الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
وهو باطل عندنا على ما يأتي.
وإن غلب على ظنّه أنّ الإمام مسافر لرؤية حلية المسافرين عليه ، فله أن ينوي القصر عند المخالف (١) أيضا. وإن قصّر إمامه قصّر معه ، وإن أتمّ قصّر هو.
وقال الجمهور : تلزمه متابعته (٢).
وإذا نوى الإتمام ، لزمه الإتمام عند الجمهور ـ وسيأتي البحث فيه ـ سواء قصّر إمامه أو أتمّ ، اعتبارا بالنية (٣).
وإن نوى القصر فأحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر ، لأنّ الظاهر أنّ إمامه مسافر.
ج : لو صلّى المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرّقهم فرقتين فأحدث قبل مفارقة الطائفة الاولى واستخلف مقيما ، لزم الطائفتين القصر عندنا ، وعند الجمهور الإتمام ، لوجود الائتمام بمقيم (٤). وإن كان بعد مفارقة الاولى ، أتمّت الثانية عندهم ، لاختصاصها بالائتمام بالمقيم (٥) وإن كان الإمام مقيما فاستخلف مسافرا ممّن كان معه في الصلاة ، فعلى الجميع القصر عندنا ، وعند الجمهور يتمّ الجميع ، لأنّ المستخلف قد لزمه الإتمام باقتدائه بالمقيم (٦). وإن لم يكن دخل معه في الصلاة وكان استخلافه قبل مفارقة الاولى ، فعليها الإتمام عندهم ، لائتمامها بمقيم ، ويقصّر الإمام والطائفة الثانية (٧).
وإن استخلف بعد دخول الثانية معه فعلى الجميع التقصير عندنا ، وعند
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، المغني ٢ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٢) المغني ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٣) المغني ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٤) المغني ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٥) المغني ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٦) المغني ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٧) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
الجمهور التمام ، وللمستخلف القصر وحده ، لأنّه لم يأتمّ بمقيم (١).
د : لو ائتمّ المقيم بالمسافر وسلّم المسافر في ركعتين ، أتمّ المقيم صلاته إجماعا.
ويستحب للإمام أن يقول بعد تسليمه : أتمّوا فأنا مسافر ، كما قال عليهالسلام بمكة عام الفتح (٢) ، لئلاّ يشتبه على الجاهل عدد الركعات.
هـ : لو أمّ المسافر المقيمين فأتمّ بهم الصلاة عمدا ، بطلت صلاته ، للزيادة ، وصلاة المأمومين ، للمتابعة في صلاة باطلة.
وقال الشافعي وإسحاق وأحمد : تصح صلاة الجميع ، لأنّ المسافر يلزمه الإتمام بنيته (٣).
وهو ممنوع.
وقال أبو حنيفة والثوري : تفسد صلاة المقيمين ، وتصح صلاة الإمام والمسافرين معه ، لأنّ الركعتين الأخيرتين نفل من الإمام ، فلا يؤمّ بها مفترضين (٤).
والمقدّمتان ممنوعتان.
و : لو أمّ المسافر مسافرين فنسي فصلاّها تامّة ، فإن كان الوقت باقيا ، أعاد عندنا ، وإلاّ صحّت صلاتهم.
وقال الجمهور : تصح مطلقا ، ولا يجب لها سجود سهو ، لأنّها زيادة لا يبطل الصلاة عمدها ، فلا يجب السجود لسهوها ، كزيادات القراءة في الركوع والسجود (٥).
ولو ذكر الإمام بعد قيامه إلى الثالثة ، جلس واجبا ، وحرم عليه الإتمام.
__________________
(١) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.
(٢) سنن أبي داود ٢ : ٩ ـ ١٢٢٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٧.
(٣) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥.
(٤) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥.
(٥) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥.
وعند الجمهور لا يلزمه الإتمام ، لأنّ الموجب له نيته ، أو الائتمام بمقيم ، ولم يوجد واحد منهما (١).
ولو علم المأموم أنّ قيامه لسهو ، لم يلزمه متابعته ، وسبّح به ، وله مفارقته إن لم يرجع ، فإن تابعه ، بطلت صلاته عندنا ، وعندهم لا تبطل ، لأنّها زيادة لا تبطل صلاة الإمام فلا تبطل صلاة المأموم. ولأنّه لو فارق وأتمّ ، صحّت صلاته ، فمع موافقته أولى (٢). وهو ممنوع.
