علي موسى الكعبي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-362-4
الصفحات: ١٥٥
٣ ـ التمتّع بالمناظر : ويتمتّعون بالمناظر الخلّابة وهم متكئون على الأرائك المنصوبة على أطراف الأنهار المتصلة الجريان ، وتحت الظلال الوارفة الدائمة ، لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، ينظرون إلى المياه المسكوبة ، والعيون الجارية ، وحدائق النخل والأعناب والرمان الغنّاء ، وأفنانها المتهدّلة بمختلف الأثمار (١) .
٤ ـ التمتّع بالقصور وأثاثها : يدخل المؤمنون جناتٍ واسعة عرضها السماوات والأرض ، وأبوابها مشرعة لهم ، وتحرسها الملائكة المتأهّبة لاستقبالهم ، ولهم فيها درجات متفاضلات بعضها فوق بعض ، بحسب خيرية العمل ، في قصور الجنة وغرفها ، وفيها مساكن طيبة في جنات الخُلد العالية ، وغرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار ، وهم يفترشون بسطاً حساناً من العبقري ، بطائنها من استبرق ، ومتكئون على وسائد خضر مصفوفة مرفوعة ، حال كونهم متقابلين ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهبٍ ، وآنية من فضة ، وأكواب وأباريق وكؤوس بما اشتهت أنفسهم (٢) .
__________________________
١) راجع : سورة الرعد : ١٣ / ٣٥ ، سورة يس : ٣٦ / ٥٦ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٦٨ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٣٠ ، سورة الدهر : ٧٦ / ١٣ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٤١ ، سورة النبأ : ٧٨ / ٣٢ .
٢)
راجع : سورة آل عمران ٣ : ١٣٣ ، سورة الأنفال : ٨ / ٤ ، سورة التوبة : ٩ / ٧٢ ، سورة المؤمنون : ٢١ / ١٠٣ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٨ ، وسورة الصافات : ٣٧ / ٤٣ ـ ٤٤ ، سورة ص ٣٨ / ٥٠ ـ ٥١ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٢٠ ، سورة الزخرف : ٤٣ / ٧١ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢٠ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٤ ، سورة
٥ ـ الولدان المخلّدون : ويتمتّع أهل الجنة بالخدمة المتصلة من الغلمان المخلدين الذين جعلهم الله سبحانه في منتهى الجمال والصفاء وحسن المنظر ، قال تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) (١) .
٦ ـ الأزواج والحور العين : ولهم في الجنة أزواج مطهّرة من الحور العين مقصورات في الخيام ، قد جعلهنّ الله عُرباً ؛ متحببات إلى أزواجهنّ ، قاصرات الطرف عليهم دون غيرهم ، كواعبَ أتراباً في العمر ، أبكاراً لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ساحرات الجمال ، فكأنهنّ الياقوت والمرجان ، أو كأمثال اللؤلؤ أو البيض المكنون (٢) .
اللذائذ الروحية : وفوق ذلك يتمتع أهل الجنة بنعيم روحي أو عقلي ، يتمثّل برضوان الله تعالى ومغفرته ورحمته بهم ، وإحساسهم بالسرور لترحيب الملائكة بهم ، ولسعادتهم الدائمة ، والشعور بالأمن من خوف العذاب والحزن وكلّ مظاهر اللغو والكذب والتأثيم والتحاسد والتباغض (٣) .
__________________________
الواقعة : ٥٦ / ١٥ ـ ١٨ و ٣٤ ، سورة الصف : ٦١ / ١٢ ، سورة الدهر : ١٢ / ١٤ ـ ١٦ ، سورة الغاشية : ٨٨ / ١٠ ـ ١٦ .
١) سورة الدهر : ٧٦ / ١٩ .
