الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨
مسألة ١٠٣ : لو لم يختر المُستعير قلع غرسه ولا قلع بنائه مع الإذن المطلق فيهما ، لم يُجبر على القلع ، إلاّ أن يضمن المُعير أرش النقص ، فحينئذٍ يلزمه تفريغ الأرض من بنائه وغرسه وردّها إلى ما كانت عليه.
واعلم أنّ مَنْ جعل الأمر موكولاً إلى اختيار المُعير في القلع بالأرش والإبقاء بالأُجرة والتملّك بالقيمة قال : منه الاختيار ومن المُستعير الرضا واتّباع مراده ، فإن لم يفعل وامتنع من إبلاغه مراده ألزمناه بتفريغ أرضه.
ومَن اعتبر رضا المُستعير في التملّك بالقيمة والإبقاء بالأُجرة فلا يكلّف التفريغ ، بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المُعير شيئاً ممّا خيّرناه فيه.
ومَنْ قصر خيرة المُعير على أمرين : القلع بشرط الضمان ؛ لنقص الأرض ، والتملّك بالقيمة قال : لو امتنع من بَذْل الأرش والقيمة وبَذَل المُستعير الأُجرة لم يكن للمُعير القلع مجّاناً ، وإن لم يبذلها فوجهان ، أظهرهما عندهم : إنّه ليس له ذلك أيضاً (١).
وبه أجاب مَنْ خيَّره بين الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعاً (٢).
وما الذي يفعل؟ اختلفت الشافعيّة على قولين :
أحدهما : إنّ الحاكم يبيع الأرض مع البناء والغراس لتفاصل الأمر.
والثاني ـ وهو قول الأكثر ـ : إنّه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئاً (٣).
والتحقيق عندي هنا أن نقول : إذا أعاره للبناء أو الغرس أو لهما ففَعَل ثمّ رجع عن الإذن بعد وقوع الفعل ، فإمّا أن يطلب المُعير القلع أو
__________________
(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.
(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧.
المُستعير ، فإن طلبه المُستعير لم يكن للمُعير ردّه عن ذلك ، وإن طلبه المُعير لم يكن للمُستعير ردّه عن ذلك ، ويضمن كلٌّ منهما نقص ما دخل على الآخَر.
مسألة ١٠٤ : يجوز للمُعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر ؛ لأنّه جالس على ملكه ، وليس له الانتفاع بشيءٍ من الشجر بثمر ولا غصن ولا ورق ولا غير ذلك ، ولا بضرب وتدٍ في الحائط ، ولا التسقيف عليه.
وليس للمُستعير دخول الأرض للتفرّج ، إلاّ بإذن المُعير ؛ لأنّه تصرّف غير مأذونٍ فيه.
نعم ، يجوز له الدخول لسقي الشجر ومرمّة الجدار ؛ حراسةً لملكه عن التلف والضياع ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : المنع ؛ لأنّه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي إلى ملكه (١).
وعلى ما اخترناه من الجواز لو تعطّلت المنفعة على صاحب الأرض بدخوله ، لم يُمكَّن منه إلاّ بالأُجرة ؛ جمعاً بين حفظ المالين.
مسألة ١٠٥ : إذا بنى أو غرس في أرض المُعير بإذنه أو بغير إذنه ، جاز لكلٍّ منهما أن يبيع ملكه من الآخَر ، ويجوز للمُعير أن يبيع الأرض من ثالثٍ ، ثمّ يتخيّر المشتري كالمُعير.
وكذا للمُستعير أن يبيع من ثالثٍ أيضاً ـ وهو أصحّ وجهي
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٤ ، البيان ٦ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.
الشافعيّة (١) ـ لأنّه مملوك له في حال بيعه غير ممنوعٍ من التصرّف فيه.
والثاني : المنع ؛ لأنّه في معرض النقض والهدم ، ولأنّ ملكه عليه غير مستقرٍّ ؛ لأنّ المُعير بسبيلٍ من تملّكه (٢) (٣).
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ كونه متزلزلاً لا يمنع من جواز بيعه ؛ فإنّ الحيوان المشرف على التلف في معرض الهلاك ، ويجوز بيعه ، ومستحقّ القتل قصاصاً يجوز بيعه على الأقوى ، وتمكّن المُعير من تملّكه لا يوجب منع بيعه ، كالشفيع المتمكّن من تملّك الشقص.
