تفسير البغوي - ج ١

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ١

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٨

[٣٥١] أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا عيسى بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا همام بن يحيى عن قتادة عن صفوان بن محرز قال :

كنت آخذا بيد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأتاه رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في النّجوى؟ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس فيقول : أي عبدي! أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول : نعم ، أي ربّ ، ثم يقول : أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول : نعم ، أي ربّ حتى إذا قرّره بذنوبه ورأى في (١) نفسه أنه قد هلك ، قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته ، وأمّا الكفار والمنافقون (٢) فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين».

قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ، رفع الراء والباء أبو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب ، وجزمهما الآخرون فالرفع على الابتداء والجزم على النسق ، روى طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم ويعذّب من يشاء على الذنب الصغير لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ، والله على كل شيء قدير.

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥))

قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ) ، أي : صدق (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) ، يعني : كلّ واحد منهم ، ولذلك وحّد الفعل ، (وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) ، قرأ حمزة والكسائي «وكتابه» على الواحد ، يعني : القرآن ، وقيل معناه : [الجمع وإن ذكر بلفظ التوحيد](٣) ؛ كقوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) [البقرة : ٢١٣] ، وقرأ الآخرون : (وَكُتُبِهِ) بالجمع ؛ كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) ، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، فيه إضمار تقديره : يقولون (٤) لا نفرّق ، وقرأ يعقوب : «لا يفرق» بالياء ، فيكون خبرا عن الرسول ، أو معناه : لا يفرّق [بين](٥) الكل ، وإنما قال (بَيْنَ أَحَدٍ) ولم يقل بين آحاد ، لأن الأحد

__________________

[٣٥١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، قتادة هو ابن دعامة السدوسي.

ـ وهو في «شرح السنة» (٤٢١٥) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٤٤١ وفي «خلق أفعال العباد» ص (٦٢) وابن حبان ٧٣٥٦ وابن أبي عاصم في «السنة» (٦٠٤) من طرق عن همام به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٤٤١ و ٤٦٨٥ و ٦٠٧٠ و ٧٥١٤ ومسلم ٢٧٦٨ وابن ماجه ١٨٣ وأحمد ٢ / ٧٤ و ١٠٥ وابن حبان ٧٣٥٥ وابن أبي عاصم ٦٠٤ و ٦٠٥ وابن مندة في «الإيمان» (٧٩٠ و ١٠٧٧ و ١٠٧٨ و ١٠٧٩) والطبري ٦٤٩٧ و ١٨٠٨٩ و ١٨٠٩٠ والآجري في «الشريعة» ص (٢٦٨) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٢١٩ ـ ٢٢٠) من طرق عن قتادة به.

__________________

(١) لفظ «في» ليس في «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «الكافر والمنافق».

(٣) العبارة في المخطوط «الإفراد وإن ذكر بلفظ الجمع».

(٤) في المخطوط «وقالوا».

(٥) زيادة عن المخطوط.

٤٠١

يكون للواحد والجمع ، قال الله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧)) [الحاقة : ٤٧] ، (وَقالُوا سَمِعْنا) ، قولك (وَأَطَعْنا) أمرك.

ع [٣٥٢] روي عن حكيم بن (١) جابر رضي الله عنهما أنّ جبريل عليه‌السلام قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين نزلت هذه الآية : إن الله قد أثنى عليك وعلى أمتك ، فسل تعطه ، فسأل بتلقين الله تعالى فقال : (غُفْرانَكَ).

وهو نصب (١) على المصدر ، أي : اغفر غفرانك ، [أو على المفعول به](٢) ، أي : نسألك غفرانك ، (رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦))

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، ظاهر الآية قضاء الحاجة (٣) ، وفيها إضمار السؤال كأنه قال : وقالوا لا تكلفنا إلا وسعنا ، فأجاب (٤) : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، أي : طاقتها ، والوسع : اسم لما يسع الإنسان ، ولا يضيق عليه ، واختلفوا في تأويله ، فذهب ابن عباس رضي الله عنه وعطاء وأكثر (٥) المفسّرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) كما ذكرنا ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال : هم المؤمنون خاصة وسّع عليهم أمر دينهم ولم يكلّفهم فيه إلا ما يستطيعون ؛ كما قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، وقال الله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] ، وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عزوجل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، قال : إلا يسرها ولم يكلّفها فوق طاقتها ، وهذا قول حسن ، لأن الوسع ما دون الطاقة. قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ) ، أي : للنفس ما عملت من الخير لها أجره وثوابه (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الشرّ وعليها وزره (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) ، أي : لا تعاقبنا (إِنْ نَسِينا) ، جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو ، قال الكلبي : كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطئوا عجّلت لهم العقوبة فحرّم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب ، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك ، وقيل : هو من النسيان الذي هو الترك ؛ كقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، قوله تعالى : (أَوْ أَخْطَأْنا) ، قيل : معناه القصد والعمد ، يقال : أخطأ فلان إذا تعمّد ، قال الله تعالى : (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) [الإسراء : ٣] ، قال عطاء : إن نسينا أو أخطأنا يعني : إن جهلنا أو تعمّدنا ، وجعله الأكثرون : من الخطأ الذي هو الجهل والسّهو ، لأنّ ما كان عمدا من الذنب فغير معفوّ عنه بل هو في مشيئة الله ، والخطأ معفوّ عنه.

__________________

ع [٣٥٢] ـ مرسل. أخرجه الطبري ٦٤٩٨ عن حكيم بن جابر مرسلا والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.

(١) وقع في الأصل «عن» والتصويب عن «تفسير الطبري» و «الدر المنثور» و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٣ / ٢٠١)

__________________

(١) في المخطوط «منصوب».

(٢) سقط من المخطوط.

(٣) في المطبوع وحده «لحاجته».

(٤) في المطبوع و ـ ط «وأجاب». وزيد فيهما عقبه «أي».

(٥) في المخطوط «وكثير من».

٤٠٢

ع [٢٥٣] قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

__________________

ع [٢٥٣] ـ ضعيف ، أخرجه ابن ماجه ٢٠٤٥ والبيهقي ٧ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ من طريق الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعا.

قال البوصيري في «الزوائد» : إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع والظاهر أنه منقطع بدليل زيادة عبيد بن عمير في الطريق الثاني ا ه ومراده الرواية الآتية.

ـ فقد أخرجه الطحاوي في «المعاني» (٣ / ٩٥) وابن حبان ٧٢١٩ والدارقطني ٤ / ١٧٠ ـ ١٧١ والطبراني في «الصغير» (٧٦٥) والحاكم ٢ / ١٩٨ ح ٢٨٠١ والبيهقي ٧ / ٣٥٦ من طريق بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس مرفوعا به صححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وفيه نظر فإن بشر بن بكر من رجال البخاري فقط ، وتابعه أيوب بن سويد عند الحاكم ، وهو متروك ، وهذا الإسناد ظاهره الصحة لكن قدح فيه أبو حاتم في «العلل» (١٢٩٦) وقد سأله ابنه محمد ، عن حديث رواه الوليد ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، ورواه الوليد ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر. وعن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر. فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث ، من عطاء ، وإنما سمعه من رجل لم يسمّه أتوهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم ، ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده ا ه.

وقد أبطله الإمام أحمد كما سيأتي.

ـ وله شواهد واهية فقد أخرجه ابن ماجه ٤٠٤٣ من حديث أبي ذر وأعله البوصيري بأبي بكر الهذلي وقال : متفق على تضعيفه.

قلت : وله علة ثانية : وهي ضعف أيوب بن سويد ، وعلة ثالثة : وهي شهر بن حوشب مدلس ، وقد عنعن والظاهر أنه منقطع بينه وبين أبي ذر ، فإن أبا ذر قديم الوفاة.

