الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: ٤٨٥
ـ كالسقمونيا ـ لا يجري فيه الربا (١).
وفي الزعفران عندهم وجهان :
أصحّهما : جريان الربا فيه ، لأنّ المقصود الأظهر منه الأكل تنعّما أو تداويا إلاّ أنّه يمزج بغيره.
والثاني : لا يجري ، لأنّه يقصد منه الصبغ واللون (٢) ، وهو قول القاضي أبي حامد (٣).
والطين الخراساني لا يعدّ مأكولا ، ويسفّه آكله ـ وإنّما يأكله قوم لعارض بهم ـ ولو كان مستطابا ، لاشتراك الكلّ في استطابته ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة : « لا تأكلي الطين فإنّه يصفّر اللون » (٤) ويجري آكل ذلك مجرى من يأكل التراب والخزف ، فإنّ من الممكن من يأكل ذلك ، فلا ربا فيه.
وعند بعضهم أنّه ربويّ (٥).
والأرمني دواء ، كالهليلج.
وفيه وجه آخر لهم : أنّه لا ربا فيه ، كسائر أنواع الطين (٦) ، وهو قول القاضي ابن كج (٧).
وأمّا دهن البنفسج والورد واللبان ففيه لهم وجهان ، أحدهما : ثبوت الربا ، لأنّها متّخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره ، وإنّما لا يؤكل في
__________________
(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٢) المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ـ ٧٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٤) كما في المغني ٤ : ١٣٩.
(٥) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٦) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
العادة ضنّا بها (١).
وفي دهن الكتّان وجهان عندهم ، أصحّهما : أنّه ليس بربويّ ، لأنّه لا يعدّ للأكل (٢).
وكذا دهن السمك ، لأنّه يعدّ للاستصباح وتدهين السّفن لا للأكل (٣).
وفي وجه : أنّه مال ربا ، لأنّه جزء من السمك (٤).
وفي حبّ الكتّان وجهان (٥) ، وكذا في ماء الورد (٦).
ولا ربا عندهم في العود والمصطكي (٧).
وأمّا الماء ففي صحّة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان ، فعلى الجديد فيه وجهان أيضا :
أصحّهما : أنّه ربويّ ، لأنّه مطعوم ، لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٨).
والثاني : لا ربا فيه ، لأنّه ليس مأكولا (٩).
__________________
(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ و ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٢) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٧٣.
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.
(٧) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.
(٨) البقرة : ٢٤٩.
(٩) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ـ ٧٤.
ولا ربا في الحيوان ، لأنّه لا يؤكل على هيئته ، وما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجه يجري فيه الربا (١).
والحقّ عندنا في ذلك كلّه ثبوت الربا في كلّ مكيل أو موزون ، سواء كان مأكولا أو لا. والسمك يوزن ، فيجري فيه الربا مطلقا.
مسألة ٧٧ : إذا بيع مال بمال فأقسامه ثلاثة :
الأوّل : أن لا يكون شيء منهما ربويّا.
الثاني : أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر.
الثالث : أن يكونا ربويّين.
فالأوّل لا يجب فيه رعاية التماثل قدرا ولا الحلول ولا التقابض في المجلس ، اتّحدا جنسا أو لا ، فيجوز بيع ثوب بثوبين ، وعبد بعبدين ، ودابّة بدابّتين ، وبيع ثوب بعبد وعبدين نقدا ونسيئة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل (٣).
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام وقد سأله منصور بن حازم عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به ما لم يكن فيه كيل ولا وزن » (٤).
وسأل منصور بن حازم الصادق عليهالسلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال :
__________________
(١) المجموع ٩ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.
(٢) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ـ ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.
(٣) سنن أبي داود ٣ : ٢٥٠ ، ٣٣٥٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ٦٩ ، ٢٦١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٦ ـ ٥٧.
(٤) التهذيب ٧ : ١١٨ ، ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، ٣٤٩.
« لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد » (١).
وعن الباقر عليهالسلام : « لا بأس بالثوب بالثوبين » (٢).
وقال أبو حنيفة : لا يجوز إسلاف الشيء في جنسه (٣). فلا يجوز بيع فرس بفرسين سلفا ولا نسيئة ، بل يجب التقابض في المجلس عنده ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، لأنّ النبي عليهالسلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (٤). ولأنّ الجنس أحد وصفي علّة تحريم التفاضل ، فيحرم فيه النساء ، كالوصف الآخر (٥).
