الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١
ـ ٩٠ ـ المولى محمد طاهر القمي
المتوفّى ( ١٠٩٨ )
سلامةُ القلبِ نحّتني عن الزللِ |
|
وشعلةُ العلم دلّتني على العملِ |
طهارةُ الأصلِ قادتني إلى كرمٍ |
|
كرامتي ثبتتْ في اللوح في الأزلِ |
قلبي يحبُّ عليّاً ذا العُلى فلذا |
|
أدعو لأمّيَ في الإبكارِ والأُصُلِ |
محبّة المرتضى نورٌ لصاحبها |
|
يمشي بها آمناً من آفةِ الزللِ |
لزمت حبَّ عليٍّ لا أُفارقُه |
|
ودادُه من جناني قطّ لم يزلِ |
أخو النبيِّ (١) إمامي قولُه سندي |
|
لقوله تابعٌ ما كان من عملي |
أطعتُ حيدرةً ذا كلّ مكرمةٍ |
|
إمامَ كلِّ تقيٍّ قاصرِ الأملِ |
صرفتُ في حبِّ آلِ المصطفى عمري |
|
من مال عنهم إليه قطّ لم أمِلِ |
بابُ المدينة (٢) منجانا وملجؤنا |
|
ما انحلّ مشكلُنا إلّا بحلّ علي |
لولا محبّةُ طه للوصيِّ لما |
|
أتى يشاركُه في طيّب الأكلِ (٣) |
ولايةُ المرتضى في خمِّ قد ثبتتْ |
|
بنصِّ أفضلِ خلقِ اللهِ والرسلِ |
نصَّ النبيُّ عليه فوقَ منبرِه |
|
عليه أشهدَ أهلَ الدينِ والدولِ |
___________________________________
(١) مرّ الكلام حول حديث المؤاخاة في الجزء الثالث : ص ١١٢ ـ ١٢٥. ( المؤلف )
(٢) أشار إلى حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » وقد فصّلنا القول حوله في الجزء السادس : ص ٦١ ـ ٨١. ( المؤلف )
(٣) أشار إلى حديث الطائر المشوي الثابت المتسالم عليه ، وسيوافيك بطرقه في مسند المناقب ومرسلها. ( المؤلف )
قد نصَّ في الدارِ عند الأقربين على |
|
خلافة المرتضى جدّاً بلا هزلِ (١) |
إنِّ الإمامةَ عهدٌ لم تنلْ أحداً |
|
سوى المصونِ من الزلّاتِ والخطلِ |
أطعتُ من ثبتتْ في الكونِ عصمتُه |
|
وعفتُ كلَّ جهولٍ سيّئ العملِ |
قد رُدّتِ الشمسُ للمولى أبي حسنٍ (٢) |
|
روحي فدا المرتضى ذي المعجزِ الجللِ |
طوبى له كان بيتُ الله مولدَه (٣) |
|
كمثلِ مولدِه ما كان للرسلِ |
الشاعر
المولى محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي ثم النجفي ثم القمي. أحد الأوحديّين المشاركين في العلوم ، وفذٌّ من مشايخ الإجازات الذين اتّصلت بهم حلقات الأسانيد ضمَّ إلى فقهه المتدفّق فلسفة صحيحة عالية ، وإلى حديثه الموثوق به أدبه الجمّ ، وفضله الكثار ، إلى عظات بالغة ، ونصائح كافية ، وحكم راقية ، وشعر كثير يزري بعقود الدرر ومنتثر الدراري ، تدفّقت المعاجم بإطرائه والثناء الجميل عليه ، قال صاحب أمل الآمل (٤) : من أعيان الفضلاء المعاصرين ، عالم محقّق مدقّق ثقة ثقة فقيه متكلّم ، محدِّث جليل القدر ، عظيم الشأن. وأطراه شيخنا النوري في المستدرك بقوله : العالم الجليل النبيل ، عين الطائفة ووجهها ، صاحب المؤلّفات الرشيقة النافعة.
يروي مولانا محمد الطاهر عن السيّد نور الدين علي (٥) الآنف ذكره ( ص ٢٩١ ) ويروي عنه شيخنا العلّامة المجلسي بإجازة مؤرّخة بسنة ( ١٠٨٦ ) (٦) وشيخنا الحرّ
___________________________________
(١) راجع في قصة الدار واستخلاف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً يوم ذاك. الجزء الثاني ص ٢٧٨ ـ ٢٨٩.