إذا ثبت هذا ، فإنّ المشتري إن كان جاهلاً بالحال كان له خيار الفسخ ؛ لأنّ ذلك عيب ، وإن كان عالماً فلا خيار له ، ثمّ يُنزّل المشتري منزلة المُستعير ، وللمُعير الخيار على ما تقدّم.
ولو اتّفق المُعير والمُستعير على بيع الأرض مع البناء أو الغراس بثمنٍ واحد ، صحّ ـ وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٤) ـ للحاجة.
والثاني : المنع ، كما لو كان لكلّ واحدٍ منهما عبد فباعاهما معاً صفقةً واحدة (٥).
ونحن نقول بالجواز هنا أيضاً.
إذا تقرّر هذا ، فإنّ الثمن يوزّع عليهما ، فيوزّع على أرضٍ مشغولة بالغراس أو البناء على وجه الإعارة مستحقّ القلع مع الأرش ، أو الإبقاء مع
__________________
(١ و ٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٣ ، البيان ٦ : ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.
(٢) في « ث ، ر ، خ » : « لأنّ للمُعير تسبيل ملكه ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « لأنّ المُعير بسبيلٍ من ملكه ». والمثبت كما في « العزيز شرح الوجيز ».
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.
الأُجرة ، أو التملّك بالقيمة إن كان بالإذن ، وعلى ما فيها من بناءٍ أو غرسٍ مستحقٍّ للقلع على أحد الأنحاء ، فحصّة الأرض للمُعير ، وحصّة ما فيها للمُستعير.
مسألة ١٠٦ : إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغرس عاريةً موقّتة ، أو أطلق الإعارة مقيّدةً بالمدّة ، كان للمُستعير البناء والغرس في المدّة ، إلاّ أن يرجع المُعير ، وله أن يجدّد كلّ يومٍ غرساً ، فإذا انقضت المدّة لم يجز له إحداث البناء ولا الغرس إلاّ بإذنٍ مستأنف.
ثمّ للمالك الرجوع في العارية قبل انقضاء المدّة بالأرش ، وبعدها مجّاناً إن شرط المُعير القلع أو نقض البناء بعد المدّة ، أو شرط عليه القلع متى طالبه بالقلع ؛ عملاً بالشرط ، فإنّ فائدته سقوط الغُرْم ، فلا يجب على صاحب الأرض ضمان ما نقص الغرس بالقلع ، ولا يجب على المُستعير طمّ الحُفَر ؛ لأنّه أذن له في القلع بالشرط.
فإن لم يكن قد شرط عليه القلع فإن اختار المُستعير قلعه (١) ، كان له ذلك ؛ لأنّه ملكه (٢).
وهل عليه تسوية الأرض؟ الأقوى ذلك ؛ لأنّه يقلعه باختياره من غير إذن المُعير ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : ليس عليه ؛ لأنّ إذنه في الإعارة رضا بقلع ذلك ؛ لأنّه ملك لغيره ، فقلعه إلى اختياره (٣).
وإن لم يختر صاحب الغرس القلعَ وطالَبه المُعير بقلعه ، لم يكن له ذلك ، إلاّ بأن يضمن ما ينقص بالقلع.
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قلعها ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) في النسخ الخطيّة والحجريّة : « ملكها ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٢٥٩.
وليس للمُستعير دفع قيمة الأرض إلاّ باختيار المالك ، وللمالك دفع قيمة الغرس على إشكالٍ أقربه ذلك مع رضا المُستعير لا مع سخطه ، وبهذا قال الشافعي ، إلاّ أنّه قال : للمالك دفع قيمة الغرس وإن لم يرض المُستعير. وروي مثل ذلك عن أحمد (١).
وقال أبو حنيفة ومالك : له مطالبته بقلعه من غير ضمانٍ عند انقضاء المدّة ، وبه قال المزني ـ قال أبو حنيفة : إلاّ أن يكون أعاره مدّةً معلومة ورجع [ قبل ] (٢) انقضائها ـ لأنّ المُعير لم يغرّه ، فإذا طالبه بالقلع كان له ، كما لو شرط عليه القلع (٣).
وقالت الشافعيّة : ليس له ذلك إلاّ بأرش نقص الغرس ؛ لأنّه بنى وغرس في ملك غيره ، فلم يكن له المطالبة من غير ضمانٍ ، كما لو طالبه قبل انقضاء المدّة.
