كالبيع ، وعلى ما لا يمنع من الرجوع ، كالهبة ، فهل ينزل على المانع من الرجوع ، أو يستفسر ويقبل تفسيره ، تنزيلا على أقل السببين (١)؟
ووجه الأول : أصالة بقاء الملك للمقرّ له.
قاعدة ـ ٢٧١
كل من أنكر حقا لغيره ، ثمَّ رجع إلى الإقرار ، قبل منه (٢).
ووقع الشك : فيما لو ادعى عليها زوجية ، فقالت : زوجني الولي بغير إذني وقد أبطلته ، ثمَّ رجعت إلى الإقرار (٣). أو : انقضت عدتي قبل الرجعة ، ثمَّ رجعت. وهنا أقوى في صحة الرجوع ، لأن الأصل عدم انقضاء المدة هنا ، والأصل هناك عدم النكاح.
قاعدة ـ ٢٧٢
كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل ، إلا : في الوصية.
وكل ذي قبول إذا مات بطل العقد ، إلا : في الوصية ، لأن وارثه يقوم مقامه ، على الأقرب (٤).
__________________
(١) في (ك) الشيئين.
(٢) انظر هذه القاعدة في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٤٩٥.
(٣) فقد قال الشافعي : لا يقبل إقرارها. وصحح الغزالي قبوله. انظر : نفس المصدر السابق.
(٤) انظر هذه القاعدة في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٣٠٥.
قاعدة ـ ٢٧٣
الغالب : في أن الوصية بما فيه نفع المعين يتوقف على قبوله ، إلا : إذا أوصى بعتق عبده وهو يخرج من الثلث ، أو بإبراء غريمه من دينه ، أو بقضاء دين فلان ، أو بفداء الأسير.
وفي الوصية للدابة بالعلف ، وجهان.
قواعد منها ما يتعلّق
بالإرث
الموروث : كل مال ، أو تابع للمال ، أو حق عقوبة.
ولا ينتقل النكاح وتوابعه ، لأن الزوج إنما ملك أن ينتفع ، ولم يملك المنفعة ، كما سبق (١). وكذا ما يرجع إلى الشهوة ، كخيار من أسلم على أزيد من أربع.
أما لو طلق إحدى زوجاته ، ومات ، فقيل (٢) : يعين الوارث. وهو بعيد.
وكذا لا ينتقل حق اللعان إلى وارث الزوج ، ولا إلى وارث الزوجة ، إلا في رواية (٣).
وكذا حق الرجوع في الهبة ، على الأقرب لا ينتقل ، إذ الموهوب غير موروث.
وفي الولاء ، وجهان : من حيث أنه كالنسب ، والنسب غير موروث. ولأنه لا ينتقل إلى جميع الورثة.
قاعدة ـ ٢٧٤
أسباب الإرث ثلاثة : النسب ، والنكاح ، والولاء. والمراد به مطلق كل واحد منها (٤).
__________________
(١) راجع : ١ ـ ٣٤٩ ، و ٢ ـ ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) قول للشافعية. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ١٠ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥٠٠.
(٣) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٥ ـ ٦٠٨ ، باب ٥ من أبواب اللعان ، حديث : ١ ، ٢.
(٤) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق ، للقرافي : ٤ ـ ١٩٤ ـ ١٩٨.
ووجه الحصر : أن الأمر المشترك بين جميع الأسباب التامة ، إما أن يمكن إبطاله ، أو لا ، والأول النكاح. وان لم يمكن إبطاله ، فاما أن يقتضي التوارث من الجانبين ، فهو القرابة ، أو من أحدهما ، وهو الولاء.