( المؤلف )
(٢) مرّ حديث ردّ الشمس في الجزء الثالث : ص ١٢٦ ـ ١٤١. ( المؤلف )
(٣) حديث مولده الشريف أسلفناه في الجزء السادس : ص ٢١ ـ ٣٨. ( المؤلف )
(٤) أمل الآمل : ٢ / ٢٧٧ رقم ٨١٩.
(٥) راجع بحار الأنوار : ٥ / ٢٦٤ [ ١١٠ / ١٣٠ رقم ١٠٣ ] ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٠٩. ( المؤلف )
(٦) توجد في إجازات البحار : ص ١٦٤ [ ١١٠ / ١٢٩ رقم ١٠٣ ]. ( المؤلف )
العاملي كما في أمل الآمل (١) ، والشيخ نور الدين الأخباري توجد إجازته له بخطّه ظهر كتاب الوافي كما ذكره شيخنا الرازي ، ويروي عنه المولى محمد محسن الفيض الكاشاني (٢).
له تآليف قيّمة في شتّى المواضيع منها :
١ ـ عطيّهٔ ربّاني وهديّهٔ سليماني ، شرح لاميّته التي التقطنا منها الأبيات المذكورة ، ذكر في هذا الشرح عدّة من مؤلّفاته ومنه أخذنا غير واحد ممّا ذكرناه ومفتتح الشرح :
اى كلام از انتظام نام ذاتت در نظام |
|
وى زشهد شكّرين شكرت زبان شيرين بكام |
رحمت عام وسلامت بر روان أنبيا |
|
خاصّة بر روح محمد باد بر آل عبا |
٢ ـ تحفة الأخيار وكشف الأسرار في شرح رائيّة له فارسيّة في مدح أمير المؤمنين عليهالسلام تسمّى بمؤنس الأبرار.
٣ ـ بهجة الدارين في الحكمة. قال صاحب الروضات (٣) : شاهدتها في هذه الأواخر.
٤ ـ الرسالة السلاميّة في ترك (السلام عليك أيّها النبي ) في التشهّد.
٥ ـ الأربعين في فضائل أمير المؤمنين وإمامة الأئمّة المعصومين.
٦ ـ الجامع في أصول الفقه والدين أسماه حجّة الإسلام.
٧ ـ الفوائد الدينيّة في الردّ على الحكماء والصوفيّة.
٨ ـ حكمة العارفين في ردِّ شبه المخالفين.
٩ ـ تنبيه الراقدين في الموعظة ، مطبوعٌ.
___________________________________
(١) أمل الآمل : ٢ / ٢٧٨ رقم ٨١٩.
(٢) المستدرك : ٣ / ٤٢١. ( المؤلف )
(٣) روضات الجنّات : ٤ / ١٤٥.
١٠ ـ رسالةٌ في خلل الصلاة ، فارسيّة.
١١ ـ حقّ اليقين في معرفة أصول الدين.
١٢ ـ منهاج العارفين شرح رباعيّاته.
١٣ ـ فرحة الدارين في العدالة.
١٤ ـ رسالة في صلاة الليل.
١٥ ـ رسالة في الأذكار.
١٦ ـ شرح تهذيب الحديث.
١٧ ـ رسالة في الفرائض.
١٨ ـ رسالة في الرضاع.
١٩ ـ مفتاح العدالة.
٢٠ ـ رسالة الجمعة.
٢١ ـ سفينة النجاة.
كان شيخنا المترجم له شيخ الإسلام وإمام الجمعة والجماعة بقم المشرّفة إلى أن توفّي بها سنة ( ١٠٩٨ ) ، ودفن خلف مرقد زكريّا بن آدم القمي طاب ثراه من قريب.