٢) راجع : سورة يس : ٣٦ / ٥٦ ، سورة الصافات : ٣٧ / ٤٨ ـ ٤٩ ، سورة ص : ٣٨ / ٥٢ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٥٤ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢٠ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٦ ـ ٥٨ و ٧٢ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٢ ـ ٢٣ و ٣٥ ـ ٣٧ ، سورة النبأ : ٧٨ / ٣٣ .
٣)
راجع : سورة آل عمران : ٣ / ١٥ و ١٣٦ ، سورة التوبة ٩ / ٧٢ ، سورة الحجر :
ثانياً : صفة النار وأهلها وعذابها
صفة النار : النار هي دار الهوان ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان ، وقد وصفها القرآن الكريم بأنها كالسجن ، محيط بالكافرين ، حصير لهم ، ولها سرادق محيط بها ، وأنها مُؤصدة في عمدٍ ممدّدة ، وفيها ظلّ ذو ثلاث شعب ، لكنه غير ظليل ، ولا يقي من شدّة فورانها وتصاعد لظاها ، وأن وقودها الناس والحجارة ، وأوارها لا ينقطع ، فكلما خبت ازدادت سعيراً ، وتحرسها ملائكة غلاظ شداد موكّلون بالعذاب ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، ولها سبعة أبواب ، لكلّ باب منهم جزء مقسوم (١) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أن جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض . . . فأسفلها جهنّم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحيم ، وفوقها السعير ، وفوقها الهاوية » .
وفي رواية : « أسفلها الهاوية ، وأعلاها جهنّم » (٢) .
وقال عليهالسلام في وصفها : « فاحذروا ناراً قعرها بعيد ، وحرّها شديد ،
__________________________
١٥ / ٤٧ ـ ٤٨ ، سورة مريم : ١٩ / ٦٢ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٤ ـ ٣٥ ، سورة يس : ٣٦ / ٥٥ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦ ، سورة ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور : ٥٢ / ١٨ ، سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢ ، النبأ : ٧٨ / ٣٥ ، سورة الغاشية : ٨٨ / ١١ .
١) راجع : سورة البقرة : ٢ / ٢٤ ، سورة التوبة : ٩ / ٤٩ ، سورة الحجر : ١٥ / ٤٣ ـ ٤٤ ، سورة الإسراء : ١٧ / ٨ و ٩٧ ، سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ ، سورة التحريم : ٦٦ / ٦ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٣٠ ـ ٣١ ، سورة الهمزة : ١٠٤ / ٨ ـ ٩ .
٢) مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٥١٩ .
وعذابها جديد ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تُسمع فيها دعوة ، ولا تُفرّج فيها كُربه » (١) .
أهل النار : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (٢) .
جاء في الآيات الكريمة أنّ النار اُعدت للذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وماتوا وهم كفّار ، والمشركين الذين جعلوا مع الله إلهاً آخر ، والمنافقين ، والمتكبرين ، والظالمين ، والطاغين ، والمكذّبين الله سبحانه ورسله ، ومن يعصي الله ورسوله ، ويتولى عن طاعته ، ويتعدى حدوده ، ويستكبر عن عبادته ، ويصدّ عن سبيله ، ويعرض عن ذكره ، ولا يرجو لقاءه ، والمكذبين بيوم الدين ، والذين رضوا بالحياة الدنيا وزينتها واطمأنوا بها وآثروها على الآخرة ، ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، ومن يرتدّ عن دينه ويموت كافراً ، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، أو يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، ومن يقتل مؤمناً متعمداً ، والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله ، وأئمة الجور والضلال ، وتاركي الصلاة (٣) .
__________________________
١) نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣٨٤ ـ الكتاب ( ٢٧ ) .
٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٥ .
