أحكام القرآن - ج ٢

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

المسألة الثامنة ـ اختلف الناس في المقدار الذي يأخذه العاملون من الصدقة على ثلاثة أقوال :

الأول ـ قيل : هو الثمن بقسمة الله لها على ثمانية أجزاء ؛ قاله مجاهد والشافعى. وهذا تعليق بالاستحقاق الذي سبق الخلاف فيه ، أو بالمحلية ، ومبنيّ عليه.

الثاني ـ يعطون قدر عملهم من الأجرة ؛ قاله ابن عمر ومالك وقد تقدم القول في الأصل الذي انبنى عليه هذا ، والكلام على تحقيقه.

الثالث ـ أنهم يعطون من غير الزكاة ، وهو ما كان من بيت المال. وهذا قول صحيح عن مالك بن أنس من رواية ابن أبي أويس ، وداود بن سعيد ؛ وهو ضعيف دليلا ؛ فإنّ الله أخبر بسهمهم فيها نصّا ، فكيف يخلفون عنه استقراء وسبرا.

والصحيح الاجتهاد في قدره (١) ؛ لأنّ البيان في تعديد الأصناف إنما كان للمحل لا للمستحق.

المسألة التاسعة ـ المؤلّفة قلوبهم :

فيه أربعة أقوال :

الأول ـ من قال : إنهم مسلمون يعطون لضعف يقينهم [حتى يقووا] (٢) ، مثّلهم بأبى سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، والعباس بن مرداس.

ومن قال : إنهم كفار مثّلهم بعامر بن الطفيل. ومن قال : إنهم كانوا مسلمين ـ ولهم إلى الإسلام ميل ـ مثّلهم بصفوان بن أمية.

الثاني ـ قال يحيى بن أبى كثير : المؤلفة قلوبهم من بنى أمية : أبو سفيان بن حرب ، ومن بنى مخزوم الحارث بن هشام ، وعبد الرحمن بن يربوع. ومن بنى جمح صفوان بن أمية.

ومن بنى عامر بن لؤي سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزّى. ومن بنى أسد بن عبد العزى حكيم بن حزام. ومن بنى هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. ومن بنى فزارة عيينة بن حصن بن بدر. ومن بنى تميم الأقرع بن حابس. ومن بنى نضر مالك بن عوف. ومن بنى سليم العباس بن مرداس. ومن ثقيف العلاء بن حارثة.

الثالث ـ روى ابن وهب عن مالك ، قال : كان صفوان بن أمية ، وحكيم بن حزام ، والأقرع بن حابس ، وعيينة بن بدر ، وسهيل (٣) بن عمرو ، وأبو سفيان من المؤلفة قلوبهم. وكان صفوان يوم العطية مشركا.

__________________

(١) في ل : في قدر الأجرة.

(٢) من ل.

(٣) في ل : سهل.

٤٤١

وقال أصبغ ، عن ابن القاسم : المؤلفة قلوبهم صفوان بن أمية ، ورجال من قريش.

الرابع ـ قال الشيخ أبو إسحاق : المؤلفة (١) قلوبهم : أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، ومعاوية ابنه ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن الحارث بن كلدة ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، والمعلّى بن حارثة الثقفي ، وعيينة بن حصّن ، ومالك ابن عوف ، وصفوان بن أمية ، ومخرمة بن نوفل ، وعمير (٢) بن وهب بن خلف الجمحي ، وهشام ابن عمرو ، وسعيد بن يربوع ، وعدى بن قيس السهمي ، والعباس بن مرداس ، وطليق بن أمية ، وخالد بن (٣) أسيد بن أبى العيص ، وشيبة بن عثمان ، وأبو السنابل بن بعكك ، وعكرمة ابن سفيان بن عامر ، وزهير بن أبى أمية ، وخالد بن هشام ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن عبد الأسد ، والسائب بن أبى السائب ، ومطيع بن الأسود ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم ، وأحيحة بن أمية بن خلف الجمحي ، وعدىّ بن قيس ، ونوفل بن معاوية بن عروة ، وعلقمة ابن علاثة ، ولبيد بن ربيعة بن مالك ، وخالد بن هوذة بن ربيعة ، وحرملة هوذة بن ربيعة ، والأقرع بن حابس بن عقال ، وقيس بن مخرمة ، وجبير بن مطعم بن عدىّ ، وهشام بن عمرو ابن ربيعة بن الحارث بن حبيب.

قال القاضي رضى الله عنه : أما أبو سفيان بن حرب فلا شك فيه ولا في ابنه.

وأما حكم بن حزام فعظيم القدر في الإسلام.

قال مالك : إن النبىّ صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم فحسن إسلامهم.

قال مالك : وبلغني أن حكيم بن حزام أخرج ما كان أعطاه النبىّ صلى الله عليه وسلم في المؤلفة ، فتصدّق بعد ذلك به.

وأما الحارث بن الحارث بن كلدة فهو ابن طبيب العرب وكان منهم. ولا خفاء بعيينة ولا بمالك بن عوف سيّد هوازن.

وأما سهيل بن عمرو فرجل عظيم ، إن كان مؤلّفا بالعطية فلم يمت النبىّ صلى الله عليه وسلم إلا وهو مؤلّف على الإسلام باليقين ؛ فإنه لما استأثر الله برسوله ، وبلغ الخبر إلى مكة ماج

__________________

(١) ارجع في أسماء هؤلاء في المحبر لابن حبيب : ٤٧٣.

(٢) في ا : وعمر. والمثبت من ل ، والقرطبي.

(٣) في ل : وخالد بن أبى أسيد. والمثبت في المخبر أيضا.

٤٤٢

أهل مكة ، فقام سهيل بن عمرو خطيبا ، فقال : والله إنى لأعلم أن هذا الأمر سيمتدّ امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها ، فلا يغرّنكم هذا من أنفسكم ـ يعنى أبا سفيان.

