الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١
وقال بعض الشافعيّة : يُقبل إقرار الراهن ، ويُباع العبد في الجناية ، ويغرم الراهن للمرتهن (١).
وليس بشيء.
هذا إذا تنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن ، فإن تنازعا فيها قبل لزوم الرهن ، فإن أقرّ الراهن بأنّه كان قد أتلف مالاً عندهم (٢) أو جنى على نفسٍ جنايةً توجب المال ، فإن لم يعيّن المجنيّ عليه أو عيّنه لكن كذّبه ولم يدّع ذلك ، فالرهن مستمرّ بحاله.
وإن عيّنه وادّعاه المجنيّ عليه ، فإن صدّقه المرتهن ، بِيع في الجناية ، وثبت للمرتهن الخيارُ في البيع المشروط فيه الرهن ؛ لعدم سلامته له.
وإن كذّبه المرتهن ، لم يُقبل إقراره وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة (٣) لما فيه من إبطال حقّ المرتهن ، والتهمة فيه ظاهرة ؛ لجواز أن يكون الراهن والمُقرّ له قد تواطئا على ذلك بحيث يرتفع الرهن.
والقول الثاني للشافعي : أنّه يُقبل ؛ لأنّ الراهن مالك فيما أقرّ به ، فلا تهمة في إقراره (٤).
وهو ممنوع.
وكذا القولان لو أقرّ العبد بسرقة وقبلناه في القطع ، هل يُقبل في المال؟
وكذا لو قال الراهن : كنت غصبته ، أو اشتريته شراءً فاسداً ، أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته وأقبضته.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
وكذا لو قال : كنت أعتقته (١).
قال بعض الشافعيّة : ولا حاجة في هذه صورة العتق إلى تصديق العبد دعواه ، بخلاف سائر الصور (٢).
وفي الإقرار بالعتق قولٌ ثالث : إنّه إن كان موسراً ، نفذ ، وإلاّ فلا ، تنزيلاً للإقرار بالإعتاق منزلة الإعتاق (٣).
ونقل بعض الشافعيّة الأقوال الثلاثة للشافعي في جميع الصور (٤).
فإن قلنا : لا يُقبل إقرار الراهن ، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف على نفي العلم بالجناية.
وإذا حلف واستمرّ ، فهل يغرم الراهن للمجنّي عليه؟ الوجه عندنا : أنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ في رقبة العبد بما لم يُقبل إقراره ، فكأنّه لم يقرّ ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني وهو الأصحّ عندهم : أنّه يغرم ، كما لو قتله ؛ لأنّه حال بينه وبين حقّه (٥).
وكذا القولان فيما إذا أقرّ بدارٍ لزيد ثمّ أقر لعمرو ، هل يغرم لعمرو؟ الوجه : ذلك ؛ لأنّه بالإقرار الأوّل حالَ بين مَن اعترف باستحقاقه ثانياً وبين حقّه.
فإن قلنا : يغرم ، طُولب في الحال إن كان موسراً. وإن كان معسراً فإذا أيسر.
وفيما يغرم للمجنيّ عليه؟ طريقان للشافعيّة.
قال بعضهم : أصحّ القولين أنّه يغرم الأقلّ من قيمته وأرش الجناية.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.
وثانيهما : أنّه يغرم الأرش بالغاً ما بلغ.
وقال أكثرهم : يغرم الأقلّ بلا خلافٍ ، كما أنّ أُمّ الولد لا تفتدى إلاّ بالأقلّ إذا جنت ؛ لامتناع البيع ، بخلاف العبد القِنّ (١).
وإن قلنا : لا يغرم الراهن [ فإن ] (٢) بِيع في الدَّيْن ، فلا شيء عليه ، لكن لو ملكه يوماً ، فعليه تسليمه في الجناية. وكذا لو انفكّ الرهن عنه.
هذا إذا حلف المرتهن ، فإن نكل فعلى مَنْ تُردّ اليمين؟ فيه قولان للشافعيّة :
أحدهما : على الراهن ؛ لأنّه المالك للعبد ، والخصومة تجري بينه وبين المرتهن. وأصحّهما عندهم : على المجنيّ عليه ؛ لأنّ الحقّ فيما أقرّ له ، والراهن لا يدّعي لنفسه شيئاً (٣).