٣)
راجع سورة البقرة : ٢ / ٨١ و ٨٦ و ١٦١ ـ ١٦٢ و ٢١٧ ، سورة النساء : ٤ / ١٠ و ١٤ و ٥٦ و ٩٣ و ١٤٥ ، سورة التوبة : ٩ / ٣٤ و ٦٣ ، سورة يونس : ١٠ / ٧ ـ ٨ و ٥٢ ، سورة هود : ١١ / ١٥ ـ ١٦ ، سورة النحل : ١٦ / ٨٥ ، سورة الكهف : ١٨ / ١٠٢ ـ ١٠٦ ، سورة طه : ٢٠ / ٧٤ و ١٢٤ ـ ١٢٧ ، سورة الفرقان : ٢٥ / ١١ ،
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : يُؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيُلقى في نار جهنم ، فيدور فيها كما تدور الرحى ، ثمّ يُربَط في قعرها » (١) .
وعنه عليهالسلام وهو يعظ أصحابه : « تعاهدوا أمر الصلاة ، وحافظوا عليها ، واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فانها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) (٢) ؟ ! » .
الخالدون فيها : لا يخلد في النار إلّا أهل الكفر والشرك ، وأمّا المذنبون من أهل التوحيد ، فإنهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم (٣) .
قال الامام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام : « لا يخلد في النار إلّا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك » (٤) .
عذاب النار : يتعرّض أهل النار لأصنافٍ من العذاب الحسي والروحي ، وقد وصف الله تعالى عذابها بالمهين والغليظ والأليم والعظيم والشديد ، فحينما يُساق المجرمون إلى جهنّم زمراً وجماعات ، تتلقّاهم ملائكة العذاب :
__________________________
سورة السجدة : ٣٢ / ١٢ ـ ١٤ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٦٠ ، و ٧١ ـ ٧٢ ، سورة غافر : ٤٠ / ٦٠ و ٧٠ ـ ٧٢ ، سورة ق : ٥٠ / ٢٤ ـ ٢٦ ، سورة الجن : ٧٢ / ١٧ و ٢٣ ، سورة المدثر : ٧٤ / ٤١ ـ ٤٦ ، سورة النازعات : ٧٩ / ٣٧ ـ ٣٩ .
١) نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٢٣٥ ـ الخطبة ( ١٦٤ ) .
٢) نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣١٦ ـ الخطبة ( ١٩٩ ) والآية من سورة المدّثر : ٧٤ / ٤٢ .
٣) الاعتقادات / الصدوق : ٧٧ .
٤) التوحيد / الصدوق : ٤٠٧ / ٦ . جماعة المدرسين ـ قم .
أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ، فبئس مثوى المتكبرين ، هذا والنار تنتظرهم من مكانٍ بعيد ، فإذا رأتهم تغيّظت وزفرت وزأرت كالأسد إذا رأى فريسته على بُعد .
فتُفتح لهم الأبواب ، ويُدعّون فيها دعّاً مع الشياطين وما كانوا يعبدون من دون الله ، فيكونون حصب جنهم ووقود السعير ، وإذا اُلقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ، فتكاد تميّز من الغيط ، وتتأجّج نارها ، ويتّقد أوارها ، ويتطاير شررها ، ويتعالى لهيبها ، وهم غرقى فيها ، طعامهم منها ، وشرابهم منها ، ولباسهم منها ، وهي مهادهم وسقفهم ، يلتحفون حممها ، ويفترشون لظاها ، ويتقلقلون بين أطباقها ، فيغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، في مقطّعات النيران وسرابيل القطران ، فتكوي جباههم ، وتلفح وجوههم وتتقلّب في النار ، فتسودّ وجوههم ، وينتزع الشَّوى من رؤوسهم .
وهم خالدون في عذابٍ مقيم ، ويأتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ، فلا يُقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفّف عنهم من عذابها ، ولا هم يُنْظَرون ، وكلّما نضجت جلودهم بُدّلت باُخرى ليتجدّد عذابهم ، وكلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ اُعيدوا فيها ، وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق .
هذا وهم مقرّنون بالأغلال والسلاسل في الأعناق ، مصفّدون في مكان ضيق ، ثم يُسحبون في الحميم على وجوههم ، ويُؤخَذون بالنواصي والأقدام ، ثمّ في النار يُسجرون ، وتهشّم جباههم بمقامع الحديد ، وينتظرهم عذاب السّموم وشجر الزقّوم والحميم الذي يُصبّ من فوق رؤوسهم ، فيصهر ما في بطونهم والجلود .
وإن استغاثوا من شدة العطش ، يُغاثوا بماءٍ صديدٍ يتجرعونه ولا يكادون يستسيغونه ، أو بماء الحميم فيقطّع أمعاءهم ، أو بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه ويغلي في البطون كغلي الحميم ، فلا يذوقون برداً ولا شراباً إلّا حميماً وغسّاقاً ، وهم مع ذلك يشربون منهما شُرب الهيم .
وإن استطعموا من شدّة الجوع ، اُطعموا غذاءً ذا غصّة من الغسلين والزّقوم ، وهي شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين ، وهم مع ذلك لآكلون منها ، فمالئون منها البطون ، فشاربون عليه من الحميم .
ولهم من هول العذاب اصطراخ بين أطباقها ، وهي تغلي بهم غلي المراجل ، فيتعالى زفيرهم وبكاؤهم وعويلهم وتخاصمهم ، وهتافهم بالويل والثبور ، ولكن لا يُسمعون (١) .
__________________________
١)
راجع : سورة البقرة : ٢ / ٩٠ و ١٠٤ و ١١٤ و ١٦٢ ، سورة النساء : ٤ / ٥٦ ، سورة الأنعام : ٦ / ٧٠ ، سورة الأعراف : ٧ / ٤١ ، سورة إبراهيم : ١٤ / ١٦ ـ ١٧ و ٤٩ ـ ٥٠ ، سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ ، سورة طه : ٢٠ / ٧٤ ، سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨ ـ ١٠٠ ، سورة الحج : ٢٢ / ١٩ ـ ٢٢ ، سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٤ ، سورة الفرقان : ٢٥ / ١٢ ـ ١٤ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٤ ـ ٥٥ ، سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٤ ـ ٦٨ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٦ ـ ٣٧ ، سورة الصافات : ٣٧ / ٦٢ ـ ٦٨ ، سورة ص : ٣٨ / ٥٥ ـ ٦٤ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٧١ ، سورة غافر : ٤٠ / ٧٠ ـ ٧٦ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٤٣ ـ ٥٠ ، سورة محمد : ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور : ٥٢ / ١٣ ـ ١٦ ، سورة القمر : ٥٤ / ٤٧ ـ ٤٨ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٤١ ـ ٤٤ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٤١ ـ ٤٤ و ٥١ ـ ٥٦ ، سورة الملك : ٦٧ / ٥ ـ ١١ ، سورة الحاقة : ٦٩ / ٣١ ـ
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام فيوصف عذابها : « أما أهل المعصية فأنزلهم شرّ دار ، وغلّ الأيدي إلى الأعناق ، وقرن النواصي بالأقدام ، وألبسهم سرابيل القطران ، ومقطّعات النيران ، في عذابٍ قد اشتدّ حرّه ، وبابٍ قد اُطبق على أهله ، في نارٍ لها كَلَبٌ ولَجَبٌ ، ولهبٌ ساطع ، وقصيف هائل ، لا يظعن مقيمها ، ولا يُفادى أسيرها ، ولا تُفصَم كبولها ، لا مُدّة للدار فتفنى ، ولا أجل للقوم فيُقضى » (١) .
عذابها الروحي : وله صور عديدة يعرضها القرآن الكريم ، منها الشعور بالخسران والندامة والخزي والخوف والرهبة ، فينادي الظالمون بالحسرة ، حسرة فوت الجنة ونعيمها ، وفوت لقاء الله ورضوانه ، وينتابهم اليأس من الرحمة والمغفرة ، ويصيبهم الذلّ والصغار حين يعرضون على النار خاشعين من الذلّ ينظرون من طرف خفيّ (٢) .