وروى عنه أنه حبس على باب عمر ، فأذن لأهل بدر وصهيب ونوعه. فقال له أبو سفيان ، ومشيخة قريش : يأذن للعبيد ويذرنا! فقال سهيل بن عمرو : دعيتم فأجابوا ، وأسرعوا وأبطأتم ، أما والله لما سبقوكم به من الفضل أشدّ عليكم من هذا الذي تنافسون فيه ؛ إلى أمثال هذا الخبر ، مما يدل على قوة البصيرة في الدين والبصر.

وأما حويطب بن عبد العزّى فلم يثبت عندي أمره ، إنما هو من مسلمة الفتح ، واستقرض منه النبىّ صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم ، وصحّ دينه ويقينه.

وأما مخرمة بن نوفل بن أمية بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب فأمه رقيقة بنت أبى صيفىّ ابن هاشم بن عبد مناف ، والد المسوّر بن مخرمة ، حسن إسلامه ، وهو الذي نصب أعلام الحرم لعمر مع حويطب بن عبد العزى ، وهو الذي خبأ له النبىّ صلى الله عليه وسلم القثّاء ، فقال : خبأت هذا لك ، خبأت هذا لك.

وأما عمير بن وهب بن خلف أبو أمية الجمحي فليس منهم ، مسلم حنيفى ، أما إنه كان من أشدهم عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء لقتله بما شرط له صفوان بن أمية ، فلما دخل المسجد دعاء النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما كان بينه وبين صفوان ، فأسلم ، وحديثه طويل.

وأما هشام بن عمرو فلا أعرف حاله.

وأما الحارث بن هشام فكان في أول أمره كأبى جهل بن هشام ؛ وهي شنشنة أعرفها من أخزم (١) ، ومن يشبه أخاه (٢) فلم يظلم. حسن إسلامه ، وكان بالمسك ختامه.

وأما سعيد بن يربوع فهو الملقّب بالصرم ، مخزومىّ ، قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم: أينا أكبر؟ قال : أنا أقدم منك ، وأنت أكبر وخير منى ، ولم أعلم تأليفه.

__________________

(١) الشنشنة : الطبيعة والخليفة والسجية. وكان أخزم عاقا لأبيه فمات وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه فقال ذلك. (اللسان شنن).

(٢) في ا : ومن لم يشبه.

٤٤٣

وأما عدىّ بن قيس فلم أعرفه.

وأما العباس بن مرداس فكبير قومه ، حسن إسلامه ، وخبره مشهور.

وأما طليق بن سفيان ، وابنه حكيم ؛ فهو وابنه مذكوران في المؤلّفة قلوبهم.

وأما خالد بن أسيد بن أبى العيص (١) بن أمية فلا أعرف قصّته.

وأما شيبة بن عثمان فكان في نفسه شيء ، ثم أراد أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما دنا منهم عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه ، فلما دنا منه أخذه أفكل (٢) ، فمسح صدره فأسلم وحسن إسلامه.

وأما أبو السّنابل بن بعكك العبدري (٣) فهو من مسلمة الفتح ، واسمه حبّة (٤) ؛ لا أعرفه.

وأما عكرمة بن عامر فلا أعرفه ، أما إنه من بنى عبيد الدار ، ولست أحصّل حاله.

وأما زهير بن أمية ، وخالد بن هشام فلا أعرفهما.

وأما هشام بن الوليد فهو أخو خالد بن الوليد.

وأما سفيان بن عبد الأسد فلا أعرفه.

وأما أبو السائب فلم يكن منهم.

وأما مطيع بن الأسود فلست أعلم حاله.

وأما أبو جهم بن حذيفة بن غانم من بنى عدىّ ، واسمه عامر ، فلا أعرفه منهم ، على أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال فيه في الصحيح : وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ـ رواه النسائي. وقال فيه : وأما أبو جهم بشرّ (٥) لا خير فيه. وربّك أعلم.

وأما أحيحة فهو أخو صفوان بن أمية لا أعرف حاله.

وأما نوفل بن معاوية الدّيلى فلا أعرفه منهم.

وأما علقمة بن علاثة العامري الكلابي فهو منهم وأسيد بن ربيعة ، وحسن الإسلام عندهما

__________________

(١) والإكمال : ٣٠.

(٢) أفكل : رعدة.

(٣) في ل : العذرى ، والمثبت في تهذيب التهذيب أيضا (١٢ ـ ١٢١).

(٤) في تهذيب التهذيب (١٢ ـ ١٢١) : وقيل اسمه عمرو ، وقيل عبيد ربه ، وقيل حبة.

(٥) هكذا بالأصول.

٤٤٤

وأما خالد بن هوذة فهو والد العدّاء بن خالد مبايع النبي صلى الله عليه وسلم في العبد أو الأمة ، من بنى أنف الناقة ، غير ممدوح.

والحطيئة لا أعرف حاله ، وكذلك أخوه حرملة.

وأما الأقرع بن حابس فمشهور فيهم.

وأما قيس بن مخرمة بن المطلب القرشي المطلبي فلا أعلمه منهم.

وأما جبير بن مطعم فلم يكن منهم.

وأما هشام بن عمرو فلا أعرفه.

وقد عدّ فيهم زيد الخيل الطائي ، وهم أكثر من هذا كله.

استدراك :

وأما معاوية فلم يكن منهم ؛ كيف يكون ذلك ، وقد ائتمنه النبىّ صلى الله عليه وسلم على وحى الله وقراءته وخلطه بنفسه. وأما حاله في أيام أبى بكر وعمر فأشهر من هذا وأظهر. وقد قدمنا أنّ أصناف المؤلّفة قلوبهم مختلفة ؛ فمنهم ضعيف الإيمان قوىّ بالأدلة والعطاء ، ولم يكن جميعهم كافرا ؛ فحصّلوا هذا فإنه مهمّ في القصة.

المسألة العاشرة ـ اختلف في بقاء المؤلّفة قلوبهم ، فمنهم من قال : هم زائلون ؛ قاله جماعة ، وأخذ به مالك. ومنهم من قال : هم باقون ؛ لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف (١) على الإسلام ، وقد قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.

