مرتضى الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-066-x
الصفحات: ٣٣٦
الاعمال الصالحة :
وبعد هذا يأتي دور التاكيد على الحساب والمعاد ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر والاخلاق الحسنة ... حيث يقول عزوجل : ( يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير ) (١).
فان الله اللطيف الخبير المطلع على كل الموجودات ، صغيرها وكبيرها في جميع انحاء العالم ، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب ، في اليوم الموعود ، ولا يضيع شيء في هذا الحساب ، من الحسنات والسيئات ، حتى لو كانت بقدر حبة الخردل السوداء الصغيرة جدا.
والمرحلة الاخرى التي تطرق لها لقمان الحكيم بعد التوحيد والشرك والمعاد والحساب ، مسألة الصلاة ، والتي هي اساس كل الاعتقادات الدينية واهمها ، والتي هي عمود الدين ، حيث قال : والصلاة تنور القلب ، وتصفي الروح وتطهرها وتضيء الحياة ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
وبعد الصلاة يتطرق الحكيم الى اهم دستور اجتماعي ونظام عملي ، الا وهو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيأمر الحكيم ولده ويقول : ( وامر بالمعروف وانه عن المنكر ) اذا طبق هذا الحكم وعمل به تسعد الامة والبشرية جمعاء ، ويستتب الامن والصلاح.
وبعد ذلك يتطرق لقمان عليهالسلام الى مسألة ـ الصبر ـ والاستقامة ، والتي هي من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فيقول : ( واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور ).
__________________
١ ـ لقمان : ١٦.
من المسلّم انه توجد مشاكل وعقبات كثيرة في سائر الاعمال الاجتماعية والدينية ، وخاصة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واقامة الصلاة جماعة وفرادا ، ومن المسلم ايضا ان الطغاة والمتسلطين على رقاب الناس ، واصحاب المصالح ، لا يستسلمون بهذه السهولة ، بل يسعون الى ايذاء المؤمنين واتهامهم بانواع التهم ، ويزرعون في طريقهم الاشواك.
فهنا لا بد من الصبر والتحمل والاستقامة حتى نتمكن من اداء ما علينا من الواجبات.
السلوك الحسنة :
ثم ينتقل الحكيم الى المسائل الاخلاقية المرتبطة بالناس والنفس ، فيوصي عليهالسلام بالتواضع والبشاشة وعدم التكبر فيقول : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور ) (١).
« تُصَعّر » : من مادة ( صعر ) وهو في الاصل مرض يصيب البعير فيؤدي الى اعوجاج رقبته.
« والمرح » : يعني الغرور والبطر الناشئ من النعمة.
من وصايا لقمان في المشي يقول : ولا تمشي في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولا تبلغ الجبال طولا ، وان كل يوم ياتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم.
« والمختال » : من مادة « الخيال » و « الخيلاء » ، وتعني الشخص الذي يرى نفسه عظيما وكبيرا ، نتيجة سلسلة من التخيلات والاوهام.
__________________
١ ـ لقمان : ١٨.
و « الفخور » : من مادة « الفخر » ويعني الشخص الذي يفتخر على الآخرين. جدا وغير مرضيتين ، وهما اساس تضعيف الانسان وقطع روابطه الاجتماعية ، وهما : التكبر وعدم الاهتمام بالآخرين ، والغرور والعجب بالنفس ، ومن كانت به هذه الصفات يسقط الى الهاوية.
حيث قال الحكيم : يا بني اياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور ابليس في داره.
علما ان مثل هذه الصفات مرض نفسي واخلاقي يجب علاجه عند الحكماء ومحاربته ، ومحاربة كل مظاهر التكبر والغرور ، وعلى هذا نرى الحكيم لقمان يضع اصبعه على هذا الداء الخطير ويعطينا الدواء ويقول : ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير ) (١).
امرنا الحكيم الاعتدال في المشي ، كما اوصى برعاية الاعتدال في العمل والكلام وخفض الصوت ، والسبب في التاكيد على هذه الصفات المهمة ، لانها تعطي طابع عن شخصية الانسان واخلاقه ، وتنعكس على اعماله.
