الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١
بلاد إيران ونزل بشيراز وأصفهان ، وغادرها إلى النجف الأشرف سنة ( ١١٢٠ ) ، وله في الباب الخامس من ديوانه قصيدة يمدح بها السيد المدرّس الحائري سنة ( ١١٢٢ ) مجيباً قصيدة السيد التي مدحه بها وهي تعرب عن مقامه الشامخ في الفضائل ، ونبوغه في الأدب ، وتحلّيه بالنفسيّات الكريمة ، ألا وهي :
قم فاجلُ شمسَ الراحِ للندماء |
|
كي تنجلي فيها دجى الغمّاءِ |
فمجامرُ الأزهارِ فاحَ أريجُها |
|
عبقاً بنارِ البرق ذي اللألاءِ |
والطَّلُّ فوقَ الوردِ أضحى حاكياً |
|
صدغاً أحاط بوجنةٍ حمراءِ |
ولآلئ الأنداء قد لاحت ضحىً |
|
بشقائقٍ راقت لعينِ الرائي |
فكأنّها نُطَفُ الدموع تدافعت |
|
في حرف جفنِ المقلةِ الرمداءِ |
فانشط وأسرج لي كُمَيتاً رُوِّضَتْ |
|
بعد الشماسِ بمزجِها بالماءِ |
تجري بمضمارِ اللهى لكن غدا |
|
عوضَ القتامِ لها دخانُ كباءِ |
شمطاءُ ترقصُ في الزجاجِ وإنّما |
|
برد الوقار يُرى على الشمطاءِ |
يا حبّذا وقد اجتلاها أهيفٌ |
|
نشواتُ من غنجٍ ومن صهباءِ |
ما لاح لي ظبيٌ سواه مقرَّطاً |
|
ومقلَّداً بالنجمِ والجوزاءِ |
سوى عليٍّ ذي المعالي ما انجلى |
|
قمرُ يمدُّ الشمسَ بالأضواءِ |
ربُّ المفاخر من سما أوجِ السما |
|
بمكارمٍ جلّت عن الإحصاءِ |
ندبٌ يرى بذل الرغائبِ واجباً |
|
للمجتدي والدهر ذو أكداءِ |
ذو هيبةٍ بالبشرِ شيبت مثلَما |
|
يبدي السحاب النار ضمن الماءِ |
راحاتُه الراحاتِ تولي والعنا |
|
للأولياءِ له وللأعداءِ |
الثاقبُ الآراء نجلُ الثاقب الـ |
|
آراء نجل الثاقب الآراءِ |
يهتزُّ عند الحمدِ إلّا أنّه |
|
عند النوائبِ ثابتُ الأرجاءِ |
مولىً إذا اسودَّ الزمانُ وأَمَّهُ |
|
عافٍ حباهُ باليدِ البيضاءِ |
وإذا عتا فرعونُ فقر مؤمّلٍ |
|
ألقاه من جدواه في دأماءِ (١) |
لم تُسمَعِ العوراءُ منه وطالما |
|
أطفى توقّدَ فتنةٍ عمياءِ |
من معشرٍ حازوا النهى بفخارِهمْ |
|
قد حبّرت ديباجة العلياءِ |
لا يُنصتون إلى الغنا ولطالما |
|
نال الغني بهم ذوو استجداءِ |
ما أشرعوا الأرماح إلا أشرقو |
|
ها من دمِ الأقرانِ في الهيجاءِ |
تهديهمُ بدجى القتامِ غرائمٌ |
|
لهمُ غدت تحكي نجومَ سماءِ |
غارت رماحُ الخطّ من أقلامِهمْ |
|
فلذلك ارتعدت لدى الهيجاءِ |
فلكم زها فوق الطروسِ بطلّها |
|
زهرٌ له كمٌّ من الأحشاءِ |
زهرٌ يلوح الدهر غضّاً ناضراً |
|
والزهرُ يذبلُ عند فقدِ الماءِ |
ولكم سبتْ عقلاً بسحرِ بيانِها |
|
وبحكمةٍ من شعرِها غرّاءِ |
يا صاحبَ الفضلِ الذي من فضلِه |
|
يُجنى جنيُّ بلاغةِ البلغاءِ |
خذ روضَ مدحٍ لم يجده القطر بل |
|
قد جاد منبته وليّ ولاءِ |
يبدي الشذى منه قبول قبولكم |
|
لو حبّ في أسحار حسن رجائي |
فأعوذ بالرحمن من أن يغتدي |
|
بهجيرِ هجرِك شاحبَ الأرجاءِ |
لا زال قدرُك كاسمك السامي الذي |
|
قد سار في الآفاقِ سيرَ ذكاءِ |
ما خاط أجفانَ الورى وسنٌ وما |
|
شقَّ الصباحُ غلالة الظلماءِ |
ولشاعرنا العامليّ قصائد طوال في مدح الإمام أمير المؤمنين ورثاء ولده الإمام السبط الشهيد سلام الله عليهما ، ومن مديحه أمير المؤمنين قصيدة أوّلها :
الدهر أصبح لي معاندْ |
|
وسطا عليَّ وصال عامدْ |
وأشارت الأيّام نحوي |
|
بالمكاره والمكائدْ |
___________________________________
(١) الدأماء : البحر.