وتحمل الرواية على النساء في الطرفين ، أو على أنّ النهي للتنزيه نهي كراهة لا نهي تحريم. والربا عندنا يثبت لا لعلّة ، بل للنصّ على ثبوته في كلّ مكيل أو موزون ، وإباحة التفاضل فيما عداهما ، على أنّه منقوض بإسلاف الدراهم في الحديد.
وقال مالك : يجوز إسلاف أحد الشيئين في مثله متساويا لا متفاضلا.
ولا يجوز بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمرا واحدا إمّا الذبح أو غيره ، لأنّ الغرض إذا كان بهما سواء ، كان بيع الواحد باثنين نسيئة ذريعة إلى الربا (٦).
__________________
(١) التهذيب ٧ : ١١٩ ، ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ ، ٣٥١.
(٢) التهذيب ٧ : ١١٩ ، ٥١٨.
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.
(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٥٠ ، ٣٣٥٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٣ ، ٢٢٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٨ ، ١٢٣٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ٢٤٧ ، ٦٨٤٧ ، و ٢٤٨ ، ٦٨٥١ ، و ٢٧٣ ، ٦٩٤٠.
(٥) المغني ٤ : ١٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٩.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٥.
ويبطل بقوله عليهالسلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (١).
الثاني : أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر ، كبيع ثوب بدراهم أو دنانير ، أو بيع حيوان بحنطة أو شعير. وحكمه كالأوّل ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر ـ وإن كان أزيد قيمة منه ـ نقدا ونسيئة ، للإجماع على السلف والنسيئة مع تغاير الثمن ـ الذي هو أحد النقدين ـ والمثمن ، إلاّ الصرف خاصّة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
الثالث كالأوّل عندنا ، للإجماع على إسلاف أحد النقدين في البرّ أو الشعير أو غيرهما من الربويّات والمكيلات ، والنسيئة أيضا ، وهو قول أبي حنيفة (٢).
وقال الشافعي : إن اختلفت العلّة فيهما ، كالذهب بالقوت ، فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ، فيجوز إسلاف أحد النقدين في البرّ ، أو بيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة.
وإن اتّفقت العلّة ، فإن اتّحد الجنس ، وجب فيه رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس ، كما لو باع الذهب بالذهب والبرّ بالبرّ ، وثبت فيه أنواع الربا الثلاثة ـ وعندنا لا يجب الثالث إلاّ في الصرف ـ وإن اختلف الجنس ، لم يجب التماثل ، بل الحلول والتقابض في المجلس ، لقوله عليهالسلام : « ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبرّ بالشعير والشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد » (٣) (٤).
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ٨٦ ، المغني ٤ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٧.
(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.
(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧ ـ ٤٨.
والجواب : يحتمل أن يكون التقييد باليد على سبيل الأولويّة ، أو في الصرف.
فروع :
أ ـ يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلا نسيئة ، لقول الصادق عليهالسلام : « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأمّا نظرة فلا يصلح » (١).
وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح » (٢).
ب ـ المصوغ من أحد النقدين لا يجوز بيعه بجنسه من التبر أو المضروب متفاضلا بل بوزنه وإن كان المصوغ أكثر قيمة. وكذا الصحيح والمكسّر لا يجوز التفاضل فيهما مع اتّحاد الجنس ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لما رواه عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال أبو الدرداء : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهى عن مثل هذا إلاّ مثلا بمثل ، فقال له معاوية : ما أرى بهذا بأسا ، قال أبو الدرداء : من يعذرني من هذا ، أخبره عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويخبرني عن رأيه ، والله لا ساكنتك بأرض أنت فيها ، ثمّ قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك ، فكتب عمر إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلاّ وزنا بوزن مثلا بمثل (٤).
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٩١ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٩٣ ، ٣٩٥.
(٢) التهذيب ٧ : ٩٣ ـ ٩٤ ، ٣٩٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.
(٤) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٤ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٣.
وقال مالك : يجوز أن يبيعه بقيمته من جنسه (١). وأنكر أصحابه ذلك ، ونفوه عنه (٢).
واحتجّ من أجازه : بأنّ الصنعة لها قيمة ، ولهذا لو أتلفه وجبت قيمته وإن زادت.
