الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
وذُهِل عن أنَّ الشطر الثاني المذكور هو لأبي الأسود الدؤلي من قوله :
بنو عمِّ النبيِّ وأقربوه |
|
أحبُّ الناس كلّهم إليّا |
تصحيح غلط
لا أحسب أنَّ أساتذة مصر يخفى عليهم صحيح لفظة ـ غدير خُمّ ـ أو لا يوقفهم السير على مسمّاها وقصّتها ، وإن قال قائلهم : إنَّها واقعة حرب معروفة ، أو يكون لهم معها حساب آخر دون سائر الألفاظ ، أو يروقهم أن تكون الأمّة على جهل منها ، لكن أسفي على إغضائهم عن تصحيح هذه اللفظة في غير واحد من التآليف ، بل تركوها بصورة يتيه بها القارئ.
هذا الدكتور أحمد رفاعي ـ ذلك الأستاذ الفذّ ـ فإنّه يذكر في تعليقه على معجم الأدباء ، طبع مصر (١٣٥٧ ه) ، (١٤ / ٤٨) من شعر أمير المؤمنين ، بيت الولاية بهذه الصورة :
وأوصاني النبيُّ على اختيارٍ |
|
ببيعته غداة غدٍ برحمِ! |
وأعجب من ذلك أنَّه جعل للكتاب فهرس البلدان والبقاع والمياه في (٤٧) صحيفة ، وأهمل فيها غدير خُمّ ، وقد ذكرت في عدّة مواضع من المعجم.
والأستاذ محمد حسين مصحِّح ثمار القلوب ، طبع مصر (١٣٢٦ ه) ، فإنّه يقف على هذه اللفظة في صحيفة واحدة (ص ٥١١) وهي مذكورة فيها غير مرّة (س ٦ و ٨ و ١٢) ويدعها ـ غدير خم ـ وهذا ثمار القلوب المخطوط بين أيدينا وفيها : غدير خُمّ.
ومصحِّح لطائف أخبار الدول (١) طبع مصر (١٣١٠ ه) ، فإنَّه يترك البيت المذكور من شعر أمير المؤمنين في (ص ٣٣) هكذا :
__________________
(١) لطائف أخبار الدول : ص ٤٩.
وأوجبَ طاعتي فرضاً عليكم |
|
رسولُ الله يومَ غدا برحمي! |
وأنت تجد في مطبوعات غير مصر لِدَةَ هذا التصحيف أيضاً.
شكر ونقد
لا أفتأ معجباً بكتابين فخمين هما من حسنات العصر الحاضر ، عُني بجمعهما بحّاثة كبير حظي به هذا القرن ، ألا وهما كتاب جمهرة خطب العرب وجمهرة رسائل العرب للكاتب الشهير أحمد زكي صفوت. فقد أسدى بهما إلى الأمّة يده الواجبة ، أعاد ذكريات قديمة للأمّة العربيّة أتى عليها الدثور ، وكابد في ذلك جهوداً جبّارة ، فعلى الأمّة جمعاء أن تشكره على تلك المثابرة الناجعة ، وتقدّر منه ذلك الجهاد المتواصل ، فله العتبى على ما أجاد وأفاد.
غير لأنّا نعاتب الأستاذ على إهماله هذه الرسالة الموجودة في جملة من مصادر كتابه وغيرها من الكتب القيّمة ، وقد ذكر ما هو أخصر منها ، وأضعف مدركاً ، وأقلّ نفعاً ، وذكر من التافهات ما لم يقلّه مستوى الصدق والأمانة ، كبعض رسائل ابن عبّاس إلى أمير المؤمنين عليهالسلام المكذوبة على حَبر الأمّة ، خطّتها أقلام مستأجرة من زبائن الأمويّين ، هذا ما نعاتبه عليه ، وأمّا هو فلما ذا ذكر؟ ولِما ذا أهمل؟ فلنطوِ عنه كشحاً.
ويشبه هذا الإهمال أو يزيد عليه إهماله خطبة الغدير في جمهرة خطب العرب ، ولها وليومها المشهود أهميّة كبرى في تاريخ الاسلام ، وقد أثبتتها المصادر الوثيقة بأسانيد تربو على حدِّ التواتر ، كما وقفت عليها في الجزء الأوّل من كتابنا. هب أنَّ تمام الخطبة لم يثبت عنده في كتب يعوِّل عليها ، إلاّ أنَّ المقدار الذي أصفق عليه الفريقان ، وأنهوا إليه أسانيدهم لا مفرّ له عن إثباته ، لكنّ الكاتب يعلم أنّه لما ذا ترك ، ونحن أيضاً لم يفتنا عرفانه ، لكن نضرب عن البيان صفحاً.
