠٩٧.
وفي البداية والنهاية ٥ : ٣٠٦ و ٣٠٧ قال : «فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت ، ودفنها علي ليلا بوصيّة منها ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها علي» ومثله في مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٨ رقم
تحت محرابها (١).
__________________
ـ ٤٧٦٤ عن عائشة ، وفي التلخيص بهامش المستدرك ٣ : ١٧٧ رقم ٤٧٦١.
وفي الطبقات الكبرى ٨ : ٢٤ : «عن الزهري قال : دفنت فاطمة ليلا دفنها علي ، وعن عائشة : أنّ عليا دفن فاطمة ليلا ، وعن علي بن الحسين قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ قال : دفناها بليل بعد هدأة ، قال علي بن الحسين : قلت : فمن صلّى عليها ، قال : علي». وفي الاستيعاب ٤ : ٤٢٥ : «وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا» وعبارة أسد الغابة ٧ : ٢٢١ : «وأوصت أن تدفن ليلا».
وفي السيّدة الزهراء : ١٧٦ قال : «دفنت ليلا ، وصلّى عليها الإمام علي عليهالسلام ، ونزل في قبرها ، ولم يكن معه سوى بنو هاشم والصفوة من أصحابه ؛ تنفيذا لوصيّتها» ، وفي تاريخ المدينة ١ : ١٠٨ : «دفنت ليلا ، ولا يعلم بها كثير من الناس».
وراجع أيضا : الثقات لابن حبّان ٢ : ١٦٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢ : ١٢١ ، وتاريخ الطبري ٢ : ٤٤٨.
(١) ذكر في محلّ دفنها صلوات الله عليها عدّة أقوال :
الأول : إنّها دفنت في بيتها في موضع فراشها. قاله النميري في تاريخ المدينة ١ : ١٠٨.
الثاني : دفنت في بيتها الّذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد النبوي. قاله ابن النجّار في الدرّة الثمينة في أخبار المدينة. وانظر ينابيع المودّة ٢ : ١٤٢.
الثالث : إنّ قبر فاطمة بين قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله والحجرة ، قاله الزهري ، نقله ابن حجر في لسان الميزان ٢ : ١٢٣ ترجمة تاج محمّد.
الرابع : إنّها دفنت في البقيع ، ويستدلّ له بقول الإمام الحسن عليهالسلام لأخيه الحسين عليهالسلام : «فإن منعوك فادفنّي في البقيع عند أمي فاطمة» قاله الزرندي الحنفي في درر السمطين : ٢٠٤ ، والمسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٠٦.
أقول : يحتمل أنّه عليهالسلام أراد أمه فاطمة بنت أسد.
الخامس : إنّها دفنت في زاوية في دار عقيل أو حذو دار عقيل ، ممّا يلي دار الجحشيين ، مقابل طريق بني نبيه من بني عبد الدار. قاله ابن سعد في الطبقات ٨ : ٢٥ ، والنميري في تاريخ المدينة ١ : ١٠٥.
وأمّا قول الإمامية فالمشهور عندهم ثلاثة أقوال : الأول : إنّها دفنت في الروضة بين قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله ومنبره الشريف ، لقوله صلىاللهعليهوآله : «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة» ، وقبرها روضة من رياض الجنّة. وهو مختار الشيخ المفيد نقله الطوسي في التهذيب ٦ : ٩. وقال في الحدائق : «وكان الشيخ المفيد يأمر بزيارتها في الروضة». (الحدائق الناظرة ١٧ : ٤٢٧).
وقال الشيخ الطوسي : «وينبغي أن يزور فاطمة من عند الروضة» (المبسوط ١ : ٣٨٦)
وقال المحقّق الحلّي : «يستحبّ أن تزار فاطمة من عند الروضة» (شرائع الاسلام ١ : ٢١٠).
وقال المجلسي : «من المحقّق أنّ قبر فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها إمّا في بيتها أو الروضة النبوية» (بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٨).
__________________
ـ وقال الشهيد الثاني في المسالك : «أبعد الاحتمالات كونها في الروضة» ، قاله في الجواهر ٢٠ : ٨٦.
الثاني : إنّها دفنت في بيتها ، ولمّا زادت بنو أمية في المسجد صار القبر في المسجد ، لما روي في الصحيح عن ابن أبي نصر البزنطي قال : سألت الرضا عليهالسلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام ، فقال : «دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد». رواه في وسائل الشيعة ١٤ : ٣٦٨ كتاب الحج ، أبواب المزار ، باب ١٨ ، الحديث ٣ ، الكافي ١ : ٤٦١ أبواب التواريخ ، باب مولد الزهراء ، الحديث ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ كتاب الصلاة ، فضل المساجد رقم الحديث ٧٠٥ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ أحكام المساجد ، حد مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث ٦٨٥.
