رجل ألفا ، وقال : لا اعلم مقدار مالك علي ، فإنه يقال له : إما أن تبين مقدار ماله والا جعلناك ناكلا ، ورددنا اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه ، فكذا هنا.
قال رحمهالله : ولو أقام كل منهما بينة حكم ببينة المشتري ، وفيه احتمال القضاء ببينته ، لأنه خارج.
أقول : إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ولا بينة ، كان القول قول المشتري ، لأن الشقص ينتزع من يده ، ومع وجود البينة لأحدهما فالحكم له.
ولو أقام كل منهما بينة لما ادعاه ، قال المصنف البينة بينة المشتري وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختيار العلامة في التحرير ، لأنه المدعي وهو داخل ، وقال بن إدريس : البينة بينة الشفيع ، لأنه الخارج ، واختاره العلامة في القواعد.
ومبنى المسألة على تقديم بينة الداخل والخارج وسيأتي (٢٤) إنشاء الله تعالى.
قال رحمهالله : قال في الخلاف : إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي ، قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار ، وفيه تردد ، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع ، ولعل الأول أشبه.
أقول : قد ذكر المصنف وجهي المسألة ، والأول اختيار الشيخ والمصنف والعلامة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٢٥) ، ولا يلزم من عدم قبول قوله في حق المشتري بطلان حق الشفيع لترتبه على البيع ، وقد اعترف به
__________________
(٢٤) ص ٢٥٩.
(٢٥) الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب ٣ ، حديث ٢.
من الشقص (٢٦) في يده فلا يسقط بإنكار غيره وهو المعتمد.
والثاني مذهب ابن إدريس ، لأن الشفعة إنما تثبت بعد ثبوت البيع ، والشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري دون البائع والبيع لم يحصل ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بوقوعه فكان المستحق الشفيع ببيع لم يثبت عند الحاكم ، والجواب البيع يثبت بالنسبة إلى الشريك بإقراره وعدم ثبوته بالنسبة إلى المشتري غير مانع من أخذ الشفيع.
قال رحمهالله : إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث ، وأقاما بينة : قال الشيخ : يقرع بينهما لتحقق التعارض.
أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط وقد ذكر المصنف وجهه ، والمعتمد تقديم بينة الشفيع ، لأنها ناقلة وتلك مقررة ، والناقلة أولى من المقررة ، وهو مذهب العلامة والمصنف (٢٧).
قال رحمهالله : ولو ادعى الشريك الإيداع قدمت بينة الشفيع ، لأن الإيداع لا ينافي الابتياع ، ولو شهدت بالابتياع مطلقا وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ متأخر ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالمالك ويكاتب المودع ، فان صدق قضى ببينته وسقطت الشفعة ، وإن أنكر قضى ببينة الشفيع.
أقول : إذا كانت الدار في يد رجلين نصفها لأحدهما والنصف الآخر لغائب فادعى مالك النصف على شريكه بالتصرف بالابتياع من المالك الغائب ، وأنه استحق الأخذ بالشفعة ، وأقام بذلك بينة ، وأنكر الشريك وادعى الإيداع وأقام
__________________
(٢٦) في الأصل والنسخ : النقص ، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصحيح.
(٢٧) هذه الكلمة من « ر ١ ».