وإنما قلنا : إن المراد المطلق من كل واحد ، لأن أحد الأسباب : القرابة ، والأم لا ترث الثلث في حال والسدس في آخر بمطلق القرابة ، وإلا لثبت مثله في الابن والبنت ، لوجود مطلق القرابة فيهما ، وانما ترث بخصوص كونها أما ، ويردّ عليها في موضع (١) الرد بالقرابة. والبنت ترث النصف لا بالقرابة المطلقة ، بل بخصوص كونها بنا ، والرد عليها بالقرابة المطلقة. فلكل وارث سبب خاص كونها بنتا ، والرد عليها بالقرابة المطلقة. فلكل وارث سبب خاص مركب : من خصوصية البنت ـ مثلا ـ وعمومية القرابة. وكذلك الزوج ، ليس له النصف بمطلق النكاح ، وإلا لكان للزوجة النصف ، لوجود مطلق النكاح فيها ، بل بخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح.
فسببه أيضا مركب. وكذلك الزوجة.
فحينئذ : إن أريد بالأسباب : التامة ، فهي أكثر من ثلاثة ، لتعددها بحسب الوارث. وان أريد به (٢) : الناقصة ، فالخصوصيات كثيرة. فلهذا قلنا : المراد به المطلق.
قاعدة ـ ٢٧٥
الأصل في الميراث النسبي : التولد ، فمن ولد شخصا ترتب عليه
__________________
(١) في (أ) : مواضع.
(٢) كذا في جميع النسخ ، والصواب ـ على ما يبدو ـ : بها ، لعود الضمير إلى الأسباب.
طبقات الإرث.
وفي الميراث السببي : الأنعام بالعتق ، أو الضمان ، أو الولاية العامة.
والنسب مقدم ، لأنه أصل في (١) الوجود ، ثمَّ العتق ، لأنه أصل في وجود العتق (٢) لنفسه ، ثمَّ الضامن ، لأنه منعم خاص ، ثمَّ الإمام.
قاعدة ـ ٢٧٦
كل قاتل يمنع من الإرث ، ولا يمنع من يتصل به ، لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣) إلا في موضع واحد ، وهو : ما إذا قتل المعتق عتيقه ، وللمعتق ابن ، فإنه يحتمل هنا عدم إرثه ، لأن الابن لم يحصل له الولاء إلا بعد موت أبيه ، وأبوه قد زال ولاؤه ، فكيف يتوصل بزائل؟! ويحتمل ثبوته ، لأن قضية الولاء أن ينتقل عن الأقرب إلى الأبعد (٤) مع عدم الأقرب ، والمعتق هنا بحكم المعدوم.
ومثله : لو هرب المعتق ، وكان كافرا ، إلى دار الحرب ، فاسترق ، وله ولد عندنا ، ثمَّ مات المعتق (٥) ، فهل يرثه ولده ،
__________________
(١) زيادة من (ك).
(٢) في (أ) و (م) : العتيق.
(٣) الأنعام : ١٦٤ ، والإسراء : ١٥ ، وفاطر : ١٨ ، والزمر : ٧.
(٤) في (ح) زيادة : إلا.
(٥) في (أ) و (م) و (ح) : العتيق.
لأن المعتق في حكم المعدوم ، أو يكون لبيت المال؟ فيه الوجهان.
قاعدة ـ ٢٧٧
للإرث أسباب ، وموانع ، وشرائط ، قل من ذكرها ، وبالحدود يعرف ذلك ، كما قيل (١) : عند الاختلاف في الحقائق (تحكّم الحدود) (٢).
ولما كان السبب هو : الّذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم ، والشرط هو : الّذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، والمانع هو : الّذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم ، تبين أن للإرث أمورا هي شرائط له :
موت المورث ، وتقدم موته على موت الوارث ، ووجود الوارث حالة الموت وإن لم تحله الحياة ، بشرط انفصاله حيا وإن لم يكن مستقر الحياة ، والعلم بالقرب.
ويكفي في تقدم الموت : التقدير ، كما في الغرقى ، والمهدوم عليهم.
وألحق بعضهم (٣) : العلم بالدرجة التي اجتمعا فيها ، ليخرج ما إذا مات رجل من قريش لا يعلم له قريب ، فان ميراثه للإمام ، مع أن كل قرشي ابن عمه ، لفوات شرطه الّذي هو العلم بدرجته ، فما
__________________
(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٩٩.
(٢) في (ح) و (أ) : يحكم بالحدود ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.
(٣) هو القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٠.