والذي عندي أنه إن قوى الإسلام زالوا ، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم ، كما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الصحيح قد روى فيه (٢) : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ».

المسألة الحادية عشرة ـ إذا قلنا بزوالهم فإن سهمهم يعود إلى سائر الأصناف كلها ، أو ما يراه الإمام ، حسبما تقدّم بيانه في أصل الخلاف.

وقال الزهري : يعطى نصف سهمهم لعمّار المساجد ، ولا دليل عليه. والأول أصح.

وهذا مما يدلّك على أنّ الأصناف الثمانية محلّ لا مستحقّون (٣) ؛ إذ لو كانوا مستحقين

__________________

(١) في ل : يتألف.

(٢) ابن ماجة : ١٣٢٠.

(٣) في القرطبي : لا مستحقون تسوية.

٤٤٥

لسقط سهمهم بسقوطه عن أرباب الأموال ، ولم يرجع إلى غيرهم ، كما لو أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم.

المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) :

وفيه قولان :

أحدهما ـ أنهم المكاتبون ؛ قاله علىّ ، والشافعى ، وأبو حنيفة ، وجماعة.

الثاني ـ أنه العتق ، وذلك بأن يبتاع الإمام رقيقا فيعتقهم ، ويكون ولاؤهم لجميع المسلمين ؛ قاله ابن عمر.

وعن مالك أربع روايات :

إحداها ـ أنه لا يعين مكاتبا ، ولا في آخر نجم من نجومه ، ولو خرج به حرّا. وقد قال مرة : فلمن يكون الولاء؟

وقال آخرا : ما يعجبني ذلك ، وما بلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان فعلوا ذلك.

الثانية ـ روى عنه مطرّف أنه يعطى المكاتبون.

الثالثة ـ قال : يشترى من زكاته رقبة فيعتقها ، يكون ولاؤها لجميع المسلمين.

السابعة ـ قال مالك : لا آمر أحدا أن يشترى رقبة من زكاة ماله فيعتقها. وبه قال الشافعى وأبو حنيفة.

والصحيح أنه شراء الرقاب وعتقها ، كذلك هو ظاهر القرآن ؛ فإن الله (١) حيث ذكر الرقبة في كتابه إنما هو العتق ، ولو أراد المكاتبين لذكرهم باسمهم الأخصّ ، فلما عدل إلى الرقبة دلّ على أنه أراد العتق.

وتحقيقه أن المكاتب قد دخل في جملة الغارمين بما عليه من دين الكتابة ، فلا يدخل في الرقاب ، وربما دخل في المكاتب بالعموم ، ولكن في آخر نجم يعتق به ، ويكون ولاؤه لسيده ، ولا حرج على معطى الصدقة في ذلك ؛ فإنّ تخليصه من الرق ، وفكّه من حبس الملك هو المقصود ، ولا يتأتّى عن الولاء ؛ فإن الغرض تخليص المكاتب من الرق ، وفكّه من حبس الملك هو المقصود ، وكذلك قال مالك في كتاب محمد.

__________________

(١) والقرطبي : ٨ ـ ١٨٢

٤٤٦

المسألة الثالثة عشرة ـ لو اشترى الإمام من رجل أباه وأخذ المال ليعتقه عن نفسه ، فاختلف العلماء فيه على قولين. وكذلك اختلف [فيه] (١) قول مالك ؛ فمنعه في كتاب محمد ، وأجازه في المختصر. والأول أصحّ ؛ لأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : الولاء لمن أعطى الثمن ، ولأنه إذا أعتقه عن نفسه لم يكن للثمن مقابل يوازيه.

المسألة الرابعة عشرة ـ وكذلك اختلف العلماء في فكّ (٢) الأسارى منها ؛ فقد قال أصبغ : لا يجوز ذلك. وقال ابن حبيب : يجوز ذلك.

وإذا كان فكّ المسلم عن رقّ المسلم عبادة وجائزا من الصدقة فأولى وأحرى أن يكون ذلك في فكّ المسلم عن رقّ (٣) الكافر وذلّه.

المسألة الخامسة عشرة ـ إذا قلنا : إنه يعان منها المكاتب ، فهل نعتق منها بعض رقبة ينبنى عليها؟ فإذا كان نصف عبد أو عشره يكون فيه فكّه عن الرق بما قد سبق من عتقه فإنه يجوز ؛ ذكره مطرّف ، وكذلك أقول. والله أعلم.

المسألة السادسة عشرة ـ ويكون الولاء بين المعتقين كالشريكين. وقد بينّاه في كتب المسائل ، فإنّ فيه تفريعا كثيرا.

المسألة السابعة عشرة ـ قوله : (وَالْغارِمِينَ) :

وهم الذين ركبهم الدّين ، ولا وفاء عندهم [به] (٤) ، ولا خلاف فيه. اللهم إلّا من ادّان في سفاهة ، فإنه لا يعطى منها ، نعم ولا من غيرها إلا أن يتوب ، فإنه إن أخذها (٥) قبل التوبة عاد إلى سفاهة مثلها أو أكبر منها ، والديون وأصنافها كثيرة. وتفصيله في كتب الفقه.

المسألة الثامنة عشرة ـ فإن كان ميتا قضى منها دينه ؛ لأنه من الغارمين.

وقال ابن الموّاز : لا يقضى. وقد ثبت في الصحيح ، عن البخاري وغيره (٦) : ما من

__________________

(١) من ل.

(٢) في ل : فداء.

(٣) في ا : رقة. وهو تحريف.

(٤) من ل ، والقرطي.

(٥) في ا : أخذه.

(٦) صحيح مسلم : ١٢٣٨

٤٤٧

مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم (١) : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا (٢) فليأتنى فأنا مولاه.

المسألة التاسعة عشرة ـ قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) :

قال مالك : سبل الله كثيرة ، ولكني لا أعلم خلافا في أنّ المراد سبيل الله هاهنا الغزو من جملة سبيل الله ؛ إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا : إنه الحج.