ـ وورد من حديث عقبة بن عامر أخرجه الطبراني ١٨ / ٢١٦ والبيهقي في «السنن» (٧ / ٣٥٧) وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠٥٠٢) : فيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن وفيه ضعف!.

قلت : بل هو ضعيف ، وعنعنه الوليد بن مسلم ، وهو يدلس التسوية ، وقد أنكر حديثه هذا أبو حاتم كما تقدم آنفا.

ـ وورد من حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» (٦ / ٢٥٠ ح ١٠٥٠٦) وأبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٣٥٢) والعقيلي ٤ / ١٤٥ / ١٧١٠ وقال الهيثمي : فيه محمد بن المصفّى ، وثقه أبو حاتم وغيره ، وفيه كلام لا يضر ا ه.

والظاهر أنه إسناد مركب ، فإن الوليد قال فيه : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وهذا إسناد كالشمس لو صح عن مالك ، وقد أنكره أبو حاتم كما تقدم آنفا وقال البيهقي : ليس بمحفوظ وقال الخطيب الخبر منكر عن مالك ا ه.

ـ وورد من حديث أبي الدرداء أخرجه ابن عدي ٣ / ٣٢٥ والطبراني كما في «نصب الراية» (٢ / ٦٥) وفيه أبو بكر الهذلي متروك الحديث وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين وهذا عن غير الشاميين.

ـ وورد من حديث أبي بكرة أخرجه ابن عدي ٢ / ٥٠ وأعله بجعفر بن جسر بن فرقد ثم قال : ولعل ما أنكرت عليه من الأسانيد والمتون ، لعل ذلك من قبل أبيه ، وقد ضعّف أباه بعض المتقدمين ا ه.

ـ وجاء في «تلخيص الحبير» (١ / ٢٨١) ما ملخصه : حسنه النووي ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن هذه الأحاديث ، فقال : هذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة.

وقال عبد الله بن أحمد في «العلل» سألت أبي عنه فأنكره جدا ، وقال : ليس يروى هذا إلا عن الحسن مرسلا.

ونقل الخلال عن أحمد قوله : من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله عزوجل والسنة ، فقد أوجب الله في قتل الخطأ الكفارة.

وقال محمد بن نصر المروزي في «كتاب الاختلاف» يروى هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أنه ليس له إسناد جيد يحتج بمثله ا ه.

وانظر «تفسير ابن كثير» بتخريجي عند هذه الآية.

وخلاصة : القول أنه ضعيف ، والمتن مضطرب ولو ثبت هذا الحديث لما خلا من الكتب الأصول ، حيث لم يرد في شيء من

٤٠٣

قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي عهدا ثقيلا وميثاقا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه ، (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ، يعني : اليهود ، فلم يقوموا به فعذّبتهم هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة ، يدل عليه قوله تعالى : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) [آل عمران : ٨١] ، أي : عهدي ، وقيل معناه : لا تشدّد ولا تغلظ الأمر علينا كما شدّدت على من قبلنا من اليهود ، وذلك : أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في (١) الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ، ومن أصاب ذنبا أصبح ذنبه مكتوبا على بابه ، ونحوها من الأثقال والأغلال ، وهذا معنى قول عثمان وعطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة وجماعة ، يدل عليه قوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧] ، وقيل : الإصر ذنب لا توبة له ، معناه : اعصمنا من مثله ، والأصل فيه العقل (٢) والأحكام. قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ، أي : لا تكلّفنا من الأعمال ما لا نطيقه ، وقيل : هو حديث النفس والوسوسة ، حكي عن مكحول أنّه قال : هو الغلمة ، [قيل : الغلمة شدّة الشهوة](٣) ، وعن إبراهيم قال : هو الحب ، وعن محمد بن عبد الوهّاب قال : [هو] العشق ، وقال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير ، وقيل : هو شماتة الأعداء ، وقيل : هو الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها ، قوله تعالى : (وَاعْفُ عَنَّا) ، أي : تجاوز وامح عنّا ذنوبنا ، (وَاغْفِرْ لَنا) : استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا (وَارْحَمْنا) فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ولا نترك معصيتك إلا برحمتك ، (أَنْتَ مَوْلانا) ناصرنا وحافظنا وولينا ، (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

ع [٣٥٤] روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزوجل : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) ، قال الله تعالى : «قد غفرت لكم» ، وفي قوله : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) ، قال : «لا أؤاخذكم» ، (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) قال : «لا أحمّل عليكم إصرا» ، (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال : «لا أحمّلكم» ، (وَاعْفُ عَنَّا) إلى آخرها ، قال : «عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين».

وكان معاذ بن جبل إذا ختم سورة البقرة ، قال : آمين.

[٣٥٥] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي

__________________

الكتب الستة سوى عند ابن ماجه ، ولم يروه مالك في «الموطأ» ولا أحمد في «المسند» ، ولا الشافعي في «السنن» و «الأم» مع احتياج الفقهاء له لو صح ، والله أعلم.

[٣٥٤] ـ حسن. أخرجه الطبري ٦٥٣١ عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) قال : قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما انتهى إلى قوله (غفرانك ربنا) قال الله عزوجل : «قد غفرت لكم ...» فذكره وفي إسناده عطاء بن السائب ، صدوق لكن اختلط ، وقد توبع ، فقد أخرجه الطبري ٦٥٣٤ من وجه آخر عن ابن عباس ، وله شاهد من مرسل السدي ، أخرجه برقم ٦٥٣٣ ، ولأصله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه برقم ٦٥٣٥ وانظر «تفسير ابن كثير» (١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ـ ٣٤٨).

[٣٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، مرّة هو ابن شراحيل الهمداني ، عبد الله هو ابن مسعود.

ـ وهو في «شرح السنة» (٣٦٥٠) بهذا الإسناد.

__________________

(١) في المطبوع «من».

(٢) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «العقد».

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

٤٠٤

إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا أبو أسامة حدثني مالك بن مغول (١) عن الزبير بن عدي عن طلحة (٢) بن مصرّف عن مرّة عن عبد الله قال :

«لما أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض ، فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط [به من](١) فوقها فيقبض منها قال : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦)) ، قال : فراش من ذهب ، قال : فأعطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا : الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته [شيئا من](٢) المقحمات [كبائر الذنوب](٣).

[٣٥٦] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفراييني (٣) أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ أنا يونس وأحمد بن شيبان (٤) قالا : ثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي (٥) مسعود رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«الآيتان من آخر سورة البقرة ، من قرأهما في ليلة كفتاه» ، [أي عن قيام الليل](٤).

__________________

ـ أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١ / ١٥٧) (١٧٣) وأخرجه أحمد ١ / ٣٨٧ من طريق مالك بن مغول به.

ـ وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه مسلم ٨٠٦ والنسائي ٢ / ١٣٨.

(١) في الأصل «مسعود» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.

(٢) زيد في الأصل بعد لفظ ـ طلحة «بن علي» وهو إقحام من النساخ لذا حذفتها.

(٣) في الأصل «عبد الملك بن الحسين الأسفرايني» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.

(٤) في الأصل «ثنان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.

[٣٥٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، منصور هو ابن المعتمر ، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي ، أبو مسعود هو عقبة بن عمرو.

ـ وهو في «شرح السنة» (١١٩٣) بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٥٠٠٩ والنسائي في «اليوم والليلة» (٧١٨) وأحمد ٤ / ١٢٢ وابن حبان ٧٨١ من طرق عن سفيان بن عيينة به.