ولو لم يعلم هل قام سهوا أو عمدا ، لم يجز له متابعته ، لأنّها باطلة عندنا.
وقال الجمهور : تجب ، لأنّ حكم وجوب المتابعة ثابت ، فلا يزول بالشك (٣).
ز : لو دخل مسافر بلدا وأدرك الجمعة فأحرم خلف الإمام فنوى قصر الظهر ، لم تجز عندنا ، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.
وقال الشافعي : يجب عليه الإتمام ، لأنّه مؤتمّ بمقيم (٤).
ح : لو صلّى المسافر بأهل البلد الجمعة فدخل مسافر معه فنوى القصر ، لم يجز ، ووجبت عليه الجمعة عندنا ، لما تقدّم.
وقال الشافعي : يجب عليه الإتمام ، لأنّ الإمام وإن كان مسافرا ، إلاّ أنّه يصلّي صلاة المقيم. وعنه وجه آخر : أنّه يقصّر (٥).
ط : لو اقتدى بمقيم ثم أفسد صلاته ، لم يجز له التمام ، لأنّها زيادة في الفريضة.
__________________
(١) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٢) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٦.
(٣) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٦.
(٤) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩.
(٥) المجموع ٤ : ٣٥٦.
وعند أبي حنيفة لا يلزمه الإتمام ، لأنّ وجوبه بسبب الاقتداء (١).
وقال الشافعي : لا يجوز القصر ، لأنّه التزم الأربع باقتدائه ، فلا يسقط الفرض بدونها ، وكذا لو أفسد الإمام صلاته (٢).
ولو اقتدى بمقيم ثم تبيّن أنّ الإمام كان محدثا أو جنبا ، لم يلزمه الإتمام.
وعند الشافعية إن كانت الصلاة خلف الجنب صلاة انفراد لم يلزمه الإتمام ، وإن كانت صلاة جماعة ، لزمه ، هذا إذا نوى القصر ، فإن لم ينو ، لزمه الإتمام عندهم (٣).
ي : لو اقتدى المسافر بمثله ، فإن نوى الإتمام ، لم يجز ، ووجب عليه القصر عندنا ، وعند الشافعية يجب الإتمام بنيّته ، قصّر الإمام أو لا. وإن نوى القصر ، فإن قصّر الإمام قصّر ، وإن أتمّ أتمّ ، للمتابعة عندهم (٤).
يا : لو قال : نويت ما نوى إمامي من القصر والإتمام ، لم يكن له حكم ، ووجب عليه القصر عندنا.
وللشافعية وجهان : وجوب الإتمام ، لأنّ النية لا تقع موقوفة في الصلاة كما لو كان عليه ظهر أو عصر ، فنوى ما عليه لم تصحّ ، إلاّ أنّ هناك لم تنعقد ، لمخالفة إحدى الفريضتين للأخرى ، وها هنا كلتاهما فرض الوقت ، والقصر رخصة.
والإجزاء ، لأنّ صلاته لا تقع على حسب نيته إذا نوى القصر ، وإنّما تقع على حسب صلاة الإمام ، ولا طريق إلى معرفتها ، فجاز التعليق (٥).
__________________
(١) فتح العزيز ٤ : ٤٦٣.
(٢) الام ١ : ١٨١ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩
(٣) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٣.
(٤) انظر : المجموع ٤ : ٣٥٦ وفتح العزيز ٤ : ٤٦١.
(٥) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٠.
يب : لو أحدث الإمام المسافر فأخبر بما نواه ، قبلوا خبره في القصر والإتمام ، وإن لم يخبرهم ، قال الشافعي : يجب الإتمام ، لجواز نيته ، فلا يسقط الفرض إلاّ بيقين (١).
وقال ابن سريج : لا يجب ، لأنّ الظاهر أنّه قصد القصر لوجوبه عند قوم ، وأفضليته عند آخرين ، ولا تترك الفضيلة (٢).
وهذا عندنا ساقط ، لما تقدّم من عدم تغيّر الفرض.
يج : لو اقتدى بإمام لا يدري أمقيم أو مسافر ، لم يتغيّر فرضه عندنا.
وقال الشافعي : يجب الإتمام ، لأنّ الأصل في الناس الإقامة ، والسفر عارض ، فيحمل على الأصل (٣).