إلى أن يقول :
يا سعد وقيتَ النوى |
|
وكفيت منها ما أكابدْ |
بالله إن جزتَ الغريَّ |
|
فعُجْ على خيرِ المشاهدْ |
وقفِ الركابَ ونادِها |
|
هنّيت في نيلِ المقاصدْ |
واخلع بها نعليك ملـ |
|
ـتثمَ الثرى لله ساجدْ |
واعمد إلى تقبيل أعـ |
|
ـتاب الإمام البرِّ عامدْ |
مولى البريّةِ ذي التقى |
|
علَمِ الهدى حاوي المحامدْ |
نجلِ الغطارفةِ الكرا |
|
مِ الأريحيّين الأماجدْ |
كالبحرِ إلّا أنَّه |
|
عذبُ المصادرِ والمواردْ |
وقلِ السلَامُ عليك يا |
|
كهفَ النجاةِ لكلّ وافدْ |
ومحطَّ رحل المستضامِ |
|
المستجيرِ وكلّ واردْ |
يا آيةَ اللهِ التي |
|
ظهرت فأعيتْ كلَّ جاحدْ |
والحجّةَ الكبرى المنا |
|
طة بالأقاربِ والأباعدْ |
لولاك ما اتّضحَ الرشادُ |
|
ولا اهتدى فيه المعاندْ |
كلّا ونيرانُ الضلالةِ لم |
|
تكن أبداً خوامدْ |
والدينُ كان بناؤه |
|
لولاك منهدَّ القواعدْ |
حارت بك الأوهامُ واخـ |
|
ـتلفت بمعناك العقائدْ |
فمن اقتدى بك إهتدى |
|
وهوى ضلالاً عنك حائدْ |
يا من نعوذُ بإسمِه |
|
من كلِّ شيطانٍ وماردْ |
وبه نلوذُ من الزمانِ |
|
وحين نودَعُ في الملاحدْ |
أنت المرجّى في الفوا |
|
دحِ والمؤمّل في الشدائدْ |
مولاي معتقدي بأنّـ |
|
ـك علّةُ الأشياءِ واحدْ |
ومعادُ أجسامِ الورى |
|
يومَ المعاد عليك عائدْ |
فلذلك الله العلي |
|
براك في الكونين قائدْ |
تدعو الأنامَ إلى الهدى |
|
وعليهمُ في ذاك شاهدْ |
خذها أبا حسنٍ إلى |
|
علياك أبكاراً خرائدْ |
ـ ١٠٠ ـ المولى مسيحا الفسوي
المولود ( ١٠٣٧ )
المتوفّى ( ١١٢٧ )
ما ارتحت مذ ركبتْ للبين جيراني |
|
يا صاحبيّ بإتلافي أجيراني |
يقول فيها :
فضلي ومجدي وإتقاني ومعرفتي |
|
عادت بأجمعها أسبابَ حرماني |
لو قلّبَ الدهرُ أوراقي لصادفها |
|
آياتِ لقمانَ في أشعارِ حسّانِ |
دنياي قد ثكلتني فهي باكيةٌ |
|
نجومُها الدمعُ والعينان عيناني |
واسوءَ بسطِ يدٍ غُلّتْ إلى عنقي |
|
حتى بدا المزن بالأمطارِ باراني |
وقُوِّست ألفي كالنون من نصبٍ |
|
فكاد ينقلب إيران نيراني |
فيما ارتقابي سحباً غيرَ ماطرةٍ |
|
إلامَ أرضى بأرضٍ ليس ترعاني |
من لي بعاصفِ شملالٍ (١) يبلّغني |
|
إلى الغريِّ فيلقيني وينساني |
إلى الذي فرضَ الرحمنُ طاعتَه |
|
على البريّة من جنٍّ وإنسانِ |
عليٍّ المرتضى الحاوي مدائحَهُ |
|
أسفارُ توراة بل آياتُ فرقانِ |
ما أستعينُ بشملالٍ ولا قدمٍ |
|
من تربِ ساحتِه طوبى لأجفاني |
تنزّه الربُّ عن مثلٍ يخبّرنا |
|
بأنَّه ورسولَ اللهِ سيّانِ |
___________________________________
(١) الشملال : السريع الخفيف.
كأنَّ رحمتَه في طيِّ سطوتِهِ |
|
آرامُ وجرةَ (١) في آساد خفّانِ |
عمَّ الورى كرماً فاقَ الذرى شمماً |
|
روّى الثرى عنماً (٢) من نحر فرسانِ |
فالدين منتظمٌ والشمل ملتئمٌ |
|
والكفر منهدمٌ من سيفه القاني |
كالبرق في بَسمٍ والنارِ في ضرمٍ |
|
والماءِ في سجمٍ من نهر أفنانِ |
فقارُهُ وهي في غِمْدٍ تجلّلها |
|
آيُ الوعيدِ حواها جلدُ قرآنِ |
قد اقتدى برسولِ اللهِ في ظُلمٍ |
|
والناسُ طرّاً عكوفٌ عند أوثانِ |
تعساً لهم كيف ضلّوا بعدما ظهرت |
|
لهم بوارقُ آياتٍ وبرهانِ |
فهل أُريد سواهُ حيث قيلَ لهمْ |
|
هذا عليٌّ فمن والاه والاني |
هل رُدّت الشمسُ يوماً لابن حنتمةٍ |
|
أو هل هوى كوكبٌ في بيت عثمانِ |
هل جادَ يوماً أبو بكر بخاتمِهِ |
|
مناجياً بين تحريمٍ وأركانِ |
وهل تظنُّ تعالوا ندعُ أنفسَنا |
|
في غيرِهِ نزلت عن ذاك حاشاني |
أخصّ بالسطلِ والمنديلِ واحدَهمْ |
|
أم استحبّوا بتفّاحٍ ورمّانِ |
أم ريثما صال عمروٌ بين أظهرِهمْ |
|
سواه صبّغ منه السيف بالقاني |
أم خيبر كان وافى قبله بطلاً |
|
سلَّ المصاريع (٣) من مرصوصِ بنيانِ |
أشالَها لجميعِ الجندِ قنطرةً |
|
يجيزها الكلّ من رجلٍ وركبانِ |
أم ريثما انهزمَ الأصحابُ في أُحدٍ |
|
وظلَّ خيرُ الورى فرداً بلا ثانِ |
من عصبةِ الشرك صُفَّتْ حولَهُ فئةٌ |
|
ذات المخالبِ في أرياشِ عقبانِ |
سواه حامى رسول الله يطغنهم |
|
بسمهريٍّ يُحاكي لدغَ ثعبانِ |
بالسيفِ والرمحِ والأنصالِ دافعَهمْ |
|
عن الرسولِ بإخلاصٍ وإيقانِ |
حتى تبدّدَ أهلُ الشركِ وانهزموا |
|
شبهَ الحنادسِ إذ تُمحى بنيرانِ |
___________________________________
(١) الوجرة : الحفرة تُجعل للوحوش فيها مناجل فإذا مرّت بها عرقبتها.