من قرشي إلا وغيره يمكن أن يكون أقرب منه ، وتوريث جميعهم متعذّر ، فكان المال للأولى بالناس من أنفسهم (١).
قاعدة ـ ٢٧٨
يتصور دور الولاء في موضعين (٢) :
الأول : لو تزوج عبد بمعتقة ، فأولدها ابنا ، فاشترى عبدا ، فأعتقه ، فاشترى عتيق الابن أبا الابن ، وأعتقه ، ثبت له الولاء عليه ، وثبت له على ولده الولاء ، لانجرار الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، فكل من الابن وعتيقه مولى لصاحبه.
الثاني : إذا أعتق الذمي عبدا ، ثمَّ لحق المعتق بدار الحرب ، فاسترق ، ثمَّ أسلم العتيق ، وملك سيده بالشراء أو السبي أو غيرهما ، فأعتقه ، فالولاء دائر.
قاعدة ـ ٢٧٩
الإرث يكون من الجانبين ، وهو الأغلب ، حتى أنه لا يوجد في النسب عندنا إلا دائرا (٣) ، ما لم يحصل مانع كالكفر ، فإن المسلم
__________________
(١) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٤ ـ ١٩٨ ـ ٢٠١.
(٢) انظر هما في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٥٠٠ ـ ٥٠١.
(٣) خلافا للشافعية ، فقد ذكر السيوطي : أن (ابن الأخ يرث عمته ولا ترثه. وكذلك العم يرث ابنة أخيه ، وابن العم بنت عمه ، والجدة للأم ولد بنتها ، ولا عكس) الأشباه والنّظائر : ٥٠٠.
يرث الكافر ، من غير عكس :
أما باقي الأسباب ، فتدور تارة ، وتكون من أحد الجانبين أخرى :
أما الزوجان ، فيتوارثان في الدائم إجماعا (١) ، وأما في المتعة ، فبحسب الشرط.
وأما للعتق ، فالمنعم يرث العتيق دائما ، ولا ينعكس ، إلا في الولاء الدائر (٢). وابن بابويه (٣) جعل في ولاء العتق توارثا من الجانبين.
وأما ضمان الجريرة ، فإن دار ، الولاء والإرث ، وإلا فلا.
وأما إرث الإمام ، فهو غير دائر.
قاعدة ـ ٢٨٠
لا يرث أبعد مع أقرب إلا في مسألة : الأجداد وأولاد الإخوة ، فإنه لو كان له إخوة لأم ، وأجداد أدنون لأب ، وأجداد أعلون لأم ، فالظاهر أنهم يرثون ، لأنهم لا يزاحمون أقرباء الأب بحال. وكذا لو كان له أجداد لأم ، وأولاد أخ لأم ، وأجداد لأب ، وإخوة (٤) لأب ، أو إخوة لأب بغير أجداد لأب ، فإن الثلث يقتسمه الأجداد للأم وأولاد الأخ للأم ، والثلثان للإخوة للأب وللأجداد للأب إن كانوا ، وإلا فللإخوة (٥) للأب.
__________________
(١) زيادة من (ح).
(٢) الّذي تقدم في القاعدة السابقة.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٢٤ ، باب ١٥١.
(٤) في (ك) و (ح) : وأولاد إخوة.
(٥) في (ح) : فلأولاد الإخوة.
قاعدة ـ ٢٨١
لا يحجب الأبعد الأقرب إلا في مسألة (١) : ابن عم لأب وأم مع عم للأب ، فابن العم للأبوين أولى. ويتفرع عليه مسائل :
الأولى : اجتماعه مع الزوجين.
الثانية : تعدد ابن للعم.
الثالثة : تعدد العم للأب.
الرابعة : تعدّد هما.
والظاهر في الأربع أن الصورة بحالها.
الخامسة : بنت العم للأبوين مع العم للأب.
السادسة : ابن العم للأبوين مع العم للأب.
السابعة : بنت العم للأبوين مع العمة للأب.
الثامنة : أن يضاف إليهما خال أو خالة أو عمة.
والظاهر الرجوع إلى مراعاة القرب في كل هذه الصور.