ومن شعره الفارسيّ قوله :
از گفتهٔ مصطفى إمام است سه چار |
|
از روى چه گوئى كه امام است چهار |
نشناسى أگر سه چار حق را ناچار |
|
خواهى بعذاب ايزدى گشت دوچار |
دليل رفعت شأن علي أگر خواهى |
|
باين كلام دمى گوش خويشتن ميدار |
چو خواست مادرش از بهر زادنش جائى |
|
درون خانه خاصش بداد جا ستّار |
پس آن مطهّرة با احترام داخل شد |
|
در آن مقام مقدّس بزاد مريم وار |
برون چو خواست كه آيد پس از چهارم روز |
|
ندا شنيد كه نامش برو على بگذار |
فداى نام چنين زادهٔ بود جانم |
|
چنين امام گزينيد يا اولى الأبصار |
ومن رباعيّاته :
أى مانده ز كعبهٔ محبّت مهجور |
|
افتاده ز راه مهر صد منزل دور |
با حبّ عمر دم مزن از مهر نبى |
|
كى جمع توان نمود با ظلمت نور |
وله :
بما رسيده حديث صحيح مصطفوى |
|
كه هست بعد پيمبر امام هشت وچهار |
كسى نكرده ز امّت بدين حديث عمل |
|
بغير پيرو آل وأئمّهٔ أطهار |
وله :
أى طالب علم دين ز من گير خبر |
|
تا چند دوى در بدر اى خسته جگر |
خود را برسان بشهر علم اى غافل |
|
شو داخل آن شهر وليكن أز در |
وله :
نبى چو وارد « خم » گشت بر سر منبر |
|
خليفه كرد علي را بگفتهٔ جبّار |
نهاد بر سر او تاج وال من والاه |
|
ز امّتش بگرفت از براى وى اقرار |
وليك آنكه به بخبخ نمود تهنيتش |
|
بكرد از پى اقرار خويشتن انكار |
فتاد بر سر حارث ز غيب سنك قضا |
|
چو گشت منكر نصّ غدير آن غدّار |
ومن رباعيّاته :
از دورى راه خويشتن يادى كن |
|
آماده ز بهر سفرت زادى كن |
از بى كسى مردن خود ياد آور |
|
در ماتم خود نشين وفريادى كن |
وله :
از دورى راه خويشتن كن يادى |
|
آماده ز بهر سفرت كن زادى |
در راه طلب چو خفتهٔ اى غافل |
|
بر خيز كه از قافله دور افتادى |
وله :
بر خيز چه خفتهٔ رفيقان رفتند |
|
غافل چه نشستهٔ عزيزان رفتند |
خندان منشين كه جمله ياران عزيز |
|
با سوز دل وديدهٔ گريان رفتند |
وله :
أى بندهٔ طول أمل وحرص وحسد |
|
فردا است كه أعضاى تو از هم ريزد |
اين سركه ز باد نخوت امروز پر است |
|
تا چشم زنى بود پر از خاك لحد |
وله :
تا چشم زنى رسيده وقت سفرت |
|
فردا است كه در جهان نماند أثرت |
بر روى زمين خرام وغفلت تا كى |
|
از زير زمين مگر نباشد خبرت |
وله :
از وادى معصيت بيا زود گذر |
|
كين مرحله راهست بسى خوف وخطر |
گوئي كه كنم توبه پس از پيريها |
|
از مرگ جوانان مگرت نيست خبر |
وله :
سالك هوس عالم بالا نكند |
|
پابند ألم ز پاى دل وا نكند |
هر دل كه ز ياد مرگ معمور شود |
|
حقد وحسد وحرص در او جا نكند |
وله :
خواهى نشود گلشن دل چون بيشه |
|
بركَن تو نهال حرص را از ريشه |
بر پاى درخت أمل وحرص وحسد |
|
پيوسته ز ياد مرگ ميزن تيشه |
وله :
أى طالب سيم وكيمياى اصغر |
|
آموز زمن تو كيمياى أكبر |
در بوته ياد مرگ خود را بگداز |
|
تا خاك دلت شود طلاى احمر |
وله في تقريظ الكتب الأربعة (١) :
دين را كتب أربعه چون جان باشد |
|
اينچار چهار ركن ايمان باشد |
هنگام جهاد نفس اينچار كتاب |
|
چار آينهٔ صاحب عرفان باشد |
وله في تقريظها :
أى آنكه ترا غلط روى عادت وخوست |
|
رو كن به رهى كه منزل زحمت اوست |
ميخوان كتب أربعه كز وى هر سطر |
|
راهى است كه راست ميرود تا درِ دوست |
___________________________________
(١) الكافي لشيخنا أبي جعفر الكليني ، من لا يحضره الفقيه لشيخنا أبي جعفر القمي ، التهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي. ( المؤلف )
ـ ٩١ ـ القاضي جمال الدين المكي
المتوفّى بعد ( ١٠١٢ )
أنت نعم النصيرُ في كلِّ زادِ |
|
أنت نعم المولى لكلِّ العبادِ |
ذو الأيادي والأيدِ أنت لعمري |
|
سيّدُ الناس أوحدُ العبّادِ |
ولك الإرثُ في الولاءِ بحقّ |
|
في رقابِ الورى ليومِ التنادِ |
لمقال النبيِّ في ماءِ خمِّ |
|
أنت مولىً للمؤمنِ المنقادِ |
فتهادى بالطوعِ قومٌ ففازوا |
|
وتمادى الغبيُّ في الانتقادِ (١) |
ثم قال النبيُّ والِ عليّاً |
|
يا إلٰهي ومن يُعاديه عادِ |
وتفضّلْ برحمةٍ للموالي |
|
وبلعنٍ ونقمةٍ للمُعادي (٢) |
شرفٌ شامخٌ ومجدٌ رفيعٌ |
|
وافتخارٌ يزيل غلبَ الهوادي |
كنت في الصلب إذ دنا فتدلّى |
|
وعلى الصفّ في مقرِّ الجلادِ |
ثم من قبل ذا أجبت نداءً |
|
لألست (٣) الإلٰه في كلِّ وادِ (٤) |
___________________________________
(١) كذا في سلافة العصر ، وفي سلوة الغريب : وتمادى بكرهه المتمادي. ( المؤلف )
(٢) كذا في سلوة الغريب ، وفي سلافة العصر :
خصّ باللعن من تولّى عتوّاً |
|
وحشاهُ مقطّعٌ بالعناد ( المؤلف ) |
(٣) إشارة إلى قوله تعالى في الآية ١٧٢ من سورة الأعراف ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ).
