السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-189-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٣
فكيف يعطيه اللواء ، وهو لا يبصر طريقه؟!
رابعا : قال المفيد : «كانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين «عليهالسلام» ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب» (١).
أي إن هذا الرمد قد عرض له بعد أن تسلم الراية ..
خامسا : إن الرواية نفسها تدل على أن رمد عيني علي «عليهالسلام» قد كان طارئا في تلك الفترة ، وأنه لم يدم برهة ، بحيث يصل خبر ذلك إلى النبي «صلىاللهعليهوآله».
فقد ذكرت الرواية : أنه في يوم قتل مرحب : أصبح رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فصلى الغداة ، ثم دعا باللواء ، ووعظ الناس ، فقال : أين علي؟
قالوا : يشتكي عينيه.
قال : فأرسلوا إليه ..
فلما جيء به قال له النبي «صلىاللهعليهوآله» : ما لك؟!
قال : رمدت ، حتى لا أبصر ما قدامي.
فظاهر السياق يعطي : أن الناس كانوا يرون : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يكن على علم بأمر الرمد ، فأخبروه به.
وسؤال النبي «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» : ما لك؟ وجواب علي «عليهالسلام» له يقطع كل عذر ، ويزيل كل شبهة في ذلك.
ولو كان علي «عليهالسلام» غائبا عن ساحة القتال كل هذه الأيام ، لعلم بذلك رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، لا سيما وأنه هو الذي يعتمد
__________________
(١) راجع : الإرشاد ج ١ ص ١٢٦.
عليه في حروبه ، وهو القريب منه ، والذي يواصل الاتصال به ، والتفقد له ، وهو حامل لوائه ، وقائد جيوشه ..
علي عليهالسلام فاجأهم :
وفي البخاري وغيره : أن عليا «عليهالسلام» رمدت عيناه في المدينة ، فلما خرج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لحق به ، فوصل في لحظة إعطاء الراية.
ففاجأ حضور علي «عليهالسلام» الناس ، لأنهم كانوا لا يرجون حضوره ، حتى إنهم حين رأوه قالوا بعفوية : هذا علي.
ونقول :
قد ذكرنا فيما تقدم : أن رمد عيني علي «عليهالسلام» إنما حصل في أواخر أيام الحصار ، بل لقد صرحت بعض الروايات : أن الرمد إنما أصابه بسبب دخان الحصن ..
وأما الحديث الدال على أنهم فوجئوا بحضور علي «عليهالسلام» ، فقد يكون بعضه صحيحا إذا كان أكثر الناس لم يلتفتوا ، أو لم يسمعوا كلام النبي «صلىاللهعليهوآله» ، حين سأل عن علي «عليهالسلام» ، فتصدى عمار بن ياسر ، أو سلمة بن الأكوع لإخباره أو إحضاره. فلما جاء به فوجئوا بحضوره.
أما إن كان المقصود : أنهم كانوا يعتقدون أن رمده قد منعه من الخروج مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من المدينة إلى خيبر ، ثم لحق به ..
فقد تقدم : أنه لم يفارق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» منذ خروجه من المدينة ، حسبما أوضحناه.
لباس علي عليهالسلام في الحر والبرد :
ورووا عن علي «عليهالسلام» أنه قال : إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، فقلت : يا رسول الله ، إني أرمد!!
فتفل في عيني ، فقال : اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ.
وذكروا : أنه «عليهالسلام» كان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين. ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين (١).
ونقول :
أولا : قد ذكروا : أن رجلا دخل على علي «عليهالسلام» وهو يرعد
__________________
(١) مسند أحمد ج ١ ص ٩٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦ وسنن ابن ماجة (ط المكتبة التازية بمصر) ج ١ ص ٥٦ والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص ٥ والعقد الفريد (ط مكتبة الجمالية بمصر) ج ٣ ص ٩٤ وكفاية الطالب (ط الغري) ص ١٣٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٤٩ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٢ وتذكرة الخواص ص ٢٥ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ٢ ص ١٨٨ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٥٢ و ٢٥٣ والبحار ج ٢١ ص ٤ و ٢٠ و ٢٩ عن الخرايج والجرايح ، وعن الخصال ج ٢ وعن دلائل النبوة للبيهقي والميزان (تفسير) ج ١٨ ص ٢٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ١٠٦ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢١٤ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج ١٣ ص ١٢١ عن ابن جرير ، والبزار ، وأحمد ، وابن أبي شيبة ، والطيالسي ، والمستدرك ، والبيهقي ، وغيرهم والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٩٧ ومناقب أمير المؤمنين ج ٢ ص ٨٨ و ٨٩ ومجمع البيان (ط سنة ١٤٢١ ه) ج ٩ ص ١٥٥.
تحت سمل قطيفة ، (أي قطيفة خلقة) فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله جعل لك في هذا المال نصيبا ، وأنت تصنع بنفسك هكذا.
فقال : لا أرزؤكم من مالكم شيئا ، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة (١).
قال الحلبي : «قد يقال : لا مخالفة ، لأنه يجوز أن تكون رعدته رضياللهعنه ليست من البرد ، خلاف ما ظنه السائل ، لجواز أن تكون لحمى أصابته في ذلك الوقت» (٢).
ويرد عليه :
أن هذا تأويل بارد ، ورأي كاسد ، بل فاسد ؛ فإن ظاهر الكلام : أن رعدته قد كانت بسبب رقة ما يلبسه ، وهو قطيفة خلقة (أي بالية) ، وأنه لو استفاد من نصيبه من المال ، ولبس ما يدفع هذا البرد لم يكن ملوما. فما يجري له كان هو السبب فيه ، وهو الذي أورده على نفسه .. وقد أصر «عليهالسلام» على عدم المساس بالمال الذي تحت يده.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦ وحلية الأبرار ج ٢ ص ٢٤٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٧٧ وعن ينابيع المودة ج ٢ ص ١٩٥ والبحار ج ٤٠ ص ٣٣٤ والتذكرة الحمدونية (ط بيروت) ص ٦٩ ومختصر حياة الصحابة (ط دار الإيمان) ص ٢٥٣ والأموال (ط دار الكتب العلمية) ص ٢٨٤ وقمع الحرص بالزهد والقناعة ص ٧٩ وصفة الصفوة (ط حيدر آباد الدكن) ج ١ ص ١٢٢ وحلية الأولياء ج ١ ص ٨٢ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ٨ ص ٢٩٥ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج ١ ص ٢٨٤ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ١٧٣.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦.
ولعلهم أرادوا في جملة ما أرادوه من هذا الحديث : أن يشككوا الناس بزهده «عليهالسلام» في ملبسه ، وأن يقولوا لهم : إن ذلك بسبب عدم شعوره بحر ولا برد.
ثانيا : إننا لا نجد أي ارتباط بين شكوى علي «عليهالسلام» من الرمد ، وبين الدعاء المنسوب للنبي «صلىاللهعليهوآله» وهو : اللهم أذهب عنه الحر والبرد. فإنه «عليهالسلام» لم يكن يشكو من حر ولا برد.
بل كانت شكواه من رمد عينيه ، فهل هذا إلا من قبيل أن تقول لإنسان : إني عطشان ، فيقول لك : نم على السرير؟!
ثالثا : حتى لو كان قد دعا له بإذهاب البرد والحر عنه .. فإنه لا يجب استمرار أثر ذلك حتى الممات ، بل يكفي أن لا يشعر بالبرد والحر في ذلك اليوم ، أو في أيام خيبر مثلا.
ويدل على ذلك : أنهم قد رووا عن بلال ، قوله : أذّنت في غداة باردة فخرج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فلم ير في المسجد أحدا ، فقال : أين الناس يا بلال؟!
قال : منعهم البرد.
فقال : اللهم أذهب عنهم البرد.
قال بلال : فرأيتهم يتروحون (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢١٤ عن البيهقي ، وأبي نعيم ، والطبراني وجمع الزوائد للهيثمي ج ١ ص ٣١٨ والكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٤٦ والموضوعات لابن الجوزي ج ٢ ص ٩٣ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٠٩ وميزان الإعتدال ج ١ ص ٢٨٩ ولسان الميزان لابن حجر ج ١ ص ٤٨٢ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٨٥.
فلماذا لم يستمر ذهاب البرد عنهم إلى أن خرجوا من الدنيا؟ كما يزعمونه بالنسبة لعلي «عليهالسلام»؟!
أم أن هذه هي القصة الواقعية ، وقد استفيد منها في قصة خيبر ، لحاجة في أنفسهم؟!
الفصل الثالث :
قتل مرحب .. أحداث وتفاصيل
علوتم والذي أنزل التوراة :
وعن قول اليهودي لما سمع باسم علي «عليهالسلام» : علوتم ، والذي أنزل التوراة على موسى ، نقول :
إن أبا نعيم قال : «فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم ، بتوجيه من الله وجهه إليهم ، ويكون فتح الله تعالى على يديه».
وهي التفاتة جليلة من أبي نعيم ، ويؤيدها :
أولا : ما روي من أنه «صلىاللهعليهوآله» قد قال لعلي «عليهالسلام» : خذ الراية ، وامض بها فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في قلوب القوم ..
واعلم يا علي ، أنهم يجدون في كتابهم : أن الذي يدمر عليهم اسمه (إيليا) ، فإذا لقيتهم فقل : أنا علي.
فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى الخ .. (١).
ثانيا : إن مرحبا نفسه قد هرب لما سمع باسم علي «عليهالسلام» ، وكانت ظئره قد أخبرته : بأن اسم قاتله حيدرة.
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ١٥ عن الإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٢٦ وراجع : كتاب الأربعين للماحوزي ص ٢٩٥ وكشف الغمة للإربلي ج ١ ص ٢١٣.
وقد زعموا : أنها قالت له ذلك : لأنها كانت تتعاطى الكهانة.
والجواب : إن كونها تتعاطى الكهانة لا يعطيها القدرة على معرفة الغيب الإلهي ، فإنه تعالى وحده (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ..) (١).
ويشهد لذلك : أننا وجدنا في جملة الأقوال حول تسمية علي «عليهالسلام» بحيدرة : أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد ، والأسد هو الحيدرة ..
وسيأتي بعض الحديث عن ذلك ، تحت عنوان : «من سمى عليا «عليهالسلام» بحيدرة» إن شاء الله تعالى.
ولعل هناك من يريد اعتبار قول اليهودي : علوتم (أو غلبتم) والذي أنزل التوراة على موسى ، قد جاء على سبيل التفؤل بالاسم ..
ونحن وإن كنا لا نصر على بطلان هذا الاحتمال ، باعتبار أن الذين يشتد تعلقهم بالدنيا يتشبثون ولو بالطحلب ، ويخافون حتى من هبوب الرياح ، ويتشاءمون ويتفاءلون بالخيالات والأشباح ..
غير أننا نقول :
إنه مع وجود الشواهد والمؤيدات لما ذكره أبو نعيم ، لا يبقى مجال لترجيح الاحتمال الآخر ..
ونزيد هنا : أن ما أكد لهم صحة ما ورد في كتبهم ، هو ما تناهى إلى مسامعهم من مواقف علي «عليهالسلام» التي تظهر أنه أهل لما أهّله الله تعالى له ، كما دلت عليه معالي أموره في المواقع المختلفة في الحرب ، وفي
__________________
(١) الآيتان ٢٦ و ٢٧ من سورة الجن.
السلم على حد سواء ، ومن ذلك مبيته «عليهالسلام» على فراش النبي «صلىاللهعليهوآله» ليلة الهجرة ، وجهاده في بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والنضير ، و .. و .. الخ ..
قتل علي عليهالسلام مرحبا والفرسان الثمانية :
قالوا : ثم خرج أهل الحصن إلى ساحة القتال .. أما رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فإنه لما أصبح أرسل إلى علي «عليهالسلام» وهو أرمد ، فتفل في عينيه. قال علي «عليهالسلام» : فما رمدت حتى الساعة. ودعا له ، ومن معه من أصحابه بالنصر.
فكان أول من خرج إليهم الحارث أبو زينب ، أخو مرحب في عادية (أي ممن يعدون للقتال على أرجلهم) ـ قال الحلبي : وكان معروفا بالشجاعة ـ فانكشف المسلمون ، وثبت علي «عليهالسلام» ، فاضطربا ضربات ، فقتله علي «عليهالسلام».
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن ، وأغلقوا عليهم ، ورجع المسلمون إلى موضعهم ..
وخرج مرحب وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب |
|
الخ ... |
فحمل عليه علي «عليهالسلام» فقطّره (أي ألقاه على أحد قطريه ، أي جانبيه) على الباب ، وفتح الباب ، وكان للحصن بابان (١).
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٣ و ٦٥٤ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤.
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن ، وبرز عامر ، وكان رجلا جسيما طويلا ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين برز وطلع عامر : «أترونه خمسة أذرع»؟ وهو يدعو إلى البراز.