والذي يصح عندي من قولهما أنّ الحج من جملة السّبل مع الغزو ؛ لأنه طريق برّ ، فأعطى منه باسم السبيل ، وهذا يحلّ عقد الباب ، ويخرم قانون الشريعة ، وينثر سالك النظر ، وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحجّ أثر.

وقد قال علماؤنا : ويعطى منها الفقير بغير خلاف ؛ لأنه قد سمّى في أول الآية ، ويعطى الغنىّ عند مالك بوصف سبيل الله تعالى ، ولو كان غنيا في بلده أو في موضعه الذي يأخذ به ، لا يلتفت إلى غير ذلك من قوله الذي يؤثر عنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم (٣) : لا تحلّ الصدقة لغنىّ إلا الخمسة : غاز في سبيل الله ...

وقال أبو حنيفة : لا يعطى الغازي [في سبيل الله] (٤) إلا إذا كان فقيرا ، وهذه زيادة على النص ، وعنده أن الزيادة على النص نسخ ، ولا نسخ في القرآن إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر.

وقد بينا أنه فعل مثل هذا في الخمس في قوله : (وَلِذِي الْقُرْبى) ؛ فشرط في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر ؛ وحينئذ يعطون من الخمس. وهذا كله ضعيف حسبما بينّاه.

وقال محمد بن عبد الحكم : يعطى من الصدقة في الكراع والسلاح ، وما يحتاج إليه من آلات الحرب ، وكفّ العدو عن الحوزة ؛ لأنه كلّه من سبيل الغزو ومنفعته. وقد أعطى النبىّ صلى الله عليه وسلم من الصدقة مائة ناقة في نازلة سهل بن أبى حثمة إطفاء للثائرة.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية ٦.

(٢) الضياع : العيال. وأصله مصدر ، وهو مصدر وصف به ، أى أولادا أو عيالا ذوى ضياع ، أى لا شيء لهم.

(٣) ابن ماجة : ١٨٤٢.

(٤) من ل.

٤٤٨

المسألة الموفية عشرين ـ قوله تعالى : (وَابْنِ السَّبِيلِ) :

يريد الذي انقطعت به الأسباب في سفره ، وغاب عن بلده ومستقرّ ماله وحاله ؛ فإنه يعطى منها.

قال مالك في كتاب ابن سحنون : إذا وجد من يسلفه فلا (١) يعطى. وليس يلزمه أن يدخل تحت منّة أحد ، وقد وجد منّة الله ونعمته.

المسألة الحادية والعشرون ـ إذا جاء الرجل وقال : أنا فقير ، أو مسكين ، أو غارم ، أو في سبيل الله ، أو ابن السبيل ، هل يقبل قوله ، أم يقال له أثبت ما تقول؟

فأما الدّين فلا بد من أن يثبت (٢). وأما سائر الصفات فظاهر الحال يشهد لها ويكتفى به فيها.

ثبت أن النبىّ صلى الله عليه وسلم جاء إليه قوم (٣) ذوو حاجة مجتابى النّمار (٤) ، فحثّ على الصدقة عليهم.

وفي حديث (٥) أبرص وأقرع وأعمى ، قال مخبرا عنهم : إنا على ما ترى. فاكتفى بظاهر الحال. وكذلك ابن السبيل يكتفى بغربته ، وظاهر حالته ، وكونه في سبيل الله معلوم بفعله لذلك وركونه فيه.

وإنّ قال : أنا مكاتب أثبت ذلك ؛ لأنّ الأصل الرق حتى يثبت الحرية أو سببها.

وإنّ ادّعى زيادة على الفقر عيالا ، فقال القرويون. يكشف عن ذلك إن قدر ، وهذا لا يلزم ؛ لأن حديث أبرص وأعمى وأقرع ذكر ذلك عنهم وأنا ابن سبيل ، أسألك بعيرا أتبلّغ عليه في سفري ، ولم يكلفه إثبات السفر ، وهو غائب عنه ؛ فصار هذا أصلا في دعوى كل شيء غائب من هذا الباب.

__________________

(١) في ا : مالا ، ونراه تحريفا ، لأنه لا يتفق وما سيجيء من التعليل ، وانظر القرطبي ٨ ـ ١٨٧

(٢) في القرطبي : يثبته.

(٣) صحيح مسلم : ٧٠٤

(٤) في ا : مجتاحي النمار. والنمار جمع نمرة وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لو النمر لما فيها من السواد والبياض ، أراد أنه جاء قوم لابسو أزر مخططة من صوف ، قد خرقوا أوساطها مقورين.

(٥) الحديث في صحيح مسلم : ٢٢٧٥

٤٤٩

المسألة الثانية والعشرون ـ إذا قلنا : إنّ الأصناف الثمانية مستحقّون ، فيأخذ كلّ أحد حقّه وهو الثمن ، ولا مسألة معنا.

وإن قلنا : إن الإمام يجتهد ، وهو الصحيح ؛ فاختلف العلماء بأى صنف يبدأ. فأما العاملون فإن قلنا : إنّ أجرتهم من بيت المال فلا كلام. وإن قلنا : إن أجرتهم من الزكاة فيهم نبدأ ، فنعطيهم الثّمن على قول ، وقدر أجرتهم على الصحيح في الشرع ؛ فإن الخبر بأن يعطى كلّ أجير أجره قبل أن يجفّ عرقه مأثور اللفظ صحيح المعنى. فإن أخذ العامل حقّه (١) فلا يبقى صنف يترجّح فيه إلا صنفين ؛ وهما سبيل الله والفقراء ، أو ثلاثة أصناف إن قلنا : إنّ الفقراء والمساكين صنفان ، فأما سبيل الله إذا اجتمع مع الفقر فإن الفقر مقدّم عليه (٢) إلا أن ينزل بالمسلمين حاجة إلى مال الصدقة فيما لا بدّ منه من دفع مضرّة ، كما تقدّم ، فإنه يقدم على كل نازلة.