(٢) العنم : نبات يتخذّ من أزهاره الحمراء خضاب.
(٣) مفرده مصراع ، وهو أحد جُزْئَي الباب.
والقومُ بشّرَهم إبليسُ من كذبٍ |
|
بقتلِ أحمدَ مصروعاً بميدانِ |
فارتاح أنفسُهمْ سرّاً وقد ستروا |
|
أسرارَهمْ خوفَ أبصارٍ وآذانِ |
وهل تصدّق للنجوى سواه فتىً |
|
وقد مضى قبل نسخِ الحكمِ يومانِ |
هل في فراشِ رسولِ اللهِ باتَ فتىً |
|
سواه إذ حفَّ من نصلٍ بنيرانِ |
لولاه لم يجدوا كفواً لفاطمةٍ |
|
لولاه لم يفهموا أسرارَ فرقانِ |
لولاه كان رسول الله ذا عقمٍ |
|
لولاه ما اتّقدت مشكاةُ إيمانِ |
لولاه لم يك سقفُ الدين ذا عمدٍ |
|
لولاه لانهدمتْ أركانُه الواني (١) |
لولاه ما خلقت أرضٌ ولا فلكٌ |
|
لولاه لم يقترن بالأوّل الثاني |
هو الذي كان بيتُ اللهِ مولدَهُ |
|
فطهّر البيتَ من أرجاسِ أوثانِ |
هو الذي من رسولِ اللهِ كان له |
|
مقامُ هارونَ من موسى بنِ عمرانِ |
هو الذي صارَ عرشُ الرب ذا شنفٍ |
|
إذ صار قرطيه ابناه الكريمانِ |
أقدامُه مسحت ظهراً به مسحتْ |
|
يدُ الإلٰهِ لتبريدٍ وإحسانِ |
يا واضعاً قدميهِ حيثما وُضِعتْ |
|
يدُ الإلٰهِ عليه عزَّ من شانِ |
رحبُ الأكفِّ إذا فاضت أناملُهُ |
|
لو لم يقل حسب ثنّى يومَ طوفانِ |
لو ظلَّ تحت لواه في الوغىٰ علمٌ |
|
تراه ترتجُّ حنواً نحو ميدانِ |
ما تستقرُّ الرواسي تحت صارمِهِ |
|
كالطود تندكُّ من أُسٍّ وبنيانِ |
لولا الوصيّةُ فالشيخانِ أربعةٌ |
|
يومَ السقيفةِ بل عثمانُ إثنانِ |
فيا عجيباً من الدنيا وعادتها |
|
أن لا يساعدَ غير الوغد والداني |
من كان نصُّ رسولِ اللهِ عيّنهُ |
|
لإمرةِ الشرعِ تبليغاً بإعلانِ |
يومَ الجماهيرُ في بيداءَ قد مُلِئتْ |
|
بكلّ من كان من أعقاب عدنانِ |
وقال صحبُ رسولِ اللهِ قاطبةً |
|
بخٍ لذاك وكان الأوّل الثاني (٢) |
___________________________________
(١) الواني : الضعيف البدن. يقال : نسيم وانٍ : ضعيف الهبوب. ( المؤلف )
(٢) كان أوّل من خاطب
الإمام عليهالسلام
يوم غدير خم مبخبخاً عمر بن الخطّاب ، وهو ثاني من تقمّص
من بعد ما شدّدَ الرحمنُ إمرتَه |
|
على الرسولِ بإحكامٍ وإتقانِ |
فقال بلِّغ وإلّا فادرِ أنّك ما |
|
بلّغتَ حقَّ رسالاتي وتبياني |
تقدّمته أُناسٌ ليس عيّنهمْ |
|
نصُّ الإلٰه ولا منطوق برهانِ |
لا أضحك الله سنَّ الدهر إنّ له |
|
قواعداً عدلتْ عن كلِّ ميزانِ |
بصفوِ حبِّك قد أحييت مهتدياً |
|
فدتْكَ نفسيَ يا ديني وإيماني |
ودَرَّ فيضُكَ ما دارَ السما وجرى |
|
ودام ظلُّكَ ما كرَّ الجديدانِ |
ما يتبع الشعر
القصيدة توجد برمّتها ( ٩١ ) بيتاً في الجزء الثاني من كتاب الرائق للعلّامة السيد أحمد العطّار ، وذُكر منها ( ٨٩ ) بيتاً في نجوم السماء ( ص ١٩٧ ) ، وجملة منها مذكورةٌ في فارسنامهٔ ناصري ( ٢ / ٢٣٠ ) ، وعدَةٌ منها توجد في هامش نهج البلاغة المطبوع في إيران سنة ( ١٣١٠ ) ، وخمّس العلّامة الأوحد السيد محمد حسين الشهرستاني المتوفّى ( ١٣١٥ ) (١) من هذه القصيدة واحداً وأربعين بيتاً ، وبدأ بالبيت الحادي عشر أوّله :
أمسيت والهمُّ في إيرانَ يطرقُني |
|
والكربُ طولَ الليالي ما يفارقُني |
||
وذكرُ من حلَّ في كوفانَ يقلقُني |
|
من لي بعاصفِ شملالٍ يبلّغني |
||
|
إلى الغريّ فيلقيني وينساني |
|
||
إلى الذي طهّرَ الجبّارُ طينتَهُ |
|
إلى الذي بشّرَ المختارُ شيعتَهُ |
||
إلى الذي أوجبَ القربى مودّتَهُ |
|
إلى الذي فرض الرحمنُ طاعتَهُ |
||
|
على البريّةِ من جنٍّ وإنسان |
|
||