ففي حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من مشى على الارض اختيالا لعنته الارض ومن تحتها ومن فوقها » (٢).
وجاء في حديث عن الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام قال : « من علامات الفقه : العلم ، والحلم والصمت ، ان الصمت باب من ابواب الحكمة » (٣).
وهذا ليس بمعنى ان الانسان يجب ان يكون صامتا وساكتا دائما ، بل المراد ان يكون الكلام في محله ومختصرا ونافعا ، وقد جاء في روايات عديدة
__________________
١ ـ لقمان : ١٩.
٢ ـ ثواب الاعمال ، وامالي الصدوق.
٣ ـ الوسائل ص ٥٣٢.
على انه لا ينبغي للمؤمن ان يسكت في المواضع التي يلزم فيها الكلام ، وان الانبياء بعثوا بالكلام لا بالسكوت.
وان وسيلة الوصول الى الجنة والخلاص من النار هي الكلام في الموضع المناسب ، وما ينتفع منه الناس.
في آداب السفر :
يا بني : سافر بسيفك وخفك وعمامتك ، وخبائك وسقائك ، وخيوطك ومخرزك ، وتزود معك من الادوية ما تنفع به انت ومن معك ، وكن لاصحابك موافقا الا في معصية الله عزوجل.
يا بني : اذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم في امرك وامورهم ، واكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك بينهم ، واذا دعوك فاجبهم ، وذا استعانوك فاعنهم.
واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة او ماء او زاد.
واذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم.
واجهد رايك اذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد ، وتنام وتاكل وتصلي ، وانت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورته ، فان من لم يمحض النتيجة من استشارة سلبه الله رايه.
واذا رأيت اصحابك يمشون فامش معهم ، فاذا رايتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع لمن هو اكبر منك سنا.
واذا امروك بأمر ، وسالوك شيئا فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فان « لا » عي
ولؤم. (١)
يا بني : اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها الشيء ، صلها واسترح منها فانها دَين.
وصل في جماعة ولو على زج.
واذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس ، واذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها ، وسلم عليها وعلى اهلها ، فان لكل بقعة اهلا من الملائكة.
يا بني : اذا سافرت فلا تامن على دابتك فان ذلك سريع في ادبارها وليس ذلك فعل الحكماء الا ان تكون في محل يمكنك فيه التمدد ، واذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وسر ثم ابدا بعلفها قبل نفسك ، واياك والسفر في اول الليل. (٢)
اطيب شيء واخبث شيء :
يروى ان مولى لقمان ـ يوم كان عبدا ـ دعاه فقال له : اذبح شاة ، فاتني باطيب مضغتين منها ، فذبح شاة ، واتاه بالقلب واللسان.
وبعد عدة ايام امره ان يذبح شاة ، ويأتيه باخبث اعضائها ، فذبح شاة واتاه بالقلب واللسان ، فتعجب وسأله عن ذلك ، فقال :
ان القلب واللسان اذا طهرا فهما اطيب من كل شيء ، واذا خبثا كانا اخبث من كل شيء. (٣)
__________________
١ ـ البحار : ج ١٣ ص ٤٢٢.
٢ ـ قصص الانبياء : حياة لقمان.
٣ ـ تفسير البيضاوي والثعلبي.
في العلم والادب :
يا بني : جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة ، فان الصلاة احب الى الله من الصيام.
يا بني : ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عنى بالادب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه ادرك منفعته فاتخذه عادة ، فانك تخلف في سلفك وينتفع به من خَلفَكَ ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب.
واياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، واذا فاتك طلب العلم في مضانه فقد غلبت على الآخرة.
واجعل في لياليك وايامك وساعاتك نصيبا في طلب العلم ، فانك لن تجد له تضييعا اشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا ، ولا تماتين ظلوما ولا تصادقنه ، ولا تواخين فاسقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك (١).
يا بني لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء او ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة.
