أحكام القرآن - ج ٢

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عبدالله [ ابن العربي ]


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فسلهم الجزية ، وإن هم أجابوك فاقبل منهم ، وكفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.

وذكرنا في الحديث في البخاري وغيره من الصحيح أنّ عمر توقّف في أخذ الجزية من المجوس ، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.

ووجه قول ابن وهب أنه ليس في العرب مجوس ، لأنّ جميعهم أسلم ، فمن وجد منهم بخلاف الإسلام فهو مرتدّ ؛ يقتل بكل حال إن لم يسلم ، ولا يقبل منه جزية.

والصحيح قبولها من كل أمة وفي كل حال عند الدعاء إليها والإجابة بها.

المسألة الثامنة ـ ومحلّها من المشركين الأحرار البالغون العقلاء دون المجانين ، وهم الذين يقاتلون ، دون النساء والصبيان لذلك.

واختلف في الرهبان ؛ فروى ابن وهب عن مالك أنها لا تؤخذ منهم.

قال مطرّف ، وابن الماجشون : هذا إذا لم يترهّب بعد فرضها ، فإن فرضت ، لم يسقطها ترهّبه. وهذا مبنيّ على قول أبى بكر : وستجد قوما حبسوا أنفسهم لله ، فذرهم وما حبسوا أنفسهم له ، فإذا لم يهيجوا ولم يقتلوا لم تطلب منهم جزية ، لأنها بدل عن القتل.

المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) : فيه خمسة عشر قولا :

الأول ـ أن يعطيها وهو قائم والآخذ جالس ؛ قاله عكرمة.

الثاني ـ يعطونها عن أنفسهم بأيديهم يمشون بها ؛ قاله ابن عباس.

الثالث ـ يعنى من يده إلى يد آخذه ، كما تقول : كلمته فما لفم ، ولقيته كفّة كفّة(١) ، وأعطيته يدا عن يد.

الرابع ـ عن قوة منهم.

الخامس ـ عن ظهور.

السادس ـ غير (٢) محمودين ولا مدعوّ لهم.

السابع ـ توجأ (٣) عنقه.

__________________

(١) في اللسان : لقيته كفة كفة ـ بفتح الكاف : أى كفاحا ، وذلك إذا استقبلته مواجهة (كف).

(٢) في ل : عن غنى.

(٣) في ل : عن عهد.

٤٠١

الثامن ـ عن (١) ذل.

التاسع ـ عن غنى (٢).

العاشر ـ عن عهد (٣).

الحادي عشر ـ نقدا غير نسيئة (٤).

الثاني عشر ـ اعترافا منهم أنّ يد المسلمين فوق أيديهم (٥).

الثالث عشر ـ عن قهر.

الرابع عشر ـ عن إنعام بقبولها عليهم.

الخامس عشر ـ مبتدئا غير مكافئ.

قال الإمام : هذه الأقوال منها متداخلة ومنها متنافرة ، وترجع إلى معنيين :

أحدهما ـ أن يكون المراد باليد الحقيقة ، والآخر أن يكون المراد باليد المجاز.

فإن كان المراد به الحقيقة فيرجع إلى من قال : إنه يدفعها بنفسه غير مستنيب في دفعها أحدا.

وأما جهة المجاز فيحتمل أن يريد به التعجيل ، ويحتمل أن يريد به القوة ، ويحتمل أن يريد به المنّة والإنعام.

وأما قول من قال : وهو قائم والآخذ جالس فليس من قوله عن يد ، وإنما هو من قوله : عن يد وهم صاغرون ـ وهي :

المسألة العاشرة ـ وكذلك قوله : يمشون بها وهم كارهون ، من الصغار. وكذلك قول أبى عبيدة : ولا مقهور بن يعود إلى الصغار واليد ، وحقيقة الصغار تقليل الكثير من الأجسام ، أو من المعاني في المراتب والدرجات.

المسألة الحادية عشرة ـ اختلف العلماء فيما وجبت الجزية عنه ؛ فقال علماء (٦) المالكية : وجبت بدلا عن القتل بسبب الكفر.

وقال بعض الحنفية بقولنا.

وقال الشافعى : بدلا عن حقن الدم وسكنى الدار.

__________________

(١) في ل : الثامن ـ نقدا غير نسيئة.

(٢) في ل : عن اعتراف منهم أن يد المسلمين فوق أيديهم.

(٣) في ل : قهر.

(٤) في ل : عن إنعام بقبولها.

(٥) في ل : مبتدئا غير متكافئ.

(٦) في ل : علماؤنا.

٤٠٢

وقال بعضهم ـ من أهل ما وراء النهر : إنما وجبت بدلا عن النصرة بالجهاد. واختاره القاضي أبو زيد ، وزعم أنه سرّ الله في المسألة.

واستدلّ علماؤنا على أنها عقوبة [بأنها] (١) وجبت بسبب الكفر ، وهو جناية ؛ فوجب أن يكون مسبّبها عقوبة ؛ ولذلك وجبت على من يستحق العقوبة ، وهم البالغون العقلاء المقاتلون.

وقال أصحاب الشافعى : الدليل على أنها وجبت بدلا عن حقن الدم ، وسكنى الدار ، أنها تجب بالمعاقدة والتراضي ، ولا تقف العقوبات على الاتفاق والرضا. وأيضا فإنها تختلف باليسار والإعسار ، ولا تختلف العقوبات بذلك. وأيضا فإنّ الجزية تجب مؤجّلة والعقوبات تجب معجّلة ؛ وهذا لا يصح.

