إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، ولان التعزير حد من حدود الله تعالى ، وكل من قتله الحد فلا دية له ، ولما روى عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، « قال : من أقمنا عليه حدا من حدود الله تعالى فمات فلا ضمان » (٨١) ، وقال الشيخ في المبسوط : إذا عزر الامام رجلا فمات من الضرب فعليه كمال الدية ؛ لأنه ضرب تأديب ، قال : وأين تجب الدية؟
قال قوم : تجب في بيت المال ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو أمر بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا ، فالنصف على الحداد في ماله ، ولو زاد سهوا فالدية على عاقلته ، وفيه احتمال آخر.
أقول : يحتمل أن يكون مراده بالاحتمال الآخر ما اختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو وجوب القصاص مع العمد ؛ لأنه مباشر للإتلاف عمدا فيقتص منه بعد رد نصف الدية ، ووجوب النصف على العاقلة مع السهو ، هذا اختياره في الكتابين المذكورين ، وقال في القواعد : ويمكن أن تسقط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت ، فيسقط ما قابل السائغ ، وإيجاب الجميع ؛ لأنه قتل حصل من فعله تعالى وعدوان الضارب فيحال الضمان كله على العادي كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف ، وكما لو ألقى (٨٢) حجرا على سفينة موقرة فغرقها ، فيحتمل أن يكون مراد المصنف بالاحتمال هذا الإمكان الذي ذكره العلامة في قواعده.
__________________
(٨١) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٣ من أبواب المقدمات ، حديث ٤ ، مع اختلاف يسير.
(٨٢) في « ن » : أبقى.
في حد السرقة
قال رحمهالله : ولو سرق الطفل لم يحد ويؤدب ولو تكررت سرقته ، وفي النهاية يعفى عنه أولا ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ، وبهذا روايات.
أقول : بتفصيل النهاية قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف في المختلف ، لرواية الحلبي (٨٣) عن الصادق عليهالسلام ، واقتصر ابن إدريس على التأديب دائما ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة البراءة ، ولاتصاف الطفل بما يوجب رفع القلم عنه ، وأما التأديب فليس من باب التكليف ، بل من باب وجوب التأديب على الحاكم ، لاشتماله على المصلحة ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله : الرابع ارتفاع الشركة ، فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان ، إحداهما : لا يقطع والأخرى : إن زاد ما سرقه عن نصيبه قدر النصاب قطع ، والتفصيل حسن.
__________________
(٨٣) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٨ من أبواب حد السرقة ، حديث ٢.
أقول : أما رواية عدم القطع فعن محمد بن قيس عن الباقر عليهالسلام ، « قال : في رجل أخذ بيضة من المغنم ، قالوا : قد سرق أفنقطعه؟ فقال : إني لم أقطع أحدا له فيما أخذه شركة » (٨٤) ، وبمضمونها أفتى المفيد وسلار وفخر الدين ، وأما رواية التفصيل فعن عبد الله بن سنان (٨٥) عن الصادق عليهالسلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وروى عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن ابي عبد الله عليهالسلام ، « قال : سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليهالسلام؟ فقال : كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه » (٨٦) ، وليس فيها دلالة على أن السارق من الغانمين.
قال رحمهالله : تقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه ، وفي رواية : لا يقطع ، وهي محمولة على حالة الاستيمان ، وكذا الزوج إذا سرق من زوجته ، أو الزوجة ، وفي الضيف قولان ، أحدهما : لا يقطع مطلقا ، وهو المروي ، والآخر : يقطع إذا أحرز من دونه ، وهو أشبه.
أقول : هنا مسألتان :
الاولى : في قطع الأجير إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم القرآن (٨٧) والأخبار (٨٨) ، ومنع محمد بن بابويه والشيخ في النهاية من قطعه ، لرواية الحلبي (٨٩) في الحسن عن الصادق عليهالسلام ، ورواية سليمان (٩٠) عنه والأول
__________________
(٨٤) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٤ من أبواب حد السرقة ، حديث ١.
(٨٥) المصدر السابق ، حديث ٤.
(٨٦) المصدر السابق ، حديث ٣.
(٨٧) المائدة : ٣٨.
(٨٨) الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الثاني من أبواب حد السرقة.
(٨٩) المصدر السابق ، باب ١٤ من أبواب حد السرقة ، حديث ١.
(٩٠) المصادر السابق ، حديث ٣.
هو المعتمد ، وروايات عدم القطع محمولة على الاستيمان ، وفيها دلالة عليه ، لقوله عليهالسلام : « وهو مؤتمن ليس بسارق » (٩١).
