تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

هو الذي يظن أن له بماله كرما ، من قولهم : خلت (١) ، وكأنما إلى معناه أشار تعالى بقوله : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ)(٢) والفخور : من يتبجح بالقنيات الزائلة (٣) ، فبيّن تعالى أن من أمسك ماله ، وصرفه عن الوجوه المذكورة فذلك لظنه أن له بماله خيلاء وفخرا فيضنّ به ، ويبيّن (٤) أن هذين سبب البخل ما روي : «أهلك الناس شيئان : حبّ الفخر ، وخوف الفقر» (٥) ، / ولهذا عقبه بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)(٦) الآية. فجعل تفسير الاحتيال والفخر البخل بالمال ، والإنفاق على وجه الرياء.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ)(٧) الآية. البخل :

__________________

(١) انظر : مجاز القرآن (١ / ١٢٧) ، وجامع البيان (٨ / ٣٤٩) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٥١) ، وغريب القرآن ص (٤٣٥).

(٢) سورة الهمزة ، الآية : ٣.

(٣) القنيات الزائلة : المكاسب الزائلة. القاموس المحيط ص (١٧١٠) ، ولسان العرب (١٥ / ٢٠١). وانظر : جامع البيان (٨ / ٣٥٠) ، والوسيط (٢ / ٥١) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٦).

(٤) تصحفت في الأصل إلى (تبين) والسياق يقتضي ما أثبته.

(٥) لم أجده.

(٦) سورة النساء ، الآية : ٣٧.

(٧) سورة النساء ، الآية : ٣٧ ، ونصّها : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).

٤٠١

أعظم المعايب ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أي داء أدوى من البخل؟» (١) وأعظم منه حثّ الغير عليه (٢) ، وكأن الشاعر بهذه الآية ألمّ في قوله :

وإن امرأ ضنّت يداه على امرئ

بنيل يد من غيره لبخيل (٣)

وقالوا : فلان يمنع درّه (٤) ودرّ غيره ، والحرّ يعطي والعبد يألم قلبه (٥) ، ولم يرد تعالى بالبخل البخل بالمال فقط ، بل بجميع ما منه نفع الغير ، من نصرة وعلم (٦) ، ودخل في عموم الأمر بالبخل : من ترك شكر من أحسن إليه ، أو أخل بقضاء دين فيصير سببا لمنع الإسداء إلى الغير ، ولهذا قيل : لعن الله قاطعي المعروف ، وقال بعضهم : معناه يبخلون ويتأمرون على الناس ، ويأمرونهم

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ٢١٩) ، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير (١٩ / ٨١) ، والخطيب البغدادي في التاريخ (٤ / ٢١٧) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم (٢٠٧٠٥) ، وذكره الهيثمي في المجمع (٩ / ٣١٥) وقال : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني.

(٢) قال الراغب : «والبخل ضربان : بخل بقنيات نفسه ، وبخل بقنيات غيره ، وهو أكثر ذمّا ..» المفردات ص (١٠٩).

(٣) البيت لأبي تمّام. انظر : ديوانه (٤ / ٤٨٦).

(٤) درّه : لبنه. انظر : مختار الصحاح ص (٢٠٢).

(٥) انظر : مجمع البلاغة ص (٤١٤).

(٦) ذكر أبو حيان هذه العبارة في البحر المحيط (٣ / ٢٥٦) ونسبها للراغب.

٤٠٢

بشكرهم مع بخلهم ، فيكون قوله (بِالْبُخْلِ) في موضع الحال (١) ، وإلى هذا أشار الشاعر بقوله :

جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما

تيه الملوك وأفعال المماليك (٢)

وقوله : (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)(٣) ، يدخل فيه من يستحقر ما آتاه الله من نعمته مالا كان أو عافية ، ومن خوّل (٤) علما ولم يفده مقتبسه منه ، ومن ينسى كثير ما أنعم الله عليه ويتذكر قليل ما يناله من نائبة (٥) ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)(٦) قيل في تفسيره : ينسى النعم ويذكر المحن (٧) ، ونبه بقوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ)(٨) أن من

__________________

(١) انظر : البحر المحيط (٣ / ٢٥٧) ، والدر المصون (٣ / ٦٧٧).