__________________________
٣٧ ، سورة المزمل : ٧٣ / ١٢ ـ ١٣ ، سورة الدهر : ٧٦ / ٤ ، سورة المرسلات ٧٧ / ٣٠ ـ ٣٣ ، سورة النبأ : ٧٨ / ٢١ ـ ٣٠ ، سورة الليل : ٩٢ / ١٤ ـ ١٦ ، سورة الهمزة : ١٠٤ / ٤ ـ ٩ .
١) نهج البلاغة / صبحي الصالح : ١٦٢ ـ الخطبة ( ١٠٩ ) .
٢) راجع : سورة البقرة : ٢ / ١٦١ و ١٦٦ ـ ١٦٧ ، سورة الأنعام : ٦ / ٢٧ ـ ٣١ و ١٢٤ ، سورة الأعراف : ٧ / ٥٣ ، سورة إبراهيم : ١٤ / ٤٤ ، سورة الإسراء : ١٧ / ١٨ و ٣٩ ، سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٣ ـ ١٠٨ ، سورة الشعراء : ٢٦ / ٩٥ ـ ١٠٢ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٣ ، سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٦ ـ ٦٨ ، سورة سبأ : ٣٤ / ٣٣ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٦ ـ ٣٧ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٧١ ، سورة غافر : ٤٠ / ٧٣ ـ ٧٦ ، سورة الشورى : ٤٢ / ٤٥ ، سورة الزخرف : ٤٣ / ٧٧ ، سورة الملك : ٦٧ / ١٥ ، سورة المطففين : ٨٣ / ١٥ ـ ١٧ .
وحينما يُعرَضون على النار ويرون عذابها تتقطّع أنفسهم حسرات من شدة الندم ، فيظهرون البراءة من كبرائهم وساداتهم ، وتتوارد عليهم الأماني ، فيقولون : ( يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) (١) ، وكلّ منهم يقول : ( يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) (٢) و ( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) (٣) وأنّى لهم الندم وهم في محضر اليوم العسير ؟ !
ويضجّون حسرّة على ما فرّطوا في الدنيا ، فيطلبون العودة إليها ، ليعملوا صالحاً ويكونوا من المؤمنين ، ويتعالى هتافهم : ( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ويصرخون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (٥) .
وتلك الأماني لا تعدو كونها سراباً بقيعة ، لأنّهم في عالم الجزاء ، عالم لا تنفع فيه الطاعة والانابة وإظهار الندم ، ولو كانوا صادقين لأنابوا وتابوا وهم في دار التكليف والعمل ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (٦) .
ومن هنا يأتيهم الجواب : ( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) (٧)
__________________________
١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٦ .
٢) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٤ .
٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٨ .
٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٠٢ .
٥) سورة فاطر : ٣٥ / ٣٧ .
٦) سورة الأنعام : ٦ / ٢٨ .
٧) سورة الأنعام : ٦ / ٣٠ .
ويقال لهم : ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) (١) وهو مما يزيد من حسرة نفوسهم وشعورهم بالخذلان والخيبة واليأس من الرحمة والمغفرة ، فيُصلَون جهنم مذمومين مدحورين ملومين .
وممّا يحزّ في نفوسهم هو تبكيت الملائكة وتقريعهم لهم بمجرد أن يدخلوا النار ، قال تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) وهم يجيبون بالإقرار والاعتراف : ( بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) (٢) .
وحينما يستسلمون لليأس يقولون لخازن النار : ( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) فيقول لهم : ( إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ) (٣) .
أعاذنا الله جميعاً من شرّ الجحيم ومن أهوال يوم القيامة ، ورزقنا رحمته التي وسعت كل شيء وشفاعة نبيه المصطفىٰ وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين .
__________________________
١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٨ .