بذلك بينة ، فان كانتا مطلقتين أو بينة الابتياع (٢٨) متأخرة التاريخ ، أو مقيدة بأن المالك باع ما هو ملكه ، ولم تقيد بينة الإيداع بأن المودع أودع ما هو ملكه ، قدمت بينة الشفيع لعدم المنافاة حينئذ بين الابتياع والإيداع ، فلا منافاة بين البينتين لاحتمال الابتياع بعد الإيداع ، أما لو تأخر تاريخ بينة الإيداع عن تاريخ بينة الابتياع (٢٩) ، وقيدت بأن المودع أودعه ما هو ملكه ، وأطلقت بينه الابتياع أي لم تقيد بأن البائع باع ما هو ملكه ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالملك ، ومراده : أنه لم يحصل التعارض بينهما ، لترجيح بينة الإيداع بتقييدها بذكر الملك دون بينة الابتياع ، ومع ترجيح إحدى البينتين على الأخرى فلا تعارض ويقضى بالراجحة ، وحكاه المصنف والعلامة عن الشيخ ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، وجزم به الشهيد وانما لم يجزم به المصنف والعلامة ، لاحتمال عدم الترجيح بذكر الملك ، لأن الإنسان إذا باع شيئا ولم يقل هو ملكي ، ثمَّ ادعى بعد البيع أنه ملك زيد لم يقبل منه في حق المشتري ، ويحكم الشارع عليه بأنه ملكه ، وإذا حكم الشارع على البائع بملكية ما باعه مع الإطلاق كحكمه عليه مع التقييد ، فلا ترجيح حينئذ بذكر الملك ، فالتعارض حينئذ حاصل كما لو قيدنا بالملك أو اتحد التاريخان ، ومع حصول التعارض يحكم بالقرعة أو التساقط.
__________________
(٢٨) في الأصل و « ن » : الابتياع.
(٢٩) في « ر ١ » : الإيداع.
كتاب احياء الموات
في الأرضين
قال رحمهالله : واما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو غير ذلك من موانع الانتفاع ، فهو للإمام عليهالسلام لا يملكه أحد وإن أحياه ، ما لم يأذن له الامام ، وإذنه شرط ، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ، ولا يملكه الكافر ، ولو قيل : يملكه مع إذن الامام عليهالسلام كان حسنا.
أقول : إذا أذن الإمام للذمي بإحياء الأرض الميتة ، هل يملكها الذمي بالاحياء حينئذ (١) كما يملكها المسلم مع الإذن بالاحياء؟ المشهور عند أصحابنا عدم الملك ، وهو مذهب الشافعي ، لقوله عليهالسلام : « موتان الأرض لله ولرسوله وهي لكم مني » (٢) وهو خطاب للمسلمين فيختص بهم ، واستحسن المصنف تملك الكافر بالاحياء مع إذن الامام ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو
__________________
(١) من « م » و « ر ١ ».
(٢) مستدرك الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ١ ، حديث ٢. وفي الأصل ( موتاة ) ، وما أثتبناه من المصدر و « م » و « ر ١ ».
مذهب أبي حنيفة ، ولعل وجهه أن الذمي له أهلية التملك فاذا سلطه المالك وهو الامام على ملكيته (٣) ملكه كغيره ، لعموم قوله عليهالسلام : « من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق » (٤).
والبحث انما هو مع إطلاق الإذن بالاحياء ولم يفهم منه ارادة التمليك ، اما لو علم منه ارادة التمليك فإنه يملك قطعا ، لأن الإمام عندنا لا يأمر بغير المشروع.
قال رحمهالله : الثاني : أن لا يكون حريما لعامر ، كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط ، وحد الطريق ـ لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة ـ خمسة أذرع ، وقيل : سبعة أذرع فالثاني يتباعد هذا المقدار ، وحريم الشرب بمقدار مطرح شرابه ، والمجاز على حافتيه ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم ، قضي به له مع يمينه ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، وفيه تردد ، وحريم البئر المعطن : أربعون ذراعا ، وبئر الناضح : ستون ، وللعين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، وقيل حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، والأول أشهر.
أقول : هنا مسائل :
الاولى : في حد الطريق المبتكر في الأرض المباحة ، فعند المصنف أنه خمسة أذرع واختاره العلامة في القواعد ، ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، وقال الشيخ في النهاية : إنه سبعة أذرع ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف وقواه في التحرير وهو مذهب فخر الدين ، والشهيد رحمهالله قال :والقول بالخمس ضعيف ، والمستند الروايات (٥).