وهذا الخلاف عند بعضهم مبنيّ على أنّه لو حلف المرتهن ، هل يغرم الراهن للمجنيّ عليه؟ إن قلنا : نعم ، تُردّ على المجنيّ عليه ؛ لأنّ الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئاً ، والمجنيّ عليه يستفيد بها إثبات دعواه ، وسواء قلنا : تُردّ اليمين على الراهن أو المجنيّ عليه ، فإذا حلف المردود عليه ، بِيع العبد في الجناية ، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لأنّ إقرار الراهن إذا لم يُقبل لا يفوت عليه شيء ، وإنّما يلزم الفوات من النكول (٤).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « إن ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧.
ثمّ إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد ، بِيع كلّه ، وإلاّ بِيع منه بقدر الأرش.
وهل يكون الباقي رهناً؟ فيه وجهان : أصحّهما عندهم : لا ؛ لأنّ اليمين المردودة كالبيّنة ، أو كإقرار المرتهن بأنّه كان جانياً في الابتداء ، فلا يصحّ الرهن في شيء منه (١).
وإذا رددنا على الراهن فنكل ، فهل تُردّ الآن على المجنيّ عليه؟ قولان :
أحدهما : نعم ؛ لأنّ الحقّ له ، فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره.
وأشبههما : لا ؛ لأنّ اليمين لا تُردّ مرّةً بعد مرّة ، فحينئذٍ [ نكول الراهن كحلف (٢) ] المرتهن في تقرير الرهن (٣).
وهل يغرم الراهن للمُقرّ له؟ فيه القولان (٤).
وإن رددنا على المجنيّ عليه فنكل ، سقطت دعواه ، وانتهت الخصومة ، عند بعضهم (٥).
وردّ آخَرون على الراهن. وإذا لم يردّ ، لم يغرم الراهن قولاً واحداً ، ويحال بالحيلولة على نكوله (٦).
هذا إذا قلنا : إنّ الراهن لا يُقبل إقراره ، أمّا إذا قلنا : إنّه يُقبل ، فهل يحلف أم يُقبل قوله من غير يمين؟ قولان :
أحدهما : لا يحلف ؛ لأنّ اليمين للزجر والتخويف ليرجع عن قوله إن
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « الراهن يحلف ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
كان كاذباً ، وهنا لا سبيل إلى الرجوع.
وأصحّهما عندهم : أنّه يحلف لحقّ المرتهن ، وعلى هذا فيحلف على البتّ ؛ لأنّه حلفٌ على الإثبات (١).
وسواء قلنا بالتحليف أو عدمه ، فيُباع العبد في الجناية إمّا كلّه أو بعضه على ما مرّ ، وللمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن ، وإن نكل ، حلف المرتهن ؛ لأنّا إنّما حلّفنا الراهن لحقّه ، فالردّ يكون عليه.
و [ ما ] (٢) فائدة حلفه؟ فيه قولان :
أحدهما : أنّ فائدته تقرير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات.
والثاني : أنّ فائدته أن يغرم الراهن قيمته لتكون رهناً مكانه ، ويُباع العبد في الجناية بإقرار الراهن.
فإن قلنا بالأوّل ، فهل يغرم الراهن للمُقرّ له ؛ لأنّه بنكوله حالَ بينه وبين حقّه؟ قولان سبقا.
وإن قلنا بالثاني ، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن؟ فيه وجهان يُنظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة. والثاني [ إلى ] (٣) أنّ عين المشروط لم يسلم (٤).
وإن نكل المرتهن ، بِيع العبد في الجناية ، ولا خيار في البيع ، ولا غرم على الراهن.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٧ ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٦ ٣٥٧.
ولو أقرّ بالعتق وقلنا : إنّه لا يُقبل إقراره ، قال الشافعي : إنّه يُجعل ذلك كإنشاء الإعتاق حتى تعود فيه الأقوال ؛ لأنّ مَنْ ملك إنشاء أمرٍ قُبل إقراره به (١).