٢) سورة التحريم : ٦٧ / ٨ ـ ١١ .
٣) سورة الزخرف : ٤٣ / ٧٧ . بالنظر لكون أغلب مضامين المبحث الأخير المتعلق بوصف الجنة والنار ، قد استوحيناها من القرآن الكريم ، لذا نحيل إلى مصادر الحديث لمن أراد الإطلاع على مضامينه التي توسعت في وصف نعيم الجنة وعذاب النار ، فراجع : بحار الأنوار / المجلسي ٨ : ١١٦ ـ ٢٢٢ ، و ٣٨٠ ـ ٣٢٩ ، إحياء علوم الدين / الغزالي ٥ : ٣٨٥ ـ ٣٩٢ و ٣٧٤ ـ ٣٨١ .
محتويات الكتاب
مقدمة المركز ............ ٥
المقدمة ......... ٧
الفصل الأوّل : معنى المعاد وآثار الاعتقاد به ......... ٩
المبحث الأوّل : معنى المعاد لغةً واصطلاحاً ........... ٩
المبحث الثاني : آثار الاعتقاد بالمعاد ...... ١١
أولاً : أثر المعاد في إطار السلوك ....... ١٢
ثانياً : أثر المعاد في إطار النفس ....... ٢٠
الفصل الثاني : أدلّة حتمية المعاد ووجوبه ........... ٢٥
أولاً ـ الأدلّة القرآنية ............. ٢٥
ثانياً : السنّة المباركة ............ ٣١
ثالثاً : الإجماع ........ ٣٣
رابعاً : الدليل العقلي ........... ٣٤
أولاً ـ برهان المماثلة ......... ٣٤
ثانياً : برهان القدرة ......... ٣٧
الصورة الأُولى ........... ٣٨
الصورة الثانية ........... ٣٩
ثالثاً : برهان الحكمة ........ ٤١
رابعاً : برهان العدالة ........ ٤٣
١ ـ وجود التكليف يقتضي وجود المعاد ...... ٤٣
٢ ـ العدل الإلهي يستلزم وجود اليوم الآخر .... ٤٤
الفصل الثالث : حقيقة الروح والمعاد ............ ٤٧
المبحث الأوّل : حقيقة الروح وتجرّدها ..... ٤٧
حقيقة الروح غامضة ........ ٤٧
الروح في القرآن والحديث ............. ٤٨
١ ـ الروح التي هي سبب الحياة ..... ٤٨
٢ ـ الروح بمعنى جبرئيل عليهالسلام ....... ٥١
٣ ـ الروح بمعنى مخلوق أعظم من الملائكة ..... ٥١
٤ ـ الروح بمعنى الإيمان ............ ٥٢
٥ ـ الروح بمعنى الكتاب والنبوة ..... ٥٣
تجرد الروح ........ ٥٣
١ ـ الماديون ............. ٥٤
٢ ـ القائلون بالتجرد ..... ٥٥
أدلّة القائلين بالتجرّد ........ ٥٨
أولاً ـ الأدلة القرآنية ...... ٥٨
ثانياً : أدلة السّنة ........ ٦٢
ثالثاً : الأدلة العقلية ..... ٦٤
رابعاً : أدلة علمية تجريبية .......... ٦٧
أولاً : استحضار الأرواح .......... ٦٨
ثانياً : التنويم المغناطيسي .......... ٦٩
المبحث الثاني : حقيقة المعاد ............. ٧١
الأوّل ـ المعاد جسماني ....... ٧٢
حقيقة المعاد الجسماني ...... ٧٥
الثاني ـ المعاد روحاني ........ ٧٦
إنكار المعاد الجسماني ............. ٧٩
الشبهات المثارة حول المعاد الجسماني ........ ٨٢
أولاً ـ شبهة الآكل والمأكول ........ ٨٣
ثانياً : استحالة إعادة المعدوم ...... ٨٦
ثالثاً : تعدّد الأبدان ..... ٨٨