__________________
(٣) في « ر ١ » و « ن » : ملكه.
(٤) مستدرك الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب ١ ، حديث ١.
(٥) الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب ١١ ، حديث ٥ و ٦ وكتاب الصلح ، باب ١٥ ، حديث ١ و ٢.
الثانية : إذا كان لشخص نهر في ملك غيره فادعى مالك النهر الحريم ، وادعاه مالك الأرض ، قال المصنف : يقضى به لمالك النهر ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، ثمَّ تردد المصنف في ذلك ومنشأ التردد من أن الحريم من جملة الأرض وهي لغير مالك النهر فيكون القول قول مالك الأرض ، ومن ان الحريم ملازم للنهر ، وثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم فيكون دعوى مالك النهر موافقة للظاهر ، فيكون القول قوله ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير.
الثالثة : في حريم بئر المعطن بكسر الطاء ، وهي التي يسقى منها الإبل ، أربعون ذراعا ، وحريم بئر الناضح ، وهي التي يسقى منها الزرع ـ والناضح اسم للجمل أو الثور الذي يجذب الدلو ـ ستون ذراعا ، وحريم العين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، هذا هو المشهور بين الأصحاب.
وقال ابن الجنيد : حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، واختاره العلامة في المختلف ، والأول هو المعتمد لورود الروايات (٦) الصحاح به.
قال رحمهالله : الثالث أن لا يسميه الشارع مشعرا للعبادة ، كعرفة ومنى والمشعر ، فإن الشرع دل على اختصاصها موطنا للعبادة ، فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة ، أما لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدي الى ضيقها عما يحتاج اليه المتعبدون كاليسير ، لم أمنع منه.
أقول : منع العلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد في الدروس من إحياء اليسير من هذه المواضع لتعلق حقوق الخلق كافة بها وهو المعتمد.
قال رحمهالله : الرابع : أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ولو كان مواتا خاليا من تحجير ، كما أقطع النبي صلىاللهعليهوآله الدور وأرضا بحضر موت ،
__________________
(٦) أما حريم المعطن والناضح ففي الوسائل ، إحياء الموات ، باب ١١ ، حديث ٥.
وأما حريم العين فالمصدر السابق ، حديث ٣.
وحضر فرس الزبير ، فإنه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة ، فلا يصح رفع هذا الاختصاص بالاحياء.
أقول : المراد بالدور هنا الدور التي أقطعها النبي صلىاللهعليهوآله بالمدينة ، واختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : أقطع الخراب الذي أرادوا أن يبنوا فيه دورا فسماه بما يئول اليه من العمارة ، وقال آخرون : كانت تلك الخراب من ديار عاد فسماها باسمها التي (٧) كانت عليه وكلاهما مجاز ، وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضر موت ، وأقطع الزبير حضر فرسه اى عدوها ، فأجراه حتى قام فرمى بسوطه فقال : أعطوه من حيث وقع السوط (٨) ، وهذا غير ملك بل يفيد اختصاصها (٩) كالتحجير.
__________________
(٧) في « م » و « ن » و « ر ١ » : باسرها.
(٨) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٤. وفي المصدر ( بغ ) وفي « ن » دفع بدل ( وقع ).
(٩) في « م » و « ن » و « ر ١ » : اختصاصا.
في كيفية الاحياء
قال رحمهالله : ومن فقهائنا الان من يسمى التحجير إحياء ، وهو بعيد.