فخرج إليه علي بن أبي طالب «عليهالسلام» ، فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم ذفّف عليه ، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق : ثم برز ياسر وهو يقول :
قد علمت خيبر أني ياسر |
|
شاكي السلاح بطل مغاور |
إذا الليوث أقبلت تبادر |
|
وأحجمت عن صولة المساور |
إن حسامي فيه موت حاضر |
قال محمد بن عمر : وكان من أشدائهم ، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوسا.
فبرز له علي بن أبي طالب ، فقال له الزبير بن العوام : أقسمت إلا خليت بيني وبينه ، ففعل.
فقالت صفية لما خرج إليه الزبير : يا رسول الله ، يقتل ابني؟
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «بل ابنك يقتله ، إن شاء الله» ، فخرج إليه الزبير وهو يقول :
قد علمت خيبر أني زبار |
|
قرم لقرم غير نكس فرار |
ابن حماة المجد ، ابن الأخيار |
|
ياسر لا يغررك جمع الكفار |
فجمعهم مثل السراب الختار |
ثم التقيا فقتله الزبير.
قال ابن إسحاق : وذكر أن عليا هو الذي قتل ياسرا.
قال محمد بن عمر : وقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» للزبير لما قتل ياسرا : فداك عم وخال.
ثم قال : «لكل نبي حواري ، وحواري الزبير وابن عمتي» (١).
وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم ، والبيهقي : أن مرحبا خرج وهو يخطر بسيفه.
وفي حديث ابن بريدة ، عن أبيه : خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني ، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب |
|
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الليوث أقبلت تلهب |
قال سلمة : فبرز له عامر (أي عامر بن الأكوع) وهو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر |
|
شاكي السلاح بطل مغامر |
قال : فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب عامر يسفل له ، وكان سيفه فيه قصر ، فرجع سيفه على نفسه ، فقطع أكحله ، وفي رواية : أصاب عين ركبته ، وكانت فيها نفسه.
قال بريدة : فبرز مرحب وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب |
|
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الليوث أقبلت تلهب |
|
وأحجمت عن صولة المغلب |
__________________
(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٥ و ١٢٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥١.
فبرز له علي بن أبي طالب «عليهالسلام» ، وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها ، وهو يقول :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة |
|
كليث غابات كريه المنظرة |
أوفيهم بالصاع كيل السندرة |
فضرب مرحبا ففلق رأسه ، وكان الفتح (١).
وفي نص آخر : أن عليا «عليهالسلام» أجاب مرحبا بقوله :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة |
|
كليث غابات كريه المنظرة |
عبل الذراعين شديد القصورة |
|
أضرب بالسيف وجوه الكفرة |
ضرب غلام ماجد حزوّرة |
|
أكيلكم بالسيف كيل السندرة (٢) |
وفي حديث بريدة ، فاختلفا ضربتين ، فبدره علي «عليهالسلام» بضربة (بذي الفقار) فقدّ الحجر ، والمغفر ، ورأسه ، ووقع في الأضراس ، وأخذ المدينة.
وفي نص آخر : سمع أهل العسكر صوت ضربته. وقام الناس مع علي
__________________
(١) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٥ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٣٣ و ٣٥١ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية بطهران) ص ١٧٦ ولباب التأويل ج ٤ ص ١٨٢ و ١٨٣ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج ١ ص ١٨٥ و ١٨٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها ومعالم التنزيل (ط مصر) ج ٤ ص ١٥٦ وحياة الحيوان ج ١ ص ٢٣٧ وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج ٣ ص ١٥٧ وينابيع المودة (ط بمبي) ص ٤١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٥٧.
(٢) تذكرة الخواص ص ٢٦.
حتى أخذ المدينة (١).
وفي نص آخر : ضربه على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.
قال : وما تتام آخر الناس مع علي «عليهالسلام» حتى فتح لأولهم (٢).
وفي نص آخر : «فخرج يهرول هرولة ، فو الله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا.
وصاح سعد : اربع يلحق بك الناس.
فأقبل حتى ركزها قريبا من الحصن الخ ..» (٣).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٦ و ١٢٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٢ و ٣٧ و ٣٨ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها ، ولباب التأويل ج ٤ ص ١٨٢ و ١٨٣ ومعارج النبوة ص ٢١٩ والإصابة ج ٢ ص ٥٠٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٢٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٣٧ ومعالم التنزيل ج ٤ ص ١٥٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٠ وراجع بعض ما تقدم في : إمتاع الأسماع ص ٣١٥ و ٣١٦.