والجواب : لا نسلّم أنّ الصنعة تدخل في البيع وإن قوّمت على الغاصب. سلّمنا لكن لا نسلّم أنّه يقوّم بجنسه بل بغير جنسه.
ج ـ الفلوس يثبت الربا فيها عندنا ، لأنّها موزونة ، وبه قال أبو حنيفة (٣) ، وهو وجه ضعيف للشافعيّة ، لحصول معنى الثمنيّة (٤).
وفي الأظهر عندهم : انتفاء الربا ، لانتفاء الثمنيّة والطعم ، والوزن والكيل ليسا علة عندهم (٥) وقد تقدم بطلان التعليل.
د ـ يكره بيع أفراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل والوزن متفاضلا نسيئة ، لقول الباقر عليهالسلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس » (٦) وهو يدلّ بمفهومه على كراهيّة النسيئة فيه.
هـ ـ لا يشترط التقابض في المجلس مع اتّحاد الجنس واختلافه إلاّ في الصرف ـ وبه قال بعض الشافعيّة (٧) ـ لأنّهما عينان من غير جنس الأثمان ، فجاز التفرّق فيهما قبل القبض ، كالحديد. نعم ، يشترط الحلول
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.
(٢) المصادر في الهامش (١) ما عدا العزيز شرح الوجيز.
(٣) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.
(٤ و ٥) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.
(٦) الكافي ٥ : ١٩٠ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ ، ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ ، ٥١١ ، الإستبصار ٣ : ١٠٠ ، ٣٤٧.
(٧) روضة الطالبين ٣ : ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.
مع الاتّفاق جنسا.
وقال بعض الشافعيّة : إذا كانا ربويّين ، وجب فيهما القبض قبل التفرّق ، كالذهب والفضّة (١) ، لقوله عليهالسلام : « لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البرّ بالبرّ ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلاّ سواء بسواء عينا بعين يدا بيد » (٢).
والجواب : أنّه لا يدلّ على المنع مع عدم التقابض إلاّ من حيث المفهوم ، وهو ضعيف.
مسألة ٧٨ : لعلمائنا قولان في أنّ الحنطة والشعير هل هما جنس واحد أو جنسان؟
والأقوى عندي : الأوّل ـ وبه قال مالك والليث والحكم وحمّاد (٣) ـ لأنّ معمر بن عبد الله بعث غلاما له ومعه صاع من قمح ، فقال : اشتر شعيرا ، فجاءه بصاع وبعض صاع ، فقال له : ردّه ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلاّ مثلا بمثل ، وطعامنا يومئذ الشعير (٤).
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا يصلح الشعير بالحنطة إلاّ واحدا بواحد » (٥).
__________________
(١) روضة الطالبين ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.
(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ ، ١٥٨٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ ـ ٣٤ ، ١١٠٢١.
(٣) بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١١ ، المغني ٤ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩ ـ ١٥٠.
(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٤ ، ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ ، ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٣ ، المغني ٤ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٠.
(٥) الكافي ٥ : ١٨٩ ، ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٣٩٨.
وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل » وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلاّ شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : « لا ، إنّما أصلهما واحد » (١).
وعن الباقر عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا تبع الحنطة بالشعير إلاّ يدا بيد ، ولا تبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير » (٢).
ولأنّ أحدهما يغشّ بالآخر ، فهما كنوعي جنس واحد.
وقال بعض (٣) علمائنا : إنّهما جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد ونسيئة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لقوله عليهالسلام : « بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبرّ بالشعير ، والشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد » (٥).
ولأنّهما لا يشتركان في الاسم الخاصّ ، فكانا جنسين ، كالشعير والذرّة.
وأجابوا عن حديث معمر بأنّه أعمّ من هذا الحديث. والغشّ ينتقض بالفضّة ، فإنّه يغشّ بها الذهب.
والجواب : أنّ الراوي فهم تناول الطعام لصورة النزاع. وبالجملة فالتعويل على أحاديث الأئمّة عليهمالسلام. والاختصاص بالاسم لا يخرج الماهيّات عن التماثل ، كالحنطة والدقيق.
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٨٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٣٩٩.
(٢) التهذيب ٧ : ٩٥ ، ٤٠٨.
(٣) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٤.
(٤) الامّ ٣ : ٣١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، المحلّى ٨ : ٤٩٢ ، المغني ٤ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩.
(٥) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ ـ ٣٤ ، ١١٠٢١.