___________________________________
الخلافة. ( المؤلف )
(١) أحد شعراء الغدير ، يأتي ذكره في شعراء القرن الرابع عشر. ( المؤلف )
الشاعر
المولى محمد مسيح الشهير بمسيحا ابن المولى إسماعيل فدشكوئي الفسوي المتخلّص بـ (معنى) في شعره الفارسي ، وبمسيح في العربيّ منه ، عالم فيلسوف ، وحكيم بارع ، وفقيه متضلّع ، وأديب شاعر ، وخطيب كاتب ، مذكور بالثناء الجميل في سوانح تلميذه الشيخ علي الحزين ، ونجوم السماء ( ص ١٩٥ ) ، وفارسنامهٔ ناصري ( ٢ / ٢٣٠ ) ، وغيرها أخذ العلم عن أستاذ الكلّ آقا حسين الخونساري ، وأخذ عنه كثيرون من العلماء ، تقلّد شيخوخة الإسلام بشيراز على عهد السلطان شاه سليمان ، والسلطان شاه حسين ، وله يوم تسنّما عرش الملك خطبٌ بليغة ، توفّي سنة ( ١١٢٧ ) عن عمر يقدّر بالتسعين ، وخلف آثاراً قيّمة لا يستهان بها منها : إثبات الواجب ، ورسالة فارسيّة في القصر والإتمام ، وحواشٍ على حاشية الخفري على شرح التجرية ، ذكرها له شيخنا القمي في الفوائد الرضويّة ( ١ / ٦٤٣ ) وقال : رآها في كرمانشاه.
ـ ١٠١ ـ ابن بشارة الغروي
المتوفّى بعد ( ١١٣٨ )
تلك الديارُ تغيّرتْ آثارُها |
|
وتغيّبتْ تحت الثرى أقمارُها |
دارٌ لقد أخفى البِلى أضواءَها |
|
ومن السحائب جادَها مدرارُها |
إلى أن قال :
أنا سيّدُ الشعراءِ غيرَ مدافعٍ |
|
وإذا نثرتُ فإنّني نثّارُها |
وأقودُهمْ نحو الجنانِ ورايتي |
|
بيضاءُ تلمعُ فوقهَمْ أنوارُها |
إذ كنتُ مادحَ حيدرٍ ربّ التقى |
|
فخر البريّةِ حصنهم كرّارُها |
ليثٌ إذا حمي الوطيسُ وزمجرتْ |
|
فرسانُها والحربُ طارَ شرارُها (١) |
يسطو بأعظمِ صولةٍ روّاعةٍ |
|
منها الكماةُ تصرّمتْ أعمارُها (٢) |
وإذا الخيولُ الصافناتُ تسابقتْ |
|
يومَ البرازِ فسبقه نحّارُها |
صهرُ النبيّ أبو الأئمّةِ خيرُهمْ |
|
وبه الخلافةُ قد سما مقدارُها |
بغديرِ خمٍّ للولايةِ حازها |
|
حقّاً وليس بممكنٍ إنكارُها |
وإذا رقى للوعظِ صهوةَ منبرٍ |
|
يُصغي لزاجرِ وعظِهِ جبّارُها |
وبراحتيه تفجّرتْ عينُ الندى |
|
فالواردون جميعُهم يمتارُها |
___________________________________
(١) زمجرت : أكثرت الصياح والصخب. وتزمجر الأسد : ردّد الزئير. ( المؤلف )
(٢) الكماة جمع الكميّ : الشجاع أو لابس السلاح. ( المؤلف )
وله العلومُ الفائضاتُ على الورى |
|
فيضَ الغمائمِ إذ هما مهمارُها |
نهجُ البلاغِة من جواهرِ لفظِه |
|
فيه العلومُ تبيّنتْ أسرارُها |
لولاه ما عُبد الإلٰهُ بأرضِهِ |
|
يوماً ولا بخعتْ له كفّارُها (١) |
الشاعر
أبو الرضا الشيخ محمد علي بن بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي ، أوحديٌّ حقّت له العبقريّة والنبوغ ، وفذّ من أفذاذ الفضيلة ، برع في فنون الشعر والأدب ، ورث فضله الكثار وأدبه الموصوف عن أبيه العلّامة الشاعر المفلق الشيخ بشارة ، وعاصر نوابغ العلم وأساتذة البيان وأخذ منهم ، ونال من الفضل حظّه الوافر ، ونصيبه المقدّر ، فأطروه وأثنوا عليه ، وعدَّ من رجال تلك الحلقة ، وأبقى شعره وأدبه له ذكرى خالدة ، وسجّلت آثاره القيّمة العلميّة والأدبيّة في صفحة التاريخ له غرراً ودرراً تُذكر وتُشكر ، منها نشوة السلافة ومحلّ الإضافة ، قرّظها السيد حسين ابن الأمير رشيد الآتي ذكره ، وقال الشيخ أحمد النحويّ الحلّي مقرّظاً إيّاها :
يا أخا الفضل والمكارم والسؤ |
|
دد والمجدِ والعُلى والشرافه |
والأديب الأريب المصقع المد |
|
ره ربّ الكمال ربّ الظرافه |
أيّ درٍّ أودعتَ في صدفِ الطر |