وأما الفقراء والمساكين فالصحيح أنهم صنفان ، ولا نبالى بما قال الناس فيهما ، وها أنا ذا أريحكم منه بعون الله ؛ فإن قال القائل بأن الفقير من له شيء والمسكين من لا شيء له ، أو بعكسه ، فإن من لا شيء له هو المقدّم على من له شيء ، فهذا المعنى ساقط لا فائدة فيه.

وأما إن قلنا : إن الفقير هو الذي لا يسأل ، والمسكين هو الذي يسأل فالذي لا يسأل أولى ، لأن السائل أقرب إلى التفطّن (٣) والغنى والعلم به ممن لا يسأل ، ولا يفطن له فيتصدق عليه. ولا خلاف أن الزّمن (٤) مقدّم على الصحيح ، وأنّ المحتاج مقدّم على سائر الناس ، وأن المسلم مقدم على الكتابي. وقد سقط اعتبار الهجرة والتقرب بذهاب زمانهما ، فلا معنى للاحتجاج على ذلك كلّه ، والحمد لله الذي منّ (٥) بالمعرفة وكفانا المؤنة.

المسألة الثالثة والعشرون ـ هذه الأوصاف (٦) التي ذكرنا شأنها في الأصناف التي قدمنا بيانها إنما تعتبر عند علمائنا فيمن لا قرابة بينه وبين المتصدق ، فإن وقعت القرابة ففي ذلك تفصيل عريض طويل.

__________________

(١) في ل : أجره.

(٢) في ل : فإن الفقراء مقدمون.

(٣) في ل : التعطف.

(٤) زمن الشخص زمنا وزمانة فهو زمن : مرض يدوم زمانا طويلا ، والقوم زمنى.

(٥) في ا : منها ، وهو تحريف.

(٦) في ا : الأصناف.

٤٥٠

فأما صدقة التطوع فقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة ابن مسعود : زوجك وولدك أحقّ من تصدقت عليهم به. يعنى بحليّها الذي أرادت أن تتصدق به.

وفي حديث بئر حاء (١) : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى طلحة : أرى أن تجعلها في الأقربين ، فجعلها أبو طلحة في أقاربه ، وبنى عمّه.

وهذا كله صحيح ثابت في كلّ أم وبنت من الحديث.

وأما صدقة الفرض فإن أعطى الإمام صدقة الرجل لولده ووالده وزوجه الذين تلزمه (٢) نفقة جميعهم فإنه يجزئه. وأما إن تناول هو ذلك بنفسه فلا يجوز أن يعطيها بحال لمن تلزمه نفقته ؛ لأنه يسقط [في ذلك] (٣) بها عن نفسه فرضا.

وأما إن أعطاها لمن لا تلزم له نفقتهم فقد اختلف العلماء في ذلك ؛ فمنهم من جوّزه ، ومنهم من كرهه.

قال مالك : خوف المحمدة. وقال مطرّف : رأيت مالكا يدفع زكاته لأقاربه. وقال الواقديّ ـ وهو إمام عظيم : قال مالك : أفضل من وضعت فيه زكاتك قرابتك الذين لا تعول.

وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لزوجة عبد الله بن مسعود : لك أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة.

واختلف علماؤنا في إعطاء الزكاة للزوجين ، فقال القاضي أبو الحسن : إن ذلك من منع مالك محمول على الكراهية. وذكر عن ابن حبيب إن كان يستعين في النفقة عليها بما يعطيه فلا يجوز ، وإن كان معه ما ينفق عليها ويصرف ما يأخذ منها من نفقته وكسوته على نفسه فذلك جائز.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بحال.

والصحيح جوازه لحديث زينب امرأة ابن مسعود المتقدم ذكره.

فإن قيل : ذلك في صدقة التطوّع.

__________________

(١) بئرحاء ـ بالحاء المهملة ، ويقال بيرحاء ـ بفتح الباء بغير همزة. وبئرحاء. بالمد ، وبيرحا ـ بفتح الباء والراء والقصر ، وبريحا ـ بفتح الباء وكسر الراء وياء ساكنة وحاء وألف مقصورة : أرض كانت لأبى طلحة بالمدينة قرب المسجد (ياقوت).

(٢) في ا : الذين يلزم نفقته.

(٣) من ل.

٤٥١

قلنا : صدقة التطوع والفرض هاهنا واحد ؛ لأن المنع منه إنما هو لأجل عوده عليه ، وهذه العلة لو كانت مراعاة لاستوى فيه التطوّع والفرض.

والمسألة الرابعة والعشرون ـ إذا كان الفقير قويّا ، فقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر : يعطى ، يعنى لتحقيق صفة الاستحقاق فيه. وقال يحيى بن عمر : لا يجزيه ، وبه قال الشافعى ، لقول النبىّ صلى الله عليه وسلم (١) : لا تحلّ الصدقة لغنىّ ولا لذي مرّة (٢) سوىّ ـ خرجه الترمذي مع غيره ، وزاد فيه : إلا لذي فقر مدقع أو غرم مفظع (٣). وقال : هذا غريب ، والحديث المطلق دون زيادة لا يركن إليه ، ولا ينبغي أن يعوّل على هذا ؛ فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يعطيها للفقراء لأصحّاء ، ووقوفها على الزمنى باطل ، وهذا أولى من ذلك بالاتباع ، وأقوى منه في الارتباط والانتزاع.

المسألة الخامسة والعشرون ـ من كان له نصاب من الزكاة ، هل يجوز له أخذها أم لا؟

فقال علماؤنا تارة : من ملك نصابا فلا يأخذ منها شيئا ؛ لأنه غنّى تؤخذ منه فلا تدفع إليه.

وفي القول الثاني : يأخذ منها ، وقد ثبت أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : من سأل وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا.

والصحيح ما قاله مالك والشافعى : إن من كانت عنده كفاية تغنيه فهو الغنىّ وإن كان أقلّ من نصاب ، ومن زاد على النصاب ولم تكن فيه كفاية لمئونته ولا سداد لخلّته (٤) فليس بغنىّ فيأخذ منها.