ثمّ منعوا من قول أبي حنيفة : « إنّ المالك لم يغرّه » لأنّ الغراس والبناء يراد للتبقية ، وتقدير المدّة ينصرف إلى ابتدائه ، كأنّه قال : لا تغرس فيما جاوز هذه المدّة ، أو لطلب الأُجرة (٤).
والأوّل عندي أقرب.
__________________
(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ و ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤ و ٨٦ ، المغني ٥ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مع ». والمثبت من المصدر.
(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٣ ، البيان ٦ : ٤٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٨ ، المغني ٥ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ و ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤ و ٨٦ ، المغني ٥ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.
مسألة ١٠٧ : لو كانت الأرض مشتركةً فبنى أحدهما بإذن الآخَر أو غرس كذلك ، ثمّ رجع صاحبه ، فالأقرب عندي : أن يكون حكمه حكم الأجنبي من جواز القلع بالأرش.
وقالت الشافعيّة : ليس له ذلك ولا أن يتملّك بالقيمة.
أمّا الأوّل : فلأنّ قلعه يتضمّن قلع غرس المالك في (١) ملكه ونقض بنائه عن ملكه ؛ إذ له في الملك نصيب كما للمُعير.
وأمّا الثاني : فلأنّ المُستعير يستحقّ في الأرض مثل حقّ المُعير ، فلا يمكننا أن نقول : الأصل للمُعير ، والبناء تابع ، بل له التقرير بالأُجرة خاصّةً ، فإن امتنع من بذلها فإمّا أن يباع أو يعرض عنهما الحاكم (٢).
وليس بشيءٍ ؛ لأنّ للمُعير تخليصَ ملكه وتفريغه ، وإنّما يحصل بنقض مال الغير ، فوجب أن يكون جائزاً له ، كما في الفصيل (٣) لو لم يمكن إخراجه إلاّ بهدم الباب.
مسألة ١٠٨ : يجوز أن يعير الأرض للزراعة ؛ لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء ، فصحّ في مقابلتها العوض بالإجارة فجازت الإعارة.
فإذا استعار للزرع فزرع ثمّ رجع المُعير في العارية قبل أن يدرك الزرع ، فإن كان ممّا يعتاد قطعه كالقصيل قطع ، فإن امتنع المُستعير من قطعه أُجبر عليه إن لم ينقص بالقصل ، ولا شيء ؛ إذ لا نقص ، وإن نقص فله القطع أيضاً لكن مع دفع الأرش.
وإن كان ممّا لا يعتاد قطعه ، فالأقرب : إنّ حكمه حكم الرجوع في
__________________
(١) في « ث ، خ ، ر » : « من » بدل « في ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦.
(٣) الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أُمّه. القاموس المحيط ٤ : ٣٠ « فصل ».
الغرس في القلع والتبقية.
واختلفت الشافعيّة :
فقال بعضهم : إنّ له أن يقطع ، ويغرم أرش القطع ؛ تخريجاً ممّا إذا رجع في العارية الموقّتة للبناء قبل مضيّ المدّة (١).
وقال بعضهم : إنّه يملكه بالقيمة (٢).
وقال الباقون ـ وهو الظاهر من مذهبهم ـ : إنّه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين ؛ لأنّ للزرع أمداً يُنتظر ، والبناء والغرس للتأبيد ، فعلى المُعير إبقاؤه للمُستعير إلى أوان الحصاد (٣).
ثمّ فيه وجهان :
أحدهما : إنّه يُبقيه بلا أُجرة ؛ لأنّ منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع.
وأصحّهما عندهم : التبقية بالأُجرة ؛ لأنّه إنّما أباح المنفعة إلى وقت الرجوع ، وصار كما إذا أعاره دابّةً إلى بلدٍ ثمّ رجع في الطريق ، عليه نقل متاعه إلى مأمنٍ بأُجرة المثل (٤).
ولو قيّد المُعير للزرع مدّةً فانقضت ولمّا يدرك ، فإن كان ذلك لتقصير المُستعير ، كالتأخير في الزرع ، قلع مجّاناً ، وإن كان لهبوب الرياح وقصور الماء وغير ذلك ممّا لا يُعدّ تقصيراً للمُستعير ، كان بمنزلة ما لو أعاره مطلقاً.