|
سِ غدا الدرُّ حاسداً أوصافه |
لو رأى هذه الرياضَ زهيرٌ |
|
لتمنّى من زهرهنّ اقتطافه |
لو درى عرفَهنّ صاحبُ عرفِ الطيـ |
|
ـبِ أبدى لطيبهنّ اعترافه |
لو رأى جمعها عليٌّ (٢) رأى الفضـ |
|
ـل على جمعه لكمْ والأنافه |
قال جمعي صبابةٌ في إناءٍ |
|
من سُلاف وذا حبابُ السلافه |
___________________________________
(١) ذكرها في كتابه نشوة السلافة وهي تناهز الخمسين بيتاً. ( المؤلف )
(٢) يعني السيد علي خان المدني صاحب سلافة العصر التي ألّف ابن بشارة نشوته تتميماً لها. ( المؤلف )
أيّ مستمتعٍ لذي الفضل فيها |
|
وبشتّى نكاتها واللطافه |
جئتها طاوي الحشا فأضافتـ |
|
ـني وقالت : هذا محلّ الإضافه |
ومنها : نتائج الأفكار ، قرّظها المدرّس الأوحد السيد نصر الله الحائري بقوله :
حيَّر عقلي ذا الكتابُ الأنيق |
|
فليس للوصف إليه طريقْ |
رقيقُ لفظٍ جزلُ معنىً له |
|
كلّ مجاميع البرايا رقيقْ |
ما هو إلّا روضةٌ غضّةٌ |
|
شقيقُها ليس له من شقيقْ |
صاداتُها الغدرانُ همزاتُها |
|
حمائمٌ تشدو بلحنٍ أنيقْ |
كم نشق العشّاقُ من نفحِها |
|
نسيمَ أخبار اللوى والعقيقْ |
كم قد جلت أكؤسُ ألفاظِها |
|
معانياً يخجلُ منها الرحيقْ |
رصّعها صوبُ يراعِ الذي |
|
أصبح دوحُ الفضلِ فيه وريقْ |
مولىً جليلُ القدرِ في شأنِه |
|
قد اغتدى صاحبَ فكرٍ دقيقْ |
لا زال نصرُ اللهِ طولَ المدى |
|
له رفيقاً فهو نعمَ الرفيقْ |
ومنها : شرح نهج البلاغة ، وريحانة النحو. ذكرهما الشيخ أحمد النحويّ الحلّي في قصيدته التي مدحه بها أوّلها :
برزَتْ فيا شمسَ النهارِ تستّري |
|
خجلاً ويا زهرَ النجوم تكدّري |
فهي التي فاقت محاسنُ وجهِها |
|
حسنَ الغزالةِ والغزالِ الأحورِ |
يقول فيها :
من آل موحٍ شهبِ أفلاكِ العُلى |
|
وبدورِ هالاتِ الندى والمفخرِ |
وهم الغطارفةُ الذين لبأسِهمْ |
|
ذُهِل الورى عن سطوةِ الإسكندرِ |
وهم البرامكةُ الذين بجودِهمْ |
|
نسي الورى فضلَ الربيعِ وجعفرِ |
لم يخلُ عصرٌ منهمُ أبداً فهم |
|
مثلُ الأهلّةِ في جباهِ الأعصُرِ |
لا سيّما العلَم الذي دانت له الـ |
|
أعلامُ ذو الفضل الذي لم ينكرِ |
ولقد كسا نهج البلاغة فكره |
|
شرحاً فأظهر كلّ خافٍ مضمرِ |
وعجبت من ريحانةِ النحو التي |
|
لم يذوِ ناضرَها مرور الأعصرِ |
فذروا السلافةَ (١) إنّ في ديوانه |
|
في كلِّ بيتٍ منه حانةَ مسكرِ |
ودعوا اليتيمةَ (٢) إنَّ بحر قريضِهِ |
|
قذفت سواحلُه صنوف الجوهرِ |
ما دميةُ القصرِ (٣) التي جمع الأُلى |
|
كخرائدٍ برزت بأحسنِ منظرِ |
يا صاحبَ الشرفِ الأثيل ومعدنَ الـ |
|
ـكرمِ الجزيلِ وآيةَ المستبصرِ |
خذها إليك عروسَ فكرٍ زفّها |
|
صدقُ الودادِ لكم وعذرُ مقصّرِ |
فاسلكْ على رغم العدى سبلَ العُلى |
|
واسحبْ على كيوانِ ذيل المفخرِ |
ومنها : ديوان شعره الذي وصفه السيد المدرّس الحائري بقوله :
ديوان نجل المقتدى بشاره |
|
لسائر الشعر غدا إكليلا |
ما هو إلّا جنّةٌ قد أزهرت |
|
وذلّلت قطوفها تذليلا |
وقوله فيه :
ألا قد غدا ديوان نجلِ بشارةٍ |
|
طرازَ دواوينِ الأنامِ بلا ريبِ |
مهذّبةٌ أبياتُه كخلائقي |
|
فليس به عيبٌ سوى عدمِ العيبِ |
وللسيد العلّامة المدرّس الحائري عدّة قواف في الثناء على شاعرنا ابن بشارة منها :
___________________________________
(١) هي سلافة العصر للسيد علي خان المدني شارح الصحيفة الشريفة الآنف ذكره في هذا الجزء : ص ٣٤٤. ( المؤلف )
