الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
الفصل الثاني فيما يمسك عنه الصائم
وهو اُمور :
الأول : يجب الإِمساك عن الأكل والشرب نهاراً من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنصّ والإِجماع .
قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (١) .
ولا فرق بين المعتاد وغيره عند علمائنا ، سواء يغذّى به أو لا ـ وهو قول عامة أهل العلم (٢) ـ للعموم ، ولأنّ حقيقة الصوم الإِمساك ، وهو غير متحقّق مع تناول غير المعتاد .
وقال الحسن بن صالح بن حي : لا يفطر بما ليس بطعام ولا بشراب (٣) .
وكان أبو طلحة الأنصاري يأكل البَرَد في الصوم ، ويقول : ليس بطعام ولا شراب (٤) .
__________________
(١) البقرة : ١٨٧ .
(٢) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨ .
(٣) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣١٧ .
(٤) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨ ، المجموع ٦ : ٣١٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٢٧٩ .
وقال أبو حنيفة : لو ابتلع حصاةً أو فستقةً بقشرها ، لم تجب الكفّارة (١) ؛ فاعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغذّى به أو يتداوى به ، وهو مذهب السيد المرتضى (٢) .
والكلّ باطل بما تقدّم .
فروع :
أ ـ بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامداً نهاراً ، فسد صومه ، سواء أخرجها من فمه أو لا ؛ لأنّه ابتلع طعاماً عامداً فأفطر ، كما لو أكل .
وقال احمد : إن كان يسيراً لا يمكنه التحرّز منه فابتلعه ، لم يفطر ، وإن كان كثيراً أفطر (٣) .
وقال الشافعي : إن كان ممّا يجري به الريق ، ولا يتميّز عنه ، فبلعه مع ريقه ، لم يفطره ، وإن كان بين أسنانه شيء من لحم أو خُبز حصل في فيه ، متميّزاً عن الريق ، فابتلعه مع ذكره للصوم ، فسد صومه (٤) .
وقال أبو حنيفة : لا يفطر به ؛ لأنّه لا يمكنه التحرّز منه ، فأشبه ما يجري به الريق (٥) .
وهو خلاف الفرض ، فإنّه مع عدم إمكان التحرّز عنه عفو .
ب ـ الريق إذا جرى على حلقه على ما جرت العادة به ، لا يفطر ؛ لعدم إمكان التحرّز منه .
وكذا لو جمعه في فيه ثم ابتلعه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر :
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ و ١٣٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ .
(٢) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ .
(٣) المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩ ـ ٥٠ .
(٤) المجموع ٦ : ٣١٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ .
(٥) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، المجموع ٦ : ٣١٧ .
يفطر (١) .
أمّا لو خرج من فيه بين أصابعه أو ثوبه ، ثم ابتلعه ، فإنّه يفطر .
ولو أخرج حصاةً وشبهها من فيه وعليها بلّة من الريق ، ثم أعاده وعليه الريق ، وابتلع الريق ، أفطر ، خلافاً لبعض الجمهور (٢) .
ولو ابتلع ريق غيره ، أفطر .
ولو أبرز لسانه وعليه ريق ، ثم ابتلعه ، لم يفطر ؛ لعدم انفصاله عن محلّه .
ج ـ لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو رأسه ، لم يفطر ؛ لأنّه معتاد في الفم ، غير واصل من خارج ، فأشبه الريق ، ولعموم البلوى به .
وقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته » (٣) .
وقال الشافعي : يفطر ـ وعن أحمد روايتان (٤) ـ لأنّه يمكن الاحتراز منه ، فأشبه القيء (٥) .
ونمنع الصغرى .
د ـ حكم الازدراد حكم الأكل ، فلو ابتلع المعتاد وغيره ، أبطل صومه .
الثاني : الجماع ، وقد أجمع العلماء كافة على إفساد الصوم بالجماع الموجب للغسل في قُبُل المرأة ؛ للآية (٦) ، سواء أنزل أو لم ينزل .
ولو وطأ في الدُّبُر فأنزل ، فسد صومه إجماعاً ، ولو لم ينزل ، فالمعتمد
__________________
(١) المجموع ٦ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ .
(٢) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ .
(٣) الكافي ٤ : ١١٥ ( باب في الصائم يزدرد نخامته . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٥ .
(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ .
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، المغني ١ : ٤١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٤ ـ ٧٥ .
(٦) البقرة : ١٨٧ .
عليه الإِفساد ؛ لأنّه جماع في محلّ الشهوة ، فأشبه القُبُل .
ولو جامعها في غير الفرجين ، أفسد مع الإِنزال ، وإلّا فلا .
ولا فرق بين وطء الحيّة والميتة ، ولا بين الغلام والمرأة ، والموطوء كالواطئ .
ولو وطأ الدابة فأنزل ، أفسد ، وإلّا فلا .
الثالث : الإِنزال نهاراً عمداً مُفسدٌ ، سواء كان باستمناء أو ملامسة أو ملاعبة أو قُبلة إجماعاً ؛ لأنّ الصادق عليه السلام ، سئل عن الرجل يضع يده على شيء من جسد امرأة فأدفق ، فقال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً أو يعتق رقبة » (١) .
ولو نظر إلى ما لا يحلّ النظر اليه عامداً بشهوة فأمنى ، قال الشيخ : عليه القضاء (٢) .
ولو كان نظره الى ما يحلّ له النظر إليه فأمنى ، لم يكن عليه شيء .
ولو أصغى أو تسمّع الى حديث فأمنى ، لم يكن عليه شيء ؛ عملاً بأصالة البراءة .
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري : لا يفسد الصوم بالإِنزال عقيب النظر مطلقاً ؛ لأنّه إنزال من غير مباشرة ، فأشبه الإِنزال بالفكر (٣) .
وقال أحمد ومالك والحسن البصري وعطاء : يفسد به الصوم مطلقاً ؛ لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به ، ويمكن التحرّز عنه ، فأشبه الإِنزال باللمس (٤) .
ولو أنزل من غير شهوة ـ كالمريض ـ عمداً ، أفسد صومه .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١ .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٠ .
(٤) المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٩ .
ولو قلنا بالإِفساد بالنظر ، فلا فرق بين التكرار وعدمه ، وبه قال مالك (١) .
وقال أحمد : لا يفسد إلّا بالتكرار (٢) .
ولو فكّر فأمنى لم يفطر ، وبه قال الشافعي (٣) .
وقال أصحاب مالك : يفطر (٤) .
وتكره القُبلة للشاب الذي تُحرّك القُبلة شهوته ، ولا تكره لمن يملك إربه (٥) ؛ لأنّ النبي عليه السلام ، كان يُقبِّل وهو صائم ، وكان أملك الناس لإِربه (٦) .
ولو أمذى بالتقبيل ، لم يفطر عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو مروي عن الحسن والشعبي والأوزاعي (٧) .
وقال مالك وأحمد : يفطر (٨) .
الرابع : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق اختياراً ، كغبار الدقيق والنفض ، مفسدٌ للصوم ـ خلافاً للجمهور (٩) ـ لأنّه أوصل إلى الجوف ما ينافي الصوم .
__________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ١٩٩ ، المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ .
(٢) المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ و ٤٤ .
(٣) المجموع ٦ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ .
(٤) التفريع ١ : ٣٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ ، وفيه : وعن أصحابه ( مالك ) في الفكر اختلاف .
(٥) الإِرب والإِربة : الحاجة . لسان العرب ١ : ٢٠٨ ، الصحاح ١ : ٨٧ .
(٦) صحيح البخاري ٣ : ٣٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٧ / ٦٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٣ .
(٧) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ .
(٨) المدونة الكبرى ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ .
(٩) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨ ـ ٤٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٨ .
ولأنّ سليمان بن جعفر (١) سمعه يقول : « إذا شمّ رائحة غليظة ، أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ؛ فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب والنكاح » (٢) .
ولو كان مضطرّاً أو لم يشعر به ، لم يفطر إجماعاً .
الخامس : مَن أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة ولا عذر ، فسد صومه عند علمائنا ، وبه قال أبو هريرة وسالم ابن عبدالله والحسن البصري وطاوس وعروة ، وبه قال الحسن بن صالح بن حي والنخعي في الفرض خاصّة (٣) ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن أصبح جُنُباً فلا صوم له ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً » (٥) .
وقال الجمهور : لا يفسد الصوم (٦) ؛ للآية (٧) .
ولقول عائشة : أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن كان
__________________
(١) في المصدر : سليمان بن حفص المروزي .