ويروى لأمير المؤمنين عليهالسلام
ما أخرجه الإمام عليُّ بن أحمد الواحدي ، عن أبي هريرة ، قال : اجتمع عدّةٌ من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، والفضل بن عبّاس ، وعمّار ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعبد الله بن مسعود فجلسوا وأخذوا في مناقبهم ، فدخل عليهم عليٌّ عليهالسلام فسألهم : فيم أنتم؟ قالوا : نتذاكر مناقبنا ممّا سمعنا من رسول الله ، فقال عليٌّ : اسمعوا منّي ثمّ أنشأ يقول :
لقدْ عَلِمَ الأُناس بأنَّ سهمي |
|
من الإسلام يَفْضُلُ كلَّ سهمِ |
وأحمدٌ النبيُّ أخي وصِهري |
|
عليهِ اللهُ صلّى وابن عمّي |
وإنّي قائدٌ للناسِ طُرّا |
|
إلى الإسلام من عُرْبٍ وعُجْمِ |
وقاتلُ كلِّ صنديدٍ رئيسٍ |
|
وجبّارٍ من الكفّار ضَخْمِ |
وفي القرآن ألزَمَهمْ ولائي |
|
وأوجب طاعتي فرضاً بعزمِ |
كما هارون من موسى أخوهُ |
|
كذاك أنا أخوه وذاك اسمي |
لذاك أقامني لهمُ إماماً |
|
وأخبرهمْ به بغديرِ خُمّ |
فمن منكم يعادلني بسهمي |
|
وإسلامي وسابقتي ورحمي |
فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ |
|
لمن يلقى الإله غداً بظلمي |
وويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ |
|
لجاحدِ طاعتي ومريدِ هضمي |
وويلٌ للذي يشقى سفاهاً |
|
يريد عداوتي من غيرِ جرمِ |
وذكره عن الواحدي القاضي الميبذيّ الشافعيّ في شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (ص ٤٠٥ ـ ٤٠٧) ، والقندوزيّ الحنفيّ في ينابيع المودّة (١) (ص ٦٨).
__________________
(١) ينابيع المودّة : ١ / ٦٧ باب ١٤.
الشاعر
أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجَّلين ، وخاتم الوصيّين ، وأوّل القوم إيماناً ، وأوفاهم بعهد الله ، وأعظمهم مزيّة ، وأقومهم بأمر الله ، وأعلمهم بالقضيّة ، وراية الهدى ، ومنار الإيمان ، وباب الحكمة ، والممسوس في ذات الله ، خليفة النبيِّ الأقدس (١) صلّى الله عليهما وآلهما ـ عليُّ بن أبي طالب ، الهاشميّ الطاهر ، وليد الكعبة المشرَّفة ، ومطهِّرها من كلِّ صنم ووثن ، الشهيد في البيت الإلهيّ جامع الكوفة ـ في محرابه حال صلاته سنة (٤٠) ، وقد اتّصل هاهنا المنتهى بالمبدأ ، فوليد البيت فاض شهيداً في بيتٍ هو من أعظم بيوت الله ، وبين الحدّين لم تزل عُرى حياته متواصلة بالمبدأ الأعلى سبحانه.
__________________
(١) كلٌّ من هذه الجمل الخمس عشرة كلمة قدسيّة نبويّة ، أخرجها الحفّاظ ، راجع مسند أحمد : ١ / ٣٣١ و ٥ / ١٨٢ ، ١٨٩ [١ / ٥٤٤ ح ٣٠٥٢ و ٦ / ٢٣٢ ح ٢١٠٦٨ ، ص ٢٤٤ ح ٢١١٤٥] ، حلية الأولياء : ١ / ٦٣ ـ ٦٨ [رقم ٤]. (المؤلف)
٢ ـ
حسّان بن ثابت
يُناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهمْ |
|
بخمٍّ وأسْمِعْ بالرسولِ مُناديا |
فقال فمن مولاكمُ ونبيُّكمْ |
|
فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا |
إلهُكَ مولانا وأنتَ نبيُّنا |
|
ولم تَلْقَ منّا في الولايةِ عاصيا |
فقال له قم يا عليُّ فإنّني |
|
رضيتُكَ من بعدي إماماً وهاديا |
فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّهُ |
|
فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا |
هناك دعا اللهمَّ والِ وليّهُ |
|
وكن للذي عادى عليّا معاديا |
ما يتبع الشعر
هذا أوّل ما عُرف من الشعر القصصيِّ في رواية هذا النبأ العظيم ، وقد ألقاه في ذاك المحتشد الرهيب الحافل بمائة ألف أو يزيدون ، وفيهم البلغاء ، ومدارهِ (١) الخطابة وصاغة القريض ، ومشيخة قريش العارفون بلحن القول ، ومعارض الكلام ، بمسمعٍ من أفصح من نطق بالضاد ـ النبيّ الأعظم ـ وقد أقرّه النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما فهمه من مغزى كلامه ، وقرّظه بقوله : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القُدس ما نصرتنا بلسانك» (٢).
__________________
(١) مدارِه : جمع مِدْرَه ، وهو لسان القوم وخطيبهم.
(٢) هذا من أعلام النبوّة ومن مغيّبات رسول الله ، فقد علم أنّه سوف ينحرف عن إمام الهدى عليهالسلام في أخريات أيّامه ، فعلّق دعاءه على ظرف استمراره في نصرتهم. (المؤلف)
وأقدم كتاب سبق إلى رواية هذا الشعر هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (١) ، التابعيّ الصدوق الثبت ، المعوَّل عليه عند علماء الفريقين كما مرّ في (١ / ١٩٥) ، فرواه بلفظ يقرب ممّا يأتي عن كتاب علم اليقين (٢) للمحقِّق الفيض الكاشاني ، وتبعه على روايته لفيف من علماء الإسلام لا يستهان بعدّتهم ، فرواه من الحفّاظ :
١ ـ الحافظ أبو عبيد الله المرزباني محمد بن عمران الخراسانيّ : المتوفّى (٣٧٨) (٣).
أخرج في مرقاة الشعر عن محمد بن الحسين ، عن حفص ، عن محمد بن هارون ، عن قاسم بن الحسن ، عن يحيى بن عبد الحميد ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :
لمّا كان من غدير خُمّ ، أمر رسول الله منادياً فنادى الصلاة جامعة. فأخذ بيد عليّ وقال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه».
