الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩
ولو شرط كونه ذا زوجة أو كون الجارية ذات زوج ، جاز إذا لم يندر وجوده ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).
ولو شرط كونه سارقاً أو زانياً ، جاز قاله بعض الشافعيّة (٢).
ولا بأس به ، لكنّ الأقرب أنّه لو أتاه بالسليم ، وجب القبول.
ولو شرط كون الجارية مغنّيةً أو عوّادة (٣) ، لم يجز ؛ لأنّها صناعة محظورة ، والسرقة والزنا أُمور تحدث ، كالعور وقطع اليد (٤).
وفي الفرق إشكال.
مسألة ٤٥٦ : لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة ، جاز ـ وهو قول بعض الشافعيّة (٥) لأنّه حيوان يجوز السَّلَم فيه ، فجاز إسلاف بعضه في بعض ، كالإبل.
وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّها قد تكبر في المحلّ وهي بالصفة المشترطة ، فيسلّمها بعد أن يطأها ، فتكون في معنى استقراض الجواري (٦).
وهو غلط ؛ لأنّ الشيئين إذا اتّفقا في إفادة معنىً ما ، لم يلزم اتّحادهما ، على أنّا نمنع حكم الأصل ؛ فإنّ استقراض الجواري جائز عندنا على ما يأتي ، وإذا اشترى جارية ووطئها ثمّ وجد بها عيباً ، ردّها ، ولا يجري مجرى الاستقراض. ولأنّه يجوز إسلاف صغار الإبل في كبارها ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٠ ٢٦١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤ ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٣) في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٦١ : « قوّادة ». والعوّادة : التي تضرب بالعود الذي هو آلة من المعازف. القاموس المحيط ١ : ٣١٩ « عود ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٦) حلية العلماء ٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
فجاز في الرقيق.
إذا تقرّر هذا ، فلو جاء بالجارية الصغيرة وقد كبرت على الصفات المشترطة ، وجب على المشتري القبول ؛ لأنّ المثمن موصوف وهي بصفته. ولأنّه قد جاء بما عليه على الوجه الذي عليه ، فيجب عليه قبوله ، كغيره من الأسلاف ، وهو أحد قولي الشافعيّة (١).
والثاني : لا يجوز ، وإلاّ لزم اتّحاد الثمن والمثمن (٢).
واستحالته هنا ممنوعة ، ولم يتّحد في أصل العقد ، والمحال إنّما هو ذلك ، وعلى هذا لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً أو كبيرةً في كبيرة بصفتها ، وإذا وطئها ، فلا مبالاة بالوطي ، كوطي الثيّب وردّها بالعيب.
مسألة ٤٥٧ : ويجب في الإبل ما يجب [ ذكره ] في مطلق الحيوان من النوع والذكورة والأُنوثة واللون ، كالأحمر والأسود والأزرق ، والسنّ ، كابن مخاض أو بنت لبون أو غير ذلك ، ويزيد : من نتاج بني فلان ونَعَمهم إذا كثر عددهم وعرف بهم نتاج ، كطي وبني قيس.
ولو نسب إلى طائفة قليلة ، لم يجز ، كما لو نسب الثمرة إلى بستانٍ بعينه.
ولو اختلف نتاج بني فلان وكان فيها أرحبيّة (٣) ومُجَيْديّة (٤) ، فلا بدّ
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٣) أرحب : حيّ أو موضع ينسب إليه النجائب الأرحبيّة. لسان العرب ١ : ٤١٦ « حرب ».
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : محدثة. والصحيح ما أثبتناه. قال الفيّومي في المصباح المنير : ٥٦٤ : الإبل المُجَيْديّة على لفظ التصغير. ونقل عن الأزهري أنّها من إبل اليمن كالأرحبيّة.
من التعيين وهو أظهر قولي الشافعيّة (١) لأنّ الأنواع مقصودة ، فوجب ذكرها. والآخر : لا يجب ؛ لأنّ الإنتاج إذا كان واحداً ، تقارب ولم يختلف (٢).
مسألة ٤٥٨ : ويجب في الخيل ما يجب ذكره في مطلق الحيوان من الأُمور الأربعة وما يجب في الإبل ، فإنّ لها نتاجاً كنتاج الإبل ، ولا يجب ذكر الشيات (٣) ، كالأغرّ والمحجَّل ، فإن ذكرها ، وجب له ذلك. ولو أهمل ، جاز وحمل قوله : « أشقر » أو « أدهم » على البهيم ؛ لأنّ قوله : « أسود » أو « أشقر » يقتضي كون اللون كلّه ذلك ؛ لأنّه الحقيقة.
مسألة ٤٥٩ : البغال والحمير لا نتاج لها ، فلا يبيّن نوعهما بالإضافة إلى قوم ، بل يصفهما وينسبهما إلى بلادهما ، ويصفهما بكلّ وصف تختلف به الأثمان.