التاسعة : أن يكون أحدهما خنثى.
العاشرة : أن يكونا خنثيين ويتحقق الإشكال. فهنا يحتمل تغير الصورة ، وهو الظاهر. ويحتمل أنه يفرض ذكرا ، فيحجب ، فيرث المال ، ويفرض أنثى ، فلا يكون له شيء ، فيأخذ النصف مع العم للأب. وعلى هذا.
ومما يمنع الأقرب فيه الأبعد : الأخ للأم ، فإنه يمنع ابن الأخ
__________________
(١) في (ح) زيادة : واحدة.
للأبوين ، عند أكثر الأصحاب (١). وقال ابن شاذان (٢) (٣) رحمهالله : للأخ من الأم السدس والباقي لابن الأخ ، محتجا باجتماع السببين.
وعورض : بأن الأخ للأب يمنع ابن الأخ للأبوين ، مع قيام السببين.
قاعدة ـ ٢٨٢
ضابط القرب والبعد : عدّ (٤) القرابة إلى الميت ، فمن كان أقل عددا ، فهو أقرب.
وقد تخلّف هذا : في أولاد الأولاد فنازلا مع الأبوين ، فإنهم يرثون ، مع أنهم يعدون في القرب إلى الميت بواسطة أو أكثر ، والأبوان (٥) يتقربان بأنفسهما.
والعمدة في ذلك ثلاثة أوجه :
الأول : أنه قول الأكثر من الأصحاب ، وربما كان إجماعا (٦).
__________________
(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٨٧.
(٢) هو أبو الحسن ، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي ، من أجلاء علماء الإمامية وفقهائهم. قرأ عليه الشيخ أبو الفتح الكراجكي بمكة سنة ٣١٢ ه. له كتاب : مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام. (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٣١٨).
(٣) انظر : الشيخ الصدوق ـ من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٤) في (م) : عدد.
(٥) في (ك) : والوالدان.
(٦) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٨٦.
الثاني : أن ولد الولد ولد حقيقة ، ولا اعتبار بالوسائط.
الثالث : الاخبار في ذلك : روى عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليهالسلام ، أنه قال : (ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرّجل أحد قام مقام الابن ، وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرّجل أحد قامت مقام البنت) (١). وهذا يشمل صورة النزاع.
وذهب الصدوق ابن بابويه (٢) رحمهالله إلى أن الأبوين يحجبانه ، عملا بالقاعدة. ولمفهوم خبر سعد بن أبي خلف : (أن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ، ولا وارث غيره) (٣) ، والوالدان وارث غيره ، فهو المراد هنا ، أو داخل في المراد.
وأجاب الشيخ (٤) هنا : بأن المراد بالغير هنا : ابن الميت ، الّذي هو والد لهذا الابن ، ويتقرب هذا الابن به. وتحقيقه : أن لفظ (وارث) نكرة موصوفة ، تصدق على أقل ممكن ، وهو صادق هنا ، فلا حاجة إلى غيره ، وحملها على العموم لا وجه له.
وفيه نظر ، لوقوع النكرة في سياق النفي ، فيعم.
والحق : الجواب بالإجماع ، فإنه سبق الصدوق ، وتأخر عنه.
ومثله : توريث الأجداد مع أولاد الأولاد ، عند الصدوق (٥) ، نظرا إلى المساواة في الرتبة ، فللجد مع بنات البنت السدس ، عملا
__________________
(١) الشيخ الطوسي ـ الاستبصار : ٤ ـ ١٦٧ ، باب ٩٩ ، حديث : ٦.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ١٩٦.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) الاستبصار : ٤ ـ ١٦٧.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٠٨.
بما رواه سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن الكاظم عليهالسلام : (في بنات بنت وجد : للجد السدس ، والباقي لبنات البنت) (١).
ورده الشيخ (٢) : بأنه قد ثبت قيام ولد الولد مقام الولد ، والولد يحجب الجد ، فكذا ما قام مقامه. والخبر ، قال فيه ابن فضال (٣) (٤) : (أجمعت العصابة على ترك العمل به).