الثانية : في قطع الضيف إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (٩٢) ، وقال ابن بابويه والشيخ ( في النهاية ) (٩٣) لا يقطع لما رواه محمد بن قيس عن الصادق عليهالسلام ، « قال الضيف : إذا سرق لا يقطع وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف » (٩٤) والمعتمد القطع من الإحراز مطلقا.
وأما الزوج أو الزوجة فإذا سرق أحدهما من صاحبه وكان المال محرزا عنه ، فإنه يقطع بغير اشكال.
قال رحمهالله : ومن شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن ، وقيل : كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إلا بإذنه.
أقول : أجمع الأصحاب على اشتراط الحرز في القطع ، وعلى أن المرجع فيه الى العرف ؛ لأنه لا حقيقة شرعية له ، واختلف الأصحاب في تعريفه ، لعدم تنصيص الشارع عليه ، قال الشيخ في النهاية : الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول إلا بإذنه ، أو يكون مغلقا عليه ، أو مدفونا.
وقال في المبسوط : معرفة الحرز مأخوذة من العرف ، فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع ، وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع ؛ لأنه ليس بحرز ، فحرز البقل والخضروات في الدكاكين وراء شريحة تغلق أو تقفل ، وحرز الذهب
__________________
(٩١) لاحظ الروايتين السابقتين.
(٩٢) المائدة : ٣٨.
(٩٣) ليست في الأصل.
(٩٤) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٧ من أبواب حد السرقة ، حديث ١.
والفضة والجواهر والثياب الأماكن الحريزة في الدور الحريزة (٩٥) وتحت الأغلاق الوثيقة ، وكذلك الدكاكن والخانات الحريزة ، فمن جعل الجوهرة في دكان البقل تحت شريحة قصب فقد ضيع ماله ، والحرز يختلف باختلاف المحرز فيه ، وقال قوم : إذا كان الموضع حرزا لشيء فهو حرز لسائر الأشياء ، ولا يكون المكان حرزا لشيء دون شيء. قال : وهو الذي يقوى في نفسي ؛ لأن أصحابنا قالوا : إن الحرز هو كل موضع ليس لغير المالك أو المتصرف فيه دخوله إلا بإذنه.
وقال ابن إدريس : المراعاة بالعين حرز ، والذي يقتضيه المذهب أن الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عدا ذلك ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وهو أحوط ، لما رواه السكوني عن الصادق عليهالسلام يرفعه الى علي عليهالسلام : « لا يقطع الا من نقب نقبا أو كسر قفلا » (٩٦).
وباقي ترددات هذا الباب وخلافاته الى قوله ( الثالث فيما فيه يثبت ) متفرعة على هذه المسألة ، فلا فائدة في ايراداتها (٩٧) ، لرجوعها الى هذه القاعدة.
قال رحمهالله : ولو لم يكن له يسار ، قال في المبسوط قطعت يمينه ، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام : لا يقطع ، والأول أشبه.
أقول : محل القطع من السارق في المرأة الأولى يده اليمنى ، سواء كان له يد يسرى أو لم يكن ، وقال ابن الجنيد : لا يقطع مع فقد اليسرى ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (٩٨) المذكورة ، ولئلا يصير بلا يدين والمعتمد القطع لوجود الموجب
__________________
(٩٥) ليست في « ن ».
(٩٦) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٨ من أبواب حد السرقة ، حديث ٣.
(٩٧) كذا.
(٩٨) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١١ من أبواب حد السرقة ، حديث ٣.
والمحل.
قال رحمهالله : ولو سرق ولا يمين له ، قال في النهاية : قطعت يساره ، وقال في المبسوط : ينتقل الى رجله ، ولو لم يكن له اختيار قطعت رجله اليسرى ، ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس ، وفي الكل إشكال من حيث أنه تخط عن موضع القطع فيقف على إذن الشرع وهو مفقود.
أقول : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى في أول مرة ، فإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى ، فاذا سرق ثالثا حبس دائما ، فلو سرق في الحبس قتل.