(٢) التهذيب : ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ بتفاوت يسير في الأخير .
(٣) المغني ٣ : ٧٨ ـ ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ـ ١٩٣ .
(٤) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٧٤ ، المسألة ١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٢٤ ، وفي مسند احمد ٢ : ٢٤٨ بتفاوت يسير .
(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢ .
(٦) المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢ .
(٧) وهي قوله تعالى : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة : ١٨٧ .
ليُصبح جُنُباً من جماع غير احتلام ، ثم يصومه (١) .
ولا دلالة في الآية ؛ لعود الغاية الى الجملة القريبة .
والحديث ممنوع ، ومحمول على القرب من الصباح ؛ لمواظبته عليه السلام ، على أداء الفرائض في أول وقتها .
فروع :
أ ـ لو طلع عليه الفجر وهو مجامع ، نزع من غير تلوّم ، ووجب القضاء إن لم يُراع الفجر ، ولو نزعه بنيّة الجماع فكالمجامع .
ولو راعى الفجر ، ولم يظنّ قُربه ، ثم نزع مع أول طلوعه ، لم يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك للجماع ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٢) .
وقال مالك وأحمد والمزني وزفر : يبطل صومه (٣) .
وأوجب أحمد الكفّارة (٤) .
ب ـ لو طلع الفجر وفي فمه طعام ، لَفَظَه ، فإن ابتلعه ، فسد صومه .
ج ـ قال ابن أبي عقيل : إنّ الحائض والنفساء لو طهرتا ليلاً ، وتركتا الغسل حتى يطلع الفجر عمداً ، وجب القضاء خاصة .
السادس : لو أجنب ليلاً ، ثم نام ناوياً للغسل حتّى أصبح ، صحّ صومه . ولو لم يَنو ، فسد صومه ، وعليه القضاء ـ خلافاً للجمهور (٥) ـ لما تقدّم من اشتراط الطهارة في ابتدائه ، وبنومه قد فرّط في تحصيل الشرط .
ولو أجنب فنام على عزم ترك الغسل حتى طلع الفجر ، فهو كالتارك
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٤ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ .
(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ .
(٤) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ .
(٥) المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ .
للغسل عمداً .
ولو أجنب ثم نام ناوياً للغسل حتى طلع الفجر ، فلا شيء عليه ، فإن استيقظ ثم نام حتى يطلع الفجر ، وجب القضاء خاصة ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شيء » قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (١) .
ولو احتلم نهاراً في رمضان من غير قصد ، لم يفطر ، وجاز له تأخير الغسل إجماعاً .
السابع : القيء عمداً مبطل للصوم عند أكثر علمائنا (٢) ، وهو قول عامة العلماء (٣) ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه » (٥) .
وقال السيد المرتضى وابن إدريس : لا يفسد صومه (٦) ـ وبه قال عبدالله ابن عباس وابن مسعود (٧) ـ لقوله عليه السلام : ( لا يفطر مَن قاء ) (٨) .
__________________
التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١ .
(١) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٣ ، وشرائع الإِسلام ١ : ١٩٢ .
(٣) المغني ٣ : ٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١ ، المجموع ٦ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ .
(٤) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩ .
(٥) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ ـ ٧٩١ .
(٦) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، السرائر : ٨٨ .
(٧) المغني ٣ : ٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ .
(٨) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٠ .
ونقول بموجبه فيما إذا ذرعه .
أمّا لو ذرعه القيء فإنّه لا يفطر بإجماع العلماء .
وحكي عن الحسن البصري في إحدى الروايتين عنه : أنّه يفطر (١) . وهو غلط .
الثامن : اختلف علماؤنا في الاحتقان بالمائعات هل هو مفسد أم لا ؟ للشيخ قولان :
أحدهما : الإِفساد (٢) ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (٣) ـ لقول الرضا عليه السلام : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (٤) .
ولأنّه أوصل إلى جوفه ما يصلح بدنه وهو ذاكر للصوم ، فأشبه الأكل .
والثاني : لا يفسد (٥) ـ وبه قال الحسن بن صالح بن حي وداود (٦) ـ لأنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة ، ولا الى موضع الاغتذاء ، فلا يؤثّر فساداً ، كالاكتحال ، ولا يجري في مجرى الاغتذاء ، فلا يفسد الصوم ، كالاكتحال .