ولو صح ربما حمل على الاستحباب (طعمة) (٥) ، إلا أن الطعمة) (٦) إنما هي من الأبوين.
__________________
(١) المصدر السابق : ٤ ـ ٢٠٥ ، باب ١٤٨ ، حديث ٥ (بلفظ : لبنات الأبنة) ، والشيخ الطوسي ـ الاستبصار ٤ ـ ١٦٤ ، باب ٩٧ ، حديث : ١٥.
(٢) الاستبصار : ٤ ـ ١٦٤.
(٣) هو أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، فقيه الشيعة بالكوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، كان يقول بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليهالسلام ، ولكنه لم يعثر على ما يشينه مع كثرة ما سمع عنه من الأخبار ، وقلّ ما روى عن ضعيف. ألف ما يناهز الثلاثين كتابا في علوم شتى. توفي سنة ٢٢٤ ، أو حدود ٢٥٠ ه (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٣٧٢. المامقاني ـ تنقيح المقال : ٢ ـ ٢٧٨ ـ ٢٧٩).
(٤) انظر : الاستبصار : ٤ ـ ١٦٤.
(٥) الطعمة : الرزق ، وجمعها : طعم ، مثل : غرفة وغرف. ومنه : (لا ميراث للجدات ، إنما هي طعمة). الطريحي ـ مجمع البحرين : ٦ ـ ١٠٦ ـ ١٠٧ ، مادة (طعم).
(٦) في (م) : الطعمة للأب ، إذ الطعمة.
قاعدة ـ ٢٨٣
الصحيح من العبادات والعقود قد ذكر رسمهما ، وكذا الفاسد منهما.
وتترتب على الفاسد أمور أخر شرعية :
منها : الضمان ، وهو تابع لأصله ، فكل ما يضمن صحيحة ، يضمن فاسدة ، ومالا ، فلا ، لأن المالك دخل على ذلك.
ومنها : الزوائد : فإنها للناقل ، لأنها تابعة للأصل. نعم يرجع المشتري في صورة الشراء الفاسد بما اغترمه ، وله ما زاد بعمله ، عينا كان أو صفة ، لعذرة بغروره ، إن كان البائع عالما ، وبتسليط الشرع إياه ، إن كان البائع جاهلا.
وفاسد للعقود الّذي يقصد فيها الأعمال ، كالإجارة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والقراض ، يثبت فيها أجرة المثل ، لأنه عمل محترم ، فلا يكون ضائعا ، وإلا لكان أكل مال بالباطل ، ويكون ذلك الشرط ، الّذي كان تابعا للصحة (١) ، لاغيا.
ولا يثبت في القراض ، والمساقاة ، قراض المثل ومساقاة المثل ، سواء كان سبب الفساد : القراض بالعروض ، أو الأجل أو للتضمين للعامل ، أو إبهام الحصة ، أو كونها بدين يقبضه من أجنبي ، أو على أنه لا يشتري إلا بالدين ، فاشترى بالنقد ، أو على أنه لا يشتري إلا سلعة معينة لما لا يكثر وجوده ، فاشترى غيرها ، أو على أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثمَّ يبيعه ويتجر بثمنه ، أو لا ، (٢) في المضاربة.
__________________
(١) في (ك) : للمصلحة.
(٢) أضاف القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ١٠٤ ، صورة تاسعة وهي : (أو على شرك في المال).
وسواء كان في المساقاة سبب الفساد : ظهور الثمرة ، أو شرط عمل المالك ، أو اجتماعها مع البيع ، أو مساقاة سنتين على جزءين مختلفين ، أو اختلفا فحلفا ، أو نكلا ، أو لا.
وبعض العامة (١) : يحكم في السبع (٢) التي في المضاربة ، والخمس التي في المساقاة (٣) ، بقراض المثل ومساقاة المثل ، وفيما عداها (٤) ، بأجرة المثل.
محتجا : بأن أسباب الفساد ، إذا تأكدت ، بطلت الحقيقة بالكلية ، فكان له الأجرة ، وإن لم تتأكد ، اعتبر بمثله في القراض والمساقاة.