يا بني ، اختر المجالس على عينك ، فان رأيت قوما يذكرون الله فاجلس اليهم ، فانك ان تكن عالما ينفعك علمك ويزيدون علما ، وان تكن جاهلا يعلموك ، ولعل الله تعالى يظلهم برحمة فتعمك معهم (٢).
__________________
١ ـ امالي الصدوق : ص ٤٢.
٢ ـ قصص الانبياء : حكم لقمان.
قيل للعبد الصالح لقمان : اي الناس افضل :
قال : المؤمن الغني ، قيل الغني من المال؟ قال : لا ، ولكن الغني من العلم الذي ان احتيج اليه انتفع بعلمه ، فان استغنى عنه اكتفى.
وقيل : فاي الناس اشر؟ قال : الذي لا يبالي ان يراه الناس مسيئا (١).
يا بني : لا تخاصم في علم الله ، فان علم الله لا يدرك ولا يحصى.
يا بني : احسن الى من اساء اليك ، ولا تكثر من الدنيا فانك في غفلة منها ، وانظر الى ما تصير منها.
الخوف من الله :
يا بني : خف الله عزوجل خوفا لو اتيت القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك.
وارج الله رجاء لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك.
فقال له ابنه : يا ابت كيف اطيق هذا وانما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان:
يا بني : لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء ، لو وزنا لما رجح احدهما على الآخر بمثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله عزوجل ، ومن يصدق ما قال الله يفعل ما امره الله ، ومن يفعل ما امره الله لم يصدق ما قال الله ، فان هذه الاخلاق يشهد بعضها لبعض.
فمن يؤمن بالله ايمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ، ومن يعمل خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا. ومن اطاع الله خافه ، ومن خافه فقد احبه ، ومن احبه فقد اتبع امره ، ومن اتبع امره استوجب جنته ومرضاته ، ومن لم يتبع
__________________
١ ـ نفس المصدر.
رضوان الله تعالى فقد هان عليه سخطه ، نعوذ بالله من سخط الله (١).
يا بني : خف الله مخافة لا تيأس من رحمته ، وارجه رجاء لا تأمن من مكره.
يا بني : انْه النفس عن هواها ، فانك ان لم تنه النفس عن هواها لن تدخل الجنة ولن تراها ـ ويروى : انه نفسك عن هواها ، فان في هواها رداها (٢).
في الدنيا والآخرة :
يا بني : انك منذ سقطت الى الدنيا واستدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار انت اليها تسير اقرب اليك من دار وانت عنها مبتعد.
يا بني : لا تركن الى الدنيا ولا تشغل قلبك بها ، فما خلقك الله خلقا هو اهون عليه منها ، الا ترى انه يجعل نعيمها ثواب للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.
يا بني : ان تك في شك من الموت ، فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك ، وان كنت في شك من البعث فارفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك ، فانك اذا فكرت في هذا علمت ان نفسك بيد غيرك وانما النوم بمنزلة الموت ، وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت.
يا بني : لا تقترب فيكون ابعد لك ، ولا تبعد فتهان ، كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله.
لا تنشر (٣) بزّك الا عند باغيه ، وكما ليس بين الكبش والذئب خلة ، كذلك
__________________
١ ـ البحار : ج ١٣ ص ٤١٢.
٢ ـ البحار : ج ١٣ ص ٤٢٩.
٣ ـ اي لا تظهر متاعك الا عند طالبه.
ليس بين البار والفاجر خلة ، من يقترب من الزفت تعلق به بعضه ، كذلك من يشارك الفاجر يتعلق من طرفه.
من يحب المراء يشتم ، ومن يدخل مدخل السوء يتهم ، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم (١).
يا بني : ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فاكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها فتركتها ولم ترجع اليها آخر الدهر ، اخربها ولا تعمرها فانك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم انك ستسأل غدا اذا وقفت بين يدي الله عزوجل عن اربع : شبابك فيما ابليته ، وعمرك فيما افنيته ، ومالك مما اكتسبته وفيما انفقته ، فتأهب لذلك واعد له جوابا ولا تأس على ما فاتك من الدنيا ، فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه ، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه ، فخذ حذرك ، وجد في امرك ، واكشف الغطاء عن وجهك ، وتعرض لمعروف ربك ، وجدد التوبة في قلبك ، واكمش في فراقك قبل ان يقصد قصدك ، ويقضي قضاؤك ، ويحال بينك وبين ما تريد.