مسألة ٧٩ : ثمرة النخل كلّها جنس واحد ، كالبرنيّ والمعقلي والآزاد والدقل وإن كان رديئا في الغاية لا يجوز التفاضل فيه نقدا ولا نسيئة ، فلا يباع مدّ من البرنيّ بمدّين من الدقل وكذا البواقي لا نقدا ولا نسيئة ، وكذا ثمرة الكرم كلّها جنس واحد ، كالأسود والأبيض والطيّان والرازقي ، لقول الصادق عليهالسلام : « لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل ، والتمر مثل ذلك » (١).
وكان عليّ عليهالسلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر (٢).
وفي حديث آخر ذلك وزيادة : « ولم يكن عليهالسلام يكره الحلال » (٣).
وسئل عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلاّ أن تصرفه نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنان بواحد وأكثر » (٤) وإطلاق التمر يدلّ على اتّحاده حقيقة.
وقال الباقر عليهالسلام : « يكره وسق من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأنّ تمر المدينة أجودهما » (٥).
تذنيب : الطلع كالثمرة في الاتّفاق وإن اختلفت أصولهما ، وطلع الفحل كطلع الإناث.
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٨٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٣٩٩.
(٢) الكافي ٥ : ١٨٨ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ٩٤ ، ٤٠٠ ، و ٩٧ ، ٤١٣.
(٣) الكافي ٥ : ١٨٨ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ ـ ٩٧ ، ٤١٢ ، وصدر الحديث فيهما هكذا :
كان عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر.
(٤) الفقيه ٣ : ١٧٨ ، ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ ، ٤٠٦.
(٥) الفقيه ٣ : ١٧٨ ، ٨٠٥ ، التهذيب ٧ : ٩٥ ـ ٩٦ ، ٤٠٨.
مسألة ٨٠ : اللحوم أجناس مختلفة باختلاف أصولها ، فلحم الغنم ضأنه وما عزه جنس واحد ، ولحم البقر جاموسها وعرابها جنس واحد مغاير للأوّل ، ولحم الإبل عرابها وبخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّلين ، وكذا باقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع ـ وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال المزني وأبو حنيفة وأحمد في رواية (١) ـ لأنّها فروع أصول مختلفة هي أجناس متعدّدة ، وكانت أجناسا كاصولها ، كما في الأدقّة والخلول. ولأنّها متفاوتة في المنافع ومتخالفة في الأغراض والغايات ، فأشبهت المختلفات جنسا.
وللشافعي قول آخر : إنّها جنس واحد ، فلحم البقر والغنم والإبل والسموك والطيور والوحوش كلّها جنس واحد ـ وهو رواية عن أحمد أيضا ـ لأنّها اشتركت في الاسم في حال حدوث الربا فيها الذي لا يقع بعده التمييز إلاّ بالإضافة ، فكانت جنسا واحدا ، كأنواع الرطب والعنب ، وتخالف الثمار المختلفة بالحقيقة ، فإنّها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنّها امتازت بأساميها الخاصّة (٢).
والجواب : المنع من الاشتراك في الاسم الخاصّ ، وليس إطلاق لفظ اللحم عليها إلاّ كإطلاق الحيوان والجسم عليها.
وقال مالك : اللّحمان (٣) ثلاثة أصناف : الإنسي والوحشي صنف واحد ،
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٥.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.
(٣) اللحمان : جمع لحم. لسان العرب ١٢ : ٥٣٥ « لحم ».
والطير صنف ، ولحوم ذوات الماء صنف واحد ـ وهو رواية أخرى عن أحمد إلاّ أنّه جعل الوحشي صنفا آخر ـ لأنّ لحم الطير لا تختلف المنفعة به ، ولا يختلف القصد في أكله (١).
والجواب : يبطل بلحم الإبل ولحم الغنم ، فإنّها تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها.
فروع :
أ ـ الوحشيّ من كلّ جنس مخالف لأهليّة ، فالبقر الأهلي مع البقر الوحشيّ جنسان مختلفان ، والغنم الأهليّة والغنم الوحشيّة ـ وهي الظباء ـ جنسان ، والحمر الوحشيّة والأهليّة جنسان أيضا عندنا ، وبه قال الشافعي في أصحّ القولين وأحمد (٢) ، خلافا لمالك (٣) ، وقد سبق.
ب ـ لحم السمك مخالف لباقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع ، وهو أصحّ قولي الشافعي وأحمد في رواية (٤).