وهو مطالب بأمرين : كون هذه الأسباب متأكدة ، وكون المتأكد مزيلا للحقيقة ، وغيره لا يزيلها.
قاعدة ـ ٢٨٤
لا يجوز أن يجمع لواحد بين العوض والمعوّض ، عندنا ، وإلا لكان أكل مال بالباطل ، إذ أكله بالحق ، أن يدفع عوضا ، ويأخذ معوّضا ، ليرتفع الضرر عن المتعاقدين ، وينتفع كل واحد بما بذل له.
__________________
(١) هو القاضي عياض ، نقله عن المدونة الكبرى في صور القراض. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٤.
(٢) في الفروق : تسع صور مستثناة ، لا سبع.
(٣) قال أبو طاهر ، من المالكية ، باستثناء هذه الصور الخمس في المساقاة. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٥.
(٤) في (ك) : عداهما.
وقد وقع الإجماع : على أنه لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والمثمن ، ولا للأجير المنفعة والأجرة ، ولا للزوج البضع والمهر ومنه : نسبة الأرش إلى الثمن مثل ما بين القيمتين ، إذ لو نسب إلى القيمة ، أدى في بعض الصور إلى الجمع بين العوض والمعوّض ، كما لو اشتراه بمائة ، فيقوم صحيحا بمائتين ، ومعيبا بمائة ، فإنا لو رجعنا بما بين القيمتين ، لرجع بمائة ، فيملك العوض والمعوض.
ومنه : من وجد عين ماله عند مفلس ، وقد جنى عليها ، فإنه يرجع بمثل الجناية من الثمن ، لا بالجناية نفسها ، حذرا من ذلك ، كما لو كان ثمنه مائة ، فقلعت (١) عينه ، وهي تساوي مائتين ، فإنه لو رجع بأرش الجناية ، لرجع بمائة ، بل يرجع بمثل نسبته ، فيرجع بخمسين.
وقد ذكر بعض العامة (٢) ، صورا ثلاثا مستثناة :
إحداها : الأجرة على الجهاد ، باستئجار القاعد المجاهد ، أو الجعالة له. وشرط بعضهم (٣) : أن يكون الأجير والمستأجر من ديوان واحد. ومنعه أكثرهم (٤) ، لأن المجاهد يحصل له ثواب الجهاد ، فلو أخذ عليه أجرة ، اجتمع العوض والمعوض.
والتحقيق فيه : أن هنا صورا أربعا :
الأولى : أن يتعين عليهما الجهاد ، باجتماع الشرائط فيهما ، والإجارة
__________________
(١) في (أ) : فتلفت.
(٢) هو القرافي في ـ الفروق : ٣ ـ ٢ ـ ٣.
(٣) هو مالك بن أنس. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٣.
(٤) منع من ذلك الشافعي وأبو حنيفة. انظر : نفس المصدر للسابق.
هنا ممتنعة :
الثانية : أن لا يتعين عليهما ، لاتصافهما بأحد الموانع ، والإجارة هنا جائزة.
قوله : للخارج ثواب الجهاد.
قلنا : إن أردت لأنه مجاهد عن نفسه ، فالتقدير أنه لم يتعين عليه ، وإن أردت لأنه مجاهد في الجملة ، فلا نسلم أن أصل ثواب الجهاد له ، وإن كانت الأضعاف له ، كأجير (١) الحج ، فلا يلزم اجتماع العوض والمعوّض.
الثالثة : أن لا يتعين على الأجير ويتعين (٢) على المستأجر ، والإجارة هنا باطلة ، لوجوب خروجه بنفسه ، إلا أن يستأجره ويخرج ، فيكون من قبيل الثاني.
الرابعة : أن (٣) يتعين على الأجير ولا يتعين على المستأجر ، والإجارة هنا باطلة ، لما ذكروه من العلة.
وأما التفصيل بالديوان ، فتحكم.
الثانية : عقد المسابقة ، يحصل بالعمل للعامل ثواب الاستعداد للقتال ، (أو الهداية لممارسة) (٤) النصال ، فكان ينبغي أن لا يأخذ عليه عوضا ، حذرا من اجتماع العوض والمعوض.