(٢) هي يتيمة الدهر للثعالبي كتاب أدبيّ ضخم فخم مطبوع في أربع مجلّدات. ( المؤلف )
(٣) دمية القصر تأليف الباخرزي ، مطبوع سائر دائر. ( المؤلف )
سلامٌ يسحبُ الأذيالَ تيهاً |
|
على هام الدراري الثاقباتِ |
أخصُّ به شقيقَ الصبحِ بشراً |
|
سليلَ بشارة ذي المنقباتِ |
فتىً أضحت بغيثِ نداه تزهو |
|
أزاهيرُ الأماني للعفاةِ |
وراحت في صباح الرأي منه |
|
تجابات (١) دياجي المشكلاتِ |
شأى قسّاً بلفظٍ راق رصفاً |
|
ومعنىً بالهبات الوافراتِ |
له فكرٌ بأدنى الأرض لكن |
|
له عزمٌ بأعلى النيّراتِ |
ونظمٌ يشبه الأزهارَ لو لم |
|
تعد بعد النضارةِ ذابلاتِ |
وبعد فإنَّ روضَ العيشِ أضحى |
|
هشيماً ذا نواحٍ شاحباتِ |
وقد كانت نواحيه قديماً |
|
بطلّ البشر منكم زاهياتِ |
وأمسى يا شهابَ سما المعالي |
|
مريدَ الوجدِ مخترقاً جهاتي |
فعوّذني بكتبك من أذاه |
|
فما لي غيرها من راقياتِ |
ولا زالت جلابيبُ المعالي |
|
بمجدِكمُ المبجّلِ معلماتِ |
ومنها قوله :
سلامٌ كزهرِ الروض إذ جاده القطرُ |
|
وكالدرِّ في اللألاءِ إذ حازه البحرُ |
أخصّ به المولى سليل بشارةٍ |
|
أخي الفضلِ من في مدحهِ يزدهي الشعرُ |
سحاب الندى السهمُ الذي فاقتِ السها |
|
عزائمُه وانقاد قنّاً له الدهرُ |
فتىً فاز بالقدح المعلّى من العُلى |
|
وحاز علوماً لا يُحيط بها الحصرُ |
فما القطبُ ما الرازي وما جوهريُّهمْ |
|
إذا ما به قيسوا وما العضدُ ما الصدرُ |
مناقبُهُ غرٌّ مواهبُهُ حياً |
|
منازلُهُ خضرٌ مناصلُهُ حمرُ |
طوى سبل العلياءِ في متنِ سابقٍ |
|
لهمّته القعساءِ عِثْيَرُهُ الفخرُ |
وبعدُ : فإنَّ الحالَ من بعدِ بُعدكم |
|
كحالِ رياض الحزنِ فارقها القطرُ |
___________________________________
(١) كذا ، وفي أعيان الشيعة ١٠ / ١٣ : مجابات.
فللّه ليلاتٌ تقضّتْ بقربِكمْ |
|
ولم يندَ من روضاتِ وصلِكمُ الزهرُ |
وإذ موردُ اللذّاتِ صافٍ وناظري |
|
يزيلُ قذاه منظرٌ منكمُ نضرُ |
فلا تقطعوا يوماً عن الصبِّ كتبَكمْ |
|
ففي نشرِها للميْتِ من بعدكمْ نشرُ |
ولا برحتْ تبدو بأفقِ جبينِكمْ |
|
نجومُ السعودِ الزهرُ ما نجم الزهرُ |
ومنها قوله مهنّئاً له بعيد النحر :
نشر الربيعُ مطارفَ الأزهارِ |
|
في طيِّها نفحاتُ مسكٍ داري (١) |
وخرائدُ الأغصانِ بالأكمام قد |
|
رقصت بتشبيبِ النسيمِ الساري |
وصوادحُ الأوراقِ في الأوراقِ قد |
|
غنّت بأعوادٍ بلا أوتارِ |
والظلّ ظلَّ محاكياً بدبيبِه |
|
خطَّ العذارِ بوجنةِ الأنهارِ |
فبدارِ نجلُ خمرة تجلو العنا |
|
عنّا ولا تركنْ إلى الأعذارِ |
بكرٌ إذا ما قلّدت بحبابها |
|
حلّت يمينَ مديرِها بسوارِ |
شمسٌ يطوف بأفق مجلسِنا بها |
|
قمرٌ تقلّد نحرُه بدراري |
سلب السلافَ مذاقَها وفعالهَا |
|
برضابِه وبطرفِه السحّارِ |
ساق تخالُ الثغرَ منه لآلئاً |
|
أو أُقحواناً لاحَ غبِّ قطارِ |
أو أحرفاً رقمت بكفِّ المجتبى |
|
أعني سليلَ بشارة المغوارِ |
ماءُ الطلاقةِ في أسرّةِ وجهِه |
|
يجري ونارُ سطاه ذاتُ شرارِ |
مولى بأُفقِ سما المناقبِ قد بدا |
|
قمراً ولكنْ لم يرع بسرارِ |
فبذاك يثمر قصد كلّ مؤمّل |
|
وبهذه تُصلى مُنى الفخّارِ |
شهمٌ لبيبٌ لم تلد أمّ العُلى |
|
ندّاً له في سائرِ الأعصارِ |
ندسٌ (٢) بديعُ بنانِه قد راح عن |
|
وجهِ المعاني كاشفَ الأستار |
___________________________________
(١) الداري : العطّار. نسبة إلى دارين بالبحرين كان يحمل إليها المسك من الهند. ( المؤلف )
(٢) الندس : سريع السمع الفَهِم الفَطِن.