المسألة السادسة والعشرون ـ اختلف العلماء ، هل يعطى من الزكاة نصابا أم لا؟ على قولين.

وقال بعض المتأخرين : إن كان في البلد زكاتان : نقد ، وحرث ، أخذ ما يبلّغه إلى الأخرى.

والذي أراه أن يعطى نصابا ، وإن كان في البلد زكاتان وأكثر ، فإنّ الغرض إغناء الفقير ، حتى يصير غنيّا ، فإذا أخذ تلك فإن حضرت زكاة أخرى وعنده ما يكفيه أخذها غيره ، وإلا عاد عليه العطاء.

__________________

(١) ابن ماجة : ٥٨٩ ، والترمذي : ٣ ـ ٣٣.

(٢) المرة : القوة والشدة. والسوى : الصحيح الأعضاء (النهاية).

(٣) فقر مدقع : شديد يفضى بصاحبه إلى الدقعاء ، والدقعاء : الأرض لا نبات بها. وعزم مفظع : حاجة لازمة من غرامة مثقلة.

(٤) الخلة : الحاجة.

٤٥٢

المسألة السابعة والعشرون ـ لا تصرف الصدقة إلى آل محمد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم. إنّ الصدقة لا تحلّ لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس. والمسألة مشكلة جدا ، وقد أفضنا فيها في شرح الحديث ما شاء الله أن نفيض فيه.

وبالجملة إنّ الصدقة محرّمة على محمد صلى الله عليه وسلم بإجماع أمته ، وهي محرّمة على بنى هاشم في قول أكثر أهل العلم.

وقال الشافعىّ : بنو المطلب وبنو هاشم واحد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن بنى هاشم وبنى المطلب لم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام. قالوا : لأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أعطاهم الخمس عوضا عن الصدقة ولم يعطه أحدا من قبائل قريش.

وقال محمد بن الموّاز : آل محمد عشيرته الأقربون : بنو عبد المطلب ، وآل هاشم ، وآل عبد مناف ، وآل قصىّ ، وآل غالب ؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت (١) : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ـ نادى بأعلى صوته : يا آل قصىّ ، يا آل غالب ، يا آل عبد مناف ، يا فاطمة بنت محمد ، يا صفية عمة رسول الله ، اعملوا لما عند الله ؛ فإنى لست أملك لكم من الله شيئا. فبيّن بمناداته (٢) عشيرته الأقربين.

وقال ابن عباس ـ وقد سئل عنها : نحن هم. يعنى آل محمد خاصة ، وأبى ذلك علينا قومنا. فأما مواليهم ، فقال ابن القاسم في الحديث الذي جاء : لا تحلّ الصدقة لآل محمد ـ إنما ذلك في الزكاة لا في التطوّع ، وإنما هم بنو هاشم أنفسهم. قيل له ـ يعنى مالكا : فمواليه؟ قال : لا أدرى ما الموالي ، وكأنه لم يرهم من ذلك فاحتججت عليه بقوله : مولى القوم منهم ، فقال : وقد قال : ابن أخت القوم منهم.

قال أصبغ : وذلك في البر والحرمة ، كقوله عليه السّلام : أنت ومالك لأبيك. قال مطرف وابن الماجشون : مواليهم منهم لا تحل لهم [الصدقة] (٣).

وقال مالك في الواضحة : لا يعطى آل محمد من التطوع. وأجازه ابن القاسم في كتاب محمد ، وهو الأصح (٤) ؛ لأنّ الوسخ إنما قرن بالفرض خاصة.

__________________

(١) سورة الشعراء ، آية ٢١٤.

(٢) في ل : بمناجاته.

(٣) من ل.

(٤) في ل : وهذا لا يصح.

٤٥٣

فإن قيل : قد روى أبو داود ، عن أبى رافع ، أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة من بنى مخزوم ، فقال لأبى رافع : اصحبنى ، فإنك تصيب منها ؛ فقال : حتى آتى رسول الله فأسأله. فأتاه فسأله ، فقال : موالي القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحلّ لنا الصدقة.

وهذا نص في المسألة ، فلو صحّ لوجب قبوله ، وقد قال علماؤنا في ذلك جوابان :

الأول ـ أنّ ذلك على التنزيه منه (١).

الثاني ـ أنّ أبا رافع كان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم يخدم ويطعم ، فكره له ترك المال الذي لم يذم ، وأخذه لمال هو أوساخ الناس ، فكسب غيره أولى منه.

فإن قيل : فقد روى أن ابن عباس قال : بعثني أبى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة.

قلنا : لم يصح. وجوابه لو صح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من العباس ، فردّ إليه ما استسلف من الصدقة ، فأكلها بالعوض. وقد روينا ذلك مفسّرا مستوفى في شرح الحديث.

وقد قال أبو يوسف : يجوز صرف صدقة بنى هاشم إلى فقرائهم ، فيقال له : أيأكلون من أوساخهم؟ هذا جهل بحقيقة العلة وجهة الكرامة (٢).

المسألة الثامنة والعشرون ـ قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) مقابلة جملة بجملة ، وهي جملة الصدقة بجملة (٣) المصرف لها ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث البخاري وغيره ـ حين أرسل معاذا إلى اليمن : قال لهم : إنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم. فاختص أهل كلّ بلد بزكاة بلده ؛ فهل يجوز نقلها أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال :

الأول ـ لا تنقل ، وبه قال سحنون. وقاله ابن القاسم ، إلا أنه زاد إن نقل بعضها لضرورة رأيته صوابا.

__________________

(١) في ا : على التبرئة منه.

(٢) في ل : بجهة اللغة وجهة الكراهة.

(٣) في ا : فجملة المصرف.

٤٥٤

الثاني ـ يجوز نقلها ، وقاله مالك أيضا.

الثالث ـ يقسم في الموضع سهم الفقراء والمساكين ، وينقل سائر السهام ، باجتهاد الإمام.

والصحيح ما قاله ابن القاسم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ، ولأن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج ، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه.