(٢) البيت لعلي بن الجهم وهو من بحر البسيط. انظر : ديوانه ص (١٦١) ، ومجمع البلاغة (١ / ٢٥٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٧).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٣٧.

(٤) خوّل : أي أعطي. انظر : المصباح المنير ص (٧٠).

(٥) قال ابن كثير : «فالبخيل جحود لنعمة الله ، فلا تظهر عليه ولا تبين ، لا في مأكله ، ولا في ملبسه ، ولا في إعطائه وبذله ، كما قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٧٠).

(٦) سورة العاديات ، الآية : ٦.

(٧) وهذا تفسير الحسن البصري. انظر : جامع البيان (٢٤ / ٥٦٦).

(٨) سورة النساء ، الآية : ٣٧.

٤٠٣

فعل ذلك فهو كافر للنعمة ، ومن كفر نعمة الله فقد أعدّ له عذابا (١).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ)(٢) الآية. ذم في هذه الآية السرّف (٣) ، كما ذمّ في الأولى البخل ، فمن السرف أن يتشبّع الإنسان بإنفاقه ، فلا ينفقه على ما يجب ، وكما يجب (٤) فصار الإتيان كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٥) وليس يعني بقوله : (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) جحود ذلك باللسان فقط ، بل عنى معه ترك ما تقتضيه هذه المعرفة ، تنبيها أن المنفق رياء لو كان له حقيقة إيمان لتذكر في تناول ما يتناوله ، ولأدّاه ذلك إلى أن يتفكّر أين يضعه (٦) ،

__________________

(١) قال ابن كثير : والكفر هو الستر والتغطية ، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها ، فهو كافر لنعمة الله عليه. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٧٠). وانظر : أنوار التنزيل (١ / ٢١٤).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٣٨ ، ونصّها : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً).

(٣) السرف : تجاوز الحد في سائر الأفعال وغلب على الإنفاق. انظر عمدة الحفاظ (٢ / ٢٢١).

(٤) انظر : تفسير ابن كثير (١ / ٤٧٠) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٦).

(٥) سورة الفرقان ، الآية : ٦٧.

(٦) انظر : أنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٧).

٤٠٤

فإن قيل : فأيّ تعلّق لقوله : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً)(١) قيل : هذا الكلام فيه إيجاز ، كأنه قيل : الذين ينفقون أموالهم رياء الناس زين لهم الشيطان الذين هم قرناؤهم (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)(٢) ، وعلى ذلك قوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(٣) ولم يعن بالشيطان إبليس فقط ، بل عناه والهوى ، وكل ما دعاه إلى باطل ، وصرفه عن حقّ (٤) ، وقوله : (وَما ذا عَلَيْهِمْ)(٥) في قوله : (وَما ذا عَلَيْهِمْ) استدعاء لطيف إلى تحرّي الإيمان والإنفاق على ما يجب ، لأن لفظه استخبار يستدعي جوابا ، ولا يمكن جواب المستخبر عنه المشتبه إلا بعد التفكّر فيه ، والتفكّر فيما / ذكره تعالى يؤدّي إلى أن ليس على

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٣٨.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٢٧.

(٣) سورة الزخرف ، الآية : ٣٦. وانظر : البحر المحيط (٣ / ٢٥٨ ، ٢٥٩) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٧).

(٤) قال البيضاوي : «والمراد : إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة». أنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وقال أبو حيان : «والشيطان هنا جنس لا يراد به إبليس وحده». البحر المحيط (٣ / ٢٥٩). وانظر : إرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٧).

(٥) سورة النساء ، الآية : ٣٩ ، ونصّها : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً).

٤٠٥

متحري ذلك ضير ، بل له كل خير (١).

إن قيل : لم قدّم الإنفاق في الآية الأولى وأخّره ههنا؟ قيل : لما قصد في الأولى إلى ذمهم بالإنفاق رياء لكونهم غير مؤمنين ، قدّم ذكره ، وجعل قوله : (وَلا يُؤْمِنُونَ) في موضع الحال تنبيها أن ذلك منهم لكونهم غير مؤمنين ، ولما حثّهم في هذه الآية على ما يجب أن يتحروه ابتدأ بذكر الإيمان ، تنبيها أن إنفاقهم غير معتد به إلا بعد الإيمان بهما (٢).