فقال حسّان بن ثابت : يا رسول الله أقول في عليّ شعراً؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «افعل» ، فقال :
يناديهُم يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.
٢ ـ الحافظ الخركوشيّ أبو سعد : المتوفّى (٤٠٦) المترجم (١ / ١٠٨). أخرجه في كتابه شرف المصطفى.
٣ ـ الحافظ ابن مردويه الأصبهانيّ : المتوفّى (٤١٠) المترجم (١ / ١٠٨). أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري حديث الغدير كما مرّ (١ / ٢٣١) وفيه :
فقال حسّان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتاً؟ فقال : «قل على بركة الله». فقال :
__________________
(١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٨٢٨ ح ٣٩.
(٢) علم اليقين : ٢ / ٦٥١.
(٣) لنا في مذهب الرجل نظر. (المؤلف)
يناديهُم يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.
ورواه عن ابن عبّاس بلفظ مرّ (١ / ٢١٧).
٤ ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ : المتوفّى (٤٣٠) المترجم (١ / ١٠٩). أخرجه في كتابه ـ ما نزل من القرآن في عليّ (١) ـ بالسند والمتن اللذين أسلفناهما (١ / ٢٣٢) وفيه :
فقال حسّان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.
فقال : «قل على بركة الله». فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش أُتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ...
٥ ـ الحافظ أبو سعيد السجستانيّ : المتوفّى (٤٧٧) ، المترجم (١ / ١١٢). أخرجه في كتاب الولاية بسند ولفظ مرّا (١ / ٢٣٣).
٦ ـ أخطب الخطباء الخوارزميّ المكيّ : المتوفّى (٥٦٨) ، تأتي ترجمته في شعراء القرن السادس ، رواه في مقتل الإمام السبط الشهيد (٢) والمناقب (٣) (ص ٨٠) بسند ولفظ ذكرا في (١ / ٢٣٤).
٧ ـ الحافظ أبو الفتح النطنزيّ : المترجم (١ / ١١٥). رواه في الخصائص العلويّة على سائر البريّة عن الحسن بن أحمد المهري ، عن أحمد بن عبد الله بن أحمد ، عن محمد بن أحمد بن عليّ ، عن ابن أبي شيبة محمد بن عثمان ، عن الحمّاني ، عن ابن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري بلفظ أبي نعيم الأصبهاني ، وذكر من الأبيات أربعة من أوّلها.
__________________
(١) ما نزل من القرآن في عليّ : ص ٥٧.
(٢) مقتل الإمام الحسين عليهالسلام : ص ٤٧.
(٣) المناقب : ص ١٣٥ ح ١٥٢.
٨ ـ أبو المظفّر سبط الحافظ ابن الجوزي الحنفيّ : المتوفّى (٦٥٤) المترجم (١ / ١٢٠). رواه في تذكرة خواصّ الأمّة (١) (ص ٢٠).
٩ ـ صدر الحفّاظ الكنجيّ الشافعيّ : المتوفّى (٦٥٨) المذكور (١ / ١٢٠). ذكره في كفاية الطالب (٢) (ص ١٧) بلفظ أبي نعيم المذكور.
١٠ ـ شيخ الإسلام صدر الدين الحمّوئي : المتوفّى (٧٢٢) المترجم (١ / ١٢٣). رواه في فرائد السمطين (٣) في الباب الثاني عشر ، عن الشيخ تاج الدين أبي طالب علي ابن أنجب بن عثمان الخازن ، عن برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المُطَرّزي ، عن أخطب خوارزم بسنده ولفظه المذكورين.
١١ ـ الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرنديّ شمس الدين الحنفيّ : المتوفّى (بضع و ٧٥٠) المترجم (١ / ١٢٥) أخرجه في كتابه نظم درر السمطين (٤).
١٢ ـ الحافظ جلال الدين السيوطيّ : المتوفّى (٩١١) المترجم (١ / ١٣٣). ذكره في رسالته الازدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار ، نقلاً عن تذكرة الشيخ تاج الدين ابن مكتوم الحنفي المتوفّى (٧٤٩).
ورواه من أعلام الإمامية :
١ ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد المفجّع (٥) : المتوفّى (٣٢٧). رواه في شرح قصيدته المعروفة بالأشباه. عن عبد الله بن محمد بن عائشة القرشي ، عن المبارك ، عن عبد الله بن أبي سلمان ، عن عطا ، عن جابر بن عبد الله : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نزل
__________________
(١) تذكرة الخواص : ص ٣٣.
(٢) كفاية الطالب : ص ٦٤ باب ١.
(٣) فرائد السمطين : ١ / ٧٣ ح ٣٩.
(٤) نظم درر السمطين : ص ١١٢.
(٥) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع ، يأتي هناك [في الجزء الثالث] شعره وترجمته. (المؤلف)
بغدير خُمّ ، ونصب بدوحات ، وكان يومٌ حارٌّ ، وإنَّ أحدَنا ليستظلُّ بثوبه ، ويبلُّ خرقةً فيضعها على رأسه من شدّة الحرّ ، فقام عليهالسلام فقال :
«أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجي أمّهاتهم؟». قلنا : بلى يا رسول الله. فأخذ بيد عليّ فرفعها ثمّ قال :
«اشهدوا ، من كنت مولاه فعليٌّ مولاهُ ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». يقولها ثلاثاً. فقال عمر : هنيئاً لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة ، فقام رجل إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي في إنشاد أبيات في عليٍّ؟ فقال عليهالسلام : «قل يا حسّان» فقال :
يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات إلى آخرها.