(٤) في سلوة الغريب : وأطعت الإلٰه في كلِّ ناد. ( المؤلف )
من يُباريك في السيادةِ غرٌّ |
|
بمزايا تنير منها الدآدي (١) |
أو يجاريك في العلومِ جهولٌ |
|
ما له في الفهومِ من مستفادِ (٢) |
أنت أنت المعروفُ في كلّ فضلٍ |
|
أنت صدرُ الإصدارِ والإيرادِ |
وسوى بيتِك المنكرُ جهلاً |
|
وسواك الضنينُ بالإمدادِ |
فابق واسلم لك السلامةُ وقفٌ |
|
والمثاني من الثنا في ازديادِ |
سلافة العصر ( ص ١١٧ ) ، سلوة الغريب ، كلاهما للسيّد علي خان المدني.
ما يتبع الشعر
صدّر شاعرنا جمال الدين بهذه الأبيات كتاباً كتبه إلى الشريف الأجلّ الأمير نصير الدين حسين بن إبراهيم بن سلام ، المتوفّى سنة ( ١٠٢٣ ) بالطائف والمدفون بمكة المشرّفة ، والكتاب بديع في بابه ، وبليغ في إنشائه ، درر كلم منضّدة ، ولآلئ ألفاظ منثورة ، مذكور بطوله في سلافة العصر صفحة ( ١١٧ ـ ١١٩ ) ، والأمير نصير الدين هو عمّ جدّ صاحب السلافة السيد علي خان المدني ، أخو جدّه الشريف السيد أحمد نظام الدين ، قال صاحب السلافة في سلوة الغريب : كان إماماً فاضلاً مجتهداً مبرّزاً في العربيّة ، غالباً عليه الزهد والصلاح ، يُقال : إنّه لم يمسّ درهماً بيده ولا ديناراً قطُّ تورّعاً وعزفاً من نفسه عن الدنيا ، وكان يكتب جميع ما يعمله في اليوم ، فإذا كان الليل نظر فيه ، فإن كان صالحاً حمد الله ، وإن كان غير ذلك استغفر الله منه ، وكان لا يؤدِّب أحداً من خدمه في الحرم.