يد : لو اقتدى بمقيم يقضي صلاة الصبح ونوى القصر ، لزمه ، ولم يجز له الإتمام وإن نواه عندنا.
وقال الشافعي : يجب الإتمام وإن نوى القصر ، لأنّه وصل صلاته بصلاة المقيمين ، فلزمه حكمهم ، فإن كان قاضي الصبح مسافرا ، لم يلزمه الإتمام (٤).
مسألة ٦١٤ : القصر إنّما هو في عدد الركعات لا في غيره ، وهو واجب على ما بيّنّاه ، إلاّ في أربعة مواطن : مسجد مكّة ومسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر على ساكنه السلام ، عند أكثر علمائنا (٥) ، فإنّهم قالوا : الإتمام في هذه المواضع أفضل وإن جاز القصر ، لقول الصادق عليهالسلام : « تتمّ الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.
(٢) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.
(٣) الأم ١ : ١٨١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.
(٤) انظر : المجموع ٤ : ٣٥٦ وفتح العزيز ٤ : ٤٦١
(٥) كما في المعتبر : ٢٥٣. وممّن قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٤١ ، والمحقق في المختصر النافع : ٥١ وشرائع الإسلام ١ : ١٣٥.
ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليهالسلام » (١).
وقال الصدوق : يجب القصر ما لم ينو المقام عشرة أيام (٢) ، عملا بالأصل ، وحمل الروايات على أفضلية نية المقام عشرة أيام ، والمقام للتمام ، لأنّ معاوية بن وهب سأل الصادق عليهالسلام ، عن التقصير في الحرمين والتمام ، فقال : « لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيام » (٣).
وقد روي عن الصادق عليهالسلام : « الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله تعالى ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين عليهمالسلام » (٤).
قال الشيخ : فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام بالكوفة خارج المسجد بالنجف (٥).
وقال بعض علمائنا : يحمل حرم أمير المؤمنين عليهالسلام على مسجد الكوفة أخذا بالمتيقّن (٦).
فروع :
أ : قال ابن إدريس : إنّما يجوز الإتمام في نفس المسجد الحرام ، وفي نفس مسجد المدينة ، عملا بالمتيقّن (٧).
وقال الشيخ : يستحب الإتمام في مكّة والمدينة جميعها ، لدلالة الرواية
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٨٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٢ ـ ١٥٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ ـ ١١٩٤ ، ومصباح المتهجّد : ٦٧٤.
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٣ ذيل الحديث ١٢٨٤ ، والخصال : ٢٥٢ ذيل الحديث ١٢٣ ، وحكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر : ٢٥٣.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٨ ـ ١٤٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ـ ١١٨١.
(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٩١ ، وكامل الزيارات : ٢٥٠ ، الخصال : ٢٥٢ ـ ١٢٣.
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٤١.
(٦) قال به المحقّق في المعتبر : ٢٥٤.
(٧) السرائر : ٧٦.
عليه (١).
ب : قال المرتضى : يستحب الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهمالسلام (٢).
ومنعه ابن إدريس ، للأصل (٣) ، وهو الأقرب.
ج : قال ابن إدريس : المراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه دون سور البلد ، لأنّ الحائر هو الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه.
وقد ذكر المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين عليهالسلام ، لمّا ذكر من قتل معه من أهله ، فقال : والحائر محيط بهم إلاّ العباس ، فإنّه قتل على المسناة (٤).
د : لو فاتت هذه الصلاة ، احتمل وجوب القصر مطلقا ـ سواء صلاّها فيها أو في غيرها ، لفوات محلّ الفضيلة وهو الأداء ، ووجوب القصر إن قضاها في غيرها ، لفوات المكان الذي هو محلّ المزيّة ، والتخيير إن قضاها فيها ، لأنّ القضاء تابع للأداء ، والتخيير مطلقا بين الإتمام والقصر ، لأنّ الأداء كذلك.
مسألة ٦١٥ : يستحب أن يقول المسافر عقيب كلّ صلاة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، فإنّ ذلك جبران لصلاته على ما روي (٥).
ولأنّ هذه تقع بدلا عن الركعات في شدّة الخوف.
ويحتمل : تقييد ذلك عقيب الصلاة المقصورة ، لأنّها محلّ النقص ،
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤١.
(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٧٧.
(٣) السرائر : ٧٧.