وأما قولهم : إنها وجبت بالرضا فغير مسلّم ؛ لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوها قسرا.

وأما إنكارهم اختلاف العقوبات بالقلة واليسار فذلك باطل من الإنكار ؛ لأن ذلك إنما يبعد (٢) في العقوبات البدنية دون المالية ، ألا ترى أنّ العقوبات البدنية تختلف بالثيوبة ، والبكارة ، والإنكار ، فكما اختلفت عقوبة البدن باختلاف صفة الموجب عليه لا يستنكر أن يختلف عقوبة المال باختلاف صفة المال في الكثرة والقلة.

وأما تأجيلها فإنما هو بحسب ما يراه الإمام مصلحة ، وليس ذلك بضربة لازب فيها.

وقد استوفيناها في مسائل الخلاف.

وفائدتها أنا إذا قلنا : إنها بدل عن القتل فإذا أسلم سقطت عنه لسقوط القتل.

وعند الشافعى أنها دين استقر في الذمة فلا يسقطه الإسلام كأجرة الدار.

المسألة الثانية عشرة ـ شرط الله تعالى هذين الوصفين ، وهما قوله : (عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) ؛ للفرق بين ما يؤدّى عقوبة وهي الجزية ، وبين ما يؤدّى طهرة وقربة وهي الصدقة ، حتى (٣) قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المعطية ، واليد السفلى هي السائلة ؛ فجعل يد المعطى في الصدقة عليا ، وجعل يد المعطى في الجزية صاغرة

__________________

(١) ليس في ل.

(٢) في ل : يعد.

(٣) في ل : حين.

٤٠٣

سفلى ، ويد الآخذ عليا ، ذلك بأنه الرافع الخافض ، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ، وكل فعل أو حكم يرجع إلى الأسماء حسبما مهّدناه في الأمد الأقصى.

فإن قيل : وهي :

المسألة الثالثة عشرة ـ إذا بذل الجزية فحقن دمه بمال يسير مع إقراره على الكفر بالله ؛ هل هذا إلا كالرضا به؟

فالجواب أنا نقول : في ذلك وجهان من الحكمة :

أحدهما ـ أنّ في أخذها معونة للمسلمين وتقوية لهم ، ورزق حلال ساقه الله إليهم.

الثاني ـ أنه لو قتل الكافر ليئس (١) من الفلاح ووجب عليه الهلكة ؛ فإذا أعطى الجزية وأمهل لعله أن يتدبّر الحق ، ويرجع إلى الصواب ، لا سيما بمراقبة أهل الدين ، والتدرّب بسماع ما عند المسلمين ؛ ألا ترى أن عظيم كفرهم لم يمنع من إدرار رزقه سبحانه عليهم. وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : لا أحد أصبر على أذى من الله ، يعافيهم ويرزقهم ، وهم يدعون له الصاحبة والولد.

وقد بيّن علماء خراسان هذه المسألة ، فقالوا : إنّ العقوبات تنقسم إلى قسمين :

أحدهما ـ ما فيه هلكة المعاقب.

والثاني ـ ما يعود بمصلحة عليه ، من زجره عما ارتكب ، وردّه عما اعتقد وفعل.

الآية الرابعة ـ عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ في هذا من قول ربّنا دليل على أنّ من أخبر عن كفر غيره ـ الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به ـ لا حرج عليه ؛ لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له والردّ عليه ، فلا يمنع ذلك منه ، ولو شاء ربّنا ما تكلم به أحد ، فإذا أمكن من انطلاق الألسنة به فقد أذن في الإخبار عنه ، على معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجّة والبرهان.

__________________

(١) في ل : أيس.

(٢) الآية الثلاثون.

٤٠٤

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) : كلّ قول أحد إنما هو بفيه ، ولكن الحكمة فيه أنه قول باطل لا يتجاوز الفم ، وهو الموضع الذي تحرّك به ؛ لأنه لا يعلم باضطرار ، ولا يقوم عليه برهان ، فيقف حيث وجد ، ولا يتعداه بحدّ ، بخلاف الأقوال الصحيحة ، فإنها تنتظم وتطّرد ، وتعضدها الأدلة ، وتقوم عليها البراهين ، وتنتشر بالحق ، وتظهر بالبيان والصدق.

المسألة الثالثة ـ قوله : (يُضاهِؤُنَ) : يعنى يشابهون. ومنه قول العرب : امرأة ضهياء للتي لا تحيض ، والتي لا ثدي لها ، كأنها أشبهت الرجال.

المسألة الرابعة ـ قوله : (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) :

فيه ثلاثة تأويلات :

الأول ـ قول عبدة الأوثان : اللات ، والعزّى ، ومناة الثالثة الأخرى.

الثاني ـ قول الكفرة : الملائكة بنات الله.

الثالث ـ قول أسلافهم ، فقلّدوهم في الباطل ، واتّبعوهم في الكفر ، كما أخبر تعالى عنهم بقوله (١) : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) ، وفي هذا ذمّ الاتباع في الباطل.

الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

فيها مسألتان :

المسألة الأولى ـ الحبر : هو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه (٣) ، ومنه ثوب محبّر ، أى جمع الزينة. ويقال بكسر الحاء وفتحها ، وقد غلط فيه بعض الناس ، فقال : إنما سمى به لحمل الحبر وهو المداد والكتابة.

والراهب هو من الراهبة : الذي حمله خوف الله على أن يخلص إليه النية دون الناس ، ويجعل زمامه له ، وعمله معه ، وأنسه به.

__________________

(١) سورة الزخرف ، آية ٢٢.