(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٣٧ وراجع : العمدة لابن البطريق ص ١٤١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٥ والسنن الكبرى ج ٥ ص ١١٠ و ١٧٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٩٥ وعن الإصابة ج ٤ ص ٤٦٦ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٠٠ وفضائل الصحابة لابن حنبل ج ٢ ص ٦٠٤.
(٣) البحار ج ٢١ ص ٢٢ عن إعلام الورى ج ١ ص ٢٠٨ وفي هامشه قال : انظر الإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٢٥ والخرائج والجرائح ج ١ ص ١٥٩ و ٢٤٩ والمغازي للواقدي.
وفي بعض النصوص : «أن مرحبا لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن في سلاحه ، أي وقد كان لبس درعين ، وتقلد بسيفين ، واعتم بعمامتين ، ولبس فوقهما مغفرا ، وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان ، وذكر أن ياسرا خرج بعد مرحب» (١).
ولم يكن بخيبر أشجع من مرحب ولم يقدر أحد من أهل الإسلام أن يقاومه في الحرب (٢).
وزعموا : أن محمد بن مسلمة قتل أسيرا أيضا (٣).
وعن علي «عليهالسلام» قال : لما قتلت مرحبا ، جئت برأسه إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (٤).
قال الديار بكري : قيل هذا ـ أي قتل علي مرحبا ـ هو الصحيح ، وما نظمه بعض الشعراء يؤيده ، وهو :
علي حمى الإسلام من قتل مرحب |
|
غداة اعتلاه بالحسام المضخم |
وفي رواية قتله محمد بن مسلمة (٥).
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٧ و ٣٨ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٠.
(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٠.
(٣) إمتاع الأسماع ص ٣١٥.
(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٢٧ ومسند أحمد ج ١ ص ١١١ وتذكرة الخواص ص ٢٦ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٥ فما بعدها ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٦ ص ١٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٧.
(٥) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٠ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٥ عن جماعة من السفاف والمعاندين ادّعوا : أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة ، وادّعوا ، وادّعوا.
وسيأتي الكلام حول ذلك ، وأنه مكذوب ومختلق.
ولنا مع هذه النصوص وقفات عديدة ، نكتفي منها بما يلي :
قطع رأس مرحب لماذا؟!
بالنسبة لما روي من أن عليا «عليهالسلام» قد قطع رأس مرحب ، وجاء به إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، نقول :
أولا : هو أمر لم نعهده منه «عليهالسلام» في مختلف مواقفه الجهادية ..
وثانيا : إننا لا نرى مبررا لتصرف كهذا. فإن النبي «صلىاللهعليهوآله» وكذلك علي «عليهالسلام» لم يكونا ممن يرغب في التشفي من الأشخاص ، لا في حياة أولئك الأشخاص ، ولا بعد مماتهم ، بل كانا يريدان دفع الفساد ، وإقامة الدين.
ثالثا : إنه إذا كان «عليهالسلام» قد شق رأس مرحب وجسده نصفين حتى بلغ السرج (١) ، كما ذكرته بعض الروايات ؛ فإن قطع الرأس في هذه الحال يصبح بمثابة جمع أشلاء ، وحمل قطع ذات منظر مثير ، وهو أمر لا يليق فعله بالإنسان العادي ، فكيف بأنبل الناس ، وأشرفهم ، وأكرمهم؟!
صفية تتدخل لمصلحة ولدها :
وأما قصة الزبير ، وأن أمه قد خافت عليه ، حين برز لذلك اليهودي. فنحن نشك في صحتها. وذلك لما يلي :
أولا : إنهم يقولون : إن هذه القضية قد حصلت في بني قريظة ، حيث
__________________
(١) معارج النبوة ص ٣٢٣ و ٢١٩.
برز أحد الأعداء ، فقال النبي «صلىاللهعليهوآله» للزبير : قم يا زبير.
فقالت أمه صفية : واحدي يا رسول الله.
فقال «صلىاللهعليهوآله» أيهما علا صاحبه قتله ، فعلاه الزبير فقتله. فنفله رسول الله «صلىاللهعليهوآله» سلبه وقال : السلب للقاتل (١).
ثم نجد الحلبي يشكك في هذه القضية أيضا ، فيقول : فليتأمل ، فإني لم أقف في كلام أحد على أن بني قريظة وقعت منهم مقاتلة بالمبارزة (٢)
فأي ذلك هو الصحيح؟!.