ولكنه لما لم يكن واجبا في نفسه ، وهو قابل للنيابة ، فإذا بذل أجنبي عوضا ، أو بذل من بيت المال ، كان الجعل في الحقيقة لعمل
__________________
(١) في (ح) و (م) : كأجر.
(٢) في (م) : ولا يتعين. والصواب ما أثبتناه.
(٣) في (م) : أن لا. والصواب ما أثبتناه.
(٤) في (ح) و (م) : والهداية بممارسة.
مصلحة من مصالح المسلمين ، فكأن المتسابقين مشغولان بالعمل للمسلمين ، فجاز أن يأخذا عليه عوضا. وكذا لو كان العوض منهما ، أو من أحدهما على ذلك (١) ، كان بذل المال في مقابلة تلك المصلحة ، لأن جلب الغنم ودفع الغرم ، يبعث العزم على ذلك ، فيكون أبلغ في نفع المسلمين من المباشرة من غير رهن.
الثالثة : الأجرة على الإمامة ، يلزم منها (٢) ذلك المحذور ، لأن الصلاة نفع له ، فلو أخذ عنها عوضا ، لاجتمع العوضان له.
وخرّجوها : على أن الأجرة بإزاء ملازمة المكان المعين ، وهو مغاير للصلاة (٣). ومنهم من اعتبر الأذان (٤) ، فيجعل الأجرة عليه خاصة ، لأنه غير لازم له ، فصحت الأجرة عليه.
وهذه الصور (٥) في الحقيقة غير مخالفة للقاعدة ، كما ترى ، ونحن نمنع الإجارة على الإمامة ، لأنه لا عمل زائدا على الصلاة الواجبة ، ولما ذكروه من اجتماع العوضين.
قاعدة ـ ٢٨٥
كل صلاة اختيارية تتعين فيها فاتحة الكتاب ، ولا تتم إلا بها ، إلا أن يسهو عنها ، فان كانت ركعة أو ركعتين ، فلا بدل لها ،
__________________
(١) زيادة من (م) و (أ).
(٢) في (ح) : فيها. وفي (م) : ها هنا.
(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢.
(٤) اعتبره بعض المالكية. انظر نفس المصدر السابق.
(٥) في (أ) و (م) : الصورة.
فرضا كان أو نفلا. وإن كانت أكثر من ذلك ، تخير في التسبيح في الزائد (١).
وابن أبي عقيل (٢) رحمهالله يرى في السنة : جواز القراءة في الركعة الثانية من حيث قطع في السورة التي قرأها مع الحمد في الركعة الأولى. وهو نادر.
ولا تتعين سورة من السور للقراءة ، إلا ما ذكره ابن بابويه (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، في الجمعة ، والمنافقين ، لظهرها وجمعتها. وينبغي أن يكون أولى بالتعيين ، كما قاله أبو الصلاح ، مع الخبر الصحيح ، عن أبي الحسن (٥) عليهالسلام ، بعدمه (٦).
ولا شيء من الفرائض يجزي فيه التبعيض عند من أوجب السورة (٧) ، إلا صلاة الآيات. وفي تعيين الحمد ثانيا في الركعة
__________________
(١) في (ح) و (أ) : الزوائد.
(٢) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٩٤.
(٣) المقنع : ٤٥ ، باب ٢٣ ، ومن لا يحضره الفقيه : ١ ـ ٢٦٨
(٤) الكافي : ٦٣.
(٥) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٤ ـ ٨١٧ ، باب ٧١ من أبواب القراءة في الصلاة ، حديث : ١ ، ٤.
(٦) في (ح) : بعدم تعينه.
(٧) المشهور لدى الإمامية وبعض الصحابة وجوب سورة بعد الحمد في الصلاة. انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ١ ـ ٤٢ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٩٠ ، وتذكرة الفقهاء : ١ ـ ١١٤ ، والنوويّ ـ المجموع : ٣ ـ ٣٨٨ ـ ٣٨٩.