الفصل الرابع : منازل المعاد ..... ٩١
المبحث الأول : الموت وغمراته ........... ٩١
غمرات الموت : ............ ٩٢
١ ـ الاحتضار ........... ٩٣
٢ ـ سكرات الموت ....... ٩٤
٣ ـ انتزاع الروح .......... ٩٥
٤ ـ الدخول في النشأة الآخرة ...... ٩٧
أ ـ منزلته من الجنة أو النار ......... ٩٧
ب ـ تجسّد المال والولد والعمل ..... ٩٨
ج ـ معاينة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام ....... ٩٨
المبحث الثاني : البرزخ وعذابه .......... ١٠٠
معنى البرزخ ...... ١٠٠
أهوال البرزخ .............. ١٠٠
١ ـ وحشة القبر وظلمته ......... ١٠٠
٢ ـ ضغطة القبر أو ضمّته ........ ١٠١
٣ ـ سؤال منكر ونكير ........... ١٠٢
٤ ـ عذاب القبر وثوابه ........... ١٠٣
أدلته القرآنية .......... ١٠٣
أدلته من السنة ........ ١٠٤
إثارات ....... ١٠٥
أولاً : إحياء البدن الدنيوي ...... ١٠٦
ثانياً : التعلّق بالجسد المثالي ...... ١٠٧
العلم يؤيد وجود الجسد المثالي .... ١٠٨
هل إن ذلك من التناسخ الباطل ؟ ......... ١٠٨
المبحث الثالث : أشراط الساعة ......... ١١٠
أنواعها ......... ١١١
المبحث الرابع : مشاهد يوم القيامة ...... ١١٤
١ ـ نفخة الصعق ، أو صيحة الموت ........... ١١٥
٢ ـ تغيير النظام الكوني ............. ١١٧
٣ ـ نفخة الإحياء ، أو صيحة البعث .......... ١١٨
٤ ـ الحشر ....... ١١٨
٥ ـ المحكمة الإلهية ......... ١٢١
أولاً : السؤال ......... ١٢١
ثانياً : الحساب ........ ١٢٣
ثالثاً : الشهود وتطاير الكتب .... ١٢٥
أ ـ الله سبحانه ......... ١٢٥
ب ـ الأنبياء والأوصياء .......... ١٢٦
ج ـ الملائكة ........... ١٢٧
د ـ الأعضاء والجوارح ............ ١٢٨
هـ ـ صحائف الأعمال ........... ١٢٨
و ـ ظهور الأعمال أو تجسّمها .... ١٢٩
٦ ـ الميزان ....... ١٣٠
٧ ـ الصراط .............. ١٣٣
عقبات الصراط ........... ١٣٥
المبحث الخامس : أهل الجنة وأهل النار ........... ١٣٦
أوّلاً : صفة الجنة وأهلها ونعيمها ..... ١٣٦
صفة الجنة ............ ١٣٦
أهل الجنّة ............. ١٣٧
أقسام المقيمين فيها ............. ١٣٨
صفة نعيم الجنة ........ ١٣٩
اللذائذ الحسية ......... ١٣٩
١ ـ المأكل والمشرب ............. ١٣٩
٢ ـ الملابس والحُليّ ..... ١٤٠
٣ ـ التمتّع بالمناظر ..... ١٤١
٤ ـ التمتّع بالقصور وأثاثها ....... ١٤١
٥ ـ الولدان المخلّدون ............ ١٤٢
٦ ـ الأزواج والحور العين ......... ١٤٢
اللذائذ الروحية ........ ١٤٢
ثانياً : صفة النار وأهلها وعذابها ..... ١٤٣
صفة النار ............. ١٤٣
أهل النار ............. ١٤٤
الخالدون فيها ......... ١٤٥
عذاب النار ........... ١٤٥
عذابها الروحي ......... ١٤٨