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٣) الآية. عنى بالظلم

__________________

(١) قال النسفي : «وأيّ تبعة ووبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله. والمراد : الذم والتوبيخ ، وإلا فكلّ منفعة ومصلحة في ذلك». مدارك التنزيل (١ / ٣٥٨). وانظر : جامع البيان (٨ / ٣٥٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٩) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٧).

(٢) ذكر أبو حيان نحوا من هذا الكلام فقال : «ولما وصفهم تعالى بتلك الأوصاف المذمومة ، كان فيه الترقي من وصف قبيح إلى أقبح منه ، فبدأ أولا بالبخل ثم بالأمر به ، ثم بكتمان فضل الله ، ثم بالإنفاق رياء ، ثم بالكفر بالله وباليوم الآخر. ولما وبّخهم وتلطّف في استدعائهم بدأ بالإيمان بالله واليوم الآخر ، إذ بذلك تحصل السعادة الأبدية ، ثم عطف عليه الإنفاق ...» البحر المحيط (٣ / ٢٦٠).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٤٠ ، ونصّها : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً).

٤٠٦

ههنا بخس الحقّ (١) ومثقال : مفعال : من الثقل (٢) ، وضرب تعالى الذّرّ مثلا للشيء الصغير ، تقريبا على المخاطب. واستعمل لفظ المثقال تنبيها أن ذلك يعظم جزاؤه وإن صغر قدره (٣) ، وفي قراءة ابن مسعود : مثقال نملة (٤). وإذا قرئ حسنة بالنصب (٥) فتقديره : إن تكن الذرة حسنة ، وردّ الضمير إلى المضاف إليه دون المضاف ، وإذا رفع فمعناه : إن تقع حسنة ، ولا تحتاج كان ههنا إلى

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٦٠) ، والزاهر (١ / ١١٨) ، والوسيط (٢ / ٥٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢١٤).

(٢) «يقال هذا مثقال هذا أي على وزن هذا» انظر : تفسير غريب القرآن ص (١٢٧) ، وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج (٢ / ٥٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١١٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦١).

(٣) قال أبو عبيدة : «مثقال ذرة أي زنة ذرة». مجاز القرآن (١ / ١٢٧) ، وقال السجستاني : «مثقال ذرة : زنة نملة صغيرة» غريب القرآن ص (٤٥٥).

وقال أبو حيان : «ومثقال كل شيء وزنه ، ولا تظن أنه الدينار لا غير ، الذرة : النملة الصغيرة ..» البحر المحيط (٣ / ٢٦١).

(٤) قال أبو حيان : وقرأ ابن مسعود (مثقال نملة) ، ولعلّ ذلك على سبيل الشرح للذرة. البحر المحيط (٣ / ٢٦١) ، ونسب ابن عطية هذه القراءة لابن عباس في المحرر الوجيز (٤ / ١١٨).

(٥) قرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير (وإن تك حسنة) بالرفع ، وقرأ الباقون (حسنة) بالنصب. انظر : حجة القراءات ص (٢٠٣) ، والمبسوط ص (١٥٧) ، والتلخيص ص (٢٤٤) ، وغاية الاختصار (٢ / ٤٦٣).

٤٠٧

خبر (١) ، ويضاعف ويضعّف يتقاربان (٢) ، وقال القتيبي (٣) : يضاعف للمرة ويضعّف للتكثير (٤) ، وقد قال

__________________

(١) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١١٩) ، وإعراب القراءات الشواذ (١ / ٣٨٧) ، وحجة القراءات لابن زنجلة ص (٢٠٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٢) ، والدر المصون (٣ / ٦٨١ ، ٦٨٢).

(٢) قرأ ابن كثير وابن عامر : (يضعّفها) بالتشديد. وقرأ الباقون (يضاعفها) قال ابن زنجلة : «وهما لغتان يقال : أضعفت الشيء وضعّفته ...» حجة القراءات ص (٢٠٣). وانظر : البحر المحيط (٣ / ٢٦٢) ، والدر المصون (٣ / ٦٨٢).