ولو أعار لزرع الفسيل (٥) ، فإن كان ممّا يُنقل عادةً فهو كالزرع ، وإلاّ
__________________
(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦ ـ ٨٧.
(٥) الفسيل جمع فسيلة ، وهي النخلة الصغيرة. القاموس المحيط ٤ : ٢٩ ، لسان العرب ١١ : ٥١٩ « فسل ».
فكالبناء.
مسألة ١٠٩ : إذا أعار للزراعة مطلقاً ، انصرف الإطلاق إلى الواحدة ، فإذا زرع ثمّ أخذ زرعه لم يكن له أن يزرع ثانياً إلاّ بإذنٍ مستأنف ؛ لأصالة عصمة مال الغير. وكذا لو أعار للغرس فغرس ثمّ ماتت الشجرة أو انقلعت ، لم يكن له غرس أُخرى غيرها إلاّ بإذنٍ جديد. وكذا في البناء لو أذن له فيه فبنى ثمّ انهدم ، أو أذن له في وضع جذعٍ على حائطه فانكسر ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ الإذن اختصّ بالأوّلة.
والثاني : إنّ له ذلك ؛ لأنّ الإذن قائم ما لم يرجع فيه (٢).
أمّا لو انقلع الفسيل المأذون له في زرعه في غير وقته المعتاد ، أو سقط الجذع كذلك وقصر الزمان جدّاً ، فالأولى أنّ له أن يعيده بغير تجديد الإذن.
مسألة ١١٠ : لو حمل السيل حَبّ الغير أو نواه أو جوزه أو لوزه إلى أرض آخَر ، كان على صاحب الأرض ردّه إلى مالكه إن عرفه ، وإلاّ كان لقطةً.
فإن نبت في أرضه وصار زرعاً أو شجراً ، فإنّه يكون لصاحب الحَبّ والنوى والجوز واللوز ؛ لأنّه نماء أصله ، كما أنّ الفرخ لصاحب البيض ، ولا نعلم فيه خلافاً.
ثمّ إن طلب صاحب الحَبّ والنوى والجوز واللوز قلعه عن أرض غيره ، كان له ذلك ؛ لأنّه ملكه ، وعليه تسوية الحُفَر ؛ لأنّها حدثت بفعله
__________________
(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.
لتخليص ملكه منها ، فأشبه فصيلاً دخل دار إنسانٍ ثمّ كبر فاحتاج صاحبه إلى نقض باب الدار لإخراجه ، فإنّ عليه ردّه ، وإصلاحه ؛ لأنّه فعله لتخليص ملكه.
وإن طلب صاحب الأرض القلعَ ، كان له ذلك ؛ لأنّ العِرْق نبت في أرضه بغير إذنه ، فأشبه الغاصب.
فإن امتنع صاحب الزرع ، أُجبر عليه ، كما لو سرت أغصان شجرته في دار جاره ، فإنّها تُقطع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا يُجبر إن كان زرعاً ؛ لأنّ قلعه إتلاف المال على مالكه ، ولم يوجد منه تفريط ولا عدوان ، ولا يدوم ضرره ، فلم يُجبر على ذلك ، كما لو حصلت دابّته في دار غيره على وجهٍ لا يمكن خروجها إلاّ بقلع الباب أو قتلها ، فإنّنا لا نجبره على قتلها ، بخلاف أغصان الشجر ، فإنّه يدوم ضرره ، ولا يعرف قدر ما يشغل من الهواء حتى يؤدّي أجره ، فحينئذٍ يُقرّ في الأرض إلى حين حصاده بأُجرة المثل (١).
وقال بعض العامّة : ليس عليه أجر ؛ لأنّه حصل في أرض غيره بغير تفريطه ، فأشبه ما لو ماتت (٢) دابّته في أرض إنسانٍ بغير تفريطه (٣).
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ منع المالك من أرضه وإبقاء ما لم يأذن فيه لمصلحة الغير إضرار به ، وليس اعتبار مصلحة صاحب الزرع أولى من
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٧٢ ، بحر المذهب ٩ : ٩ ، الوسيط ٣ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٤ ، البيان ٦ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧ ، المغني ٥ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٣.
(٢) في المصدر : « باتت ».
(٣) المغني ٥ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٣.
اعتبار مصلحة صاحب الملك.