وقال الصدوق : «والصحيح عندي ما رواه البزنطي ، قال : هذا هو الصحيح عندي ، وإنّي لمّا حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره ، فلمّا فرغت من زيارة رسول الله صلىاللهعليهوآله قصدت بيت فاطمة ، وهو من عند الاسطوانة الّتي تدخل إليها من باب جبرئيل إلى مؤخّر الحظيرة الّتي فيها النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقمت عند الحظيرة ويساري إليها ، وجعلت ظهري إلى القبلة ، واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل ، فقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله السلام عليك يا ... إلى آخر الزيارة» (الفقيه ٢ : ٥٧٢).
وقال المجلسي : «قد بينّا في كتاب المزار أنّ الأصح أنّها مدفونة في بيتها». (بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥) ، وقال صاحب الرياض : «والأصحّ وفاقا للصدوق وجماعة ، أنّها دفنت في بيتها ، وهو الآن داخل المسجد ؛ للصحيح» ، ثمّ ذكر رواية البزنطي. (رياض المسائل ٧ : ١١٦).
ومال إليه السيد العاملي في مدارك الاحكام ٨ : ٢٧٨ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٥٧ ، والسبزواري في ذخيرة العباد : ٧٠٧ ، قال : والأولى التعويل في ذلك على ما رواه الشيخ ، ثمّ ذكر رواية البزنطي.
الثالث : وهو أنّها مدفونة إمّا في بيتها أو الروضة ، وهو مختار الشيخ الطوسي ، قال : «اختلف أصحابنا في موضع قبرها ، فقال بعضهم : إنّها دفنت بالبقيع ، وقال بعضهم : إنّها دفنت في الروضة ، وقال بعضهم : إنّها دفنت في بيتها ، فلمّا زاد بنو أمية ـ لعنهم الله ـ في المسجد صارت من جملة المسجد ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين ، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعا ، فإنّه لا يضرّه ذلك ، ويحوز به أجرا عظيما. وأمّا من قال : إنّها دفنت في البقيع ، فبعيد عن الصواب». (التهذيب ٦ : ٩).
وفي تاج المواليد : ٢٣ قال : «والأصح والأقرب أنّها مدفونة في الروضة أو في بيتها».
وأمّا القول بأنّها قد دفنت في البقيع ، قال الشيخ الطوسي : «وروي : أنّها مدفونة في البقيع ، وهذا بعيد» ، (المبسوط ١ : ٣٨٦) ، ومثله قال في التهذيب ٦ : ٩.
وقال في الجواهر : «فأمّا من قال : إنّها دفنت في البقيع فبعيد عن الصواب ، واستبعده ابنا سعيد وإدريس والفاضل في التحرير وغيره». (جواهر الكلام ٢٠ : ٨٦).
والحاصل من ذلك : أنّ قبرها في الروضة بين القبر والمنبر وهو مختار المفيد ، أو في بيتها وصار في المسجد وهو مختار الصدوق تبعا لرواية البزنطي عن الرضا عليهالسلام ، وبعض حكم بتقارب الروايتين ولم يعين وهو مختار الشيخ الطوسي في التهذيب. وأمّا كون قبرها في البقيع فهذا ما استبعده أكثرهم.
وكان موتها بعد المصطفى صلىاللهعليهوآله بستّة أشهر على الصحيح (١) ، وقيل : بثمانية (٢).
وقيل : بثلاثة (٣) ، وقيل : بشهرين (٤) ، ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة (٥).
قال الذهبي : والصحيح أنّ عمرها أربع وعشرون سنة ، وقيل : إحدى وعشرين ، وقيل : ستّ وعشرون ، وقيل : تسع وعشرون ، وقيل : ثلاث وثلاثون ، وقيل : خمس وثلاثون (٦).
__________________
(١) فتح الباري ٨ : ٢٧٧ باب : غزوة خيبر رقم ٤٢٤٠ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٧ عن عائشة.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٧ قال : «هو قول يزيد بن أبي زياد».
(٣) سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٨ وعزاه إلى أبي جعفر ، مقاتل الطالبيّين : ٣١ وقال : «إنّ الثابت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمّد بن علي على أنّها توفّيت بعد ثلاثة أشهر» ، المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٨ رقم ٩٩٥.