وقال مالك : يفطر بالكثير منها دون القليل (٧) .
__________________
(١) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ .
(٢) الخلاف ٢ : ٢١٣ ، المسألة ٧٣ ، الجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٣ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ و ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ .
(٤) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٦ ، والكافي ٤ : ١١٠ / ٣ وفيه مضمراً .
(٥) اُنظر : النهاية : ١٥٦ ، والاستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٨٤ .
(٦) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ .
(٧) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢١٣ ، المسألة ٧٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، وانظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٦ ، وفتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٥ .
أمّا الاحتقان بالجامد : فإنّه مكروه لا يفسد به الصوم ، خلافاً للجمهور ؛ فإنّهم لم يفرّقوا بين المائع والجامد (١) ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج (٢) .
فروع :
أ ـ لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه ، أفسد صومه عند الشيخ (٣) ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (٤) .
وقال مالك : لا يفطر (٥) ، وبه قال أبو يوسف ومحمد (٦) ، وهو الوجه .
ب ـ لو جرح نفسه برمح فوصل إلى جوفه ، أو أمر غيره بذلك ، قال الشيخ : يفسد صومه (٧) ، وبه قال الشافعي (٨) .
والوجه : أنّه لا يفسد ، وبه قال أبو يوسف ومحمد (٩) .
ج ـ لو قطّر في اُذنه دهناً أو غيره ، لم يفطر ؛ للأصل .
ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم يصب الدواء
__________________
(١) اُنظر المصادر في الهامش (٣) من الصفحة ٢٩ .
(٢) الكافي في الفقه : ١٨٣ ، المهذّب ـ للقاضي ابن البراج ـ ١ : ١٩٢ .
(٣) حكاه عن مبسوط الشيخ ، المحقق في المعتبر : ٣٠٣ ولم نجده فيه .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ .
(٥) حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٣٢٠ ، والقفّال الشاشي في حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ١٩٨ .
(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ .
(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣ .
(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ .
(٩) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ .
في اُذنه ، قال : « نعم » (١) .
وقال بعض علمائنا : يفطر (٢) ؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد إذا وصل إلى الدماغ ؛ لأنّه جوف فالواصل اليه يغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن (٣) .
وهو منقوض : بالاكتحال .
د ـ لو قطَّر في إحليله دواءً أو غيره ، لم يفطر ، سواء وصل الى المثانة أو لا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٤) ـ لأنّ المثانة ليست محلاً للاغتذاء ، فلا يفطر بما يصل اليها ؛ ولأنّه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ ، وإنّما يخرج البول رشحاً .
وقال الشافعي : يفطر ؛ وبه قال أبو يوسف ـ واضطرب قول محمد فيه (٥) ـ لأنّ المثانة كالدماغ في أنّها من باطن البدن (٦) .
ونمنع المساواة .
التاسع : قال الشيخان : الكذب على الله تعالى ، وعلى رسوله والأئمّة
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤١ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٧ .
(٢) أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٤ و ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٨ .
(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩ .
(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ـ ٦٨ .
(٦) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٥ .
عليهم السلام ، مفسد للصوم (١) ـ وبه قال الأوزاعي (٢) ـ لقول الصادق عليه السلام : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال أبو بصير : هلكنا ، فقال عليه السلام : « ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله ، وعلى الأئمّة عليهم السلام » (٣) .
وهو محمول على المبالغة .
وقال السيد المرتضى : لا يفسده (٤) ؛ وهو قول الجمهور (٥) ، وهو المعتمد ؛ لأصالة البراءة ، ولا خلاف في أنّ الكذب على غير الله تعالى وغير رسوله والأئمّة عليهم السلام ، غير مفسد .
وأمّا المشاتمة والتلفّظ بالقبيح فكذلك ، إلّا الأوزاعي ، فإنّه أوجب بهما الإِفطار (٦) ؛ لقوله عليهم السلام : ( مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) (٧) .
ولا دلالة فيه ، والإِجماع على خلاف قوله .
العاشر : الارتماس في الماء ، قال الشيخان : إنّه يفسد الصوم (٨) ؛ لقول الباقر عليه السلام : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال :
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ ، المقنعة : ٥٤ .
(٢) حكاه عنه السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٢ .
(٣) الكافي ٤ : ٨٩ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥ .
(٤) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ .
(٥) كما في المعتبر : ٣٠٢ .
(٦) اُنظر : حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ .
(٧) صحيح البخاري ٣ : ٣٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٧ / ٢٣٦٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٧ / ٧٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٩ / ١٦٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٧٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ .
(٨) النهاية : ١٤٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ ، المقنعة : ٥٤ .
الأكل والشرب والنساء والارتماس في الماء » (١) .
ولا حجّة فيه ؛ لجواز التضرّر بالتحريم دون الإِفساد ، كما هو القول الآخر للشيخ (٢) ؛ لأنّ إسحاق بن عمار قال للصادق عليه السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : « ليس عليه قضاء ولا يعودنّ » (٣) .
قال الشيخ : لست أعرف حديثاً في إيجاب القضاء والكفّارة ، أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء (٤) .
وقال السيد المرتضى : لا يفسد الصوم ، وهو مكروه (٥) ؛ وبه قال مالك وأحمد (٦) والحسن والشعبي (٧) .
وقال باقي الجمهور : إنّه غير مكروه أيضاً (٨) .
ولا بأس بصبّ الماء على الرأس للتبرّد والاغتسال من غير كراهة .
ولو ارتمس (٩) فدخل الماء إلى حلقه ، أفسد صومه ، سواء كان دخول الماء اختياراً أو اضطراراً ، إذا كان الارتماس اختياراً .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ ، و ٢٠٢ / ٥٨٤ و ٣١٨ ـ ٣١٩ / ٩٧١ ، والاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ وفيه وفي الموضعين الأوّلين من التهذيب : ثلاث خصال .
(٢) الاستبصار ٢ : ٨٥ ذيل الحديث ٢٦٣ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ / ٦٠٧ و ٣٢٤ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٨٥ / ٢٦٣ .
(٤) الاستبصار ٢ : ٨٥ ذيل الحديث ٢٦٣ .
(٥) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ .
(٦) حكاه عنهما ، المحقق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : المغني ٣ : ٤٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٢ .
(٧) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ .
(٨) حكاه المحقق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، والمجموع ٦ : ٣٤٨ .
(٩) في « ف » زيادة : في الماء .
ولو صبّ الماء على رأسه ، فدخل حلقه متعمّداً ، أفسد صومه . وكذا لو كان الصبّ يؤدّي إليه قطعاً مع الاختيار لا الاضطرار ، ولو لم يؤدّ ، لم يفسد .
الحادي عشر : قال المفيد وأبو الصلاح : السعوط (١) الذي يصل إلى الدماغ من الأنف مفسد للصوم مطلقاً (٢) ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (٣) ـ لأنّ النبي عليه السلام ، قال للقيط بن صبرة : ( وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائماً ) (٤) .
ولأنّ الدماغ جوف ، فالواصل اليه يُغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن .
والمنع إنّما كان للخوف من النزول الى الحلق ؛ لعروضه في الاستنشاق غالباً ، والتغذية لا تحصل من ذلك . واشتراك الدماغ والمعدة في اسم الجوف لا يقتضي اشتراكهما في الحكم .
وقال الشيخ : إنّه مكروه لا يفسد الصوم ، سواء بلغ الى الدماغ أو لا ، إلّا ما نزل إلى الحلق ؛ فإنّه يفطر ، ويوجب القضاء (٥) ؛ وبه قال مالك والأوزاعي وداود (٦) ، وهو المعتمد ؛ عملاً بالأصل .
مسألة ٩ : يكره مضغ العِلك ، وليس محرَّماً ـ وبه قال الشعبي والنخعي
__________________
(١) السعوط : الدواء يصبّ في الأنف . الصحاح ٣ : ١١٣١ .
(٢) المقنعة : ٥٤ ، الكافي في الفقه ١٨٣ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ .
(٤) سنن أبي داود ١ : ٣٥ ـ ٣٦ / ١٤٢ و ٢ : ٣٠٨ / ٢٣٦٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٥ / ٧٨٨ ، سنن النسائي ١ : ٦٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤٢ / ٤٠٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ١٤٨ .
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ .
(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٤ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٧ .
وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (١) ـ للأصل .
ولأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم يمضغ العِلك ، فقال : « نعم » (٢) .