وأمّا الغنم فإن عرف لها نتاج ، فهي كالإبل. وإن لم يعرف لها نتاج ، نسبت إلى بلادها. وكذا البقر.
ولو أسلم في شاة حامل أو معها ولدها أو بقرة كذلك ، جاز ، خلافاً للشافعي (٤).
ولو أسلم في شاة لبون ، صحّ ؛ لأنّه وصف مميّز ، فجاز كغيره.
وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، ويكون ذلك شرطاً يتميّز به ، ولا يكون سَلَماً في لبن. والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه بمنزلة السلف في حيوان معه لبن مجهول ، فلا يجوز (٥). وهو ممنوع.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦١.
(٣) الشية : كلّ لون يخالف معظم لون الفرس وغيره. والجمع : شياة. الصحاح ٦ : ٢٥٢٤ « وشى ».
(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.
(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٧ ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.
إذا ثبت هذا ، فإنّه لا يلزمه تسليم اللبن ، بل له أن يحلبها ويسلّمها ، فإنّ الواجب ما من شأنه ذلك.
مسألة ٤٦٠ : هل يجوز السَّلَم في الطيور؟ الأقرب : ذلك إن أمكن ضبطها بالوصف كالنَّعَم وغيرها.
وللشافعيّة فيه قولان ، أحدهما : الجواز كالنَّعَم. والثاني : المنع ؛ لأنّه لا يمكن ضبط سنّها ، ولا يعرف قدرها بالذرع (١).
ويمنع اشتراطهما فيها.
وعلى ما قلناه من الجواز يذكر النوع ، ويصفه بالصغر والكبر من حيث الجثّة ، ولا يكاد يعرف سنّها ، فإن عرف ، ذكره.
ويجوز السَّلَم في السمك والجراد حيّاً وميّتاً عند عموم الوجود ، ويوصف كلّ جنس من الحيوان بما يليق به.
مسألة ٤٦١ : ويصف اللبن بما يميّزه عن غيره من ذكر النوع أوّلاً ومن اللون ، ونوع العلف ، كالعوادي وهي التي ترعى ما حلاً من النبات والأوارك (٢) ، وهي التي تقمّ في الحمض ، وهو كلّ نبات فيه ملوحة ، فتسمّى حمضيّة ، وتختلف ألبانها بذلك ، فلا بدّ من التعرّض له ، ويذكر معلوفة أو راعية ؛ لاختلاف اللبن بهما. والإطلاق يقتضي الحلاوة والطراوة ، فلا يحتاج أن يقول : حليب يومه ، أو حلواً.
وأمّا السمن فيجب أن يذكر جنس حيوانه ، فيقول : سمن بقر أو ضأن
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٢.
(٢) في « س » والطبعة الحجريّة : « والأوراك ». وفي « ي » : « والإدراك ». والكلّ غلط ، والصحيح ما أثبتناه. والإبل الأوارك : التي اعتادت أكل الأراك. وهو شجر من الحمض. لسان العرب ١٠ : ٣٨٩ « أرك ».
أو معز ، وبمكّة : سمن ضأن نجديّة ، وسمن ضأن تهاميّة ، ويتباينان في الطعم واللون والثمن ، فيجب ذكره أبيض أو أصفر ، وأنّه حديث أو عتيق. وإطلاقه يقتضي الحديث ؛ لأنّ العتيق معيب.
وقيل (١) : إن كان متغيّراً ، وإلاّ فلا ، إنّما يصلح للجراح.
ويذكر الجيّد والردي والقدر وزناً.
وأمّا الزُّبْد فيذكر فيه ما ذكر في السمن ، وأنّه زُبْد يومه أو أمسه ؛ لأنّه يختلف بذلك. ولا يجوز أن يعطيه زُبْداً أُعيد في السقا وطرّي ، فإن أعطاه ما فيه رقّة ، فإن كان لحَرّ الزمان ، قبل. وإن كان لعيب ، لم يقبل.
وأمّا الجبن فيصفه بما تقدّم ويقول : رطب ، أو يابس ، حديث ، أو عتيق. ويذكر بلده ؛ لاختلافه باختلاف البلدان.
وأمّا اللبَأ فيوصف بما يوصف به اللبن إلاّ أنّه يوزن. ويجوز السَّلَم فيه قبل الطبخ إذا كان حليباً. ويذكر لونه ؛ لأنّه يختلف.
وأمّا إذا طُبخ بالنار ، فعندنا يجوز السَّلَم فيه مع إمكان ضبطه ، خلافاً لبعض الشافعيّة (٢).
وقال بعضهم : يجوز ؛ لأنّ النار التي تكون فيه لينة لا تعقد أجزاءه (٣).
والأوّل أشهر عندهم (٤) ؛ لأنّ النار تختلف فيه ويختلف باختلافها.