(٤) السرائر : ٧٦ ـ ٧٧ ، وراجع : الإرشاد ـ للمفيد ـ ٢٤٩.
(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩٤.
كما قيّدناه نحن في القواعد (١) ، لقول العسكري عليهالسلام : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة » (٢).
ويحمل الوجوب على شدّة الاستحباب.
مسألة ٦١٦ : لو سافر بعد الزوال قبل التنفّل ، استحب له قضاء النافلة ولو في السفر ، لحصول السبب ، وهو : الوقت ، وعموم الأمر بقضاء الفائت وإن كان ندبا.
المطلب الثاني : في الشرائط
وهي خمسة : قصد المسافة ، والضرب في الأرض ، واستمرار
القصد ، وعدم زيادة السفر على الحضر ، وإباحته.
فهنا مسائل تنظمها خمسه مباحث.
الأول : قصد المسافة
مسألة ٦١٧ : المسافة شرط ، فلا يجوز القصر في قليل السفر عند عامة العلماء ، لإجماع الصحابة على التقدير وإن اختلفوا في القدر.
ولما رواه الجمهور عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : ( يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان ) (٣).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا » (٤).
__________________
(١) قواعد الأحكام ١ : ٤٩.
(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩٤.
(٣) سنن الدار قطني ١ : ١٣٨٧ ـ ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٧.
(٤) الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٣ و ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٨٧.
ولأنّه رخصة للمشقّة ، ولا مشقّة مع القلّة.
وقال داود : يقصّر في قليل السفر وكثيره ، لقوله تعالى ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (١) (٢) ولم يفصّل.
والإجماع والأحاديث أخصّ.
مسألة ٦١٨ : وإنّما يجب التقصير في ثمانية فراسخ ، فلو قصد أقلّ ، لم يجز التقصير إجماعا ، إلاّ في رواية لنا أنّه يثبت في أربعة فراسخ (٣).
والمعتمد : الأول.
ولا خلاف عندنا في وجوب التقصير في الثمانية ، لأنّ سماعة سأله عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال : « في مسيرة يوم ، وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ » (٤).
وسأل أبو أيّوب ، الصادق عليهالسلام عن التقصير ، قال : « في بريدين أو بياض يوم » (٥).
وسأل علي بن يقطين ، الكاظم عليهالسلام ، عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم ، قال : « يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله » (٦)
__________________
(١) النساء : ١٠١.
(٢) المجموع ٤ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، رحمة الأمة ١ : ٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.
(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ـ ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ٢٢٤ ـ ٧٩٦.
(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ـ ٧٨٦.
(٥) التهذيب ٣ : ٢١٠ ـ ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٨٠٢.
(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ـ ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٧٩٩.
وفي رواية عن الباقر عليهالسلام ، قال : « التقصير في بريد ، والبريد أربعة فراسخ » (١).
وهي محمولة على إرادة الرجوع ليومه ، لأنّه حينئذ قد شغل يومه بالسفر ، فحصلت المشقّة المبيحة للقصر ، وكذا غيرها من الروايات.
وللشافعي أقوال : أحدها : إباحة التقصير في ستة وأربعين ميلا بالهاشمي ، وهو : مسير ليلتين قاصدا بين سير النقل (٢) ودبيب الأقدام (٣).
الثاني : ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي ـ وبه قال عبد الله بن عباس وابن عمر ، ومالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور ـ لقوله عليهالسلام : ( يا أهل مكّة لا تقصّروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان ) (٤) (٥).
وهو معارض بما روي عنه عليهالسلام من التقصير في مسير يوم (٦).
ولأنّ القصر لو لم يثبت لمسير يوم ، لما يثبت مع ما زاد ، لزوال مشقّته براحة الليل.
وقد روي عن الرضا عليهالسلام : « إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية فراسخ مسير يوم للعامّة (٧) والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسير يوم » قال : « ولو لم يجب في مسير يوم لما
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٩٠.
(٢) ضرب من السير وهو المداومة عليه. الصحاح ٥ : ١٨٣٤ « نقل ».
(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.
(٤) سنن الدار قطني ١ : ٣٨٧ ـ ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٧.
(٥) المدونة الكبرى ١ : ١٢٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٦٢ ، المغني ٢ : ٩١ و ٩٢ و ٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ و ٩٥ ، المجموع ٤ : ٣٢٣ و ٣٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣ و ٤٥٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.