ثمّ لو سلّمنا وجوب التبقية ، لكن حرمان صاحب الأرض من الأُجرة إضرار به وشغل لملكه بغير اختياره من غير عوضٍ ، فلم يجز ، كما لو أراد بقاء (١) بهيمته في دار غيره عاماً.
وأمّا إن كان النابت شجراً ، كالنخل والزيتون والجوز واللوز وغير ذلك ، فإنّه لمالك النوى ؛ لأنه نماء ملكه ، فهو كالزرع ، ويُجبر على قلعه هنا ؛ لأنّ ضرره يدوم ، فأُجبر على إزالته ، كأغصان الشجرة السارية في هواء أرض غيره.
ولو حمل السيل أرضاً بشجرها فنبتت في أرض غيره كما كانت ، فهي لمالكها ، ويُجبر على إزالتها كما تقدّم.
وفي كلّ ذلك إذا ترك صاحب البذر والنوى ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها ، لم يلزمه نقله ولا أُجرة ولا غير ذلك ؛ لأنّه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه ، وكان الخيار لصاحب الأرض المشغولة به ، إن شاء أخذه لنفسه ، وإن شاء قلعه.
تذنيب : لو كان المحمول بالسيل ما لا قيمة له كنواةٍ واحدة وحَبّةٍ واحدة فنبتت ، احتُمل أن يكون لمالك الأرض إن قلنا : لا يجب عليه ردّها إلى مالكها لو لم تنبت ؛ لانتفاء حقيقة الماليّة فيها ، والتقويم إنّما حصل في أرضه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢) ، وأن يكون لمالكها إن قلنا بتحريم
__________________
(١) الظاهر : « إبقاء ».
(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.
أخذها ووجوب ردّها قبل نباتها ، فعلى هذا في قلع النابت وجهان (١).
ولو قلع صاحب الشجرة الشجرةَ ، فعليه تسوية الحُفَر ؛ لأنّه قصد تخليص ملكه.
المبحث الثاني : في الضمان.
وأقسامه ثلاثة : ضمانُ الردّ ، وهو واجب على المُستعير ، فمئونته عليه ؛ لقوله عليهالسلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه » (٢) ، ولأنّ الإعارة نوع من معروف ، فلو كُلّف المالك مئونة الردّ امتنع الناس من الإعارة ، وفي ذلك ضرر عظيم. وضمانُ العين ، وضمانُ الأجزاء.
مسألة ١١١ : العارية أمانة مأذون في الانتفاع بها بغير عوضٍ ، لا تستعقب الضمان ـ إلاّ في مواضع تأتي إن شاء الله تعالى ـ عند علمائنا أجمع ، فإذا تلفت في يد المُستعير بغير تفريطٍ منه ولا عدوان ، لم يكن عليه ضمان ، سواء تلفت بآفةٍ سماويّة أو أرضيّة ـ وبه قال النخعي والشعبي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة ، وهو قول الشافعي في الأمالي (٣) ـ لما رواه العامّة
__________________
(١) نفس المصادر.
(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٤ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ١٤٦ / ٦٠٤ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٢ / ١٩٥٨٢ ، و ٦٤١ / ١٩٦٤٣.
(٣) المغني ٥ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٦ ـ ٧ ، الوسيط ٣ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ليس على المُستعير غير المُغلّ (١) ضمان » (٢).
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام قال : « ليس على مُستعير عاريةٍ ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن » (٣).
وعن محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الباقرَ عليهالسلام : عن العارية يستعيرها [ الإنسان ] فتهلك أو تُسرق ، فقال : « إذا كان أميناً فلا غُرْم عليه » (٤).
ولأنّه قبضها بإذن مالكها ، فكانت أمانةً ، كالوديعة.
ولأنّ قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « العارية مؤدّاة » (٥) يدلّ على أنّها أمانة ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٦).
__________________
المختار ٣ : ٧٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٣٤ ، النتف ٢ : ٥٨٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٢٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٥ / ١٨٧٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٠ و ١٧٢١ / ١٢١١ ، المعونة ٢ : ١٢٠٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.
(١) أي : غير خائنٍ في العارية ، والإغلال : الخيانة. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٣٨١ « غلل ».
(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٩١ ، المغني ٥ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥.
(٣) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤١.
(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ٨٧٥ ، التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (١) من ص ٢٣٣.
(٦) النساء : ٥٨.