مسألة ٤٦٢ : يجب أن يذكر في الثياب الجنس من قطن أو كتّان ، والبلد الذي ينسج فيه ، كبغداديّ أو رازيّ أو مصريّ إن اختلف به الغرض ،
__________________
(١) القائل هو القاضي أبو الطيّب ، كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٦٥ ، وانظر حلية العلماء ٤ : ٣٧٠.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٠.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٠.
(٤) انظر : حلية العلماء ٤ : ٣٧٠.
والطول والعرض ، والصفاقة والرقّة ، والغِلَظ والدقّة ، والنعومة أو الخشونة ، والجودة والرداءة. وقد يغني (١) ذكر النوع عن البلد والجنس إن دلّ عليهما ، ولا يذكر مع هذه الأوصاف الوزنَ ، فإن ذكره ، جاز ، وهو قول بعض الشافعيّة (٢).
وقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأنّ اشتراط الوزن مع هذه الأوصاف يوجب العزّة ؛ لبُعْد اتّفاقه (٣).
وهو ممنوع ؛ فإنّه يجوز في الأواني.
وإن ذكر الخام أو المقصور ، جاز. وإن أطلق ، أعطاه ما شاء ؛ لتناول الاسم له ، والاختلاف به يسير ، وبه قال الشافعي (٤).
وإن ذكر جديداً مغسولاً ، جاز. وإن ذكر لبيساً مغسولاً ، لم يجز ؛ لاختلاف اللُّبْس ، فلا ينضبط.
ولو شرط أن يكون الثوب مصبوغاً ، جاز مع تعيين اللون مطلقاً عندنا.
وقال الشافعي : إن كان يصبغ غزله ، جاز ؛ لأنّ ذلك من جملة صفات الثوب. وإن صبغ بعد نسجه ، لم يجز ؛ لأنّه يصير في معنى السَّلَم في الثوب والصبغ المجهول. ولأنّ صبغ الثوب يمنع من الوقوف على نعومته وخشونته (٥).
__________________
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مضى » بدل « يغني ». وذلك تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٦.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٦.
(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٦.
والوجهان باطلان ؛ لأنّ السَّلَم في المجموع لا يستلزم انعقاده بالتفصيل في الأجزاء ، ولو كان السَّلَم في مجموع الثوب والصبغ ، لكان كذلك وإن كان الصبغ في الغزل ، وأيّ فرق بينهما؟ والنعومة والخشونة تُدركان مع الصبغ وعدمه ؛ إذ ذلك ليس جوهراً قائماً في المصبوغ مانعاً من إدراكه ، ولو جاز ذلك ، لما صحّ السلف في الغزل المصبوغ ولا في الغزل المنسوج.
والأقرب : جواز السلف في الثياب المخيطة ، كالقميص والسروال إذا ضبط بالطول والعرض والسعة.
مسألة ٤٦٣ : ويصف الكرسف وهو القطن بنسبة (١) البلد ، كالبصريّ والموصليّ ، واللون ، كالأبيض والأسمر ، والنعومة والخشونة ، والجيّد والردي ، وكثرة لحمه وقلّته ، وطول العطب (٢) وقصرها ، وكونه عتيقاً أو حديثاً إن اختلف الغرض به. ويصف القدر بالوزن ، فإن شرط منزوع الحَبّ ، جاز. وإن أطلق ، كان له بحَبّه ؛ لأنّ الحَبّ فيه بمنزلة النوى في التمر. والمطلق يحمل على الجافّ.
ويجوز السَّلَم في الحليج وفي حبّ القطن ، ولا يجوز في القطن في الجوزق (٣) قبل التشقّق ؛ لعدم معرفته. ويجوز بعده.
وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما ، وأظهرهما عندهم : العدم ؛ لاستتار المقصود بمالا مصلحة فيه (٤).
__________________
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « نسبة ».
(٢) العطب : القطن. لسان العرب ١ : ٦١٠ « عطب ».
(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الجوز ». ولم نعثر في اللغة على كلمة « الجوز » بهذا المعنى ، والصحيح ما أثبتناه.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٦.
ويجوز السَّلَم في الغزل ، ويصفه بما ذكرناه إلاّ الطول والقصر ، ويزيد فيه : دقيقاً أو غليظاً. ويجوز السَّلَم في غزل (١) الكتّان ، ويجوز شرط كون الغزل مصبوغاً ، وبه قال الشافعي وإن منع في الثوب (٢).
مسألة ٤٦٤ : يذكر في الإبريسم البلد ، فيقول : خوارزميّ ، أو بغداديّ. ويصف لونه ، فيقول : أبيض أو أصفر. ويذكر الجودة أو الرداءة ، والدقّة أو الغِلَظ. ولا يحتاج إلى ذكر النعومة أو الخشونة ؛ لأنّه لا يكون إلاّ ناعماً.
وهل يجوز السلف في القزّ وفيه دودة؟ الأقرب عندي : ذلك ، ويكون الدود جارياً مجرى النوى في التمر.
وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّه إن كان حيّاً ، لم يكن فيه مصلحة في كونه فيه ، فإنّه يقرضه ويفسده. وإن كان ميّتاً ، فلا يجوز بيعه ، والقزّ دونه مجهول. وإن كان قد خرج منه الدود ، جاز السَّلَم فيه (٣).
مسألة ٤٦٥ : يجب أن يذكر في الصوف سبعة أوصاف : البلد ، كالحلوانيّ والحلبيّ أو غير ذلك. واللون ، كالأبيض والأسود والأحمر ، وطويل الطاقات أو قصيرها ، وصوف الذكورة أو الإناث ؛ لأنّ صوف الإناث أنعم ، فيستغنى بذلك عن ذكر النعومة والخشونة. ويذكر الزمان ، فيقول : خريفيّ أو ربيعيّ ؛ لأنّ الصوف الخريفيّ أنظف ؛ لأنّه عقيب الصيف. ويذكر الجودة أو الرداءة. ويذكر مقداره وزناً ، ولا يقبل إلاّ نقيّاً من الشوك والبعر. وإن شرط كونه مغسولاً ، جاز. فإن عابه الغسل ، فالأقوى عندي : الجواز ، خلافاً للشافعي (٤).
__________________
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عود » بدل « غزل ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.
وكذا الوبر والشعر يجوز السلف فيهما كالصوف ، ويضبط بالأوصاف والوزن.
مسألة ٤٦٦ : الخشب أنواع ، منه الحطب المتّخذ للوقود ، ويذكر نوعه من الطرفاء والخلاف والأراك والعرعر وغير ذلك ؛ لاختلاف الأغراض بسببه ، ويذكر الدقّة والغِلَظ ، أو الوسط ، واليبوسة أو الرطوبة (١) ، والجودة أو الرداءة ، ويذكر مقداره بالوزن ، وأنّه من نفس الشجر أو أغصانه ، ولا يجب التعرّض للرطوبة والجفاف ، فالمطلق يحمل على الجافّ ، ويجب قبول المعوج والمستقيم ؛ لأنّهما واحد.
ومنه خشب البناء ، فيذكر نوعه من التوت أو الساج ، والطول ، والغلظ والدقّة ، والرطوبة أو اليبوسة ، فإن كان يختلف لونه ، ذكره ، ويصف طوله وعرضه إن كان له عرض ، أو دوره أو سمكة ، والجودة والرداءة ، فإن ذكر وزنه ، جاز ، ولا يحتاج إليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة (٢). وإن لم يذكر سمحاً ، جاز ، وليس له العُقد ؛ لأنّه عيب ، فإذا أسلم فيه ، لزمه أن يدفعه إليه من طرفه إلى طرفه بالعرض ، أو الدور أو السمك الذي شرطه ، فإن كان أحد طرفيه أغلظ ممّا شرطه (٣) ، فقد زاده خيراً. وإن كان أدقّ ، لم يجب عليه أخذه.
وإن كان الخشب من الجذوع ، وجب ذكر نوعها ، فإنّ البادرايا والإبراهيمي والفحل والدقل أصلب من غيرها (٤).
__________________
(١) كذا ، والظاهر زيادة جملة « واليبوسة أو الرطوبة » لأنّ المؤلّف قدسسره سيذكر عدم وجوب التعرّض للرطوبة والجفاف.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٧.
(٣) في الطبعة الحجريّة : « شرط ».
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « غيره ». والصحيح ما أثبتناه.
ولا يجوز السَّلَم في المخروط ؛ لاختلاف أعلاه وأسفله.
ومنه : عيدان القسيّ والسهام. ويجب ذكر النوع من نَبْع (١) أو غيره ، والدقّة أو (٢) الغِلَظ.
وقال بعضهم : يجب أن يذكر أنّها جبليّة أو سهليّة ؛ لأنّ الجبليّ أصلح وأقوى لها (٣).
وبعضهم أوجب فيه وفي خشب البناء التعرّض للوزن (٤) (٥).
ويذكر قِدَم نباتها وحدوثه.
ومنه ما يصلح للنصب ، فيذكر نوعه ، كالآبنوس ، ولونه ، وغِلَظه أو دقّته ، وسائر ما يحتاج إلى معرفته بحيث يخرج من حدّ الجهالة.
ومنه ما يطلب ليغرس ، فيسلم فيه بالعدد ، ويذكر النوع والطول والغِلَظ.
مسألة ٤٦٧ : أقسام الأحجار ثلاثة (٦) :
منها : ما يتّخذ للأرحية. ويجب أن يصفها بالبلد ، فيقول : موصليّ أو تكريتيّ. وإن اختلف نوعه ، ذكره. وكذا يذكر اللون إن اختلف. ويصف دوره وثخانته ، وجودته ورداءته. وإن ذكر وزنه ، جاز ، وكذا إن تركه.