ولقد غدا صرف الزمان يُصدُّ عن |
|
من نحوه أضحى مريد جوارِ |
نعمٌ تعمُّ عمومَ هطّال الحيا |
|
لكنّها جلّت عن الأضرارِ |
وشمائلٌ كالروض لولا أنّه |
|
يذوي لفقد العارض المدرارِ |
أقلامه قد قلّمت ما طال للـ |
|
أخطابِ والأخطارِ من أظفارِ |
ودواته أدوت وداوت كاشحاً |
|
ومؤمّلاً جدواه ذا إعسارِ |
من آلِ خاقانَ الذين وجوهُهمْ |
|
عند اسودادِ النقعِ كالأقمارِ |
قومٌ إذا شاموا الصوارمَ أغمدتْ |
|
في جيدِ كلِّ مملّكٍ كرّارِ |
وإذا همُ اعتقلوا الذوابل في الوغى |
|
آبتْ نواضرُ بالنجيعِ الجاري |
أخبارُهمْ بسوادِ كلِّ دجنّةٍ |
|
حُرِّرْنَ فوق بياضِ كلِّ نهارِ |
يا من له بأسٌ يحاكي الصخرَ في |
|
خُلُقٍ أرقَّ من النسيمِ الساري |
وعُلاً تناسقَ كابراً عن كابرٍ |
|
يحكي أنابيبَ القنا الخطّارِ |
وافاك عيدُ النحر طلقاً وجهُهُ |
|
يحكي رقيقُ نسيمِه أشعاري |
عيدٌ يعود عليكمُ بمسرّةٍ |
|
محمودةِ الإيرادِ والإصدارِ |
لا زالت الأيدي تشيرُ إليكمُ |
|
شبهَ الهلالِ عشيّة الإفطارِ |
وبقيت ترفل من علاك بحلّةٍ |
|
فضفاضةٍ قد طرّزت بفخارِ |
وله مراسلاً إيّاه لازماً الجناس المذيّل قوله :
لعمرك إنّ دمعَ العين جارٍ |
|
لأنّي حنظل التفريق جارعْ |
ومالي غير شهد الوصلِ شافٍ |
|
فهل لي في اجتناءٍ منه شافعْ |
وقلبي للوصولِ إليك صادٍ |
|
ونظمي بالثناءِ عليك صادعْ |
وهمّي ليثُه الفتّاكُ ضارٍ |
|
ولولاه لما أمسيتُ ضارعْ |
ولوني أصفرٌ والدمعُ قانٍ |
|
وطرفي منكمُ بالطيف قانعْ |
ومذ غبتم فصبحي شبهُ قارٍ |
|
لديَّ وإصبعي للسنِّ قارعْ |
وإنّي للتواصلِ منك راجٍ |
|
فهل ذاك الزمانُ العذبُ راجعْ |
وإنّي بالذي تهواه راضٍ |
|
أيا مولىً لدرِّ الفضل راضعْ |
فيالك من كريمِ الأصل سامٍ |
|
لهمسِ المجتدين نداهُ سامعْ |
هزبرٌ عنه سيفُ الضدِّ نابٍ |
|
وينبوعُ الفضائلِ منه نابعْ |
وطرفُ الخائفِ المذعورِ ساجٍ |
|
بمغناه وطيرُ المدحِ ساجعْ |
وبحرُ علومِه للناسِ طامٍ |
|
فكلٌّ منهم بالريِّ طامعْ |
وغيثُ نداه طولَ الدهر هامٍ |
|
وغيثُ الأفقِ بعضَ العامِ هامعْ |
ومعشره أُولو سَلَم وضالٍ (١) |
|
لديهم سابق الكرماء ضالعْ |
له سيفٌ غداة الحربِ دامٍ |
|
وطرفٌ خشيةَ الجبّارِ دامعْ |
ونسكٌ من رياءِ الخدعِ خالٍ |
|
وطبعٌ للخلاعةِ راحَ خالعْ |
وشعرٌ رائقٌ كشرابِ جامٍ |
|
لحسن نفائس الأشعار جامعْ |
وقلبٌ قُلَّبٌ في الحربِ ساطٍ |
|
ووجهٌ في ظلام الخطب ساطعْ |
وإحسانٌ لحرِّ المدحِ شارٍ |
|
ورمحُ عزيمةٍ ما زال شارعْ |
حليمٌ للعدى بالصفحِ جازٍ |
|
ومن هولِ الحوادث غير جازعْ |
وزاكٍ علمُه للجهلِ نافٍ |
|
وطبٌّ إن يضرّك فهو نافعْ |
وشهمٌ ما له في الناسِ زارٍ |
|
لحبِّ هواه في الأحشاءِ زارعْ |
لما لا يرتضيه اللهُ قالٍ |
|
ألَم ترَه لضرسِ هواه قالعْ |
وقاه اللهُ نظرةَ كلِّ راءٍ |
|
فإنَّ جمالَه للعقل رائعْ |
ومنها قوله حينما أهدى إليه ماء ورد :
يا أيّها المولى الذي |
|
هو من إياس (٢) اليوم أذكى |
___________________________________
(١) السلم والضال : نوعان من الشجر. ( المؤلف )
(٢) هو إياس بن معاوية كان يُضرب المثل بذكائه.