فلو فقد العضو المخصوص بالقطع ، هل يسقط القطع أو ينتقل الى غيره كما لو سرق ولا يمين له؟ قال ابن إدريس : تختص كل مرتبة بما وظف لها ، فلا يحبس من لم يسرق مرتين ، ويقطع في كل منهما بل يعزر ، وكذا لا يقطع رجل من لم يقطع يده في السرقة (٩٩) ، وهو ظاهر المصنف ، وقال الشيخ : إذا فقد محل القطع انتقل الى غيره ، واختلف قولاه في الانتقال ، ففي المبسوط : ينتقل الى رجله اليسرى ؛ لأنها محل يؤخذ في السرقة ، واختاره ابن البراج في المهذب ، وفي النهاية : ينتقل الى يده اليسرى ؛ لأن اليد أقرب الى مماثلة اليد من الرجل ، ولا ينتقل الى الرجل الا مع فقد اليدين معا ، واختاره العلامة في القواعد.
قال رحمهالله : ولو تاب بعد الإقرار ، قيل : يتحتم القطع ، وقيل : يتخير الإمام في الإقامة والعفو ، على رواية فيها ضعف.
أقول : تحتم الحد قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لثبوت القطع بالإقرار ، والأصل عدم سقوطه ، والتخيير مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وأبو العباس ، لرواية أبي عبد الله البرقي (١٠٠) ، وهي
__________________
(٩٩) في النسخ : سرقة.
(١٠٠) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١٨ من أبواب المقدمات ، حديث ٣.
مرسلة ، فلهذا قال المصنف : فيها ضعف.
قال رحمهالله : إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان ، قال في النهاية : يجب القطع ، وقال في الخلاف : إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا ، وإن كان دون ذلك فلا قطع ، والتوقف أحوط.
أقول : القطع مذهب الشيخ في النهاية ، وهو قول السيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة ؛ لأن موجب الحد ثابت ، وهو سرقة النصاب ، وقد صدر عن الجميع فيجب عليهم القطع ، وقال في الخلاف : لا قطع مع قصور نصيب كل واحد عن النصاب ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، وهو المعتمد لأصالة براءة الذمة ، ولعدم صدور الموجب عن كل واحد منهما ، بل الصادر عن كل واحد بعض السبب ، والبعض لا يقوم مقام الكل.
قال رحمهالله : ولو قامت الحجة بالسرقة ثمَّ مسكت حتى قطع ، ثمَّ شهدت عليه بأخرى ، قال في النهاية : قطعت رجله في الثانية ، استنادا إلى الرواية ، وتوقف بعض الأصحاب فيه ، وهو أولى.
أقول : الرواية إشارة الى ما رواه بكير بن أعين (١٠١) ، عن الباقر عليهالسلام ، وبمضمونها أفتى أبو الصلاح وابن بابويه والشيخ في النهاية ، وقال في المبسوط ؛ لا قطع في الشهادة (١٠٢) الثانية ، لعدم تأخر السرقة عن القطع الأول ، بل الكل سابق على القطع وان تأخرت البينة ، كما لو زنا وشرب مرارا ثمَّ قامت عليه البينة بالجميع ، فإنه يكفي حد واحد ، وبه قال ابن إدريس والمصنف وأبو العباس ، وهو المعتمد.
__________________
(١٠١) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٩ من أبواب حد السرقة ، حديث ١.
(١٠٢) في النسخ : بالشهادة.
في حد المحارب
قال رحمهالله : المحارب : كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ، ليلا أو نهارا ، في مصر وغيره ، وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد ، أصحه أنه لا يشترط مع العلم بقصد الإخافة.
أقول : منشأ التردد من اختلاف فتاوى الأصحاب ، قال في النهاية المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل الريبة أي الفساد ، ومثله قول المفيد ، وهو المشهور في عبارات الأصحاب ؛ لان من ليس من أهل الريبة أي الفساد لا يكون محاربا. ولم يشترط المصنف كونه من أهل الريبة ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (١٠٣).
قال رحمهالله : وفي ثبوت هذا الحكم للمجرّد مع ضعفه عن الإخافة تردد ، أشبهه الثبوت وتجرى بقصده.
أقول : منشؤه من عموم الآية (١٠٤) ، وصدق اسم المحارب عليه ؛ لأنهم
__________________
(١٠٣) المائدة : ٣٣.
(١٠٤) المائدة : ٣٣.
عرفوا المحارب بأنه من جرد السلاح لإخافة المسلمين ، فاذا حصل ذلك كان محاربا ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، ومن أنه إذا كان ضعيفا عن الإخافة لم يكن صالحا لها ، فلا فائدة في تجريده وقصده الإخافة مع ضعفه ، فيكون وجود فعله وعدمه سواء ، والمعتمد الأول لسلوكه طريق المحاربين ، فيجزى بقصده ونيته.
قال رحمهالله : وحد المحارب القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي ، وقد تردد فيه الأصحاب ، فقال المفيد رحمهالله بالتخيير ، وقال الشيخ أبو جعفر رحمهالله بالترتيب.