أقول : المرجع في كيفية الاحياء وصفته الى العرف والعادة فكلما تعارفه الناس احياء ملك به وما لا فلا ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (١٠) ذكر ان الملك يحصل بالاحياء ولم يذكر كيفية ذلك ولا وصفه (١١) ، وكلما ورد به الشرع مطلقا ولا بد من تحديده فالمرجع فيه الى العرف ، وقد بين المصنف كيفية الاحياء والتحجير ( وذكر أن التحجير ) (١٢) لا يفيد ملكا بل أولوية ، والاحياء يفيد الملك ، ثمَّ ذكر عن بعض فقهاء زمانه (١٣) أنه يسمى التحجير احياء ، بمعنى انه يحصل معه (١٤) الملك ، ثمَّ استبعد ذلك ، والقائل المشار اليه هو شيخ المصنف نجيب الدين محمد بن نما. وحمله الشهيد على
__________________
(١٠) المستدرك ، كتاب إحياء الموات ، باب ١ ، حديث ١.
(١١) في « م » و « ر ١ » : صفته.
(١٢) ما بين القوسين من « م » و « ر ١ » و « ن ».
(١٣) في « ن » : فقهائنا.
(١٤) في « ن » : منه.
أرض ليس فيها استيجام (١٥) ولا ماء غالب وتسقيها العيون (١٦) غالبا ، فان ذلك قد (١٧) يعد احياء.
والمعتمد ان الرجوع في ذلك الى العرف كما هو مشهور (١٨) بين الأصحاب.
__________________
(١٥) من « ر ١ » وهو موافق للمصدر وهو الدروس ، ج ٣ ، ص ٥٦. وفي الباقي من النسخ : أشجار.
(١٦) في المصدر و « م » و « ن » و « ر ١ » : الغيوث.
(١٧) ليست في الأصل مع أنها في المصدر أيضا.
(١٨) في « ن » : المشهور.
في المنافع المشتركة
قال رحمهالله : وقيل : لو قام لتجديد الطهارة أو إزالة نجاسة أو ما أشبه ذلك ، لم يبطل حقه.
أقول : إذا سبق الى موضع من المسجد كان أحق ما دام في المسجد ، فاذا فارقه زال الاستحقاق سواء كانت المفارقة لعذر كتجديد الطهارة وإزالة النجاسة ، أو لغير عذر ، جزم به العلامة في القواعد والتحرير والشهيد في الدروس ، لزوال سبب الاستحقاق بالمفارقة. ونقل المصنف قولا بعدم زوال الاستحقاق إذا كانت المفارقة لعذر كتجديد وضوء أو ازالة نجاسة ، ووجهه أنه صار أحق به بسبب السبق والأصل بقاء الاستحقاق ، خرج منه زوال حقه إذا فارق لغير عذر لوقوع الإجماع فلا التفات ، يبقى الباقي على أصالة الاستحقاق ، والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو فارق لعذر ، قيل : هو أولى عند العود ، وفيه تردد ، ولعل الأقرب عدم الأولوية.
أقول : منشؤه من أن المفارقة لعذر غير مانع لاستحقاقه ، وإلا حصل
التضرر المنفي اما بفوات غرضه أو بفوات الاستحقاق ، وما منه التضرر فهو ممنوع بقوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا إضرار في الإسلام » (١٩) فلا يسقط الاستحقاق بالمفارقة لعذر ، ومن زوال سبب الاستحقاق وهو الكون في المدرسة والرباط ، لاستحقاقه بسبب الكون في ذلك الموضع ، فاذا فارقه زال السبب ، فيزول المسبب وهو المعتمد.
__________________
(١٩) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ١٢ ، حديث ٣ و ٤ و ٥ والفقيه ، كتاب الإرث ، باب ميراث أهل الملك ، حديث ٢.
في المعادن الظاهرة
قال رحمهالله : وفي جواز اقطاع السلطان للمعادن تردد ، وكذا في اختصاص المقطع بها.
أقول : منشؤه من عدم جواز الاختصاص بها فلا يجوز إقطاعها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو بناء على عدم اختصاص الامام بها ، والبحث هنا في المعادن الظاهرة. ومن قول المفيد وابن البراج باختصاص الامام بها ، فيجوز إقطاعها ، والمعتمد الأول.