٢ ـ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم بن يزيد الطبريّ ، رواه في المسترشد (١) بإسناده عن يحيى الحمّاني عن قيس ، عن العبدي ، عن أبي سعيد بلفظ الحافظ أبي نعيم الأصبهاني المذكور ، إلاّ أنَّ البيت الثالث فيه :
إلهُكَ مولانا وأنتَ وليُّنا |
|
ولا تَجِدَنْ منّا لك اليومَ عاصيا |
٣ ـ شيخنا أبو جعفر الصدوق محمد بن بابويه القمّي : المتوفّى (٣٨١). رواه في الأمالي (٢) (ص ٣٤٣) بالسند والمتن المذكورين ، عن الحافظ المرزباني.
٤ ـ الشريف الرضيّ (٣) : المتوفّى (٤٠٦) صاحب نهج البلاغة. في خصائص الأئمّة (٤).
__________________
(١) المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : ص ١١٩.
(٢) الأمالي : ص ٤٦٠.
(٣) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع ، يأتي هناك [في الجزء الرابع] شعره وترجمته. (المؤلف)
(٤) خصائص الأئمّة : ص ٤٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ص ٦.
٥ ـ معلّم الأمّة شيخنا المفيد : المتوفّى (٤١٣). رواه في الفصول المختارة (١) (١ / ٨٧) وقال : وممّا يشهد بقول الشيعة في معنى المولى وأنَّ النبيَّ أراد به يوم الغدير الإمامة ، قول حسّان بن ثابت على ما جاء به الأثر : أنَّ رسول الله لمّا نصب عليّا يوم الغدير للناس عَلماً وقال فيه ما قال ، استأذنه حسّان بن ثابت في أن يقول شعراً فأنشأ يقول :
يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.
فلمّا فرغ من هذا القول ، قال له النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدُس ما نصرتَنا بلسانك» ، فلو لا أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد بالمولى الإمامة لما أثنى على حسّان بإخباره بذلك ، ولأنكره عليه ، وردّه عنه.
ورواه في رسالته في معنى المولى (٢) ، وقال بعد ذكره : شعر حسّان مشهورٌ في ذلك ، وهو شاعر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قال له : «لا تزال مؤيَّداً بروح القدُس ما نصرتنا بلسانك». وهذا صريح في الإقرار بإمامته من جهة القول الكائن في يوم الغدير من رسول الله له ، لا يمكن تأويله ، ولا يسوغ صرفه إلى غير حقيقته.
ورواه في تأليفه النصرة لسيِّد العترة في حرب البصرة (٣) وفي كتابه الإرشاد (٤) (ص ٣١ ، ٦٤) بلفظ يقرب من رواية الحافظ أبي نعيم الأصبهاني المذكور.
٦ ـ الشريف المرتضى علم الهدى : المتوفّى (٤٣٦) ، في شرح بائيّة السيِّد الحميري (٥).
__________________
(١) الفصول المختارة : ص ٢٣٥.
(٢) رسالة في معنى المولى ، المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد : ٨ / ٣١.
(٣) النصرة لسيِّد العترة في حرب البصرة (كتاب الجَمل) : ص ١١٧.
(٤) الإرشاد : ١ / ١٧٧.
(٥) رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الرابعة : ص ١٣١.
٧ ـ أبو الفتح الكراجكي : المتوفّى (٤٤٩) في كنز الفوائد (١) (ص ١٢٣) وقال ما ملخّصه : إنَّ شعر حسّان هذا قد سارت به الركبان ، وقد تضمّن الإقرار لأمير المؤمنين عليهالسلام بالإمامة والرئاسة على الأنام ، لمّا مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على رءوس الأشهاد ، فصوّبه النبيُّ في مقاله ، وقال له : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً ما نصرتنا بلسانك».
٨ ـ الشيخ عبيد الله بن عبد الله السدابادي ، رواه في المقنع في الإمامة (٢).
٩ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسيّ : المتوفّى (٤٦٠) في تلخيص الشافي.
١٠ ـ المفسِّر الكبير الشيخ أبو الفتوح الخزاعي الرازيّ من مشايخ ابن شهرآشوب : المتوفّى (٥٨٨). رواه في تفسيره (٣) (٢ / ١٩٢) بلفظ يقرب من لفظ الحافظ أبي نعيم وزاد فيه (٤) :
فَخَصّ بها دونَ البريّةِ كلِّها |
|
عليّا وسمّاه الوزير المواخيا |
١١ ـ شيخنا الفتّال أبو عليّ الشهيد ، المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ٣٧) رواه في روضة الواعظين (٥) (ص ٩٠).
١٢ ـ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ ، رواه في إعلام الورى (٦) (ص ٨١)
__________________
وبائية الحميري تسمّى القصيدة المذهّبة ، طبعت بهذا الاسم مع شرح الشريف المرتضى عليها في بيروت سنة (١٩٧٠ م) من منشورات دار الكتاب الجديد وتحقيق محمد الخطيب ، وهذه الأبيات في هذه الطبعة ص (١٥٧). (الطباطبائي)
(١) كنز الفوائد : ١ / ٢٦٨.
(٢) المقنع في الإمامة : ص ٧٥.
(٣) تفسير أبي الفتوح الرازي : ٤ / ٢٧٩.
(٤) ستقف على أنَّ هذه الزيادة في محلّها من شعر حسّان. (المؤلف)
(٥) روضة الواعظين : ١ / ١٠٣.
(٦) إعلام الورى : ص ١٣٩.