الشاعر
القاضي جمال الدين (٣) محمد بن حسن بن دراز المكي ، من مقاول الأدب ،
___________________________________
(١) الدأداء من الليالي : الشديدة الظلمة. ( المؤلف )
(٢) في السلوة : عار في خيبة بلا مستفاد. ( المؤلف )
(٣) كذا في الخلاصة [ ٣ / ٤٢٠ ]. وفي سلافة العصر [ ص ١٠٧ ] : جمال الدين بن محمد. ( المؤلف )
وألسنة الفضيلة ، ومداره القول ، وصيارفة القريض ، وعباقرة القضاة ، ذكره السيد في سلافة العصر ( ص ١٠٧ ) وأثنى عليه بقوله :
جمال العلوم والمعارف ، المتفيّءُ ظلَّ ظليلها الوارف ، أشرقت بالفضل أقماره وشموسه ، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه ، فدوّخ صيته الأقطار ، وطار ذكره في منابت الأرض واستطار. وتهادت أخباره الركبان ، وظهر فضله في كلِّ صقع وبان. وله الأدب الذي ما قام به مضطلع ، ولا ظهر على مكنونه مطّلع. استنزل عِصم البلاغة من صياصيها ، واستذلَّ صعاب البراعة فسفع بنواصيها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه ، أو نظم فما الدرّ المشهور نسقه نظامه ، بخطّ يزدري بخدّ العذار إذا بقل ، وتحسبه سائر الجوارح على مشاهدة حسنه المقل. ولمّا رحل إلى اليمن في دولة الروم ، قام له رئيسها بما يحبُّ ويروم. فولّاه منصب القضاء ، وسطع نور أمله هناك وأضاء. ولم يزل مجتلياً به وجوه أمانيه الحسان ، مجتنياً من رياضه أزاهر المحاسن والإحسان. إلى أن انقضت مدّة ذلك الأمير ، ومني اليمن بعده بالإفساد والتدمير. فانقلب إلى وطنه وأهله ، فكابد حزن العيش بعد سهله. كما أنبأ بذلك قوله في بعض كتبه : ولمّا حصلت عائداً من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا ، وانقضاء ذلك الزمن ، اخترت الإقامة في الوطن بعد التشرّف بمجلس القضاء في ذلك العطن ، إلّا أنَّه لم يحل لي التحلّي عن تذكّر ما كان في خزانة الخيال مرسوماً ، وتفكّر ما كان في لوح المفكّرة موسوماً. فاخترت أن أكون مدرّساً في البلد الحرام ، وممارساً لما أذن غبّ الحصول بالانصرام. ولم يكن في البلد الأمين كفاية ، ولا ما يقوم به الإتمام والوفاية. انتهى. وما زال مقيماً في وطنه وبلده ، ومتدرّعاً جلباب صبره وجلده. حتى انصرمت من العيش مدّته ، وتمّت من الحياة عدّته.
ثم ذكر جملةً وافية من منثور كلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال : ومن شعره قوله في صدر كتاب :
هذا نظامك أم درٌّ بمنتسقِ |
|
أم الدراري التي لاحتْ على الأفقِ |
وذا كلامُك أم سحرٌ به سُلِبَتْ |
|
نهى العقول فتتلو سورةَ الفلقِ |
وذا بيانُك أم صهباءُ شعشعَها |
|
أغنُّ ذو مقلةٍ مكحولة الحدقِ |
بتاج كلِّ مليكٍ منه لامعة |
|
وجيد كلّ مجيدٍ منه في أنقِ |
روضٌ من الزهر والأنوارُ زاهيةٌ |
|
كأنجمِ الأُفق في اللألاءِ والنمقِ |
وذي حمائمُ ألفاظٍ سجعنَ ضحىً |
|
على الخمائلِ غبَّ العارضِ الغدقِ |
رسالةٌ كفراديسِ الجنانِ بها |
|
من كلّ مؤتلقٍ يلفى ومنتشقِ |
كأنّما الألِفاتُ المائلاتُ بها |
|
غصونُ بانٍ على أيدٍ من الورقِ |
تعلو منابرَها الهمزاتُ صادحةً |
|
كالوِرقِ ناحت على الأفنانِ من حرقِ |
ميماتُها كثغورٍ يبتسمن بها |
|
يزري على الدرِّ إذ يزهي على العنقِ |
فطرسُها كبياض الصبح من يققٍ |
|
ونِقسها (١) كسوادِ الليلِ في غسقِ |
يا ذا الرسالةِ قد أرسلتَ معجزةً |
|
ودّت بلاغتها الدعوى من الفرقِ |
ويا مليك ذوي الآدابِ قاطبةً |
|
ويا إماماً هدانا أوضحَ الطرقِ |
من ذا يعارض ما قد صاغ فكرك من |
|
حلى البيانِ ومن يقفوك في السبقِ |