وقال الشافعي : العارية مضمونة بكلّ حال ـ وإليه ذهب عطاء وأحمد وإسحاق ، ورواه العامّة عن ابن عباس وأبي هريرة ـ لما روي في حديث صفوان بن أُميّة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استعار منه يوم خيبر (١) أدرعاً ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة » (٢).
وعن سمرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه » (٣).
ولأنّه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفرداً بنفعه من غير استحقاقٍ ولا إذنٍ في الإتلاف ، فكان مضموناً ، كالغاصب ، والمأخوذ على وجه السوم (٤).
والجواب : إنّا نقول بموجب الحديث ، فإنّ المُعير إذا شرط على المُستعير الضمانَ لزمه.
وكذا نقول بموجب الثاني ، فإنّه يجب على المُستعير أداء العين إلى
__________________
(١) راجع التعليقة (٣) من ص ٢٣٣.
(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٣ ، الهامش (٥).
(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢).
(٤) الأُم ٣ : ٢٤٤ ، مختصر المزني : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٧٠ ، بحر المذهب ٩ : ٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ ـ ٧٧ ، المغني ٥ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ١٨٠ / ١٤٧٩٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٥ و ١٨٦ / ١٨٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١ ، المعونة ٢ : ١٢٠٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٢٠ ، النتف ٢ : ٥٨٣.
مالكها ، والضمير عائد إلى المأخوذ ، لا إلى القيمة مع التلف.
والقياس على الغاصب غلط ؛ لأنّه ظالم ، فلا يناسب الاستئمان.
والمأخوذ بالسوم إنّما دفعه المالك طالباً للعوض ، بخلاف العارية.
مسألة ١١٢ : لو شرط المُعير الضمانَ على المُستعير ، لزمه الضمان مع التلف بغير تفريطٍ.
وإن لم يشترط ضمانها ، كانت أمانةً ، عند علمائنا ، وبه قال قتادة وعبيد الله بن الحسن العنبري (١) ـ وهذا أحد المواضع المستثناة ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه شرط لصفوان بن أُميّة الضمانَ (٢).
ومن طريق الخاصّة : رواية صفوان ، وقد سلفت (٣).
وفي الصحيح عن ابن مسكان عن الصادق عليهالسلام ، قال : قال : « لا تُضمن العارية إلاّ أن يكون اشترط فيها ضماناً ، إلاّ الدنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمان » (٤).
وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال : « إذا هلكت العارية عند المُستعير لم يضمنه إلاّ أن يكون قد اشترط عليه » (٥).
ولأنّ الحاجة تدعو إلى العارية وإلى الاحتياط في الأموال ، فلو
__________________
(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، المحلّى ٩ : ١٧٠ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ١٨٠ / ١٤٧٩٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١ ، المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦.
(٢) راجع الهامش (٥) من ص ٢٣٣.
(٣) في ص ٢٣٣.
(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٤ ، الهامش (١).
(٥) التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٥.
لم يشرع الشرط لزم امتناع ذوي الأموال من إعارتها ، وذلك فساد وضرر وحرج وضيق.
ولقوله عليهالسلام : « المسلمون عند شروطهم » (١) ومَنْ أوجب الضمانَ من غير شرطٍ كان إيجابه معه أولى.
وقال أبو حنيفة : لا يضمن بالشرط كالوديعة (٢).
والفرق : إنّ الوديعة أمانة لا تستعقب انتفاع الأمين بها ، فلا يليق فيها الضمان وإن شرطه ، بخلاف العارية.
وقال ربيعة : كلّ العواريّ مضمونة إلاّ موت الحيوان ، وهو منقول ، عن مالك (٣).
مسألة ١١٣ : لو شرطا في العارية سقوط الضمان سقط ؛ لأنّ العارية لا تستعقب الضمان عندنا ، فوجود الشرط كالعدم.
وروي عن أحمد ـ مع قوله بأنّ العارية مضمونة (٤) ـ سقوطه هنا ، وبه قال قتادة والعنبري ؛ لأنّه لو أذن له في إتلافها لم يجب ضمانها ، فكذا إذا أسقط عنه ضمانها (٥).
وقال الشافعي وأحمد : لا يصحّ هذا الشرط ، ولا يسقط الضمان ؛ لأنّ
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤).
(٢) فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.
(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٠ / ١٢١١.
(٤) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.
(٥) المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١.