أقول : التخيير مذهب المفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ، لدلالة القرآن (١٠٥) عليه ، والترتيب المحكي في المتن للشيخ وابن البراج ، للروايات الدالة عليه ، كرواية عبد الله المدائني (١٠٦) عن الصادق عليهالسلام.
قال رحمهالله : أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص إلى الولي ، ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر.
أقول : أجمع الكل على تحتم قتل المحارب إذا قتل غيره طلبا للمال ، فان كان المقتول كفؤا قتل قصاصا ، وان عفى الولي أو كان المقتول غير كفوء قتل حدا ، هذا في صورة القتل بلا خلاف.
فلو لم يقتل بل جرح جرحا يوجب القصاص في غير المحاربة طلبا للمال ، هل يتحتم القصاص كما يتحتم القتل سواء عفى الولي أو لم يعف ، أو إذا عفى الولي
__________________
(١٠٥) المائدة : ٣٣.
(١٠٦) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ١ من أبواب حد المحارب ، حديث ٤ ، وفيه ( عبيد الله ) بدل ( عبد الله ).
سقط القصاص؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يتحتم القصاص وللولي العفو ، لأصالة جواز العفو ، وتحتم وجوبه في القتل لا يوجب تحتمه في الجرح ، واختاره المصنف وجزم به العلامة في القواعد ، وقال في المبسوط : يتحتم القصاص ، واختاره العلامة في المختلف ، قال : لنا أنه يتحتم القتل فكذا الجرح حسما لمادة الفساد ، ومجازاة له على فعله بمثله.
في حد المرتد
قال رحمهالله : وكم يستتاب؟ قيل : ثلاثة أيام ، وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ، والأول مروي ، وهو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره.
أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ، ثمَّ قوى الثاني ، وهو القدر الذي يمكن معه الرجوع ، قال : والأول أحوط ، وقوى فخر الدين ما قواه الشيخ ، وظاهر المصنف العمل على الأول ، والمعتمد مذهب فخر الدين ، لقوله عليهالسلام : « لا تأخير في حد » (١٠٧).
قال رحمهالله : إذا تكرر الارتداد ، قال الشيخ : يقتل في الرابعة ، قال : وروى أصحابنا يقتل في الثالثة.
أقول : المشهور أنه يقتل في الرابعة ، وهو المعتمد ، وأما الرواية المذكورة ، قال فخر الدين : هي رواية الشيخ عن يونس عن الكاظم عليهالسلام ، « قال : أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (١٠٨).
__________________
(١٠٧) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٥ من المقدمات ، حديث ١ ، ولم أعثر عليه بلفظه.
(١٠٨) المصدر السابق ، باب ٥ من المقدمات ، حديث ١.
قال رحمهالله : كل ما يتلفه المرتد على المسلم ، يضمنه في دار الحرب أو دار الإسلام ، حالة الحرب وبعد انقضائها ، وليس كذلك الحرب ، وربما خطر اللزوم في الموضعين لتساويهما في تسبب الغرم.
أقول : قال الشيخ : الحربي لا يضمن ما يتلفه على المسلم مطلقا ، أي سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء كان في حال الحرب أو في غيره ، لقوله عليهالسلام : « الإسلام يجب ما قبله » (١٠٩) ، وفصل فخر الدين ، قال : ان كان الإتلاف في حال الحرب سقط بالإسلام سواء كان نفسا أو مالا ، إذا لم تكن العين موجودة ، وان كان في غير حال الحرب ضمن النفس والمال ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وظاهر المصنف أن الحربي يضمن مطلقا كالمرتد ، لتساويهما في سبب الغرم ؛ لان السبب هو الإتلاف ظلما ، ولأن الكفار مخاطبون باتباع الشرائع ، واختاره العلامة في القواعد.
قال رحمهالله : لو زوج حربي بنته المسلمة لم يصح ، لقصور ولايته عن التسلط على المسلم ، ولو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد ، وأشبهه الجواز.
أقول : منشؤه من بقاء الملك ، وكل مالك بالغ عاقل له تزويج مملوكته ، ومن أن الكافر ليس له على المسلم سبيل مع كونه محجورا عليه ، فلا يصح إنكاحه لمماليكه ، وجزم به العلامة في القواعد ، واختار في التحرير مذهب المصنف ، ومذهب القواعد هو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قود ، ويسقط قتل الردة ، ولو عفى الولي قتل بالردة ، ولو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة ؛ لأنه لا عاقلة له على تردد.
أقول : منشؤه من أنه مرتد فلا يعقله المسلمون ؛ لأنه كافر ، ولا الكفار ؛
__________________
(١٠٩) المستدرك ، كتاب الصوم ، باب ١٥ من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث ٢.
لأنهم لا يرثونه ، فتكون الدية في ماله ، ومن أن ميراثه لوارثه المسلم ، فيكون دية الخطأ عليه ، وهو اختيار فخر الدين.
في إتيان البهائم
قال رحمهالله : وإن كان الأهم منها ظهرها لا لحمها ، كالخيل والبغال والحمير لم تذبح ، وأغرم الواطي ثمنها لصاحبها ، وأخرجت من بلد المواقعة ، وبيعت في غيره ، إما عبادة لا لعلة مفهومة لنا ، أو لئلا يعير بها صاحبها ، وما الذي يصنع بثمنها ، قال بعض الأصحاب : يتصدق به ، ولم أعرف المستند ، وقال آخرون : يعاد على المغترم ، وإن كان الواطي هو المالك دفع إليه ، وهو أشبه.
أقول : القول بالصدقة قول المفيد رحمهالله ، عقوبة للفاعل ورجاء لتكفير ذنبه ، والقول بالإعادة على المغترم قول الشيخ في النهاية ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة (١١٠) وفخر الدين لأصالة عدم وجوب الصدقة ولأنه (١١١) لما غرم ثمنها صارت ملكا له ، والمتولي لإخراجها وبيعها الحاكم.
قال رحمهالله : وقيل : لا يثبت إلا بالإقرار مرتين ، وهو غلط.
أقول : المشهور بين الأصحاب أن إتيان البهائم يثبت بشهادة رجلين
__________________
(١١٠) من « ن ».
(١١١) في الأصل : لأنه.
عدلين ، وبالإقرار ولو مرة واحدة ، وقال ابن إدريس : يثبت بالإقرار مرتين ، ويفهم منه عدم ثبوته بالإقرار مرة واحدة ، ولهذا غلطه المصنف ، والمعتمد : إن كانت الدابة له ثبت بالمرة الواحدة التعزير والإحراق إن كانت ماكولة وإخراجها وبيعها عليه في غير البلد إن كانت غير مأكولة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١١٢) وإن كانت لغير المقر ثبت التعزير بالإقرار ، سواء اتحد أو تعدد ، ولا يثبت الحيلولة بين مالكها وبينها إلا بالبينة دون الإقرار ، لعدم نفوذ إقرار العاقل على غيره.
__________________
(١١٢) الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب ٣ ، حديث ٢.
في الدفاع
قال رحمهالله : ولو قطع يده مقبلا ، ورجله مدبرا ، ثمَّ يده مقبلا ، ثمَّ سرى الجميع ، قال في المبسوط : عليه ثلث الدية إذا تراضيا ، وإن أراد الولي القصاص جاز بعد رد ثلثي الدية ، أما لو قطع يده ثمَّ رجله مقبلا ، ويده الأخرى مدبرا ، وسرى الجميع ، فان توافقا قبض الدية ، وإن طلب القصاص رد نصف الدية ، والفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد ، وليس كذلك في الأولى ، وفي الفرق عندي ضعف ، والأقرب أن الأولى كالثانية : لأن جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية ، كما لو قطع يده والآخر رجله ، ثمَّ قطع الأول يده الأخرى ، فمع السراية بهما هما سواء في القصاص والدية.
أقول : فرق الشيخ بين توالي الجرحين المباحين ، وبين تخلل الجراح المحرم بينهما ؛ لأنهما إذا تواليا كان كالجرح الواحد ، وإذا تخللهما المحرم كانا اثنين ، فتسقط الدية عليهما وعلى المحرم ، والمعتمد ما قاله المصنف ، وهو اختيار العلامة ، وقد ذكر المصنف وجهه.
قال رحمهالله : ومن به سلعة إذا أمر بقطعها فمات ، فلا دية له على القاطع ،
ولو كان مولى عليه فالدية على القاطع إن كان وليا ، كالأب والجد للأب ، وإن كان أجنبيا ففي القود تردد ، والأشبه الدية في ماله لا القود ؛ لأنه لم يقصد القتل.
أقول : يحتمل القود ؛ لأنه تعمد فعل ما يقتل غالبا ، فاتفق القتل كان عليه القود (١١٣) لعموم (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١١٤) والمعتمد اختيار المصنف.
__________________
(١١٣) كذا.
(١١٤) المائدة : ٤٥.