١٣ ـ ابن شهرآشوب السَرَويّ : المتوفّى (٥٨٨). في المناقب (١) (٣ / ٣٥).
١٤ ـ أبو زكريّا يحيى بن الحسن الحلّي الشهير بابن البطريق ، رواه في الخصائص (٢) (ص ٣٧) من طريق الحافظ أبي نعيم الأصبهاني.
١٥ ـ السيِّد هبة الله ، رواه في كتابه المجموع الرائق (٣) المخطوط.
١٦ ـ رضيّ الدين سيِّدنا عليّ بن طاووس : المتوفّى (٦٦٤) في الطرائف (٤) (ص ٣٥).
١٧ ـ بهاء الدين أبو الحسن الإربِليّ : المتوفّى (٦٩٢ ، ٦٩٣) في كشف الغمّة (٥)) (ص ٩٤).
١٨ ـ عماد الدين الحسن الطبريّ ، في الكامل البهائي (٦) (ص ١٥٢ و ٢١٧).
١٩ ـ الشيخ يوسف بن حاتم الشاميّ ، في موضعين من كتابه الدرّ النظيم (٧).
٢٠ ـ الشيخ عليّ البياضيّ العامليّ ، في كتابه الصراط المستقيم (٨).
٢١ ـ القاضي نور الله المرعشيّ : الشهيد سنة (١٠١٩) ، المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ١٧١) : ذكره في مجالس المؤمنين (٩) (ص ٢١).
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧.
(٢) خصائص الوحي المبين : ص ٦٢.
(٣) المجموع الرائق : ص ٢٠٤.
(٤) الطرائف : ص ١٤٦ ح ٢٢١.
(٥) كشف الغمّة : ١ / ٣٢٥.
(٦) الكامل البهائي : ١ / ٢٨١.
(٧) الدرّ النظيم : ١ / ٩٠ ، ١٤١.
(٨) الصراط المستقيم : ١ / ٣٠٥.
(٩) مجالس المؤمنين : ١ / ٤٦.
٢٢ ـ مولانا المحقِّق المحسن الكاشانيّ : المتوفّى (١٠٩١). في علم اليقين (١)) (ص ١٤٢) نقلاً عن ـ التهاب نيران الأحزان ـ بلفظ يقرب من لفظ سليم بن قيس الهلاليِّ التابعيِّ في كتابه ، وهو :
يناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهم |
|
بخمٍّ وأَسْمِعْ بالنبيِّ مناديا |
وقد جاءَهُ جبريلُ عن أمرِ ربهِ |
|
بأنَّك معصومٌ فلا تَكُ وانيا |
وبلّغهمُ ما أنزلَ اللهُ ربُّهم |
|
إليكَ ولا تخش هناك الأعاديا |
فقام به إذ ذاك رافعَ كفِّهِ |
|
بكفِّ عليٍّ مُعلنَ الصوتِ عاليا |
فقال فمن مولاكمُ ووليّكمْ |
|
فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميا |
إلهُكَ مولانا وأنت وليُّنا |
|
ولَنْ تَجِدَنْ فينا لك اليومَ عاصيا |
فقال له قم يا عليُّ فإنَّني |
|
رَضيتُكَ من بعدي إماماً وهاديا |
فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّه |
|
فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا |
هناك دعا اللهمَّ والِ وليّهُ |
|
وكن للّذي عادى عليّا مُعاديا |
فيا ربِّ أُنصر ناصريه لنَصْرِهمْ |
|
إمامَ هدىً كالبدرِ يجلو الدياجيا |
٢٣ ـ الشيخ إبراهيم القطيفيّ ، في الفرقة الناجية بلفظ الكاشاني.
٢٤ ـ السيِّد هاشم البحرانيّ : المتوفّى (١١٠٧). في غاية المرام (٢) (ص ٨٧).
٢٥ ـ العلاّمة المجلسيّ : المتوفّى (١١١١) : في بحار الأنوار (٣) (٩ / ٢٣٤ ، ٢٥٩).
٢٦ ـ شيخنا البحرانيّ ، صاحب الحدائق : المتوفّى (١١٨٦). في كشكوله (٢ / ٣١٨).
وهناك جمع آخرون رووا هذا الحديث ، وفي المذكورين كفاية.
__________________
(١) علم اليقين : ٢ / ٦٥١.
(٢) غاية المرام : ص ٨٧ ح ٧٢.
(٣) بحار الأنوار : ٢١ / ٣٨٨ ، ٣٧ / ١١٢.
لفت نظر :
والذي يظهر للباحث أنَّ حسّاناً أكمل هذه الأبيات قصيدةً ضمّنها نُبذاً من مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام ، فكلٌّ أخذ منها شطراً يناسب موضوعه. وذكر الحافظ ابن أبي شيبة ، قال : حدّثنا ابن فضل ، قال : حدّثنا سالم بن أبي حفصة ، عن جُميع بن عمير ، عن عبد الله بن عمر.