(٣) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي الكبير صاحب الفنون ، كان رأسا في علم اللسان العربي والأخبار وأيام الناس ولد سنة ٢١٣ ه‍ ، من مصنفاته تفسير (غريب القرآن) ، و (غريب الحديث) وغيرهما : توفي سنة ٢٧٦ ه‍. انظر : الفهرست ص (١٢٣) ، وتاريخ بغداد (١٠ / ١٧٠ ـ ١٧١) ، وسير أعلام النبلاء (١٣ / ٢٩٦).

(٤) قال ابن قتيبة : «(يضاعفها) أي يؤتي مثلها مرّات. ولو قال : (يضعّفها) لكان مرّة واحدة». انظر : تفسير غريب القرآن ص (١٢٧). ولعل في عبارة الراغب تصحيفا أدّى إلى قلب المعنى ، فجعل يضعّف للتكثير ويضاعف للمرّة. وصواب العبارة : «يضعّف للمرّة ويضاعف للتكثير ، وهو الموافق لما نقله الراغب في المفردات ص (٥٠٨)». ـ والله أعلم ـ وقد اختلف اللغويون في (ضعّف) و (ضاعف) أبينهما فرق أم هما لغتان ومعناهما واحد. فالذي ذهب إليه أبو عبيدة في المجاز (١ / ١٢٧) ، وابن قتيبة في

٤٠٨

تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(١) ، وقال : (أَضْعافاً كَثِيرَةً)(٢) و (أَضْعافاً مُضاعَفَةً)(٣).

وفائدة قوله : (مِنْ لَدُنْهُ) أن كلّ ما أريد تعظيمه ينسب إلى الله ، فيقال : (مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٤) ، و (مِنْ لَدُنْهُ)(٥) ، و (لَهُ)(٦) ، و (بيت الله) (٧) ، و (ناقَةُ اللهِ)(٨) ، وعلى هذا قوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(٩) ، ووصف الأجر بالعظيم اعتبار بالأجور الدنيوية.

__________________

ـ تفسير غريب القرآن ص (١٢٧) أن (ضاعف) أبلغ في التكثير من (ضعّف) ، وقد نقل الطبري هذا الرأي في تفسيره وأبهم قائله ولم يعلّق عليه.

وذهب الأزهري في تهذيب اللغة (١ / ٤٨٢) وابن سيده في المحكم (١ / ٢٥٥) ، وابن زنجلة في حجة القراءات ص (٢٠٣) إلى أن معناهما واحد.

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٠.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٧٨.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٤٠.

(٦) سورة الإخلاص ، الآية : ٤.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) سورة الحج ، الآية : ٢٦.

(٨) سورة الأعراف ، الآية : ٧٣.

(٩) سورة مريم ، الآية : ٥.

٤٠٩

قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)(١) الآية. تقديره : كيف حالهم في ذلك الوقت استعظاما لأمرهم (٢)؟! وقوله : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً)(٣) فيه أقوال : أحدها : أنه أشار إلى أمته (٤) ، ويكون قوله : (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) عامّا ، وخصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته بالذكر تعظيما لهم. والثاني : ما قاله ابن عباس : إن هذه الأمة تشهد للأنبياء ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشهد لأمته تزكية لهم ، واستدلّ بقوله (٥) : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(٦). والثالث : إن قوله : (عَلى هؤُلاءِ)

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٤١ ، ونصّها : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٦٨) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج (٢ / ٥٣) ، وبحر العلوم (١ / ٣٥٥) ، والوسيط (٢ / ٥٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٢).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٤١.

(٤) انظر : بحر العلوم (١ / ٣٥٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٨) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٩٨) ، ومدارك التنزيل (١ / ٣٥٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٢).

(٥) في الأصل زيادة كلمة (صلى) بعد كلمة (بقوله) والصواب حذفها.

(٦) سورة البقرة ، الآية : ١٤٣. وهذا قول السديّ. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٦٩) ، وبحر العلوم (١ / ٣٥٥) ، والتفسير الكبير (١٠ / ٨٥).