وإن ذكره ، شرط وزنه بالقبّان إن أمكن. وإن تعذّر ، وُزن بالسفينة ، فيترك فيها وينظر إلى أيّ حدّ تغوص ثمّ يخرج ويوضع مكانه رمل وشبهه
__________________
(١) النَّبْعُ : شجر من أشجار الجبال تتّخذ منه القسيّ. لسان العرب ٨ : ٣٤٥ « نبع ».
(٢) في الطبعة الحجرية : « و» بدل « أو ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٧.
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « للّون » بدل « للوزن ». وما أثبتناه من المصدر.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٧.
(٦) أقسام الأحجار ، المذكورة هنا أكثر من ثلاثة.
حتى تغوص السفينة إلى الحدّ الذي غاصت ، ثمّ يخرج ذلك ويوزن فيعرف وزن الحجارة.
ومنها : ما يتّخذ للبناء ، فيذكر نوعها ولونها من البياض أو الخضرة ، ويصف عظمها ، فيقول : ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً على سبيل التقريب ؛ لتعذّر التحقيق. ويصف الوزن مع ذلك ، والجودة والرداءة.
ويجوز السَّلَم في الأحجار الصغار التي تصلح للمنجنيق ، ولا يجوز إلاّ وزناً ، وينسبها إلى الصلابة ، ولا يقبل المعيب.
ومنها : الرخام ، ويذكر نوعه ، ولونه وصفاءه ، وجودته أو رداءته ، وطوله وعرضه إن كان له عرض ، و (١) دوره إن كان مدوّراً ، وثخانته. وإن كان له خطوط مختلفة ، ذكرها.
ومنها : حجارة الأواني ، فيذكر نوعها ، كبِرام طوسيّ أو مكّيّ ، وجودتها ورداءتها وجميع ما يختلف الثمن باختلافه وقدره وزناً.
ومنها : البلور ، ويصفه بأوصافه.
ويجوز السَّلَم (٢) في الآنية المتّخذة منها ، فيصف طولها وعرضها وعمقها وثخانتها وصنعتها إن اختلفت ، فإن وزن مع ذلك ، كان أولى.
ومنها : حجارة النورة والجصّ ، وينسبها إلى أرضها ، فإنّها تختلف بالبياض أو السمرة ، ويذكر الجودة أو الرداءة.
وإن أسلف في النورة والجصّ ، يذكر كيلاً معلوماً ، ولا يجوز إجمالاً. وليس له أخذ الممطور منها وإن يبس ؛ لأنّه عيب.
ومنها : الآجُرّ ، ويصف طوله وعرضه وثخانته.
__________________
(١) في « ي » والطبعة الحجريّة : « أو » بدل « و».
(٢) في « س » : « السلف » بدل « السَّلَم ».
وفي وجهٍ للشافعي : المنع من السلف فيه ؛ لأنّ النار مسّته (١).
ويصف اللِّبْن بالطول والعرض والثخانة.
ولو أسلف (٢) في اللِّبْن وشرط طبخه ، جاز. والمرجع في ذلك إلى العادة.
وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب. ولأنّه قد يتلَهْوَج (٣) ويفسد (٤). وليس بشيء.
مسألة ٤٦٨ : ويصف أنواع العطر بما يميّز كلّ واحد منها عن صاحبه ، فيذكر لون العنبر : أبيض أو أشهب أو أخضر. وإن اختلف في البلدان ، قال : عنبر بلد كذا. ويذكر الجودة أو الرداءة.
ويذكر قطعة وزنها كذا إن وجد من الإقطاع بذلك الوزن. فإن شرط قطعة ، لم يجبر على أخذ قطعتين. وإن أطلق ، كان له أن يعطيه صغاراً أو كباراً.
وأمّا العود فيتفاوت نوعه ، فيجب ذكره ، كالهنديّ وغيره. ويذكر كلّ ما يعرف به ، والجودة أو الرداءة. وكذا الكافور ، والمسك ، ولا يجوز السَّلَم في فأره ؛ لأنّ بيعه بالوزن.
مسألة ٤٦٩ : ويجوز السَّلَم في اللبان (٥) والمصطكي والصمغ العربي وصمغ الشجر (٦) كلّه ، فإن كان منه في شجرة واحدة كاللبان وصفه بأنّه
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.
(٢) في « س » : « أسلم » بدل « أسلف ».
(٣) أي : لم ينعم طبخه. لسان العرب ٢ : ٣٦٠ « لهج ».
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٥) اللبان : الكندر. لسان العرب ١٣ : ٣٧٧ « لبن ».
(٦) في الطبعة الحجريّة : « الشجرة ».
أبيض ، وأنّه غير ذكر ، فإنّ منه شيئاً يعرفه أهل العلم به يقولون : إنّه ذكر إذا مضغ فسد.
وما كان منه في شجرٍ شتّى كالغراء وصف شجره.
ويوزن فيه شيء من الشجر ، ولا يوزن الشجرة إلاّ محضة (١).
والطين الأرمني وطين البحيرة والمختوم يدخلان في الأدوية. ويوصف جنسه ولونه وجودته أو رداءته ، ويذكر الوزن.