يا بني : خذ من الدنيا بلغة ولا تدخلن فيها دخولا فتضر فيها بآخرتك ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس.
يا بني : ان الدنيا قليل ، وعمرك فيها قليل من قليل ، وقد بقي قليل من قليل القليل (٢).
يا بني : ان الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الايمان ، وشراعها التوكل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ،
__________________
١ ـ تفسير الميزان : سورة لقمان.
٢ ـ قصص الانبياء وبحار الانوار : ج ١٣ حياة لقمان الحكيم.
وسكانها الصبر. (١)
يا بني : انك مدرج في اكفانك ومحل قبرك ، ومعاين عملك كله.
يا بني : كيف تسكن دار من اسخطته؟ ام كيف من قد عصيته؟.
يا بني : عليك بما يعنيك ، ودع عنك ما لا يعنيك ، فان القليل منها يكفيك ، والكثير لا يعنيك.
يا بني : انه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟
مصاحبة الناس :
يا بني : صاحب مائة ولا تعاد واحدا.
يا بني : انما هو خلافك وخلقك ، فخلافك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا تبغضن اليهم وتعلم محاسن الاخلاق.
يا بني : كن عبدا للاخيار ولا تكن ولدا للاشرار.
يا بني : اد الامانة تسلم دنياك وآخرتك ، وكن امينا فان الله لا يحب الخائنين.
يا بني : لا تر الناس انك تخشى الله وقلبك فاجر.
يا بني : ان الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له ، وانما انت عبد مستأجر قد امرت بعمل ووعدت عليه اجرا فاوف عملك واستوف اجرك.
يا بني : ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرعه : المماسحة ـ اي المصادقة واعلان الرضا عنه ـ ولا تزاوله بالمجانبة فيه ، فيبدو له ما في نفسك
__________________
١ ـ نفس المصدر.
فيتأهب لك.
يا بني : اني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم احمل شيئا اثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلها فلم اذق شيئا امر من الفقر.
يا بني : اتخذ الف صديق والالف قليل ، ولا تأخذ عدوا واحدا والواحد كثير.
يا بني : لا تامر الناس بالبر وتنسى نفسك فيكون مثلك مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه.
يا بني : اياك والكذب فانه يفسد دينك وينقص عند الناس مروءتك فعند ذلك يذهب حياؤك وبهاؤك وجاهك وتهان ، ولا يسمع منك اذا حدثت ، ولا تصدق اذا قلت : ولا خير في العيش اذا كان هكذا.
يا بني : اجعل معروفك في اهله ولا تضعه في غير اهله فتخسره في الدنيا وتحرم ثوابه في الآخرة.
يا بني : للحاسد ثلاث علامات :
يغتاب صاحبه ان غاب ، ويتملق اذا شهد ، ويشمت فيه بالمصيبة (١).
يا بني : واكتم سرك ، واحسن سريرتك ، فانك اذا فعلت ذلك امنت بسر الله ان يصيب عدوك منه عورة ، او يقدر منك على زلة ، ولا تامنن مكره فيصيب منك غرة (٢) في بعض حالاتك ، واذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة.
وليكن مما تتسلح به على عدوك اعلان الرضى عنه ، واستصغر الكثير في طلب المنفعة ، واستعظم الصغير في ركوب المضرة.
يا بني : لا تجالس الناس بغير طريقتهم ، ولا تحملن عليهم فوق طاقتهم ،
__________________
١ ـ قصص الانبياء.
٢ ـ الغرة : الغفلة.
فلا يزال جليسك عنك نافرا ، والمحمول عليه فوق طاقته مجانبا لك ، فاذا انت فرد لا صاحب لك يؤنسك ، ولا اخ لك يعضدك ، واذا بقيت وحيدا كنت مخذولا وصرت ذليلا ...