(٢) الآية الواحدة والثلاثون.

(٣) في م : وينقيه ، وفي القرطبي : ويتقنه بحسن البيان عنه.

٤٠٥

المسألة الثانية ـ قوله : (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) :

روى الترمذىّ وغيره ، عن عدىّ بن حاتم ، قال : أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : ما هذا يا عدىّ؟ اطّرح عنك هذا الوثن. وسمعته يقرأ في سورة براءة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ). قال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه (١). وفيه دليل على أن التحريم والتحليل لله وحده ، وهذا مثل قوله (٢) : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) ؛ بل يجعلون التحريم لغيره.

الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

فيها إحدى عشرة مسألة :

المسألة الأولى ـ قوله : (لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) :

فيه قولان :

أحدهما ـ أكلها بالرّشا ، وهي كل هديّة قصد بها التوصل (٤) إلى باطل ، كأنها تسبّب إليه ؛ من الرّشاء ، وهو الحبل ؛ فإن كانت ثمنا للحكم فهو سحت (٥) وإن كانت ثمنا للجاه فهي مكروهة ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله الرّاشى والمرتشي ، والرائش ، وهو الذي يصل بينهما ، ويتوسّط لذلك معهما.

الثاني ـ أخذها بغير الحق ، كما قال الله تعالى (٦) : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ). وقد بيناه.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) :

__________________

إن قيل فيه : يصدّون عن سبيل الله في الحكم بالحق والقضاء بالعدل ، أو قيل فيه : إن

(١) هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب. وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث (القرطبي : ٨ ـ ١٢٠) ، والترمذي : ٥ ـ ٢٧٨.

(٢) آية ٢٩ من هذه السورة.

(٣) الآية الرابعة والثلاثون.

(٤) في ل : التوسل.

(٥) السحت : الحرام.

(٦) سورة البقرة ، آية ١٨٨

٤٠٦

معناه (١) صدّهم لأهل دينهم عن الدخول في الإسلام بتبديلهم وتغييرهم ، وإغوائهم وتضليلهم ، فهذا كلّه صحيح ، لا يدفعه اللفظ.

المسألة الثالثة ـ قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) :

الكنز في اللغة هو المال المجموع ، كان فوق الأرض أو تحتها ، يقال : كنزه يكنزه إذا جمعه ، فأما في الشرع ، وهي :

المسألة الرابعة ـ فنحن لا نقول : إن الشرع غير اللغة ، وإنما نقول : إنه تصرف فيها تصرّفها في نفسها بتخصيص بعض مسمّياتها ، وقصر بعض متناولاتها للأسماء ، كالقارورة والدابة في بعض العقار والدواب.

وقد اختلف فيه على سبعة أقوال :

الأول ـ أنه المجموع من المال على كل حال.

الثاني ـ أنه المجموع من النّقدين.

الثالث ـ أنه المجموع منهما ما لم يكن حليّا.

الرابع ـ أنه المجموع منهما دفينا.

الخامس ـ أنه المجموع منهما لم تؤدّ زكاته.

السادس ـ أنه المجموع منهما لم تؤدّ منه الحقوق.

السابع ـ أنه المجموع منهما ما لم ينفق ويهلك في ذات الله.

وجه القول الأول ما روى ابن هرمز عن أبى هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تأتى الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط منها حقّها ، تطؤه بأظلافها. وتأتى الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط منها حقّها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها. قال : ومن حقها أن تحلب على الماء ، وليأتينّ أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار ، فيقول : يا محمد. فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلّغت. ويأتى ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول : يا محمد. فأقول : لا أملك من الله شيئا ، قد بلغت.

__________________

(١) في ل : معنى.

٤٠٧

وفي رواية : حتى (١) ذكر الإبل فقال : وحقها إطراق فحلها ، وإفقار ظهرها ، وحلبها يوم وردها. وهذا محتمل لكل جامع في كل موطن بكل حال.

ووجه القول الثاني أنّ الكنز إنما يستعمل لغة في النقدين ، وإنما يعرف [تحريم] (٢) ضبط غيره بالقياس عليه.

ووجه القول الثالث أنّ الحلي مأذون في اتخاذه ولا حقّ فيه ، ويأتى بيانه إن شاء الله.

ووجه القول الرابع ـ وهو الدفين ـ ما روى مالك بن أوس بن الحدثان ، عن أبى ذرّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي التمر صدقته ، ومن دفن دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يدفعها بعدها لغريم ، ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة.

ووجه القول الخامس ما روى البخاري وغيره عن ابن عمر أنّ أعرابيا قال له : أخبرنى عن قول الله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ). قال ابن عمر : من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال.

ووجه القول السادس قوله في حديثها : ومن حقّها حلبها يوم وردها ، وإطراق فحلها.

ووجه القول السابع أنّ الحقوق أكثر (٣) من الأموال ، والمساكين لا تستقلّ بهم الزكاة ، وربما حبست عنهم ، فكنز المال دون ذلك ذنب.

المسألة الخامسة ـ اختلفت الصحابة في المراد بهذه الآية ؛ فذهب معاوية إلى أن المراد بها أهل الكتاب. وخالفه أبو ذرّ وغيره ، فقال : المراد بها أهل الكتاب والمسلمون روى البخاري وغيره ، عن زيد بن وهب ، قال : مررت بالرّبذة (٤) ، فإذا أنا بأبى ذرّ ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام ، فاختلفت أنا ومعاوية في : (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب. فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه [ريبة] (٥) في ذلك.