وإن كانت معرفته عامّةً ، جاز السلف فيه وإن خفي عن المسلمين إذا عرفه غيرهم.
وقال الشافعي : إن لم يعرفه المسلمون ، لم يجز. وأقلّهم عَدْلان يشهدان على تميّز (٢) الأرمني عن غيره من الطين الذي بالحجاز وشبهه (٣).
مسألة ٤٧٠ : يصف الرصاص بالنوع ، فيقول : قلعي أو اسْرُبّ ، والنعومة أو الخشونة ، والجودة أو الرداءة ، واللون إن كان يختلف ، والوزن.
ويصف الصفر بالنوع من شَبَهٍ وغيره ، واللون ، والخشونة أو النعومة ، والوزن.
وكذا يصف النحاس والحديد ، ويزيد في الحديد : الذكر أو الأُنثى ، والذكر أكثر ثمناً ؛ فإنّه أحدّ وأمضى.
وأمّا الأواني المتّخذة منها فيجوز السَّلَم فيها وبه قال الشافعي (٤) فيسلم في طشت أو تَوْر من نحاس أحمر أو أبيض أو شَبَهٍ أو رصاص أو
__________________
(١) كذا ، والظاهر أنّ العبارة هكذا : « ولا يوزن فيه شيء من الشجر ، ولا توزن الصمغة إلاّ محضة ».
(٢) في الطبعة الحجريّة : « تمييز ».
(٣) الأُمّ ٣ : ١١٧.
(٤) الامّ ٣ : ١٣١.
حديد ، ويذكر سعةً معروفة ، ويذكر معه الوزن.
ولو لم يذكره ، قال الشافعي : يصحّ ، كما يصحّ أن يبتاع ثوباً بصفة (١) (٢).
والأقرب : أنّه شرط.
ومَنَع بعض الشافعيّة السَّلَم في القماقم والسطول المقدرة (٣) والمراجل ؛ لاختلافها ، فإنّ القمقمة بدنها واسع وعنقها ضيّق (٤).
وقال آخرون منهم بجوازه ؛ لإمكان وصفه ، وعدم التفاحش في اختلافه (٥).
ولو ابتاع أواني من شجر معروف ، صحّ مع إمكان ضبطه وسعته وقدره من الكبر والصغر والعمق ، ويصفه بأيّ عمل ، وبالثخانة أو الرقّة. وإن شرط وزنه ، كان أولى.
مسألة ٤٧١ : التمر أنواع ، فيجب في السَّلَم فيه ذكر النوع ، كالبرنيّ والمعقليّ. وإن (٦) اختلفت البلدان في الأنواع ، وجب النسبة إليها ، فيقال : برنيّ بغداد أحلى من برنيّ البصرة ، وآزاد الكوفة خير من آزاد بغداد.
ويذكر اللون إن اختلف النوع ، كالمكتوم والطبرزد منه أحمر وأسود.
ويصفه بالصغر والكبر ، والجودة والرداءة ، والحداثة والعتق ، فإن
__________________
(١) في « س ، ي » : « يصفه ».
(٢) الامّ ٣ : ١٣١.
(٣) كذا ، والظاهر : « المدوّرة » بدل « المقدرة ».
(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨ ، منهاج الطالبين : ١١٢ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٣٧٠.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٦٩.
(٦) في « س ، ي » : « فإن » بدل « وإن ».
قال : عتيق عام أو عامين ، كان أحوط. وإن لم يذكر ، جاز ، ويعطيه ما يقع عليه اسم العتيق غير متغيّر ولا مسوّس ، فيصف التمر بستّة : النوع ، والبلد ، واللون ، والجودة أو الرداءة ، والحداثة أو العتق ، والصغر أو الكبر وبه قال الشافعي (١) لاختلاف الأثمان باختلاف هذه الأوصاف.
وقال أصحاب أبي حنيفة : يكفي أن يذكر الجنس والنوع والجودة ؛ لأنّ ذلك يشتمل على هذا (٢).
مسألة ٤٧٢ : إذا أسلم في الرطب ، وصفه بما يصف التمر إلاّ الحداثة والعتق ؛ فإنّ الرطب لا يكون عتيقاً ، فإذا أسلم في الرطب ، لم يجبر على أخذ المذنَّب (٣) والبُسْر ، وله أن يأخذ ما أُرطب كلّه ، ولا يأخذ مشدّخاً ، وهو ما لم يترطّب فشدّخ ، ولا الناشف ، وهو ما قارب أن يتمر ؛ لخروجه من كونه رطباً. وكذا ما جرى مجراه من العنب والفواكه.
وقال بعض الشافعيّة : يجب التعرّض للحديث والعتيق في الرطب (٤).
نعم ، يجوز أن يشترط لفظ « يومه » أو « أمسه » ويلزم ما شرط. وإن أطلق ، جازا معاً.