وصدر الحفّاظ الكنجي الشافعي في كفايته (١) ـ طبع النجف ـ (ص ٣٨) ، وطبع مصر ـ (ص ١٦) ، وطبع ايران ـ (ص ٢١) ، وابن الصبّاغ المالكي في فصوله المهمّة (٢) (ص ٢٢) وغيرهم ، منها قوله :
وكان عليٌّ أرمدَ العينِ يبتغي |
|
دواءً فلمّا لم يحسَّ مداويا |
شفاهُ رسولُ اللهِ منه بتفلةٍ |
|
فبوركَ مَرْقيّا وبورك راقيا |
فقال سأُعطي الراية اليومَ ضارباً |
|
كَمِيّا مُحبّا للرسولِ مواليا |
يحبُّ إلهي والإله يُحبُّهُ |
|
به يفتحُ اللهُ الحصونَ الأوابيا |
فَخَصَّ بها دون البريّةِ كلِّها |
|
عليّا وسمّاهُ الوزيرَ المواخيا (٣) |
هذه الأبيات إشارة الى حديث صحيح متواتر ، أخرجه أئمّة الحديث بأسانيد رجالها كلّهم ثقات ، أنهوها إلى :
بُريدة بن الحصيب ، عبد الله بن عمر ، عبد الله بن العبّاس ، عمران بن حصين ،
__________________
(١) كفاية الطالب : ص ١٠٤ باب ١٤.
(٢) الفصول المهمّة : ص ٣٧.
(٣) ورواه شيخنا الطبري في المسترشد [ص ٤٥٥] ، رواية عن الحافظ ابن أبي شيبة المذكور [المصنّف : ١٢ / ٦٩ ح ١٢١٤٥] ، وأبو عليّ الفتّال في روضة الواعظين [١ / ١٣٠] ، وغيرهما. (المؤلف) وأوردها الشريف المرتضى في شرح القصيدة المذهّبة ص ١٣١ وكرّرها في ص ١٣٢. (الطباطبائي)
أبي سعيد الخدري ، أبي ليلى الأنصاري ، سهل الساعدي ، أبي هريرة الدوسي ، سعد ابن أبي وقّاص ، البراء بن عازب ، سلمة بن الأكوع.
فأخرجه البخاري في صحيحه (٤ / ٣٢٣) عن سهل ، و (٥ / ٢٦٩) عنه ، و (ص ٢٧٠) عن سلمة ، و (٦ / ١٩١) عن سلمة وسهل ، وأخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ٣٢٤) ، والترمذي في صحيحه (٢ / ٣٠٠) وصحّحه ، وأحمد بن حنبل في مسنده (١ / ٩٩) ، و (٥ / ٣٥٣ ، ٣٥٨) وغيرها ، وابن سعد في طبقاته (٣ / ١٥٨) ، وابن هشام في سيرته (٣ / ٣٨٦) ، والطبري في تاريخه (٣ / ٩٣) ، والنسائي في خصائصه (ص ٤ ـ ٨ ، ١٦ ، ٣٣) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١٠٩ ، ١١٦) وقال : هذا حديث دخل في حدّ التواتر ، والخطيب في تاريخه (٨ / ٥) ، وأبو نعيم الأصبهاني في الحلية (١ / ٦٢) ، بعدّة طرق وصحّح بعضها ، و (٤ / ٣٥٦) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب (٢ / ٣٦٣) في ترجمة عامر ، والحمّوئي (١) في فرائده ، وقال : قال الإمام محيي السنّة : هذا حديثٌ صحيح متّفقٌ على صحّته ، ومحبُّ الدين الطبري في الرياض (٢ / ١٨٧) ، واليافعي في مرآة الجنان (١ / ١٠٩) وصحّحه ، والقاضي الإيجي في المواقف (٣ / ١٠ ، ١٢) (٢) ، وهناك آخرون
__________________
(١) بفتح المهملة ثمّ الميم المضمومة المشدّدة نسبة الى جدّه حمّويه ، ونحن تبعاً للمؤلفين ذكرناه في المجلد الأول (الحمويني) ، وقد أوقفنا السير على كلام ابن الأثير من أنَّ رجال هذه الأسرة يكتبون لأنفسهم (الحموي) وضبطه على ما ذكر ، فعدلنا عما كنا عليه. (المؤلف)
(٢) صحيح البخاري : ٣ / ١٠٧٧ ح ٢٧٨٣ ، ١٠٩٦ ح ٢٨٤٧ ، ١٠٨٦ ح ٢٨١٢ ، ٤ / ١٥٤٢ ح ٣٩٧٢ ـ ٣٩٧٣ ، صحيح مسلم : ٥ / ٢٤ ـ ٢٥ ح ٣٣ ـ ٣٥ كتاب فضائل الصحابة ، سنن الترمذي : ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ ، مسند أحمد : ١ / ١٦٠ ح ٧٨٠ ، ٦ / ٤٨٥ ح ٢٢٤٨٤ ، ٤٩٢ ح ٢٢٥٢٢ ، الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١ ، السيرة النبوية : ٣ / ٣٤٩ ، تاريخ الأمم والملوك : ٣ / ١٢ حوادث سنة ٧ ه ، خصائص أمير المؤمنين : ص ٣٧ ـ ٤٩ ح ١١ ـ ٢٤ ، ص ٧٣ ح ٥٤ ، ص ١٤٠ ح ١٢٦ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٠٨ ـ ١١٢ ح ٨٣٩٩ ـ ٨٤٠٩ ، ص ١٢٢ ح ٨٤٣٩ ، ص ١٤٤ ح ٨٥١١ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٧ ح ٤٥٧٥ ، ص ١٢٦ ح ٤٦٠١ ، الاستيعاب : القسم الثاني / ٧٨٧ رقم ١٣١٧ ، فرائد السمطين : ١ / ٢٥٣ ح ١٩٦ باب ٤٨ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٣٠ ، المواقف في علم الكلام : ص ٤١٠.
رووا هذه الأثارة وصحّحوها ، لو نذكرهم بأجمعهم لجاء منه كتاب مفرد ، ونحن نقتصر من المتون على لفظ البخاري ، ألا وهو :
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : «لأُعطينَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله».