قال رحمهالله : ولو تسابق اثنان فالسابق أولى ، ولو توافيا وأمكن أن يأخذ كل منهما نصيبه فلا مبحث والا أقرع بينهما مع التعاسر ، وقيل : يقسم ، وهو حسن.
أقول : إذا لم يكن الجمع بينهما احتمل القرعة لانحصار الحق فيها ، وعدم أولوية أحدهما على صاحبه. وقيل : يقسم ذلك الموجود بينهما لاشتراكهما في سبب الاستحقاق ، وهو إثبات اليد دفعة وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ومن فقهائنا من خص المعادن بالإمام عليهالسلام ، وهي
عنده من الأنفال فعلى هذا لا يملك ما ظهر منها وما بطن.
أقول : ذهب المفيد وابن البراج في المهذب الى أن جميع المعادن للإمام ، وذهب ابن إدريس الى أن ما كان في ملكه عليهالسلام ، كبطون الأودية ورءوس الجبال فهو له ، وما كان في أملاك المسلمين فهو لهم دونه ، وذهب الشيخ في المبسوط الى أن المعادن للمسلمين كافة ، والناس كلهم فيها سواء ، يأخذ كل واحد منهم قدر حاجته ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو حفرها لا للتملك بل للانتفاع ، فهو أحق بها مدة مقامه عليها ، وقيل : يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته ، ولو قيل : لا يجب ، كان حسنا.
أقول : أقسام الابار ثلاثة : ما يحفر في ملكه (٢٠) ، وما يحفر في الموات للتمليك ، وفي هذين القسمين يملك الحافر البئر وماءها ، وما يحفر في المباح لا للتمليك ، بل للانتفاع مدة إقامتهم عليها فهو أحق بها مدة الإقامة.
وهل يجب على الحافر بذل الفاضل عن قدر حاجته؟
قال الشيخ يجب ذلك لما رواه ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (٢١) ، وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « من منع فضل الماء ليمنع به الكلاء ، منعه الله فضل رحمته يوم القيامة » (٢٢) واستحسن المصنف رحمهالله عدم الوجوب ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، والشهيد ، لأن المباحات إن قلنا : لا يفتقر في ملكها (٢٣) إلى النية فقد ملك هنا الماء ، ولم يجب عليه بذل ما هو ملكه.
__________________
(٢٠) في « ن » و « م » و « ر ١ » : ملك.
(٢١) مستدرك الوسائل ، إحياء الموات ، باب ٤ ، حديث ٢.
(٢٢) المصدر ، باب ٦ ، حديث ٥.
(٢٣) في « م » و « ن » و « ر ١ » : تملكها.
وإن قلنا : إنها تفتقر إلى نية فيكون هذا كالتحجير يفيد أولوية ، فلا يجب بذل الفاضل منه ، ويجوز بيعه كيلا ووزنا ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله الاولى : ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح ، قال الشيخ : لا يملكه الحافر كما إذا جرى سئل إلى أرض مملوكة ، بل الحافر أولى بمائه من غيره ، لأن يده عليه ، فان كان فيه جماعة ، فان وسعهم التراضي فيه فلا بحث ، وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة الضياع ، ولو قيل : يقسم على قدر انصبابهم من النهر ، كان حسنا.
أقول : الأصل في الماء الإباحة لجميع الناس ، لقوله عليهالسلام : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (٢٤) ويملك بالاحراز في الإناء إجماعا ، وباستنباط بئر أو عين بقصد التملك ، فإنه يملك البئر والماء على المختار.
وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع من المبسوط : إذا ملك الإنسان البئر بالاحياء وخرج ماؤها ، فإنه أحق بها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، فان فضل بعد ذلك شيء وجب بذله بغير عوض للمحتاج اليه لشربه ، والمعتمد عدم الوجوب.