(٦) نقل ذلك عن عبد الله بن عمر وابن عباس ، انظر : سنن البيهقي ٣ : ١٣٧ والمغني ٢ : ٩٣.
(٧) في « ش » والطبعة الحجرية : « للقاصد » بدل « للعامّة ».
وجب في مسير ألف سنة ، لأنّ كل يوم بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم » (١).
الثالث : مسير يوم وليلة (٢).
الرابع في القديم : يقصّر فيما جاوز أربعين ميلا (٣).
وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح بن حي : لا يقصّر إلاّ في ثلاث مراحل : أربعة وعشرين فرسخا ـ وبه قال النخعي وسعيد بن جبير وعبد الله بن مسعود وسويد بن غفلة ـ لأنّ النبي عليهالسلام ، قال : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ) (٤) وهو يقتضي أن يكون كلّ مسافر له ذلك (٥).
ولا حجّة فيه عندنا ، للمنع من المسح على الخفّين مطلقا ولأنّه يمكنه قطع سفره في ثلاثة أيام إذا كان مرحلتين ويمسح فيها ، فالخبر لبيان مدّة المسح لا حدّ السفر.
وقال الأوزاعي : يقصّر في مسيرة يوم. وهو مروي عن أنس (٦).
وحكي عن الزهري أنّه قال : مسيرة يوم تام ثلاثين ميلا (٧).
مسألة ٦١٩ : الفرسخ ثلاثة أميال اتّفاقا.
والميل : أربعة آلاف ذراع ، لأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام ، وهو يناسب ما قلناه. وكذا الوضع اللغوي ، وهو : قدر مدّ البصر من
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٩٠ ـ ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٦ الباب ١٨٢ ، الحديث ٩ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١١٣ ، الباب ٣٤ ، الحديث ١.
(٢) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٥.
(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.
(٤) سنن البيهقي ١ : ٢٧٨.
(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٥ ، المغني ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، المجموع ٤ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.
(٦) المجموع ٤ : ٣٢٥ ، المغني ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.
(٧) حلية العلماء ٢ : ١٩٣.
الأرض. وفي بعض الروايات : « ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة » (١).
وقال بعض الشافعية : اثنا عشر ألف قدم ، أو أربعة آلاف خطوة (٢).
وأمّا الذراع فأربعة وعشرون إصبعا.
فروع :
أ : لو لم يعلم المسافة وشهد اثنان عدلان ، وجب القصر ، ولو شكّ ولا بيّنة ، وجب الإتمام ، لأنّه الأصل ، فلا يعدل عنه إلاّ مع اليقين. وكذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.
ولو تعارضت البيّنتان ، وجب القصر ، عملا ببيّنة الإثبات.
ب : التقدير تحديد لا تقريب ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ حتى لو نقصت شيئا قليلا ، لم يجز القصر ، لأنّه ثبت بالنصّ لا بالاجتهاد.
ج : الزمان ليس بتقدير ، فلو قطع الثمانية في أيام ، فله القصر فيها.
وكذا لو قطعها في يوم ، فله القصر.
د : البحر كالبرّ ، فلو سافر فيه وبلغت المسافة ، فله القصر وإن كان ربما قطع المسافة في ساعة ، لأنّ الاعتبار بالمسافة لا بالمدّة.
هـ : اعتبار المسافة من حدّ الجدران دون البساتين والمزارع ، وغيبوبة الجدران وخفاء الأذان وإن شرطا في جواز القصر.
مسألة ٦٢٠ : لو قصد نصف المسافة والرجوع ليومه ، وجب القصر ، لوجود المشقّة وشغل اليوم.
ولقول الباقر عليهالسلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن التقصير ، قال : « في بريد » قلت : بريد؟ قال : « إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ ـ ٣.
(٢) فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.
(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.
يومه » (١).
وقال الشافعي : لا يجوز له القصر ، لأنّ الذهاب سفر والرجوع سفر آخر ، وكلّ منهما أقلّ من المسافة (٢).
ونمنع التعدّد.
ولو لم يرد الرجوع من يومه ، وجب التمام ـ وهو قول المرتضى (٣) ـ لعدم الشرط ، وهو : قصد المسافة.
وقال الشيخ : يتخيّر في قصر الصلاة دون الصوم (٤).