٤١٠

إشارة إلى الأنبياء الذين هم الشهداء على أممهم (١). إن قيل : كيف يصحّ أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاهدا للأنبياء الذين قبله وهو لم يحضرهم؟ وأي فائدة لشهادته وشهادتهم؟ قيل : إن الأنبياء لم يختلفوا في أصول ما دعوا إليه ، بل كلّهم لسان واحد في الدعاء إلى التوحيد ، وأصول الاعتقادات والعبادات ، وسائر جمل الشريعة ، وعلى ذلك نبّه بقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي)(٢) الآية. وكل واحد منهم معتقد لما اعتقده الآخر ، ومبلّغ ذلك مثل ما بلّغه الآخر ، ثم شريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جامعة لأصول شرائع من تقدّمه ، ولذلك قيل له : خاتم الأنبياء (٣) ، وعليه نبّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا ، وترك موضع لبنة منه ، فكنت موضع اللبنة» (٤) ،

__________________

(١) ذكر هذا القول صاحب الفتوحات الإلهية (١ / ٣٨٣).

(٢) سورة الشورى ، الآية : ١٣ ، ونصّها : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).

(٣) نقل صاحب الفتوحات الإلهية عن الكرخي أنه قال : وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً : وذلك بأن تشهد للأنبياء بأنهم بلّغوا ، لعلمك بعقائدهم ، لاستجماع شرعك لجميع قواعدهم». الفتوحات الإلهية (١ / ٣٨٣).

(٤) رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب «خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وسلم» رقم (٣٥٣٤).

٤١١

وبهذا المعنى ألّم بعض المحدثين فقال :

نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما

وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا (١) /

وأما فائدة إقامتها عليهم فتبكيت للعاصين ، وتشنيع عليهم ، وتزكية للمؤمنين ، على ما ذكر في قوله : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)(٢) ، وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ)(٣) منهم من جعل الصفتين لفريق واحد ، أي الذين جمعوا بين الكفر ومخالفة الأمر ، ومنهم من جعلهما وصفين لفريقين ، أي الذين كفروا وعصوا الرسول ؛ فالأول للكفار ، والثاني لأهل الكبائر (٤) ،

__________________

ـ ومسلم في كتاب الفضائل ، باب «كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتم النبيين» رقم (٢٢٨٦).

والترمذي في كتاب الأمثال ، باب «ما جاء في مثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأنبياء قبله» رقم (٢٨٦٢) ، وقال : صحيح غريب من هذا الوجه. ورواه النسائي في الكبرى في كتاب التفسير باب (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) رقم (١١٤٢٢). وأخرجه الطيالسي رقم (١٧٨٥) ، وابن أبي شيبة (١١ / ٤٩٩) ، وأحمد (٣ / ٣٦١) ، والبيهقي في الكبرى (٩ / ٥) ، وفي الدلائل (١ / ٣٦٥).

(١) البيت لأبي الطيب المتنبي وهو من بحر الكامل ، وقد ورد في قصيدة يمدح بها جعفر بن الفرات وزير كافور. انظر : شرح ديوان المتنبي لعبد الرحمن البرقوقي (٢ / ٣٣٢).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٤٩.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٤٢.

(٤) قال النيسابوري : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ) قيل :

٤١٢

وقوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)(١) أي تمنوا أن لم يبعثوا من القبور (٢) ، وقيل : أن جعلوا ترابا كالبهائم (٣) ، وقيل : أن لم يخلقوا رأسا (٤) ، ونحوه قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٥) ، وقوله :

__________________

ـ هذه الجملة معترضة والمراد : وقد عصوا. والظاهر أن الواو للعطف وحينئذ تقتضي كون عصيان الرسول مغايرا للكفر ، لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز ، فإما أن يخصّ الكفر بنوع منه وهو الكفر بالله ، أو يقال : إنه عام وأفرد ذكر قسم منه إظهارا لشرف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتفظيعا لشأن الجحود به ، أو يحمل عصيان الرسول على المعاصي المغايرة للكفر ، فيكون في الآية دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع». تفسير غرائب القرآن (٢ / ٤١٧) ، وانظر : التفسير الكبير (١٠ / ٨٦) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥ ، ٢١٦) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٨).

(١) سورة النساء ، الآية : ٤٢.