وقيل : فيه وجهان وإن حكمنا بنفوذ الإنشاء ؛ لأنّه ممنوع من الإنشاء شرعاً وإن نفذناه إذا فعل ، كما أنّ إقرار السفيه بالطلاق مقبول كإنشائه (٢) (٣).
ولو أقرّ بإتلاف مالٍ ، ففي قبوله وجهان ؛ لأنّه ممنوع من الإتلاف شرعاً (٤).
قالوا : وجميع ما ذكرناه في مسألة الإقرار بالجناية مبنيّ على أنّ رهن الجاني لا يجوز ، أمّا إذا جوّزناه ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يُقبل إقراره لا محالة حتى يغرم للمجنيّ عليه ويستمرّ الرهن (٥).
وقال آخَرون : يطّرد فيه القولان (٦).
ووجه عدم القبول : أنّه يحلّ بلزوم الرهن ؛ لأنّ المجنيّ عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن (٧).
ولو أقرّ بجنايةٍ توجب القصاص ، لم يُقبل إقراره على العبد. ولو قال : ثمّ عفي على مالٍ ، فهو كما لو أقرّ بما يوجب المال.
مسألة ٢٢٥ : إذا وطئ جاريته ولم يظهر بها حَمْلٌ ، جاز رهنها وإن احتمل أنّها حملت ؛ لأنّ الأصل عدم الإحبال ، فلا يمتنع من التصرّف لذلك
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « بإنشائه ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
الاحتمال.
فإن ظهر بها حَمْلٌ فإن كان لدون ستّة أشهر من حين الوطء ، لم يلحق به الولد ، وكان مملوكاً ، والرهن بحاله.
وكذا لو كان لأكثر من مدّة الحمل ، وهو سنة نادراً عندنا ، وأربع سنين عند الشافعي (١).
وإن كان لستّة أشهر فأكثر إلى سنة عندنا وإلى أربع سنين عند الشافعي (٢) ، لحق به الحمل ، وصارت أُمَّ ولدٍ ، وكان الولد حُرّاً لاحقاً به.
وهل يثبت ذلك في حقّ المرتهن؟ يُنظر فإن كان إقراره بالوطء قبل الرهن أو بعده قبل القبض ، إن جعلنا القبض شرطاً ، ثبت في حقّ المرتهن ، وخرجت من الرهن ؛ لأنّه أقرّ في حالةٍ ثبت ، ولم يثبت حقّ المرتهن في الرهن ، وخرجت من الرهن.
وكذا لو كان إقراره بعد لزوم الرهن وصدّقه المرتهن أو قامت عليه بيّنة ، فتكون أُمَّ له ، ولدٍ ويبطل الرهن.
وللمرتهن فسخ البيع الذي شرط فيه رهنها.
وقال بعض الشافعيّة : لا خيار له ؛ لأنّه قبضها مع الرضا بالوطء ، فهو بمنزلة العيب (٣).
وقال بعضهم : إن كان قد أقرّ بالوطء قبل العقد ، فلا خيار له. وإن كان بعد [ العقد ] (٤) فله الخيار (٥).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٧.
(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦٣.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « القبض » والظاهر ما أثبتناه كما في المصدر.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٤٦٣.
وقال بعضهم : يثبت له الخيار بكلّ حال ؛ لأنّ الوطء لا يمنع صحّة عقد الرهن ، ولا يثبت الخيار للبائع ، وإذا شرط ارتهانها وأقرّ السيّد بالوطء ، لم يثبت له بذلك الخيارُ ، فلم يكن قبضها رضاً بالحمل الذي يؤول إليه الوطء ، ولأنّا إذا جعلنا الظاهر عدمه ، فلا نجعل رضاه بالوطء رضاً به ، فلم يسقط حقّه بذلك (١).
فأمّا إذا أقرّ بالوطء بعد ما قبضها المرتهن وكذّبه المرتهن ، فللشافعي قولان :
أحدهما : يُقبل إقراره لثبوت الاستيلاد ؛ لأنّه أقرّ في ملكه بما لا تهمة عليه ، لأنّه يستضرّ بذلك ، فيخرج من الرهن ، وبقي الدَّيْن في ذمّته ، فلزم إقراره.