أنت المجلّى بمضمارِ العلومِ إذا |
|
أضحى قرومُ أولي التحقيقِ في قلقِ |
صلّى أئمّةُ أهلِ الفضلِ خلفَكَ يا |
|
مولى الموالي وربّ المنطق الذلقِ |
مسلّمين لما قد حُزت من أدبٍ |
|
مصدّقين بما شرّفت من خلقِ |
مهلاً فباعي من التقصير في قصرٍ |
|
وأنت في الطول والإحسانِ ذو عمقِ |
سبحان بارئ هذي الذاتِ من هممٍ |
|
سبحان فاطر ذا الإنسانِ من علقِ |
يا ليت شعري هل شبهٌ يُرى لكمُ |
|
كلّا وربّي ولا الأملاك في الخلقِ |
عذراً فما فكرتي صوّاغةٌ دُرراً |
|
حتى أصوغَ لك الأسلاك في نسقِ |
واسلم ودم وتعالى في مشيدِ عُلاً |
|
تستنزل الشهبَ للإنشا فلم تعقِ |
___________________________________
(١) اليقق : القطن. نقس : المداد الذي يكتب به. ( المؤلف )
وقوله مخاطباً بعض أكابر عصره لأمر اقتضى ذلك :
حصل القصد والمنى والمرادُ |
|
واستكانت لمجدِك الأضدادُ |
أسجد اللهُ في عتابكَ شوساً |
|
تتّقي الأسد بأسَها والجلادُ |
وأذلّت لك الجدودُ أناساً |
|
شِيد للمجدِ في رباهم عمادُ |
ثم جاءت إليك طوعاً وكرهاً |
|
تتهادى حيناً وحيناً تُقادُ |
أنت في الشهب ثاقبٌ لا تسامى |
|
في معاليك حين تثنى الوسادُ |
لا تبالي بنازلٍ وملمّ |
|
ولو أنَّ الملمّ سبعٌ شدادُ |
ساهراً في طلاب كلِّ منيعٍ |
|
عزَّ نيلاً فلم ينلْهُ العبادُ |
مهرُه النفسُ إن يسُمْه كميّ |
|
والطريقُ السهادُ والجسمُ زادُ |
من يَجُدْ بالجَنانِ نال مناه |
|
والشحيحُ الجَنانِ عنه يُذادُ |
لا تُنالُ العُلى بغيرِ العوالي |
|
لا ولا الحمدُ يكتسيه الجمادُ |
أحمدُ الناسِ أنت قولاً وفعلاً |
|
والوفيُّ الذمام والمستجادُ |
يا شهاباً بجِدّه حاز جَدّاً (١) |
|
ومقاماً لغيره لا يُشادُ |
ماز بيني وبين خدنيَ فدمٌ (٢) |
|
ذو سبالٍ يدبّ فيه القرادُ |
ولو أنَّ الذي تحكّم فينا |
|
ألمعيٌّ لقرَّ منّي الفؤادُ |
أنكر المارقون فضل عليٍّ |
|
رماهم إلى الجحيمِ العنادُ |
وحقيقٌ أنّ البلاءَ قديمٌ |
|
وأهالي الفهومِ منه تكادُ |
ويولَّى الأمِّيُّ حكمَ البرايا |
|
والبليغُ المقال لا يستفادُ |
وولاة الأمور فينا حيارى |
|
وذوو النقصِ لا تزال تزادُ |
عادةُ الدهر أن يُؤَخِّرَ مثلي |
|
وعلى الأصل جاء هذا المفادُ |
قل لمن يبتغي التفاضلَ بيني |
|
ثم بين القضاةِ هذا الزنادُ |
___________________________________
(١) الجَدّ : الحظّ ، يقال : جُدِدت يا فلان ، فأنت جَديد ومجدود أي : محظوظ.
(٢) الفديم : العييّ الثقيل.
فاقتبس من زنادِهم لك ناراً |
|
أو فدعهمْ إن لاحَ منه الرمادُ |
ويح دهرٍ لا يعرف الفرق فيه |
|
بين عَيٍّ وقائلٍ يُستجادُ |
هيِّنٌ ما لقيتُ ما دمتَ فينا |
|
ذا عفافٍ وصحَّ منك الودادُ |
وقوله أيضاً :
سلام على الدار التي قد تباعدتْ |
|
ودمعي على طول الزمانِ سفوحُ |
يعزُّ علينا أن تشطّ بنا النوى |
|
ولي عندكم دون البريّةِ روحُ |
إذا نسمت من جانب الرملِ نفحةٌ |
|
وفيها عرارٌ للغويرِ وشيحُ |
تذكّرتُكمْ والدمعُ يسترُ مقلتي |
|
وقلبي مشوقٌ بالبعادِ جريحُ |
فقلت ولي من لاعج الوجدِ زفرةٌ |
|
لها لوعةٌ تغدو بها وتروحُ |
ألا هل يعيدُ الدهرُ أيّامَنا التي |
|
نعمنا بها والكاشحون نزوحُ |
وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدين في خلاصة الأثر للمحبّي ( ٣ / ٤٢٠ ـ ٤٢٧ ) وذكر ما في السلافة وقال : لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنّه كان في سنة اثنتي عشرة وألف موجوداً ، وما عاش بعدها كثيراً رحمه الله تعالى.