وللشافعي قول : إنّ اللّحمان كلّها صنف واحد (٥) ، فعلى هذا القول في السمك عنده قولان :
أحدهما : أنّ لحومها ولحوم باقي الحيوانات البرّيّة جنس واحد ،
__________________
(١) بداية المجتهد ٢ : ١٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ ـ ١٥٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.
(٣) انظر : المصادر في الهامش (١).
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، وانظر : المغني ٤ : ١٥٥ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٤.
(٥) انظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ١٥١.
لشمول الاسم لها ، قال الله تعالى ( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (١) (٢).
والجواب : أنّه كشمول الثمار للتمر والتفّاح.
والثاني : أنّ الحيتان مخالفة لباقي اللحوم ، لأنّ لها اسما خاصّا ، ولهذا لو حلف لا يأكل اللحم ، لم يحنث بلحوم الحيتان. ولأنّه لا يسمّى لحما عند الإطلاق ، ولهذا لا يضاف اللحم إلى اسمه فيقال : لحم السمك ، كما يقال : لحم الإبل (٣).
ج ـ لحم السمك هل هو جنس واحد أو أجناس؟ الأقوى : الأوّل ، لشمول اسم السمك للكلّ ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة.
ويحتمل أن يكون أجناسا متعدّدة ، فكلّ ما اختصّ باسم وصفة كان جنسا مخالفا لما غايره ممّا اختصّ باسم آخر وصفة أخرى ، فالشبّوط والقطّان والبني أجناس مختلفة ، وكذا ما عداها.
د ـ الأقوى في الحمام ـ وهو ما عبّ وهدر ، أو كان مطوّقا على اختلاف التفسير ـ أنّه جنس واحد ، فلحم القماري والدباسي والفواخت جنس واحد ، لشمول اسم الحمام لها ، وتقاربها في المنافع.
ويحتمل تعدّدها بتعدّد ما يضاف إليه.
أمّا الحمام مع غيره من الطيور كالعصافير والدجج فأولى بالتغاير.
هـ ـ الجراد جنس بانفراده مغاير لسائر اللحوم البرّيّة والبحريّة ، وهو ظاهر عند علمائنا حيث أوجبوا اختلاف اللحوم باختلاف أصولها ، وهو
__________________
(١) فاطر : ١٢.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥.
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥.
أصحّ قولي الشافعي (١). وفي قول آخر للشافعي : إنّه من جنس اللحوم ، فحينئذ هل هو من البرّيّة أو البحريّة؟ وجهان (٢).
و ـ أعضاء الحيوان الواحد كلّها جنس واحد مع لحمه ، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة ، والأحمر والأبيض واحد ، وكذا الشحوم كلّها بعضها مع بعض ومع اللحم جنس واحد ، لأنّ أصلها واحد ، وتدخل تحت اسمه.
وللشافعيّة في ذلك طريقان :
الأشهر عندهم أن يقال : إن جعلنا اللحوم أجناسا ، فهذه أولى ، لاختلاف أسمائها وصفاتها ، وإن قلنا : إنّها جنس واحد ، ففيها وجهان ، لأنّ من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل هذه الأشياء على الصحيح.
والثاني عن القفّال أن يقال : إن جعلنا اللحوم جنسا واحدا ، فهذه مجانسة لها ، وإن جعلناها أجناسا ، فوجهان ، لاتّحاد الحيوان ، فأشبه لحم الظهر مع شحمه (٣).
وكذا المخ جنس آخر عندهم. والجلد جنس آخر. وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان. وسنام البعير معهما جنس آخر ، أمّا الرأس والأكارع فمن جنس اللحم (٤).
والكلّ عندنا باطل ، فإنّ الحقّ تساوي هذه الأشياء. والتعلّق بالحنث أو بعدمه غير مفيد ، فإنّ اليمين يتبع الاسم وإن كانت الحقيقة واحدة ، كما لو حلف أن لا يأكل خبزا ، فأكل دقيقا ، لم يحنث وإن كان واحدا.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.
تنبيه : كلّ ما حكمنا فيه باختلاف الجنس وتغايره ، فإنّه يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا نقدا ونسيئة إلاّ الصرف ، فلا يجوز النسيئة فيه ، وكلّ ما حكمنا فيه بالتماثل فإنّه لا يجوز التفاضل فيه.