وأمّا التمر فلا يأخذه إلاّ جافّاً ؛ لأنّه لا يكون تمراً حتى يجفّ. وليس عليه أن يأخذه معيباً ، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة. ولا يجب تقدير المدّة
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤ ، منهاج الطالبين : ١١٢.
(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٦٤.
(٣) المذنّب من البُسْر : الذي قد بدا فيه الأرطابُ من قِبَل ذَنَبِه. لسان العرب ١ : ٣٩٠ « ذنب ».
(٤) الوسيط ٣ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤.
التي مضت عليه. ويأخذه مكبوساً. ولا يأخذ ما عطش فأضرّ به العطش ، ولا الفطير الذي لا يتناهى تشميسه.
مسألة ٤٧٣ : يصف الحنطة بأُمور ستّة : البلد ، فيقول : شاميّة أو عراقيّة ، فإن أطلق ، حُمل على ما يقتضيه العرف إن اقتضى شيئاً ، وإلاّ بطل ، ويقول : محمولة أو مولدة ، يعني محمولة من البلد الذي تنسب إليه ، أو تكون مولدة في غيره. ويذكر الحداثة والعتق ، والجيّد أو الرديء. واللون ، كالحمراء أو البيضاء أو الصفراء وإن اختلفت بالحدارة ، وهو امتلاء الحَبّ ، أو الدقّة وصفائه ، ويذكر الصرابة أو ضدّها.
وينبغي أن يذكر القويّ أو ضدّه ، والأُنوثة أو ضدّها ، والحداثة أو العتق (١).
وإذا أسلف في الدقيق ، ضبطه بالوصف. ولو أسلم في طعام على أن يطحنه ، جاز ، خلافاً للشافعي (٢).
والعَلَس قيل : إنّه جنس من الحنطة ، حبّتان في كمام فيترك كذلك ؛ لأنّه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل (٣).
وحكمه حكم الحنطة في كمامها لا يجوز السلف فيه إلاّ ما يلقى (٤) عنه كمامه عند الشافعيّة (٥) لاختلاف الكمام ، ولغيبوبة الحبّ فلا يُعرف.
والأولى : الجواز ، ويبنى فيه على العادة. وله السليم.
__________________
(١) الظاهر زيادة جملة : « والحداثة أو العتق » حيث ذكرهما المصنّف قدسسره آنفاً.
(٢) الامّ ٣ : ١٣٠.
(٣) الامّ ٣ : ١٠٣.
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إلاّ ما يتلف » بدل « إلاّ ما يلقى ». والظاهر ما أثبتناه.
(٥) الامّ ٣ : ١٠٣.
وكذا حكم كلّ صنف من الحبوب من أُرز أو دخن أو سلت يوصف كما توصف الحنطة [ ويطرح (١) ] كمامه دون قشره عند الشافعيّة (٢).
وعندنا الأقرب : جوازه.
وكذا يصف الشعير بما يصف به الحنطة.
مسألة ٤٧٤ : ويصف العسل بالبلد ، كالجبليّ والمكّي والبلديّ. والزمان ، كالربيعيّ والخريفيّ والصيفيّ. واللون ، كالأبيض والأصفر. والجودة والرداءة. وله عسل صافٍ من الشمع ، سواء صفّي بالنار أو بغيرها. ويجب عليه قبوله.
وقال الشافعي : لا يجبر على قبول ما صفّي بالنار ؛ لأنّ النار تغيّر طعمه فتنقصه ، ولكن يصفّيه بغير نار (٣).
وقال بعضهم : إن صفّي بنار لينة ، لزمه أخذه (٤).
وإن جاءه بعسل رقيق ، رجع إلى أهل الخبرة ، فإن أسندوا الرقّة إلى الحَرّ ، لزمه قبوله. وإن أسندوها إلى العيب ، لم يُجبر على قبوله.
ولو شرطه بشمعه غير صافٍ منه ، جاز ، وكان بمنزلة النوى.
مسألة ٤٧٥ : قد بيّنّا أنّه يجوز اشتراط الجودة والرداءة ، بل يجب ؛ لاختلاف (٥) في القيمة بأعيانهما.
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بطرح ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) الامّ ٣ : ١٠٤.
(٣) الامّ ٣ : ١٠٦.
(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(٥) كذا ، والظاهر : للاختلاف.
ولا يجوز اشتراط الأجود إجماعاً ؛ لعدم انحصاره ؛ فإنّه ما من متاع إلاّ ويمكن وجود ما هو أجود منه.
وفيه إشكال ؛ لإمكان ضبطه في بعض الأمتعة ، كالطعام ، فإنّه قد تتناهى جودته.
وأمّا إن شرط الأردأ ، فقال بعض (١) فقهائنا وبعض (٢) الشافعيّة : إنّه يجوز ؛ لأنّه بأيّ طعام أتاه لزمه أخذه ؛ لأنّه إن كان أردأ (٣) ، وجب قبوله. وإن كان غيره أردأ منه ، وجب قبوله أيضاً ؛ لأنّه إذا دفع فوق حقّه في الوصف ، وجب عليه قبوله ، فلا يؤدّي إلى التنازع والاختلاف.