فكتب إلى عثمان يشكوني ، فكتب إلىّ عثمان أن أقدم المدينة. فقدمتها ، فكثر علىّ

__________________

(١) في ل : حين.

(٢) ليس في ل.

(٣) في ل : آكد.

(٤) الربذة : موضع قريب من المدينة.

(٥) ليست في ل ، والقرطبي.

٤٠٨

الناس حتى كأنهم لم يرونى قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان. وفي رواية قال : حتى آذوني. فقال لي عثمان : إن شئت تنحّيت فكنت قريبا ، فذاك الذي أنزلنى هذا المنزل ، ولو أمّروا علىّ حبشيا لسمعت وأطعت.

وهذا يدل على أن الكفّار عند الصحابة يخاطبون بفروع الشريعة.

وذهب عمر إلى أنها منسوخة ؛ نسختها (١) : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ؛ قال عراك بن مالك : ولا شك في أنها منسوخة.

المسألة السادسة ـ في تنقيح الأقوال ، وجلاء الحق ، وذلك ينحصر في ثلاثة مدارك المدرك الأول ـ أنّ الكلّ من فقهاء الأمصار اتفقوا على أنه ليس في المال حقّ سوى الزكاة ، وقد بيناه. وإذا لم يكن في المال حقّ سواها وقضيت بقي المال مطهّرا ، كما قال عمر.

المدرك الثاني ـ أن الآية عامة في أهل الكتاب وغيرهم ، وقد أكّد الله ذلك بقوله(٢): (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ).

المدرك الثالث ـ تخليص الحق من هذين الأصلين ، فنقول :

أما الكنز فهو مال مجموع ، لكن ليس كل مال دين (٣) لله تعالى فيه حق ، ولا حقّ لله سوى الزكاة ؛ فإخراجها يخرج المال عن وصف الكنزية ، ثم إنّ الكنز لا يكون إلا في الدنانير والدراهم أو تبرها ، وهذا معلوم لغة. ثم إنّ الحلّى لا زكاة فيه ؛ فيتنخل من هذا أنّ كلّ ذهب أو فضة أدّيت زكاتهما ، أو اتخذت حليا فليسا بكنز ، وذلك قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ...) الآية.

وهذا يدل على أنّ الكنز في الذهب والفضة خاصة ، وأنّ المراد بالنفقة الواجب لقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، ولا يتوجّه العذاب إلا على تارك الواجب.

فإن قيل : فما الدليل على أنّ الحلّى لا زكاة فيه ـ وهي :

المسألة السابعة ـ قلنا : اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا ، أصله قول مالك والشافعى : لا زكاة في الحلي المباح.

__________________

(١) سورة التوبة ، آية ١٠٣.

(٢) فصلت ، آية ٦ ، ٧.

(٣) في ا : ليس كل مال دين مال لله تعالى.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة (١) : تجب فيه الزكاة. ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء.

فأما أبو حنيفة : فأخذ بعموم الألفاظ في إيجاب الزكاة في النقدين ولم يفرق بين حلى وغيره.

وأما علماؤنا فقالوا : إن قصد التملك (٢) لما أوجب الزكاة في العروض ، وهي ليست بمحلّ لإيجاب الزكاة ، كذلك قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليا يسقط الزكاة ، فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب ، وتخصيص ما عمّ وشمل.

وقد قال بعض الناس : إن ما زاد على أربعة آلاف كنز ، وعزوه إلى علىّ. وليس بشيء يذكر ، لبطلانه.

أما إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنّ الأكثرين مالا هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من قال هكذا وهكذا ، وأشار بيده يفرّقها.

قال أبو ذرّ : الأكثرون أصحاب عشرة آلاف ، يريد أنّ الأكثرين مالا هم الأقلّون يوم القيامة ثوابا ، إلّا من فرّقه في سبيل الله.

وهذا بيان لنقصان المرتبة بقلّة الصدقة ، لا لوجوب التفرقة بجميع المال ، ما عدا الصدقة الواجبة ، يبيّنه ما

روى الترمذي عن سالم بن أبى الجعد ، عن ثوبان ، قال : لما نزلت : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة (٣). لو علمنا أى المال خير فنتخذه؟ فقال : أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.

فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا جوابا لمن علم رغبته في المال فردّه إلى منفعة المال ، لما فيه من الفراغ ، وعدم الاشتغال.

وقد بيّن أيضا في مواضع أخر : أى المال خير في حالة أخرى لقوم آخرين؟ فقال : خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف (٤) الجبال ، ومواقع القطر ، يفرّ بدينه من الفتن.

المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) ، فذكر ضميرا واحدا عن مذكورين.

__________________

(١) والجصاص : ٤ ـ ٣٠٣.

(٢) هكذا في الأصول ، وفي القرطبي : قصد النماء يوجب الزكاة في العروض.

(٣) في الترمذي (٥ ـ ٢٧٧) أنزل ... ما أنزل.

(٤) الشعفة ـ محركة : رأس الجبل ، وجمعه شعف ، (القاموس).

٤١٠

وعنه جوابان :

أحدهما ـ أن قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) جماعة ، ولكل واحد كنز ، فمرجع قوله : «ها» إلى جماعة الكنوز.

الثاني ـ أن ذكر أحد الضميرين يكفى عن الثاني ، كما قال تعالى (١) : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها). وهما شيئان ، كما قال الشاعر (٢) :

إنّ شرخ الشباب والشعر الأس

ود ما لم يعاص كان جنونا

وطريق الكلام الظاهر أن يقال ما لم يعاصيا ، ولكنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ، لدلالة الكلام عليه.