والثاني : لا يُقبل ؛ لأنّه أقرّ بما فسخ به عقداً على غيره ، فلم يُقبل ، كما لو باع جاريةً ثمّ أقرّ بعتقها قبل البيع (٢).
وكذا القولان فيما إذا رهن عبداً وأقبضه ثمّ أقرّ بأنّه جنى على إنسان ، أو أعتقه.
وعلى كلّ حال فالولد حُرٌّ ثابت النسب عند الإمكان.
ولو لم يصادف ولداً في الحال وزعم الراهن أنّها ولدت منه قبل الرهن ، ففيه الخلاف.
مسألة ٢٢٦ : لو أقرّ بجناية يقصر أرشها عن قيمة العبد ومبلغ الدَّيْن ، قُبل في مقدار الأرش على الخلاف السابق ، ولا يُقبل فيما زاد على ذلك ؛ لظهور التهمة فيه.
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٣.
(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٣ ، المغني ٤ : ٤٣٩.
وقيل بطرد الخلاف (١).
ولو باع عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد غصبه أو باعه أو أنّه اشتراه شراءً فاسداً ، لم يعتد بقوله ؛ لأنّه إقرار في ملك الغير ، فيكون مردوداً ظاهراً ، بخلاف إقرار الراهن ، فإنّه إقرار في ملكه.
وقال بعض الشافعيّة : يجري فيه الخلاف المذكور (٢).
والحقُّ : الأوّل ، فيكون القولُ قولَ المشتري.
فإن نكل ، فالردّ على المدّعي أو على المُقرّ البائع؟ فيه قولان (٣).
ولو آجر عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد باعه أو آجره أو أعتقه ، لم يُقبل.
وفيه الخلاف المذكور للشافعيّة في الرهن ؛ لبقاء الملك (٤).
ولو كاتبه ثمّ أقرّ بما لا تصحّ معه الكتابة ، جرى فيه الخلاف السابق (٥). والوجه : عدم القبول ؛ لأنّ المكاتب بمنزلة مَنْ زال الملك عنه.
مسألة ٢٢٧ : لو أذن المرتهن في بيع الرهن وباع الراهن ورجع المرتهن [ عن ] (٦) الإذن ثمّ اختلفا ، فقال المرتهن : رجعتُ قبل أن بعتَ فيبطل بيعك ويبقى المال رهناً كما كان. وقال الراهن : بل كان رجوعك بعد البيع ، قال الشيخ رحمهالله : يقدَّم قولُ المرتهن ؛ لأنّ الراهن يدّعي بيعاً والأصل عدمه ، والمرتهن يدّعي رجوعاً والأصل عدمه ، فتعارض الأصلان ، ولم يمكن العمل بهما ولا بأحدهما ؛ لعدم الأولويّة ، فسقطا ، والأصل بقاء
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٩.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
(٦) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.
الوثيقة حتى يُعلم زوالها (١). وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّ القول قول الراهن ؛ لتقوّي جانبه بالإذن الذي سلّمه المرتهن (٢).
وقال بعضهم : إن قال الراهن أوّلاً : تصرّفتُ بإذنك ، ثمّ قال المرتهن : كنت رجعت قبله ، فالقول قول الراهن مع يمينه. وإن قال المرتهن أوّلاً : رجعتُ عمّا أذنتُ ، فقال الراهن : كنت تصرّفتُ قبل رجوعك ، فالقول قول المرتهن مع يمينه ؛ لأنّ الراهن حينما أخبر لم يكن قادراً على الإنشاء (٣). ولو أنكر الراهن أصلَ الرجوع ، فالقول قوله مع اليمين ؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع.