الآية السابعة والعشرون ـ قوله (١) : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ روى أنها نزلت في غزوة تبوك. قال الطبري : بينما النبىّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظن (٢) هذا أنه يفتح قصور الشام وحصونها! فأطلعه الله على ما في قلوبهم وقولهم ، فدعاهم ، فقال : قلتم كذا وكذا؟ فحلفوا : ما كنّا إلا نخوض ونلعب ، فكان ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : أسمع آية تقشعرّ منها الجلود ، وتجثّ (٣) القلوب ، اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك ، لا يقل أحد أنا غسلت ، أنا كفّنت ، أنا دفنت. قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره.

وروى الدّارقطنيّ ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رأيت عبد الله بن أبىّ يشتدّ قدام النبىّ صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه (٤) ، وهو يقول : يا محمد ، إنما كنا نخوض ونلعب ، والنبىّ صلى الله عليه وسلم يقول : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون؟ لا تعتذروا.

وروى أنّ ذلك كله نزل فيما كان من المنافقين في هذه الغزوة.

المسألة الثانية ـ لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدّا أو هزلا ، وهو كيفما كان كفر ؛ فإن الهزل بالكفر كفر ، لا خلاف فيه بين الأمة ، فإنّ التحقيق أخو الحق والعلم ، والهزل أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا : نظروا (٥) إلى قوله (٦) : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ،

__________________

(١) آية ٦٥.

(٢) في القرطبي : انظروا ، هذا يفتح.

(٣) جث : فزع.

(٤) نكبت الحجارة رجله : لثمتها أو أصابتها.

(٥) في القرطبي (٨ ـ ١٩٧) : انظر.

(٦) سورة البقرة آية ٦٧

٤٥٥

قالَ : أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).

فإن كان الهزل في سائر الأحكام كالبيع والنكاح والطلاق فقد اختلف الناس في ذلك على أقاويل ، جماعها ثلاثة :

الفرق بين البيع وغيره. الثاني : لا يلزم الهزل. الثالث : أنه يلزم. فقال في كتاب محمد: يلزم نكاح الهازل. وقال أبو زيد ، عن ابن القاسم في العتبية : لا يلزم. وقال علىّ ابن زياد : يفسخ قبل وبعد.

وللشافعي في بيع الهازل قولان. وكذلك يتخرج من قول علمائنا فيه القولان. قال متأخر وأصحابنا : إن اتفقا على الهزل في النكاح والبيع لم يلزم ، وإن اختلفا غلب الجدّ الهزل.

قال الإمام ابن العربي : فأمّا الطلاق فيلزم هزله ، وكذلك العتق ؛ لأنه من جنس واحد يتعلّق بالتحريم والقربة ، فيغلب اللزوم فيه على الإسقاط.

الآية الثامنة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ [المجاهدة] (٢) فيها ثلاثة أقوال :

الأول ـ قال ابن مسعود : جاهدهم بيدك ، فإن لم تستطع فبلسانك ، فإن لم تستطع فقطّب (٣) في وجوههم.

الثاني ـ قال ابن عباس : جاهد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان.

الثالث ـ قال الحسن : جاهد الكفّار بالسيف ، والمنافقين بإقامة الحدود عليهم. واختاره قتادة ، وكانوا أكثر من يصيب الحدود.

المسألة الثانية ـ قال علماء الإسلام ما تقدم ، فأشكل ذلك واستبهم ، ولا أدرى صحة هذه الأقوال في السند. أما المعنى فإنّ من المعلوم في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجاهد الكفار بالسيف على اختلاف أنواعهم ، حسب ما تقدم بيانه. وأما المنافقون فكان

__________________

(١) الآية الثالثة والسبعون.

(٢) زيادة يقتضيها المقام.

(٣) في القرطبي : فاكفهر في وجوههم. واكفهر الرجل : عبس.

٤٥٦

مع علمه يعرض عنهم ، ويكتفى بظاهر إسلامهم ، ويسمع أخبارهم فيلغيها بالبقاء عليهم ، وانتظار الفيئة إلى الحق بهم ، وإبقاء على قومهم ، لئلا تثور نفوسهم عند قتلهم ، وحذرا من سوء الشفعة (١) في أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؛ فكان لمجموع هذه الأمور يقبل ظاهر إيمانهم ، وبادى صلاتهم ، وغزوهم ، ويكل سرائرهم إلى ربهم ، وتارة كان يبسط لهم وجهه الكريم ، وأخرى كان يظهر التغيير (٢) عليهم.

وأما إقامة الحجة باللسان فكانت دائمة ، وأما قول من قال : إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود فيهم لأنّ أكثر إصابة الحدود كانت عندهم ؛ فإنه دعوى لا برهان عليها ، وليس العاصي بمنافق ، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ، لا بما تتلبّس به الجوارح ظاهرا ، وأخبار المحدودين يشهد مساقها (٣) أنهم لم يكونوا منافقين.

المسألة الثالثة ـ قوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) :

الغلظة نقيض الرأفة ، وهي شدّة القلب وقوّته على إحلال الأمر بصاحبه. وليس ذلك في اللسان ؛ فإنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرّب (٤).

الآية التاسعة والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) :

فيه ثلاثة أقوال :

__________________

(١) في ا : السمعة.

(٢) في ا : البغي.

(٣) في ل ، والقرطبي : سياقها.

(٤) لا يثرب : أى لا يوبخها ولا يقرعها بالزنا بعد الضرب. وقيل : لا يقنع في عقوبتها بالتثريب بل يضربها الحد ، فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروها ولا منكرا ، فأمرهم بحد الإماء كما أمرهم بحد الحرائر (نهاية ابن الأثير).

(٥) الآية الرابعة والسبعون.

٤٥٧

أحدها ـ أنه قول الجلاس بن سويد : إن كان ما جاء به محمد حقّا فلنحن شرّ من الحمر. ثم إنه حلف ما قال ؛ قاله عروة وجاهد وابن إسحاق.