المسألة التاسعة ـ إنما وهم من زعم أنّ المراد بالآية أهل الكتاب ، لأجل قوله في أول الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) ، يعنى من أهل الكتاب ، فرجع قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إليهم.

وهذا لا يصحّ من وجهين :

أحدهما ـ أنّ أول الكلام وخصوصه لا يؤثّر في آخر الكلام وعمومه ، لا سيما إذا كان مستقلا [بنفسه] (٣).

الثاني ـ أن هذا إنما كان يظهر لو قال : ويكنزون الذهب والفضة. أما وقد قال : والذين يكنزون الذهب والفضة ، فقد استأنف معنى آخر يبيّن أنه عطف جملة على جملة ، لا وصفا لجملة على وصف لها.

ويعضد ذلك الحديث الصحيح ، رواه البخاري وغيره أن الأحنف بن قيس قال : جلست إلى ملأ من قريش ، فجاء رجل أخشن الشعر والثياب والهيئة ، حتى قام فسلّم عليهم ، ثم قال : بشر الكانزين برضف (٤) يحمى عليه في نار جهنم ، يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض (٥) كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل (٦).

__________________

(١) سورة الجمعة ، آية ١١.

(٢) هو حسان بن ثابت كما في القرطبي ، وديوانه : ٤١٣

(٣) ليس في ل.

(٤) الرضف : الحجارة المحماة.

(٥) النغض ـ بالضم والفتح : أعلى الكتف. وقيل هو العظم الرقيق الذي على طرفه.

(٦) في القرطبي (٨ ـ ١٢٨) : فيتزلزل ، والحديث في مسلم : ٦٨٩.

٤١١

ثم ولّى فجلس إلى سارية ، وجاست إليه ، ولا أردى من هو ، فقلت له : لا أرى القوم إلا قد كرهوا ما قلت لهم. قال : إنهم لا يعقلون شيئا ، قال لي خليلي. قلت : من خليلك؟ قال : النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ؛ أتبصر أحدا؟ فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار ، وأنا أرى رسول الله يرسلني في حاجة له. قلت : نعم. قال لي : ما أحبّ أنّ لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله ، إلا ثلاثة دنانير ، وإن هؤلاء لا يعقلون ، إنما يجمعون للدنيا ، والله لا أسألهم دنيا ، ولا أستفتيهم عن دين ، حتى ألقى الله (١).

قال القاضي : الحلمة : طرف الثدي ، والنّغض ، بارز عظم الكتف المحدد. ورواية أبى ذر لهذا الحديث صحيحة ، وتأويله غير صحيح ؛ فإن أبا ذر حمله على كل جامع للمال محتجز له ، وإنما المراد به من احتجنه واكتنزه عن الزكاة. والدليل عليه أمران :

أحدهما ـ ما رواه البخاري وغيره عن أبى هريرة قال : من آتاه الله ما لا فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان ، يطوّقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه ـ يعنى بشدقيه ـ يقول : أنا مالك ، أنا كنزك. ثم قرأ (٢) : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ ...) الآية. وقد تقدم بيانه.

قال القاضي : قوله : ما لم تؤدّ زكاته ، يريد أو حقّ يتعلق به ، كفكّ الأسير ، وحق الجائع ، والعطشان. وقد بينا أن الحقوق العارضة كالحقوق الأصلية.

وقوله : مثّل له ماله شجاعا ، يعنى حيّة. وهذا تمثيل حقيقة ؛ لأن الشجاع جسم والمال جسم ، فتغيّر الصفات والجسمية واحدة ، بخلاف قوله : يؤتى بالموت فإن تلك طريقة أخرى. وإنما خص الشجاع ؛ لأنه العدو الثاني للخلق. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهن : ما سالناهن منذ حاربناهن.

وقوله : أقرع ، يعنى الذي ابيضّ رأسه من السم.

والزبيبتان : زبدتان في شدقي الإنسان إذا غضب وأكثر من الكلام ، قالت أم غيلان بنت جرير : ربما أنشدت أبى حتى تزبّب شدقاى.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦٨٩.

(٢) سورة آل عمران ، آية ١٨٠

٤١٢

ضرب مثلا للشجاع الذي يتمثّل كهيئة المال ، فيلقى صاحبه غضبان. وقال ابن دريد : هما نقطتان سوداوان فوق عينيه. وقيل : هو الشجاع الذي كثر سمّه حتى ظهر على شدقيه منه كهيئة الزبيبتين.

وكتب أهل الحديث شجاع بغير ألف بعد العين. وذكر بعض العلماء أنّ أهل الكوفة كتبوه بغير ألف ، وقرءوه منصوبا لئلا يشكل بالمدود ، وكذلك نظراؤه.

واللهزمة : الشدقان. وفي رواية : يأخذ بلهزمتية. وقيل : هما (١) في أصل الحنك.

وفي حديث آخر : إنه يمثل له ماله شجاعا يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل. فأما حبسه ليده فلأنه شحّ بالمال وقبض بها عليه ، وأما أخذه بفمه فلأنه أكله ، وأما خروجه من حلمة ثديه إلى نغض كتفه فلتعذيب قلبه وباطنه حين امتلأ بالفرح بالكثرة في المال والسرور في الدنيا ؛ فعوقب في الآخرة بالهمّ والعذاب.