(٢) انظر هذا القول في : مدارك التنزيل (١ / ٣٥٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٤١٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٣) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٨).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٧٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٨ ، ٤٨٩) ، والوسيط (٢ / ٥٥) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢١٧ ، ٢١٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٩٩).

(٤) ذكره البيضاوي في أنوار التنزيل (١ / ٢١٦) ، وأبو السعود في إرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٨).

(٥) سورة النبأ ، الآية : ٤٠.

٤١٣

لو تسّوّى بتشديد السين على إدغام التاء في السين ، وتسوّى بالتخفيف على حذف إحدى التاءين (١) ، وقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) قيل : فيه أقوال : أحدها : ما روي عن ابن عباس وقد سئل عن هذه الآية. وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٢) فقال : إن المشركين يوم القيامة لما رأوا أن لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما ، قال بعضهم لبعض : تعالوا نجحد (٣) ، نقول : ما كنا مشركين. فلما قالوا ذلك ختم الله على ألسنتهم ، وتكلّمت جوارحهم ، فشهدت عليهم ، فودّوا لو ساخت بهم الأرض (٤) ولا يكتمون الله (٥).

__________________

(١) قال ابن زنجلة : «قرأ نافع وابن عامر (تسّوّى) بتشديد السين والواو.

الأصل : (تتسوى) ثم أدغمت التاء في السين. وقرأ حمزة والكسائي (تسوّى) بتخفيف السين وفتح التاء والأصل (تتسوى) ثم حذفوا إحدى التاءين تخفيفا مثل (تذكرون)» ولم يشر الراغب إلى القراءة السبعيّة الثالثة وهي (نسوّى) وهو فعل مضارع مبني للمفعول ماضيه (سوّى) انظر : حجة القراءات ص (٢٠٣ ، ٢٠٤) ، ومعاني القراءات ص (١٢٧).

وانظر : جامع البيان (٨ / ٣٧٢) ، وبحر العلوم (١ / ٣٥٦) ، والمبسوط ص (١٥٧) ، والتلخيص ص (٢٤٤) ، وغاية الاختصار (٢ / ٤٦٣).

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٢٣.

(٣) في الأصل : (حتى) والصواب ما أثبته وهو الموافق للروايات.

(٤) ساخت بهم الأرض : أي : خسفت. انظر المصباح المنير ص (١١٢).

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٧٣ ، ٣٧٤) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٥٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢١٨) ، والجامع لأحكام

٤١٤

والثاني : ما قاله الحسن : إن الآخرة مواقف ، وفي بعضها يظهرون ، وروي عنه أن في بعضها لا يتكلّمون (١). والثالث : أنهم لا يكتمون الله حديثا ، لنطق جوارحهم بذنوبهم ، فعلى هذا لا يكون قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ) داخلا في التمنّي ، بل هو استئناف كلام (٢). والرابع : أنه لم يقصد بقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ) أنهم لا يقصدون كتمانه ، بل عنى أنه لا يتكتم ، وذلك كقولك لمن كتم عنك شيئا فاطلعت عليه : لم تكتم أسرارك عني (٣). والخامس : أن ذلك داخل في التمني ، ولكن إشارة إلى حالهم في الدنيا وجحودهم (٤) ، فإن كفرهم جحود لما ركّز الله تعالى في فطرتهم ، ونقض لما أخذ عليهم من الميثاق المدلول عليه بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ

__________________

ـ القرآن (٥ / ١٩٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٤١٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٤).

(١) ذكره السمعاني في تفسير القرآن (١ / ٤٣٠) ، والبغوي في معالم التنزيل (٢ / ٢١٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٢ / ٨٧) وأبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٢٦٤).

(٢) ذكر هذا القول ابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ١٢٣) ، وذكره عنه أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢٦٤). وانظر : إرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٨).

(٣) قال أبو حيان : والمعنى : «لا يقدرون على كتمان الحديث». البحر المحيط (٣ / ٢٦٤). وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٥٤).

(٤) انظر هذا القول في : البحر المحيط (٣ / ٢٦٤).

٤١٥

مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(١) الآية.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(٢) الآية. السّكر : هو من السّكر ، أي سدّ مجرى الماء ، وذلك لسد البخار الصاعد من المعدة قوة الفهم ، وسكرت الريح : أي سكنت ، تشبيها بسكون الماء إذا سدّ مجراه ، وكذلك سكرت أبصارنا : أي سدّ مجراها ، والسّكر قد يقال لما يعرض من الهوى والشباب والغنى (٣). قال الشاعر :

سكران سكر هوى وسكر شراب (٤)

 ...

_________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٧٢.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٤٣ ، ونصّها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).

(٣) انظر معاني السكر في : العين (٥ / ٣٠٩) ، وغريب القرآن ص (٢٧٦) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٥٥) ، ومجمل اللغة ص (٣٥٤) ، ومعجم مقاييس اللغة (٣ / ٨٩) ، والمفردات ص (٤١٦) ، وبصائر ذوي التمييز (٣ / ٢٣٣) ، واللسان (٤ / ٣٧٢ ـ ٣٧٥).

(٤) صدر بيت من بحر الكامل ينسب للخليع الدمشقي وتمامه :

سكران سكر هوى وسكر مدامة

أنّى يفيق فتى به سكران

انظر : يتيمة الدهر (١ / ٣٣٣) ، والدر المصون (٣ / ٦٨٩) ، وبصائر ذوي

٤١٦

ويقال : سكارى وسكرى. والغائط : المنهبط من الأرض فكنى به عن الحدث (١) ؛ كالنجو في كونه للمرتفع من الأرض (٢) ، والعذرة للفناء (٣) ، والحشّ للبستان (٤) ، والكنيف للحظيرة (٥).

والصّعيد كالصّعود ، لكن الصعيد يقال لوجه الأرض. والصعود

__________________

ـ التمييز (٣ / ٢٣٣) ، والإكسير في صناعة التفسير ص (٣٢٨) ، وقد ذكره الراغب في المفردات ص (٤١٦) بعبارة [مدامة] بدل [شراب].

(١) قال السجستاني : «الغائط : مطمئنّ من الأرض ، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا ، فكنّي عن الحدث بالغائط» غريب القرآن ص (٣٤٩).

وانظر : الزاهر (١ / ٤٠٩) ، ومجمل اللغة ص (٥٣٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٨ / ٣٨٨).

(٢) قال ابن فارس : «والنجوة : الأرض لا يعلوها السيل» مجمل اللغة ص (٦٨٩). وانظر : الصحاح (٦ / ٢٠٥٢).

(٣) قال ابن فارس : «وعذرة الدار : فناؤها» مجمل اللغة ص (٥٠٨) ، وانظر : الزاهر (١ / ٤٠٩).

(٤) قال ابن منظور : والحشّ والحشّ : جماعة النخل ، وقال ابن دريد : «هما النخل المجتمع ، والحش أيضا : البستان ، والحش : المتوضأ ...» لسان العرب (٦ / ٢٨٦) ، وانظر : غريب الحديث لأبي عبيد (٢ / ١٦٥) ، وتهذيب اللغة (٣ / ٣٩٤).

(٥) قال ابن فارس : «الكنيف : الساتر ، ويسمى الترس كنيفا لأنه يستر .. والكنيف : الحظيرة ...» مجمل اللغة ص (٦١٢) ، وانظر : الزاهر (١ / ٤٠٩).

٤١٧

للعقبة (١) ، ولما كان الصعيد يقال لوجه الأرض وللساطع منه ، اختلف الفقهاء لاختلاف نظرهم في أنه هل يجب أن يعلق باليد شيء من التراب أم لا؟ فجوز الكوفيون أن لا يعلق باليد شيء من الأرض ، لكون الصعيد اسما لوجه الأرض ، ولم يجوّز الحجازيون ذلك اعتبارا بالصعود ، ولقوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ)(٢) وكذلك اختلفوا في أنه هل يجوز التيمم بما يخرج من الأرض سوى / التراب كالخل والزرنيخ (٣)؟ فجوّز ذلك بعضهم ومنع منه آخرون ، فمن جوّزه قال : لأن الصعيد اسم لما تصاعد من الأرض (٤). والتيمّم والتأمّم : التعمّد ، وفي قراءة عبد الله

__________________

(١) انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٥٦) ، وغريب القرآن ص (٢٩٨) ، ومعجم مقاييس اللغة (٣ / ٢٨٧) ، والمفردات ص (٤٨٤). وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٤٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٧٠).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٤٣. وقد جوّز مالك وأبو حنيفة ألّا يعلق باليد شيء عند التيمم ، ولم يجوّز ذلك الشافعي وأحمد. انظر : خلاف العلماء في ذلك في : بدائع الصنائع (١ / ٣٤٠) ، والمغني لابن قدامة (١ / ٢٤٧ ، ٢٤٨) ، والعزيز شرح الوجيز للرافعي (١ / ٢٣٠ ، ٢٣٥).

(٣) «الزرنيخ : عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه ، ومركباته سامّة يستخدم في الطب في قتل الحشرات» المعجم الوجيز ص (٢٨٨) ، وانظر : المعرب ص (٣٥٦).

(٤) جوّز مالك وأبو حنيفة التيمم بكل ما كان من جنس الأرض كالنورة

٤١٨

فتأمّموا (١). وعابري سبيل : قال علي وابن عباس : هم المسافرون ، قالوا : ويجوز لهم التيمّم عند الجنابة. والصلاة عندهما اسم الفعل (٢) ، وقال الحسن وسعيد : عابر السبيل : المجتاز ، والصلاة يريد به موضعها (٣) ، كقوله : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ

__________________

ـ والزرنيخ والحجارة ، ومنع ذلك الشافعي وأحمد. انظر : المحرر الوجيز (٤ / ١٣٢ ، ١٣٣) ، بدائع الصنائع (١ / ٣٣٩) ، والمغني (١ / ٢٤٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٣٦ ، ٢٣٧) ، والعزيز (١ / ٢٣٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٧٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٧٨).

(١) قال السجستاني : تيمّموا : تعمدوا. غريب القرآن ص (١٣٥). وانظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٧٠) ، ومجاز القرآن (١ / ١٢٨) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٧) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ٩٧).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٧٩ ، ٣٨٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٥٩ ، ٩٦٠) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٢٠٣) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٣٦) ، والنكت والعيون (١ / ٤٩٠) ، وهو قول مجاهد والحكم وابن زيد وابن جبير. وانظر : معالم التنزيل (٢ / ٢٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٠٦).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٨٢ ، ٣٨٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٦٠) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٢٠٣) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٣٦) ، وهو مروي عن ابن عباس. قال ابن أبي حاتم : وروي عن عبد الله بن مسعود ، وأنس بن مالك ، وأبي عبيدة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الضحى ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، وإبراهيم

٤١٩

وَصَلَواتٌ)(١). والمريض الذي جوّز له التيمّم : الجريح والقريح دون المحموم والمصدّع (٢). والملامسة : الجماع ، عن علي وعن ابن عباس (٣) ، وقيل : اللمس

__________________

ـ النخعي ، وزيد بن أسلم ، وأبي مالك ، وعمرو بن دينار ، والحكم بن عتيبة ، وعكرمة ، والحسن البصري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن شهاب وقتادة نحو ذلك. وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٩٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٠٦).

(١) سورة الحج ، الآية : ٤٠.

(٢) قال ابن العربي : «المرض : عبارة عن خروج البدن عن حدّ الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ ؛ وهو على ضربين : يسير وكثير ، وقد يخاف المريض من استعماله ـ أي الماء ـ وقد يعدم من يناوله إياه ، وهو يعجز عن تناوله ، ومطلق اللفظ يبيح التيمّم لكل مريض إذا خاف من استعماله وتأذّيه بالماء». أحكام القرآن (١ / ٤٤٠). وانظر : خلاف العلماء في ذلك في : بدائع الصنائع (١ / ٣١٨ ـ ٣٢١) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٢٨) ، والمغني (١ / ٢٣٩) ، والعزيز (١ / ٢١٨ ـ ٢٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢١٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٨).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٨٩ ـ ٣٩٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٦١). ذكر رواية ابن عباس ثم قال : وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن ، وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك. وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٩١) ، والوسيط (٢ / ٥٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢٢٢) ، وتفسير القرآن العظيم

٤٢٠