وليكن اخوانك واصحابك الذين تستخلصهم وتستعين بهم على امورك ، اهل المروءة والكفاف والثروة والعقل والعفاف ، الذين ان نفعتهم شكروك ، وان غبت عن جيرتهم ذكروك (١).
يا بني : الجار ثم الدار ، والرفيق ثم الطريق.
يا بني : الوحدة خير من صاحب السوء ، والصاحب الصالح خير من الوحدة ، ومن لا يكف لسانه يندم.
يا بني : شاور الكبير ولا تستحي من مشاورة الصغير.
يا بني : اياك ومصاحبة الفساق فانما هم كالكلاب ، ان وجدوا عندك شيئا اكلوه ، والا ذموك وفضحوك ، وانما حبهم بينهم ساعة.
يا بني : صاحب العلماء وجالسهم ، وزرهم في بيوتهم لعلك ان تشبههم فتكون منهم.
في سوء الخلق :
يا بني : اياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب ، والزم نفسك التؤدة (٢) في امورك وصبر على مؤنات الاخوان نفسك وحسن مع جميع الناس خلقك.
يا بني : ان عدمك ما تصل به قرابتك وتتفضل به على اخوانك فلا يعدمنك
__________________
١ ـ البحار : ج ١٣ ص ٤١٨.
٢ ـ التؤدة : الرزانة والسكون.
حسن الخلق ، وبسط البشر ، فان من احسن خلقه احبه الاخيار وجانبه الفجار.
واقنع بقسم الله ليصفو عيشك ، فان اردت ان تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في ايدي الناس فانما بلغ الانبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم.
يا بني : لا تعلق نفسك بالهموم ولا تشغل قلبك بالاحزان ، واياك والطمع ، وارض بالقضاء واقنع بما قسم الله لك.
يا بني : سيد اخلاق الحكمة دين الله تعالى ، ومثل الدين كمثل الشجرة الثابتة ، فالايمان بالله ماؤها ، والصلاة عروقها ، والزكاة جذعها ، والتآخي في الله شعبها ، والاخلاق الحسنة ورقها ، والخروج عن معاصي الله ثمرها ، ولا تكمل الشجرة الا بثمرة طيبة ، كذلك الدين لا يكمل الا بالخروج عن المحارم.
يا بني : لكل شيء علامة يعرف بها وان للدين ثلاث علامات : العفة ، والعلم ، والحلم. (١)
في الرزق :
يا بني : ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق ، ان الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة احوال من امره واتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة.
١ ـ واما اول ذلك : فكان في رحم امه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد.
٢ ـ ثم اخرجه من ذلك واجرى له رزقا من لبن امه يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة.
__________________
١ ـ قصص الراوندي : ص ١٩٦.
٣ ـ ثم فطم من ذلك فاجرى له رزقا من كسب ابويه ورافة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك ، حتى انهما يؤثرانه على انفسهما في احوال كثيرة.
حتى اذا كبر وعقل واكتسب وضاق به امره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله ، وقتر على نفسه وعياله مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلق من الله له في العاجل والآجل ! بئس العبد هذا يا بني. (١)
يا بني : واقنع بما قسم الله لك يصف عيشك وتسر نفسك وتستلذ حياتك ، وان اردت ان يجمع لك غنى الدنيا فاقطع طمعك عما في ايدي الناس ، فان ما بلغ الانبياء والصديقون ما بلغوا الا يقطع طمعهم عما في ايدي الناس.
يا بني : وكن مقتصدا ولا تكن مبذرا ، ولا تمسك المال تقتيرا ولا تعطه تبذيرا.
يا بني : اني قد ذقت الصبر وانواع المر فلم ار امر من الفقر ، فان افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ، ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم.
حكم ومواعظ :
وروي : ان مولاه دخل المخرج فاطال الجلوس ، فناداه لقمان : ان طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبر ، ويورث الباسور ، ويصعد الحرارة الى الرأس ، فاجلس هونا وقم هونا (٢).