وإذا حفر نهرا في ملكه أو في الموات ، وحصل فيه من الماء المباح شيء ، هل يملكه مالك النهر وهو الحافر؟
قال الشيخ : لا يملك بل يكون أحق به من غيره ، لأنه لم يحدث على ملكه بل دخل فيه. والمعتمد أنه يملكه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه مباح قابل للتمليك (٢٥) ، وقد قبضه النهر المملوك فصار مملوكا ، كما لو كان نبعا من قعر النهر.
__________________
(٢٤) تقدم مصدره في هامش رقم ٢١.
(٢٥) في « م » : للتملك.
وعلى الحكم بالملك لا يصح لأحد التصرف فيه إلا مع الاذن صريحا أو عرفا ، كالوضوء (٢٦) منه والشرب والغسل وغسل الثوب ، ولو علم الكراهية لم يجز.
ولو كان النهر المملوك لجماعة كان ماؤه بينهم على قدر انصابهم من النهر على ما استحسنه المصنف ، والنصيب (٢٧) على قدر العمل باليد (٢٨) أو النفقة ، لأن ملك الماء تابع لملك النهر ، وملك النهر مستفاد من العمل أو النفقة على العمل فيكون النصيب على قدر ذلك.
فحينئذ إن كفى الجميع فلا بحث ، وإن قصر وتراضوا على القسمة بالمهاياة أو غيرها صح وان تعاسروا قسم الحاكم بينهم على قدر حقوقهم من النهر ، وتوضع خشبة صلبة أو حجر مشقوق الطرفين والوسط ، فيوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم (٢٩) الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم ، يخرج من كل ثقب إلى ساقية منفردة الى كل واحد منهم ، فاذا حصل الماء في ساقية انفرد به.
فان اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه ولاخر ثلثه وللثالث سدسه ، جعل فيه ستة ثقوب لصاحب النصف ثلاثة تصب في ساقية ، ولصاحب الثلث اثنان ، ولصاحب السدس واحد ، وعلى هذا فقس.
قال رحمهالله : لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ، لم يشارك السابقين ، وقسم له ما يفضل عن كفايتهم ، وفيه تردد.
أقول : قوله ( ولو أحيا أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ) أي الوادي
__________________
(٢٦) في « م » و « ن » و « ر ١ » : بالوضوء.
(٢٧) ليست في الأصل.
(٢٨) في « ن » : بالبذل.
(٢٩) في « ن » : مقدم.
المذكور في المسألة السابقة الذي لم يف مسيله (٣٠) بسقي ما عليه دفعة.
وهذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط محتجا بأن هذا الماء من مرافيق أرضهم وحقوقها ، وكانوا أحق به من غيرهم مع حاجتهم اليه فلا يقسم لهذا المحيى الا ما فضل عن حاجتهم ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير تردد.
وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه قد ملك الأرض بالإحياء فيكون له نصيب في الماء ، فعلى هذا لا خلاف في تقدمهم (٣١) عليه لسبقهم بالاحياء ، وكل من أحيا أولا كان حقه أسبق بالسقي. وإنما يبدأ بمن يلي الفوهة ، ثمَّ بمن يليه مع جهل السابق ، ولو علم سبق الأقصى وتأخر من يلي الفوهة قدم الأقصى بالسقي وتأخر المتأخر بالاحياء ، وهو الذي يلي الفوهة.
إذا عرفت هذا فهذا المحيي لا شك في تأخره ، فإن قلنا بالمشاركة سقي أخيرا ، ولا يجوز رد الماء إلى الأرض إلا بعد فراغه وإن احتاج الأول اليه ، وأن قلنا بعدم المشاركة كمذهب الشيخ والعلامة ، فإن فضل عن قدر حاجتهم شيء قسم له ، وان احتاج اليه الأول بعد سقي الأخير قدم الأول على هذا المحيي ، لعدم الفضل حينئذ فهذا معنى قولهم ( ويقسم له ما يفضل عن كفايتهم ).
__________________
(٣٠) ليست في الأصل.
(٣١) في « م » « ر ١ » : تقديمهم.