المسألة العاشرة ـ فإن قيل : فمن لم يكنز ولم ينفق في سبيل الله أليس يكون هذا حكمه؟ فما فائدة ذكر الكنز؟

قلنا : إذا لم ينفق في سبيل الله ولم يكنز ، ولكنه بذّر ماله في السرف والمعاصي فهذا يعلم أنّ حاله يكون مثل هذا أو أكثر منه من طريق الأولى.

فإن قيل ـ وهي :

المسألة الحادية عشرة ـ يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت في وقت الحاجة ، وفقر الصحابة ، وفراغ خزانة بيت المال.

قلنا : هذا باطل ؛ فإنّ الزكاة قد كانت شرعت ، وقد كان بعض الصحابة أغنياء ، وبعضهم فقراء ، وقد كان الفقير منهم يربط بطنه بالحجارة من الجوع ، وبيوت الصحابة الأغنياء مملوءة من الرزق ؛ يشبع أولئك ، ويجوع هؤلاء ، فيندبهم (٢) النبىّ صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة ، ويرغّبهم في المواساة ، ولا يوجب عليهم الخروج عن جميع أموالهم.

الآية السابعة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).

__________________

(١) في ل : هي.

(٢) في ل : فندبهم ... ورغبهم.

(٣) الآية الخامسة والثلاثون.

٤١٣

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الأولى ـ روى عن أبى هريرة قال : من ترك عشرة آلاف درهم جعلت صفائح يعذّب بها صاحبها يوم القيامة قبل القضاء. وعن ابن مسعود أنه قال : والله لا يعذب الله رجلا بكنز فيمسّ درهم درهما ، ولا دينار دينارا ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كلّ دينار ودرهم على حدته.

وعن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل له بكل قيراط صفيحة من نار فيكوى بها من فرقه (١) إلى قدمه ، مغفور له بعد ذلك أو معذّب.

قال القاضي : هذه الأحاديث لم يصح سندها ، وهي بعد محمولة على ما لم تؤدّ زكاته ، فقد روى أنّ رجلا كان يسأل الناس ، فمات فوجدوا له عشرين ألفا ، فقال الناس : كنز. فقال ابن عمر : لعله كان يؤدى زكاته من غيره (٢) ، وما أدّى زكاته فليس بكنز. ومثله عن جابر رضى الله عنه.

وأما قول ابن مسعود : أنه يوسّع جلده ـ فهذا إنما صحّ في الكافر أنه تعظم جثته زيادة في عذابه ، ويغلظ جلده ، ويكبر ضرسه ، حتى يكون مثل أحد. فأما المؤمن فلا يكون ذلك له بحال.

المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : إنما كويت جبهته أولا لعلّه أنه كان يزويها للسائل كراهية لسؤاله ، كما قال الشاعر (٣) :

يزيد (٤) يغضّ الطّرف عنى كأنما

زوى بين عينيه علىّ المحاجم

فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى

ولا تلقني إلّا وأنفك راغم

ثم يلوى عن وجهه ، ويعطيه جنبه إذا زاده في السؤال ؛ فإن أكثر عليه ولّاه ظهره ؛ فرتّب الله العقوبة على حال المعصية.

وقد روى عن عبد الله بن مسعود قال : من كان له مال فلم يؤدّ زكاته طوّقه يوم القيامة شجاعا (٥) أقرع ينقر رأسه.

__________________

(١) في ل : قرنه.

(٢) في ل : من عنده.

(٣) القائل هو الأعشى ، كما في اللسان ، وديوانه : ٧٩.

(٤) في ا : يريد بغض ـ تحريف.

(٥) الشجاع : الحية.

٤١٤

فلعله إن صح أن يكون الكىّ من خارج ، والنقر من داخل.

وقالت الصوفية : لما طلبوا بكثرة المال الجاه شأن الله وجوههم ، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم ، ولما أسندوا بظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها دون الله كويت ظهورهم ، هذا والكل معنى صحيح.

المسألة الثنالة ـ إن كان المكتتر كافرا فهذه بعض عقوباته ، وإن كان مؤمنا فهذه عقوبته إن لم يغفر له ، ويجوز أن يعفى عنه. وقد بينا ذلك في غير موضع.

وقال علماؤنا : إنما عظم الوعيد في هذا الباب لما في اختلاف (١) العباد من الشحّ على المال والبخل به ؛ فإذا خافوا من عظيم الوعيد لانوا في أداء الطاعة. والله أعلم.

الآية الثامنة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

فيها ثمان مسائل :

المسألة الأولى ـ اعلموا ـ أنار الله أفئدتكم ـ أنّ الله خلق السموات والأرض ، وزيّنها بالشمس ، والقمر ، ورتّب فيها النور والظلمة ، وركّب عليها المصالح الدنيوية والعبادات الدينية ، وأحكم الشهور والأعوام ، ونظم بالكل من ذلك ما خلق من مصلحة ومنفعة ، وعبادة وطاعة ، وعلّم ذلك الناس أولا وآخرا ، ابتداء وانتهاء ؛ فقال (٣) : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) إلى : (الْأَلْبابِ). وقال (٤) : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ...) ـ إلى : (بِالْحَقِ). فأخذ كلّ فريق ذلك فاضطربوا في تفصيله ، فقال الروم : السنة اثنا عشر شهرا ، والشهور مختلفة ؛ شهر ثمانية وعشرون يوما ، وشهر ثلاثون يوما ، وشهر واحد وثلاثون يوما.

وقال الفرس : الشهور كلها ثلاثون يوما ، إلا شهرا واحدا ، فإنه من خمسة وثلاثين يوما.

__________________

(١) في م : جبلات العباد.

(٢) الآية السادسة والثلاثون.