مسألة ٢٢٨ : لو كان على إنسان لآخَر ألفان : ألف بِرَهْنٍ ، وألف بغير رهن ، فسلّم المديون إليه ألفاً ثمّ اختلفا ، فقال الراهن : دفعت إليك وتلفّظت لك أنّها على الألف التي بالرهن ، وقال المدفوع إليه : بل دفعتها عن الألف الأخرى ، فالقول قول الدافع ؛ لأنّه أعلم بما دفعه ، ولأنّه يقول : إنّ الدَّيْن الباقي بلا رهن ، والقول قوله في أصله فكذلك في صفته.
وإن اتّفقا على أنّه لم يتلفّظ بشيء وقال الدافع : نويتها عن الألف التي بالرهن ، وقال المرتهن : بل أردت بذلك الألفَ الأخرى ، فالقول قول الدافع أيضاً ؛ لما تقدّم ، ولأنّه أعلم بنيّته.
__________________
(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٩ ٢١٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
(٣) التهذيب للبغوي ٤ : ٢٨ ، وعنه في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٠ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٥٨.
وكذا البحث لو كان [ بأحدهما ] (١) كفيلٌ ، أو كان أحدهما حالاًّ أو ثمنَ مبيعٍ محبوس ، فقال : سلّمته عنه ، وأنكر صاحبه.
والاعتبار في أداء الدَّيْن بقصد المؤدّي حتى لو ظنّ المستحقّ أنّه يودعه عنده وقصد المديون أداء الدَّيْن ، برئت ذمّته ، وصار المؤدّى ملكاً للمستحقّ.
إذا عرفت هذا ، فإن كان عليه دَيْنان فأدّى عن أحدهما بعينه ، وقع عنه. فإن أدّى عنهما ، قُسّط على الدَّيْنين.
وإن لم يقصد في الحال شيئاً ، احتمل توزيعه على الدَّيْنين ؛ لعدم الأولويّة ، ومراجعتُه حتى يصرفه الآن إلى أيّهما شاء ، كما لو كان له مالان : حاضر وغائب ، ودفع زكاةً إلى المستحقّين ولم يعيّن بالنيّة أحدهما ، صرفها إلى ما شاء منهما.
وكلا الاحتمالين للشافعيّة قولان مثلهما (٢).
وتردّد بعضهم في الاحتمال الأوّل هل يوزّع على قدر الدَّيْنين أو على المستحقّين بالسويّة؟ (٣).
ولهذه المسألة نظائر :
منها : لو تبايع كافران درهماً بدرهمين وسلّم مشتري الدرهم أحدَ الدرهمين ثمّ أسلما ، إن قصد تسليمه عن الفضل ، فعليه الأصل. وإن قصد تسليمَه عن الأصل ، فلا شيء عليه. وإن قصد تسليمه عنهما ، وزّع عليهما ،
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « أحدهما ». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٩.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٩.
وسقط ما بقي من الفضل. وإن لم يقصد شيئاً ، فالوجهان.
ومنها : لو كان لزيدٍ عليه مائة ولعمرو مائة ثمّ وكّلا وكيلاً بالاستيفاء فدفع المديون لزيدٍ أو لعمرو ، انصرف إلى مَنْ قصده. وإن أطلق ، فالوجهان.
ومنها : لو قال : خُذْه وادفعه إلى فلان أو إليهما ، فهذا توكيل منه بالأداء ، وله التعيين ما لم يصل إلى المستحقّ. ولو لم يعيّن فدفعه الوكيل إلى وكيليهما ، فالوجهان.
ومنها : لو كان عليه مائتان لواحدٍ فأبرأه المالك عن مائة ، فإن قصدهما أو واحدةً منهما بعينها ، انصرف إلى ما قصده. وإن أطلق فالوجهان.
فإن اختلفا فقال المبرئ : أبرأت عن الدَّيْن الخالي عن الرهن والكفيل ، فقال المديون : بل عن الآخَر ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه أعرف بنيّته.
مسألة ٢٢٩ : لو باعه شيئاً وشرط في العقد رَهْنَ شيء بعينه ، فرهنه ثمّ وجد المرتهن فيه عيباً وادّعى قِدَمه ، وأنكر الراهن ليسقط خيار المرتهن في البيع ، فالقول قول مَنْ ينكر القِدَم.