ثانيا : قولهم : إنه «صلىاللهعليهوآله» قد قال للزبير حين قتل ياسرا : فداك عم ، وخال .. يثير أمامنا سؤالا عن السبب في اختيار تفديته بالعم والخال ، دون الأب والأم كما هو المعتاد ، ومن هو العم المقصود بالتفدية؟! فهل أراد أن يفديه بعمه المشرك أبي لهب ، أو بعمه الآخر أبي طالب ، الذي يزعمون أنه مات مشركا أيضا؟! مع أن دعواهم الثانية في أبي طالب محض افتراء وبهتان ، كما أثبتناه في كتابنا : «ظلامة أبي طالب عليهالسلام».
ومن هو الخال الذي يقصدونه؟ وهل كان مسلما أم مشركا؟!
ولماذا ترك «صلىاللهعليهوآله» تفدية الزبير بأبويه ، مع أنهم يزعمون أنه كان قد فداه بهما في أحد ، وفي بني قريظة (٣).
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨ عن الزمخشري والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٤.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٠٥.
(٣) المواهب اللدنية ج ١ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٧ وراجع ص ٣٢٧ و ٣٢٨ كلاهما عن الشيخين.
وقال الترمذي : حديث حسن. والتاريخ الكبير للبخاري ج ٦ ص ١٣.
قال ابن عبد البر : ثبت عن الزبير أنه قال : جمع لي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أبويه مرتين : يوم أحد ، ويوم بني قريظة.
فقال : ارم فداك أبي وأمي (١).
ورغم : أنهم يقولون هذا ، فإنهم ينكرونه في موضع آخر فيقولون أيضا : إنه «صلىاللهعليهوآله» لم يجمع أبويه لأحد إلا لسعد بن أبي وقاص (٢).
ثالثا : زعموا : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد قال للزبير حين قتل ياسرا : «لكل نبي حواري ، وحواري الزبير وابن عمتي».
مع أنهم يقولون : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال له ذلك ، حين جاءه بخبر بني قريظة (٣).
فأيهما هو الصحيح؟ وإن كنا نعتقد بعدم صحة أي منهما أيضا.
فقد ذكرنا في غزوة بني قريظة : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» إنما استخبر عن أمر بني قريظة بواسطة سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فلم
__________________
وقول الزبير الأخير : موجود في السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ و ١٠ وكذا في سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ لكنه لم يصرح ببني قريظة. وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٠ عن الصحيحين ، وليس فيهما تصريح ببني قريظة أيضا.
وفيه : أنه لما قال له الزبير : أنا ، قال : إن لكل نبي حواري ، وإن حواريي الزبير.
وراجع : صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي «صلىاللهعليهوآله» ، باب مناقب الزبير.
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٧ و ٢٢٩.
(٢) السيره الحلبية ج ٢ ص ٢٢٩ وشرح مسلم للنووي ج ١٥ ص ١٨٤.
(٣) المغازي ج ٢ ص ٤٥٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٧.
يكن هناك حاجة لإرسال الزبير.
رابعا : صرحت بعض الروايات : بأن الزبير كان أيضا قد طلب الراية يوم خيبر ، وأنه كان قد فرّ بها ، وأنه «صلىاللهعليهوآله» لم يعطه إياها بل قال «صلىاللهعليهوآله» : والذي كرم الله وجه محمد لأعطين الراية رجلا لا يفر ، هاك يا علي (١).
وسيأتي بعض الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى ..
الزبير حواري رسول الله صلىاللهعليهوآله :
وأما الحديث الذي يقول : لكل نبي حواري ، وإن حواريي الزبير ، وابن عمتي ..
فلا نشك : في أنه مكذوب على الرسول «صلىاللهعليهوآله» ..
ويكفي أن نذكر شاهدا على ذلك :
أولا : روى الكشي بسنده عن أسباط بن سالم ، عن الإمام الكاظم «عليهالسلام» أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حوارييّ محمد بن عبد الله «صلىاللهعليهوآله» ، الذين لم ينقضوا العهد ، ومضوا عليه؟!
__________________
(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ وراجع : شرح الأخبار ج ١ ص ٣٢١ والعمدة ص ١٤٠ و ١٤٣ وفضائل الصحابة ج ٢ ص ٦١٧ ح ١٠٥٤ وص ٥٨٣ ح ٩٨٧ وذخائر العقبى ص ٧٣ عن مسند أحمد ج ٣ ص ١٦ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٥٠٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ١٠٤ و ١٠٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢١٢ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣١٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٢ وينابيع المودة ص ١٦٤ ومصادر أخرى تقدمت.