وقال الصدوق : يتخيّر مطلقا (٥).
والوجه ما تقدّم.
تذنيب : لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ فقصد التردّد ثلاثا ، لم يقصّر ، لأنّه بالرجوع انقطع سفره وإن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان ومشاهدة الجدران ، وإلاّ لزم القصر لو تردّد في فرسخ واحد ثماني مرّات وأزيد.
ولو كانت المسافة خمسا وقصد الرجوع ليومه ، وجب القصر ، وإلاّ فلا.
مسألة ٦٢١ : لو كان لبلد طريقان ، أحدهما مسافة دون الآخر ، فسلك الأقصر ، لم يجز القصر ، سواء علم أنّه القصير أو لا ، لانتفاء المسافة فيه.
وإن سلك الأبعد ، فإن كان لغرض كخوف في القريب ، أو حزونة ، أو قضاء حاجة في البعيد ، أو زيارة صديق ، أو لقاء غريم ليطالبه ، فله القصر
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٢٤ ـ ٦٥٨.
(٢) المجموع ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.
(٣) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٧٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥١.
(٤) النهاية : ١٢٢ و ١٦١.
(٥) الفقيه ١ : ٢٨٠.
إجماعا ، لوجود المقتضي ، وهو : سلوك المسافة.
وإن لم يكن له غرض سوى الترخّص ، وجب القصر أيضا عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، والمزني (١) ـ لأنّه سفر مباح ، فيترخّص فيه ، كما لو كان له فيه غرض.
والآخر للشافعي : المنع ـ واختاره أبو إسحاق ـ لأنّه طوّل الطريق على نفسه لا لغرض سوى الترخّص ، فأشبه ما إذا مشى في المسافة القصيرة يمينا وشمالا حتى طال سفره (٢).
ومنعوا الإباحة ، لقوله عليهالسلام : ( إنّ الله تعالى يبغض المشّاءين من غير إرب ) (٣).
والفرق ظاهر ، فإنّ قاصد الأبعد قصد مسافة ، بخلاف الماشي يمينا وشمالا ، والإرب موجود ، وهو : الترخّص المباح.
تذنيب : إذا سلك الأبعد ، قصّر فيه وفي البلد وفي الرجوع وإن كان بالأقرب ، لأنّه مسافر ، وإنّما يخرج عن السفر بالعود إلى وطنه أو حكمه.
ولو سلك الأقصر ، أتمّ في طريقه والبلد وإن قصد الرجوع بالأبعد ، لأنّه لم يقصد أوّلا مسافة ، والقصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.
نعم يقصّر في الرجوع بالأبعد ، لوجود المقتضي ، وهو : المسافة.
مسألة ٦٢٢ : لا قصر مع انتفاء القصد ، فالهائم لا يترخّص ، وكذا طالب الآبق وشبهه ، لأنّ الشرط عزم قطع المسافة في الابتداء ، وطالب الآبق والغريم لم يقصد المسافة ، بل متى ظفر رجع وهو لا يعرف موضعهما.
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٤.
(٢) الام ١ : ١٨٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.
(٣) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.
وإن تمادى سفره وزاد عن المسافة ، فإذا وجده وعزم على الرجوع وقد قطع المسافة ، فهو منشئ للسفر من حينه.
وإنّما اشترط قصد قطع المسافة ، لأنّ للسفر تأثيرا في العبادة ، فاعتبرت النيّة فيه ، كما تعتبر في العبادات.
فروع :
أ : لو بلغه خبر عبده في بلد فقصده بنيّة إن وجده في الطريق رجع ، فليس له الترخّص ، لعدم يقين القصد.
ب : لو قصد البلدة ثم عزم في الطريق على الرجوع إن وجده ، قصّر إلى وقت تغيّر نيّته ، وبعده إن كان قد قطع مسافة بقي على التقصير ، وإلاّ أتمّ.
وللشافعي في الآخر وجهان ، كما لو أنشأ سفرا مباحا ثم أحدث نيّة المعصية (١).
ج : الأسير في أيدي المشركين إن عرف مقصدهم وقصده ، ترخّص ، وإن عزم على الهرب متى قدر على التخلّص ، لم يترخّص ، ولو لم يعرف المقصد لم يترخّص في الحال ، لعدم علمه بالمسافة.
وإن ساروا به المسافة ، لم يقصّر إلاّ في الرجوع.