مسألة ٨١ : المشهور المنع من بيع اللحم بحيوان من جنسه ـ وبه قال الفقهاء السبعة (١) ومالك والشافعي وأحمد (٢) ـ لما رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان (٣). ومراسيل ابن المسيّب حجّة عندهم (٤).
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كره اللحم بالحيوان » (٥).
ولأنّه نوع في الربا بيع بأصله الذي هو منه فلم يجز ، كما لو باع
__________________
(١) وهم : سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمّد وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار. وفي السابع ثلاثة أقوال ، فقيل : سالم بن عبد الله بن عمر. وقيل : أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. انظر : تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٢ ، ١٤٠ ، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال ٢٠ : ١٨.
(٢) المغني ٤ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.
(٣) الموطّأ ٢ : ٦٥٥ ، ٦٤ ، المراسيل ـ لأبي داود ـ : ١٣٣ ، ١٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٣٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧١ ، ٢٦٦.
(٤) انظر : مختصر المزني : ٧٨ ، والجرح والتعديل ٤ : ٦١ ، والكفاية ـ للخطيب البغدادي ـ : ٤٠٤ ، واللمع : ١٥٩ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والمجموع ( المقدّمة ) ١ : ٦٠ و ٦١ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٢١.
(٥) الكافي ٥ : ١٩١ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ، ١٩٤ ، و ١٢٠ ، ٥٢٥.
الشيرج (١) بالسمسم من غير اعتبار.
والأقرب عندي : الجواز على كراهيّة ، للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا ، لفقد شرطه ، وهو التقدير بالكيل أو الوزن ، المنفي في الحيوان الحيّ. وأمّا الكراهيّة : فللاختلاف.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والمزني بالجواز ، لأنّه باع ما فيه الربا بما لا ربا فيه فجاز ، كما لو باع الحيوان بالدراهم (٢).
وقال محمّد بن الحسن : يجوز على اعتبار اللحم في الحيوان ، فإن كان دون اللحم الذي في مقابلته ، جاز (٣).
فروع :
أ ـ الممنوع إنّما هو بيع لحم الحيوان بجنسه ، أمّا بغير جنسه ـ كلحم الشاة بالإبل ـ فإنّه يجوز ، لجواز بيع لحم أحدهما بلحم الآخر فبالآخر حيّا أولى.
أمّا الشافعيّة : ففي كون اللحوم كلّها جنسا واحدا أو أجناسا (٤) متعدّدة عندهم قولان ، فإن قالوا بالوحدة ، لم يجز بيع لحم الشاة بالإبل الحيّة ، ولا لحم البقر بالشاة الحيّة وكذا البواقي. وإن قالوا باختلاف ، فقولان :
__________________
(١) الشيرج : دهن السمسم. تاج العروس ٢ : ٦٤ « شرج ».
(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ ، ١١١٨ ، المغني ٤ : ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، مختصر المزني : ٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.
(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ ، ١١١٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧.
(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « جنس واحد أو أجناس » بالرفع.
أحدهما : المنع ، لأنّ أبا بكر منع من بيع العناق بلحم الجزور (١).
والجواب : أنّ فعل أبي بكر وقوله ليس حجّة.
والثاني (٢) : الجواز ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّه يجوز بيعه بلحمه فجواز بيعه به أولى (٣).
ب ـ يجوز بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالآدمي والسبع وغيرهما ، عندنا ، لجواز بيعه بجنسه فبغيره حيّا أولى. ولأنّ سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ، وهو منفيّ هنا ، وبه قال مالك وأحمد ، لأنّ الحيوان لا ربا فيه جملة فجاز بيعه بما فيه الربا (٤).
وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، والثاني : المنع ـ وهو اختيار القفّال ـ لعموم السنّة (٥). وهو ممنوع.
ج ـ يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة ، ولحم السمك بالحيوان الحيّ عندنا ، لما تقدّم.
وعند الشافعي قولان ، أحدهما : أنّ لحم السمك إن كان من جملة اللحم ، كان كما لو باع لحم غنم ببقر. وإن كان ليس من جملة اللّحمان ،
__________________
(١) رواه الشافعي في مختصر المزني : ٧٨ ، وأورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢٨٤ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، وكذلك ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٦٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٩.
(٢) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك » هكذا : وإن قالوا بالتعدّد والثاني. وجملة « وإن قالوا بالتعدّد » زائدة ، حيث ذكرها المصنّف قدسسره آنفا بقوله : وإن قالوا بالاختلاف.