ـ وأخرجه مسلم ٨٠٧ ح ٢٥٥ وأبو داود ١٣٩٧ والترمذي ٣٨٨١ والنسائي ٧١٩ وابن ماجه ١٣٦٩ والطيالسي ٢ / ١٠ وأحمد ٤ / ١٢١ والدارمي ١ / ٣٤٩ من طرق عن منصور به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٠٨ ومسلم ٨٨ من طريق الأعمش بن إبراهيم به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٤٠ ومسلم ٨٠٨ والنسائي ٧٢١ والطيالسي ٢ / ١٠ من طرق عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة وعبد الرحمن ، عن أبي مسعود به.

ـ وأخرجه مسلم ٨٠٨ ح ٢٥٦ والنسائي ٧٢٠ وابن ماجه ١٣٦٨ وأحمد ٤ / ٢٢١ من طرق عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن ، عن علقمة ، عن أبي مسعود به.

(٥) في الأصل «ابن» وهو تصحيف.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) زيد في المطبوع و ـ ط ، ولفظ «شيئا» مثبت في «شرح السنة» أيضا.

(٣) زيادة عن ـ ط ـ ونحوه في «شرح السنة» وأتم منه.

(٤) زيد في المطبوع وحده.

٤٠٥

[٣٥٧] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الريّاني (١) أخبرنا حميد بن زنجويه أنا العلاء بن عبد الجبار أنا حماد بن سلمة أخبرنا الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، فلا تقرءان في [دار](١) ثلاث ليال فيقربها شيطان».

سورة آل عمران [مدنية](١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢))

قوله تعالى : (الم (١) اللهُ).

[٣٥٨] قال الكلبي والربيع بن أنس وغيرهما : نزلت هذه الآيات (٢) في وفد نجران وكانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيه أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم ، العاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم (٢) وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة وهو أسقفهم وحبرهم ، دخلوا

__________________

(١) في الأصل «الزيات» وهو تصحيف.

[٣٥٧] ـ حديث حسن. إسناده حسن ، رجاله رجال مسلم غير أشعث بن عبد الرحمن ، وهو صدوق ، أبو قلابة ـ بكسر القاف ـ هو عبد الله بن زيد الجرمي ، أبو الأشعث هو شراحيل بن آدة.

ـ وهو في «شرح السنة» (١١٩٥) بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ٢٨٨٢ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٩٧٣) وفي «الكبرى» (١٠٨٠٣).

وأحمد ٤ / ٧٤ وابن حبان ٧٨٢ والدارمي ٢ / ٤٤٩ والحاكم ١ / ٥٦٢ و ٢ / ٢٦٠ من طرق عن حماد بن سلمة به.

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، واستغربه المصنف في «شرح السنة» وأخرجه النسائي ٩٧٢ وفي «الكبرى» (١٠٨٠٢) من طريق ريحان بن سعيد ، عن عباد بن منصور ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن أبي صالح الحارثي ، عن النعمان به وإسناده لين ، أبو صالح الحارثي مقبول كما في «التقريب» لكن يصلح للاعتبار بحديثه.

ـ وله شاهد من حديث شداد بن أوس أخرجه الطبراني ٧١٤٦ لكن فيه أشعث بن عبد الرحمن ، وهو في إسناده حديث النعمان المتقدم ، وعلى هذا قد توبع من طريق فيه جهالة ، وصدره فيه غرابة ، ولعجزه شواهد كثيرة.

[٣٥٨] ـ أخرجه الطبري ٦٥٤٠ وابن هشام في «السيرة» (٢ / ١٦٤) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير به.

وكذا ذكره ابن كثير في «التفسير» (١ / ٣٧٦) من طريق ابن إسحاق ، وعزاه المصنف للكلبي والربيع بن أنس وغيرهما ، وإسناده إليهما أول الكتاب ، وتقدم ، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (١٩٠) نقلا عن المفسرين. وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (٥ / ٣٨٢ ـ ٣٨٤) وهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.

(٢) ثمال القوم : أصلهم الذين يرجعون إليه ، ويقوم بأمورهم وشئونهم والثمال أيضا : الملجأ والغياث ، والمطعم في الشدة.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «الآية».

٤٠٦

مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين صلّى العصر ، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني (١) الحارث بن كعب يقول [بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢) : ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، [فأراد الناس منعهم](١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوهم» فصلّوا إلى المشرق ، فتكلم السيد والعاقب ، فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أسلما» ، قالا : قد أسلمنا قبلك ، قال : «كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولدا وعبادتكما للصليب وأكلكما الخنزير» ، قالا : إن لم يكن ولدا لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى ، فقال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه»؟ قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربنا حيّ لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء»؟ قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه»؟ قالوا : بلى ، قال : «فهل يملك عيسى من ذلك شيئا»؟ قالوا : لا ، قال : «ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء»؟ قالوا : بلى ، قال : «فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علم»؟ قالوا : لا ، قال : «فإن ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء (٢) ، وربّنا لا يأكل ولا يشرب» ، قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذّي كما يغذّى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث»؟ قالوا : بلى ، قال : «فكيف يكون هذا كما زعمتم»؟ (٣) فسكتوا ، فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران ، إلى بضع وثمانين آية منها ، فقال عزّ من قائل : (الم (١) اللهُ). مفتوح الميم موصول (٤) عند العامة ، وإنما فتح الميم لالتقاء الساكنين ، حرّك إلى أخف الحركات ، وقرأ أبو يوسف ويعقوب بن خليفة الأعمش عن أبي بكر (الم (١) اللهُ) مقطوعا مسكن الميم على نيّة الوقف ، ثم قطع الهمزة للابتداء وأجراه على لغة من يقطع ألف الوصل ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، قوله تعالى : (اللهُ) ابتداء وما بعده خبره ، و (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) نعت له.

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤) إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦))

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ، أي : القرآن ، (بِالْحَقِ) : بالصدق ، (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوّة والأخبار وبعض الشرائع ، (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ).

(مِنْ قَبْلُ) ، وإنما قال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) لأن التوراة والإنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن : (نَزَّلَ) لأنه نزل مفصّلا ، والتنزيل : للتكثير ، والتوراة ، قال البصريون : أصلها وورية على وزن :

__________________

(١) في الأصل «وإذا» والتصويب من «أسباب النزول» للواحدي و «سيرة ابن هشام» و «تفسير ابن كثير».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من المصادر السابقة.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط وحده ، ليست في كتب التفسير والسير ، وقد أثبتها لأن فيها فائدة وضوح السياق.

(٢) زيد في ـ ط «وربنا ليس بصورة ، وليس له مثل» وليست في المخطوط والمطبوع ولا في «أسباب النزول».

(٣) زيد في المخطوط «أن يكون ابن الله» وليست في شيء من كتب التخريج.

(٤) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «موصولة».

٤٠٧

فوعلة مثل دوحلة (١) وحوقلة فحوّلت الواو الأولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة ، ثم كتبت ياء (٢) على أصل الكلمة ، وقال الكوفيون : أصلها تفعلة مثل توصية وتوفية ، فقلبت [الياء](٣) ألفا على لغة طيّئ ، فإنهم يقولون للجارية جاراة (٤) ، وللناصية ناصاة ، وأصلها من قولهم : ورى الزند إذا خرجت ناره وأوريته أنا ، قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)) [الواقعة : ٧١] ، فسمّى التوراة لأنها نور وضياء ، قال الله تعالى : (وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) [الأنبياء : ٤٨] ، وقيل : [هي](٥) من التورية وهي كتمان السر والتعريض بغيره ، وكان (٦) أكثر (٧) التوراة معاريض من غير تصريح ، والإنجيل : إفعيل (٨) من النجل وهو الخروج ، ومنه سمّي الولد نجلا لخروجه ، فسمّي الإنجيل به لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا [قيل](٩) : هو من النجل وهو سعة العين ، سمّي به لأنه أنزل توسعة (١٠) لهم ونورا ، وقيل : التوراة بالعبرانية توروتور (١١) ، [و] معناه : الشريعة ، والإنجيل بالسريانية : إنقليون (١٢) ، ومعناه : الإكليل. قوله تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ) ، هاديا لمن تبعه ، ولم يثنّه لأنه مصدر ، (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) ، [ليفرّق](١٣) بين الحقّ والباطل ، وقال السدي : في الآية تقديم وتأخير ، تقديرها : وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ، [من الصور المختلفة](١٤) ذكرا أو أنثى أبيض أو أسود حسنا أو قبيحا تامّا أو ناقصا ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، وهذا ردّ على وفد نجران من النصارى حيث قالوا : عيسى ولد الله ، وكأنه يقول : كيف يكون ولدا وقد صوّره الله تعالى في الرحم؟

[٣٥٩] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن (١) بن أحمد بن محمد

__________________

(١) في الأصل «عبد الرحيم» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.