والحقّ : المنع أيضاً هنا ؛ لأنّ الأردأ غير مضبوط حالة العقد ، والمبيع يجب أن يكون مضبوطاً حالة العقد ، فينتفي شرط صحّة البيع ، فتنتفي الصحّة.
البحث الثالث : في شرط كون المُسْلَم فيه دَيْناً.
يشترط في المُسْلَم فيه عندنا كونه دَيْناً ؛ لأنّ لفظ السَّلَم والسلف موضوع للدَّيْن ، فلو قال : بعتك هذه السلعة سَلَماً ، وهي مشاهدة ، لم يصح ؛ لاختلال اللفظ.
أمّا لو قال : أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد ، فليس بسَلَمٍ أيضاً ، فإن قصد بلفظ السَّلَم مطلق البيع ، احتُمل الانعقادُ ؛ لجواز إرادة
__________________
(١) لم نتحقّقه.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٩.
(٣) في « س » : « لأنّه إن كان الواجبَ » بدل « لأنّه إن كان أردأ ».
المجاز مع القرينة. والمنعُ ؛ للاختلال ، وقد سبق.
وكذا يشترط فيه كون المُسْلَم فيه مؤجّلاً ، فلا يجوز السلف الحالّ ، وقد تقدّم (١).
البحث الرابع : إمكان وجود المُسْلَم فيه عند الحلول.
مسألة ٤٧٦ : يشترط كون المُسْلَم فيه موجوداً وقت الأجل ليصحّ إمكان التسليم فيه.
وهذا الشرط ليس من خواصّ السَّلَم ، بل هو شرط في كلّ مبيع ، وإنّما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوب التسليم ، سواء كان المبيع حالاّ أو مؤجّلاً ، فلو أسلم في منقطع عند المحلّ كالرطب في الشتاء لم يصح.
وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده ويقلّ وقت الأجل حصوله ، كالرطب في أوّل وقته أو آخره ؛ لتعذّر حصول الشرط.
ولو غلب على الظنّ وجوده وقت الأجل لكن لا يحصل إلاّ بمشقّة عظيمة ، كالقدر الكثير من الباكورة (٢) ، فالأقرب : الجواز ؛ لإمكان التحصيل عند الأجل وقد التزمه المسلم إليه.
وقال أكثر الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ السَّلَم عقد غرر ، فلا يحتمل فيه معاناة المشاقّ العظيمة (٣).
مسألة ٤٧٧ : يجوز أن يسلم في شيء ببلدٍ لا يوجد ذلك الشيء فيه ،
__________________
(١) في ص ٢٦٤ ، المسألة ٤٢٧.
(٢) الباكورة من كلّ شيء : المعجّل المجيء والإدراك. والأُنثى : باكورة. لسان العرب ٤ : ٧٧ « بكر ».
(٣) الوسيط ٣ : ٤٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.
بل ينقل إليه من بلدٍ آخر ؛ لإمكان التسليم وقت الأجل ، فكان سائغاً كغيره.
ولا فرق بين أن يكون قريباً أو بعيداً ، ولا أن يكون ممّا يعتاد نقله إليه أو لا. ولا تعتبر مسافة القصر هنا ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).
وقال بعضهم : إن كان قريباً ، صحّ ، وإن كان بعيداً ، لم يصح (٢).
وقال آخرون : إن كان ممّا يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة ، لا في معرض التحف والهدايا والمصادَرات ، صحّ السَّلَم ، وإلاّ فلا (٣).
أمّا لو أسلم في شيء يوجد غالباً في ذلك البلد وقت الحلول فاتّفق انقطاعه فيه وأمكن وجوده في غيره من البلاد ، فهل يجب على البائع نقله؟ الأقرب : ذلك مع انتفاء المشقّة وعدم البُعْد المفرط. ولا عبرة بمسافة القصر ولا إمكان الرجوع من يومه.
مسألة ٤٧٨ : يجوز السَّلَم في كلّ معدوم إذا كان ممّا يوجد غالباً في محلّه ، ويكون مأمون الانقطاع في أجله وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (٤) لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : أشهد أنّ السلف المضمون إلى أجل مسمّى قد أحلّه الله تعالى في كتابه وأذن فيه. ثمّ تلا قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٥) الآية ، وأنّهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين ، والثمار لا تبقى
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.
(٤) الوجيز ١ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠١ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١ ٢٥٢ ، المنتقى للباجي ٤ : ٣٠٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠ ، ذيل الرقم ١٠٧٥ ، المغني ٤ : ٣٦٠ ٣٦١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦١.
(٥) الامّ ٣ : ٩٣ ٩٤ ، مختصر المزني : ٣٨٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٣٨. والآية ٢٨٢ من سورة البقرة.