(٣) الوسيط ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩.
(٤) التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥.
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.
فقولان ، لوقوع اسم اللحم والحيوان عليه. والثاني : الجواز (١).
د ـ يجوز بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان عندنا ـ وللشافعيّة وجهان (٢) ـ وكذا السنام بالإبل ، للنهي عن بيع اللحم بالحيوان ، ولم يرد في غيره.
وأصحّهما عندهم : المنع ، لأنّه في معنى اللحم.
وكذا الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا [ وإن كان مدبوغا ] (٣) فلا منع. وعلى الوجهين أيضا بيع لحم السمك بالشاة (٤).
هـ ـ يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية من البيض ، أو بدجاجة فيها بيضة ، أو ببيضة لا غير ، لوجود المقتضي ، وهو عموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥) السالم عن معارضة الربا ، لانتفاء شرطه ، وهو الكيل أو الوزن هنا.
ومنع الشافعيّة من بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة قولا واحدا ، لأنّ ذلك بمنزلة بيع اللبن بالحيوان اللبون (٦). وسيأتي.
مسألة ٨٢ : الألبان تابعة لأصولها تختلف باختلافها وتتّفق باتّفاقها ، فلبن الغنم ضأنه ومعزه (٧) جنس ، ولبن الإبل عرابها وبخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّل ، ولبن البقر عرابها وجاموسها جنس واحد مخالف للأوّلين.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.
(٣) أضفناها من المصدر.
(٤) نفس المصدر في الهامش (٢).
(٥) البقرة : ٢٧٥.
(٦) الذي عثرنا عليه في المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٥ ، والتهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٥ هو منع بيع بيضة بدجاجة في جوفها بيض.
(٧) في « ق ، ك » : ماعزه.
ولبن الوحشي مخالف للإنسي ، فلبن البقر الوحشي (١) مخالف للبن البقر الإنسي. وكذا لبن الظبي ولبن الشاة جنسان ، عند علمائنا أجمع.
وقد نصّ الشافعي على أنّ الألبان أجناس (٢) ، ولم يذكر غير ذلك ، إلاّ أنّ له في اللّحمان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد ـ قاله أصحابه ـ لا فرق بينها (٣) (٤) ، فجعلوا في الألبان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد ، وهو المشهور عن أحمد. والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم ـ : أنّها أجناس ، وبه قال أبو حنيفة (٥).
لنا : أنّها فروع تابعة لأصول مختلفة بالحدّ والحقيقة ، فكانت فروعها تابعة لها ، كالأدهان والخلول ـ وهذا بخلاف اللّحمان ، فإنّ للشافعي قولا بالتماثل فيها (٦) ـ لأنّ الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها وهي مختلفة ، فيدام حكمها على الفروع ، بخلاف أصول اللحم.
احتجّ الآخرون بأنّ الألبان اشتركت في الاسم الخاصّ في أوّل حال
__________________
(١) في « ق ، ك » : بقر الوحش.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧.
(٣) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك » : بينهما. والصحيح ما أثبتناه.
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، الوسيط ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ و ١٥٥.
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦٥.
(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).
حدوث الربا فيها ، فكانت جنسا واحدا ، كثمار النخل ، المختلفة الأنواع ، بخلاف الخلول والأدهان ، لأنّ دخول الربا حصل في أصولها قبل اشتراكها في الاسم.
والجواب : الطلع جنس واحد.
فروع :
أ ـ يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متماثلا ومتفاضلا نقدا ، ويكره نسيئة ، لاختلاف الجنس ، وهو أحد قولي الشافعي (١).
ولبن الوحشي والإنسي جنسان ، ولهذا لا يضمّ إليها في الزكاة ولا ينصرف إطلاق الاسم إليها.
وفي قول آخر له : إنّها جنس (٢) ، فلا يباع بعضه ببعض متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة.
ب ـ يجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا لا متفاضلا على ما يأتي. ومنع الشافعي من ذلك (٣) ، وجوّز في اللبن بيع بعضه ببعض متساويا (٤). وفرّق أصحابه (٥) بوجهين :
__________________
(١) الام ٣ : ٢٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.
(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ١٥٩.
(٣) الام ٣ : ٢٠ ، مختصر المزني : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، الوجيز ١ : ١٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.
(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧.
(٥) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٢.