[٣٥٩] ـ إسناده على شرط البخاري ، الأعمش هو سليمان بن مهران.

ـ وهو في «شرح السنة» (٧٠) بهذا الإسناد.

ـ أخرجه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي في «الجعديات» (٢٦٨٨) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٠٨ و ٣٣٣٢ ومسلم ٢٦٤٣ وأبو داود ٤٧٠٨ والترمذي ٢١٣٧ والنسائي في «الكبرى» (١١٢٤٦) وابن ماجه ٧٦ والحميدي ١٢٦ وأحمد ١ / ٣٨٢ و ٤٣٠ وابن أبي عاصم في «السنة» (١٧٥ و ١٧٦) وأبو يعلى ٥١٥٧ واللالكاني في «أصول الاعتقاد» (١٠٤٠ و ١٠٤١ و ١٠٤٢) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٣٨٧) وفي «الاعتقاد» ص (١٣٧ ـ ١٣٨) من طرق عن الأعمش به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٥٩٤ و ٧٤٥٤ ومسلم ٢٦٤٣ وأبو داود ٤٧٠٨ والطيالسي ٢٩٨ والدارمي في «الرد على الجهمية»

__________________

(١) في المطبوع وحده «دوخلة».

(٢) في المطبوع و ـ ط «بالياء».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) زيد في المخطوط و ـ ط «وللتوصية توصاة» وهو مقحم ، راجع البحر (٢ / ٣٨٧)

(٥) في المخطوط «هو».

(٦) عند القرطبي «فكأن» (٤ / ٥)

(٧) في المطبوع «في» بدل «أكثر».

(٨) في المخطوط «تفعيل» والمثبت عن المطبوع و ـ ط ـ والقرطبي (٤ / ٥)

(٩) في المطبوع و ـ ط «ويقال».

(١٠) في المطبوع و ـ ط «سعة».

(١١) في المخطوط «تورية» وهو خطأ.

(١٢) كذا في المطبوع والمخطوط ، وعند القرطبي (٤ / ٦) «إنكليون».

(١٣) في المطبوع و ـ ط «المفرق».

(١٤) زيد في المطبوع.

٤٠٨

الأنصاري أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو خيثمة زهير بن معاوية عن الأعمش عن زيد (١) بن وهب قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول :

حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الصادق المصدوق : «أن [خلق](١) أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه الملك أو قال : يبعث إليه الملك بأربع كلمات ، فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقيّ أو سعيد ، قال : وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع [فيسبق عليه الكتاب](٢) فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها».

[٣٦٠] أخبرنا إسماعيل بن عبد القادر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد :

يبلغ به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان ذلك فيقول : يا رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله [وأثره](٣) وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف ، فلا يزاد فيها [و] لا ينقص».

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧))

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) ، مبينات مفصّلات سمّيت محكمات من الإحكام ، [لإحكامها](٤) فمنع الخلق من التصرّف فيها لظهورها ووضوح معناها ، (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ،

__________________

ص (٨١) وابن حبان ٤١٧٤ من طرق عن شعبة عن الأعمش به.

(١) في الأصل «زين» والتصويب من «كتب التراجم».

[٣٦٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو الطفيل اسمه عامر بن واثلة ، صحابي صغير أكثر رواياته عن الصحابة ، توفي سنة ١١٠ ، وهو آخر من مات من الصحابة قاله مسلم وغيره.

ـ أخرجه المصنف من طريق مسلم ، وهو في «صحيحه» (٢٦٤٤) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٦ ـ ٧ والآجري في «الشريعة» ص (١٨٢ ـ ١٨٣) وابن أبي عاصم في «السنة» ٨٠ من طريق سفيان بن عيينة به.

ـ وورد من وجه آخر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة به.

أخرجه مسلم ٢٦٤٥ والحميدي ٨٢٦ وابن حبان ٦١٧٧ واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (١٠٤٥ و ١٠٤٧) والآجري ص ١٨٣ ـ ١٨٤ والطبراني ٣٠٣٦ و ٣٠٤٣ و ٣٠٤٥.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط ـ و «شرح السنة».

(٢) سقط من المخطوط.

(٣) سقط من المطبوع و ـ ط.

(٤) في المطبوع و ـ ط «كأنه أحكمها».

٤٠٩

أي : أصله الذي يعول (١) عليه في الأحكام ، وإنما قال : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، ولم يقل : أمّهات الكتاب لأن الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام الله تعالى واحد ، وقيل معناه : كل آية منهنّ أمّ الكتاب ، كما قال : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٥٠] ، أي : كل واحد منهما آية ، (وَأُخَرُ) ، جمع أخرى ، ولم يصرفه لأنه معدول عن الآخر مثل : عمر وزفر ، (مُتَشابِهاتٌ) ، فإن قيل : كيف فرّق هاهنا بين المحكم والمتشابه وقد جعل الله كلّ القرآن محكما في مواضع أخر ، فقال : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] ، وجعل كلّه متشابها [في موضع آخر](٢) فقال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) [الزمر : ٢٣]؟ قيل : حيث جعل الكل محكما أراد أنّ الكل حقّ ليس فيه عبث ولا هزل ، وحيث جعل الكلّ متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحق والصدق (٣) والحسن ، وجعل بعضه هاهنا محكما وبعضه متشابها.

واختلف العلماء فيهما ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : المحكمات هنّ الآيات الثلاث في سورة الأنعام : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ١٥١] ، ونظيرها في بني إسرائيل : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] الآيات. وعنه أنه قال : المتشابهات حروف التهجّي في أوائل السور. وقال مجاهد وعكرمة : المحكم ما فيه من الحلال والحرام ، وما سوى ذلك متشابه يشبه بعضه بعضا في الحق ويصدق بعضه بعضا ؛ كقوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦] ، (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [يونس : ١٠٠] ، وقال قتادة والضحاك والسدي : المحكم الناسخ الذي يعمل به والمتشابه المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : محكمات القرآن : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ، ويعمل به والمتشابهات : منسوخة ، ومقدّمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به. وقيل : المحكم (٤) ما أوقف الله الخلق على معناه. والمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه ، ولا سبيل لأحد إلى علمه ، نحو الخبر عن أشراط الساعة ، وخروج الدجال ونزول عيسى عليه‌السلام ، وطلوع الشمس من مغربها ، وقيام الساعة ، وفناء الدنيا. قال أحمد بن جعفر بن الزبير : المحكم ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد ، والمتشابه ما احتمل أوجها. وقيل : المحكم ما يعرف معناه وتكون حجّته واضحة ، ودلائله لائحة لا يشتبه ، والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ، ولا يعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل. وقال بعضهم : المحكم ما يستقل بنفسه في المعنى ، والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا بردّه إلى غيره.