(٤) سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٨ وقال : «جاء ذلك عن عائشة» ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٨ رقم ٤٧٦٦ و ٤٧٦٧.
(٥) انظر سبل الهدى ١١ : ٤٩ ، تهذيب الكمال ٣٥ : ٢٥٢ ، نظم درر السمطين : ١٨١.
والمشهور عند الإمامية في وفاتها هو في جمادى الآخرة ، يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة احدى عشرة من الهجرة ، كما في مصباح المتهجّد للطوسي : ٧٩٣ ، وإقبال الأعمال ٣ : ١٦١ ، وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٦ ، والأنوار البهية : ٥٨ نقله عن الطبري في دلائل الإمامة عن الإمام جعفر بن محمّد عليهالسلام.
وأنّها بقيت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة وسبعين يوما ؛ للصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة وسبعين يوما» ، رواه في الكافي ١ : ٤٥٨ باب مولد الزهراء.
ورواه بطريق آخر صحيح في ٣ : ٢٢٨ باب : زيارة القبور عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام قوله : «عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة وسبعين يوما ، ولم تر كاشرة ولا ضاحكة ...» ورواه أيضا بطريق آخر صحيح في ٤ : ٥٦١ عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وفي العمدة لابن بطريق : ٣٩٠ قال : «ذكر الواقدي في كتابه : أنّها بقيت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة وسبعين يوما».
ومثله قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ١٤.
هذا وروي أيضا أنّها بقيت أربعين صباحا ، كما في مستدرك الوسائل ٢ : ٢١٠ رقم ١٨١٥ ، والبحار ٤٣ : ١٨٦ ، و ٧٨ : ٢٥٦ عن سلمان وابن عباس.
(٦) ذكر الأقوال جميعا في الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ : ٢٤. لكن يردّ القولين الأخيرين : قول العلّامة الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢١ أنّه قال : «وأكثر ما قيل : إنّها عاشت تسعا وعشرين سنة».
ويردّ جميع الأقوال ، عدا القول الثاني ـ إحدى وعشرين ـ :
وقال عبد الله بن الحارث : مكثت بعد أبيها ستة أشهر وهي تذوب ، وما ضحكت بعده أبدا (١).
وروى الطبراني بسند رجاله موثّقون ـ لكن فيه انقطاع ـ عن جعفر بن محمّد : مكثت فاطمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثة أشهر ، ما رئيت ضاحكة ، إلّا أنّهم قد امتروا في طرف نابها (٢).
__________________
أولا : رواية الحاكم في المستدرك ٣ : ١٧٨ رقم ٤٧٦٥ عن جعفر بن محمّد قال : «ماتت فاطمة وهي ابنة إحدى وعشرين سنة».
وثانيا : تقدّم في اوائل الكتاب ، في بحث تعيين ولادتها : أنّ أغلب العلماء يقولون : إنّها ولدت بعد الإسلام ؛ كابن حجر وابن عبد البرّ ومصعب الزبيري واليعقوبي والحاكم النيسابوري والمحبّ الطبري والمزي وابن المديني ...
وغيرهم ، وهذا معناه أنّها لم تتجاوز الواحدة والعشرين. وذكرنا هناك أيضا أنّ الصحيح : أنّها ولدت بعد المبعث بخمس سنين ؛ للصحيح عن أبي جعفر محمّد الباقر عليهالسلام قال : «توفّيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما ...» (الكافي ١ : ٤٥٨).
هذا وقال المحبّ الطبري : «ذكر الإمام أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدارع في كتاب تاريخ مواليد أهل البيت : أنّها توفّيت وهي ابنة ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما». (ذخائر العقبى : ١٠١).
(١) سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٨.
(٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٨ رقم ٩٩٥ وفيه عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٠ رقم ١٥٢٢٧ حيث قال : «رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح» ، وسبل الهدى ١١ : ٤٩.
والحديث مرويّ في أغلب كتب الإمامية ؛ كالبحار ٢٩ : ٣٩٠ و ٤٣ : ١٩٥ و ٩٧ : ٢١٦ ، والكافي ٤ : ٥٦١ و ٣ : ٢٨٨ ، ووسائل الشيعة ٣ : ٢٢٤ و ١٠ : ٢٧٩ وغيرهما عن جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام ، وفي مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١١٩ عن الباقر عليهالسلام : «أنّها عاشت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة وسبعين يوما ، لم تر كاشرة ولا ضاحكة». والجميع رووه من دون عبارة : «إلّا أنّهم قد امتروا في طرف نابها» أي : أنّهم شكّوا في وجود علّة في فمها منعها من الضحك والتبسّم ، لا أنّها امتنعت عن الضحك والتبسّم لأجل حزنها على أبيها!!