وجّهتُ نحوَكَ ماءَ وَر |
|
دٍ من أريجِ المسكِ أذكى |
فاقبله من حبٍّ جوا |
|
ﻩ في حشاه النارُ أذكى |
ومنها قوله مراسلاً إيّاه :
سلامٌ لا لأوّله بدايه |
|
ولا يُلفَى لآخره نهايه |
على ابن بشارةَ المولى الذي قد |
|
تجاوزَ في المعالي كلَّ غايه |
فتىً برقُ البشاشةِ في المحيّا |
|
على طيبِ الأُرومة منه آيه |
جليلُ القدرِ محمودُ السجايا |
|
على كلّ القلوبِ له الولايه |
روى الإحسان عن جدٍّ فجدٍّ |
|
وقد صحّت له تلك الروايه |
فلو وافاه يوم الجدبِ عافٍ |
|
أباح له حمى روض الرعايه |
إذا ما جُنَّ للإشكال ليلٌ |
|
ترى مثلَ الصباحِ الطلقِ رأيه |
وإن حسرتْ لثاماً حربُ بحثٍ |
|
فليس لها بكفِّ سواه رايه |
له وجهٌ حكاهُ البدرُ حسناً |
|
وما من ريبة في ذي الحكايه |
وفيّ العهد زاكي الجدّ مولى |
|
سلامةُ ذاتِه أقصى مُنايه |
ولمّا كان في ذا العصر فرداً |
|
مدحناه بعنوان الكنايه |
وأنّى يمكنُ التصريحُ باسمٍ |
|
بأعلى العرش خطّته العنايه |
فسدّدْ رأيَهُ يا ربّ لطفاً |
|
وجنّبه الضلالةَ والغوايه |
وألبسه من الإنعام برداً |
|
موشّىً بالكلاءة والحمايه |
إلى غيرها من قصائد توجد في ديوان الشريف السيد المدرّس في ثناء المترجم له ، وهي تُعرب عن مكانته العالية في الفضائل والفواضل ، وتحلّيه بنفسيّات كريمة وملكات فاضلة.
ومن شعر شاعرنا ـ ابن بشارة ـ قوله في كتابه نشوة السلافة يمدح به مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، جارى به قصيدة السيد علي خان المدني المذكورة ( ص ٣٥٠ ) :
من ظلمةِ الليلِ ليَ المأنسُ |
|
إذ فيه تبدو الشهُبُ الكنّسُ |
والطيفُ يأتيني به زائراً |
|
وتارةً صاحبُه يغلسُ (١) |
ولم نراقب من رقيب الهوى |
|
خوفاً ولا تبصرنا الحرَّسُ |
ومن رياض الوصل كم نجْتَني |
|
زواهراً تُحيى بها الأنفسُ |
كم ليلةٍ بتُّ بظلمائِها |
|
معانقاً للحبِّ لا أدنسُ (٢) |
حتى هوت للغربِ شهبُ الدجى |
|
والنجمُ في إسرائه ينعسُ (٣) |
وانتشر الصبح بأنوارِهِ |
|
وانجابَ عن أضوائهِ الحندسُ (٤) |
فارقني خشية أعدائهِ |
|
وقد خلا من جمعنا المعرسُ (٥) |
لا أقبل الصبحُ بإسفارِه |
|
لأنّه الفضّاحُ والأوكسُ |
والليل لو جنَّ به جنّتي |
|
وجنّتي طاب بها المأنسُ |
موسى رأى النارَ به سابقاً |
|
من جانب الطور لها غرنسُ |
وقد أتاها طالباً جذوةً |
|
حتى دنا من قربها يقبسُ |
نودي بالشاطئ غربيّها |
|
أنا الإلٰهُ الخالقُ الأقدسُ |
ونارُ موسى سرُّها حيدرٌ |
|
العالم الخنذيذُ والدهرسُ (٦) |
والأسدُ المغوار يومَ الوغى |
|
تَفْرقُ من صولته الأشوسُ (٧) |
لو قامت الحرب على ساقها |
|
قام إليها وهو لا ينكسُ |
___________________________________
(١) الغلس : ظلمة آخر الليل. أغلس : صار بغلس. ( المؤلف )
(٢) دنس : تلطّخ بمكروه أو قبيح. ( المؤلف )
(٣) من تناعس البرق : فتر. ( المؤلف )
(٤) الحندس : الظلمة جمع حنادس. ( المؤلف )
(٥) المعرس : الموضع الذي يعرس فيه القوم ، أي ينزلون فيه للاستراحة. ( المؤلف )
(٦) الخنذيذ : الخطيب البليغ. العالم بأيّام العرب وأشعارهم. السيد الحليم. الشجاع البهمة. الدهرس : الداهية. ( المؤلف )
(٧) الأشوس : الجريء على القتال الشديد. ( المؤلف )