وروي : انه قدم من سفر لقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل ابي؟ قال : مات ، قال : ملكت امري ، قال : ما فعلت امرأتي؟ قال ماتت ، قال اجدد فراشي ، قال : ما فعلت اختي؟ قال : ماتت ، قال : سترت عورتي ، قال : ما فعل اخي؟ قال :
__________________
١ ـ الخصال : ج ١ ص ٦٠ عنه البحار : قصص لقمان.
٢ ـ عرائس المجالس ص ٣١٣.
مات ، قال انقطع ظهري (١).
وقيل له : ما اقبح وجهك ، قال : تعيب على النقش او على فاعل النقش.
وقال لقمان : لان يضربك الحكيم ليؤذك ، خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب. (٢)
يا بني : تعلمت سبعة آلاف من الحكمة ، فاحفظ منها اربع وسر معي الى الجنة :
احكم سفينتك فان بحرك عميق ، وخفف حملك فان العقبة كؤد ، واكثر الزاد فان السفر بعيد ، واخلص العمل فان الناقد بصير.
يا بني : لا تحقرن من الامور صغارها ان الصغار غدا تصير كبارا. (٣)
يا بني : ولا تنامن على دابتك فان ذلك سريع في دبرها وليس ذلك فعل الحكماء ، الا ان تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح مادمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا. (٤)
يا بني : كما تنام كذلك تموت ، وكما تستيقظ كذلك تبعث.
يا بني : كذب من قال : ان الشر يطفأ بالشر ، فان كان صادقا فليوقد نارين ، هل تطفئ احداهما الاخرى؟ وانما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار (٥).
يا بني : كن امينا تعش غنيا.
__________________
١ ـ قصص الانبياء للجزائري.
٢ ـ عرائس المجالس ص ٣١٣.
٣ ـ قصص الانبياء للنيسابوري.
٤ ـ تفسير مجمع البيان : سورة لقمان.
٥ ـ تنبيه الخواطر ج ١ ص ٣٨.
يا بني : اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الارباح من غير بضاعة ، واذا اخطأت خطيئة فابعث في اثرها صدقة تطفئها.
يا بني : ان الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير.
يا بني : اذا دعتك القدرة الى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك (١).
يا بني : اتعظ بالناس قبل ان يتعظ الناس بك.
يا بني : املك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا.
اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك.
يا بني : لا تشتم الناس فتكون انت الذي شتمت ابويك.
يا بني : اقم الصلاة ، وامر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور.
يا بني : لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم.
يا بني : انه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير.
يا بني : اتق النظر الى ما لا تملكه ، واطل التفكر في ملكوت السماوات والارض والجبال وما خلق الله. فكفى بهذا واعظا لقلبك.
يا بني : لا تفشين سرك الى امرأتك ، ولا تجعل مجلسة على باب دارك.
يا بني : ان المرأة خلقت من ضلع اعوج ان اقمتها كسرتها ، وان تركتها تعوجت ، الزمهن البيوت فان احسن فاقبل احسانهن ، وان اسأن فاصبر ان ذلك من عزم الامور.
يا بني : لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة ، وتكلف ان ترده اليه.
__________________
١ ـ نفس المصدر : ص ٢٦.
العلائم الثلاث :
عن الصادق عليهالسلام قال : قال لقمان الحكيم لابنه :
يا بني : لكل شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها :
وان للدين ثلاث علامات : العلم ، والايمان ، والعمل به.
وللايمان ثلاث علامات : الايمان بالله ، وكتبه ، ورسله.
وللعالم ثلاث علامات : العلم بالله ، وبما يحب وما يكره.
وللعامل ثلاث علامات : الصلاة ، والصيام ، والزكاة وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ويقول ما لا يعلم ، ويتعاطى ما لا ينال.
وللظالم ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية : ومن دونه بالغلبة ، ويعين الظلمة.
وللمنافق ثلاث علامات : يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله ، وعلانيته سريرته.
وللآثم ثلاث علامات : يخون ، ويكذب ، ويخالف ما يقول.