قال : فبات الناس يدوكون (١) ليلتهم أيّهم يُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غَدَوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها ، فقال : «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : «فأرسلوا إليه» ، فأُتي به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية. فقال عليٌّ : «يا رسول الله أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟».
فقال : «انفذ على رسْلك حتى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم. فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النِّعم ـ وفي لفظه الآخر : ففتح الله عليه».
ديوان حسّان
إنَّ لحسّان في مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام مدائح جمّة غير ما سبقت الإشارة إليه ، وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك ، فمن هذه الناحية نعرف أنَّ يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدّت إلى ديوانه ، فحرّفت الكلم عن مواضعها ، ولعبت بديوان حسّان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم ، التي أسقطت منها مدائح أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم ، والذكريات الحميدة لأتباعهم ، كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منه ميميّته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليهالسلام مع إشارة الناشر إليها في مقدّمة شرح
__________________
(١) أي يخوضون. يقال : الناس في دوكة. أي : في اختلاط وخوض. وأصله من الدوك. وهو : السحق. وفي كثير من الكتب : يذكرون. وهو : تصحيف. (المؤلف)
ديوانه ، وقد طفحت بذكرها الكتب والمعاجم ، وكديوان الكميت ، فإنّه حُرّفت منه أبيات كما زيدت عليه أخرى ، وكديوان أمير الشعراء أبي فراس ، وكديوان كشاجم الذي زحزحوا عنه كميّة مهمّة من مراثي سيّدنا الإمام السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ وكتاب المعارف لابن قتيبة الذي زيد فيه ما شاءه الهوى للمحرّف ونقص منه ما [لا] يلائم خُطّته ، بشهادة الكتب الناقلة عنه من بعده ، كما مرّ بعض ما ذكر في محلّه من هذا الكتاب ويأتي بعضه ، إلى غير هذه من الكتب التي عاثوا فيها لدى النشر ، أو حرّفوها عند النقل ، ونحن نحيل تفصيل ذلك إلى مظانّه من المواقع المناسبة لئلاّ نخرج عن وضع الكتاب ، فلنعد الآن إلى ما شذّ من شعر حسّان عن ديوانه ، وأثبتته له المصادر الوثيقة كنفس يائيّته السابقة ، فمن ذلك :
في تاريخ اليعقوبي (١) (٢ / ١٠٧) ، وشرح ابن أبي الحديد (٢) (٣ / ١٤) وغيرهما : صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، وقال : إنّي وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم ، فإن استقمت فاتّبعوني ، وإن زغت فقوّموني ، لا أقول إنّي أفضلكم فضلاً ، ولكنّي أفضلكم حملاً ، وأثنى على الأنصار خيراً ، وقال : أنا وإيّاكم معشر الأنصار كما قال القائل :
جزى الله عنّا جعفراً حين أزْلَقَتْ |
|
بنا نعلُنا في الواطئين فَوَلّتِ |
أَبوا أن يملّونا ولو أنَّ أمّنا |
|
تلاقي الذي يلقون منّا لملّتِ |
فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر ، فغضبت قريش وأحفظها ذلك ، فتكلّم خطباؤها ، وقدم عمرو بن العاص ، فقالت له قريش : قم فتكلّم بكلام تنال فيه من الأنصار ، ففعل ذلك.
فقام الفضل بن العبّاس فردّ عليهم ، ثمّ صار إلى عليّ فأخبره وأنشده شعراً
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٢٧.
(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٠ ، ٣٥ خطبة ٦٦.
قاله. فخرج عليٌّ مغضباً حتى دخل المسجد فذكر الأنصار بخير ، وردّ على عمرو بن العاص قوله. فلمّا علمت الأنصار ذلك سرّها ، وقالت : ما نبالي بقول من قال مع حُسْن قول عليّ ، واجتمعت إلى حسّان بن ثابت ، فقالوا : أجب الفضل ، فقال : إن عارضته بغير قوافيه فضحني ، فقالوا (١) : فاذكر عليّا فقط ، فقال :
جزى الله خيراً والجزاء بكفّهِ |
|
أبا حسنٍ عنّا ومن كأبي حسنْ |
سبقتَ قريشاً بالذي أنت أهلهُ |
|
فصدرُكَ مشروحٌ وقلبُك مُمْتحنْ (٢) |
تمنّت رجالٌ من قريشٍ أعزّةٌ |
|
مكانَكَ هيهات الهُزالُ من السَمَنْ |
وأنتَ من الإسلامِ في كلِّ منزلٍ |
|
بمنزلة الطرفِ البطينِ من الرَسَنْ |
غَضِبْتَ لنا إذ قال عمروٌ بخصلةٍ |
|
أمات بها التقوى وأحيا بها الإحَنْ |
وكنت المرجّى من لؤيّ بنِ غالبٍ |
|
لِما كان منهُ والذي بعدُ لم يكنْ |
حفظتَ رسول الله فينا وعهدَهُ |
|
إليك ومن أولى به منك من ومنْ |
ألستَ أخاه في الهدى ووصيّهُ |
|
وأعلمَ فِهرٍ بالكتابِ وبالسُنَنْ |
فحقُّكَ ما دامتْ بنجدٍ وشيجةٌ |
|
عظيمٌ علينا ثمّ بعدُ على اليَمنْ |
قوله : فصدرك مشروحٌ إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٣) ، فإنّها نزلت في عليٍّ وحمزة. رواه الحافظ محبّ الدين الطبري في رياضه (٤) (٢ / ٢٠٧) عن الحافظين الواحدي وأبي الفرج ، وفي ذخائر العقبى (ص ٨٨).