ـ ٩٢ ـ أبو محمد ابن الشيخ صنعان
نهجُ البلاغةِ روضةٌ ممطورةٌ |
|
بالنور من سبحاتِ وجهِ الباري |
أو حكمةٌ قدسيّةٌ جُلِيتْ بها |
|
مرآةُ ذاتِ اللهِ للنظّارِ |
أو نورُ عرفانٍ تلألا هادياً |
|
للعالمين مناهجَ الأبرارِ |
أو لجّةٌ من رحمةٍ قد أشرقتْ |
|
بالعلمِ فهي تموجُ بالأنوارِ |
خطبٌ روت ألفاظها عن لؤلؤٍ |
|
من مائه بحرُ المعارفِ جاري |
وتهلّلت كلماتُها عن جنّةٍ |
|
حفّتْ من التوحيدِ بالنوارِ |
وكأنّها عين اليقينِ تفجّرتْ |
|
من فوقِ عرشِ اللهِ بالأنهارِ |
حِكَمٌ كأمثالِ النجومِ تبلّجتْ |
|
من ضوءِ ما ضمنتْ من الأسرارِ |
كشفَ الغطاءَ بيانُها فكأنّها |
|
للسامعين بصائرُ الأبصارِ |
وترى من الكلمِ القصارِ جوامعاً |
|
يُغنيك عن سِفْرٍ من الأسفارِ |
لفظٌ يمدُّ من الفؤادِ سواده |
|
والقلبُ منه بياض وجهِ نهارِ |
وجلا عن المعنى السواد كأنّه |
|
صبحٌ تبلّج صادقَ الأسفارِ |
من كلّ عاقلةِ الكمالِ عقيلةٍ |
|
تشتاف فوق مدارك الأفكارِ |
عن مثلِها عجزَ البليغُ وأعجزت |
|
ببلاغةٍ هي حجّةُ الإقرارِ |
وإذا تأمّلتَ الكلامَ رأيتَهُ |
|
نطقت به كلماتُ علمِ الباري |
ورأيتَ بحراً بالحقائقِ طامياً |
|
من موجهِ سفنُ العلومِ جواري |
ورأيت أنّ هناك برّاً شاملاً |
|
وسع الأنامَ كديمةٍ مدرارِ |
ورأيت أنّ هناك عفوَ سماحةٍ |
|
في قدرةٍ تعلو على الأقدارِ |
ورأيت أنّ هناك قدراً ماشياً |
|
عن كبرياءِ الواحدِ القهّارِ |
قدر الذي بصفاتِه وسماتِه |
|
ممسوسُ ذاتِ الله في الآثارِ (١) |
مصباحُ نورِ اللهِ مشكاةُ الهدى |
|
فتّاحُ بابِ خزائنِ الأسرارِ |
صنوُ الرسولِ وكان أوّلَ مؤمنٍ |
|
عبدَ الإلٰهَ كصنوِهِ المختارِ |
وبه أقام اللهُ دينَ نبيِّه |
|
وأتمَّ نعمتَه على الأخيارِ (٢) |
الشاعر
أبو محمد ابن الشيخ صنعان توجد بخطّه نسخة من نهج البلاغة للسيد الشريف الرضي في مكتبة مدرسة سپهسالار بطهران تحت رقم (٣٠٨٥ ) كتبها سنة ( ١٠٧٢ ) وعليها هذا التقريظ ، بخطّ ناظمه أبي محمد ، ولم أقف من تاريخ حياته على شيء غير أنّ شعره هذا يعرب عن قوّته في القريض ، وجودته في السرد ، وتقدّمه في مضمار الأدب ، كما أنّه آية في ولائه الخالص للإمام الطاهر أمير المؤمنين عليهالسلام.