والظاهر ـ والله العالم ـ أنّ هذه الزيادة موضوعة مدخولة على الحديث للتقليل من أهمية موقف الزهراء تجاه الحوادث الّتي جرت بعد رحيل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.
والّذي يؤكّد ذلك أنّ الرواية مرويّة عن جعفر بن محمّد الصادق صلىاللهعليهوآله ، وليس أحد يهتمّ بروايات الصادق أكثر من الإمامية ، وكلّ كتب الإمامية خالية عن هذه الزيادة.
وما يدلّل عليه أيضا أنّ ابن الأثير رواها في أسد الغابة ٧ : ٢٢١ في ترجمة فاطمة من دون هذه الزيادة ، وكذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ١٦ : ٢٨٠.
السادسة : قال جمع : وهي أوّل من غطّي نعشها (١) في الإسلام
روى ابن سعد عن أم جعفر :
أنّ فاطمة قالت لأسماء بنت عميس : إنّي استقبح ما يصنع بالنساء ، يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء : يا ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ، ثمّ طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا! إذا أنا متّ فغسّليني أنت وعلي ، ولا يدخلنّ عليّ أحد ، ثمّ اصنعي بي هكذا.
فلمّا توفّيت صنع بها ما أمرت به أن تغسّلها أسماء وعلي (٢).
السابعة : انقراض نسب رسول الله صلىاللهعليهوآله إلّا من فاطمة
لأنّ أمامة بنت بنته زينب تزوّجت بعلي بوصيّة من فاطمة (٣) ، ثمّ بعده بالمغيرة ابن نوفل ، وأتت منهما بأولاد.
__________________
(١) النعش : القبّة ، ويسمّى سرير الميّت نعشا لارتفاعه ، وهو شبه المحفّة ومركب النساء كالهودج ، فالنعش سرير عليه قبّة أو خيمة أو شيء عال يستره. راجع عون المعبود ٨ : ٣٣٨ و ٣٣٩ كتاب الجنائز ، وقال : «وأوّل من جعل لها النعش فاطمة الزهراء لمّا توفّيت ، عملت أسماء بنت عميس ما كانت قد رأته بالحبشة ، قاله السيوطي».
(٢) عون المعبود ٨ : ٣٣٧ باب : أين يقوم الإمام من الميّت إذا صلّى ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٣٤ ، كنز العمّال ١٣ :
٦٨٦ ، نصب الراية ٢ : ٢٥٨ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٨ ، أسد الغابة ٧ : ٢٢١ ، الاستيعاب ٤ : ٤٧. وأكثرهم زاد في آخره : «فجاء أبو بكر فوقف على الباب ، وقال : يا أسماء ما حملك أن منعت أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآله يدخلن على ابنة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ، وأمرتني أن أصنع لها ذلك.
وغسّلها علي وأسماء ، وهي أوّل من غطّي نعشها في الإسلام ، ثمّ زينب بنت جحش».
(٣) فتح الباري ٢ : ١٧٦ باب ١٠٦ وقال : «وأمامة تزوّجها علي بعد وفاة فاطمة بوصيّة منها ، ولم تعقّب» ، عون المعبود ٣ : ١٣١ باب ١٦٧ العمل في الصلاة ، وقال : «تزوّجها بعد وفاة فاطمة ولم تعقّب» ، السيّدة الزهراء : ١٠١ و ١٦٥ وقال : «أمامة تزوّجها علي بعد الزهراء بوصيّة منها ، لكنّها لم تنجب أولادا ، فلم يكن لسيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله عقب إلّا من الزهراء ، وأعظم بها من مفخرة».
قال الزبير بن بكّار : ثمّ انقرض عقب زينب (١).
__________________
(١) حكاه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٢. وقد تقدّم في أوّل الباب الرابع كلام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٧ : ٤٧٧ : «أنّ من خصائص فاطمة الزهراء : أنّها ذرّية النبيّ صلىاللهعليهوآله دون بقية أخواتها» ، لانحصار الذرّية والعقب من رسول الله صلىاللهعليهوآله بها وحدها ، واستدلّ به ابن حجر على أنّها أفضل النساء لأنّها ذرّية النبيّ صلىاللهعليهوآله.
الباب الخامس
في ما روته من الأخبار وأنشأته من الأشعار