ع [٣٦١] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية باذان : المتشابه حروف التهجّي في أوائل السور ، وذلك أن رهطا من اليهود منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما أتوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له حيي : بلغنا أنه أنزل عليك (الم (١)) ننشدك الله أأنزلت عليك؟ قال : «نعم» ، قال : فإن كان

__________________

ع [٣٦١] ـ باطل. أخرجه الطبري ٢٤٦ عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر مطوّلا والكلبي متهم بالكذب ، وقد أقرّ للثوري بالكذب ، فقال : كل ما حدثتك عن أبي صالح ، عن ابن عباس فهو كذب. راجع «الميزان» ٣ / ٥٥٧ للذهبي ، أبو صالح اسمه باذام ، ويقال : باذان ، رواياته عن ابن عباس باطلة.

__________________

(١) في المخطوط و ـ ط «يعمل» والمثبت يناسب لفظ «عليه».

(٢) زيادة عن ـ ط ـ.

(٣) زيد في المطبوع «في».

(٤) في المطبوع «المحكمات».

٤١٠

ذلك حقا فإني أعلم مدّة ملك أمتك هي إحدى وسبعون سنة ، فهل أنزل غيرها؟ قال : «نعم : (المص (١)) [الأعراف : ١]» ، قال : فهذه أكثر ، هي إحدى وسبعون ومائة سنة ، قال : فهل غيرها؟ قال : «نعم ، (الر) [هود : ١]» ، قال : هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة ، [قال](١) : فهل غيرها؟ قال : «نعم (المر) [الرعد : ١]» ، قال : هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة ، ولقد غلظت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليله ، ونحن ممن لا يؤمن بهذا ، فأنزل الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ، أي : ميل عن الحق ، وقيل : شك ، (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ).

واختلفوا في المعنى بهذه الآية ، قال الربيع : هم وفد نجران الذين (١) خاصموا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عيسى عليه‌السلام ، وقالوا له : ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال : بلى ، قالوا : حسبنا ذلك ، فأنزل الله هذه الآية. وقال الكلبي : هم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجه (٢) بحساب الجمل. وقال ابن جريج : هم المنافقون. وقال الحسن : هم الخوارج. وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ، قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم؟ وقيل : هم جميع المبتدعة.

[٣٦٢] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النّعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن مسلمة أنا يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت :

تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) إلى قوله : (أُولُوا الْأَلْبابِ) ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإذا رأيت الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم».

قوله تعالى : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) : طلب الشرك ، قاله الربيع والسدي ، وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات واللّبس ليضلوا بها جهالهم ، (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) : تفسيره وعلمه ، دليله قوله تعالى : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٨] ، وقيل : ابتغاء (٣) عاقبته ، وطلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل ،

__________________

(١) في الأصل «إن» والتصويب عن «تفسير الطبري» (٦٥٩٩)

[٣٦٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، عبد الله بن مسلمة هو القعنبي ، أثبت الناس في «الموطأ» ، ابن أبي مليكة ، هو عبد الله بن عبيد الله ، محمد والد القاسم هو ابن أبي بكر الصديق.

ـ وهو في «شرح السنة» (١٠٦) بهذا الإسناد.

ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٤٥٤٧) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٦٥ وأبو داود ٤٥٩٨ والترمذي ٢٩٩٣ و ٢٩٩٤ وأحمد ٦ / ٢٥٦ وابن حبان ٧٣ والدارمي ١ / ٥٥ والطحاوي في «المشكل» (٣ / ٢٠٨) والبيهقي في «الدلائل» (٦ / ٥٤٥) من طريق يزيد بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٩٩٣ وابن ماجه ٤٧ وأحمد ٦ / ٤٨ وابن حبان ٧٦ والطحاوي في «المشكل» (٣ / ٢٠٧ و ٢٠٨) من طرق عن ابن أبي مليكة عن عائشة.

قال الترمذي : هكذا روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة ، ولم يذكروا فيه القاسم بن محمد .... ا ه.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «استخرجها».

(٣) لفظ «ابتغاء» ليس في المخطوط.

٤١١

دليله قوله تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩] ، أي : عاقبة.

قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، اختلف العلماء في نظم هذه الآية ، فقال قوم : الواو في قوله (وَالرَّاسِخُونَ) واو العطف ، يعني : أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) ، وهذا قول مجاهد والربيع ، وعلى هذا يكون قوله : (يَقُولُونَ) حالا معناه : والراسخون في العلم (١) قائلين آمنّا به ، هذا كقوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) [الحشر : ٧] ، ثم قال : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [الحشر : ٨] ، إلى أن قال : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الحشر : ٩] ثم قال : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) [الحشر : ١٠] ، وهذا عطف على ما سبق ، ثم قال : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) [الحشر : ١٠] ، يعني : هم مع استحقاقهم للفيء يقولون : ربّنا اغفر لنا ، أي : قائلين على الحال ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه كان يقول في هذه الآية : إنّا من الراسخين في العلم ، وقال مجاهد : إنا ممن يعلم تأويله ، وذهب الأكثرون إلى أن الواو في قوله (وَالرَّاسِخُونَ) واو الاستئناف ، وتمّ الكلام عند قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير رضي الله عنهم ، ورواية طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال الحسن وأكثر التابعين ، واختاره الكسائي والفراء والأخفش ، وقالوا : لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، ويجوز أن يكون للقرآن (٢) تأويل استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ، كما استأثر بعلم الساعة ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، ونزول عيسى عليه الصّلاة والسّلام ، ونحوها. والخلق متعبّدون في المتشابه بالإيمان به ، وفي المحكم بالإيمان به والعمل ، ومما يصدق ذلك قراءة عبد الله «إن تأويله إلا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنّا» ، وفي حرف أبي : «ويقول الراسخون في العلم آمنا به» ، وقال عمر بن عبد العزيز في هذه الآية : انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا : آمنّا به كلّ من عند ربنا. وهذا القول أقيس في العربية وأشبه بظاهر الآية. قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، [أي : الداخلون في العلم](٣) هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شكّ ، وأصله من رسوخ الشيء [في الشيء](٤) وهو ثبوته ، يقال : رسخ الإيمان في قلب فلان ، يرسخ رسخا ورسوخا ، وقيل : الراسخون في العلم مؤمنو أهل الكتاب ، مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ، دليله قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) [النساء : ١٦٢] ، يعني : الدارسون (٥) علم التوراة والإنجيل ، وسئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن الراسخين في العلم ، قال : العالم العامل بما علم المتّبع له (٦). وقيل : الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء : التقوى بينه وبين الله ، والتواضع بينه وبين الخلق ، والزهد (٧) بينه وبين الدنيا ، والمجاهدة بينه وبين نفسه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والسدي : بقولهم آمنّا به سمّاهم الله تعالى راسخين (٨) في العلم ، فرسوخهم في العلم قولهم آمنّا به ، أي : بالمتشابه ، (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، وما علمنا وما لم نعلم ، (وَما يَذَّكَّرُ) : [و] ما يتّعظ بما في القرآن ، (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) : ذوو العقول.

__________________

(١) زيد في المطبوع وحده «مع علمهم».

(٢) في المطبوع «في القرآن» بدل «للقرآن».

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٥) في المخطوط «المدارسين».

(٦) في المطبوع «لما علم» بدل «له» والمثبت عن ـ ط.

(٧) في المخطوط «وزهده».

(٨) في المخطوط «راسخون».

٤١٢

(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١))

قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) ، أي : ويقول الراسخون [في العلم](١) : ربّنا لا تزغ قلوبنا ، أي : لا تملها عن الحق والهدى كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ [فضلّوا وأضلوا](٢) ، (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ، وفّقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك ، (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ) : أعطنا من عندك ، (رَحْمَةً) ، توفيقا (٣) وتثبيتا للذي نحن عليه من الإيمان والهدى. وقال الضحاك : تجاوزا ومغفرة ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

[٣٦٣] أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السّهمي أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ، أنا أبو بكر (١) عبد الرحمن بن القاسم القرشي ، يعرف بابن الرواس الكبير بدمشق ، أنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني أنا صدقة ، أنا عبد الرحمن (٢) [بن يزيد] [بن] جابر حدّثني بسر (٣) بن عبيد الله قال : سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من قلب إلّا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه (٤) ، وإن شاء أن يقيمه أقامه» ، [قال :](٥) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) يقول : «اللهمّ يا مقلّب القلوب

__________________

(١) في الأصل «أبو بكر بن عبد الرحمن» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التراجم».

(٢) في الأصل «ابن عبد الرحمن» والتصويب من «كتب التخريج» وكتب «التراجم».

(٣) في الأصل «بشر» وهو تصحيف.

[٣٦٣] ـ حديث صحيح. إسناده صحيح على شرط البخاري ، عبد الأعلى فمن فوقه رجال البخاري ومسلم غير صدقة ، فإنه من رجال البخاري ، ومن دون عبد الأعلى توبعوا ، صدقة هو ابن خالد الأموي الدمشقي ، أبو إدريس هو عائذ الله بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» بإثر رقم : (٨٨) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٩٩ وابن أبي عاصم في «السنة» (٢١٩) من طريق صدقة بن خالد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن مندة في «التوحيد» (٥١١) والبغوي في «شرح السنة» (٨٨) من طريق الوليد بن مسلم قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد .... فذكره بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٧٣٨) وأحمد ٤ / ١٨٢ والآجري في «الشريعة» ص (٣١٧) وابن حبان ٩٤٣ والحاكم ٢ / ٢٨٩ وابن مندة ٥١١ من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح ا ه.

ـ ومن وجه آخر ، أخرجه ابن مندة في «التوحيد» (٥١٢) من حديث النواس وقال : هذا إسناد متصل صحيح ا ه. وله شواهد انظر الحديث المتقدم برقم : ٢٨٦.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «توثيقا».

(٤) في العبارة تقديم وتأخير في المطبوع والمثبت عن المخطوط و ـ ط و «شرح السنة».

(٥) زيادة عن «شرح السنة».

(٦) زيد في المخطوط وحده «كثيرا ما».

٤١٣

ثبّت قلوبنا على دينك. والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة».

[٣٦٤] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري [أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن] إياس (١) الجريري (١) عن غنيم بن قيس ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلّبها الرياح ظهرا لبطن».

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) ، أي : لقضاء (٢) يوم ، وقيل : اللام بمعنى : في [أي في](٣) يوم ، (لا رَيْبَ فِيهِ) ، أي : لا شكّ فيه ، وهو يوم القيامة ، (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ، وهو مفعال ، من الوعد.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ) : لن تنفع ولن تدفع ، (عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) ، قال الكلبي : من عذاب الله ، وقال أبو عبيدة : من بمعنى عند ، أي : عند الله (شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومجاهد : كفعل آل فرعون وصنيعهم [مع نبيّهم](٤) في الكفر والتكذيب [به وبما جاء](٥) ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة : كسنّة آل فرعون. وقال الأخفش : كأمر آل فرعون وشأنهم. وقال النّضر بن شميل : كعادة آل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفّار في تكذيب الرسول (٦) وجحود الحق كعادة آل فرعون ، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : كفار الأمم الماضية مثل عاد وثمود وغيرهم ، (كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ) ، فعاقبهم الله ، (بِذُنُوبِهِمْ) ، وقيل :

__________________

(١) في الأصل «الحميري» وهو تصحيف والتصويب من كتب «التخريج» و «التراجم».

[٣٦٤] ـ حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب لم أجد من ترجمه إلا أنه ذكر بأنه ممن روى عنهم حاجب بن أحمد الطوسي كما تقدم ، وبكل حال ، فقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير غنيم ، فإنه من رجال مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» (٨٦) بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٧٥٣) عن حاجب بن أحمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٤١٩ وابن أبي عاصم في «السنة» (٢٢٧) من طريق آخر عن يزيد بن هارون به ، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٨٨ وابن أبي عاصم ٢٢٨ من طريق يزيد الرقاشي عن غنيم بن قيس به.

ـ وأخرجه أحمد ١٩١٦٣ والبيهقي ٧٥٢ من طريق عبد الواحد بن زياد ، عن عاصم الأحول ، عن أبي كبشة ، عن أبي موسى به.

وصدره عند أحمد «مثل الجليس الصالح ...» وعند البيهقي «إنما سمي القلب من تقلبه ...» وحسّن إسناده العراقي في «تخريج الإحياء» (٣ / ٤٦).

ـ وله شاهد من حديث أنس أخرجه البزار (٤٤) والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٣٦٩) والبيهقي ٧٥١ من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش ، عن أبي سفيان عنه.

وإسناده ضعيف. لكن يصلح شاهدا لما قبله ، وفي الباب أحاديث.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٢) في المطبوع «لانقضاء».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «الرسل» وفي المخطوط «بالرسول» والمثبت عن ـ ط.

٤١٤

نظم الآية : إنّ الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم (١) عند حلول النّقمة والعقوبة [بهم](٢) ، مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية ، أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ، [من عذاب الله شيئا](٣) ، (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣))

. قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) ، قرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما ، أي : أنهم يغلبون ويحشرون ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما على الخطاب ، أي : قل لهم [يا محمد](٤) إنّكم ستغلبون وتحشرون [إلى جهنم](٥).

ع [٣٦٥] وقال مقاتل : أراد مشركي مكة ، معناه : قل لكفار مكة ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة ، فلمّا نزلت هذه الآية قال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : «إنّ الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم».

وقال بعضهم : المراد بهذه الآية اليهود.

وقال الكلبي : عن أبي (١) صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن يهود أهل المدينة قالوا لمّا هزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المشركين يوم بدر : هذا والله النبي الذي بشّرنا به [موسى](٦) ، لا تردّ له راية ، وأرادوا اتّباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة [له](٧) أخرى ، فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شكّوا ، فغلب عليهم الشقاء ، فلم يسلموا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى مكة يستفزهم (٨) ، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (٢).

ع [٣٦٦] وقال محمد بن إسحاق عن رجاله ، ورواه سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا : أنه (٩) لمّا أصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا ببدر ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع ، وقال :

__________________

ع [٣٦٥] ـ عزاه المصنف لمقاتل ، ولم ينسبه ، فإن كان ابن سليمان ، فهو كذاب ، وإن كان ابن حيان ، فهو غير قوي ، والخبر معضل غير صحيح بكل حال ، وإسناد المصنف إلى مقاتل في أول الكتاب.

(١) في الأصل «ابن صالح» وهو تصحيف.

(٢) هذا إسناد ساقط ، الكلبي متروك متهم ، وأبو صالح لم يلق ابن عباس.

ع [٣٦٦] ـ أخرجه أبو داود ٣٠٠١ وابن جرير ٦٦٦٣ ، من حديث ابن عباس وفيه محمد بن أبي محمد وهو مجهول ، وإن وثقه ابن حبان فقد نص على جهالته الذهبي وابن حجر.

لكن يتقوى بما أخرجه ابن جرير ٦٦٦٤ عن قتادة مرسلا بنحوه و ٦٦٦٧ من وجه آخر عن عكرمة ، وذكره الواحدي ١٩٢ عن ابن إسحاق بهذا السياق.

__________________

(١) زيد في المخطوط هاهنا العبارة الآتية بين معقوفتين.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع هاهنا ، وليست هذه العبارة في ـ ط ـ أصلا.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «وسمى» بدل «موسى».

(٧) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».

(٨) في المخطوط «يستنفرهم».

(٩) زيادة عن المخطوط.

٤١٥

«يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم» ، فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم (١) فرصة ، وإنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني اليهود. (سَتُغْلَبُونَ) : تهزمون في الدنيا في قتالكم محمّدا (وَتُحْشَرُونَ) في الآخرة (إِلى جَهَنَّمَ) ، (وَبِئْسَ الْمِهادُ) : الفراش (٢) ، أي : بئس ما مهد لهم ، يعني : النار.

قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ، ولم يقل [قد] كانت ، والآية مؤنثة لأنه ردّها إلى البيان ، أي : قد كان [لكم](٣) بيان ، فذهب إلى المعنى ، وقال الفراء : إنما ذكر لأنه حالت (٤) الصفة بين الفعل والاسم المؤنث فذكر الفعل ، وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه ، فمعنى الآية : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ، أي : عبرة ودلالة على صدق ما أقول إنكم (٥) ستغلبون ، (فِي فِئَتَيْنِ) : فرقتين ، وأصلها فيء (٦) الحرب ، لأن بعضهم يفيء إلى بعض ، (الْتَقَتا) ، يوم بدر ، (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، طاعة الله ، وهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان فرس للمقداد بن عمرو ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد ، وأكثرهم رجّالة وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف. قوله تعالى : (وَأُخْرى كافِرَةٌ) ، أي : فرقة أخرى كافرة ، هم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة ، رأسهم (٧) عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وفيهم مائة فرس ، وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) ، قرأ أهل المدينة ويعقوب بالتاء ، يعني : ترون يا معشر اليهود أهل مكة مثلي (٨) عدد المسلمين ، وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصر مع ذلك للمسلمين ، فكان ذلك معجزة وآية ، وقرأ الآخرون بالياء ، واختلفوا في وجهه ، فجعل بعضهم الرؤية للمسلمين ، ثم له تأويلان ، أحدهما : يرى المسلمون المشركين مثليهم كما هم ، فإن قيل : كيف قال (مِثْلَيْهِمْ) وهم كانوا ثلاثة أمثالهم (٩)؟ قيل : هذا مثل قول الرجل وعنده درهم : أنا أحتاج إلى مثلي (١٠) هذا الدرهم ، يعني : إلى مثليه سواه (١١) ، فيكون ثلاثة دراهم. والتأويل الثاني هو الأصح : كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد أنفسهم قلّلهم الله تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ، ثم قلّلهم الله في أعينهم في حالة أخرى ، حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم [يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم](١٢) ، يزيدون [علينا](١٣) رجلا واحدا ، ثم قلّلهم الله تعالى أيضا في أعينهم حتى رأوهم

__________________

(١) في المطبوع «منهم».

(٢) زيد في المطبوع «أي».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) في المخطوط «جالت القصة».

(٥) في المخطوط و ـ ط «أنكم».

(٦) في المطبوع «أفيء» وفي المخطوط «في» والمثبت عن ـ ط.

(٧) في المخطوط و ـ ط «رأسهم».

(٨) في المطبوع «مثل».

(٩) في المطبوع «أمثال».

(١٠) في المخطوط «مثل».

(١١) في المطبوع «سواء».

(١٢) سقط من المخطوط.

(١٣) زيادة عن المخطوط.

٤١٦

عددا يسيرا أقلّ من أنفسهم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين؟ قال أراهم مائة (١). وقال بعضهم : الرؤية راجعة إلى المشركين ، يعني : يرى المشركون المسلمين مثليهم ، قلّلهم الله قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ (١) المشركون عليهم ، ولا ينصرفوا [عنهم](٢) ، فلما أخذوا في القتال كثّرهم [الله](٣) في أعين المشركين ، ليجبنوا ، وقلّلهم في أعين المؤمنين ليجترءوا [عليهم](٤) ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤]. قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) ، أي : في رأي العين ، نصب بنزع حرف الصفة ، (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ) ، [أي : في](٥) الذي ذكرت ، (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ، لذوي العقول ، وقيل : لمن أبصر الجمعين.

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤))

قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ، جمع شهوة ، وهي ما تدعو النفس إليه ، (مِنَ النِّساءِ) ، بدأ بهنّ لأنهنّ حبائل الشيطان ، (وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ) ، جمع قنطار ، واختلفوا فيه ، فقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : القنطار ألف ومائتا أوقية (٦). وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك : ألف ومائتا مثقال ، وعنهما رواية أخرى : اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ، دية أحدكم. وعن الحسن قال : القنطار دية أحدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مائة ألف ومائة من (٧) ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الإسلام وبمكة مائة رجل قد قنطروا. وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفا. وقال مجاهد : سبعون ألفا. وعن السدي قال : أربعة آلاف مثقال ، وقال الحكم : القنطار ما بين السماء والأرض من مال ، وقال أبو نضرة (٨) : ملء مسك ثور ذهبا أو فضة. وسمّي قنطارا من الإحكام ، يقال : قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سمّيت القنطرة. قوله تعالى : (الْمُقَنْطَرَةِ) ، قال الضحاك : المحصّنة المحكمة ، وقال قتادة : هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض. وقال يمان [بن رباب](٩) : هي المدفونة. وقال السدي : [هي](١٠) المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير. وقال الفراء : المضعّفة. فالقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة ، (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ، قيل : سمّي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة فضة لأنها تنفض ، أي : تتفرّق ، (وَالْخَيْلِ) :

الخيل جمع لا واحد له من لفظه ، واحدها فرس ، كالقوم والنساء ونحوهما ، (الْمُسَوَّمَةِ) قال مجاهد : هي المطهمة الحسان. وقال عكرمة : تسويمها حسنها ، وقال سعيد بن جبير : هي الراعية ، يقال : أسام الخيل

__________________

(١) ستأتي هذه الروايات في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في المخطوط «فيجترءوا». وليس فيه «المشركون».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيد في المطبوع «لكل أوقية أربعين درهما» وهذه الزيادة ليست في المخطوط وط ـ ولا في «الدر المنثور» و «تفسير الطبري».

(٧) في المخطوط «مد».

(٨) في المطبوع «نصرة».

(٩) زيادة عن المخطوط.

(١٠) زيد في المطبوع.

٤١٧

وسوّمها ، وقال الحسن وأبو عبيدة : هي المعلّمة من السيماء [وهي](١) العلامة ، ثم منهم من قال : سيماها الشبه واللّون ، وهو قول قتادة ، وقيل : الكي ، (وَالْأَنْعامِ) ، جمع النّعم ، وهي الإبل والبقر والغنم ، جمع لا واحد له من لفظه ، (وَالْحَرْثِ) ، يعني : الزرع ، (ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، يشير إلى أنها متاع يفنى ، (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ، أي : المرجع ، فيه [إشارة إلى](٢) التزهيد (٣) في الدنيا والترغيب في الآخرة.

(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥))

قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) ، أي : أخبركم (بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) ، قرأ العامة بكسر الراء ، وروى أبو بكر عن عاصم بضم الراء ، وهما لغتان كالعدوان والعدوان.

[٣٦٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا يحيى بن سليمان حدّثني ابن وهب حدثني مالك عن زيد (١) بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنّة : فيقولون : لبّيك يا ربّنا وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : يا رب [و](٤) ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون : ربنا (٥) وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحلّ لكم (٦) رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا».

قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ).

(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ

__________________

[٣٦٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، يحيى بن سليمان هو الجعفي روى له البخاري دون مسلم ، ومن فوقه رجال الشيخين ، ابن وهب اسمه عبد الله.

ـ وهو عند المصنف في «شرح السنة» (٤٢٩٠) من وجه آخر عن ابن وهب بهذا الإسناد.

ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٧٥١٨) عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٢٩ وابن مندة في «الإيمان» (٨٢٠) وابن حبان ٧٤٤٠ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ٣٤٢ وفي «صفة الجنة» (٢٨٢) والبيهقي في «البعث» (٤٤٥) من طرق عن ابن وهب به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٥٤٩ ومسلم ٢٨٢٩ والترمذي ٢٥٥٥ والنسائي في «الكبرى» (٧٧٤٩) وأحمد ٣ / ٨٨ وابن مندة ٨٢٠ والبيهقي في «البعث» (٤٤٥) من طريق ابن المبارك عن مالك به. وهو في «زهد ابن المبارك» برقم : (٤٣٠).

(١) في الأصل «زين» وهو تصحيف.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) في المخطوط «تزهيد».

(٤) زيد في المطبوع و ـ ط ـ وصحيح البخاري ، وليس في المخطوط و «شرح السنة».

(٥) في المطبوع «يا رب».

(٦) في المطبوع «عليكم».

٤١٨

وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))

(الَّذِينَ يَقُولُونَ) ، إن شئت جعلت محل (الَّذِينَ) خفضا ردّا على قوله : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ، وإن شئت جعلته رفعا على الابتداء ، ويحتمل أن يكون نصبا تقديره : أعني الذين يقولون (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) ، صدقنا ، (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) ، [أي](١) : استرها علينا وتجاوز عنا ، (وَقِنا عَذابَ النَّارِ).

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ) ، إن شئت نصبتها على المدح ، وإن شئت خفضتها على النعت ، يعني : الصابرين في أداء الأوامر ، وعن ارتكاب النهي ، وعلى (٢) البأساء والضراء وحين البأس والصادقين في إيمانهم ، قال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السرّ والعلانية ، (وَالْقانِتِينَ) : المطيعين المصلّين ، (وَالْمُنْفِقِينَ) أموالهم في طاعة الله (٣) ، (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) ، قال مجاهد وقتادة والكلبي : يعني المصلّين بالأسحار ، وعن زيد بن أسلم أنه قال : هم الذين يصلّون الصبح في الجماعة ، وقيد (٤) بالسحر لقربه من الصبح ، وقال الحسن : مدّوا الصلاة إلى السحر ، ثم استغفروا ، وقال نافع : كان ابن عمر رضي الله عنهما يحيي الليل ، ثم يقول : يا نافع أسحرنا؟ فأقول : لا ، فيعاود الصلاة ، فإذا قلت : نعم ، [قعد وأخذ](٥) يستغفر الله ويدعو حتى يصبح.

[٣٦٨] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو محمد (١) الحسن بن أحمد المخلدي حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أنا قتيبة أنا يعقوب بن عبد الرحمن (٢) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله إلى السماء الدنيا كلّ ليلة حين يبقى الثلث الأخير ، فيقول : أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ، من ذا الذي يسألني فأعطيه ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له».

__________________

(١) في الأصل «أبو محمد بن الحسن» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.

(٢) في الأصل «عبد الله» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح مسلم». و «كتب التراجم». [٣٦٨] ـ إسناده صحيح ، أبو العباس السراج فمن دونه ثقات ، وقد توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، سوى سهيل تفرد عنه مسلم ، قتيبة هو ابن سعيد ، أبو صالح والد سهيل اسمه ذكوان مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» (٩٤١) بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٧٥٨ من طريق قتيبة بن سعيد به.

ـ وأخرجه الترمذي ٤٤٦ وأحمد ٢ / ٢٨٢ و ٤١٩ وابن خزيمة في «التوحيد» ص (١٣٠) من طريق سهيل بن أبي صالح به.

ـ أخرجه البخاري ١١٤٥ و ٦٣٢١ ومسلم ٧٥٨ وأبو داود ١٣١٥ وابن خزيمة في «التوحيد» ص (١٢٧) وابن أبي عاصم ٤٩٢ وابن حبان ٩٢٠ والبيهقي ٣ / ٢ من طريق مالك عن الزهري ، عن الأغر وأبي سلمة ، عن أبي هريرة به وهو في «الموطأ» (١ / ٢١٤).

وأخرجه مسلم ٧٥٨ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٤٧٧ و ٤٧٨ و ٤٨٣) وأحمد ٢ / ٢٥٨ و ٥٠٤ والدارمي ١ / ٣٤٦ وابن أبي عاصم ٤٩٥ وابن خزيمة ص ١٢٩ وابن حبان ٩١٩ من طرق من حديث أبي هريرة.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «عن».

(٣) زيد في المخطوط وحده «ورسوله».

(٤) في المطبوع و ـ ط «قيل».

(٥) زيد في المطبوع و ـ ط ـ ولفظ «وأخذ» سقط من ـ ط أيضا.

٤١٩

وحكي عن الحسن : أن لقمان قال لابنه : يا بني لا تكن أعجز من هذا الدّيك يصوّت بالأسحار ، وأنت نائم على فراشك.

قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، قيل : نزلت هذه الآية في نصارى نجران.

ع [٣٦٩] قال الكلبي : قدم حبران من أحبار الشام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبيّ الذي يخرج في آخر الزمان ، فلما دخلا عليه [ورأياه](١) عرفاه بالصفة [التي رأياها له في كتبهم](٢) ، فقالا له : أنت محمد؟ قال : نعم ، قالا له : وأنت أحمد؟ قال : «أنا محمد وأحمد» ، قالا له : فإنّا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنّا بك وصدقناك ، فقال : اسألا (٣) ، قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عزوجل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأسلم الرجلان.

قوله : (شَهِدَ اللهُ) ، أي : بيّن الله ، لأن الشهادة تبيين ، وقال مجاهد : حكم الله ، وقيل : علم الله ، [وقيل : أعلم الله](٤) أنّه لا إله إلّا هو. قال ابن عباس رضي الله عنهما : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، فشهد بنفسه [لنفسه](٥) قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا أرض ولا برّ ولا بحر ، فقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ) ، أي : وشهدت الملائكة (٦) ، قيل : معنى شهادة الله : الإخبار والإعلام ، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين : الإقرار ، (وَأُولُوا الْعِلْمِ) ، يعني : الأنبياء عليهم‌السلام ، وقال ابن كيسان : يعني المهاجرين والأنصار. وقال مقاتل : علماء مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال السدي والكلبي : [يعني](٧) جميع علماء المؤمنين. (قائِماً بِالْقِسْطِ) ، أي : بالعدل ، ونظم الآية : شهد الله قائما [بالقسط](٨) ، نصب على الحال ، وقيل : نصب على القطع ، ومعنى قوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) ، أي : قائما بتدبير الخلق ، كما يقال : فلان قائم بأمر فلان ، أي : مدبر له ومتعهد لشأنه (٩) ، وفلان قائم بحق فلان أي : مجاز له ، فالله تعالى مدبر ورازق ومجاز بالأعمال ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩))

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ، يعني : الدين المرضي [لله](١٠) الصحيح ، كما قال : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ، وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥] ، وفتح الكسائي الألف من (إِنَّ الدِّينَ) ردّا على أن الأولى ، تقديره : شهد الله أنه لا إله إلّا هو وشهد أن الدين

__________________

ع [٣٦٩] ـ ضعيف جدا. عزاه المصنف للكلبي ، وإسناده إليه أول الكتاب ، وذكره الواحدي ١٩٣ عن الكلبي وهذا معضل مع ضعف الكلبي ، بل هو متهم ، فالأثر واه بمرة.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «نعم» والمثبت عن المخطوط و ـ ط. وفي «أسباب النزول» «سلاني».

(٤) زيادة عن نسخة ـ ط ـ.

(٥) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٦) زيد في المخطوط «و».

(٧) ليس في المخطوط.

(٨) ليس في المخطوط.

(٩) في المطبوع «لأسبابه».

(١٠) زيادة عن المخطوط.

٤٢٠