ولو رهنه عصيراً ثمّ اختلفا بعد القبض ، فقال المرتهن : قبضتُه وقد تخمّر فلي الخيار في البيع المشروط فيه الرهن ، وقال الراهن : بل صار عندك خمراً ، فالقول قول الراهن مع يمينه ؛ لأصالة بقاء البيع ، والمرتهن يطلب بدعواه التدرّج إلى الفسخ ، وهو أصحّ قولي الشافعي.
والثاني : أنّ القول قول المرتهن مع يمينه وبه قال أبو حنيفة لأنّ الأصل عدم القبض الصحيح (١).
ولو زعم المرتهن أنّه كان خمراً يوم العقد وكان الشرط شرطَ رَهْنٍ فاسد ، فمن الشافعيّة مَنْ طرد القولين. ومنهم مَنْ قطع بأنّ القول قول المرتهن.
ومأخذ الطريقين أنّ فساد الرهن هل يوجب فساد البيع؟
إن قلنا : لا ، عاد القولان.
وإن قلنا : نعم ، فالقول قول المرتهن ؛ لأنّه ينكر أصل البيع ، والأصل عدمه (٢).
وخرّج قومٌ القولين على أنّ المدّعي مَنْ يدّعي أمراً خفيّاً ، والمدّعى عليه مَنْ يدّعي أمراً جليّاً ، أو المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، والمدّعى عليه مَنْ لو سكت لم يُترك. فإن قلنا بالأوّل ، فالمدّعي الراهن ؛ لأنّه يزعم جريان القبض الصحيح ، والأصل عدمه ، فيكون القول قولَ المرتهن. وإن قلنا بالثاني ، فالمدّعي هو المرتهن ؛ لأنّه لو سكت لتُرك والراهن لا يُترك لو سكت ، فيكون القولُ قولَ الراهن (٣).
ولو سلّم الراهن العبدَ المشروط رهنُه في البيع ملفوفاً في ثوبٍ ثمّ وُجد ميّتاً ، فقال الراهن : مات عندك ، وقال المرتهن : بل كان ميّتاً ، فالأقوى
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ٥٤٤.
تقديم قول المرتهن ؛ لأصالة عدم الإقباض.
وللشافعيّة فيه القولان السابقان (١).
ولو اشترى لبناً وأتى بظرفٍ فصبّه البائع فيه فوُجدت فيه فأرة ميّتة ، فقال البائع : إنّها كانت في ظرفك ، وقال المشتري : بل دفعته وفيه الفأرة ، فالقولان (٢).
ولو زعم المشتري أنّها كانت فيه يومَ البيع ، فهو اختلاف في أنّ العقد جرى صحيحاً أو فاسداً ، فالقول قول مدّعي الصحّة.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.
الفصل التاسع :
في اللواحق
مسألة ٢٣٠ : الرهن شرعاً : جَعْل المال وثيقةً على الدَّيْن ليستوفى منه إذا تعذّر استيفاؤه من المديون ، وليس واجباً إجماعاً.
وهو جائز في السفر والحضر عند عامّة أهل العلم. وحكي عن مجاهد وداوُد أنّهما قالا : لا يجوز إلاّ في السفر ؛ لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) فشرط السفر (٢).
وليس بشيء ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رهن درعه عند يهوديّ وكان بالمدينة (٣).
ولأنّ هذه وثيقة تجوز في السفر ، فجازت في الحضر ، كالضمان والشهادة.
وشرط السفر في الآية بناءً على الأغلب ، فإنّ عدم الكاتب في العادة لا يكون إلاّ في السفر ؛ لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ
__________________
(١) البقرة : ٢٨٣.
(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤ ٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٧ ، المحلّى ٨ : ٨٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٨.
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٧٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٥ / ٢٤٣٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٦.
جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (١) وشرط السفر لأنّ العدم يكون في الغالب فيه ، ألا ترى أنّه شرط عدم الكاتب ويجوز الرهن وإن كان الكاتب غيرَ معدومٍ.
مسألة ٢٣١ : قد بيّنّا (٢) أنّ الرهن يتمّ عند أكثر علمائنا بنفس العقد وإن لم يحصل القبض.
وقال بعضهم : لا بُدَّ من القبض.
وللعامّة قولان كهذين.
فلو رهن ثمّ جُنّ ، لم يبطل الرهن عند الشافعي (٣).
وقال بعض الشافعيّة : يبطل ؛ لأنّ الرهن قبل القبض عقد جائز غير لازمٍ ، فيبطل بزوال التكليف ، كالوكالة والشركة (٤).
وأجابوا عنه : بأنّه وإن لم يكن لازماً إلاّ أنّه يؤول إلى اللزوم ، فهو كعقد البيع المشروط فيه الخيار ، بخلاف الوكالة والشركة ، فإنّهما لا يؤولان إلى اللزوم. ولأنّ تلك العقود تبطل بموت كلّ واحدٍ منهما ، وهنا لا يبطل الرهن ، فافترقا (٥).
تذنيب : لو كان بين شريكين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيتٍ بعينه ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّه يصحّ بيعه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
__________________
(١) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.
(٢) راجع ص ١٨٩ ١٩٠ ، المسألة ١٤٠.
(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٦ ، الوجيز ١ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.
(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٨ ٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.
(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٩.
والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه قد يقاسم شريكه ، فيقع هذا البيت في حصّة شريكه وهو مرهون ، فلا يجوز (١).
تذنيب آخَر : لو كان له غرماء غير المرتهن وحجر عليه الحاكم لأجل الغرماء ، لم يجز تسليم الرهن إلى مَنْ رهنه عنده قبل الحجر ؛ لأنّه ليس له أن يرهن ابتداءً في هذه الحالة كذلك تسليم الرهن ؛ لحقّ الغرماء وتعلّقه بماله.
مسألة ٢٣٢ : يجب على الوليّ الاحتياط في مال الطفل والمجنون ، فلو ارتهن في بيعٍ مع المصلحة ، جاز ، وفيه ثلاث مسائل :
أ : لو كان له مال يساوي مائةً نقداً فيبيعه بمائة نسيئةً ويأخذ رهناً ، فإنّ هذا بيعٌ فاسد إلاّ أن يخاف النهب لأنّ بيعه بذلك نقداً أحظّ.
ب : أن يكون ماله يساوي مائةً نقداً ، فيبيعه بمائة وعشرين ، مائة نقداً ، وعشرين نسيئةً ، ويأخذ بها رهناً ، فإنّه يجوز ؛ لأنّ له بيعه بمائة نقداً ، وقد زاده خيراً ، وكان أولى بالجواز.
ج : أن يساوي مائةً نقداً ، فيبيعه بمائة وعشرين مؤجَّلةً ويأخذ بالجميع رهناً ، فإنّه يجوز مع المصلحة.
وللشافعيّة قولان ، منهم مَنْ مَنَع ؛ لما فيه من التغرير بمال الطفل ، وبيع النقد أحوط (٢).
وليس بجيّد ؛ لأنّه مأمور بالتجارة وطلب الربح ، وهذا طريقه ، فكان جائزاً.
وأمّا قرض ماله فلا يجوز إلاّ بشرطين :
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٣.
(٢) روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦ ، المغني ٤ : ٤٣١.
أحدهما : أن يخاف عليه النهب أو الغرق وشبهه.
والثاني : أن يكون المقترض ثقةً مليّاً ليأمن جحوده.
فإن رأى من المصلحة قبض الرهن ، قَبَضه. وإن رأى من المصلحة تركه ، لم يقبضه ؛ لأنّه إذا خاف عليه التلف فربما رفعه إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بالتلف.
مسألة ٢٣٣ : قد بيّنّا أنّه ليس للراهن وطؤ الجارية المرهونة ؛ لجواز أن تحمل فتتلف أو تنقص قيمتها بالحمل ، بخلاف الاستخدام وسكنى العقار ؛ لانتفاء الضرر.
ولو كانت صغيرةً لا تحبل أو آيسةً ، احتُمل الجواز وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لانتفاء الضرر (١) لما رواه الحلبي في الحسن قال : سألتُ الصادقَ عليهالسلام عن رجل رهن جاريته عند قومٍ أيحلّ له أن يطأها؟ قال : « إنّ الذين ارتهنوا يحولون (٢) بينه وبينها » قلت : أرأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال : « نعم ، لا أرى هذا عليه حراماً » (٣).
وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام في رجل رهن جاريته قوماً أله أن يطأها؟ فقال : « إنّ الذين ارتهنوا يحولون (٤) بينه وبينها » فقلت : أرأيت إن قدر على ذلك خالياً؟ قال : « نعم ، لا أرى بذلك بأساً » (٥).
والشيخ رحمهالله مَنَع من ذلك (٦).
__________________
(١) الوجيز ١ : ١٦٤ ، الوسيط ٣ : ٤٩٧ ٤٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٦.
(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يحيلون ». وما أثبتناه من المصدر.
(٣) الكافي ٥ : ٢٣٥ ٢٣٦ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٢.
(٤) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يحيلون ». وما أثبتناه من المصدر.
(٥) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ ١٧٠ / ٧٥٣.
(٦) النهاية : ٤٣٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٦ ، الخلاف ٣ : ٢٣١ ، المسألة ٢٠.
مسألة ٢٣٤ : شرط الحنفيّة في تمام عقد الرهن القبضَ التامّ ، وهو أن يكون مقسوماً مفرغاً متميّزاً (١).
واحتُرز بالمقسوم عن رهن المشاع ، فإنّه لا يصحّ عندهم (٢).
وقد بيّنّا بطلان قولهم. واحترزوا بالمفرغ عن [ رهن ] دارٍ فيها متاع للراهن (٣) ، وبالمتميّز عن رهن متّصلٍ بغيره اتّصالَ خلقةٍ ، كما لو رهن الثمر على رأس الشجر دون الشجر ، فإنّه لا يجوز عندهم (٤).
وكذا لا يجوز رهن الزرع في الأرض ، دونها ، ولا رهن النخل في الأرض ، دونها (٥). وكذا لا يجوز رهن الأرض ، دون النخل أو دون الزرع ، أو النخل دون الثمر ، ولا رهن الدار دون البناء (٦).
وفي روايةٍ عن أبي حنيفة : جواز رهن الأرض دون الأشجار ،
__________________
(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٨ و ١٤٠ و ١٤٢ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٨ ، النتف ٢ : ٨٩٤.
(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٨ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣.
(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣١.
(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٣ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢.
(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٣ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢.
(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٣ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ١٣٣.
ولا يصحّ دون البناء ؛ لأنّه التابع (١).
وقد بيّنّا فساد الجميع. ولو رهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن ، سقط دَيْنه عند الحنفيّة (٢).
ولو كانت قيمته خمسةً ، رجع المرتهن على الراهن بخمسة اخرى. ولو كانت قيمته خمسة عشر ، فالفضل أمانة ، عند أبي حنيفة (٣).
وقال زفر : يرجع الراهن على المرتهن بخمسة ؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالقيمة. ولأنّ الزيادة على الرهن مرهونة ؛ لكونها محبوسةً ، فتكون مضمونةً ، كقدر الدَّيْن. ولقول عليّ عليهالسلام : « يترادّان الفضل » (٤) (٥).
مسألة ٢٣٥ : لو طالَب المرتهن الراهنَ بالدَّيْن ، لم يكن للراهن أن يقول : أحضر المرهون وأنا أُؤدّي دَيْنك من مالي ، بل لا يلزمه الإحضار بعد الأداء أيضاً ، وإنّما عليه التمكين ، كالمودع.
والإحضار وما يحتاج إليه من مئونةٍ على ربّ المال.
ولو احتاج إلى بيعه في الدَّيْن ، لم يكن عليه الإحضار أيضاً ، بل يتكلّف الراهن مئونته ، ويحضره القاضي [ ليبيعه ] (٦) وبه قال الشافعي (٧).
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٣ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ١٣٣.
(٢) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠.
(٣) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٨.
(٤) سنن البيهقي ٦ : ٤٣.
(٥) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٨.
(٦) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « بقبضه ». والصحيح ما أثبتناه.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦١.