___________________________________
(١) أشار إلى ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ١ / ٦٨ مرفوعاً : « لا تسبّوا عليّاً فإنّه ممسوس في ذات الله ». ( المؤلف )
(٢) أشار إلى قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) النازل يوم الغدير في عليّ أمير المؤمنين. كما فصّلنا القول فيه في الجزء الأوّل : ص ٢٣٠ ـ ٢٣٨. ( المؤلف )
ـ ٩٣ ـ شيخنا الحرّ العاملي
المولود ( ١٠٣٣ )
والمتوفّى ( ١١٠٤ )
كيف تحظى بمجدك الأوصياءُ |
|
وبه قد توسّل الأنبياءُ |
ما لخلقٍ سوى النبيِّ وسبطيـ |
|
ـه السعيدين هذه العلياءُ |
فبكُم آدمُ استغاثَ وقد مسّته بعد المسرَّةِ الضرّاءُ |
||
يوم أمسى في الأرض فرداً غريباً |
|
ونأت عنه عرسُه حوّاءُ |
وبكى نادماً على ما بدا منـ |
|
ـه وجهدُ الصبِّ الكئيبِ البكاءُ |
فتلقّىً من ربِّهِ كلماتٍ (١) |
|
شرّفتها من ذكرِكمْ أسماءُ |
فاستجيب الدعاء منه ولولا |
|
ذكرُكمْ ما استجيبَ منه الدعاءُ |
ثم يعقوبُ قد دعا مستجيراً |
|
من بلاءٍ بكم فزالَ البلاءُ |
وأتاه قميصُ يوسف وارتدَّ |
|
بصيراً وتمّت النعماءُ |
وبكم كان للخليلِ ابتهالٌ |
|
ودعاءٌ لربّه واشتكاءُ |
حين ألقاه عصبةُ الكفر في النا |
|
ر فما ضرّ جسمَهُ الإلقاءُ |
أيُضامُ الخليلُ من بعد ما كا |
|
نَ إليكمْ له هوىً والتجاءُ |
وبكم يونسُ استغاثَ ونوحٌ |
|
إذ طغا الماءُ واستجدَّ العناءُ |
___________________________________
(١) إشارة إلى ما جاء في قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) من أن الكلمات المتلقّاة هي أسماء الأشباح الخمسة. راجع ما مرّ في الجزء السابع : ص ٢٩٩. ( المؤلف )
وبأسمائِكم توسّل أيّو |
|
بُ فزالتْ عنه بها الأسواءُ |
يا له سؤدداً منيعاً رفيعاً |
|
قد رواهُ الأعداءُ والأولياءُ |
لعليٍّ مجدٌ غدا دون أدنا |
|
ﻩُ الثريّا في البعد والجوزاءُ |
هو فضلٌ وعصمةٌ ووفاءٌ |
|
وكمالٌ ورأفةٌ وحياءُ |
ولَكَم نال سؤدداً لم يُبِنْ كنـ |
|
ـه علاهُ الإنشادُ والإنشاءُ |
والحروف التي تركّبت العلـ |
|
ـياء منها عينٌ ولامٌ وياءُ |
كان نورا محمدٌ وعليٌّ |
|
في سنا آدمٍ له لألاءُ |
أخذَ اللهُ كلَّ عهدٍ وميثا |
|
ق له إذ بدا سناً وسناءُ |
أيُّ فخرٍ كفخرِهِ والنبيّو |
|
ن عليهمْ عهدٌ له وولاءُ |
وبه يُعرفُ المنافقُ إذ كا |
|
نت له في فؤادِه بغضاءُ |
ولعمري من أوّل الأمر لا تخـ |
|
ـفى على ذي البصيرةِ السعداءُ |
ولدته منزّهاً أُمُّهُ ما |
|
شانَه في الولادةِ الأقذاءُ |
داخلَ الكعبةِ الشريفةِ لم يد |
|
نُ إليها من الأنامِ النساءُ |
لاح منه نورٌ فأشرقتِ الأر |
|
ضُ وأرجاؤها به والسماءُ |
كان للدين في ولادتِه مثـ |
|
ـلُ أخيه مسرّةٌ وازدهاءُ |
يا له مولداً سعيداً تجلّتْ |
|
عن محيّاه بهجةٌ غرّاءُ |
فهنيئاً به لفاطمة السعـ |
|
ـد الذي ما له مدىً وانتهاءُ |
بل لدينِ الإسلامِ من غير شكٍّ |
|
وارتيابٍ قد كان ذاك الهناءُ |
إلى أن قال :
وأتت منه في عليٍّ نصوصٌ |
|
لم يَحُمْ حول ربعِها الإحصاءُ |
قال فيه هذا وليّي وصيّي |
|
وارثي هكذا روى العلماءُ |
وزعمتم بأنَّ كلَّ نبيٍّ |
|
لم يرث منه مالَهُ الأقرباءُ |
هو مولى من كان مولاه نصّاً |
|
منه فليُتْرَكِ الهوى والمراءُ |
ودعا بعدها دعاءً مجاباً |
|
وبه قد تواتر الأنباءُ |