الثاني ـ أنه عبد الله بن أبىّ بن سلول حين قال (١) : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ؛ قاله قتادة.

الثالث ـ أنه جماعة المنافقين قالوا ذلك ؛ قاله الحسن. وهو الصحيح ؛ لعموم القول ، ووجود المعنى فيه وفيهم ، وجملة ذلك اعتقادهم وقولهم إنه ليس بنبىّ (٢).

المسألة الثانية ـ في هذا دليل على أنّ الكفر يكون بكل ما يناقض التصديق والمعرفة ، وإن كان الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال ، حسبما بيّناه في أصول الفقه ومسائل الخلاف ، وذلك لسعة الحلّ وضيق العقد ، وذلك كالطلاق يقع بالنية والقول ، وليس يقع النكاح إلّا باللفظ المخصوص مع القول به.

المسألة الثالثة ـ قوله : (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) :

فيه دليل على توبة الكافر الذي يسرّ الكفر ويظهر الإيمان ، وهو الذي يسميه الفقهاء الزّنديق.

وقد اختلف في ذلك العلماء ، فقال مالك : لا تقبل له توبة. وقال الشافعى : تقبل. وليست المسألة كذلك ، وإنما يقول مالك : إن توبة الزّنديق لا تعرف ، لأنه كان يظهر الإيمان ويسرّ الكفر ، ولا يعلم إيمانه إلا بقوله. وكذلك يفعل الآن وفي كل حين ، يقول : أنا مؤمن ، وهو يضمر خلاف ما يظهر ، فإذا عثرنا عليه [وقال : تبت] (٣) لم يتغير حاله. وقبول التوبة لا يكون إلا لتوبة تتغيّر فيها الحالة الماضية بنقيضها في الآتية ، ولهذا قلنا : إنه إذا جاء تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلنا توبته ، وهو المراد بالآية ، فإنها ليست بعموم ، فتتناول كلّ حالة ؛ وإنما تقتضي القبول المطلقة فيكفى في تحقيق المعنى للفظ وجوده

__________________

(١) سورة المنافقون ، آية ٨.

(٢) في ا : بشيء. والمثبت من ل ، والقرطبي.

(٣) من القرطبي.

٤٥٨

من جهة ، وقد بينا المسألة على الاستيفاء في مسائل الخلاف ، وهذا القدر يتعلق بالأحكام ، وقد بيناه.

الآية الموفية ثلاثين ـ قوله تعالى (١) : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ).

فيها عشر مسائل :

المسألة الأولى ـ هذه الآية اختلف في شأن نزولها على ثلاثة أقوال :

الأول ـ أنها نزلت في شأن مولى لعمر قتل حميما لثعلبة ، فوعد إن وصل إلى الدية أن يخرج حقّ الله فيها (٢) ، فلما وصلت إليه الدية لم يفعل.

الثاني ـ أن ثعلبة كان له مال بالشام فنذر إن قدم من الشام أن يتصدق منه ، فلما قدم لم يفعل.

الثالث ـ وهو أصحّ الروايات ـ أن (٣) ثعلبة بن حاطب الأنصارى المذكور قال للنبىّ صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني ما لا أتصدق منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدّى شكره خير من كثير لا تطيقه ثم عاود ثانية ، فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مثل نبىّ الله ، فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تصير معى الجبال ذهبا وفضة لصارت (٤).

فقال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني لأعطينّ كلّ ذي حق حقه. فدعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فاتخذ غنما فنمت كما ينمى (٥) الدّود ، فضاقت عليه المدينة ، فتنحّى عنها ، ونزل واديا من أوديتها ، حتى جعل يصلّى الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمى حتى ترك الجمعة ، وطفق يلقى الركبان يوم الجمعة ويسألهم عن الأخبار ، فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم عنه ، فأخبر بكثرة

__________________

(١) آية ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧.

(٢) في ل : منها.

(٣) أسباب النزول : ١٤٥.

(٤) في القرطبي : تسير .... لسارت.

(٥) نمى ينمى ، مثل نما ينمو : زاد. وفي أسباب النزول : تنمو كما ينمو الدود.

٤٥٩

غنمه وبما صار إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ويح ثعلبة ـ ثلاث مرات ، فنزلت(١) : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها). ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة : رجل من جهينة ، وآخر من بنى سليم ، وأمرهما أن يمرّا بثعلبة وبرجل آخر من بنى سليم ، يأخذان منهما صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدرى ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا وعودا.

وسمع بهما السلمى ، فعمد إلى خيار إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهما بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ منك هذا. قال : بل فخذوه ، فإنّ نفسي بذلك طيبة ، فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرّا بثعلبة ، فقال : أرونى كتابكما ـ وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب لهما كتابا في حدود الصدقة ، وما يأخذان من الناس ـ فأعطياه الكتاب ، فنظر إليه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، فانطلقا عنّى حتى أرى رأيى.

فأتيا النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ـ قبل أن يكلّمهما ، ودعا للسلمى بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السّلمى ؛ فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ...) الآية ؛ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة! قد أنزل الله فيك كذا وكذا ، فخرج حتى أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فسأل أن يقبل صدقته منه ، فقال: إنّ الله منعني أن أقبل منك صدقتك ، فقام يحثو التراب على رأسه ؛ فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم : قد أمرتك فلم تطعني ، فرجع ثعلبة إلى منزله ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى أبى بكر فلم يقبض منه شيئا ، ثم إلى عمر بعد أبى بكر ، فلم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى عثمان بعد عمر فلم يقبض منه شيئا ، وتوفى في خلافة عثمان رضى الله عنه. وهذا الحديث مشهور (٢).

__________________

(١) سورة التوبة ، آية ١٠٣.

(٢) في القرطبي (٨ ـ ٢١٠) : قلت : وثعلبة بدري أنصارى وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان حسب ما يأتى بيانه ، فما روى عنه غير صحيح. قال أبو عمر : ولعل قول من قال في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح. والله أعلم.

٤٦٠