__________________
(١) في شرح ابن أبي الحديد : فقال له خزيمة بن ثابت : اذكر عليّا وآله يَكْفِك عن كلِّ شيء. (المؤلف)
(٢) هذان البيتان ذكرهما لحسّان شيخ الطائفة المفيد كما في الفصول : ٢ / ٦١ ، ٦٧ [ص ٢٠٩ ، ٢١٦]. (المؤلف)
(٣) الزمر : ٢٢.
(٤) الرياض النضرة : ٣ / ١٥٧.
قوله : وقلبك ممتحن. أشار به إلى النبويّ الوارد في أمير المؤمنين : «إنّه امتحن الله قلبه بالإيمان» (١). أخرجه جمعٌ من الحفّاظ والعلماء منهم : النسائي في خصائصه (ص ١١) ، والترمذي في الصحيح (٢ / ٢٩٨) ، والخطيب البغدادي في تاريخه (١ / ١٣٣) ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ (١ / ٢٩) ومحبّ الدين الطبري في الرياض (٢ / ١٩١) وذخائر العقبى (ص ٧٦) وقال : أخرجه الترمذي وصحّحه ، والكنجي في الكفاية (ص ٣٤) وقال هذا حديثٌ عالٍ حسنٌ صحيح ، والحمّوئي في فرائده في الباب (٣٣) ، والسيوطي في جمع الجوامع بعدّة طرق كما في كنز العمّال (٦ / ٣٩٣ ، ٣٩٦) ، والبدخشي في نُزُل الأبرار (ص ١١) (٢) وغيرهم.
قوله : ألست أخاه في الهدى ووصيّه. أوعز به إلى حديثَي الإخاء والوصيّة ، وهما من الشهرة والتواتر بمكان عظيم ، يجدهما الباحث في جلّ مسانيد الحفّاظ والأعلام.
قوله : وأعلم فهرٍ بالكتاب وبالسنن. أراد به ما ورد في علم عليّ أمير المؤمنين بالكتاب والسنّة. وأخرج الحفّاظ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث فاطمة عليهاالسلام : «زوّجتكِ خير أهلي ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم إسلاماً».
وفي حديث آخر : «أعلم أمّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب».
وفي ثالث : «أعلم الناس بالله وبالناس».
وفي حديث : «يا عليّ لك سبع خصال» ، وعدّ منها : «وأعلمهم بالقضيّة» (٣).
__________________
(١) كذا في لفظ الخطيب ، وفي بعض المصادر : على الإيمان. وفي بعضها : للإيمان. (المؤلف)
(٢) خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام : ص ٥٥ ح ٣١ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، سنن الترمذي : ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، المحاسن والمساوئ : ص ٤١ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٣٨ ، كفاية الطالب : ص ٩٧ باب ١٣ ، فرائد السمطين : ١ / ١٦٢ ح ١٢٤ ، كنز العمّال : ١٣ / ١١٥ ح ٣٦٣٧٣ ، وص ١٢٧ ح ٣٦٤٠٢ ، نُزُل الأبرار : ص ٤١.
(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٦ [رقم ٤] ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ ، ١٥٦ ، ٣٩٨ [١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٦ ، وص ٦١٧ ح ٣٢٩٩٥ ، ١٣ / ١٣٥ ح ٣٦٤٢٣]. (المؤلف)
وأخرج محبّ الدين الطبري في رياضه (١) (٢ / ١٩٣) والذخائر (ص ٧٨) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب (٢) ـ هامش الإصابة ـ (٣ / ٤٠) عن عائشة : «أنّه أعلم الناس بالسنّة».
وفي كفاية الكنجي (٣) (ص ١٩٠) عن أبي أمامة ، عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أعلم أمّتي بالسنّة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب».
وأخرج الخوارزمي في المناقب (٤) (ص ٤٩) ، وشيخ الإسلام الحمّوئي في فرائده (٥) في الباب الثامن عشر بإسناده عن سلمان ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».
وأخرج الحفّاظ عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «والله ما نزلت آيةٌ إلاّ وقد علمتُ فيم نزلتْ وعلى من نزلتْ ، إنَّ ربّي وهبَ لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً» (٦). وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «قُسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (٧).
وقال السيِّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٣٣٧) : كان عليٌّ رضياللهعنه أعطاه الله علماً كثيراً وكشفاً غزيراً.
قال أبو الطفيل : شهدت عليّا يخطب وهو يقول : «سلوني (٨) من كتاب الله ،
__________________
(١) الرياض النضرة : ٣ / ١٤١.
(٢) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥.
(٣) كفاية الطالب : ص ٣٣٢ باب ٩٤.
(٤) المناقب : ص ٨٢ ح ٦٧.
(٥) فرائد السمطين : ١ / ٩٧ ح ٦٦.
(٦) حلية الأولياء : ١ / ٦٧ [رقم ٤] ، كفاية الكنجي : ص ٩٠ [ص ٢٠٧ باب ٥٢] ، كنز العمّال : ٦ / ٣٩٦ [١٣ / ١٢٨ ح ٣٦٤٠٤] ، إسعاف الراغبين : ص ١٦٢. (المؤلف)
(٧) حلية الأولياء : ١ / ٦٥ [رقم ٤]. (المؤلف)
(٨) في الإصابة : ٢ / ٥٠٩ [رقم ٥٦٨٨] : سلوني سلوني سلوني عن كتاب الله. (المؤلف)