(٣) سورة آل عمران ، آية ١٩٠.

(٤) سورة يونس ، آية ٥

٤١٥

وقالت القبط بقولها : إنّ الشّهر ثلاثون يوما ، إلا أنه إذا كمل العام ألغت خمسة أيام تنسئها (١) بزعمها (٢).

واتفقوا على أنه لا بدّ في كل عام من ربع يوم مزيدا على العام ، ثم يجتمع منه في كل أربعة أعوام يوم فيكبس ـ أى يلغى ويزاد في العدد ، ويستأنف العام بعده ، وهذا كلّه قصدا لترتيب المصالح والمنافع.

المسألة الثانية ـ تحقيق القول أنّ الله خلق السنة اثنى عشر شهرا ؛ لأنّ الله خلق البروج في السماء اثنى عشر برجا ، ورتّب فيها سير الشمس والقمر ، وجعل مسير القمر ، وقطعه للفلك في كل شهر ، وجعل سير الشمس فيها ، وقطعه في كل عام ، ويتقابلان في الاستعلاء فيعلو القمر إلى الاستواء ، وتسفل الشمس ، وتعلو الشمس ، ويسفل القمر ، وهكذا على الأزمنة الأربعة ، وفي الشهور الاثنى عشر ، وجعل عدد أيام السنة القمرية ربع يوم وأربعة وخمسين يوما وثلاثمائة يوم ، وجعل أيام السنة الشمسية ربع يوم وخمسة وستين يوما وثلاثمائة يوم ؛ فركب العلماء على هذا مسألة ، وهي إذا قال : لا أكلمه الشهور ، فلا يكلمه حولا مجرّما (٣) : كاملا ـ قال بعض العلماء ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ). وقيل : لا يكلمه أبدا.

وأرى إن لم تكن له نية أن يقضى ذلك بثلاثة شهور ، لأنه أقل الجمع بيقين الذي تقتضيه صيغة فعول في جمع فعل.

ومن الناس من جعل سنة من السنين ثلاثة عشر شهرا مقدار ما يجتمع من الكسر في الزيادة فيلغون (٤) منه شهرا في سنة ، وقصدهم بذلك كله ألّا تغير الشهور عن أوقاتها التي تجرى عليها في الأزمنة الأربعة : الشتاء والصيف ، والقيظ والخريف.

المسألة الثالثة ـ مما ضلّ فيه جهّال الأمم أنهم وضعوا صومهم في زمان واحد ، وكان وضع الشريعة الحنيفية السمحة أن يكون بالأهلّة حتى يخفّ تارة ويثقل أخرى ، حتى يعمّ

__________________

(١) في ا. تسميها.

(٢) في ا : بزعمنا.

(٣) عام مجرم ـ كمعظم : تام.

(٤) في م : فيبقون.

٤١٦

الابتلاء الجهتين جميعا ؛ فيختلف الحال فيه على الواحد. والنفس كثيرا ما تسكن إلى ذلك أو يختلف فيه الحال على الجماعة والأمة لذلك المعنى أيضا.

المسألة الرابعة ـ قوله : (فِي كِتابِ اللهِ) :

يريد قوله صلى الله عليه وسلم : أول ما خلق الله القلم. فقال له : اكتب. فكتب ما يكون إلى أن تقوم الساعة ؛ فعلم الله ما يكون في الأزل ، ثم كتبه ، ثم خلقه كما علم وكتب ؛ فانتظم العلم والكتاب والخلق.

المسألة الخامسة ـ قوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) متعلق بالمصدر ، وهو قوله : (كِتابِ اللهِ) ، كما أن حرف الجر من قوله : في كتاب الله ، وهو : في ، لا يتعلق بقوله عدّة ؛ لأنّ الخبر قد حال بينهما ، ولكنه يتعلّق بمحذوف صفة للخبر ، كأنه قال معدودة أو مؤدّاة (١) أو مكتوبة في كتاب الله ، كقولك : زيد في الدار ، وذلك مبيّن في ملجئة المتفقهين.

المسألة السادسة ـ قوله : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) :

وهي : رجب الفرد ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم.

ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ؛ ورجب. وفي رواية : ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.

وقوله : «حرم» جمع حرام ، كأنه يوجد احترامها بما منع فيها من القتال ، وأوقع في قلوب الناس لها من التعظيم.

ومعنى قوله : رجب مضر ـ فيما قاله القاضي أبو إسحاق ـ أنّ بعض أحياء العرب ، وأحسبه من ربيعة ، كانوا يحرّمون شهر رمضان ويسمّونه رجب ، فأراد النبىّ صلى الله عليه وسلم تخصيصه بالبيان باقتصار مضر على تحريمه.

وقد روى في الحديث : ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. وذلك كلّه بيان لتحقيق الحال ، وتنبيه على رفع ما كان وقع فيها من الاختلال.

__________________

(١) في م : مذكورة.

٤١٧

المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) :

فيه قولان :

أحدهما ـ لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها.

وقيل في الثاني ـ المراد بذلك الأشهر الحرام.

واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا :

أحدهما ـ لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهنّ. وقيل : بارتكاب الذنوب فيهنّ ؛ فإن الله إذا عظّم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة ، وإذا عظّمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم ، ويتضاعف العقاب بالعمل السوء (١) فيها ، كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها ؛ فإنّ من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد (٢) الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال. وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين ؛ وذلك كلّه بحكم الله وحكمته. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله (٣) : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) ، لعظمهن (٤) وشرفهنّ في أحد القولين.