كلّ عقدٍ اقتضى الضمانَ لم يغيّره الشرط ، كالمقبوض بالبيع الفاسد أو الصحيح ، وما اقتضى الأمانةَ فكذلك ، كالوديعة والشركة والمضاربة ، وفارق إذن الإتلاف ؛ فإنّ الإتلاف فعل يصحّ الإذن فيه ، ويسقط حكمه ؛ إذ لا ينعقد موجباً للضمان مع الإذن فيه ، وإسقاط الضمان هنا نفي الحكم مع وجود سببه ، وليس ذلك للمالك ، ولا يملك الإذن فيه (١).
والجواب : المنع من قولهم : « كلّ عقدٍ اقتضى الضمانَ لم يغيّره الشرط » لأنّها قضيّة كلّيّة يكذّبها قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المسلمون عند شروطهم » (٢) وإسقاط الحكم بعد وجود سببه ممكن ؛ لأنّه لو أسقطه بعد وجوده أمكن ، كإسقاط الدَّيْن الثابت في الذمّة ، فإسقاطه بعد سببه أولى.
تذنيب : لو شرط سقوط الضمان في العارية المضمونة ، كالذهب والفضّة وغيرهما ممّا يجب فيه الضمان على مذهبنا ، فالأولى السقوط ؛ عملاً بالشرط ، وقد سبق.
وكذا لو شرط الضمان في العارية صحّ ، فإذا أسقطه بعد ذلك سقط.
مسألة ١١٤ : إذا استعار العين من غير مالكها ، ضمن بالقبض ، سواء فرّط فيها وتعدّى أو لا ، وسواء شرط المُعير الضمانَ أو لا ، وسواء كانت يد المُعير يدَ أمانةٍ أو يد ضمانٍ ؛ لأنّه استولى باليد على مال الغير بغير إذنه ، فكان عليه الضمان.
ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق والكاظم عليهماالسلام أنّهما قالا : « إذا
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧ ، المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦.
(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٥٨.
استُعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمُستعير ضامن » (١).
مسألة ١١٥ : العارية تُضمن في مواضع :
أ : إذا كانت العارية الدراهم والدنانير وإن لم يشترط الضمان ، وقد سلف (٢).
وهل يدخل المصوغ منهما؟ فيه إشكال ينشأ : من التنصيص على الدراهم والدنانير في بعض الروايات (٣) ، ومن ورود الذهب والفضّة في بعض الروايات ، ففي رواية زرارة عن الصادق عليهالسلام قال : « جميع ما استعرته فتَوى فلا يلزمك تَواه إلاّ الذهب والفضّة فإنّهما يلزمان » (٤).
ب : العارية من غير المالك.
ج : عارية المُحْرم الصيدَ مضمونةٌ عليه ؛ لأنّ إمساكه عليه حرام ، فيكون متعدّياً فيكون ضامناً.
ولا فرق بين أن يكون المُستعير المُحْرم في الحلّ أو في الحرم.
وكذا لو استعار المُحلّ صيداً في الحرم ضمنه ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكان متعدّياً باستيلاء يده عليه.
د : إذا تعدّى المُستعير أو فرّط في العارية ضمن ، وهو ظاهرٌ ، ومن جملته ما لو منعها عن المالك بعد طلبه لها متمكّناً من ردّها إليه.
وأمّا ولد العارية ـ التي اشترط فيها الضمان عندنا ، ومطلقاً عند القائلين بالتضمين ـ إذا تجدّد بعد الإعارة ، فإنّه أمانة لا يجب ضمانه على
__________________
(١) التهذيب ٧ : ١٨٣ ـ ١٨٤ / ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٢٥ / ٤٤٦.
(٢) في ص ٢٤٣ ، المسألة ٨٧.
(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ و ١٨٤ / ٨٠٤ و ٨٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٤٨.
(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٤٤ ، الهامش (٣).
المُستعير ؛ لأنّه لم يدخل في الإعارة ، فلم يدخل في الضمان ، ولا فائدة للمُستعير فيه ، فأشبه الوديعة ، وأمّا إن كان عند المالك فكذلك عندنا ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
والرواية الأُخرى : إنّها تكون مضمونةً ؛ لأنّه ولد عينٍ مضمونة ، فيضمن ، كولد المغصوبة (١).