وحكي عن الشافعي : القصر ، لأنّه يتيقّن طول سفره (٢).
د : لو سافر بعبده أو ولده أو زوجته ، فإن علموا المقصد وقصدوا السفر ، ترخّصوا.
وإن عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه ، والزوجة عليه متى تخلّصت ، وكذا الولد ، فلا رخصة لهم.
__________________
(١) فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، المجموع ٤ : ٣٣٢.
(٢) المجموع ٤ : ٣٣٣.
وإن لم يعلموا المقصد ، لم يترخّصوا ، لانتفاء اختيارهم ، وإنّما سفرهم بسفر غيرهم.
هـ : منتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدار والأذان ، يقصّر إن جزم على السفر ـ سواء حصلت الرفقة أو لا ـ إلى شهر.
وإن تردّد في السفر لو لم يحصلوا ، لم يقصّر ، إلاّ أن يكون قد قطع المسافة ، فيقصّر إلى شهر.
واشتراط الشيخ أربعة فراسخ (١) ممنوع.
و : لو قصد ما دون المسافة فقطعه ، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه ، وهكذا دائما ، فلا قصر وإن تجاوز مسافة التقصير ، وكذا لو خرج غير ناو مسافة ، لم يقصّر وإن قطع مسافات كثيرة.
نعم يجب عليه التقصير في العود مع بلوغ المسافة ، لأنّه ينوي المسافة ، وعليه فتوى العلماء.
ولقول الرضا عليهالسلام ، وقد سأله صفوان : في الرجل يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان ، قال : « لا يقصّر ولا يفطر ، لأنّه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وإنّما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به السير » (٢).
ولو قصد ما دون المسافة أوّلا ثم قصد ثانيا المسافة ، قصّر حينئذ لا قبله.
__________________
(١) النهاية : ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ـ ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ـ ٨٠٦.
البحث الثاني : الضرب في الأرض
مسألة ٦٢٣ : الضرب في الأرض شرط في القصر ، ولا يكفي قصد المسافة من دونه إجماعا ، لأنّ شرط القصر الضرب في الأرض ، لقوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (١).
ولأنّ اسم السفر إنّما يتحقّق به لا بالقصد.
ويخالف ما لو دخل إلى بعض البلاد ونوى الإقامة ، ففي الوقت يصير مقيما ، لموافقة النية الحالة ، لأنّه نوى الإقامة وهو مقيم ، وهنا النية لا توافق الحالة ، لأنّ السفر هو الضرب والسير عليها وهو مقيم ، فلم يكن للنية حكم.
مسألة ٦٢٤ : ولا يشترط انتهاء المسافة إجماعا ، لتعلّق القصر بالضرب وهو يصدق في أوله.
ولا يشترط أيضا اختلاف الوقت بإجماع العلماء ، إلاّ من مجاهد ، فإنّه قال : إذا خرج نهارا ، فلا يقصّر إلى الليل ، وإن خرج ليلا ، فلا يقصّر إلى النهار (٢).
ولا وجه له ، لوجود الشرط بدونه.
مسألة ٦٢٥ : إنّما يباح القصر في الصلاة والصوم إذا توارى عنه جدران البلد أو خفي عنه أذانه ، لأنّ السفر شرط القصر ، ولا يتحقّق في بلده ومع مشاهدة الجدران ، فلا بدّ من تباعد يطلق على من بلغه أنّه مسافر ، ولا حدّ بعد مفارقة منازله إلاّ ذلك.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يقصّر على فرسخ من المدينة
__________________
(١) النساء : ١٠١.
(٢) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.
وفرسخين (١) ، فتكون بيانا.
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان ، فقصّر » (٢).
وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنّه أراد سفرا ، فصلّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد (٣).
وهو غلط ، لعدم الشرط. ولأنّ هذا الخلاف انقرض ، فيبقى إجماعا.
وقال عطاء : إذا خرج من بيته ، قصّر وإن لم يخرج من بيوت القرية (٤).
وهو قول بعض أصحاب الحديث (٥) منّا ، لقول الصادق عليهالسلام : « إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه » (٦).
ويحمل على بلوغ الموضع الذي لا يشاهد فيه جدران البلد ولا يسمع أذانه ، جمعا بين الأدلّة.
وقال الشافعي : لا يجوز القصر حتى يفارق البلد الذي هو فيه ومنازله.
ولم يشترط خفاء الجداران والأذان ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق ـ لأنّ بنيان بلده يقطع استدامة سفره فكذا يمنع الابتداء.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يبتدئ القصر إذا خرج من
__________________
(١) صحيح مسلم ١ : ٤٨٠ ـ ٦٩٠ ، صحيح البخاري ٢ : ٥٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٤ ـ ١٢٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٣١ ـ ٥٤٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٣٧.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ـ ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٢.
(٣) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٤.
(٤) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، المغني ٢ : ٩٧ ـ ٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.
(٥) حكاه عن بعض الأصحاب أيضا المحقق في المعتبر : ٢٥٣ ، ولعلّه يقصد الشيخ الصدوق ، وانظر المصدر في الهامش التالي.
(٦) الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٨.
المدينة (١) (٢).
وهو محمول على الخروج إلى حيث يخفى الأذان والجدران.
وحكى ابن المنذر عن قتادة ، أنّه قال : إذا جاوز الجسر أو الخندق ، قصّر (٣).
وقد تقدّم بطلانه.
مسألة ٦٢٦ : وكما أنّ خفاء الأذان والجدران مبدأ السفر كذا هو منتهاه ، فلا يزال مقصّرا حتى يظهر الجدار أو يسمع الأذان ، عند أكثر علمائنا (٤) ، لقول الصادق عليهالسلام : « إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان ، فقصّر ، وإذا قدمت من سفرك ، فمثل ذلك » (٥).
وقال المرتضى : لا يزال مقصّرا حتى يدخل منزله (٦) ، لقول الصادق عليهالسلام : « لا يزال المسافر مقصّرا حتى يدخل أهله أو منزله » (٧).
والمشهور : الأول. وتحمل الثانية على وصول سماع الأذان أو مشاهدة الجدران ، جمعا بين الأدلّة.
مسألة ٦٢٧ : لا اعتبار بأعلام البلدان ، كالمنائر والقباب المرتفعة عن اعتدال البنيان ، لأنّ الحوالة في الألفاظ المطلقة إلى المتعارف المعهود.
__________________
(١) مصنف عبد الرزاق ٢ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩ ـ ٤٣١٥ ـ ٤٣١٨.
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٤٧ و ٣٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٦ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١١٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٧ و ٩٨.
(٣) حلية العلماء ٢ : ١٩٤ ، مصنف عبد الرزاق ٢ : ٥٣١ ـ ٤٣٢٧.
(٤) منهم : المحقق في المعتبر : ٢٥٣.
(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ـ ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٢.
(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٣.
(٧) المعتبر : ٢٥٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٤ وفيهما « .. حتى يدخل بيته ».
ولأنّ المشقّة ربما حصلت عند مشاهدة الجدار من فراسخ بعيدة.
والاعتبار بمشاهدة صحيح الحاسّة وسماع صحيح السمع ، دون بالغ النهاية فيهما وفاقد كمال إحداهما.
ولا عبرة بالبساتين والمزارع ، فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدار والأذان ، لأنّها ليست مبنية للسكنى ، سواء كانت محوطة أو لا ، إلاّ إذا كان فيها دور وقصور للسكنى.
وللشافعية وجه آخر ، وهو : مجاوزة البساتين والمزارع مطلقا.
والمشهور عندهم : الأول (١).
فروع :
أ : لا فرق بين البلد والقرية في ذلك. وشرط بعض الشافعيّة مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة على ساكن القرية دون البلد (٢).
وليس بمعتمد.
وبعضهم شرط مجاوزة البساتين في القرى دون المزارع (٣).
ب : لو جمع سور قرى متفاصلة ، لم يشترط في المسافر من أحدها مجاوزة ذلك السور ، بل خفاء جدران قريته وأذانها.
ج : لو كان خارج البلد على طرفه خراب لا عمارة وراءه ، لم تشترط مجاوزته ، لأنّه ليس موضع إقامة ، وبه قال الشافعي. وله آخر : اشتراط المجاوزة إذا كان بقايا الحيطان قائمة ولم يتّخذ مزارع (٤).
د : لو سكن واديا وسار في عرضه أو طوله ، اشترط خفاء الأذان. وكذا لو سكن في الصحراء.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.
(٢) المجموع ٤ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٦.
(٣) فتح العزيز ٤ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.
(٤) المجموع ٤ : ٣٤٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٣.