المسألة الثامنة ـ فإن قيل : وكيف جعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض؟

قلنا : عنه جوابان :

أحدهما ـ إنّ الباري تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ليس عليه حجر ، ولا لعمله علّة ؛ بل كل ذلك بحكمة ، وقد يظهر للخلق وجه الحكمة فيه ، وقد يخفى.

الثاني ـ أنّ معنى ذلك أنّ النفس مجبولة على اقتضاء الشهوات ، فلما وجبت (٥) عليه تكليف المحرمات جعل بعضها أغلظ من بعض ، ليعتاد بكفّها عن الأخفّ الكفّ عن الأغلظ ، ويجعل بعض الأزمنة والأمكنة أعظم حرمة من بعض ؛ ليعتاد في الخفيف الامتثال ، فيسهل عليه في الغليظ. والله أعلم.

__________________

(١) في ا : العمل الصالح فيما كان ـ وهو تحريف ، وفي القرطبي (٨ ـ ١٣٤) بالعمل السيئ.

(٢) في ل : واليوم.

(٣) سورة الأحزاب ، آية ٣٠.

(٤) في ل : لفضلهن.

(٥) في ل : وجهت.

٤١٨

المسألة التاسعة ـ اختلف الناس في أول هذه الأشهر [الحرم] (١) ؛ فقال بعضهم : أولها المحرم وآخرها ذو الحجة ؛ لأنه على تقرير (٢) شهور العام ، الأول فالأول.

الثاني ـ أن أولها رجب وآخرها المحرم معدودة من عامين ؛ لأن رجب له فضل الإفراد.

الثالث ـ أن أولها ذو القعدة ؛ لأن فيه التوالي دون التقطيع ، وهو الصحيح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في تعدادها (٣) : ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ؛ ورجب مضر (٤) الذي بين جمادى وشعبان. وهذا نص صريح من رواية الصحيح.

الآية التاسعة عشرة ـ قوله تعالى (٥) : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى ـ قال الله تعالى (٦) : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) إلى قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ). وقال هاهنا : (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) : يعنى محيطين بهم من كل جهة وحالة ، فمنعهم ذلك من الاسترسال.

المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (كَافَّةً) مصدر (٧) حال ، ووزنه فاعلة ، وهو غريب في المصادر ، كالعافية والعاقبة ، اشتقّ من كفة الشيء وهو حرفه الذي لا يبقى بعده زيادة عليه ، ومثله عامة وخاصة ، ولا يثنّى شيء من ذلك ولا يجمع.

المسألة الثالثة ـ قال الطبري : معناه مؤتلفين غير مختلفين ، فردّ ذلك إلى الاعتقاد ، ولا يمتنع أن يرجع إلى الفعل والاعتقاد.

المسألة الرابعة ـ قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ؛ يعنى بالنصر وعدا مربوطا بالتقوى ، فإنما تنصرون بأعمالكم ، وقد تقدم بيانه.

__________________

(١) من ل.

(٢) في ل : تعديد.

(٣) في ا : تفرادها.

(٤) في القرطبي : وقيل له رجب مضر ، لأن ربيعة بن تزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا ، وكانت مضر تحرم رجبا نفسه.

(٥) من الآية السادسة والثلاثين.

(٦) سورة التوبة ، آية ٢٩.

(٧) في القرطبي : وهو مصدر في موضع الحال.

٤١٩

الآية الموفية عشرين ـ قوله تعالى (١) : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ ، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).

فيها ثماني مسائل :

المسألة الأولى ـ قوله : (النَّسِيءُ) :

اختلف الناس فيه على قولين :

أحدهما ـ أنه الزيادة ، يقال : نسأ ينسأ ، إذا زاد ؛ قاله الطبري.

الثاني ـ أنه التأخير. قال الأزهرى : يقال أنسأت الشيء إنساء ، ونساء اسم وضع موضع المصدر ، وله معان كثيرة.

أما الطبري فاحتج بأنه يتعدى بحرف الجر ، فيقال : أنسأ الله في أجلك ، كما تقول : زاد الله في أجلك ، وتقول : أنسأ الله في أجلك ، أى زاده مدة ، واكتفى بأحد المفعولين عن الثاني ، ومنع من قراءته بغير الهمز ، وردّ على نافع ، وقال : لا يكون بترك الهمز إلا من النسيان ، كما قال (٢) : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ).

واحتج من زعم أنه التأخير بنقل العرب لهذا التفسير عن أوائلها ، وقيّد ذلك عنهم مشيخة العرب ، وقد قال الله (٣) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ، أى نؤخرها ، مهموزة ، وقد تخفف الهمز ، كما يقال خطية وخطيئة ، والصابيون والصابئون ، وتخفيف الهمز أصل ، ونقل الحركة أصل ، والبدل والقلب أصل ، كلّه لغوى ، وما كان ينبغي أن يخفى هذا على الطبري.

وأما فصل التعدي فضعيف ؛ فإنّ الأفعال المتعدية بالوجهين من وجوه حرف الجر ، وفي تعدّيها به وعدمه كثيرة.

المسألة الثانية ـ في كيفية النسيء ثلاثة أقوال :

الأول ـ عن ابن عباس أنّ جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافى الموسم كلّ عام ، فينادى : ألا إن أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب ، ألا وإن صفرا العام الأول حلال ، فنحرمه عاما ونحلّه عاما ، وكانوا مع هوازن وغطفان وبنى سليم.

__________________

(١) الآية السابعة والثلاثون.

(٢) سورة التوبة ، آية ٦٧.

(٣) سورة البقرة ، آية ١٠٦

٤٢٠