والحكم في الأصل ممنوع ؛ فإنّ ولد المغصوبة لا يُضمن إذا لم يكن مغصوباً ، فكذا ولد العارية إذا لم يوجد مع أُمّه ، وإنّما يُضمن ولد المغصوبة إذا كان مغصوباً ، ولا أثر لكونه ولداً لها.
تذنيب : لو استعار من غير المالك عالماً كان أو جاهلاً بالملكيّة ، ضمن ، واستقرّ الضمان عليه ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، ولا يرجع على المُعير ، ولو رجع المالك على المُعير كان للمُعير الرجوعُ على المُستعير.
مسألة ١١٦ : إذا تلفت العين ووجب الضمان ، فإن كانت مثليّةً كانت مضمونةً بالمثل ، وإن لم تكن مثليّةً وجبت القيمة.
ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون قد استعملها المُستعير ، أو لا ، فإن كان قد استعملها وتلف بالاستعمال بعض أجزائها ، وجب عليه قيمة العين الناقصة ؛ لأنّ تلك الأجزاء مأذون في إتلافها ، فلا تكون مضمونةً ، إلاّ أن يتعدّى فيتلف بعض الأجزاء بالتعدّي فيضمن ، بخلاف ما إذا لم يتعدّ ؛ لأنّ الإذن في الاستعمال تضمّنه ، ولو تلفت قبل الاستعمال وهي مضمونة أو أتلفها وجب عليه قيمة العين تامّةً.
لا يقال : إنّه مأذون له في إتلاف الأجزاء ، وإلاّ سقط عنه ضمانها.
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٥٧ و ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨.
لأنّا نقول : الأجزاء إنّما يسقط ضمانها إذا أتلفها مفردةً عن العين على وجه الاستعمال ، فأمّا إذا أتلفها بتلف العين فإنّه يضمنها ؛ لأنّه لا يمكن تميّزها من العين في الضمان.
مسألة ١١٧ : إذا استعمل العارية المضمونة فنقص بعض أجزائها ثمّ تلفت وهي من ذوات القِيَم ، وجبت القيمة يوم التلف ؛ لأنّها لو كانت باقيةً في تلك الحال وردّها لم يجب عليه شيء ، فإذا تلفت وجب مساويها في تلك الحال ، ولأنّ الأجزاء التي تلفت بالاستعمال تلفت غير مضمونةٍ ؛ لأنّه أذن في إتلافها بالاستعمال ، فلا يجوز تقويمها عليه ، وهو أحد أقوال الشافعي.
والثاني : إنّ عليه أقصى القِيَم من يوم القبض إلى حين التلف ؛ لأنّه لو تلف في حال زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة ، فأشبه المغصوب.
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه يقتضي إيجاب ضمان الأجزاء التالفة بالاستعمال ، وهي غير مضمونةٍ.
والثالث : إنّه يجب عليه قيمتها يوم القبض ؛ تشبيهاً بالقرض (١).
والقائل بالثاني يمنع من كون الأجزاء غير مضمونةٍ على الإطلاق ، ويقول : إنّما لا يضمن إذا ردّ العين (٢).
واعلم أنّه فرقٌ بين المغصوب والمستعار ؛ لأنّ المغصوب يجب ردّه في كلّ حالٍ ، منهيّ عن الإمساك في كلّ وقتٍ ، فلهذا ضمن بأعلى القِيَم ، وأمّا المُستعير فإنّ الردّ لا يجب عليه حالة الزيادة ، فافترقا.
ويُبنى على هذا الخلاف أنّ الجارية المستعارة مع الضمان إذا ولدت
__________________
(١) الوسيط ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧.
في يد المُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده؟ إن قلنا : إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب (١) ، كان مضموناً عليه ، وإلاّ فلا. وليس له استعماله إجماعاً.
وهذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ على وجه السوم.
لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة : إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض ؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ (٢).
وقال غيره : الأصحّ كهو في العارية (٣).
وهذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.
مسألة ١١٨ : لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال ، مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس ، فالوجه : ضمان العين وقت التلف ؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ ، والإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلى استعمالٍ غير مُتلفٍ ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والأصحّ عندهم : إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء ؛ لأنّه إتلاف استند إلى فعلٍ مأذونٍ فيه (٤).
وعلى الأوّل لهم وجهان :
أحدهما : كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف ، وهو آخر حالات التقويم.
__________________
(١) الظاهر : « ضمانَ الغصب ».
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.
(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.