وللمرائي ثلاث علامات : يكسل اذا كان وحده ، وينشط اذا كان الناس عنده ، ويتعرض في كل امر للمحمدة.
وللحاسد ثلاث علامات : يغتاب اذا غاب ، ويتملق اذا شهد ، ويشمت بالمعصية.
وللمسرف ثلاث علامات : يشتري ما ليس له ، ويلبس ما ليس له ، ويأكل ما ليس له.
وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرط ، ويفرط حتى يضيع ، ويضيع حتى يأثم.
وللغافل ثلاث علامات : السهو ، واللهو ، والنسيان.
وبعد ذلك قال الامام الصادق عليهالسلام : ولكل واحدة من هذه العلامات شعب يبلغ العلم بها اكثر من الف باب والف باب والف باب ، فكن طالبا للعلم في آناء الليل واطراف النهار ، فان اردت ان تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة. فاقطع الطمع مما في ايدي الناس ، وعد نفسك في الموتى ، ولا تحدث لنفسك انك فوق احد من الناس ، واخزن لسانك كما تخزن مالك (١).
التكبر والتجبر :
ومن اقوال لقمان الحكيم ونصائحه لولده ولنا ، فيقول :
يا بني : دع عنك التجبر والتكبر ، ودع عنك الفخر ، واعلم انك ساكن القبور.
يا بني : اياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور ابليس في داره.
يا بني : اعلم انه من جاور ابليس وقع في دار الهوان ، لا يموت فيها ولا يحيا.
يا بني : ويل لمن تجبر وتكبر ، كيف يتعظم من خلق من طين ، والى طين يعود ، ثم لا يدري الى ما يصير الى الجنة فقد فاز ، او الى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب.
ويروى : كيف يتجبر ويتكبر من قد جرى في مجرى البول مرتين.
يا بني : كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه؟ وكيف يغفل ولا يُغفل عنه.
يا بني : انه قد مات اصفياء الله عزوجل واحباؤه وانبياؤه صلوات الله عليهم ، فمن ذا بعدهم يخلد فيترك.
__________________
١ ـ الخصال : ج ١ ص ٦٠ عنه البحار : ج ١٣ ص ٤١٥.
يا بني : ولا تمشي في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا.
يا بني : ان كل يوم يأتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم.
رضا الناس غاية لا تدرك :
قال لقمان الحكيم عليهالسلام لولده في وصيته : يا بني لا تعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم ، فان ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته.
فطلب الولد من ابيه مثالا لذلك وفعلا يراه بنفسه ، فقال الاب لولده : اخرج انا وانت.
فخرجا ومعهما بهيمة ـ دابة ـ فركبها لقمان وترك ولده يمشي وراءه ، فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسي القلب ، قليل الرحمة ، يركب هو الدابة ، وهو اقوى من هذا الصبي ، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه ، وان هذا بئس التدبير.
فقال لولده : سمعت قولهم وانكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال : نعم ، فقال : اركب انت يا ولدي حتى امشي انا.
فركب ولده ومشى لقمان ، فاجتازوا على جماعة اخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد ، اما ابوه فانه ما ادب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه ، والوالد احق بالاحترام والركوب ، واما الولد فانه عق والده بهذه الحال ، فكلاهما اساءا في الفعال.
فقال لقمان لولده : سمعت؟ فقال نعم ، فقال : نركب معا الدابة.
فركبا معا فاجتازا على جماعة فقالوا : ما في قلب هذين الراكبين رحمة ، ولا عندهم من الله خير ، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق ،
لوكان قد ركب واحد ومشي واحد كان اصلح واجود.
فقال : سمعت؟ فقال : نعم ، فقال : هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا ، فساقا الدابة بين ايديهما وهما يمشيان ، فاجتازا على جماعة فقالوا :
هذا عجيب من هذين الشخصين ، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان : وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان.
فقال لوالده : ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت اليهم ، واشتغل برضى الله جل جلاله ، ففيه شغل شاغل ، وسعادة واقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال. (١)
__________________
١ ـ فتح الابواب مخطوط : ج ١٣ ص ٤٣٣.