ولا فرق بين ذي الطعم وغيره ، ولا بين القوي الذي لا يتحلّل أجزاؤه والضعيف الذي يتحلّل إذا تحفّظ من ابتلاع المتحلّل من أجزائه وإن وجد طعمه في حلقه .
مسألة ١٠ : لا بأس بما يُدخله الصائم في فمه إذا لم يتعدّ الحلق ، كمصّ الخاتم ومضغ الطعام وزقّ (٣) الطائر وذوق المرق ؛ لقوله عليه السلام : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته (٤) ) (٥) .
وسئل الصادق عليه السلام ، عن صبّ الدواء في اُذن الصائم ، فقال : « نعم ويذوق المرق ويزقّ الفَرخ » (٦) .
فإن أدخل شيئاً في فمه وابتلعه سهواً ، فإن كان لغرض صحيح ، فلا قضاء عليه ، وإلّا لزمه .
ولو تمضمض فابتلع الماء سهواً ، فإن كان للتبرّد ، فعليه القضاء ، وإن كان للصلاة ، فلا شيء عليه .
وكذا لو ابتلع ما لا يقصده كالذباب وقَطر المطر ، فإن فَعَله عمداً أفطر .
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ ـ ٧٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤١ .
(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ١٠٠٢ .
(٣) زقّ الطائر فَرخَه : أطعمه بفيه . الصحاح ٤ : ١٤٩١ .
(٤) مجّ الرجل الشراب من فيه : إذا رمى به . الصحاح ١ : ٤٠ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ٦١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٣١ ، وليس فيها ( ثم مججته ) .
(٦) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤١ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٧ .
مسألة ١١ : ولا بأس بالسواك للصائم ، سواء الرطب واليابس ، في أول النهار أو آخره عند علمائنا ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة (١) ـ لأنّ عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي صلّى الله عليه وآله ، ما لا اُحصي يتسوّك وهو صائم (٢) .
ومن طريق الخاصة : قول الحلبي : سألت الصادق عليه السلام : أيستاك الصائم بالماء والعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : « لا بأس به » (٣) .
وقال أحمد : يكره بالرطب مطلقاً ، ويكره باليابس بعد الزوال ـ وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق وقتادة والشعبي والحكم (٤) ـ لقوله عليه السلام : ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلّا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامة ) (٥) .
ويحمل على التسوّك لاستجلاب الريق ؛ لدلالة آخر الحديث عليه .
تذنيب :
يجوز أن يتسوّك بالماء وبالمبلول به ، ويتحفّظ من ابتلاع الرطوبة .
مسألة ١٢ : إنّما يبطل الصوم بالمفطرات لو وقع عمداً ، أمّا لو وقع نسياناً فلا ، على ما يأتي الخلاف فيه .
وكذا ما يحصل من غير قصد ، كالغبار الداخل من غير قصد ، وماء المضمضة ، وكما لو صُبّ في حلقه شيء كرهاً ، فإنّه لا يفسد صومه إجماعاً .
أمّا لو اُكره على الإِفطار بأن توعَّده وخوَّفه حتى أكل ، قال الشيخ : إنّه
__________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، التفريع ١ : ٣٠٨ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٧ / ٢٣٦٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٤ / ٧٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٠٢ / ٣ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٩١ / ٢٩١ .
(٤) المغني ٣ : ٤٥ ـ ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٣ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ .
(٥) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٤ : ٧٨ / ٣٦٩٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٠٤ / ٧ و ٨ .
يفطر (١) ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك (٢) ـ وللشافعي قولان (٣) ـ لأنّ الصوم الإِمساك ، ولم يتحقّق .
ولأنّه فَعَل ضدّ الصوم ذاكراً له ، غايته أنّه فعله لدفع الضرر عن نفسه ، لكنه لا أثر له في دفع الفطر ، كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش .
ويحتمل : عدم الإِفطار ـ وبه قال أحمد والشافعي في الثاني من قوليه (٤) ـ لقوله عليه السلام : ( رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (٥) .
ولأنّه غير متمكّن ، فلا يصحّ تكليفه .
ولو فَعَل المُفطِرَ جاهلاً بالتحريم ، أفسد صومه ؛ لأنّ له طريقاً الى العلم ، فالتفريط من جهته ، فلا يسقط الحكم عنه .
ويحتمل : العدم كالناسي .
ولأنّ زرارة وأبا بصير سألا الباقر عليه السلام ، عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، وأتى أهله وهو مُحرِم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شيء » (٦) .
ويمكن حمله على الكفّارة والإِثم .
ولو أكل ناسياً ، فظنّ إفساد صومه ، فتعمّد الأكل ، قال الشيخ : يفطر ،
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣ .
(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨ .
(٤) المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ و ٣٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨ .
(٥) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٣ .
وعليه القضاء والكفّارة . قال : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه يقضي ولا يكفّر (١) .
والمعتمد : ما اختاره الشيخ .
مسألة ١٣ : قد سبق (٢) أنّه لو نوى الإِفطار بعد انعقاد الصوم ، لم يفطر ؛ لانعقاده شرعاً ، فلا يبطل إلّا بوجه شرعي .
هذا إذا عاد إلى نيّة الصوم ، ولو لم يَعُد ، فالوجه القضاء ـ وبه قال أصحاب الرأي والشافعية في أحد الوجهين (٣) ـ لأنّه لم يصم لفوات شرطه ، وهو : النية المستمرة فعلاً أو حكماً ، فلا يعتدّ بإمساكه .
وقال أحمد وأبو ثور والشافعية في الوجه الثاني : يفطر مطلقاً (٤) .
وعلى كلّ تقدير ، فلا كفّارة ؛ لأصالة البراءة ، السالم عن الهتك .
ولو نوى القطع في النفل ، لم يصح صومه . وإن عاد فنواه ، صحّ ، كما لو أصبح غير ناو للصوم .
ولو نوى أنّه سيفطر بعد ساعة اُخرى ، لم يفطر ؛ لأنّه لو نوى الإِفطار في الحال ، لم يفطره ، فالأولى في المستقبل عدمه .
ولو نوى أنّه إن وجد طعاماً أفطر ، وإن لم يجد لم يفطر ، لم يبطل صومه ؛ لأنّ نيّة الجزم بالإِفطار غير مؤثّرة فيه ، فمع التردّد أولى .
وقد نازع بعض المشترطين لاستمرار حكم النيّة في الموضعين .
وقال الشيخ : لو نوى الإِفطار في يوم يعلمه من رمضان ، ثم جدّد نيّة الصوم قبل الزوال ، لم ينعقد (٥) .
وهو جيّد وإن كان فيه كلام .
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣ .
(٢) سبق في الفرع « د » من المسألة ٣ .
(٣ و ٤) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ .
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٧ .
الفصل الثالث فيما يوجب القضاء والكفّارة أو القضاء خاصة
مسألة ١٤ : الجماع عمداً في فرج المرأة يوجب القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامة العلماء (١) ـ لأنّ رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : هلكت ، فقال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا ، قال : فهل تستطيع إطعام ستين مسكيناً ؟ ) قال : لا أجد ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ( اجلس ) فجلس ، فبينا هو جالس كذلك ، اُتي بعَرَقٍ (٢) فيه تمر ، فقال له النبي عليه السلام : ( اذهب فتصدّق به ) فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما بين لابتيها (٣) أهل بيت أحوج منّا ، فضحك
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ .
(٢) العَرَق : السفيفة المنسوجة من الخوص أو غيره قبل أن يجعل منه الزبيل . ومنه قيل للزبيل : عَرَق . الصحاح ٤ : ١٥٢٢ . وجاء في هامش « ن » : وبخط المصنّف : العرق : المكتل .
(٣) أي : لابتا المدينة المنورة . واللّابة : الحرّة . وهي : الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها . والمدينة تقع ما بين حرّتين عظيمتين . النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٧٤ « لوب » .
النبي عليه السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك ) (١) .
ونحوه من طريق الخاصة (٢) .
وقال النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه (٣) .
وهو خرق الإِجماع ، فلا يلتفت اليه .
إذا عرفت هذا ، فقد أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين (٤) .
والإِجماع يبطله ، ولا منافاة .
وللشافعي قول : إنّه إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبي عليه السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء (٥) .
وهو خطأ ؛ لأنّه عليه السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه ) (٦) .
ولا فرق بين وطء الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها .
مسألة ١٥ : ويفسد صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ـ ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت يسير .
(٢) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٨١ / ٢٤٥ .
(٣) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ .
(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ .
(٥) المجموع ٦ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦ .
(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧ .